|
|||||||
|
شكل الاستيطان الأداة الرئيسية للحركة الصهيونية في فرض سيطرتها السياسية بالتدريج على فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر و لقد كانت حدود الاستيطان إضافة للقوة المسلحة تقرر إلى حدٍ ما الحدود السياسية المقترحة لـ"إسرائيل". ويقول موشيه سنيه رئيس القيادة القطرية للهاغاناة في العام 1943: "الاستيطان ليس هدفاً في حد ذاته فحسب، بل أيضاً وسيلة الاستيلاء السياسي على فلسطين، ولذلك يجب أن نسعى في آن واحد لإقامة مستوطنات عبرية سواء وسط المراكز السياسية والاقتصادية للبلد أو بالقرب منها أو حولها، أو في تلك النقاط التي يمكن استخدامها مواقع طبوغرافية مشرفة أو مواقع رئيسية من ناحية السيطرة العسكرية على البلد والقدرة على الدفاع الفعال عنهُ، وإن كانت أهميتها الاقتصادية قليلة. وعليه فإن بناء شبكة من المستوطنات، أمر له أهميته في الصراع مع العدو الإسرائيلي لأنها تتيح لـ"لإسرائيليين" السيطرة على الأرض وتثبيت شرعية النظام السياسي للكيان الصهيوني وتثبيت حدوده بالإضافة إلى جمع اليهود وتحييد الفكر السياسي لجماعات عاشت طويلا في الشتات. كما أنها تعتبرها ورقة لها وزنها في حالة التسوية، وخير مثال مستوطنة ياميت في مفاوضات كامب ديفيد مع مصر السادات وخطة الانفصال من جانب (إسرائيل) الخاصة بقطاع غزة التي هدمت جميع مستوطناته، بهدف إنهاء الصراع مع هذا الكيان الغاصب، وبحيث يكون لكل مستوطنة معنى عندما يحين الوقت. جوهر المشروع الصهيوني كما هو معروف فإن الاستيطان هو جوهر الفكر الصهيوني وأن عمليتي رصد وتصنيف التجمع الصهيوني التي تمت إلى الآن لم تكن موفقه فالرصد من ناحية عملية كان مجرد تلقي ومراكمة لمعلومات على اعتبار أن المراكمة وحدها ستؤدي إلى تكوين معرفة أما المشكلة الأخرى في التصنيف كانت باعتبار الدولة الصهيونية دولة يهودية والتعامل معها على هذا الأساس. وان الاستعمار في صيغته الحديثة يبرز مشكلة الأقليات وتمثل حقيقة تدير المجتمعات الغربية لمشاكلها بالشكل الاستعماري فإسرائيل هي حالة لتصدير كل اليهود في أوربا على شكل استعمار استيطاني احلالي. وهنا لا بد أن يشار إلى أن أساس التعامل مع الصهاينة يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار فيه هذا البعد المتعلق بقضية الاحلالية الممثلة بالاستيطان دون النظر إلى أن هذه دولة ذات طابع ديني يهودي مقبول الطابع اليهودي للدولة الصهيونية يعني بالضرورة النزاع على الأحقية التاريخية لليهود في فلسطين بل يجب التعامل مع المشروع الصهيوني على انه امتداد للمشروع الاستعماري الغربي. وبالنسبة لحالة الكيان الصهيوني فإن العلاقة بين إسرائيل (الدول الأم) والجيوب الاستيطانية (في الضفة الغربية وغزة) هي علاقة تعاقدية وبالتالي فإن استمرارية المقاومة وظهور الكلفة الحقيقية والفعلية للاستيطان فإن هذه الجيوب الاستيطانية ستندحر باتجاه الدولة الأم. وبالعودة إلى السياق التاريخي فإن الاستيطان كان يأخذ البعد الاعتباري لسهولة الدفاع عنه وتوفير خطوط