|
|||||||
|
على موقعها الإلكتروني بتاريخ 7\5\2014 قالت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن طائرة صهيونية قادمة من أوكرانيا وصلت مطار اللد وعلى متنها (20) مستجلبا يهودياً. وأشارت الصحيفة إلى تزايد أعداد اليهود المستجلبين من أوكرانيا في الأشهر الثلاثة الأخيرة بثلاثة أضعاف، بزعم "الأزمة التي تشهدها كييف"، مضيفة أن العملية تتم بإشراف "الوكالة اليهودية" المسؤولة عن تهجير اليهود في العالم. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الوكالة اليهودية أن "نحو 4200 مهاجر يهودي أوكراني وصلوا إلى الكيان الصهيوني منذ مطلع العام الحالي". ولتحقيق عملية استجلاب اليهود وقعت إسرائيل وأوكرانيا اتفاق للطيران يسمح لشركات الطيران بتسيير مزيد من الرحلات بين البلدين. ومكن الاتفاق زيادة الرحلات الجوية بين إسرائيل وأوكرانيا من 21 رحلة أسبوعيا إلى 48 رحلة. وقد وقع الاتفاق نائب رئيس الوزراء الأوكراني ورئيس إدارة الطيران الحكومية اناتولي كوليسنيك والمدير العام لسلطة الطيران المدني الإسرائيلية غيورا روم. وبموجب الاتفاق سيتم السماح لكل بلد لتشغيل 24 رحلة أسبوعياً بين تل أبيب وكييف بدلا من 21 رحلة أسبوعياً. وينص الاتفاق الجديد على زيادة 20 ٪ في عدد مقاعد السياحة الدينية خلال السنة اليهودية الجديدة ليصبح 22000 مقعداً (11000 لكل جانب). وسيتم تشغيل هذه الرحلات من قبل شركة العال واركيا واسراير وعدة شركات طيران أوكرانية. إن من يراقب جيداً أي أزمة تحدث في المنطقة، وكل المؤامرات التي تحاك لدول المنطقة، سيجد أن أصابع ورائحة الصهاينة تكمن فيها، في القاهرة، ودمشق، وبيروت، وبغداد، والخرطوم، وأديس أبابا، وأخيراً كييف، هناك دائماً رائحة المؤامرة الصهيونية. وما يؤكد ذلك أن هناك مقولة بارزة يرددها خبراء العلوم السياسية والعسكرية تقول: "ابحث عن الصهاينة.. ستعلم لماذا يشتعل العالم". وعندما نتناول أمر منطقة مشتعلة في إحدى قارات العالم، لا يهم إن كانت في حوض النيل لحصار مصر، أو كانت في العراق لبدء دولتها العظمي من النيل إلى الفرات، أو في البحرين المتوسط أو الأحمر. وفي موضوع الأزمة الأوكرانية نتساءل: ما هي مصلحة الكيان الصهيوني من وراء إشعال الوضع في أوكرانيا، وما هي الفائدة التي سيحققها في ظل استخدامه لأكثر من 350 ألف يهودي من أصول سلافية يهددون ويحرضون المعارضة ضد نظام الموالي لروسيا؟ السبب الاستراتيجي أوكرانيا ليست مصر، أو سوريا، أو إثيوبيا.. حتى نتذرع بفكر المؤامرة لإشعال تلك الأرض، التي تعد منفذاً مهماً لروسيا، لكن علينا أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة مهمة قبل أن نقول أن أصابع الكيان الصهيوني تشعل الأوضاع في حوض البحر الأسود أم لا. أول هذه الأسئلة، ماذا كان يفعل المفكر الصهيوني، برنار ليفي، بين المتظاهرين وسط العاصمة كييف؟ وما هي العلاقة الوثيقة بين أثرياء اليهود الأوكران، أمثال فيكتور بنيتشوك، مالك مجموعة شركات إنتربايب أوكرانيا، وإيغور كالامويكسي، الذي يملك مجموعة من البنوك، بصفتهم من الأثرياء الذين يريدون التخلص من نفوذ موسكو بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية؟ وما هو سر العداء الرهيب مع الأثرياء اليهود الذين فشلت إسرائيل في جذبهم لصالحها أمثال غينادي بوغولوبوف، مالك مجموعة البنوك، وبريفات وادوارد شيفرين، مالك مجموعة معامل الحديد، باعتبارهم إحدى العقبات أمام إسرائيل لجذب الجالية اليهودية؟. ما يؤكد حقيقة التغلغل الإسرائيلي في الأزمة الأوكرانية هو ما ذكرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية مؤخراً من أن اليهود الشباب كانوا في الخطوط الأمامية للاحتجاجات ضد الرئيس الأوكراني "يانوكوفيتش"، وهو ما كشفت عنه صحيفة "هاآرتس" حين أكدت مشاركة جندي سابق في الجيش الإسرائيلي بقيادة ميليشيات شاركت في الاضطرابات الأوكرانية، التي قادتها المعارضة، بهدف تدمير نفوذ روسيا، حتى أن الكيان الصهيوني لم يكتف بذلك، بل إنه تعامل مع النازيين الجدد، على الرغم من أنه ألد أعدائه ليحقق أهدافه. حقيقة أن إسرائيل كانت تسعى لوصول اليمين المتطرف إلى الحكم في "كييف" لسبب استراتيجي، وهو جلب عشرات آلاف اليهود الأوكرانيين إلى فلسطين المحتلة، للتأكيد على يهودية الدولة، فعدد اليهود في أوكرانيا يتراوح ما بين 300 إلى 400 ألفاً، بينهم أثرياء، ولعل دفع هؤلاء نحو الهجرة إلى فلسطين، يشكل مكسباً استراتيجياً للكيان الصهيوني، في ظل الفراغ الديموغرافي الذي تشهده إسرائيل، وتزايد معدلات هجرة اليهود العكسية من داخل الكيان إلى الخارج. كما أن عضو الكنيست المتطرف "موشيه فيجلين"، كشف مؤخراً عن توقعات بهجرة ضخمة من أوكرانيا ودول أوروبية أخرى ستصل إلى إسرائيل خلال الفترة القادمة، مشيرًا إلى أن على إسرائيل أن تستعد لاستقبال 1.5 مليون يهودي. وبذلك تكون إسرائيل قد حققت المعادلة الصعبة وضربت عصفورين بحجر واحد، أولها إلهاء روسيا ومنعها من مد نفوذها في الشرق الأوسط وخلق حلفاء استراتيجيين جدد لها، وثانيها ضمان عودة يهود أوكرانيا لأحضان إسرائيل بعد أحدث العنف والتوتر بين روسيا وأوكرانيا لتعويض حالة الهجرة العكسية التي تزعج القادة السياسيين، ومن جانب آخر تضمن انشغال العالم عن الشئون العربية بالأخص القضية الفلسطينية. ولم يعد خافياً كم التخوفات الصهيونية من التقارب المصري الروسي، في ظل الخلافات الحادة مع الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أن محللين إسرائيليين طبقاً لموقع "تيك ديبكا" الاستخباراتي الإسرائيلي، أكدوا أكثر من مرة على خطورة هذا التقارب على ميزان القوى، في ظل تسريبات عن صفقات ضخمة من الأسلحة الروسية لمصر، ممثلة في صواريخ ومقاتلات متطورة، وأنظمة دفاع جوي متقدّمة من طراز "S - 300، إضافة لدعمها لسورية. من هنا بدأت إسرائيل تفكر في كيفية إبعاد الدب الروسي عن الشرق الأوسط، ووجدت أن الحل الوحيد في "مبدأ شد الأطراف" بمعنى تأجيج الخلاف في بين أوكرانيا وروسيا لإبعاد "بوتين" وإلهائه عن مد نفوذه في الشرق الأوسط، وبالطبع استغلت في ذلك ألاعيبها الاستخباراتية بمساعدة الجالية اليهودية هناك. فما حدث في مصر كان صفعة للولايات المتحدة وإسرائيل، لأنه فكك مخطط ترسيم الشرق الأوسط الجديد