|
|||||||
|
عاد المجلس الوطني التأسيسي في تونس إلى مناقشة موضوع التطبيع على خلفية القضية التي أثيرت مؤخراً، بسبب دخول عدد من السياح الإسرائيليين لتونس. وكانت أصابع الاتهام في هذا الموضوع موجهة إلى الوزيرين، السيدة آمال كربول وزيرة السياحة، والسيد رضا صفر الوزير لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن، بأنهما أفسحا في المجال لدخول السياح الإسرائيليين إلى تونس، الأمر الذي يتناقض مع الثوابت الوطنية و القومية للشعب التونسي المتعلقة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني. فزاعة الاقتصاد والموسم السياحي تشغل السياحة في تونس نحو 400 ألف شخص "بشكل مباشر" وحوالي مليوني شخص "بشكل غير مباشر" بحسب وزارة السياحة التونسية.علماً أن الموسم السياحي لهذه السنة يبشر بالكثير، إذ دخل حوالي مليون و نصف المليون سائح خلال الأشهر القليلة الماضية من هذه السنة، الأمر الذي اعتبره المحللون بأنه مؤشر إيجابي للسياحة التونسية، التي تمثل الركن الأساسي للاقتصاد التونسي من حيث تدفق العائدات من العملة الصعبة، لاسيما وأن البلاد التونسية تعيش أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها المعاصر. وكان أعضاء كتلة "المؤتمر من أجل الجمهورية"، وكتلة "حركة النهضة" وعدد من نواب "كتلة التحالف الديمقراطي"، والنائب عن "الحزب الجمهوري" إياد الدهماني، أي أكثر من ثمانين نائباً، قدموا مكتوبتين إلى المجلس التأسيسي في 24 نيسان الماضي، يتهمان فيهما الوزير المكلف بالأمن الوطني رضا صفر بالسماح كتابيا لدخول سياح إسرائيليين جزيرة جربة في الجنوب لزيارة "كنيس الغريبة"، ما يشكل محاولة "تطبيع مع الكيان الصهيوني"، ووزيرة السياحة آمال كربول باستقبالهم. ونظراً لحساسية الوضع السياسي التونسي، والتداعيات الخطيرة لإثارة موضوع التطبيع على الموسم السياحي التونسي، فقد أعلن مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي أنه "تم سحب لائحتي اللوم"، أي سحب ثقة، من وزيرين تونسيين اتهما "بالتطبيع" مع إسرائيل، قبل دقائق قليلة من موعد التصويت عليهما،في الجلسة العامة التي انعقدت يوم الجمعة 9مايو الجاري. وتم تعويض اللائحتين ببيان موجه للحكومة أكد على "التزام تونس دولة وشعبا بمساندة الشعب الفلسطيني وتمسكها بعدم التطبيع مع الاحتلال الصهيوني ودعوة جميع الأطراف لاستكمال المرحلة الانتقالية وإجراء المحطات الانتخابية العام 2014". وأثارت عملية سحب اللائحتين ردود أفعال غاضبة في الصحافة التونسية، إذ تحدثت صحيفة "الصباح" عن "مهزلة في التأسيسي"، بينما اعتبرت "لوكوتيديان" أنها "زوبعة في فنجان"، مشيرة إلى أنّ "الجمعية العامة اقتصرت على استعراض لبعض (النواب) الذين يفتقرون إلى حضور إعلامي". أما صحيفة "لوتان" فأعربت بدورها عن الأسف "ليوم مناقشات بلا فائدة"، مضيفة أنّ "الوزيرين أفلتا" من حجب الثقة على الرغم من الجدل الذي سبق جلسة الاستماع إليهما. وكانت وزيرة السياحة نفت أثناء الجلسة أن تكون استقبلت سياحاً إسرائيليين، مبررة تصريحاتها المؤيدة لقدوم السياح من كل الجنسيات إلى تونس بضرورة إنعاش السياحة، القطاع الأساسي في الاقتصاد التونسي، والتي تراجعت