المواصلات مع أوروبا في مناطق ساحلية معتدلة ولذلك لا بد من الإشارة إلى دور الأسطورة التوراتية في العملية الاستيطانية للمشروع الصهيوني, حيث أن هذه الأسطورة كانت على الدوام أساساً للفكر الاستعماري الاحلالي وتمثل الإحساس بالذات بالنسبة للمستوطنين كما أنه تجب الإشارة إلى معتقدات أخرى للاستيطان مثل التطور والتفوق التكنولوجي الذي يمكن من هزيمة الآخر، والإشارة إلى البعد القانوني المتمثل في ما يسمى بـ"قانون العودة" في الكيان والذي يمثل جوهر الفكر الصهيوني الاستعماري الاحلالي وأخيراً يمكن الإشارة إلى الهاجس الأمني الذي يمثله الاستيطان بناء على اعتبارات متعلقة بشرعية الوجود الاستيطاني أمام السكان الأصليين أما بالنسبة لتكوين المجتمعات الاستيطانية فيجب الإشارة إلى أن جميع الجيوب الاستيطانية تأخذ فيها بالاقتصاد شكلاً جماعياً وهذا الإجراء حقيقة يمثل حالة عسكرية اجتماعية فعلياً – وليس اشتراكية كما يدّعي الصهاينة يمكن هذه المجتمعات الاستيطانية من إشباع حاجتها إلى الدفاع عن الذات. يتمثل الغرض الأساسي للحركة الصهيونية بجمع اكبر عدد ممكن من يهود العالم وتركيزهم في فلسطين من خلال عملية انقلاب ديموغرافي يستبدل بها اليهود بمواطني البلاد العرب، في أسلوب مماثل للاتجاهات التي سادت خلال القرون 16 – 19 والتي تمكن بها المهاجر الأبيض من تأسيس حضارات غربية في الأراضي المستكشفة في العالم الجديد. وعلى الرغم من أن المشروع الصهيوني ما زال يواجه مشاكل حقيقية سواء على المستوى السياسي أم الديمغرافي، فإن حقيقة تأسيس الدولة الإسرائيلية بعد 51 سنة من الاعلان عن هذا الهدف في المؤتمر الصهيوني في بازل عام 1897 يعتبر نجاحاً واضحاً، كذلك فإن استمرار هذا المشروع وتناميه خلال الـ"66" سنة التالية لتأسيسه يعتبر أيضاً نجاحاَ واضحاً. ومن بدايات محدودة من الهاجرين والمستعمرات الزراعية البسيطة، فإن هذا المشروع يضم الآن أكثر من 800 تجمع سكاني مختلف الأحجام يعيش بها نحو ستة ملايين يهودي يوازي عددهم نحو 40% من يهود العالم. لقد شكل الاستيطان وسيلة وغاية المشروع الصهيوني في نفس الوقت، وإذا كانت عناصر الاستيطان متعددة تشمل الإنسان والمصادر الطبيعية والبنية التحتية، فمما لا شك فيه أن الإنسان يبقى العامل الحاسم في مثل هذا المشروع، وعليه فإن تتبع حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين ربما يعتبر الوسيلة الأكثر توضيحاً لتتبع مراحل الاستيطان اليهودي في هذا الجزء من العالم. الأهمية الإستراتيجية للاستيطان لم يكن الهدف الاستيطاني لليهود في فلسطين وليد لحظة إنشاء الدولة اليهودية، بل عمل اليهود على تحقيق هذا الهدف منذ زمن بعيد، وإن كانت هذه المحاولات قد اتخذت أشكالاً فردية متفرقة، سرعان ما وجدت الدعم المادي والمعنوي الكثيف من جانب الأثرياء الرأسماليين اليهود الأوروبيين الذين قاموا بتمويل المشاريع الإسكانية الأولى، الذي أبقى الاستيطان مستمراً. وشُكلت لأجل هذا الهدف المنظمات الصهيونية التي قادت الاستيطان ووجهته