التي كانت تسعى إليه أمريكا وإسرائيل، لافتًا إلى أنه أكثر ما أزعج أمريكا التقارب المصري الروسي، وسط ترحيب خليجي من أكبر دولتين في الخليج السعودية والإمارات. إن إسرائيل لديها أيادٍ خفية فيما يخص الأزمة الأوكرانية الروسية الآن، عن طريق تأجيج الصراع بينهما، وأن الأزمة بينهما حول شبه جزيرة القرم الواقعة جنوب أوكرانيا نشبت بعد التقارب الذي شهدته العلاقات المصرية- الروسية، وتحول روسيا لحليف جديد وظهير لدول لشرق الأوسط، وخصوصاً مصر واحتلالها للدور الأمريكي الذي امتد منذ عقد السبعينيات حتى ثورة 30 يونيو. ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى أن صفقات السلاح التي أبرمتها روسيا مع مصر أكثر ما أقلق القادة الإسرائيليين، خصوصاً أن مصدر السلاح على مدى العقود الماضية بمصر كان أمريكا وليس روسيا، وأن إسرائيل تخشى تكرار سيناريو الاتحاد السوفيتي، لذا عملت على إكفاء روسيا على أوضاعها الداخلية لتحجيم نفوذها في الشرق الأوسط. إذن لا يمكن استبعاد أي دور إسرائيلي أمريكي لما يحدث في جزيرة القرم الآن، وأن هناك أسباباً إسرائيلية منطقية تجعل الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية تعكف على تأجيج الصراع في تلك المنطقة بهدف إكفاء روسيا على نفسها، وعلى مشاكلها الداخلية وتحجيم نفوذها في منطقة الشرق الأوسط. انقسام عالمي إن المتابع لتطورات الأزمة الأوكرانية المفتعلة يرى الانقسام العالمي واضحاً ودور الغرب في تأجيجها تبعاً لمصالح كل دولة تشارك في هذه الأزمة. هذا الانقسام رأيناه أيضاً خلال السنوات الثلاث الماضية عبر أزمات كثيرة وقعت في الشرق الأوسط وامتدت لتلامس حدود دول كبرى من جراء الاصطفافات الحاصلة من خلال معسكرين الأول غربي تقوده الولايات المتحدة وأصابعها في تأجيج الأزمات والفوضى الحاصلة في دول ما يسمى بالربيع العربي، والآخر تقوده روسيا ومن معها من دول البريكس وإيران ودعمها لسورية التي تحتل موقعاً جيو/سياسياً هاماً في المنطقة. وبفعل الأزمة السورية عادت الاصطفافات بقوة لعجز الغرب عن إسقاط الدولة السورية ما حدا بالغرب إلى تأجيج أزمات أخرى لتثني موسكو عن دعمها لسورية فكانت الأزمة الأوكرانية التي تعد الحديقة الخلفية لروسيا، والمهم من وراء ذلك كله هو إسرائيل ودورها في الأزمة الأوكرانية والأهداف التي تريد الوصول إليها. وإذا دققنا جيداً في أي أزمة في المنطقة وكل المؤامرات التي تحاك لدول المنطقة نجد أن الأصابع الخفية التي تحركها ولمصلحتها هي إسرائيل، فما تتعرض له سورية من تدمير وإرهاب ممنهج لاشك أن وراءها إسرائيل لأن من مصلحتها تدمير القوة الأساسية التي تقف في وجه مشاريعها كونها دولة من محور المقاومة وداعمة لحركات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وبإسقاطها تزاح من طريقها أهم عقبة ويساعدها في ذلك الولايات المتحدة ضمن ما يسمى الآن بمشروع كيري الهادف لتصفية القضية الفلسطينية للوصول إلى هدف الاحتلال وهو يهودية الدولة الإسرائيلية، لكن عندما عجز الغرب وإسرائيل وبعض الدول الإقليمية في مقدمتها السعودية عن ضرب سورية بدأوا بالتحرك