أوباما وإخفاقاته في الشرق الأوسط

السنة الثالثة عشر ـ العدد 150 ـ ( شعبان 1435 هـ)حزيران ـ 2014 م)

 ترجمة وإعداد: محمد عودة

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ترجمات

مجلة كومنتري، آيب غرينوولد

دون أدنى شك، دفعت الولايات المتحدة ثمناً باهظاً جراء سياسات بوش خارج الولايات المتحدة. فقد ترك وراءه حربين غير منتهيتين وآلاف القتلى الأمريكان. بالطبع جميع القرارات السياسية متبدلة وإدارة بوش لم تظهر فقط حدود القوة الأمريكية بل أيضاً إمكانياتها.

وبالعودة إلى تضحياتنا رأينا أن القاعدة تفتتت وأصبح الداخل الأمريكي آمناً ضد أي هجوم. وفي الوقت الذي غادر فيه الرئيس الـ34 مكتبه، أُسس تحالف بقيادة أمريكية في قلب العالم الإسلامي، وعلى الرغم من كونه متصدعاً لكنه ديمقراطي. علاوة على ذلك، سلم معمر القذافي في ليبيا أسلحة الدمار الشامل، تطور منفعته التامة يمكن تقديرها بعد عقد إثر سقوط نظام القذافي وانتشار أسلحته التقليدية على الجهاديين في شمالي أفريقيا.

مع نهاية رئاسة بوش، البعض رأى الولايات المتحدة خائفة والبعض الآخر اعتبرها مترنحة ولا يزال آخرون يعتبرونها دولة حرب شرسة. لكن رغم كل الغضب من أُحادية القرار ودبلوماسية راعي البقر، العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط الأوسع عملت ضمن حدود دبلوماسية طويلة الأمد. فقد عزز بوش الحرية في المنطقة لكنه لم يُلامس العلاقات البراغامتية مع الأنظمة الاستبدادية والممالك، سواء نحو الأفضل أو الأسوأ. وبعض العواصم الأوروبية كانت منزعجةً من واشنطن، لكن هذا لم يؤد إلى تغيير طويل الأمد في العلاقات بين دول الأطلسي.

كان أكبر تغير محسوس جراء سياسة بوش الخارجية تأثيرها الداخلي. ففي العام 2008، أصبح الأمريكان متعبين من الحرب وملوا الشرق الأوسط.

كل هذا دفع باراك أوباما لقطع وعد بإنهاء الحرب في العراق وسحب البلاد من المنطقة والسعي إلى سياسة خارجية نادمة. وبعد انتخابه، قرر الرئيس أوباما الإيفاء بوعود حملته الانتخابية. مسألة تدبيره الأيديولوجي يمكن مناقشته إلى ما لا نهاية، لكن بغض النظر عن إتقانه، تُرجم إلى سياسات معاكسة كلياً لمواقف بوش في الشرق الأوسط. ففيما كان بوش داعماً قوياً لحليفنا الإقليمي الأقرب، ضغط أوباما على إسرائيل من أجل القيام بتنازلات. وفيما مدّ بوش اليد للشعب الإيراني وتعاطى بحزم مع النظام الذي يُعد خصمنا الأساسي، صد أوباما الإيرانيين العاديين ومد اليد المفتوحة للنظام نفسه. وبين قطبي إسرائيل وإيران، أوضح أوباما للقادة الآخرين في الشرق الأوسط بأن همه الأساسي البقاء بعيداً عن شؤونهم.

الفخ الإيراني

من أجل الإيفاء بوعد في حملته الانتخابية المبني على التحدث مع إيران دون شروط مُسبقة، تقدم باراك أوباما في موقفه من إيران كثيراً. فأراد دبلوماسية تواقة وهادفة بُغية مسح النية السيئة بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية. فاعتبر أوباما أن سوء الفهم المتبادل أصبح متكدساً وجعل من التقارب البناء بشأن المسألة النووية الإيرانية أمراً صعباً دون أي ضرورة لذلك. نعم، الملالي متدينون جداً، لكنهم ليسوا انتحاريين. والفرس شعب يعتز بنفسه وله تاريخ كبير ويسعى إلى أن يحظى باحترام المجتمع الدولي. فلنعامل إيران على أنها بلد عاقل يسعى إلى مجموعة من المصالح المنطقية، فنكسر الدائرة غير البناءة للشيطنة العجيبة.