وجمعت الدعم المادي له، ووضعت الخطط الإستراتيجية للسيطرة على الأرض، واعتبرت الحركة الصهيونية في خطوة جريئة بأن جميع الأراضي التي بحوزة الصندوق اليهودي غير قابلة للنقل للأبد، ولا يستأجرها إلا اليهود، وبدأ الاستيطان يتخذ شكلاً أكثر تنظيماً وتأثيراً بعد الانتداب البريطاني. وجاءت حرب عام 1967 لتحقق إسرائيل من خلالها هدفها غير المعلن، وهو فتح آفاق جديدة أمام الصهيونية لإقامة أكبر عدد من المستوطنات بعد أن كان أُعلن أن الحرب شُنّت لأسباب أمنية، فعملت إسرائيل وحتى بداية الثمانينات على إقامة المستوطنات على الأراضي التي صودرت بعد الحرب وسنّت القوانين والتشريعات المختلفة التي تسهل هذه المهمة. وكانت حرب عام 1967 مقدمةً لتنفيذ البرامج والمشاريع الإسرائيلية التي كانت قد بدأت قبل عام 1948متمثلة باقتلاع العرب من أراضيهم والاستيلاء عليها عنوةً، وبدأ استكمال هذه السياسة فور وضع حرب عام 1967 أوزارها، فكانت المشاريع والبرامج المتتالية التي قدمت لخدمة الهدف الاستيطاني، فبُدأ بمشروع "ألون" الذي يقضي استيطان استراتيجي وسياسي على امتداد الأغوار والسفوح الشرقية لمرتفعات للضفة الغربية، ثم جاءت خطة "غوش أمونيم"، وخطة "منتياهو- دروبلس" والتي مثلت جناح الليكود، ومشروع "شارون" الهادف إلى إقامة قطاع استيطاني يقطع الضفة الغربية من شمالها إلى جنوبها، ومشروع "يوسي الفر"، ومشروع حزب الطريق الثالث، ومشروع "ozev shalom " الذي مثله اليهود الأرثوذكس والمستوطنون، ومشروع الأمر العسكري للطرق رقم 50 الذي صدر عام 1983 ويهدف إلى ربط المستعمرات الإسرائيلية التي أقيمت بالصفة الغربية وقطاع غزة بشبكة من الطرق. وقد مرّ الاستيطان اليهودي بمراحل عديدة أشارت إلى تطوره وتوسعه المضطرب، ففي الفترة ما بين 1967 – 1974 حيث مثل تلك الحقبة حزب العمل من خلال رئيس الحكومة "ليف أشكول" ومن بعده "جولدا مائير" أقامت الحكومة الإسرائيلية في هذه الفترة 9 مستوطنات، وفي الفترة التي تلتها بين عامي 1974 – 1977 استثمرت حكومة رابين العمالية نتائج حرب تشرين لتقيم 9 مستعمرات جديدة كذلك؟ بينما شهدت الفترة ما بين 1977 – 1981 انقلاباً تاريخيا بمجيء الحكومة الأكثر تطرفا بقيادة "مناحيم بيغن" لتقيم في هذه الحقبة فقط ( 35 ) مستوطنة، وتطور الوضع للأسوأ في الفترة التي تلتها بين العامين 1981- 1986 لتقيم حكومة قادة عتاة الليكود ممثلة بـ "شامير ومناحيم بيغن" 43 مستوطنة جديدة، وتأتي حكومة الليكود مرة أخرى لتضيف 7 مستوطنات جديدة بين العامين 1990 – 1992 بقيادة " اسحق شامير". وعلى الرغم من توقيع اتفاقية أوسلو مع الجانب الفلسطيني استمرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في سياستها القاضية بتوسيع سياستها الاستيطانية وشقّ المزيد من الشوارع الالتفافية التي قطعت أوصال الأراضي الفلسطينية بحجة توفير الحماية لهذه المستوطنات. وعدا عن التأثيرات الأمنية السلبية للاستيطان على الفلسطينيين تظهر للاستيطان آثار ومشكلات أخرى على الشعب الفلسطيني في مختلف