|
|||||||
|
تتعرض فلسطين؛ بشعبها وقضيتها وتراثها إلى النهب والقتل والاستهداف المباشر وغير المباشر للقضاء على هذه القضية، وإنهاء هذا الشعب.. وتشكل مقولة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن غوريون: "الكبار يموتون والصغار ينسون" أساس وجوهر الاستهداف المنظم للإنسان الفلسطيني سواء في الضفة الغربية وأراضي 48 أم في الشتات، بغرض تفريغ الذاكرة الجمعية الفلسطينية من مخزونها الثقافي والفكري والتراثي. وإذا كانت عمليات سرقة الأرض وتهويدها ماضية، فإن عملية استهداف الإنسان الفلسطيني تسير عبر قتله مادياً ومعنوياً من خلال سرقة الموروث والمخزون التراثي، وذلك بسرقة الثوب والزي الفلسطيني وتحويله لباس مضيفات طيران شركة العال الإسرائيلية، والإدعاء أنه زيّ إسرائيلي، وسرقة الطابون والشاقل (الشيقل) عملة إسرائيل، بدلاً من الليرة- الجنيه وهي كلمة كنعانية الأصل. ولأن الإسرائيليين ليسوا أصحاب الأرض فقد عمدوا إلى طمس الملامح العربية "الإسلامية والمسيحية" في فلسطين وكل ما هو موجود وشاهد على قدم الوجود العربي فيها. وعمدوا كذلك إلى محاولات "خلق تلفيقات" تدعم "كذبهم وزورهم" لكي يوهموا العالم بحقيقتها عبر التزوير والاستيلاء على التراث الفلسطيني وإزالة كل ما يدل على ملكية فلسطين لأصحابها. تعريف التراث تُطلق لفظة التراث "على مجموع نتاج الحضارات السابقة التي يتم وراثتها من السلف إلى الخلف وهي نتاج تجارب الإنسان ورغباته وأحاسيسه سواء أكانت في ميادين العلم أو الفكر أو اللغة أو الأدب وليس ذلك فقط بل يمتد ليشمل جميع النواحي المادية والوجدانية للمجتمع من فلسفة ودين وفن وعمران… و تراث فلكلوري واقتصادي أيضاً". والأصل من التراث هو كلمة مأخوذة من (ورث) والتي تعني حصول المتأخر على نصيب مادي أو معنوي ممن سبقه. أما الأصل التاريخي لكلمة تراث فهي تعود إلى أقدم النصوص الدينية حيث وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم ﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً﴾(الفجر:19)، حيث كان المقصود بها الميراث. حيث كان الأصل في البداية استخدام لفظ الميراث نيابة عن كلمة التراث ولكن مع تقدم العصور أصبحت (التراث) هي الكلمة الأكثر شيوعاً للدلالة على الماضي وتاريخ الأمة وحضاراتها وما وصل إلينا من الحضارات القديمة سواء أكان هذا التراث متعلق بالأدب أو العلم أو القصص أي كل ما يمت للقدم. أما عن المعنى المعاصر لكلمة تراث فهو التراث الفكري المتمثل في الآثار المكتوبة الموروثة التي حفظها التاريخ كاملة ومبتورة فوصلت إلينا بأشخاصها. ومن الجدير بالذكر أن التراث هو ليس الطابع أو الخصائص القومية بل هو أعمق من ذلك فهو يعبر عن مجموع التاريخ المادي والمعنوي لحضارة معينة منذ أقدم العصور فكثير هي الحضارات التي حكمت منطقة أو مكان واحد ومع أن هذه الحضارات قد ولت إلا أن التراث أعادها. إن التراث الشعبي ثروة كبيرة من الآداب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافة المادية والفنون التشكيلية والموسيقية، وهو علم يدرّس الآن في الكثير من الجامعات والمعاهد الأجنبية والعربية لذا فإن الاهتمام به من الأولويات الملحة. ويُعرف الكاتب صالح زيادنة التراث بأنه ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها من جيل إلى جيل، نقول: "التراث الإنساني" التراث الأدبي، التراث الشعبي"، وهو يشمل كل الفنون والمأثورات الشعبية من شعر، وغناء، وموسيقى، ومعتقدات شّعبية، وقصص، وحكايات، وأمثال تجري على ألسنة العامة من الناس، وعادات الزواج والمناسبات المختلفة وما تتضمنه من طرق موروثة في الأداء والأشكال ومن ألوان الرقص والألعاب والمهارات". ويقول د. نعمات أحمد فؤاد بأن التراث هو تجارب السلف التي تركوها في المتاحف أو المقابر أو المنشآت أو المخطوطات وما زال لها تأثيرها في عصرنا الحاضر. أما د. عبد الحميد يونس، فيعتبر أن: "التراث العربي هو مجموع ما ورثناه، أو أورثتنا إياه أمتنا من الخبرات والإنجازات الأدبية والفنية والعلمية، ابتداءً من أعرق عصورها إيغالاً في التاريخ، حتى أعلى ذروة بلغتها في تقدّمها الحضاري.. فهو إذاً تاريخ الأمة السياسي والاجتماعي، والنُظُم الاقتصادية والقانونية التي شرعتها، ومجموع خبراتها الأدبية ومنجزاتها في الطب والكيمياء والفلك والفيزياء، وعلم الاجتماع وعلم النفس، وفن التصوير، والعمارة والتزيين، يضاف إلى هذه الخبرات المكتسبة عن طريق الممارسات اليومية والعلائق الاجتماعية التي كثيراً ما تصاغ في حكايات، وخرافات، وأمثال، وحكم، ومزح تجري على ألسنة الناس بأساليب تعبيرية متنوعة، تعكس خبراتهم النفسية والوجدانية ونشاطاتهم التخيلية، ومواقعهم الاجتماعية ومواقفهم السياسية". التراث والمجتمع ولمعرفة مدى تأثير التراث على المجتمع لا بد من فهم تأثير التراث على المجتمع من خلال بعده الثقافي، وما يصدر عن الشعب من إبداع، وما يمارسه من شعائر ومراسيم وما يصدر عنه من عادات وتقاليد. واعتبر نبيل علقم في دراسة له بعنوان: "التراث والتراث الشعبي الفلسطيني"، أنه "لو جرّدنا أي شعب من إبداعه وشعائره ومراسيمه وعاداته وتقاليده – وهذه كلها تشكل ثقافته – أيبقى شيء ذو بال يعطي صورة عن المجتمع؟ قد نستطيع في مثل هذه الحالة أن ندرس بعض نواحي المجتمع كاقتصادياته وهويته السياسية وفئاته البشرية وحتى مثل هذه الدراسة تبقى ناقصة لأنها تتأثر بالناحية الثقافية، وحتى نفهمها لا بد من دراسة الثقافة، فالثقافة تعكس العقلية السائدة، ومن دراسة عقلية شعب ما نستطيع الحكم عليه والتعرف على مشاكله الاجتماعية واقتراح الحلول المناسبة لها، وفي تراثنا كل أغنية، أو بكائية، أو مثل، أو أسطورة تروي لنا ناحية من نواحي التفكير لدينا، سلباً أو إيجاباً، وأضرب مثلاً على انعكاس السلبيات في التراث على المجتمع وعملها على تخلفه: ففي مجتمعنا الشعبي تسود نظرة التقديس للأولياء في قطاعات كبيرة من شعبنا العربي في كل مكان، ونرى كثرة الأساطير التي نشأت حولهم، ماذا يعكس ذلك؟ إنه يعكس صورة مجتمع بحاجة إلى المزيد من الوعي للتخلص من تأثير مثل هذه الخرافات..". ويضيف علقم: "إن دراسة تراث قرية ترمسعيا في رام الله تقدم صورة عن التراث الفلسطيني لأنها جزء من الريف الفلسطيني بسكانه وعاداته وتقاليده وعقلية أبنائه، فتراث هذه القرية هو تراث كل قرية بروحه ومعناه، فالأعراس والمآتم والمعتقدات والطب الشعبي والأمثال والصناعات الشعبية تكاد تكون واحدة في كل أنحاء الريف الفلسطيني. ولا يقتصر التشابه بين هذه القرية والريف الفلسطيني بل يمتد