|
|||||||
|
فاجأ وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل المشاركين في منتدى الاقتصاد والتعاون العربي مع دول آسيا الوسطى في الرياض، بإعلانه أن السعودية وجهت دعوة إلى وزير الخارجية الإيراني لزيارتها، مؤكدا استعداد بلاده للتفاوض مع إيران، لكنه أضاف أن طهران لم ترد بعد على الدعوة. وكانت هذه هي المفاجأة الثانية، لأن الجميع يذكر أن الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف قد أبديا أكثر من مرة، خلال الشهور الماضية، رغبة عاجلة في بدء حوار وتقارب مع السعودية، لكن الأخيرة لم ترد في حينه على هذه النداءات ولم تعلق عليها لا سلباً ولا إيجاباً. يبدو أن الجانبين بدآ قبل فترة اتصالات بعيدة عن الأضواء، وبديهي أنهما استعرضا الخلافات المتراكمة بينهما. ويعتقد مراقبون مضطلعون أن إعلان الأمير سعود الفيصل عن الدعوة التي وجهت إلى نظيره تحمل إشارة مفادها أن السعودية تنتظر ردودا على مسائل محددة. وكان في تصريحات الفيصل أيضا بعض الكلمات المفتاحية مثل الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية التي تحدد أولويات المملكة، وإن كانت السعودية اليوم أكثر استعدادا لما كانت مترددة فيه بالأمس، أي التفاوض مع إيران. سعود الفيصل يوجه دعوة لنظيره الإيراني تطور بالغ الدلالة والمعاني ما صدر عن سعود الفيصل "صقر السعودية" والشخصية المعادية أساساً لإيران. العبرة ليست في طهران ولا في الرياض، بل في بغداد وحمص وبيروت... وفيينا. دعوة سعودية للحوار مع إيران لا شك في أنها لن تكون تفصيلاً عابراً، لا من حيث مضمونها الرامي إلى تسوية الخلافات وجعل المنطقة آمنة ومزدهرة، ولا من حيث توقيتها النووي والإقليمي والدولي، ولا من حيث الشخصية الصادرة عنها. المعلومات الواردة من طهران تؤكد أن أي تغيير لم يطرأ على الموقف الإيراني، مشيرة إلى أن الجمهورية الإسلامية، منذ وصول الرئيس الشيخ حسن روحاني إلى سدة الرئاسة، أعلنت أنها منفتحة على حوار مع السعودية، وقد عبرت عن ذلك مرات عديدة علنا، من بينها التصريحات التي رافقت جولة وزير الخارجية محمد جواد ظريف الخليجية الأخيرة والتي كان يأمل منها، في نهاية المطاف، بمحطة في الرياض، إلا أن الممانعة والرفض كانا دائما سعوديين، على الرغم من كل الانفتاح الذي أبدته طهران من أجل إصلاح ذات البين. آليات عديدة طرحت لحوار بناء خلال المحادثات التي جرت عن طريق الوساطة العمانية والتي جمدتها مسقط بعدما ساءت علاقتها مع الرياض، وكذلك عبر الكويت التي تسلمت المهمة من عمان قبل أشهر، حيث تحولت إلى وسيط أساسي بين الطرفين. من بين تلك الآليات ما طرحه السعوديون عن خطوات متوازية تصاعدية لبناء الثقة، تبدأ بلقاء وكيلي وزيري خارجية البلدين، على أن تنتقل إلى محادثات بين وزيري الخارجية، لتصل في نهاية المطاف إلى زيارة يقوم بها الشيخ روحاني للسعودية للقاء الملك عبد الله. لكن، لماذا هذه الدعوة اليوم وفي هذا التوقيت بالذات؟ وما هي الدوافع التي تقف خلفها؟ ثمة مستوى أكثر اتساعا في مقاربة هذا الموضوع، فهناك الانتخابات العراقية التي أظهرت حصول رئيس الحكومة نوري المالكي على كتلة برلمانية ستتجاوز في حجمها ما كان يمتلكه في البرلمان السابق، وبالتالي، بات واضحا أنه قاب قوسين من ولاية ثالثة مؤكدة. هناك أيضا التطورات الأخيرة في حمص، مع ما يعنيه ذلك من يد طولى للمحور الداعم للرئيس السوري بشار الأسد على مستوى الميدان في هذا البلد. يضاف إلى ذلك، الوضع على الساحة اللبنانية، حيث تبين بالدليل القاطع أنه لا