بتأثير تداعيات الثورة التونسية قبل ثلاث سنوات. ومن جانبه نفى وزير الأمن الوطني التورط في أي تطبيع، موضحاً أنه اتبع الإجراءات المعمول بها وهي السماح لكل السياح الذين يأتون إلى تونس في رحلات بحرية وينزلون لساعات فيها بـ"جواز عبور" دون قبول التعامل مع أي جواز إسرائيلي وأشار الوزير المكلف بالأمن إلى أن تونس تمنح منذ سنوات "رخص المرور" للصهاينة الذين يحجون سنويا إلى كنيس الغريبة اليهودي في جزيرة جربة" الواقعة في جنوب شرق البلاد. كما أضاف أن الرخص تمنح لـ"عرب 48 الذين يشاركون في المؤتمرات.. الدولية (بتونس)"، أو للسياح الإسرائيليين الذين يزورون البلاد ضمن رحلات سفن سياحية عالمية ترسو بضع ساعات بموانئ سياحية تونسية. وذكّر الوزير أن مسؤولاً في ميناء حلق الوادي منع في مارس الماضي 14 إسرائيلياً من النزول من سفينة سياحية رست بالميناء، ما أدى إلى استهداف تونس بـ"حملة إعلامية" تتهم البلاد بـ"التمييز إزاء الدين اليهودي". وأضاف أنه أصدر إثر هذه "الحادثة" مذكرة مكتوبة بتاريخ 11 نيسان 2014، طلب فيها من مصالح الحدود التونسية منح "رخص مرور" للإسرائيليين في الحالات المعمول بها،وللرد على "حملة دولية" تتهم تونس بـ"التمييز". وشدد صفر على عدم إمكانية "الطعن في أشخاصنا بالتطبيع، والتجني (علينا) بهذه الطريقة خطير جداً"، مشيراً إلى أنه "من الخطير القول إن الأمر يتعلق بالتطبيع فهذا أمر خطير.. القضية إدارية وإجرائية فحسب". وقال النائب فيصل الجدلاوي، الذي كان من بين 81 نائباً وقعوا على عريضة طالبوا فيها بسحب الثقة من الوزيرين، إن "التونسيين لم يقوموا بثورة من أجل التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، ولكي يكون أول إجراء ثوري هو إصدار مذكرة تسمح بدخول الإسرائيليين إلى بلادنا". وتساءل النائب أياد الدهماني عن الحزب الجمهوري : "كيف يدخل إسرائيلي إلى تونس وعجوز فلسطينية تصطدم بحواجز المعابر؟ وأضعف الإيمان هو أن نقاطع الكيان الصهيوني وألا تخيفنا فزّاعة الاقتصاد. وإذا كانت البرتغال والنرويج قد فسخت عقوداً اقتصادية مع إسرائيل بسب تماديها في الاستيطان فكيف لا نقاطع نحن؟".وأضاف الدهماني، أن "كل الإسرائيليين، بما فيهم الذين قد يدخلون تونس، هم جنود احتياط في جيش الاحتلال، وبالتالي فهم ليسوا مجرد سياح، والنجاعة الاقتصادية لا تقوم على التنازلات لأن بابها إنْ فُتح فلن يُغلق أبداً". وذكّر النائب عن "حركة النهضة"، الصحبي عتيق، بمبادئ تونس الأساسية والتزامها المطلق تجاه القضية الفلسطينية العادلة، وقال إن "ما كان استثنائياً في ميناء حوّله الوزير بمذكرته المعمّمة إلى قاعدة، وهو خطأ بالتأكيد". الشعب التونسي يرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني ما زال الموقف من القضية الفلسطينية يشكل في الذهن الجماعي التونسي حداً فاصلاً بين العداء والتطبيع مع الكيان الصهيوني، على الرغم من أننا لم نعد نشهد في تونس مظاهرات شعبية كما في السابق بمجرد حدوث صدام مسلح بين العرب والفلسطينيين من جهة، والصهاينة من جهة أخرى. ويرفض غالبية التونسيين في سياق التضامن مع الشعب الفلسطيني، أي سلوك من شأنه إقامة علاقات "طبيعية" مع إسرائيل طالما