المجالات، فمصادرة الأراضي، وتجريفها واقتلاع الأشجار المثمرة، وتخريب المحاصيل الزراعية من قبل المستوطنين، وشق الطرق الالتفافية كل هذا يؤثر سلباً ويشكل كبير على حياة الفلاح الفلسطيني وبالتالي يهدد القطاع الزراعي للشعب الفلسطيني بشكل عام. ووجود هؤلاء السكان العنصريين الإسرائيليين المدججين بالسلاح في هذه المستعمرات الملاصقة للقرى والمدن الفلسطينية يشكّل أمراً مقلقاً على الدوام بالنسبة للسكان الفلسطينيين الذين يرقبون تحركاتهم بعين الريبة والخوف من إقدامهم على تكرير استفزازاتهم الدائمة. ثم أتى الجدار الأمني الذي بدأ بناءه عام 1994 خلال فترة حكم حزب العمل بقيادة "اسحق رابين" ليجسدّ سياسة الفصل العنصري التي انتهجتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وتوجتها حكومة شارون بالاستمرار ببناء هذا الجدار الذي تسبب مشكلات كبيرة للشعب الفلسطيني من التهام للأراضي وهدم للبيوت. أثاره على الشعب الفلسطيني اعتمد المشروع الصهيوني في المنطقة بشكل عام وفي فلسطين بشكل خاص على عدد من الركائز التي ترجمت هذا المشروع على أرض الواقع، وكان الاستيطان أهمها وأولها من حيث التطبيق، الذي كان بواكير أعمال المشروع الصهيوني على الأرض منذ أواسط القرن الثامن عشر. وتستند فكرة الاستيطان إلى بعد توراتي ديني بهدف توظيفها سياسياً في إقامة هذا المشروع، حيث تتميز إسرائيل عن غيرها من المشاريع الاحتلالية والاستعمارية الأخرى بأنها قامت على أساس إحلال شعب مكان شعب تجسيداً لمقولة: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وتنظر الحركة الصهيونية للاستيطان بوصفه حقاً طبيعياً لليهود، يجب العمل على تعزيزه وإيجاد الظروف المواتية لاستمراره، فكانت الهجرة اليهودية واستيطان فلسطين ضمن الرؤية الإستراتيجية لمشروع الدولة الصهيونية في المنطقة. إن تأثير الاستيطان على الفكر السياسي الصهيوني يمتد ليشمل كافة أشكال الخطاب السياسي والحزبي والأمني والإعلامي، ويأتي في مقدمة برامج كافة الأحزاب الصهيونية، وتسعى إسرائيل بشكل دائم لجعله بعيداً عن طاولة أو ضمن نصوص المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مع بعض الجهات في المنطقة، أو حتى ضمن الوعود التي تطلقها من وقت لآخر. وفي ظل التجاوز الذي ظهر في المبادرات السياسية والهادفة حقيقة إلى تصفية القضية الفلسطينية، منذ أوسلو 1993 حتى خريطة الطريق 2003، لفكرة إزالة الاستيطان واستبدالها بمفاهيم وتوجهات جديدة مثل وقف الاستيطان، ومنع توسيع الاستيطان، وإزالة البؤر الاستيطانية، والسماح ببناء طرق التفافية واسعة لخدمة المستوطنات والربط بينه وكذلك ضم المستوطنات إلى الكيان الإسرائيلي، ناهيك عن نشر فلسفة المستوطنات الأمنية والسياسية والتفريق بينها، وفكرة التفريق بين الكتل الاستيطانية، والمستوطنات المتفرقة والمعزولة….