|
|||||||
|
ربما هي من المرات النادرة التي تلتف فيها أغلبية الفلسطينيين خلف موقف السلطة الفلسطينية التي أنجبها اتفاق أوسلو منذ عقدين ونيّف، والتي ينطلق موقفها، بالأساس، من ضرورة منع المفاوض الفلسطيني تقديم المزيد من التنازلات، وشد أزره في مقاومة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية التي لم تتوقف منذ انطلاق مسيرة التسوية بداية تسعينيات القرن الماضي.. وبالأخص بعد تفرّد الولايات المتحدة برعاية المفاوضات، بدءاً من مفاوضات ما بعد قمة أنابوليس 2007، وقمة واي ريفر 1998، وقمة كامب ديفيد 2000، وصولاً إلى المفاوضات الراهنة التي انطلقت جولاتها الأخيرة قبل نحو تسعة أشهر. وقبل أسابيع قليلة، وعلى القاعدة ذاتها، وقف الفلسطينيون وراء رئيس السلطة ومنظمة التحرير محمود عباس الذي أعلن رفضه تمديد أمد المفاوضات التي كان يفترض أن تنتهي في التاسع والعشرين من نيسان/ إبريل الماضي، ووقَع على 15 من المعاهدات والمواثيق الدولية، بعد إحجام السلطات الإسرائيلية عن تنفيذ التزامها المتعلق بإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، وذلك على الرغم من الشكوك الكبيرة حيال جديَة هذه الخطوة، وعمَا إذا كانت تمثَل نعيا نهائيا للمفاوضات، وقلبا للطاولة على رأس الإسرائيليين والأمريكيين، وبالتالي بداية نهج سياسي فلسطيني جديد، أم أنها جزء من ضغوط اللحظات الأخيرة التي تهدف إلى انتزاع مطالب إضافية تتعلق بالأسرى الفلسطينيين، ورفع سيف الاشتراطات الإسرائيلية الثقيل، وفي مقدمها شرط اعتراف الفلسطينيين بـ "يهودية إسرائيل" عن رقبة السلطة الفلسطينية ورئيسها. ولأن مسيرة التفاوض التي ظللت عملية استيطان جنونية أسفرت عن تهويد معظم أنحاء "القدس الكبرى"، وقلصت مساحة الضفة الغربية إلى أقل من النصف بحكم توسع الكتل والمستوطنات التي باتت تتمدد، وجوارها الحيوي، على نحو 43% من الأراضي، ناهيك عن التهام جدار الفصل والطرق الالتفافية مساحات واسعة أخرى، وتخللها انطلاق انتفاضتين: شعبية ومسلحة. لأن هذه المسيرة بدأت بمبدأ بسيط لا يحتاج إلى أي اجتهاد: الأرض مقابل السلام، وتحوَل إلى الدولة الفلسطينية مقابل السلام، قبل أن يتدهور إلى "الدولة اليهودية" مقابل السلام، كان لا بد من البحث عن حيثيات التأييد الواسع لخطوة عباس الذي حشره الإسرائيليون في زاوية ضيقة، رغم اقتصار مطالبه على إطلاق سراح بعض الأسرى المعتقلين منذ عشرات السنين، بعيدا عن قرارات السلطة المتصلة برفض تمديد المفاوضات، والانضمام إلى بعض المعاهدات والاتفاقات الدولية، وتبنَي المقاومة الشعبية "السلمية" والتوجه "التنفيذي" والمباشر للحوار الوطني مع حركة "حماس". ولعلنا لا نجانب الصواب إذا زعمنا أن معظم الفلسطينيين يرغبون بشدة أن تشكل هذه الخطوة مقدمة لتلاقي المنظمة والسلطة مع المطالب الشعبية والوطنية المتمثلة بضرورة الطلاق البائن مع المفاوضات الكارثية، وإعادة بناء الوحدة الوطنية انطلاقا من إعادة بناء التمثيل الوطني، والخروج التدريجي من مسار "أوسلو"، وإعادة صياغة برنامج واقعي ونضالي للاستقلال والعودة، وتطوير وتوسيع المقاومة الوطنية الشاملة، وبمختلف أشكالها، واعتماد إستراتيجية