لم يحصل الفلسطينيون على دولتهم المستقلة. فتونس استقبلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وألاف المقاتلين الفلسطينيين، عقب الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982. وكانت تونس مقرا بين 1982 و1994 لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وللرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وكان سلاح الجو الإسرائيلي أغار في أكتوبر 1985 على حمام الشط جنوب العاصمة حيث كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية. وقتل في الاعتداء 68 تونسياً وفلسطينياً. كما اغتالت إسرائيل في 1988 بتونس خليل الوزير (أبو جهاد) المسؤول الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية. وعلى الرغم من أن تونس تبادلت مع إسرائيل مكتبيْن لرعاية المصالح في عام 1996، فإن الحكومة التونسية قررت في أكتوبر 2000 إغلاق المكتبين، تنفيذا لقرارات القمة العربية، إثر قمع إسرائيل الانتفاضة الفلسطينية. إذا كانت مثل هزيمة حزيران / يونيو 1967، و توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، ومعاهدة السلام المصرية مع الكيان الصهيوني عام 1979، قد شكلت اتجاهاً تاريخياً بالغ التعقيد نحو التسوية للصراع العربي – الصهيوني، فإن اتفاقيات أوسلو عام 1993، ومعاهدة وادي عربة الأردنية – الصهيونية عام 1994، قد دفعت الدول العربية إلى الترويج لمقولة مفادها أن التطبيع والسلام مع الكيان الصهيوني أصبحا وشيكين للغاية وتالياً يتعين على الدول العربية، ولاسيما منها المغاربية، الإسراع في الرهان على "الكعكة الصهيونية" قبل فوات الأوان. ومنذ أن تم توقيع اتفاقات أوسلو-واشنطن القاهرة بين القيادة الصهيونية وقيادة الفلسطينية في 13 سبتمبر 1993، وتقديم المحيطين بالزعيم الراحل ياسر عرفات والنظام التونسي ذلك الاتفاق وكأنه النصر الحاسم ومفتاح الدولة الفلسطينية الذي كان مفقوداً وتم العثور عليه، تباينت المواقف من التطبيع مع العدو الصهيوني في صفوف المعارضة التونسية بين مؤيدين لخط التسوية، الذين يرون في الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود هو طريق الاستقلال ذاته الذي ارتضته السلطة الفلسطينية، وبين معارضين لكل ذلك جملة وتفصيلاً معتبرين أن الانخراط في الكفاح من أجل تحرير فلسطين ومعاداة الكيان الصهيوني، كان وما زال يعتبر واجباً قومياً ودينياً، ويشكل احد المقومات والثوابت الوطنية للشعب التونسي. وفي هذا الصدد، نذكر أن جابوتنسكي المنظر الأيديولوجي للحركة الصهيونية، وأستاذ الإرهابي الصهيوني مناحين بيغن، حين حاول زيارة تونس في عام 1927، انتفض الشعب التونسي في إضرابات المدة ثلاثة أيام رفضا لهذه الزيارة، وقد رضخت سلطات الاحتلال الفرنسي لإرادة الشعب التونسي الذي رفض ذلك الصهيوني أن تطأ قدماه أرض تونس. وكان التطبيع التونسي – الصهيوني يعود إلى بواكير الخمسينيات، عندما دشن الحبيب بورقيبة والهادي نويرة ومحمد المصمودي وقياديون آخرون في "الحزب الحر الدستوري الجديد" اتصالات مع الدولة الصهيونية من خلال سفرائها في باريس. وحاول التونسيون إقناع الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية بدعم معركتهم من أجل الاستقلال، إلا أن الصهاينة كانوا يدركون أن مصالحهم مع فرنسا لا يمكن التضحية بها من أجل كسب ود الحكام المقبلين في تونس. وبنت الدولة التونسية موقفها من القضية الفلسطينية على أساس قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة والمعروف بالقرار الرقم 181. و انتهج الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة سياسة خارجية معادية للقومية العربية و العروبة، بحكم الخلاف المستحكم بينه وبين الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، حتى أن الرئيس التونسي أعلن في خطاب له في أريحا عام 1965 اعترافه بقرار التقسيم وطالب الفلسطينيين بالاعتراف بالأمر الواقع والقبول بـ"دولة فلسطينية" في الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن سياسة "خذ وطالب". وقد اتهم بورقيبة في حينه من قبل الأنظمة الوطنية و التقدمية و الأحزاب اليسارية والقومية العربية بـ"خيانة" قضايا الأمة العربية، خصوصاً عندما أكد مقولته الشهيرة" إننا مع ما يختاره الفلسطينيون لأنفسهم "في إشارة واضحة إلى رفع وصاية الأنظمة العربية على الفلسطينيين، وهي المقولة التي طورتها قيادة عرفات لاحقاً في إطار استغلال التناقضات العربية الرسمية، وأطلقت عليها مصطلح "القرار الفلسطيني المستقل". ويمكن أن نجد في مؤتمر المغرب العربي الذي انعقد في القاهرة في شباط/ فبراير 1947، و في الوثائق التي أعدتها الأحزاب المغاربية لمؤتمر الاشتراكيين العرب في الجزائر عام 1967، و في مواقف العاهل المغربي الملك محمد الخامس ومن بعده الملك الحسن الثاني، توجهات سياسية بشأن الاعتراف بالقرار الرقم 181، وبالتالي إيجاد تسوية للصراع العربي-الصهيوني وفق قرارات الشرعية الدولية. الإسلاميون الجدد والموقف من التطبيع سجّل الزعماء الإسلاميون الجدد لكل من حزب النهضة الإسلامي في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب الجدد في منتدى دافوس، يوم الجمعة 27 كانون الثاني 2012، عدداً من المواقف اللافتة التي في مجال التطبيع مع إسرائيل، قد تساهم في توسيع دائرة التساؤلات حول صعود القوى الإسلامية في المنطقة ومستقبل علاقاتها مع القضايا الإقليمية الأساسية. وتمثل أولها بالحديث إلى إذاعة "صوت إسرائيل" للشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" الإسلامية وعبد الإله بن كيران رئيس الوزراء المغربي، حيث قالا بأن مستقبل علاقات حكومتيهما مع الدولة الإسرائيلية "يحكمه التوصل إلى حلّ للقضية الفلسطينية"، فيما طلبوا الدعم من الدول الغربية، محاولين التشديد على "اعتدال" حركاتهم الإسلامية بعبارة توجّهوا بها إلى الغربيين أكثر من مرة هي: "ماذا تريدون أكثر من ذلك؟." فقد أكدت إذاعة "صوت إسرائيل" على موقعها الالكتروني الناطق بالعربية إن زعيم حركة "النهضة" الإسلامية التونسية الشيخ راشد الغنوشي ورئيس الوزراء المغربي عبد الإله بن كيران، قالا لمندوب الإذاعة الإسرائيلية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس إن "على الفلسطينيين أن يقرروا بأنفسهم بشأن طبيعة علاقاتهم مع إسرائيل"، وذكرت الإذاعة أنهما "أكدا أن الحركات الإسلامية ستتصرف بموجب القرار