إلخ، حيث تتجاوز هذه التوجهات والمفاهيم الخطورة التي تشكلها عملية الاستيطان على مستقبل الشعب الفلسطيني ودولته المستقلة، وبالتالي تبرز أهمية التمسك بفكرة إزالة الاستيطان كما هي إزالة الاحتلال بوصفه مظهرا من مظاهره. أثاره البيئية والاجتماعية يشكل الاستيطان الإسرائيلي ومصادرة الأراضي العنصر الرئيسي في فلسفة الاحتلال الإسرائيلية؛ ما أثر على القطاع الزراعي، وحد من تطوره وازدهاره في فلسطين، وحرم المزارعين من مصدر هام ورئيسي من مصادر دخلهم؛ لما يتطلبه الاستيطان من مصادرة مساحات شاسعة لا تعرف الحدود ولا ترعى إلاً ولا ذمة، ولا تتقيد بقانون، ولا تعرف هدفاً سوى إحلال هذه العناصر الغريبة في الجسم الفلسطيني الأصيل، مهما بلغت التكلفة من الاستبداد والتجويع لأبناء هذا الشعب. وقد ساند هذه الإستراتيجية، عدة إجراءات اتخذتها سلطات الاحتلال، كالسيطرة على المياه والمصادر الطبيعية، ومنع دخول الأدوية الزراعية، ومنع حفر الآبار الارتوازية، والسيطرة على دخول المواد اللازمة للزراعة بشقيها: الحيواني والنباتي، ومنع المراعي، تحت عدة ذرائع مختلقة، كحماية البيئة، وكالذريعة الأمنية التي يرفعها الاحتلال بطاقة حمراء في وجه الحريات والحقوق الفلسطينية، ولتبرير انتهاكاته التي لا تعد ولا تحصى ولا تنتهي. وقد سلكت سلطات الاحتلال الإسرائيلي طرقاً خبيثة لضرب الاقتصاد الفلسطيني، وضرب قطاع الزراعة، وخلق أجواء المنافسة غير الشريفة، كتخفيض الأسعار، والسيطرة على المصادر المائية، والقضاء على الأصناف البلدية من الإنتاج الحيواني بكافة أنواعه، والنباتي من الأشجار والخضروات والحبوب، وعمل الاحتلال على تدمير البنية التحتية للزراعة عبر شق الشوارع بين المستوطنات، بما تبعه من اقتلاع الأشجار، وعبر إلقاء نفايات المستوطنات في الأرض الزراعية الفلسطينية، ما أدى إلى تدمير هائل هدد المنتج الفلسطيني بالأمراض والآفات، وأدى إلى نفوق العديد من المواشي التي تبتلع النايلون الزراعي المتطاير. كما حارب الاحتلال هذا القطاع بمنع شق الطرق الزراعية؛ مما عرقل وصول الفلاح الفلسطيني إلى أرضه. ولا تزال سياسة قلع وتجريف الأشجار التي بدأت مباشرة بعد عام 1967م، مستمرة حتى الآن، سعياً لإشباع نهم السرطان الاستيطاني الإسرائيلي، فقد اقتلعت جرافات الاحتلال أكثر من نصف مليون شجرة، شكلت شجرة الزيتون 70% منها. ويعرف عن مستوطني مستوطنة "يتسهار" بأنها وكر للمستوطنين القوميين المتطرفين الذي شنوا خلال الأشهر الماضية هجمات عديدة ضد سكان ريف نابلس الجنوبي، أحرقوا خلالها مئات الدونومات من الحقول. ولم تستثن هذه الجرائم أي قرية فلسطينية، في أي محافظة من محافظات الضفة الغربية. وبمنهجية علمية خبيثة، ذات أبعاد سياسية إحلالية قاتلة، قامت المستوطنات بتهريب المبيدات السامة والممنوعة دولياً (الفوليدور) إلى التجار العرب دون رقابة، وانعكس ذلك على جودة المحصول وصحة المواطن. وأثار الاستيطان الإسرائيلي، مشاعر الحقد والتطرف بين المستوطنين العنصريين الإسرائيليين المدججين بالسلاح، والجسم الوطني الفلسطيني الذي يحلم بالأمن والأمان، فوجود المستوطنات بالقرب من الأماكن السكنية الفلسطينية، والاحتكاك بين الطرفين، أدى إلى