تشتمل على سيناريوهات ومقاربات جديدة للتعامل مع المتغيرات العربية والدولية بما يخدم استعادة مكانة القضية الفلسطينية، وتوظيف المستجدات على المستويات العربية والإقليمية والدولية لتحقيق هذه الغاية. عقبات موضوعية.. وذاتية على أن المضي في هذا الخيار الوطني الذي يمثل الحد الأدنى من طموحات وأهداف الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، دونه، في الواقع، رزمة من العقبات الموضوعية والذاتية التي بدأت تجلياتها بالطفو على سطح المشهد منذ التوقيع على الانضمام الفلسطيني إلى عدد من المعاهدات والمواثيق الدولية. ولو بدأنا بالمعضلات ذات الطابع الواقعي الذي يدب على الأرض، فسنجد أولاً ذلك الوحش الاستيطاني الذي كشّر عن أنياب إضافية، عندما هددت إسرائيل ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية في مختلف المناطق، ومنها منطقة E1 بالقدس التي تشكل الفسحة الوحيدة للوصل ما بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، في الوقت الذي كانت فيه بلدية الاحتلال في مدينة القدس تقرر المضي قدما في مخطط إقامة مجمع استيطاني كبير أطلق عليه اسم "كيديم" على مساحة 16 ألف متر في حي سلوان على بعد 20 متراً من جدار الحرم القدسي، والذي يفترض أن يضم متحفاً ومركزاً للزائرين يشكل مستقبلا مدخلاً للحديقة الوطنية "عير دافيد"، وموقف سيارات كبير ومدرسة وقاعات وحوانيت ومطعم ومكاتب إدارة ما يسمى "مدينة داوود"، فيما قامت الهيئة المسماة "الإدارة المدنية"، أي الذراع المدنية لقوات الاحتلال، بطرح مخطط لمصادرة 180 دونماً من أراضي قرية عين يبرود وسلواد شمال شرقي رام الله وذلك لإقامة منشأة لتكرير المياه العادمة الآتية من مستوطنة "عوفرة"، وذلك بالتوازي مع إبلاغ سلطات الاحتلال مزارعي بلدة الخضر جنوب بيت لحم نيتها مصادرة 984 دونماً من أراضي البلدة المجاورة لمستوطنة "دانيال" جنوب بيت لحم. في موازاة ذلك، وبالتزامن مع إعلان وزارة الحرب الإسرائيلية ما يقرب من 250 فداناً من الأراضي في تكتل "غوش عتصيون" جنوبي القدس "أراض حكومية"، وهي عملية الاستيلاء الأكبر منذ سنوات، والتي ستؤدي، في نهاية المطاف، إلى توسيع عدة مستوطنات، وإعطاء ترخيص لموقع استيطاني شيد من دون موافقة الحكومة الإسرائيلية في العام 2001، دعا وزير الاقتصاد في حكومة العدو وزعيم حزب "البيت اليهودي" نفتالي بنيت إلى ضم المناطق المصنفة(ج)، وفق اتفاقية أوسلو، والتي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، إلى سيطرة سلطات الاحتلال، ومنح سكانها الفلسطينيين، الذين قَدّر عددهم بنحو 45 ألفا، الجنسية الإسرائيلية. وتنقسم الخطة، وفق بنيت، إلى 3 مراحل تبدأ بضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية وهي "أرئيل"، شمال الضفة الغربية، و"غوش عتصيون"، جنوبها، و"معاليه أدوميم"، شرق القدس، و"بيت ايل- عوفرا"، وسط الضفة، ليلي ذلك منح الفلسطينيين في المناطق(أ) و(ب) حكم ذاتي يتمتعون، من خلاله، بحرية الحركة بين مدنهم من دون حواجز لسلطات الاحتلال، فيما يبقى الوضع في القدس وغزة على حاله، أما فلسطينيو المنطقة(ج) الذين يخضعون الآن للسيطرة الإسرائيلية الأمنية