|
|||||||
|
ترجمات نشرة تقدير استراتيجي (تصدر عن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي) بقلم: يهودا بن مئير وغلعاد سار
هدف هذا المقال هو دراسة تعاطي المجتمع المدني في إسرائيل مع موضوع العملية السياسية مع الفلسطينيين، وبشكل خاص مع المحادثات التي طرأت برعاية الإدارة الأمريكية أواخر تموز 2013، وأيضاً مدى تطبيق اتفاق كهذا أو غيره يحرز من قبل حكومة إسرائيل مع الفلسطينيين في إطار الحوار. في الجزء الأول من المقال سيتم تحليل الرأي العام في إسرائيل لكل ما يتعلق بالاتفاق الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين والبدائل الموجودة لإسرائيل إذا ما فشلت المفاوضات أو وصلت إلى طريق مسدود. في الجزء الثاني ستتم دراسة الوضع القانوني/الدستوري بالنسبة لتنفيذ الاتفاق أو أي بديل آخر من قبل حكومة إسرائيل، والاحتمالات لبلورة وفاق وطني في هذه السياقات. الرأي العام الرأي العام الإسرائيلي حول الموضوع الفلسطيني ومستقبل مناطق الضفة معقد جدا، منذ أربعة وستين عاما، ومنذ حرب الأيام الستة بقوة أكثر على مدار أربعين سنة منذ حرب يوم الغفران وأكثر من ذلك، في العشرين سنة الأخيرة، منذ وقعت اتفاقات أوسلو بين إسرائيل و م.ت.ف، يجري في إسرائيل جدل وطني معمق عابر للمجتمع الإسرائيلي بالسنة لمستقبل هذه المناطق، في النقاش العاصف وفي الرأي العام تختلط اعتبارات عاطفية/برلمانية، وطنية، تاريخية، دينية وأمنية. جوهر الخلاف هو موضوع المستوطنات الإسرائيلية في المناطق الذي يتموضع في اللقاء ما بين التمزقات الثلاثة المركزية في المجتمع: القومي (اليهودي/العربي)، الديني، والسياسي، وعليه فأي نقاش جوهري في هذا الموضوع يجب أن يأخذ بالحسبان التعقيدية الكبيرة للرأي العام. أكثر من ذلك، أهمية كبرى عرفت للصياغة الدقيقة لكل سؤال في استطلاع الرأي العام الذي غايته دراسة وتقدير اتجاهات في الرأي العام، أسئلة مماثلة تصاغ بمصطلحات مختلفة قد تخلق صوراً مختلفة عن بعضها البعض، والقيادة إلى استخلاصات مختلفة وفقاً لذلك، في ذات الوقت من المحتمل أن الأسئلة المشابهة التي تطرح على المستطلعة آراؤهم إلى جانب بعضهم البعض، ستظهر نتائج متناقضة/نظرياً، تبدو غير منطقية لمن هو غير ضليع في مجال استطلاعات الرأي العام، ولكن النتائج المتناقضة نظرياً فقط تؤكد تعقيدية تعاطي الجمهور مع مواضيع الأمن القومي عموماً. وفيما يخص الصراع مع الفلسطينيين بشكل خاص، وكذلك الأهمية الكبيرة للتمأسس على عدد متنوع واسع للصياغات والمناهج، فقط بواسطة غربلة الأجوبة المختلفة ودراسة النتائج المتنوعة فيما يتعلق بمجمل المعطيات، يمكن التوصل إلى صورة شاملة وممثلة للرأي العام الإسرائيلي. على الرغم من هذه التعقيدية، الفهم الأساسي للرأي العام هو حيوي، لكي يكون من الممكن التقييم الصحيح لانعكاساته على قرارات الحكومة الإسرائيلية بما فيه مواقفها من مسألة المفاوضات. قادة الدولة والحكومات يمكنهم التأثير وقولبته، وأحياناً حتى التغيير التام للرأي العام، ولكن هناك حدود لقدرة الحكومات على قولبة الرأي العام، وإحراز غالبية مؤيدة لسياساتها. في غياب تأييد من هذا النوع سيصعب جدا على أية حكومة تبني سياسة وتطبيق قرارات مركزية وبعيدة المدى، سياسة كل حكومة إسرائيلية وقراراتها في مواضيع رئيسية للأمن القومي خاضعة بشكل كبير أيضا لضغوط الرأي العام. الحكومة في إسرائيل لا تستطيع أن تتجاهل مواقف الجمهور، وقطعا عندما يجري الحديث عن اتفاق دائم مع الفلسطينيين - الموضوع الذي ينظر إليه كموضوع وجودي لدى كثيرين في إسرائيل. في تاريخ إسرائيل طبعاص كانت هناك حالات قلبت فيها قيادة قوية وتحول دراماتيكي في أحداث ما، الرأي العام على وجهه، قرار مناحم بيغن الانسحاب بشكل تام من سيناء بما فيها شرم الشيخ، وقرار يتسحاق رابين بالاعتراف بـ م،ت،ف، كمثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني هما مثالان على ذلك. في كلتا هاتين إلى الحالتين كان يجري الحديث عن قادة لهم تقدير كبير مع أنهم موضع خلاف، وأن سياستهم شكلت رداً شجاعاً على أحداث مؤسسة، الزيارة الدراماتيكية للسادات إلى