انتخابات رئاسية من دون رضى محور المقاومة. كل هذه العوامل، إضافة إلى الضغط الأمريكي والدفع الكويتي عملت على إقناع السعوديين، على ما يبدو، على اتخاذ هذه الخطوة. لعل الدفع الأمريكي تجلى في زيارة وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل للسعودية، حيث التقى قادة المملكة لبحث ملفي سوريا وإيران. أما الدفع الكويتي فيتجلى في زيارة أمير الكويت لطهران، حيث من المقرر أن يبحث العلاقات الثنائية، وبينها الخلافات حول الجرف القاري. لكن الأهم أن جوهر اللقاءات سيتركز حول العلاقات مع مجلس التعاون الخليجي والسعودية على وجه التحديد، إضافة إلى سوريا وأمور أخرى. وكان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قد أعلن أن المملكة وجهت دعوة لمحمد جواد ظريف لزيارتها قائلاً " نرغب في استقباله، فإيران جارة، لدينا علاقات معها، وسنجري مفاوضات معها". وتابع الفيصل خلال مؤتمر صحافي على هامش منتدى التعاون بين العالم العربي وآسيا الوسطى "سنتحدث معهم، وإذا كانت هناك خلافات نأمل أن تتم تسويتها بما يرضي البلدين، كما نأمل أن تكون إيران ضمن الجهود المبذولة لجعل المنطقة آمنة ومزدهرة وأن لا تكون جزءا من مشكلة انعدام الأمن في المنطقة". مضيفاً "لقد أرسلنا دعوة إلى وزير الخارجية لزيارة السعودية، لكن العزم على القيام بالزيارة لم يتحول إلى واقع بعد، لكننا سنستقبله في أي وقت يراه مناسباً للمجيء". ليس واضحاً إن كانت مصادفة أم أمراً مخططاً له، أن تأتي زيارة هاغل ودعوة الفيصل مع بدء المرحلة الأخيرة من المفاوضات النووية بين إيران والغرب، في وقت كانت قدما ظريف تطآن فيينا لترؤس الوفد الإيراني إليها. أبواب الرياض مفتوحة للإيرانيين للتفاهم شكل إعلان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عن توجيه دعوة رسمية سعودية لنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، أول خرق في المسار المتأزم للعلاقات بين طهران والرياض في السنوات الأخيرة، وأعطى إشارات إيجابية مكملة للإشارات التي تحدث عنها قبل أيام قليلة الدبلوماسي الإيراني العريق حسين أمير عبد اللهيان، بحيث بدا أن ثمة قنوات مفتوحة بين العاصمتين أفضت إلى قرار السعودية فتح أبوابها أمام الإيرانيين. ومن الواضح أن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في نهاية آذار الماضي إلى الرياض، وتأكيده للملك عبد الله أن بلاده ماضية قدما في خيار توقيع الاتفاق النووي النهائي مع طهران، ومواقف دولة الكويت وتشجيع بعض عواصم الدول الكبرى، ومنها روسيا، ساهمت كلها في بث مناخات إيجابية في اتجاه البلدين، على أن يتوج هذا المسار بزيارة يقوم بها الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني إلى السعودية قبل نهاية العام الحالي على الأرجح. وكان لافتاً للانتباه أن الإعلان السعودي جاء بعد أيام قليلة من إعلان عبد اللهيان عن مبادرة إيرانية لحل الأزمة السورية، مؤكداً أن الفرصة "باتت سانحة الآن لحل الأزمة السورية سياسياً"، وترافق هذا الموقف الإيراني مع تطورات سياسية ــ ميدانية على الساحة السورية، أبرزها انطلاق مسار الانتخابات الرئاسية وخروج مسلحي المعارضة من حمص القديمة. يتكتم الإيرانيون على المعلومات التي راجت في الآونة الأخيرة، والتي تحدثت عن لقاءات عقدت بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين في عاصمة دولة خليجية، وهم يكتفون بالقول إن الأبواب كانت مفتوحة والتواصل مستمر بشكل دوري مع السفير السعودي في طهران عبد الرحمن الشهري منذ تسلمه مهامه الجديدة في شباط الماضي. الكويت تمهد السبيل لمحادثات سعودية إيرانية يصر المتابعون للشأن السعودي الإيراني على أن العاصمة الكويتية لعبت دوراً تشجيعياً بين طهران والرياض وحاولت التعويض عن حساسية السعوديين من أي دور لسلطنة عمان في هذا السياق، بعدما تكشفت فصول مفاوضات أمريكية ـ إيرانية على مدى شهور طويلة في العاصمة العمانية، من دون علم كل جيران مسقط . وكان الرئيس روحاني قد وضع منذ انتخابه قبل حوالي سنة نصب عيني أولوية إعادة بث الحرارة في العلاقات التي تدهورت بين طهران والرياض، خصوصاً طوال الولاية الثانية للرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، حيث كان يتهمه السعوديون بالتنصل من كل التفاهمات التي أبرموها معه، كما اتهموه أيضا بإجهاض محاولات جرت لترتيب ملف العلاقات الثنائية عن طريق رئيس مصلحة تشخيص النظام الرئيس الإيراني الأسبق الشيخ هاشمي رفسنجاني. ووفق المتابعين، فإن رفسنجاني يلعب حالياً دوراً أساسياً في إعادة فتح الأبواب، وهو الذي تناقلت الصحف الإيرانية صورة له في نيسان الماضي أثناء قيام السفير السعودي ـ عبد الرحمن الشهري ـ بتقبيل جبينه في أول لقاء يعقد بينهما، تخلله نقل رسالة شفهية من الملك عبد الله الذي يكن له مودة شخصية كبيرة، حيث وجه إليه دعوة جديدة لزيارة المملكة وعد بتلبيتها في أقرب فرصة ممكنة، علماً أن رفسنجاني كان قد حاول سابقاً القيام بمبادرة ما في اتجاه تطبيع العلاقات، لكنه لم يفلح في ذلك، خصوصاً في ظل الحملة التي كانت وسائل الإعلام السعودية الرسمية تشنها على أحمدي نجاد قبيل انتخاب الشيخ روحاني. وكان وصول الشهري إلى طهران أول بادرة إيجابية في اتجاه تحسين العلاقات. وأسهمت المفاوضات التي جرت طوال ٣ أشهر، عبر قنوات متعددة، في رسم معالم جدول أعمال إيراني ـ سعودي مشترك يبدو مثقلاً بالمهمات الأمنية، من الخليج (البحرين والسعودية واليمن) إلى لبنان وفلسطين، مروراً بسوريا والعراق. لذلك، ثمة أولوية لهذا الملف الأمني، يليه الملف الإقليمي المتداخل حكماً مع الملف الأول، لكن مع تغليب البعد السياسي عليه. هنا، يجري الحديث عن قواسم مشتركة على ساحات إقليمية عديدة، أبرزها الأمن الخليجي المشترك، من دون إغفال حقيقة وجود تباعد في وجهات النظر في أكثر من ملف، خصوصاً سوريا والعراق، حيث يصر السعوديون على أن أية تسوية سياسية في سوريا يجب أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد خارجها، من دون تجاهل حقيقة أن ملف المجموعات الإرهابية على أرض سوريا بدأ يشكل عنصراً ضاغطاً على كل دول مجلس التعاون الخليجي. ومن المتوقع أن يحتل الملف السوري حيّزاً أساسياً في أي حوار سعودي إيراني، إذ إن الرياض تعتبر أن الملف السوري يمس كل منظومة الأمن القومي العربي، فيما لا تخفي طهران نظرتها القائلة بأن الملف السوري يمس أمنها القومي أيضاً، وبالتالي ثمة تداخل بين أمن هذه المنظومة وتلك، الأمر الذي يحكم حواراً يؤدي إلى ترسيم حدود النفوذ والمصالح. كما أن الرياض بدت مستفزة جداً من التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عشية الانتخابات العراقية الأخيرة، والتي اتهم فيها السعودية وقطر بدعم المجموعات الإرهابية في العراق والمنطقة والعالم. لذلك، تبدو فرص إيجاد تفاهمات بين الإيرانيين والسعوديين، في الملفات الأمنية الخليجية كبيرة يليها لبنان، حيث ألمح الجانبان إلى وجود فرص حقيقية لإنتاج تفاهم يشكل مظلة للاستقرار السياسي الذي ينعم به لبنان منذ تشكيل حكومة تمام سلام. من هنا