انتشار الرغبة في الانتقام؛ نتيجة ما يواجهه الأهالي من انتهاكات استيطانية لا ترحم أرضاً ولا إنساناً، انتهاكات تسرق قوت المواطن وتصادر حرياته، وتحرمه الشعور بالأمن، والإحساس بوجود أفق للعبور إلى مستقبل. فهؤلاء المستوطنون، والذين يمتهنون الجريمة، المتطرفون الغريبون بعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم، المتطرفون بحقدهم وكراهيتهم وعنصريتهم، لا يتركون مجالاً للإحساس بوجود فرصة لعيش آمن. فأقاموا في مستوطنات منظمة أكثر تطوراً، تستولي على مقدرات هذا الشعب الضعيف الذي يعيش في منازل البؤس والفقر المحرومة من كافة سبل العيش، حتى من المياه، ومن الهواء النظيف؛ مما عزز مشاعر الحقد والكراهية بين الطرفين. وشكل الاستيطان حواجز تحول دون التواصل الاجتماعي بين القرى؛ فقد قطعت المستوطنات والطرق الموصلة بينها الطريق على المواطن، وحالت دون ممارسة ما تقتضيه العادات والتقاليد الفلسطينية، من مشاركة أبناء القرى والتجمعات الفلسطينية في العديد من الواجبات، وحالت دون تطبيق أوامر الدين الإسلامي بضرورة صلة الرحم، والتزاور. كما أن الاستيطان وما تطلبه من مصادرة للأراضي أديا إلى صدمة حضارية، نتجت عن إكراه البدو على العيش في مناطق قريبة من المدن؛ وانتقالهم من حياة البداوة والتنقل إلى حياة المدن؛ ما أدى إلى وجود تغيرات اجتماعية أصابت عادات البدو وعلاقاتهم العائلية؛ كما حصل لعرب "الجهالين" شرق مدينة القدس عام 1996م؛ حيث تعرضوا للاقتلاع والطرد والتهجير بقوة السلاح من مناطق عيشهم شرق بلدة العيزرية، وتشريدهم في شتى أرجاء الضفة الغربية. كما أدى الاستيطان إلى تحول نسبة كبيرة من المزارعين من نمط الحياة الزراعية إلى نمط الحياة العمالية؛ فمن ضمن الأهداف الاستعمارية، السيطرة على العمالة الفلسطينية واستغلالها؛ وذلك لرخص أجورها نسبة إلى ما تتقاضاه العمالة الأجنبية. كما أدت مصادرة الأرض والاستيلاء عليها إلى اضطرار المزارع الفلسطيني إلى التوجه إلى سوق العمل؛ بعد أن فقد مصدر رزقه؛ فانعكس ذلك على العادات الريفية، ودور المرأة في المجتمع الريفي، إلى جانب توجه العديد نحو السكن في المدن؛ ما يؤثر سلباً على الوضع الديموغرافي في فلسطين. أما تأثير الاستيطان على التنمية الفلسطينية فيمكن تلخيصه بالنقاط التالية: 1- السيطرة على موارد الأرض والمياه وباقي الموارد الفلسطينية. 2- قطع التواصل والاتصال الجغرافي والعمراني والتنموي والقروي الفلسطيني. وشرذمته في وحدات تتصل بواسطة مناطق تسيطر عليها المستوطنات. 3- تكوين أطر ونظم إدارية وبلدية - مزدوجة وثنائية - للنظم الفلسطينية؛ الأمر الذي يسبب ازدواجية، وذلك في مقابل إحالة النظم والقوانين الإدارية الإسرائيلية على جزء من الأراضي الفلسطينية. 4- تخطيط وتنفيذ بنى تحتية مرتبطة بإسرائيل، ومنع الفلسطينيين من السيطرة على هذه البنى؛ بهدف استغلالها. 