حبذا لو كان شيء واحد من ذلك صحيح. فقد أُسست الجمهورية الإسلامية في العام 1979 على أساس ثيوقراطي ورؤيوي للإسلام الشيعي، لذا فهو نظام انتحاري. وهو أيضاً متطرف، حيث يتبنى خرافة ثابتة يقضي بالدمار المحتم لإسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء. ومن أجل تحقيق أهدافها، تبني إيران برنامج أسلحة نووية متكامل مع مناجم اليورانيوم ومحطات التخصيب والمنشآت المخفية وأجهزة الطرد المتطورة ومواقع الأبحاث والتطوير الخاصة بتحسين أنظمة الإرسال. وإمكانية استخدام إيران لهكذا سلاح ضد إسرائيل هي غير واردة فقط عند أولئك الذين لا يعرفون بالكامل الجمهورية الإسلامية أو موبقات التاريخ المعاصر. والتوترات السنية الشيعية تعني أن إيران المسلحة نووياً هي بالتأكيد شرارة لسباق تسلح ذري في المنطقة. منذ العام 1979، سعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى وضع اقتراحات دبلوماسية شاملة على أمل التفاوض من أجل إبعاد التهديد الإيراني، ولكنها فشلت في ذلك. أوباما سعى من أجل تفاهم بشأن إيران صعب كسبه، وهو لا يُلاقي أن نطلق عليه حتى وصفه بالضرر.

تسلم أوباما الإدارة ماداً يده المفتوحة إلى طهران، وأرسل الإشارة تلو الإشارة لتأسيس الثقة الحسنة. وفي مقطع فيديو مُسجل في رسالة النيروز في آذار 2009، طلب بشكل مباشر من القادة الإيرانيين التعاون المتبادل. لكن رد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والمرشد الأعلى علي خامنئي بشتم علني. وفي خطابه في القاهرة، كان أوباما أول رئيس أمريكي يعترف بتورط أمريكي في خلع رئيس الوزراء الإيراني محمود مصدق في العام 1953. وهذا بدا رداً مباشراً على طلب علني لأحمدي نجاد حصل قبل أشهر، طلب فيه اعتذاراً من أوباما على دور أميركا في الانقلاب.

وكما فعل مع مصر، اختار الرئيس اللحظة الخطأ للتودد من القيادة في إيران. فبعد انتخابات 12 أيار 2009، والتي انتهت بإعادة انتخاب أحمدي نجاد، تدفق الإيرانيون إلى الشوارع للتظاهر ضد ما اعتبروه تزويراً. وأصبحت الحركة الخضراء، المبشر الجلي للربيع العربي، المشهد العالمي المهيمن في ذاك الصيف. وجذب بحر المتظاهرين الإيرانيين المتشحين باللون الأخضر والساخطين على الخُمينيين انتباه العالم. وكان العالم يُشاهد أيضاً عندما بدأت حملة فرض النظام الخُميني بقمع المتظاهرين.

على الرغم من نزول الإيرانيين بأعداد هائلة إلى الشوارع للاحتجاج ضد حكومة عدونا الأوحد الأكثر شراسة، لم يقف أوباما إلى جانبهم. بل ألزم نفسه بإشارات فاترة بشأن الكرامة والعنف وكرر مسعاه من أجل دبلوماسية بناءة مع النظام. وتجاهله للإرادة الشعبية في إيران لم تُثن الشعب الإيراني الذي صرخ قائلاً: "أوباما، هل أنت معنا أو مع النظام؟"

