|
|||||||
|
ويعود الربيع في أيار، يُزهر نصراً وغاراً وعزةً وفخاراً، ودفئاً وضياءً، على أرجاء منطقتنا. نعم انتصرت المقاومة الإسلامية في لبنان في أيار سنة 2000م، على أعتى وأقوى جيش في المنطقة. انتصرت المقاومة الإسلامية وحققت حلم ملايين المسلمين والشرفاء من العرب والعالم. حيث كانت الأمة خاضعة تحت وطأة ذاكرة النكبة والنكسة والتقسيم والأمم المتحدة والرأي العام العالمي والقوى الكبرى وقرارات مجلس الأمن و.... وغير ذلك الكثير من أدبيات الأنظمة التي كانت تُشكل حزام أمان للكيان الصهيوني الغاصب. انتصرت المقاومة وكانت النموذج الأوحد في منطقتنا، النموذج في الصبر حيث ابتليت في الداخل اللبناني بالسوري الذي كان يرفل في ثياب عبد الحليم خدام وغازي كنعان وأحلام البترودولار السعودي و.... فكانت مذبحة فتح الله بدم بارد، وصبرت المقاومة على الأذى والجرح لأنها تعرف بوصلتها وهدفها. ثم كان البلاء الأخطر في مذبحة جسر المطار على مسيرة ترفض الحلول الاستسلامية للقضية الفلسطينية بأيدي من ينام على حلم طريق التجارة العالمي الممتد من تركيا إلى سوريا إلى لبنان، ففلسطين المحتلة إلى البحر الأحمر وميناء العقبة، ولا يكون ذلك لا بالبترودولار السعودي. وكُظم الغيظ وعُفّ عن هؤلاء لأن الهدف أسمى والطريق أوضح. فكان لا بد من حروب إسرائيلية سنة 1993 و1996م وكانت المقاومة تخرج من كل ذلك أقوى وأصلب وأمتن... وفازت المقاومة بكل الامتحانات والابتلاءات الداخلية والخارجية، ولن تُغيِّر من مبادئها ونهجها وطريقها وأخلاقها، فكان الانتصار ثمناً لكل الجهود المبذولة ولكل الدماء الغالية المسفوكة ولكل الجراحات والآلام والآهات، نعم انتصرت وكانت نبراساً ومنارة في سماء منطقتنا وما زالت. وهناك في منطقتنا حركة إسلامية هي أمُّ الحركات والأحزاب الإسلامية والجمعيات الخيرية على مساحة وطننا الإسلامي وامتداداته وتردداته. حيث انطلقت كردة فعل على إسقاط الخلافة العثمانية، فاعتبرها الكثيرون بلسماً وبديلاً وأملاً للأمة وجمعاً للقلوب وتوحيداً للجهود في سبيل العودة إلى حلم الأمة الواحدة، ولكنها اصطدمت بحركة جمال عبد الناصر، وكانت الفتنة، فقال العالم إن جمال عبد الناصر كان يريد التفرد بالسلطة فطردهم، والتجأوا إلى السعودية التي آوتهم، ثم تحركوا ضد اليمن الجنوبي، ثم ضد سوريا (حافظ الأسد) ثم تحركوا في الجزائر بأواخر الثمانينات، وفي كل مرّة كنا وكان العالم يُوجِدُ لهم المبرر بأن الآخر لا يريدهم ولا يسمح لهم بالمشاركة وكانت قلوبنا معهم وكنا نتألم لآلامهم ولمعاناتهم. ولكن بعد 85 عاماً من الغربة في أوطانهم وعن أوطانهم عادوا وحكموا وبانت السياسة والتاريخ والأهداف ومسيرة العمر في لحظة الوصول إلى السلطة عندها بانت الحقائق وتكشف المستور فسقطت مقولة إقامة حكم الله أو الدولة الإسلامية. وسقطت المقولة الشفهية والتي كانوا يرددونها كثيراً (عندما نتمكن!! سنحارب إسرائيل ونُزيلها من الوجود!!). سقطت واستُبدِلت بخطاب "أيها الصديق العزيز بيريز" وأن الظروف لا تسمح بالمساس باتفاق كامب ديفيد أو وادي عربة ... وماذا عن أوسلو؟؟؟!!... وأصبح الحكم لبلدٍ أهم من المبادئ التي قامت عليها وتغنت بها وقاتلت بعض الأنظمة عليها، حتى في بعض الأحيان كنا نبحث عن ذريعة ما لنخفف الحكم عليهم. لكن كانت وجهات نظرهم وسياساتهم تتطابق في كل المراحل مع أمريكا. عندما نعود بالذاكرة إلى حروبهم ومشاكلهم نجدها كانت ضدّ كل من كان ضد أمريكا ولو شكلياً حتى أن أجندتهم الحالية في مصر وسوريا وليبيا واليمن وتركيا و... توافق بالتمام والكمال والتطابق الكلي للسياسة الأمريكية في المنطقة. ولهذا نجدهم لم يتحركوا ولم يعترضوا على أي سياسة في دول الخليج ولا في إندونيسيا ولا ماليزيا ولا باكستان، بل انظروا إلى خارطة تحركهم القتالي- الصِدامي. وفي لبنان نجدهم لم يحركوا ساكناً لا في الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982 لا قبله ولا بعده وبحجج واهية. (قد يقول قائل منهم أن هناك شهداء في صيدا من قوات الفجر، نعم هناك شهداء نعتز بهم من المقاومة الإسلامية قوات الفجر، والذين لم تتبناهم هذه الحركة وهم فصيل مستقل ومنشق ومعروف القيادة والعناصر والاتجاه)، بل كانوا يتذرعون بذرائع واهية لعدم المشاركة في قتال العدو الصهيوني. لكن كنا نراهم في كل ساحة مذهبية فيها أحقاد وضغائن وفيها اصطفاف مذهبي ممجوج. كنا نسمع صوتهم العالي ونرى أوداجهم المنتفخة من الغيظ والحقد، وألسنتهم المسلَّطة كالسيوف على المقاومين عند كل مفترق طرق أو عند كل مطب أو بلاء أو اتهام، وآخر مبتكراتهم العبقرية هو أن برنامجهم في لبنان يتوافق كلياً مع برنامج سمير جعجع، وهذا قولهم الصلف، فهل بعد هذا من كلام عن النهج والخط والطريق، هنا في لبنان يتوافق منهجهم مع خط سمير جعجع الأمريكي- الإسرائيلي. وفي سوريا يتوافق مع أمريكا وإسرائيل، ويتصل الجربا بجعجع متمنياً وصوله للرئاسة، والأخير يتمنى فوزه في حربه على الشعب السوري، وفي مصر يتوافق مع إسرائيل وتقسيم مصر، وفي السودان يسارعون لتقسيمها كما خططت أمريكا وإسرائيل، وفي ليبيا يُسقطونها تحت أقدام الجهل والعصبيات القبلية، وفي اليمن يحولونها قبلية جاهلية. نعم انتصرت المقاومة الإسلامية بنهجها وتعبدها بدينها، والتزامها بخطها الجهادي لدفع المستكبرين مهما كان اسمهم وشكلهم، وعلى رأسهم إسرائيل. وسقطت تجربة أولئك بنهجهم والتزامهم بمبادئ الملوك والإمارات وبريق البترودولار. فكان الضياع والوبال وسيل الدماء والتيه في ظلمات بحرٍ لجي ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾(النور/40). هذان نموذجان حيَّان يرزقان، فأيهما على هدى ونور ونصر؟ وأي راية هي الأهدى في زمن الفتن والبلاء؟؟ فهل من متعظ؟؟!!. |
||||||