يأتي الحديث عن تفاهم يتضمن جدول أعمال ظريف يتناول موضوع الانتخابات الرئاسية اللبنانية في ظل ميل غربي للقبول بوجهة النظر القائلة إن الإيرانيين وحليفهم اللبناني "حزب الله" لا مصلحة لديهم بالفراغ، بل هم أصحاب مصلحة في انتخاب رئيس جديد، بما يؤدي إلى تحصين الاستقرار وتعزيزه. ومن المتوقع بحسب المتابعين، أن تشكل زيارة ظريف، الذي سيحمل رسالة رسمية من الرئيس روحاني إلى الملك عبد الله، فاتحة عهد جديد في العلاقات السعودية الإيرانية، من دون استبعاد احتمال قيام كل من أمير الكويت صباح الأحمد الصباح وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد بزيارة طهران قبل نهاية العام الحالي. كانت ترتيبات بروتوكولية متصلة بإمكان اجتماع كل من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونائبه حسين أمير عبد اللهيان بالملك عبد الله بن عبد العزيز، قد أدت إلى عدم حصول الزيارتين في الخريف الماضي، علما أن ظريف زار معظم حلفاء السعودية في الخليج، بما في ذلك الكويت وعمان والإمارات منذ إبرام الاتفاق النووي المؤقت في تشرين الثاني الماضي. ولا يخفي الإيرانيون حاجتهم السياسية، لا بل الاقتصادية في الدرجة الأولى، في استمرار المنحى التطبيعي مع جيرانهم الخليجيين، وبالتالي، بناء "علاقات وثيقة جداً"، عملا بمبدأ حسن الجوار والاحترام المتبادل، وهي العبارات التي طالما كررها الرئيس الشيخ روحاني مرارا منذ وصوله إلى سدة الرئاسة الإيرانية حتى الآن. هل استدرك السعوديون خطأ القطيعة مع إيران؟ يعلم وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل مثلما يعلم أي دبلوماسي في العالم، بأن نظيره الإيراني محمد جواد ظريف لن يسرع مهرولا إلى الرياض بعد ما اكتفى الفيصل خلال مؤتمر صحافي إبداء الرغبة في استقبال نظيره الإيراني في المملكة. وليس من الواضح حتى الآن، في أي قناة سياسية يمكن صرف تصريح الوزير السعودي، فنائب وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، أعلن بعدها بساعات "لم نتلق بعد دعوة مكتوبة من السعودية" ، على الرغم من أن الفيصل أشار إلى أن دعوة أرسلت إلى ظريف. هناك نقطة غامضة مرتبطة بالزيارة المحتملة وحقيقة الدعوة. لكن على الأغلب أن ظريف يردد الآن "ما هكذا تورد الإبل يا فيصل!". ومهما يكن من أمر، فإن تصريحات الفيصل تشير إلى تحول ما في سلوك المملكة التي كان ملكها عبد الله بن عبد العزيز قد قال قبل ٦ أعوام تماماً إن "رأس الأفعى" يجب أن يقطع وكان يحث الأمريكيين على مواجهة إيران بحزم. هل هناك استدراك سعودي متأخر لخطأ القطيعة الطويلة مع الإيرانيين؟ هل هناك حسابات سعودية داخلية لبعد التحول ولو كان خجولاً؟ أم إدراك مرحلي لأهمية فتح قنوات اتصال مباشرة مع طهران، وخصوصا مع عهد الرئيس الشيخ حسن روحاني؟ أم أن المسألة لا تتعدى كونها محاولة سعودية لإعادة التموضع في هذه الظروف الإقليمية الملتهبة؟ وفي كل الأحوال، فإن المبالغة في البناء على تصريحات سعود الفيصل تبدو ضربا في المجهول، إذ لم يمض يوم على تصريحاته الصحفية حتى خرج ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمام وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل ليحذر صراحة، من " مساعي بعض دول المنطقة لتغيير موازين القوى الإقليمية لمصلحتها وعلى حساب دول المنطقة "، وهي إشارة واضحة إلى إيران. شائكة ومعقدة هي الملفات العالقة بين المملكة السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي أيضاً عديدة ومتشعبة. فالمعضلة أنها لا تقتصر على