لكنه كان قد حدد خياره. فالإدارة قضت الفترة الأولى من حكم أوباما في استخدام طرف ثالث وقنوات خلفية للتوصل مع إيران إلى تفاهمات مختلفة من شأنها أن تمنحها الحصول على يورانيوم مُخصب إذا ما أُثبت استخدامه المدني. هذه الشعارات تبعها نمط مألوف: عناوين الصحف بشأن مسؤولين متفائلين وبدايات واعدة ومفاوضات مع قليل من التفاصيل للرأي العام وجولة جديدة من الروايات بشأن نافذة ضيقة في خرق جدار المفاوضات ومن ثم كلمة عن رفض إيراني للتعاون. وفي خلال كل تلك المحاولات الفاشلة، أكد البيت الأبيض للأمريكيين والإسرائيليين بأن "جميع الخيارات على الطاولة" لمنع إيران من أن تصبح مسلحة نووياً. لكن لا شي يُشير إلى أن ذاك صحيح. فالولايات المتحدة وإسرائيل تعاونا في العام 2010 على تنفيذ هجوم سيبري يُدعى ستاكسنت كان من شأنه أن يؤخر برنامج إيران النووي من ناحية الوقت، لكن إدارة أوباما بسرعة سرّبت التفاصيل لمنافع سياسية، ما وضع إسرائيل في خطر أكبر. إضافة إلى ذلك، كرر أوباما إصراره على منع إسرائيل من شن ضربة عسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية.

فيما سعت الإدارة إلى سياسة "اليد المفتوحة"، كثف النظام الإيراني من استفزازاته. وكانت التهديدات ضد الدولة اليهودية والولايات المتحدة جلية. وفي العام 2011، كشف مسؤولون أمريكيون عن مؤامرة إيرانية فاشلة لقتل السفير السعودي عبر قنبلة في مطعم في واشنطن. وحتى ذاك الهجوم الإرهابي المُخطط له لم يدفع الإدارة لتغيير مسارها.

لكن كل الجهود التفاوضية في الفترة الأولى كانت مجرد تمهيد للاندفاعة الدبلوماسية التي بدأت في أيار 2013، عندما أدت الانتخابات الإيرانية إلى وصول رئيس جديد هو حسن روحاني. واعتقد أوباما أن روحاني معتدل وأكثر تقبلاً للتقارب الأمريكي من سلفه. فخففت الإدارة بشكل سري من شدة العقوبات الأمريكية. ورفض البيت الأبيض التشريع المُقدم من الحزبين لفرض عقوبات جديدة. في أيلول، بعد أيام من رفض روحاني الاجتماع المباشر مع أوباما في نيويورك، تحدث الاثنان عبر الهاتف ما شكل التواصل الأعلى مستوى بين البلدين منذ حادثة السفارة الأمريكية بعد الثورة الإيرانية قبل 34 عاماً. وفي 22 تشرين الثاني، بلغ التودد غير المتوازي ذروته. فقد توصلت إيران والقوى العالمية في جنيف إلى اتفاقية تقضي بأن يتم تعليق أجزاء أساسية من برنامج إيران النووي مقابل تخفيف مؤقت لبعض العقوبات الاقتصادية. بالتأكيد الأحداث التي أدت إلى صفقة جنيف والاتفاقية بحد ذاتها تاريخية. وهي تشكل أيضاً التغير الأكثر خطورة في السياسة الخارجية الأمريكية منذ ذروة الحرب الباردة.

للمبتدئين، روحاني ليس معتدلاً. بل هو معتدل مُزيف والأمر كله بيد خامنئي الحاكم الفعلي للبلاد من أجل الحصول على مسألة تخفيف العقوبات التي قدمها أوباما. فخلال الثورة، كان روحاني رفيقاً وثيقاً لآية الله الخميني. وفي العام 1999، دعم حملة فض تظاهرات الطلاب. وفي العام 2004، تباهى باعتداله الخادع أمام المجلس الثوري الثقافي الأعلى. وقال: "فيما كنا نتحدث مع الأوروبيين في طهران، كنا نركب الأجهزة في أجزاء من المنشأة في أصفهان. في الواقع، عبر خلق جو هادئ، استطعنا إكمال العمل في أصفهان". فالهدف الوحيد للرجل هو جذب الغرب فيما تحصل إيران على القنبلة.