لافتعال الأزمة الأوكرانية... والعامل اللافت في ذلك هو دخول إسرائيل على خط هذه الأزمة ضمن جوقة الضغط الغربية إلا أنه لإسرائيل أهدافها فيما يتعلق بالجالية اليهودية في أوكرانيا والتي يقدر عددها بنحو ثلاثمائة وخمسين ألف شخص بينهم سياسيون كبار وأثرياء ليس في أوكرانيا فحسب بل في العالم إضافة إلى النشاط الاستخباراتي لهذه الجالية التي يوجد لإسرائيل والموساد اليد الطولى فيها، كما أن لبعض اليهود وليس جميعهم مصلحة في التخلص من النفوذ الروسي لأنهم يرون مصلحتهم مع الناتو وليس مع روسيا التي تخوض معركة جيو/سياسية في المنطقة لا تصب في مصلحة إسرائيل، ومن الأثرياء الذين يريدون التخلص من نفوذ موسكو فيكتور بنيتشوك مالك مجموعة شركات انتربايب أوكرانيا وايغور كالامويكسي الذي يملك مجموعة من البنوك وفي مقابل ذلك لم تستطع إسرائيل جذب أثرياء بعض اليهود في أوكرانيا إلى جانبها لأنهم ميالون إلى روسيا ومصالحهم مع روسيا ومنهم غينادي بوغولوبوف مالك مجموعة البنوك بريفات وادوارد شيفرين مالك مجموعة معامل الحديد وهذه هي إحدى العقبات أمام إسرائيل لجذب الجالية اليهودية. وعلى الرغم من ذلك فهي تعمل على هجرة هؤلاء إلى إسرائيل وهذا مهم جداً بالنسبة لها علماً بأن أعداداً كبيرة من الجالية اليهودية الأوكرانية هاجرت إلى إسرائيل لدى انهيار الاتحاد السوفيتي والهدف من وراء هذا كله هو إضفاء الشرعية على يهودية الدولة الإسرائيلية, كما ذكرنا أعلاه. إن كل ما جرى ويجري ليس بعيداً عن أعين واشنطن بل بدعم مباشر منها لهذه الاضطرابات فقد أرادت واشنطن دحرجة الأساليب القديمة بوجه روسيا لهذا دعمت وزجت بليفي لتحريض الأوكرانيين على مزيد من العنف والقوة بداعي الحرية والاستقلال على الرغم من أنه خلال ما سمي بالثورة البرتقالية في العام 2004 لم تسقط قطرة دم واحدة ولم تتوقف منشأة حكومية أو تحرق مؤسسات الدولة ولكن هذه المرة أرادوا أن يشعلوا كرة من النار في وجه الكرملين. فاستغل الصهيوني برنار ليفي الانقسام داخل المجتمع الأوكراني بين اتجاهين لإشعال الفوضى فنفث سمومه في آذان أحزاب المعارضة الثلاث الوطن – واودار وسبوفودا الفاشي. إلا أن هذه التطورات انعكست سلباً على الجالية اليهودية التي باتت قلقة من تفشي اللاسامية في أوكرانيا بعد أن ظهرت بوادر أولية عبر كتابات تستهدف عدداً من الأماكن اليهودية أيضاً يتابع بعضهم التطورات في شبه جزيرة القرم وينبري بعضهم لمناصرة المحتجين فيما يعرب آخرون عن إعجابهم ببوتين وهذا ما زاد من قلق إسرائيل التي دخلت مع الغرب في هذه الأزمة بهدف الضغط على موسكو بشأن سورية ولاستمالة الجالية اليهودية إلا أن هذين الهدفين لم يتحققا بل زادت الأمور تعقيدا دون أن يتنازل الروس عن أي ورقة من أوراقهم.. وبالتالي أصبح الغرب يخرجون من مأزق ويقعون في آخر، أما فيما يتعلق بسورية فالأزمة الأوكرانية جعلت الموقف الروسي يزداد صلابة أكثر من أي وقت مضى فزاد الدعم لسورية سياسياً وعسكرياً فيما كان الجيش العربي السوري يحقق انجازاته على الأرض من منطقة إلى أخرى، والأيام القادمة ستشهد مزيداً من التعقيد وستكون حاسمة