خلافات ذات طابع سياسي بحت. السياسات التي تنسب إلى المخلوع بندر بن سلطان خلال السنوات الماضية ـ وهي على أغلب الظن ليست عزفاً منفرداً قام به دون ضوء أخضر من دائرة الحكم المحيطة بالملك ـ ساهمت في تعميق الخلافات لتخرج من السياسة إلى الأديان والمذاهب والطوائف في قوس أمني ملتهب من أفغانستان وباكستان ـ إلى العراق واليمن والخليج وسوريا ولبنان. إن الاعتقاد بإمكان تسوية شاملة يبدو أمراً مستحيلاً، على الأقل في المدى المنظور. وأغلب الظن أن المجال متاح لتفاهمات هنا وهناك برغم الشياطين الكثيرة التي تكمن في التفاصيل. أنهك السعوديون أنفسهم بالكثير من المعارك والجبهات وتسربت الصراعات إلى داخل البيت الخليجي نفسه. قد تعمل المصالح المشتركة على جمه الطرفين خارج إطار الفكر التكفيري السائد، لكنها لن تحقق اختراقات كبرى. يسلم السعوديون تدريجياً بأن إيران ماضية نحو ترسيخ حقها كدولة وازنة في المنطقة، ونووية أيضاً. الأمريكيون يسيرون على نفس الطريق، والرسالة نقلت بوضوح إلى القيادة السعودية : التفاهم الأمريكي ـ الدولي ـ مع إيران قادم، فرتبوا أوضاعكم. وبهذا المعنى، فإن مهمة الفيصل كسياسي عريق في مملكة تتسم بنوع من البطء في حراكها الخارجي، تعمل على الخروج الدبلوماسي اللائق والتدريجي من نظرية "رأس الأفعى" إلى المثل القائل "الجار جار ولو جار". إذا، حول ماذا ستتفاوض المملكة مع إيران ؟ خصوصاً أن المعلومات تفيد بأن طهران كانت قد أبلغت الرياض ـ عن طريق وسطاء خليجيين ـ أنها غير مستعدة للقبول بأجندة العمل السعودية التي لا تأخذ بعين الاعتبار الاعتراف بمناطق نفوذ حيوية لإيران في العالم العربي، ولن تقبل طهران أي نقاش ينطلق من البحث عن كيفية تخليها عن أوراق قوتها في العراق واليمن وسوريا ولبنان وفلسطين وأفغانستان. وإذا كانت طهران معنية بالتعامل بجدية مع هواجس المملكة وباقي دول مجلس التعاون، فإنها بالمقابل تضيف المعلومات، تطالب أيضا بتفهم هواجسها، وخصوصا دور الإستخبارات السعودية في دعم المنظمات التكفيرية في المنطقة. لذلك، فإن النقاش الذي يطرحه السعوديون حول الدور الإيراني في العالم العربي يحتاج إلى مقاربة جديدة، في ظل الرعاية السعودية للجماعات الإرهابية، وبالتالي لا يمكن معالجة هذا الملف بشكل مجتزأ. الشرق الأوسط والتفاهم السعودي الإيراني لن يستوي الشرق الأوسط إلا إذا تحقق شرط التفاهم بين الدولتين الجارتين، أي السعودية وإيران، ولن يكون هناك أمل بنقلة نوعية من حال الفوضى والاضطراب إلى الأمن والاستقرار إلا إذا تكرس التقارب بين الدولتين، لتكون بعده كل الأبواب مفتوحة بينهما. وما يجعل هذا الأمل محققاً هو مبادرة الدولتين إلى إغلاق محطات تلفزيونية لعبت دوراً في بث الخلافات بينهما. من المبكر إبداء المزيد من التفاؤل والخروج باستنتاجات متسرعة، واعتبار أن المسائل المعقدة التي سممت العلاقات السعودية الإيرانية باتت خلف ظهريهما، إلا أنه من الخطأ أيضا اعتبار دعوة الفيصل مجرد مناورة أو لشراء الوقت، لأن أحداً في المنطقة ولاسيما في الرياض وطهران، لا يملك المزيد من الوقت، فالعالم يعيش مرحلة جديدة ومتأزمة، بعد أن عادت أو تكاد، مناخات الحرب الباردة. والمنطقة العربية التي عصفت بها رياح الربيع العربي ما تزال تحت وطأة حال انعدام التوازن السائد، والفرز المذهبي والطائفي والعرقي. ردود فعل طهران على الدعوة السعودية كانت إيجابية ومرحبة، مما يعني أن المنطقة على أبواب تطور إقليمي بالغ الأهمية، لا بد أن يفرض نفسه على دول المنطقة بأسرها. |
||||||