أحياناً إلى المدن ولا يفوتني هنا أن أذكر أن الفروق ليست شاسعة بين الريف والمدن في بلادنا كما هو الحال بين الصعيد والقاهرة مثلاً، وأضرب على هذا التشابه مثلين فقط من مدينة الخليل وهي حلقة وصل بين المدن والريف في فلسطين: "ففي الخليل تقضي مراسيم الزواج بأن تذهب النساء على شكل موكب إلى دار العروس ويحضرنها معهن إلى باب دار العريس فتضع العروس على هذا الباب غصناً أخضر قبل دخولها". وفي ترمسعيا: "تتسلمها النساء (العروس) حيث تقف حتى تحضر سلفتها إذا كان لها سلفات وتمسك بيدها وتعطي العروس خميرة عجين ملصوقاً بها ورقاً أخضر حيث تلصقها على باب البيت من أعلى قبل الدخول". وفي الخليل: "لكل عائلة ديوانها الخاص بها وهو عبارة عن مكان يجتمع فيه أفراد العائلة من الذكور في أفراحهم وأحزانهم وفي الأعياد والمناسبات، كما أن نفقاته توزع على أفراد العائلة كل حسب مقدرته المادية"، ونفس الكلام تماماً ينطبق على ترمسعيا، "فالديوان فيها عبارة عن غرفة تجتمع فيها الحامولة في أوقات فراغهم وسهراتهم". فالتراث إذن هو تراث واحد ولا يقتصر على ناحية معينة فهو يكاد يكون عينه في كل أنحاء فلسطين في محتواه وأسلوبه وشكله. وكتب نزيه أبو نضال تحت عنوان: "ما هو التراث؟": أن "التراث ليس مجرد ذاكرة للشعوب ولكنه حضور حي وفاعل في الراهن يُعيد تشكيله وصياغته كما يسهم برسم ملامح الغد ويحدد شكل بناء المستقبل". ويضيف: "غير أن الدور التراثي في صياغة الواقع والمستقبل قد يكون سلبياً أو إيجابياً، وذلك انطلاقاً من مجموعة القوى الفاعلة والمتفاعلة مع هذا التراث، وبمدى تعبيرها عن حركة الحياة والتاريخ. وهل تسير بها إلى الأمام أم تكبلها بإسار الماضي وقيود التقليد والتقاليد الجامدة". إسرائيل تُزوّر الآثار قام موسى فلهلم شابيرا (ت1887) في فلسطين بتزوير المئات من القطع ووضع عليها كتابات قديمة وادعى أنها آثار مؤابية. واتهم أيضاً بتزوير بعض أسفار التوراة، حيث أدعى أنه عثر عليها قرب البحر الميت. وقد اغتمر بما كان يدعيه بعض المختصين وبعض المتاحف أيضاً، حتى إن بعضها اشترى مئات القطع منه وعرضت فيها لفترة إلى أن اكتشفت زيفها (كما يحدث اليوم في الكيان). (موقع مؤسسة القدس للثقافة والتراث) واستعرضت الكاتبة الأمريكية نينا بيرليه في كتابها: "التجارة غير المقدسة: قصة حقيقية للعقيدة، الطمع والتزوير في الأرض المقدسة"، بعضاً من عمليات التزوير التي يقوم بها الإسرائيليون للتراث والطرق المتبعة فيها والتقنيات المستعملة في ذلك والمجموعات المشتركة فيها. فمن هذه الحالات التي أخذت بعداً عالمياً، الصندوق الصخري الذي يعتقد أنه يحتوي على رفات يعقوب أخي المسيح عيسى الذي قتل عام 62 ميلادية. ففي عام 2002 أعلن في الولايات المتحدة في مؤتمر صحافي عن اكتشاف هذا الصندوق الذي قيل إنه نقش عليه "يعقوب بار يوسف أخوي دي يشوع" "يعقوب بن يوسف أخو يشوع".. وقد أثار هذا الخبر ضجة كبيرة ليس بين الآثاريين فحسب، ولكن بين المسيحيين عامة، إذا رأوا في هذا الاكتشاف دليلاً قاطعاً على تاريخية عيسى بعد أن أخذ البعض يشكك حتى بوجوده، وقد كتب عنه أحد المهتمين كتاباً يؤكد أصالة الأثر والكتابة عليه وأنتج عنه فيلماً أيضاً. وكان الصندوق بحوزة تاجر الآثار الإسرائيلي المعروف عوديد