وواعدة بكثير من الاحتمالات بينما تشهد العواصم الأساسية المعنية بأزمتي سورية وأوكرانيا الكثير من الاتصالات والتحركات الدبلوماسية وفي جعبة كل طرف معني بهاتين الأزمتين أوراقه للتفاوض بشأنها.. لكن ما نراه على أرض الواقع إلى الآن هو أوراق القوة التي تملكها سورية والدول الداعمة لها ولن يستطيع الغرب أن يغير شيئا لا في مواقف موسكو الداعمة لسورية ولا فيما يتعلق بأوكرانيا لان أوراق القوة لا تزال بيد الكرملين. الأصابع الإسرائيلية وهكذا تدحرجت الأزمة الأوكرانية ككرة الثلج، تظاهرات واعتصامات فمواجهات, لتتفجر الأزمة إثر رفض الحكومة توقيع اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي وتوجهها بدلاً من ذلك إلى تعزيز العلاقة مع روسيا، ولتسير متخذة أبعاد خطيرة، بعد تحولها إلى مواجهة بين روسيا والغرب، بخاصة بعد انضمام شبه جزيرة القرم لروسيا والأحداث المشتعلة في شرق أوكرانيا، والعقوبات الأمريكية على روسيا بعد اتهامها بالاعتداء على السيادة الأوكرانية. استغلت أمريكا والدول الغربية، وبحكم العادة، الاحتجاجات للتدخل في الشؤون الداخلية لأوكرانيا بحجة دعم المعارضة التي صنعت بأيد خارجية، في محاولة لإعادة مشهد الثورة البرتقالية إلى البلاد لوضعها في الجيب الغربية، وتحجيم الحضور الروسي في الساحة الأوكرانية، وهو ما تجلى منذ اللحظة الأولى بتأليب المعارضة وتحريضها على الاحتجاج، ولم تتوانَ واشنطن حينها عن إرسال فكتوريا نولاند مسؤولة الشؤون الخارجية الأمريكية لتلتقي المحتجين في ميدان الاستقلال في رسالة واضحة المرامي. كانت الولايات المتحدة تريد أن تستغل الأزمة الأوكرانية لتشويه صورة روسيا ومنع تمدد الدور الروسي الذي استعاد بعض البريق السوفييتي في السنوات الأخيرة، وبرز ذلك بوضوح خلال الأزمة في سورية، إذ منعت موسكو الغرب من التفرد بإدارة الأزمة وتوجيهها، وبرز ذلك في استخدام روسيا لحق النقض "الفيتو" مرات عديدة للحيلولة دون استخدام المنظمة الدولية ومجلس أمنها مطية لتبرير حروب الغرب العدوانية على نحو ما حصل في ليبيا، كما تريد من خلال الأزمة استعادة دورها وصورتها قطباً أوحد, هذا الدور الذي اهتز في الآونة الأخيرة, لاسيما وأن روسيا هي أكثر القوى العالمية لمواجهة محاولات فرض التفرد بشكل كامل على العالم، الأمر الذي أثبتته الأزمات الدولية المتفجرة أخيراً. ولاشك أن الموقع الاستراتيجي لأوكرانيا وغناها بالثروات الباطنية بالإضافة إلى كونها الممر للغاز الروسي إلى أوروبا وإشرافها على البحر الأسود من الأسباب التي تجعل لأوكرانيا موقعاً في الاهتمام الأمريكي، على الرغم من تركيز الإستراتيجية الأمريكية على منطقة آسيا والهادي، لاسيما وأن أوكرانيا تمثل عمقاً استراتيجياً أمنياً لروسيا فالأرض بينها وبين روسيا متصلة حدودياً وجغرافياً وحتى سكانياً. وينبغي النظر إلى السياسات الأمريكية، والتي تدخل العقوبات ضد روسيا ضمنها، باعتبارها وسيلة في إطار مسعى استراتيجي لواشنطن للهيمنة على أوراسيا، التي تمثل بدورها منطقة حيوية لمصالح وأمن روسيا, وقد وجدت واشنطن في الأزمة الأوكرانية، وفي الردود الروسية على