والإدارية الكاملة، ويحملون الجنسية الفلسطينية، فيمكن أن يكونوا جزءا من "إسرائيل"!! واستتباعاً، وإلى جانب وقف عائدات الضرائب، وفرض حواجز عسكرية على الطرق بين المدن الفلسطينية، والتهديد بسحب بطاقات الشخصيات المهمة من مختلف القيادات الفلسطينية، وربما إعلان ضم المستوطنات في الضفة الغربية إلى إسرائيل، وعلى غرار ما حدث مع الزعيم الراحل ياسر عرفات الذي تصاعدت حملات التحريض ضده، قبل أن يتم حصاره في المقاطعة في رام الله، ويجري قتله بواسطة السم فيما بعد، نفّذت الأحزاب الإسرائيلية المتطرفة تهديدها بالشروع بحملة للرد على خطة فلسطين الانضمام لمنظمات الأمم المتحدة، واستخدام محامين لرفع قضايا ضد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمام محكمة لاهاي الدولية لأنه "يدعم الإرهاب ويقدم المساعدات للمنظمات الإرهابية التي تحارب إسرائيل"، حسب زعمهم، ويستشهد هؤلاء بالعملية الفدائية الأخيرة التي أدت إلى قتل ضابط استخبارات إسرائيلي على حاجز ترقوميا قرب مدينة الخليل، فيما تصاعدت تهديدات المشرَعين الأمريكيين بسحب المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية وإغلاق بعثتها في واشنطن. ومن أجل رفع منسوب الابتزاز ضد الفلسطينيين، وضد الراعي الأمريكي جزئياً، يتصاعد الحديث عن إمكانية الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة في إسرائيل، على خلفية الموقف من انضمام السلطة الفلسطينية إلى بعض الاتفاقات الدولية، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية(14 أسيراً) ضمن صفقة تمديد المفاوضات، وهي القضية التي جرى تضمينها في صيغة الصفقة المقترحة، والتي تداولتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بداية أزمة المفاوضات الراهنة، وذلك من خلال إمكانية إطلاق سراح الجاسوس اليهودي في السجون الأمريكية جوناثان بولارد، في مقابل تحرير إطلاق سراح الدفعة الرابعة المتفق عليها قبل نجو تسعة أشهر، ومئات أخرى من المعتقلين الفلسطينيين الذين يتم اختيارهم من قبل إسرائيل، إضافة إلى صيغة ملتبسة تتعلق باستمرار البناء في المستوطنات، من دون القدس المحتلة، ما يتيح لنتنياهو المحافظة على ائتلافه الحكومي، و"تنظيم" الاستيطان بدلاً من وقفه أو تجميده، ويوفر للسلطة الفلسطينية التي حصرت مطالبها بواحد من اثنين بعد سلسلة التنازلات التي قدمتها: إما تجميد حقيقي للتوسع الاستيطاني، أو تحرير المزيد من الأسرى الفلسطينيين، ذرائع إضافية يمكن البناء عليها لتبرير خيار استئناف المفاوضات لأشهر إضافية. ما بين التكتيك والإيديولوجيا الدوغمائية ومع ذلك، وعلى الرغم من إصرار رئيس حزب البيت اليهودي على مواقفه الرافضة للصفقة، وإعلانه، خلال مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، أنه "يجب التهديد بالانتخابات المبكرة لوقف عملية إطلاق الأسرى الفلسطينيين المحتملة"، وأن "الكرة موجودة لدى نتنياهو الذي يجب أن يضع حدا، ويرفض إطلاق سراح قتلة يحملون الجنسية الإسرائيلية"، وفق وصفه، فإنه يمكن تلمس ما ينطوي على رسالة ضمنية يستعد فيها لحل وسط يجمع بين الصفقة وبقائه في الحكومة عبر خيار سحب الجنسية الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين المحررين الـ 14. ونقلت "يديعوت أحرنوت" عن بينيت قوله إنه من اقترح على نتنياهو هذه الفكرة، "لكنها قيد الدراسة مع المستشار القانوني للحكومة"، وهو ما ينطبق، من زوايا عديدة، على وزير الخارجية وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان الذي أعلن أنه قرر إنهاء التعاون مع حزب الليكود، وعدم التنافس في ما بينهما في الانتخابات المقبلة، وأنه سيصوّت شخصياً ضد الصفقة، فيما سيمنح وزراء حزبه حرية التصويت، وهو ما يعني عمليا شق الطريق أمام تحقيق غالبية مؤيدة لهذه الصفقة. في كل الأحوال، وبخلاف الرأي السائد الذي يحيل إصرار حكومة نتنياهو، ومن خلفها كافة ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي، على وضع الشروط التعجيزية على الفلسطينيين، وفي مقدمها طرح شرط اعتراف الجانب الفلسطيني بـ"يهودية الدولة، لا بل واعتبار قبول الفلسطينيين والعرب بهذا الشرط الـ"واجب الوجود"، هو بمثابة الأوكسجين الضروري لبقاء "عملية التسوية" على قيد الحياة، يحيل ذلك إلى رغبة الحكومة في إحباط عملية التفاوض وتحميل الطرف الآخر مسؤولية ذلك، فإن ثمة رؤى ذات طبيعة أيديولوجية دوغمائية، وأهدافاً قديمة، ومعطيات مستجدة تقف خلف تمسك الإسرائيليين بتثبيت دعائم كيانهم الغاصب بأوتاد الدين والوعد الإلهي، ودمج مفهوم "الأسرلة" في إطار ما يسمى "الهوية اليهودية". فنتنياهو، الناطق بلسان معظم قوى اليمين الصهيوني والحريدي، ومثلما كانت تردد غولدا مائير، لا يعترف، في الأساس، بوجود الشعب الفلسطيني. وبالنسبة له، وكما ينقل عكيفا ألدار في صحيفة "هآرتس" العبرية، عن خطابه في مؤتمر "إيباك" الأخير، فإن الخليل هي فقط المدينة التي "اشترى فيها إبراهيم مغارة الماكفيلا"، و"بيت ايل" هي المكان الذي "حلم يعقوب فيها حلمه"، أما القدس، فهي صخرة الوجود اليهودي. "حكم داود مملكته" منها. ولأنه "توجد فقط حقيقة تاريخية واحدة"، وفق ما يؤمن ويردد، فقد استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي، على سبيل المثال، انعقاد الجلسة الخاصة للكنيست بكامل هيئتها على شرف نظيره البريطاني دافيد كاميرون كي يقول: "كانت عودة اليهود إلى صهيون هي التي أدت إلى هجرة عربية مكثفة إلى بلاد إسرائيل من الدول المجاورة للبلاد التي تبنى من جديد". ولم يكتفِ نتنياهو بالطلب بأن يعترف الفلسطينيون بأن دولة إسرائيل هي اليوم الدولة القومية للشعب اليهودي وهكذا ستبقى في المستقبل؛ بل قضى بأن "الفلسطينيين ملزمون بالاعتراف بالصلة التاريخية للشعب اليهودي بوطنه في بلاد إسرائيل وحقوقه فيها". لا بل وأعاد التقرير بأنه "لا توجد هنا مسألة روايات، توجد هنا حقيقة تاريخية واحدة". أما بخصوص الأهداف الإسرائيلية، فيمكن القول إن الاعتراف الفلسطيني بأن إسرائيل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي" سيكون له معان سياسية- قانونية بعيدة الأثر، تتجاوز انتزاع إقرار بحق اليهود التاريخي في فلسطين، والتنازل عن "حق العودة"، ووضع فلسطينيي 1948 في مهب الترانسفير بعد فتح باب التطهير العرقي، أو إقامة دولة دينية، تكون سببا في شن الحروب الدينية في