غولان، وهو كان قد عرضه على أحد الخبراء الذي "وثّق أصالة" الصندوق كما قال. وأخذ هذان وشخص ثالث يروجون له. وكان عوديد قد أدعى أنه لم يكن يعرف أهمية الصندوق إلا بعد أن قرأ له أحد الخبراء ما كتب عليه من نقش. ثم عرض الصندوق في أحد المتاحف في كندا وبقي هناك لفترة طويلة كان عشرات الآلاف من الناس فيه يقفون في طوابير لمشاهدته والتمتع برؤيته بل والصلاة عنده. ولكن بعض الباحثين شكك في الادعاء، خاصة أولئك المهتمين بالنقوش، وكان الشك في طبيعة النقش وشكله وطريقة كتابته. وقد أعلن هؤلاء أن النقش حديث على الرغم من أن الصندوق قديم، وتبيّن بعد الفحص أن على سطحه آثار مياه حديثة. وكان السبب الذي أعطاه عوديد لذلك هو أن أمه كانت تمسحه بالماء والصابون من دون معرفة قيمته الأدبية. وقد حققت الحكومة الإسرائيلية مع عوديد وآخرين واتهمته بالتزوير وسرقة الآثار. وكان بعض المسؤولين في الحكومة قد سموا هذا التزييف "تزييف القرن". (المصدر السابق نفسه) ومن الأشياء التي تبيّن أنها مزورة ختم حجري قيل في حينها إنه للملك منسّى ملك يهودا (القرن السابع ق.م) حيث نقش عليه "منسّى ابن الملك". وافترض أنه نقش يعود له قبل أن يصبح ملكاً. وكان في حينها قد عرض على جامع آثار بمبلغ مليون دولار. كما عرضت منواره "شمعدانا" مصنوعاً من الصخر على أنه خاص برئيس كهنة ما يسمى بالهيكل الثاني وكان قد طلب ثمناً له مبلغاً ضخماً وقد تبيّن أن المنوراه مزورة. (المصدر السابق نفسه) ولم تتوقف محاولات السرقة عند ذلك فحسب، حيث "سرق" مؤخراً المصمّمان الإسرائيليان جابي بن حاييم، وموكي هرئيل تصميم "الكوفية الفلسطينية" المعروفة، وجعلاها بألوان "علم إسرائيل"، و"نجمة داوود" في محاولة لسرقتها. وارتدت زوجة موشي ديان وزير الحرب الإسرائيلي في ستينات القرن المنصرم في إحدى المناسبات العالمية ثوباً فلسطينياً زاعمة أنه تراث "إسرائيلي". وكذلك ارتداء (رؤوفيه روبين) أول سفير لإسرائيل في دولة رومانيا الزي الشعبي الفلسطيني باعتباره زياً توراتياً، وارتداء الإسرائيليات فستان العروس الفلسطينية ببيت لحم المعروف بـ"ثوب الملكة". (المصدر السابق نفسه) ولم تسلم النباتات الفلسطينية والعربية من القرصنة "الإسرائيلية"، حيث اختارت زهوراً برية ونباتات فلسطينية لتمثيلها في حديقة الورود التي أقامتها الصين بمناسبة استضافتها للألعاب الأولمبية في العام 2008، خاصة زهرة قرن الغزال وزهرة شقائق النعمان وشجرة الزيتون، لتثبت باسم "إ"سرائيل في حديقة الصين. أما عن سرقة المأكولات الفلسطينية فحدّث بلا حرج عن اللصوصية "الإسرائيلية" التي وصلت إلى حد المشاركة في المهرجان السنوي "للمفتول" المنعقد بمدينة "سان فيتو لوكار" الإيطالية عام 2000 لتفوز بالجائزة الأولى لأحسن طبق مفتول، وكذلك المشاركة في مسابقات عالمية أخرى للطهو بالأطباق الفلسطينية وتسويقها معلبة أو تقديم هذه الأطباق في المطاعم العالمية على أنها أكلات شعبية "إسرائيلية". وفي الافتراء نفسه تظهر الفرق "الفولكلورية الإسرائيلية" في الحفلات العالمية بالزي الشعبي الفلسطيني وتؤدي رقصة الدبكة وتعزف "الشبابة والأرغول" وغيرها من الألحان الفلسطينية والعربية الأصيلة والشهيرة جداً ولكن بلكنة عبرية، مثل أغنية "الدلعونا". كما سعت إسرائيل