5- تعميق تبعية المجتمع الفلسطيني (وخصوصاً القروي)، من خلال توفير فرص العمل في قطاع البناء والعمالة الرخيصة والصناعة التي تتطور في المستوطنات، وبذلك يلتحق اقتصاد هذه القرى بالمستوطنات؛ الأمر الذي يحول دون استقلالها الاقتصادي. وفي حالة التسويق، فإنه يتم في الغالب من خلال القنوات الإسرائيلية التي تستطيع ضبطه. أما عن التأثير الأمني والإستراتيجي فيمكن القول إن أبرز الأهداف الاستيطانية، منع التوصل إلى تسوية إقليمية فلسطينية/ إسرائيلية، تسمح بإقامة دولة فلسطينية ذات ولاية جغرافية واحدة متواصلة. كما أن وجود هذه المستوطنات لا يبشر بالأمان، ما دام الاستقرار مهددا باستمرار الاستيطان ويهدد الكيان الفلسطيني بالشرذمة والتجزئه؛ لأن السيطرة الإسرائيلية على الطرق والمعابر التي تربط بين المحافظات الفلسطينية، تجعلها تحت رحمة المستوطنين الذين باستطاعتهم إغلاقها متى شاءوا. إن وجود المستوطنات قرب المدن الفلسطينية يجعلها مدناً حدودية تستطيع إسرائيل متى شاءت إغلاقها، أو ضربها؛ كما حدث خلال انتفاضة الأقصى عندما قصفت مدن نابلس ورام الله وبيت جالا والخليل وجنين ومدن قطاع غزة بالرشاشات الثقيلة والقنابل من داخل هذه المستوطنات، وهذا يعني تهديداً أمنياً لكيان الدولة الفلسطينية؛ وبالتالي تهديد لجوهر السيادة الفلسطينية. إن تمتع هذه المستوطنات بالحماية الأمنية يتطلب وجوداً عسكرياً إسرائيلياً لحمايتهاً، وهذا يعني وجود دولة داخل دولة، مما ينعكس على الأمن الوطني للدولة الفلسطينية؛ لذا، فإن أحد أبرز أهداف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، التركيز على تحييد هذا التهويد الاستيطاني برفض أي اقتراحات بضم المناطق الاستيطانية لإسرائيل، أو تحويلها لجيوب سيادية في وسط الدولة الفلسطينية. وهكذا يمكن القول إن الاستيطان الصهيوني مشكلة إستراتيجية في الصراع الكيان الغاصب، وأن إزالته شرط لازم لأي استقرار. كما أننا ندعو إلى عدم استخدام مصطلحات العدو بخصوص الاستيطان السياسي الأمني أو الكتلي والمعزول، أو الرسمي وغير الرسمي، ولا القبول بمصطلح الوقت بديلاً للإزالة بل مقدمة له. وأن مقاومة الاستيطان ضرورية وحق واجب ومشروع وهي تستلزم نجاحها وتشجيع وتطبيق حق العودة لأبناء الشعب الفلسطيني. كذلك فإن موضوع الاستيطان في القدس بآثاره السياسية والأمنية هو أحد العناصر الهامة في الإجماع (الإسرائيلي). فقضية توحيد المدينة وبقائها عاصمة للكيان الصهيوني والتوسع الاستيطاني بها ليست موضوع نقاش بين التيارات السياسية المختلفة. وقد تبين أن تأجيل المفاوضات حول وضع القدس النهائي إلى جانب قضايا الاستيطان واللاجئين والحدود ومسائل أخرى في اتفاقيات أوسلو إلى المفاوضات النهائية في صالح الجانب (الإسرائيلي) في كل الظروف والحالات. فقد استطاعت (إسرائيل) حتى توقيع اتفاقيات أوسلو وما تلاها فرض واقع استيطاني وجغرافي يعرقل أي اتفاق حول تقاسم المدينة. وبعد ذلك تضاعفت جهود الحكومات (الإسرائيلية) المتتالية لترسيخ هذا الواقع بكافة الوسائل، وأصبح التنازل (الإسرائيلي) في مدينة القدس أصعب مما كان عليه قبل اتفاقيات أوسلو. باحثة في علم الاجتماع السياسي(*) |
||||||