تطوراتها فرصة لحصار موسكو، انطلاقاً من فرض توصيفها لما تقوم به موسكو في إطار عدم المشروعية، وإتباع ذلك بمجموعة من العقوبات التي لا تلاقي ترحيباً أوروبياً إلا من بعض القوى والعواصم التي تدعو للتشدد في التعامل مع موسكو، مثل بولونيا ودول البلطيق، ولعل للتاريخ هنا حضوره، ولكن أوروبا، وبخاصة الجناح الذي تقوده ألمانيا لا تميل، لأنها لا تريد حضور خطوط تماس الحرب الباردة إلى الخارطة الأوروبية ثانية، وربما لأنها تدرك مرامي واشنطن وأهدافها والثمن الذي قد تتحمله أوروبا في أية مواجهة حتى ولو كانت من النوع البارد. والسلوك الأمريكي، والغربي، في أوكرانيا، كما في الأزمة في سورية، ينبئ عن ازدواجية، فالغرب الذي لا يمل من الحديث عن الإرهاب ومحاربته، ولا يتورع عن دعم النازيين والمتطرفين بل وحتى الإرهابيين في أوكرانيا، في تكرار لما فعلته واشنطن وعواصم الغرب، خلال ما سمي بـ"الربيع العربي"، فعلى سبيل المثال فإن التدخل الأمريكي العسكري في ليبيا فتح الباب للعناصر المخربة والمنظمات الإرهابية الدولية والذين وصلوا إلى ليبيا من كل أنحاء العالم وأدى لانتشار وتوسع نفوذ القاعدة والمنظمات المرتبطة بها، كما حرب فرنسا المزعومة على الإرهاب في مالي وأفريقيا الوسطى، لم يمنع باريس من إعلان دعمها للإرهابيين في سورية، في انتقائية وتناقض لا مبرر لهما إلا المصالح الأمريكية والغربية، وإن استخدم في تبريرها شعارات الديمقراطية وحرية الإنسان. لقد سارعت واشنطن للاعتراف بالحكومة المؤقتة التي شكلتها المعارضة الأوكرانية، وهي تعلم يقيناً ميول بعض أطرافها النازية وتاريخها الذي يشير إلى تعاونها مع النازية في الحرب العالمية الثانية, بعد أن شجعت الانقلابيين على الاستيلاء على المباني الحكومية ومؤسسات الدولة لفرض انقلاب في البلاد، وهي التي ترفع لواء ديمقراطية صناديق الانتخابات. وليس جديداً القول إن أمريكا لا يهمها مصير أوكرانيا ولا مصير شعبها، بل على العكس فالسياسات الأمريكية أوقدت الفتنة في أوكرانيا، والتي قد تتطور إلى ما هو أسوأ في ضوء تسارع الأحداث في الشرق الأوكراني، والتي لم يستطع اتفاق جنيف بين روسيا وأوكرانيا، بحضور ـأمريكا والاتحاد الأوروبي، وضع حد لها. إن اتفاق جنيف الرباعي لن يوقف محاولات واشنطن لحصر روسيا والعمل على عزلها دولياً، رغم عدم واقعية هذه السياسة، في ضوء حقائق تبين أن موسكو تستعيد ألق الحضور السوفييتي، وهي عضو دائم في مجلس الأمن ولاعب مهم في الاقتصاد العالمي والتمويل الدولي وخاصة في مجال الطاقة, مقابل تراجع للقوة الأمريكية، الصلبة والناعمة، بفعل حروب ومغامرات إدارة جورج يوش الابن، ولعل هذا من التناقضات الكبيرة في سياسة دولة عظمى ما تزال هي الأقوى في العالم حتى الآن. فأمريكا والغرب لم يعترفا بنتائج الاستفتاء على استقلال شبه جزيرة القرم الذي مهد لانفصال شبه الجزيرة عن أوكرانيا وثم انضمامها لروسيا التي يربطها بالقرم الجغرافيا والثقافة والتاريخ، لكن أمريكا والغرب أيدا الاستفتاء الذي جرى سابقاً في جزر الفوكلاند حول تبعية تلك الجزر لبريطانية، علماً أنه لا وجود لروابط تاريخية أو ثقافية بين تلك الجزر وبريطانيا، وكذلك لم يعارض الغرب إعلان كوسوفو استقلالها بعام 2008 بشكل أحادي، في دليل آخر على ازدواجية المعاير والسياسات الانتقالية التي لا تعرف إلا المصالح دون اكتراث بكل القوانين والأعراف الدولية ومبادئ الديمقراطية التي يقول الغرب إنه هو الذي وضعها وأرساها.