إلى الاستحواذ على الأثواب المزركشة القديمة لأرشفتها في الموسوعات العلمية، لعرضها في المعارض العالمية على أنها "تراث إسرائيلي"، في قرصنة واضحة للملبس الفلسطيني التقليدي الكامل من الزنانير والكوفية المطرزة في خطوط الموضة إلى "التصميم لبيوت الأزياء العصرية الإسرائيلية". (مصدر سابق) وما ساعد على ذلك تسرب تلك الملابس القديمة مع كثير من النحاسيات والصكوك المعدنية، ومصنوعات الفخار، وأدوات زجاجية تراثية، ومنتجات فنية، إلى المتاحف الإسرائيلية لتنضم إلى ما يسمى "بالتراث الشعبي الإسرائيلي" لتعرض على أنها آثار العبريين القدماء، بعد احتلال فلسطين والاستيلاء على مقدراتها. (مصدر سابق) أما في مجال التراث الشفوي فقد انتحل الإسرائيليون الحكايات الفلسطينية والعربية، ويذكر الدكتور منعم حداد أنه حتى صيف عام 1986 كان في أرشيف الحكايات الشعبية "الإسرائيلية" (18500) حكاية كان قد صُنّف منها (11944) حكاية على أنها حكايات "إسرائيلية"، ولكن منها ما نسبته 65 % حكايات من يهود الدول العربية والإسلامية، ومنها (215) حكاية فلسطينية. ولا ننسى الحرب التي تخوضها "إسرائيل" ضد القدس لتهويدها وتغيير معالمها، وصدر كتاب عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بعنوان "دراسات في التراث الثقافي لمدينة القدس"، تناول فيه الفصل التاسع توصيف واقع التعامل مع تراث القدس الثقافي في المعاهدات والقرارات الدولية، والروافع القانونية التي يمكن استخدامها في حماية التراث الثقافي لمدينة القدس من وجهة نظر دولية. ثم يستمر الحديث في الفصل العاشر عن نوع مختلف من الصراع الثقافي على المدينة، من خلال استخدام الموسوعات العلمية اليهودية والأجنبية ذات الامتدادات الأكاديمية في تأكيد انتماء القدس للتراث اليهودي، وأثر ذلك في التطبيقات السياسية والدينية على العقلية الغربية، وهذا الفصل خطير وهام للغاية يجدر بالباحثين إثارته على الأصعدة العلمية كافة. وفي الفصل الحادي عشر نعود إلى تفصيل آخر عن الجمعيات التي تعنى بحفظ التراث المقدسي من التزوير الإسرائيلي ودور هذه الجمعيات وإمكانية تعميم الانتفاع بها. وفي الفصل الثاني عشر من الكتاب نفسه يظهر لنا قلة الكتب التي اهتمت بالبيلوغرافيا الثقافية لمدينة القدس وأهمية الاستدراك على ذلك، وضرورة تأهيل متخصصين في هذا الجانب لكتابة رواية تاريخية حضارية للقدس خالية من العبث والتزوير. أما في الفصل الأخير الذي يحتوي على ثلاثة مباحث هامة ركزت على الأبعاد العملية للحفاظ على التراث الثقافي للقدس، فتناول المبحث الأول المستوى الرسمي الفلسطيني والعربي والإسلامي في هذا الجهد والإطار السياسي العام الذي تعمل عليه هذه الجهات، ومدى هذا الدور. ويتناول المبحث الثاني المستوى العلمي الممثل بالعلماء والأكاديميين في مواجهة المخاطر التي يتعرض لها التراث الثقافي المقدسي، فيما يتناول المبحث الأخير أدوار مؤسسات المجتمع المدني في المجال الثقافي وواقعها مع قراءة تطبيقية لتجربة مؤسسة القدس الدولية في حماية التراث الحضاري والثقافي لمدينة القدس. وعدّد الكاتب محسن الخزندار، في دراسة له بعنوان: "التراث الفلسطيني والتحدي الحضاري" بعضاً مما قامت به إسرائيل بعد نكسة العام 1967، إذ قامت بهدم حي المغاربة وحي الشرف