الفلسطيني". ورأى الغنوشي أن "مستقبل علاقات بلاده مع إسرائيل يحكمه التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية". وجاء هذا الحديث للشيخ راشد الغنوشي متسقاً مع الزيارة التي قام بها للولايات المتحدة الأمريكية في شهر كانون الأول 2011، حيث كشفت مصادر أكاديمية عربية وأمريكية في واشنطن أن زعيم تنظيم الأخوان المسلمين "حركة النهضة" في تونس، الشيخ راشد الغنوشي، قد حل ضيفاً في نهاية عام 2011على "معهد سياسات الشرق الأدنى" في العاصمة الأمريكية، المعروف بأنه "المعقل الفكري" للمحافظين الأمريكيين الجدد وغلاة المتعصبين لإسرائيل والحركة الصهيونية في الولايات المتحدة. وقالت هذه المصادر إن الشيخ راشد الغنوشي الذي كان ممنوعاً طوال 20 عاماً من دخول الولايات المتحدة على خلفية تصريحاته في العام 1991 دعماً لصدام حسين وتهديداته باستهداف الولايات المتحدة، وصل إلى الولايات المتحدة بدعوة من مجموعة "الإيباك" (لجنة الشؤون العامة الأمريكية ـ الإسرائيلية) و"معهد سياسات الشرق الأدنى" ومراكز أخرى شبه حكومية بهدف "تقديم منظورات سياسية مستقبلية للباحثين وصانعي القرار في العاصمة الأمريكية عن دور الأخوان المسلمين في تونس وشمال أفريقيا والعالم العربي، وعلاقتهم بالولايات المتحدة في المستقبل، ورؤيتهم للصراع العربي ـ الإسرائيلي". وكشف الباحث في معهد سياسات الشرق الأدنى، مارتن كريمر، لـصحيفة "الحقيقة" أن الغنوشي "تنصل في جلسة خاصة من تصريحاته السابقة الداعمة لحماس وحكومتها في غزة، ومن موقفه الذي دعم فيه حكومة الطالبان الأفغانية في مواجهة الولايات المتحدة، ولكن بعد أن رفض تسجيل حديثه"! وقال كريمر "عندما سألناه عن ذلك، قال إني لا أذكر تصريحات من هذا النوع، وعندها عرضنا له تسجيلاً مصوراً، فأسقط في يده"!. على الصعيد نفسه، كشفت مجلة "ويكي ستاندارد" التابعة للمحافظين الجدد أن الغنوشي، وخلال جلسة مع باحثي المعهد أكد أن الدستور التونسي "لن يتضمن إشارات معادية لإسرائيل أو الصهيونية"، وأنه "لم يعد يتفق مع مقولة إيران وآية الله الخميني عن أن الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر" . وبحسب مارتن كريمر، فإن الغنوشي وحركته أصبحا اليوم، بعد ثلاثة عقود من تبني الإسلام الجهادي المعادي للغرب، جزءاً مما بات يسمى اليوم بـ"الإسلام التركي ـ الأطلسي". حركة النهضة الإسلامية والموقف من التطبيع عندما كان الشيخ راشد الغنوشي في المعارضة، قبل اندلاع الثورة التونسية، كانت حركة النهضة الإسلامية التي يتزعمها، تعتبر أكبر حركة معارضة جدية للحكم التونسي نظراً لثقلها السياسي والشعبي، ووزنها على صعيد العالم الإسلامي، ومجموعة صغيرة من حزب التحرير، ومجموعة صغيرة من جماعة التبليغ، وجبهة الإنقاذ الإسلامية التونسية، وهي مجموعة ظهرت تأثراً بالجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، تعارض التطبيع مع الكيان الصهيوني. وكانت حركة النهضة الإسلامية تشكل طرفاً سياسياً مهماً على الساحة التونسية، كان يوازن بقوته قوة الدولة التونسية في عقد الثمانينات وبداية التسعينات، قبل أن يتم ضرب بنيتها التنظيمية والشعبية في تونس. وتتميز حركة النهضة التونسية