وهكذا فإنه ليس ثمة مصلحة لأي من دول الجوار الإقليمي أو دول العالم المؤثرة مصلحة في إشعال هذا الحريق في هذا التوقيت, فقد بدا لافتا_ وبالتزامن مع بدء الأزمة- أن تقدم الولايات المتحدة الأمريكية على تخفيض عديد قواتها المسلحة في مسعى لتخفيض الإنفاق العسكري الضاغط على صدر الاقتصاد الأمريكي في خطوة تفسر على أنها وداع لفكرة التدخل الخارجي, وأن تناقش قيادة الناتو بصورة جدية الخيار "صفر" بما يعني الانسحاب الكامل والسريع من أفغانستان, وتشكل الأزمة ضغطاً لا يحتمل على عنق أوربا كون وارداتها الكبيرة من النفط والغاز الروسي تمر عبر أوكرانيا, كما تشكل الأزمة الاقتصادية في أوروبا حالة من العجز عن استيعاب دولة جديدة تبلغ مديونيتها /23مليار دولار/ ويشكل المستهلك الروسي الذي يستهلك 40% من إنتاج أوكرانيا عكاز اقتصادها المتداعي, وهذا ما يفسر ظهور الجميع متفاجئاً بما حدث, مربكاً في تصريحاته ومواقفه وخيارته, ومن المؤكد إن الغرب عموما استوعب تماماً ومنذ الأزمة الجورجية "تموز 2007" مخاطر ونتائج أي عبث في الحديقة الخلفية الروسية, وأن الروس الساعيين بقوة للبقاء في المياه الدافئة شرق المتوسط لن يسمحوا بقطع الطريق إلى حلمهم القديم- المتجدد, مستندين إلى نجاحات اقتصادية لافتة حققها الاقتصاد الروسي في السنوات الأخيرة, فمن يمتلك القدرة وله المصلحة في إرباك المشهد الأوروبي والعالمي بهذه الصورة؟. إن العودة إلى الأزمة الجورجية "تموز 2007", والتي ظهر منذ بدايتها وخلال سير أحداثها وقوف إسرائيل وراء افتعالها وتقديم السلاح المتطور وكل أشكال الدعم العسكري والإعلامي والدفع بدعم سياسي غربي للقيادة الجورجية المغامرة, تدفع للاعتقاد بقوة إن (إسرائيل) وحدها من يمتلك الدوافع والمصلحة, ويؤمن لها وجود /1.5 مليون يهودي / يحتلون مواقع مميزة في الإعلام والاقتصاد, القدرة على افتعال هذه الأزمة, واستثمار نتائجها في إرباك المشهد الدولي, للحصول على أفضل النتائج من فوضى المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط, وفرض نفسها كقوة إقليمية كبرى في معادلات المنطقة بعد أن فشل "ربيع الدم العربي" في إيصالها إلى هذه الغاية أو المكانة, وكم كان لافتاً الصمت الإسرائيلي عما جرى و يجري في أوكرانيا وكأنه تكرار لسلوك المجرمين الجنائيين الذين يبتعدون عن مسرح الجريمة يراقبون عن بعد ويلوذون بصمت مطبق. فالدور الإسرائيلي في أزمة جورجيا لم يبق سراً, وإذا كانت "إسرائيل" ولاعتبارات عديدة وظروف مختلفة قد نجت من العقاب الروسي في عام 2007, بثمن لا نعرفه إلى اليوم, فهل ستنجو من العقاب هذه المرة أيضا, عندما يكتشف الروس بصماتهم على أبواب ونوافذ الأزمة الأوكرانية, وهل فاتهم إن الزمن من أزمة جورجيا إلى اليوم قد تغير كثيراً؟!.. |
||||||