المنطقة، إلى إدانة الفلسطينيين لتاريخهم الكفاحي الوطني خلال العقود الماضية، وتبنَي الرواية الصهيونية التي قادت لطرد أغلبية أصحاب الأرض من وطنهم. فيما تتعلق المعطيات المستجدة التي بدأت تفرض نفسها على الأرض وفي الميدان، بانحسار قدرة إسرائيل، ليس فقط على الردع كما بيَنت حرب تموز/ يوليو 2006، وإنما على أداء الحد الأدنى من وظيفتها في المنطقة، وتحوَل هذا الكيان، تاليا، من رصيد إلى عبء استراتيجي، دون أن يمس ذلك من قيمته الاعتبارية كعضو متمم في النسيج الأمريكي الكلي، وذلك تحت وطأة ضعف الولايات المتحدة الذي بدا عارياً جلياً حين تم التراجع عن شن الحرب على سوريا في 3 أيلول/ سبتمبر الماضي، ما يعني أن إصرار الإسرائيليين على اعتراف الفلسطينيين والعرب، وبقية العالم، بـ "يهودية" دولتهم، له علاقة بتضخم الهواجس الوجودية لديهم، وارتفاع منسوب الخوف من الاحتمالات المفتوحة في المنطقة، ولاسيما في ظل تطورات الميدان السوري، ومتغيرات المشهد المصري، والبدء بتلمس تداعيات وارتدادات هذه التطورات على مجمل الخريطة الإقليمية. ماذا عن طبيعة السلطة وخياراتها؟! في المقلب الآخر، مقلب العقبات التي تحول دون مضي السلطة الفلسطينية التي عملت، على الدوام، على إشهار الواقع الفلسطيني والعربي الرث كفزّاعة لحصر الخيارات المتاحة في خيار المفاوضات القاتلة، لا بد من التحذير، بداية، من جدية التطور المتمثل في انحسار مساحة الخلاف الإسرائيلي- الأمريكي حيال مسألة التسوية، والذي يدور، بالأساس، حول تصفية القضية الفلسطينية بالضربة القاضية، وفق ما يرى ويريد ائتلاف نتنياهو الحاكم، أو تصفيتها بالنقاط، وفق ما تسعى إدارة أوباما التي تقوم رؤيتها للتسوية على المدى البعيد، حسب مصدر رفيع في منظمة التحرير، على اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية، وإقامة عاصمة لفلسطين في جزء من القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين وفق رؤية الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، وبقاء الكتل الاستيطانية تحت سيطرة إسرائيل، واستئجار المستوطنات الباقية، وسيطرة إسرائيل على المعابر والأجواء، ووجود قوات رباعية أمريكية - إسرائيلية - أردنية - فلسطينية على الحدود، وحقها في المطاردة الساخنة في الدولة الفلسطينية. أما بخصوص هذه العقبات (الذاتية)، فهي تتصل أساسا، بطبيعة السلطة الفلسطينية وخياراتها وإرادتها السياسية وتحالفاتها العربية والإقليمية والدولية، لاسيما وأن أبو مازن نفسه، وفي ذات الخطاب الذي تم فيه الإعلان عن رفض تمديد المفاوضات والانضمام إلى بعض الاتفاقات والمواثيق الدولية، لم يستطع رفع السقف المعتمد منذ سنوات طويلة، واكتفى بالدعوة إلى تصعيد "الكفاح الجماهيري" – فقط -، كما لم يتردد في التأكيد على أن السلطة لا تريد الدخول في مواجهة مع واشنطن، وهي ستستمر في مساعيها للوصول إلى ما أسماه "الحل السلمي" من خلال المفاوضات، فضلاً عن استثناء "محكمة الجنايات الدولية" التي يمكن اللجوء إليها لمقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين من القائمة التي وقَع عليها، ناهيك عن تواصل المشاورات واللقاءات مع الجانبين