وكما يحدث، فإن الصفقة التي سهل إبرامها على الأغلب ستحقق ذاك الهدف. من عدم الاتفاق بشأن القدرات الصاروخية إلى تعريف كلمة "التجميد" إلى عمليات التفتيش وحق تخصيب اليورانيوم، شروط "إطار العمل" لإبرام الصفقة تبدو أشبه بفصل من المسرح الارتجالي الجيوسياسي. ومن المتوقع أن ينتهي إطار العمل في 20 حزيران، حيث يمكن التفاوض بشأن الاتفاق النهائي. وفي هذه الأثناء، تم تخفيف العقوبات وأجهزة الطرد مستمرة في الدوران. والإدارة استطاعت بنجاح منع جهود الكونغرس لفرض عقوبات جديدة على إيران بهدف التزامها بالصفقة. لكن معهد العلوم والأمن الدولي يُقدر بأنه حتى إن التزمت إيران بشروطنا الحالية، فإن قدرتها على خرق الاتفاق بالحصول على سلاح نووي متكامل يمكن أن يتم في غضون أسبوعين أو ثلاث. ومديح روحاني لتلك الصفقة يعني أن "القوى العظمى استسلمت أمام الأمة الإيرانية العظيمة". ولجعل الأمور أسوأ، أخفت إدارة أوباما القوام الاقتصادي والدبلوماسي للصفقة بعيداً عن أعين الرأي العام الأمريكي ومن وراء إسرائيل. فقد غدرت الإدارة حليفها الأقرب في الشرق الأوسط من أجل التوصل مع عدوها اللدود إلى صفقة يمكن أن تؤدي في النهاية إلى منح الأخير وسائل الدمار الشامل.

 

الكارثة السورية

تُعد سوريا جزءاً من المسرح الإيراني. فالديكتاتور العلوي بشار الأسد هو الحليف الأقرب لإيران والمعبر الوحيد لها إلى البحر الأبيض المتوسط، ما يجعل نظامه حيوياً في مسعى الملالي للهيمنة على الشرق الأوسط. وعندما بدأت الانتفاضة في آذار 2011، سارعت طهران لمساعدة الأسد. وطُلب من حزب الله، المنظمة الإرهابية الموالية لآية الله الخميني، القتال إلى جانب رجال الأسد، وكان الأسد مُمتناً لتلك المساعدة.

هنا مرة أخرى، عانى باراك أوباما من حس غير محظوظ للتوقيت. فبدأ رئاسته آملاً سحب سوريا وإبعادها عن إيران، كوسيلة لزيادة الضغط على الجمهورية الإسلامية لجرها إلى التفاوض. وقبل اندلاع الفوضى في بلاد الأسد، أجرت الإدارة نقاشات دبلوماسية عالية المستوى مع دمشق، فسهلت مسألة ترخيص التصدير لسوريا وحاولت تعبيد الطريق أمامها إلى منظمة التجارة العالمية وأنشأت علاقات حميمة مع وزير الخارجية السوري وعيّنت روبرت فورد ليكون السفير الأمريكي الأول في سوريا منذ العام 2005، عندما اتُهمت الحكومة السورية بقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

لكن خطة أوباما لم يُكتب لها النجاح بعد أحداث آذار 2011، لأن سوريا وإيران الآن تحتاجان كل منهما للأخرى أكثر من أي وقت مضى. ولهذا السبب وحده، كان من الحكمة للإدارة أن تأخذ بعين الاعتبار مسألة التدخل لصالح المتمردين السوريين. فإسقاط الأسد يمكن أن يكون بمثابة الصفعة الهائلة لإيران. وأكثر من ذلك، في الأيام الأولى للحرب الأهلية، لم تكن المنظمات الإرهابية السنية تهيمن على المتمردين.

لكن كان هناك أيضاً أسباب وجيهة لعدم التدخل في الصراع السوري. أحد تلك الأسباب أن المعلومات الاستخبارية الأمريكية بشأن التمرد كانت شحيحة. وأولئك المعارضون للأسد يتألفون من منظمات، بعضها متطرف والآخر لا وكثيرون لهم علاقات بأطراف خارجية. وحتى في المراحل الأولى، المساعدة في إسقاط الأسد كان يمكن لها أن تقوي موقع بعض المتطرفين. إضافة إلى ذلك، لم يكن أحد من المؤيدين للتدخل يدعو إلى تواجد أمريكي كبير ما بعد الأسد. وهذا يعني أن واشنطن سيكون لديها قدرة ضعيفة على التأثير في الأحداث في سوريا الجديدة. ولكن مع كل تلك التحذيرات، من الصعب التفكير بوضع تكون فيه إيران في حالة تتخلى عن صديقها الأكثر أهمية ولا يكون ذلك مكسب صاف. ولو أن تفكير أوباما الاستراتيجي بشأن إيران كان مُغايراً، لكان وجد في مشاكل الأسد فرصة مهمة.