عن سائر الحركات الإسلامية العربية والإسلامية، أنها تجسد خطاً إسلامياً مستنيراً، يحاول أن يجسد قطيعة مع الأيديولوجيا التقليدية والمنهج التقليدي. وعلى الصعيد السياسي تعتبر القضية الفلسطينية حقاً للأمة لا يجوز التنازل عنه، وتدعو إلى السعي لتحريرها ورفض الحلول غير العادلة، والتهافت على التطبيع مع الكيان الصهيوني، مهما كانت المبررات والمنافع. وهي بذلك تسير على خطى الحركات الإسلامية الجهادية في العالم العربي التي تقاوم الآن الكيان الصهيوني والعربدة الأمريكية. وينبع هذا الموقف الأصيل لحركة النهضة إزاء قضية فلسطين والتطبيع من قراءتها الصحيحة لدور الإسلام التاريخي في تحرير فلسطين، واستعادة كامل الحقوق المغتصبة. وقد عبرت حركة النهضة عن معارضتها لتصفية القضية الفلسطينية، وفرض التطبيع على الشعب التونسي بالقوة والقسر، إذ تعتبر أن ما قامت به الحكومة التونسية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لا يمثل الشعب التونسي وقواه الحية الرافضة للاستسلام، إذ إن تلك الخطوة من التقارب بين الحكم التونسي والكيان الصهيوني في عام 1994، كانت تشكل مساندة صريحة و متبادلة لإرهاب الدولة الذي تمارسه "إسرائيل " في فلسطين و لبنان. وحركة النهضة التي تتناقض مع سياسات الحكومة التونسية في عهد علي وخياراتها، طالبت بإغلاق المكتب الصهيوني وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الصهاينة، ودعت الشعب التونسي وقواه الحية إلى التمسك بالثوابت الإسلامية والوطنية، ومعارضة سياسة التراجع والتنازلات للعدو الصهيوني، وأكدت أهمية الموقف العربي والإسلامي المتضامن في التعامل مع الغطرسة الصهيونية، ومواجهة سياسات الهيمنة والتمييز التي يمارسها التحالف الأمريكي- الصهيوني ضد العرب والمسلمين. المعارضة اليسارية والموقف من التطبيع تعتبر المعارضة اليسارية أقدم وجوداً على الساحة السياسية التونسية، إذ إنه تم تأسيس أول تنظيم شيوعي في تونس في أواخر 1921 بصفته جناحاً تابعاً للفرع الفرنسي للأممية الشيوعية. وعلى الرغم من أن الشيوعيين التونسيين قد تصدوا للصهيونية من مواقع نظرية منذ العشرينات، وقدموا على صفحات جريدتهم "المستقبل الاجتماعي" الناطقة باللغة الفرنسية عدة مقالات حول الصهيونية، وطرحوا شعارات صحيحة (عروبة فلسطين، اعتبار الصهيونية أداة في أيدي الامبريالية الانكليزية، انتفاء الطابع القومي عن الحركة الصهيونية)، إلا أن تحليلاتهم هذه كانت تنطوي على ثغرات كبيرة، نوجزها على النحو الآتي: - تفريغ صهيونية، تيودور هرتزل من أي مضمون سياسي وتحميلها مضامين إنسانية وخيرية فقط. - اختزال التفاوتات الطبقية لليهود المتواجدين في أوروبا إلى برجوازية كبرى و بروليتاريا، وعدم التعرض إلى الدور الكبير الذي لعبته الطبقة الوسطى في الحركة الصهيونية العالمية . - النظر إلى الحركة الصهيونية العالمية المرتبطة عضويا بالحركة الامبريالية العالمية بوصفها مجرد مستغل لقوة العرب من دون رؤية الحركة الصهيونية كممثل لمصالح البرجوازيين اليهود الكبار، التي كانت تريد تشديد قبضة استغلالها على يهود العالم في مرحلة الامبريالية والتي كان لها مشروعاً يتمثل في إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين. وفي سنة 1947 سقط الحزب الشيوعي التونسي في خطأ تاريخي قاتل حين ساند موقف الاتحاد السوفيتي المتعلق بقرار التقسيم لفلسطين من قبل منظمة الأمم المتحدة. وقد اعتبر الحزب الشيوعي التونسي قرار التقسيم ضربة قاصمة للامبريالية البريطانية وحلفائها العرب المنضوين تحت لواء منظمة الجامعة العربية. ويقول في تبريره لهذا الموقف: إن الامبريالية الانكلو- سكسونية لم تنجح في السيطرة على فلسطين و في إجهاض انعتاقها التام إلا بالتفرقة بين العرب واليهود في فلسطين. ويضيف: إن الحزب بعد أن كان ينفي نفياً قاطعاً وجود امة يهودية تماشيا مع موقف ماركس ولينين في هذه المسألة، أصبح يرى في المجموعات التراكمية من المستوطنين الصهاينة الذين يحملون صفات بلدانهم الأصلية ومميزاتها قومية يهودية في طريق النشوء والتطور. وتأسيساً على هذا الموقف التاريخي الخاطئ على طول الخط و الذي لم يقم الحزب الشيوعي التونسي بمراجعته أبداً، أيد الحزب المذكور – الذي يتزعمه الآن محمد حرمل ويعتبر واحداً من الأحزاب الستة المعترف بها رسمياً في تونس – اتفاق أوسلو، انطلاقاً من تبني مبدأ "القبول بما يقبله الفلسطينيون" الذي يعني في الواقع السياسي العملي الوقوف دائماً مع ما تقرره سياسة السلطة الفلسطينية. والحال هذه أيد الحزب الشيوعي التونسي (حركة التجديد الآن) عملية السلام الجارية وفق الشروط الأمريكية-الصهيونية، وساند موقف الحكومة التونسية في إقامة علاقات دبلوماسية بين تونس والكيان الصهيوني، وبالتالي الهرولة نحو التطبيع مع العدو. حزب العمال الشيوعي التونسي ينحدر من بقايا المجموعات اليسارية التي نشأت في نهاية الستينات، وعرفت انقسامات حادة في عقد السبعينات بسبب ولاءتها الخارجية للمدارس الفكرية الشيوعية العالمية بين موسكو وبكين وتيرانا، ولذلك بسبب الموقف من المسألة الاجتماعية. ويعتبر هذا الحزب الماركسي اللينيني الذي يتزعمه حمه الهمامي متفرداً في رؤيته إزاء قضية فلسطين، فهو على الرغم من أنه يجسد الخط الستاليني على صعيد نمط تفكيره الإيديولوجي، إلا أنه يرفض رفضاً قاطعاً الاعتراف بشرعنة اغتصاب الكيان الصهيوني لفلسطين، ويدعو في الوقت عينه إلى تحرير فلسطين. وهو حزب غير معترف به رسمياً. وقد أصدر هذا الحزب بياناً أدان فيه خيار التطبيع وقرار فتح مكتب اتصال لرعاية مصالح العدو الصهيوني بتونس، حيث جاء في البيان الموقع في شباط 1996، ما يلي "إن حزب العمال الشيوعي التونسي اعتبر وما زال يؤكد بأن الهرولة التي لجأت إليها الأنظمة المنخرطة في مشروع تصفية القضية الفلسطينية وعلى رأسها النظام التونسي، ما هي إلا تنفيذ لخطة امبريالية صهيونية ترمي إلى التخلص من القضية الفلسطينية وقبرها والسيطرة كلياً على الوطن العربي، ذلك أن التطبيع هو حجر الزاوية في الترتيبات الأمريكية الجديدة في كامل المنطقة العربية، لأنه يكرس استسلاماً تاريخيا للاستعمار الصهيوني على جميع الواجهات". أما حركة الوحدة الشعبية التي كان يتزعمها أحمد بن صالح، والذي ينحدر من الحزب الحاكم باعتباره قائدا للتجربة الاشتراكية الدستورية في تونس خلال عقد الستينات؟