الأمريكي والإسرائيلي لسد ما تبقَى من ثغرات في صيغة الصفقة المقترحة التي تعيد إنتاج جولات جديدة من المفاوضات. على قاعدة كل ذلك، وتحت وطأة خشية أغلبية الشعب الفلسطيني المحقة من استجابة السلطة ورئيسها للضغوط الأمريكية والإسرائيلية المتعاظمة، وتسليمهما بالتفاوض على اتفاقية نهائية تتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، وجهت مجموعة من الأكاديميين العرب (180 أكاديميا) رسالة مفتوحة إلى رئيس السلطة ومنظمة التحرير محمود عباس دعته فيها إلى استباق التحرك الأمريكي- الإسرائيلي بالإعلان عن بيان مبادئ يلتزم بما أسمته "معادلة سلام" قائمة على حقوق الشعب الفلسطيني، كما طالبته بالعمل على انعقاد مجلس وطني بعد انتخابه ديمقراطياً، تعهد إليه صياغة مسار جديد. وحسب نص الرسالة، فقد دعا الأكاديميون عباس إلى الوقوف بحزم في الدفاع عن الحقوق الوطنية لكل الفلسطينيين، والإعلان بوضوح أنه لا أحد يملك، فردا كان أم جماعة، الحق أو السلطة غير المشروطة للتوصل لاتفاقية نهائية باسم الشعب الفلسطيني. حيث أن هذا الشعب، وبكامله وفي كل أماكن وجوده هو، وفقط هو، صاحب الحق الوحيد لقبول أو رفض أي مشروع اتفاق نهائي، وأي مشروع من هذا النوع يجب أن يقدم للنظر والتداول أمام مجلس وطني فلسطيني يختار أعضاءه كل الشعب الفلسطيني في انتخابات حرة، عادلة، وعلنية، وأن يتمكن هذا المجلس من عقد اجتماعاته بحرية وبعيدا عن التأثيرات الأجنبية والتدخلات الإسرائيلية. حقوق أصيلة لا تقبل المساومة ولإزالة الالتباس المتعلق بمسألة اللاجئين الفلسطينيين التي يدعو أبو مازن إلى معالجتها عن طريق التوصل إلى "حل عادل ومتفق عليه على أساس القرار الأممي 194"، أكد الأكاديميون أنه، وبغض النظر عن كل الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، للشعب الفلسطيني مجموعة من الحقوق الأساسية الوطنية والجماعية والفردية، أهمها وأبرزها على الإطلاق حق العودة إلى وطنهم المنصوص عليه والمعترف به في الشرعية الدولية. وهذه الحقوق اللازمة والأصيلة للفلسطينيين كأفراد وعائلات وشعب هي بطبيعتها ليست، ولا يمكن أن تكون، موضوع مفاوضات، ولا يمكن المساومة عليها أو التنازل عنها أو تعريضها للخطر تحت أي ظرف من الظروف. كما أكدوا أن الأسس التي تقوم عليها المحادثات الحالية، مثل كل المفاوضات السابقة، تستبعد وتتجاهل الحق الفلسطيني الأساسي في تقرير المصير، والانسحاب الإسرائيلي لحدود ما قبل 1967 من دون تغيير أو تعديل، وإزالة كل المستعمرات الإسرائيلية والمستوطنين المستعمرين من الضفة الغربية والقدس، والاعتراف بالسيادة الفلسطينية على كامل القدس الشرقية، وحق السيطرة والسيادة الفلسطينية على الحدود والأجواء والمياه والمصادر الطبيعية الأخرى، وحرية الدخول في تحالفات وعقد اتفاقيات مع دول أخرى. ومثلما تتجاهل المفاوضات الحالية، كلياً استعادة حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات والمنافي خارج فلسطين التاريخية والذين يشكلون ما يقارب نصف المجتمع الفلسطيني، وفي مقدمها حق العودة إلى وطنهم، تتجاهل، أيضاً، حقوق فلسطينيي 1948 في المساواة واستعادة الحقوق والملكيات التي سُلبت منهم