|
|||||||
|
وصلني أن بعضهم يقول أن تركيزي على رسالة (محمد مرسي) إلى شمعون بيريز قد مر وقتها، خاصة وقد ذهب محمد مرسي وحُكم وإخوانه أحكاما جائرة، منها الإعدام ومنها غيره، وقالوا: إن تركيزنا على رسالة محمد مرسي هذه يدل على حقد ما، وعلى كيدية معينة ولا تهدف للإصلاح وما إلى ذلك... كان يفترض أن أهمل هذا الاتهام بشكل عام لأنه يعتمد على سوء ظن وافتراض مرفوض، وكأن هذا المتهم (بكسر الهاء) يعلم ما في القلوب ويطلع على النوايا، وبالتالي له أن يحكم على الآخر، كائنا من كان هذا الآخر وكائنا من كان هو، بما يرغب ويظهر هو بكل ما يحمل من إدراك انه المصلح وانه أعلى من الاتهام، وقد يختبئ تحت عناوين كبيرة تخدع الكثيرين، ولكننا لا نخدع ولا نؤخذ بالأسماء الرنانة ولا بالألقاب الفخمة ولا بالكثرة ولا بالمظاهر، سيبقى الحق حقا والباطل باطلا. ولعل حكمة قالها سيدنا علي بن أبي طالب يدعوني إلى التعليق، ألا وهو "لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال"، بمعنى لو أردت أن أقوم ما يقال عني مثلا من خلال من قال، يفترض أن أهمل هذا الكلام تماما، لأنه الذي قال غارق في الفساد السياسي والشرعي والباطل والأضاليل من رأسه حتى أخمص قدميه مع من حوله ومن معه، وبالتالي لا ضرورة للرد ولا للتعليق ولا ضرورة لإرهاق النفس، بل حتى لا ضرورة للشعور بشيء من الأسف والألم من الأقوال والأكاذيب والاتهامات، لان من قالها يفضح نفسه بنفسه ويرد على نفسه بنفسه، ولكن باعتبار هذا الكلام لسيدنا علي علينا أن نهتم بالكلام الذي قيل ونعتبره نصيحة بغض النظر عمن قاله، أقول هذا يجعلني أقول التالي: أولاً: لا.. لم تذهب مفاعيل هذه الرسالة العار، لأنها تشبه بالنسبة إليّ رأس جبل الجليد الذي يظهر منه القليل ويختفي الكثير، هذه الرسالة علامة على وجود أمور خطيرة خلفها، وهي على الأرجح جزء من اتفاق مع الأمريكي الذي سهّل وصول حركة الإخوان إلى الحكم مقابل ثمن معين، ومن جملة هذا الثمن طمأنة العدو الصهيوني إلى أن الإسلاميين المفترضين لا يسعون إلى زوال إسرائيل، كما يقول إسلاميون آخرون... واستطيع هنا أن أتخيل كيف فكر هؤلاء عندما ارتكبوا هذه المهزلة: لقد قالوا: باعتبار أن زوال إسرائيل(مثلاً) ليس مطروحاً كإستراتيجية عسكرية وسياسية منظورة، بل يحتاج إلى سنوات طويلة إلى أعداده، والحديث عن زوال إسرائيل حديث في العقيدة، مكانه قبل الإمكانيات هو الأدبيات والخطب المميزة وليس مراكز القرار، فبالتالي لا بأس أن نقبل بهذا الثمن، نطمئن الصهاينة برسالة وأكثر من رسالة، ونحضر جمهورنا – مثلاً – للمرحلة القادمة، هذا طبعاً بالاعتماد على أعلى درجات حسن الظن، وهذا لا يمكن أن يكون مقبولاً، لا يجوز لحركة إسلامية أن ترضى بمثل هذا الثمن لأنه ثمن يتعلق بالمبادئ. هو تماماً كما قاله المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم نعبد إلهك يوماً وتعبد إلهنا يوماً، فقال تعالى "قل يا أيها الكافرون". ومثله مثل الذي اعتمد على حماية عرضه، ولكن كان ثمن هذه الحماية أن يتخلى عن عرضه ليلة في الشهر أو في السنة أو حتى في العمر، وهذا ما لا يمكن أن يكون مقبولاً أبداً. ثانياً: لم نسمع رداً حقيقياً من حركة الإخوان المسلمين على هذا العار الذي لحق بهم، بل للأسف سمعنا تبريرات واهية لا تقنع الأطفال ولا المتخلفين عقلياً: لعله لم يقرأها؟ لعله وقع دون انتباه، لعلها نسخة موحدة متماثلة ترسل إلى كافة الرؤساء ولم يجر تعديلها (وهذا كذب محض وعذر أقبح من ذنب)، لعله كان يظن أنها ستبقى سرية، وهذه ثقة بالصهاينة في غير محلها ... الخ. ثالثاً: لقد اخترع الإخوان أشكالاً متعددة من دعم مرسي، وكان أخطرها الاعتصام في ميدان رابعة، والذي تحول إلى مجزرة بسبب قصر النظر من جهة وضيق الأفق من جهة أخرى، واعتمدوا شعار الأصابع الأربعة الذي ابتدعه الثعلب (أردوغان) شعاراً يعمم على الجميع، يعني هذا إثبات بأن المقولة المشهورة إن الإخوان (حزبيون) لدرجة أنهم لا يرون أخطاء إخوانهم فيما يحاسبون الآخرين على الهفوات، ماذا لو كانت هذه الرسالة مرسلة من حسني مبارك أو من احمد شفيق أو من غيرهما، ماذا كان سيحل "بمستقبلهم" السياسي؟ بل لو كانت من جهة إيرانية تتذاكى أو تعتمد هذا الأسلوب من التكتيك؟ ... يا لله، لقد كان الأجدى بالإخوان أن يتظاهروا ضده ليسقطوه لا أن يتظاهروا ليدعموه، وقد فعل ما فعل. رابعاً: هل يستطيع أحدا أن يقنعني أن (مرسي) لم يتشاور مع إخوانه بمن فيهم مكتب الإرشاد والمرشد العام وآخرين بالموضوع؟ إن لم يفعل فهو خطأ وإن فعل فالخطأ أكبر. خامساً: تصرفات الإخوان في أماكن أخرى تثبت أن مثل هذا ممكن، ومن ترشيح الجماعة الإسلامية لسمير جعجع لمنصب رئاسة الجمهورية في لبنان يجعلنا نصدق أن أي تصرف سياسي أحمق يمكن أن يصدر عن جهة إخوانية، ولا يهم إن كان هذا التصرف يناقض أبسط مبادئ الإسلام أو ثقافة الإخوان المسلمين التاريخية التي أرساها حسن البنا وسيد قطب وعبد القادر عودة ومصطفى السباعي وفتحي يكن وجمهرة كبيرة من الكتاب والقادة... طالما ظن هؤلاء الحمقى أن مصلحة "حزبية" موهومة قادمة فهم جاهزون للدفع حتى لو كان الثمن أن نعبد إلههم يوماً. سادساً: قولهم في نفس السياق كفى.. كفى كفى،... الإخوان يظلمون في كل مكان. واضح أنهم لم يقرؤوا القرآن كما ينبغي فالقرآن والسنة النبوية تحتم علينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نلقي على الآخرين التبعات.. ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(آل عمران165). سابعاً: إن ألمنا الشديد وردة فعلنا الشديدة لارتكابات الإخوان تتناسب مع آمالنا العريضة التي كانت معقودة على هذه الحركة العريضة المترامية الأطراف العميقة الجذور الموصولة فكرياً بالتأكيد مع المحطات المضيئة في التاريخ الإسلامي، والتي كنا نتمنى أن تشكل محطة أخرى من هذه المحطات المضيئة، ولقد سمعنا الجميع يمتدح الرئيس المرسي خلال حملته الانتخابية ونعلق على كلامه الآمال، ولكننا صُدمنا مرة بعد مرة وصولاً إلى الرسالة العار ورأس جبل الجليد. ثامناً: منذ أن قال الإمام البنا رحمه الله، عن الذين قتلوا القاضي (الخزندار)، ثم محمود فهمي النقراشي رئيس الحكومة، والذي أدى إلى اغتياله في النهاية هو رحمه الله رحمة واسعة، قال وقتها كلمته المشهورة هؤلاء ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين، ثم بعد ستين عاماً ونيف يردد النائب السابق للمرشد العام (محمد حبيب) نفس الكلمة وقال عن الذين تظاهروا وقطعوا الطرق وتسببوا بإزهاق الأرواح البريئة... الخ، قال نفس الكلمة. باختصار إن الإخوان اليوم ليسوا إخوان حسن البنا، وليسوا أولئك المشبعين بالفكر الإسلامي النقي وبالثقافة الرائدة التي قرأناها في كتب عبد القادر عودة ومصطفى السباعي وسيد قطب وآلاف من الكتاب والخطباء والمفكرين الذين تخرجوا من هذه المدرسة. هؤلاء الذين نراهم اليوم ليسوا من هذه المدرسة ولا يمثلونها... وان كنا سابقاً نكرر ونوافق الإخوان ونؤيدهم وننضم أليهم في الناحية الفكرية والثقافية ونعارضهم في "اجتهاداتهم" السياسية، أما اليوم فإننا نقول هذه الاجتهادات النكرة تطرح تساؤلات أكبر بكثير وتفتح آفاقاً من الاتهامات تجعلنا نعود إلى ستين سنة مضت، وشعارات كنا نفهمها بشكل ما أصبحنا نعلم أنها قيلت لسبب آخر ولأهداف أخرى. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... تاسعاً: باختصار لقد استطاعت المؤامرة، أياً كان مصدرها وكائناً ما كانت أدواتها، لقد استطاعت هذه المؤامرة أن تستفيد من أمر وضع للخير، وتم التأكيد عليه من أجل أهداف نبيلة وعالية، وهي فكرة الطاعة التي قد تصل، إلى طاعة عمياء في بعض الأحيان، فالذي حصل أنه استناداً على فكرة إسلامية واضحة هامة وهي الطاعة، واستناداً إلى فكرة أخرى وهي الثقة والاطمئنان إلى القيادة "المنتخبة" بطريقة أو بأخرى، استطاعت الجهات العالمية الفاعلة أن تستغل طيبة جمهور الإخوان المسالمين وثقته بقيادته وحرصه على اكتساب رضا الله من خلال طاعة "الأمير"، استطاعت المؤامرة أن تستغل هذه وتلك لتمرر أموراً كبيرة، لا يمكن إغفالها هكذا ببساطة أو ببلاهة مزحة نراها هنا وهنالك... نعم للأسف لقد سقط الجسم الإسلامي المتماسك الأكبر في عصرنا الحاضر في أبشع مؤامرة من خلالها تمرر أهداف استعمارية واضحة، وتم فيها توجيه ضربة للإسلام السياسي لن نستطيع النهوض منها بسهولة. ولا حول ولا قوة إلا بالله. |
||||||