الملاصق لحائط البراق الذي يرجع لعهد الملك الأفضل نور الدين علي بن صلاح الدين وأجزاء كبيرة من القدس القديمة. وشقت إسرائيل الأنفاق والطرق تحت ساحة الأقصى بدعوى البحث عن الهيكل المزعوم مما تسبب في تصدع أجزاء من حوائط الحرم القدسي. كما تم إحراق أجزاء من المسجد الأقصى. كما أحرقت أربعة مراكز مسيحية أثرية في القدس. وكذلك قامت بسرقة تاج السيدة العذراء من كنيسة القيامة. وحولت إسرائيل المتحف الفلسطيني إلى مقر لدائرة الآثار الإسرائيلية ونهب ما به من آثار والقضاء على أي أثر كنعاني فلسطيني. قامت القوات الإسرائيلية بتدمير آثار الاستراحة وهي كنيسة تاريخية ترجع إلى القرن الخامس الميلادي على الطريق الموصل بين القدس وبيت لحم حيث قامت القوات الإسرائيلية بتدمير جزء من الآثار وسرقة الجزء الآخر وقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإقامة مستعمرة على هذه المنطقة مما هدد المعالم الأثرية في هذا المكان. كما قامت القوات الإسرائيلية بنسف أحد الأبواب الجانبية لكنيسة المهد في بيت لحم وتفتيت الموازييك الخاص بكنيسة المهد. وهدمت العديد من المباني التاريخية في مدينة نابلس (جامع الخضر والجامع الكبير والكنيسة الأرثوذوكسية في حي الياسمين بالإضافة إلى ستين بيتاَ أثرياً لمراحل تاريخية مختلفة). المطلوب للحفاظ على التراث يعدّد الكاتب محسن الخزندار جملة مسائل يرى أنها ضرورية للحفاظ على التراث الفلسطيني، وهي: - وضع برنامج وطني لمسح أرض فلسطين على مستوى عالمي لمعرفة ما تخبئ في باطنها من كنوز وآثار . - تفعيل دور المكتبات الوطنية على أن تعمل على إعادة طبع كل التراث الفلسطيني من بدايات القرن التاسع عشر وفي عهد الانتداب وضع الكُتاب الفلسطينيين من الرواد على المستوى القومي والعالمي . - إحياء الشعر والكلمة والقصيدة والأغنية والمسرحية والفيلم والمثل الفلسطيني القديم . - وضع منهاج إجباري تعليمي يدرس فيه التراث الفلسطيني من المراحل الأولى في التعليم حتى الجامعات - توثيق الآثار التي سرقتها إسرائيل عبر منظمة اليونسكو لأنها تعتبر تراث عالمي حتى يتم إقرار ذلك رسمياً والعمل على إعادة هذا التراث المسلوب للشعب الفلسطيني . - المطالبة القانونية بعد التوثيق بعودة الآثار عبر المحاكم العالمية والهيئات المختصة في جميع المناطق العالمية . - تأهيل باحثين أكفاء في مجال التاريخ والآثار لأن هناك نقص كبير في المختصين في هذا المجال. - الاهتمام بالآثار والتنقيب عليها لا بقصد جذب السياح بل لتكون دليلاً مادياً على السرد التاريخي الفلسطيني الذي يعكس أصالة هذا التاريخ. - المحافظة على الأدوات المستخدمة في الحياة اليومية عبر العصور المختلفة مثل الفخاريات والتوابيت والقطع النقدية والمنقوشات الجدارية والمخطوطات والمقابر ووضع رقابة وحراسة عليها لتكون آمنة عن يد السرقة والعبث . - تبني مشروع قرار لجنة التراث العالمي بمنطقة اليونسكو بإدانة إسرائيل لعرقلة عمل لجنة تقص الحقائق لدراسة الوضع من المواقع الأثرية والتاريخية بالأراضي الفلسطينية. في الختام، إن المحافظة على التراث الفلسطيني في وجه كل المحاولات الإسرائيلية المعادية لطمسه وسرقته، يعني ضمان الحفاظ على وجودنا واستمراريتنا.. وفي هذا سر بقائنا على هذه الأرض. |
||||||