ولم يتحاش الرئيس الأمريكي فقط دعم المتمردين، بل إنه لم يُطالب علناً بتنحي الأسد إلا بعد خمسة أشهر من اندلاع الانتفاضة. وفي تلك المرحلة، فرض البيت الأبيض بعض العقوبات على سوريا. لكن الأسد كان يُقاتل من أجل حياته، ومن غير المحتمل أن يتراجع بُغية إنقاذ كمية في عائدات النفط. والمساعدة غير الفتاكة التي وعدت بها واشنطن للمتمردين كانت بطيئة وناقصة.

أصدر الرئيس أول تلميح عن استخدام القوة في سوريا في مؤتمر صحفي في آب 2012. لكن استخدام أوباما لكلمات شديدة تتعلق بالخط الأحمر الأمريكي أتى جراء احتدام المنافسة الانتخابية مع ميت رومني. فهو لم يرد أن يظهر بموقع الضعيف ويعطي خصمه مجالاً لانتقاده باعتباره ديمقراطياً ضعيفاً. وبالطبع، فاز أوباما لكنه أسس للخطأ الجيوساسي الأكثر ضرراً في فترة رئاسته.

تخطى الأسد الخط الأحمر الأمريكي في 21 آب 2013، إثر استخدامه الأسلحة الكيميائية والتي ذهب ضحيتها 1400 نسمة. بعد أسبوع، ألقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خطاباً شديد اللهجة أشار فيه إلى الرد العسكري الأمريكي. بعدها أعلن الرئيس في خطاب مُتلفز أنه سيضرب سوريا. ومن ثم، في الخطاب نفسه، وضع الكرة في ملعب الكونغرس، طالباً منحه السلطة أولاً لتنفيذ الضربة، على الرغم من أنه قال أيضاً بأن لديه الحقوق والسلطة كرئيس لأن يقوم بذلك دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس.

وقبل تصويت أعضاء الكونغرس، وقبل أن يُجبر أوباما على العمل بدونهم أو بموافقتهم، أُنقذ فجأةً بصفقة روسية أمريكية مرتجلة تمنح روسيا، حليفة سوريا، مسؤولية تفكيك الأسلحة الكيميائية بحوزة الأسد.

فكانت الصفقة الروسية نعمة كبيرة للحكومات في دمشق وطهران وموسكو. فهي أبقت الأسد في السلطة كشريك أمريكي في عملية تفكيك الأسلحة. وحافظت إيران على حليفها الأساسي وصورة روسيا سمَت مرة أخرى على المسرح العالمي. بالنسبة للمتمردين، هيمنت عليهم كما كان مُتوقعاً المجموعات الجهادية السنية خلال ثلاثة أعوام من الحرب الأهلية. وغير المتطرفين بينهم، أمثال الليبراليين في الحركة الخضراء في إيران ومتظاهري مربع التحرير، لم يتوهموا بشأن افتقار الرئيس إلى التزام بشأن قضيتهم. أما بالنسبة للعالم، فبدت الإدارة الأمريكية ضعيفة ومتقلبة.

في هذه الأثناء، الصفقة الروسية تفشل وفقاً لشروطها. فالموعد النهائي لتفكيك أسلحة الأسد قد تم تخطيه ولا يزال الأسد يحتفظ بكميات كبيرة من المواد المحظورة. كما أن التوترات الروسية- الأمريكية بشأن اجتياح فلاديمير بوتين لأوكرانيا على الأغلب ستؤدي إلى مزيد من التأخير.

كما أن الولايات المتحدة قادت جولتين من المحادثات في جنيف بهدف دفع نظام الأسد والمتمردين إلى تشكيل حكومة انتقالية. لكن المحادثات فشلت والمتمردون السوريون منقسمون على أنفسهم وغير مهتمين بالكامل بالمشاركة في حكومة انتقالية مع الأسد. ونظام الأسد أيضاً غير مهتم في إجراء المحادثات مع طرف هدفه الأساسي إنهاء حكم الأسد.