على إثر نكبة العام 1948. وبناء على ما سبق، رأى الأكاديميون أن الوقت قد حان لإعلان القطع النهائي، مرة والى الأبد، مع نهج "مفاوضات بلا نهاية" التي تم التأسيس لها في أوسلو، ولم تفعل شيئا سوى أنها وفرت لإسرائيل الوقت والفرصة لضم واستيطان أراض أكثر وفرض المزيد من القيود على جميع نواحي حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، كما أنه آن أوان البدء بحوار وطني جديد بين الفلسطينيين حول مستقبل وأهداف النضال الفلسطيني والطرق المثلى لضمان تحقيق الحقوق الفلسطينية الأساسية، بما فيها حقوق من يعيشون تحت الاحتلال، ومن يعيشون كسكان درجة ثانية في إسرائيل، وحقوق المشردين في الشتات الممنوعين بالقوة من العودة إلى ديارهم. وبعد التحذير من مغبة انتظار مشروع أمريكي- إسرائيلي يتناقض تماماً مع الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، ويُقدّم للعالم على أنه مشروع أمريكي محايد، طالب الأكاديميون رئيس السلطة الفلسطينية إلى المبادرة وقائياً، وقبل إعلان وزير الخارجية جون كيري مشروع الإطار الأمريكي، إلى الإعلان عن بيان مبادئ واضح يلتزم بـ"معادلة سلام قائمة" على حقوق وحاجات الشعب الفلسطيني المعترف بها دوليا، كما دعوه، بصفته رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، إلى العمل، وبدون تأخير، على انعقاد مجلس وطني فلسطيني، بعد أن يتم إعادة تشكيله ديمقراطياً، يُعهد إليه الإشراف على صياغة مسار جديد لما أسموه "سلام عادل ودائم" يضمن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني. في كل الأحوال، وبعيداً عن تهافت الحديث عن فعالية "سلاح القانون الدولي" وضرورة عدم تحمّل مسؤولية إفشال المفاوضات، واستناداً إلى واقع الاستيطان العنكبوتي، والتهويد المستمر في كافة مناطق الضفة الغربية، ووصول الاحتقان الشعبي الفلسطيني إلى حد الانفجار، تجد السلطة الفلسطينية أمام أحد خيارين استراتيجيين اثنين: إما مواصلة نهج التفاوض الكارثي الذي تتراكم المؤشرات على عدم قابليته للحياة في المستقبل المنظور، وبالتالي، تقديم دليل ملموس على صحة الفرضية الإسرائيلية التي تفيد بأن القيادة السياسية الفلسطينية لا تتجرأ على عصيان الولايات المتحدة، وأنها تستعرض العضلات فقط، من خلال السير على حافة الهاوية، لتحقيق صفقة جديدة، وإما الانحياز إلى الشعب وحقوقه الوطنية، والخروج من عباءة "أوسلو" والتزاماتها، وإعادة صياغة خارطة التحالفات العربية والإقليمية، لاسيما وأن موسكو، وكما يحذّر سيفر بلوتسكر في صحيفة "معاريف" العبرية، معنية، في هذه الظروف، بتوسيع دائرة الأصدقاء العالميين، فيما يبحث الفلسطينيون عن صديق قوي وصادق. ويبدو، من زاوية نظر إستراتيجية روسية، أن الكرملين يعتبر السلطة الفلسطينية رأس جسر مثالي إلى العالم العربي، كون العديد من قادة م.ت.ف درسوا في الجامعات السوفييتية، ويفهمون الروسية، فضلاً عن أن هذه السلطة تناهض قوى "الإسلام المتطرف" التي تعتبرها روسيا أيضاً عدواً. أما من زاوية النظر الفلسطينية، فإن مصداقية روسيا كقوة عظمى لا تبيع أصدقاءها، ثبتت على نحو ظاهر في موقفها من الأزمة في سورية. كاتب فلسطيني(*) |
||||||