، فتعتبر حركة قومية عروبية واشتراكية ديمقراطية في الوقت عينه، وتربط بين العروبة والإسلام، و تعمل من أجل الوحدة العربية. والحال هذه، فهي حركة غير معترف بها رسمياً و لديها موقف معاد للتطبيع مع العدو الصهيوني. المعارضة القومية والموقف من التطبيع على الرغم من اختلاف مرجعياتها الإيديولوجية، الناصرية والبعث، و توزعها على مجموعات صغيرة، إلا أن موقفها من التطبيع ثابت ولم يتغير ذلك أن هذه المعارضة تعتبر القضية الفلسطينية قضية عربية مركزية، ولا تعترف بوجود الكيان الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين، وتدعو إلى انتهاج سياسة التحرير، وهي ضد عملية السلام الجارية. وأبرز قسمات هذه المعارضة: - مجموعة المحامي البشير الصيد (اتجاه ناصري). - حركة الطليعة العربية التي يتزعمها المحامي عبد الرحمن الهاني، (اتجاه ناصري). - العصمتيون وهم مجموعة صغيرة تنتسب للمفكر المصري الراحل عصمت سيف الدولة - جبهة تحرير تونس، ومن أبرز رموزها المرحوم إبراهيم طوبال، وهي من بقايا المعارضة اليوسفية التي تأثرت بموجة القومية العربية في الخمسينات. - البعث العراقي، بالإضافة إلى وجود رموز قومية مستقلة عديدة. ويعتبر نشاط هذه المجموعة محظوراً، و لذا فهي لا تصدر نشرات علنية تعبر من خلالها عن مواقفها السياسية من الأحداث الجارية. - الجبهة الشعبية الوحدوية. المعارضة الليبرالية والموقف من التطبيع تتكون المعارضة الليبرالية من الأحزاب السياسية التي ولدت نتاج عمليات متتالية من الانشقاقات داخل الحزب الحاكم ومن أبرز هذه الأحزاب ن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، التي كان يتزعمها الدكتور محمد مواعدة قبل أن يصدر حكماً بسجنه لمدة 11 عاماً، و التي لها 10 مقاعد في البرلمان التونسي السابق على الثورة، وحزب الوحدة الشعبية التي يتزعمها محمد بو شيحة، والحزب الاجتماعي للتقدم، الذي يتزعمه منير الباجي، وهو من دعاة الليبرالية الاقتصادية المطلقة. هذه الأحزاب الثلاثة التي كانت معترفاً بها رسمياً من قبل النظام المخلوع السابق, تبنت مواقف السلطات التونسية في كل مرتكزات سياستها الخارجية وإزاء القضية الفلسطينية. والحال هذه تبنت مواقف وسياسة عرفات منذ بدء مسار عملية السلام باعتبارها المرجعية الفلسطينية الوحيدة التي تتبناها عموماً القوى السياسية المغاربية، وبوجه خاص المعارضة الرسمية المعترف بها. ويشذ عن هذه المعارضة الليبرالية الحزب الحر الدستوري التونسي الذي يعتبر الحزب التاريخي الذي انبثق عنه الحزب الحاكم، والذي يعتبر استمراراً لخط القائد العروبي والإسلامي التونسي عبد العزيز الثعالبي. وقد أصدر هذا الحزب عدة بيانات خلال هذا السنوات الماضية أدان فيها بشدة سياسة الحكم التونسي الذي فتح سفارة "لإسرائيل" في تونس، واستضاف مؤتمر قساوسة شمال أفريقيا الذي أشرف عليه البابا شخصيا و أباح تونس لآلاف من الصهاينة الذين اجتاحوا في يوم الاحتفال لما يسمى مهرجان الغربية بمدينة جربة، حيث أقيم لهذا الغرض جسر جوي بين تونس وتل أبيب نقل أكثر من 2000 إسرائيلي من فلسطين المحتلة، كما أقر تنظيم رحلات شرتار لنقل 3000 من يهود الشتات من مختلف أصقاع العالم. ويرفض هذا الحزب رفضاً صارماً التطبيع مع الكيان الصهيوني. |
||||||