لا يزال بشار الأسد الذي ارتكب هجوماً بالأسلحة الكيميائية بلا عقاب. وثلاثة أعداء لأمريكا أحرزوا تقدماً. والحرب الأهلية السورية لا تزال مستمرة. أما أفراد القاعدة فهم الآن يجرون عمليات تدريبية داخل سوريا ولدى مسؤولي الاستخبارات الدافع للاعتقاد بأنهم يُخططون لتنفيذ هجمات في أوروبا والولايات المتحدة.

القنبلة الموقوتة اللبنانية

لبنان، كما هو حال تركيا والعراق، سوء حظه الأكبر أنه بجوار سوريا. لكن خلافاً لتركيا والعراق، كان مُهيمناً عليه من قبل سوريا لمدة ثلاثة عقود. ولغاية العام 2005، بقي البلدان مرتبطين ببعضهما البعض. ما يُقارب المليون لاجئ هربوا إلى لبنان منذ بداية الأزمة السورية. وكان جبران باسيل، وزير الخارجية اللبناني، قد وصف أزمة اللاجئين بأنها "تهدد وجود لبنان". ولأن البلاد خليط غير مستقر أبداً من القطاعات الدينية، هو مضياف بشكل خاص للمعارك التي تنجر من الحرب المجاورة. فالأغلبية السنية من الطبيعي أن تكون داعمة للمتمردين السوريين، لكن المجموعة الشيعية، حزب الله، فهي تقاتل إلى جانب نظام الأسد وهي قوة لا يُستهان بها داخل لبنان. والانقسام بين الجانبين حاد وعميق، وفي جزء منه جراء احتمال تورط سوري في عملية الاغتيال التي استهدفت رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في العام 2005.

وكغيره من المناطق الكثيرة الأخرى في المنطقة، صندوق المتفجرات اللبناني أصبح الآن مشتعلاً جراء التغاضي الأمريكي. فعندما خفض أوباما النفوذ الأمريكي، هو فتح بذلك فراغاً يستوعب كل من هو آتٍ.

فبدون التدخل الأمريكي، أخذت السعودية حليفة الولايات المتحدة على عاتقها تقليم أظافر النفوذ الإيراني في لبنان. وفي كانون الثاني، قدمت هبةً بـ3 مليار دولار إلى الجيش اللبناني أملاً بمواجهة قوة حزب الله. لكن انتصار الأسد المؤكد تقريباً في سوريا يعني أن إيران ستستمر بممارسة القوة الثقافية والسياسية في لبنان.

وجراء التصرف السيئ، فإن الرفض المبكر لإدارة أوباما بدعم المتمردين السوريين السنة غير المتطرفين أدى إلى تواجد أكبر للقاعدة ليس فقط في سوريا بل أيضاً في لبنان. ومع مواصلة الأسد لدحر المتمردين من معاقلهم، هم يهربون إلى البلدات اللبنانية عند الحدود. واليوم، المجموعتان المرتبطتان بالقاعدة في لبنان، ألوية عبد الله عزام وجبهة النصرة، تُشكلان تهديداً متنامياً وفتاكاً. فهما تُنفذان هجمات انتحارية ضد أهداف شيعية ويرد حزب الله بوضع الحواجز على الطرقات وتنفيذ هجمات مضادة. لن يستغرق الأمر طويلاً بين الخصوم المتصارعين للانغماس في حرب أهلية. وجبهة النصرة أعلنت بأن الجيش اللبناني غير الطائفي هدف شرعي للهجمات، مُتهمة إياه بأنه يُساعد حزب الله.

من الصعب جداً إيجاد مثال واحد على رد الرئيس أوباما على حدث إقليمي أخير يعود بالمنفعة على الولايات المتحدة أو حلفائها. في الوقت نفسه، أعداء أميركا، خصوصاً إيران وحلفاؤها، أصبحوا أكثر قوة وهم الآن لديهم اليد الطولى.

هذه الإدارة أمامها ثلاث سنوات لتقليل أثر الضرر الذي وقع. ولكن التحدي هائل، ورغم كل الانتكاسات، تبقى الولايات المتحدة القوة العظمى في التاريخ العالمي. وكما شهدنا، يمكن لأشياء كثيرة أن تحصل في فترة قصيرة.

اعلى الصفحة