القدس في الحالة الأولى. ورسالة ياسر عرفات إلى رابين التي تعترف بحق إسرائيل بالعيش بأمن وسلام، ورفض طريق الإرهاب في الحالة الثانية. هذه الحالات أكدت أن مقولة (في السياسة، لا تقل لا أبداً) هي أيضاً صحيحة بالنسبة للرأي العام، وعززت التقدير بشأن التأثير المحتمل لقيادة وسياسية قوية على الرأي العام، وعلى التغييرات فيه. ومع ذلك، حالات كهذه هي معدودة وتجري في بعض الأحيان. منذ 25 سنة ومعهد أبحاث الأمن القومي يقوم بمشاريع يتابع فيها بشكل مستمر الرأي العام الإسرائيلي في كل مواضيع الأمن القومي، وبشكل خاص بكل ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي/الفلسطيني. وآخر منشور في هذه السلسلة والذي صدر مطلع عام 2013 يتضمن تحليلا عميقا للاتجاهات في الرأي العام في هذا الموضوع المركزي. يشير تحليل النتائج بوضوح إلى أن الجمهور في إسرائيل في غالبيته الساحقة يريد انفصالا عن الفلسطينيين بهذا الشكل أو ذلك، وهذا الاستخلاص مسند بعدد كبير من المعطيات، غالبية كبيرة في الجمهور الإسرائيلي تؤيد سواء إقامة دولة فلسطينية أو حل دولتين لشعبين. في الاستطلاع الأخيرة الذي جرى في 2012، 59% من الجمهور اليهودي أيدوا إقامة دولة فلسطينية، و 69% أيدوا حل دولتين لشعبين. موقفان يعبران بشكل واضح عن الرغبة بالانفصال. منذ عام 2000، ما عدا سنتين 50% وأكثر من الجمهور اليهودي عبروا عن دعمهم لإقامة دولة فلسطينية، في عام 2006 أدرج في الاستطلاع سواء حول التعاطي مع حل دولتين لشعبين، ومنذ ذلك الحين سجل وسط الجمهور اليهودي تأييد متساوق بما يزيد عن 60% لهذه الفكرة. نتيجة أخرى عززت هذه الصورة هي الارتداع الواضح للجمهور على وقف المفاوضات مع الفلسطينيين، مع أنه منذ الانتفاضة الثانية تراجعت نسبة من يعتقدون أنه بالإمكان التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين وأقل من ثلث مجموع المستطلعة آراؤهم عبروا عن الثقة بذلك، فإن غالبية الجمهور عبرت عن معارضتها لوقف العميلة السلمية، ومنذ عام 2004 أقل من ربع الجمهور أيد وقف العملية. هذه المعطيات تدل على أنه على الرغم من اليأس من العملية، فإن الجمهور لا يريد أن (يقطع الحبل)، من هنا يمكن الاستخلاص أنه في صفوفه يسود الاعتراف العميق بالحاجة إلى توصل إلى حل ما باتجاه الانفصال عن الفلسطينيين. الرغبة بالانفصال أخذت ترجمتها أيضا في التعاطي مع المستوطنات، فالجمهور اليهودي يميز ما بين كتل الاستيطان الكبيرة القريبة ماديا من إسرائيل ما قبل 1967، وبين مستوطنات صغير ومعزولة موجودة في قلب التجمعات العربية المكتظة في الضفة. التأييد لإخلاء كل المستوطنات اليهودية في الضفة في إطار اتفاق دائم هو ضئيل/14% فقط. ولكن نصف الجمهور (حوالي 49%) مستعدون لإخلاء (المستوطنات الصغيرة والمعزولة). في إطار اتفاق نهائي (سوية مع مؤيدي إخلاء كل المستوطنات هناك أغلبية تزيد عن 60% نسبة تأييد لمستوطنات صغيرة ومعزولة). دليل مهم على رغبة الجمهور اليهودي بالانفصال عن الفلسطينيين هو الوزن الواضح، والذي لا ليس فيه للاعتبارات الديموغرافية مقابل الاعتبارات الجغرافية. في الأبحاث التي جرت في إطار مشروع معهد أبحاث الأمن القومي، طلب من المستطلعة آراؤهم ترتيب سلم الأهمية لأربع قيم سياسية: دولة مع غالبية يهودية، أرض إسرائيل الكبرى، دولة ديمقراطية، ووضع سلام. قيمة (الغالبية اليهودية) خارت مع الوقت هي الأهم بنظر معظم الجمهور، وفي العقد الأخيرة صارت هي القيمة المهيمنة والسائدة. في السنوات الأخيرة وصفت قيمة (غالبية يهودية) من قبل ثلثين أو أكثر من الجمهور على أنها (الأهم) أو الثانية بالأهمية، نسبة المستطلعين الذين اختاروا الغالبية اليهودية كقيمة (أهم) أو الثانية بالأهمية وصلت عام 2004 إلى 65%، وعام 2006 إلى 70%، وبقي هذا المستوى حتى عام 2012. التأييد للغالبية اليهودية يدل على أنه بلا شك أنها القيمة الأهم لغالبية شرائح الشعب. في عام 2012 كانت هذه القيمة هي الأهم لـ 58% من الحرديم، و60% من المتدينين، و63% من المتدينين التقليديين، و50% من غير المتدينين التقليديين، و36% من غير المتدينين. بشكل مماثل الغالبية اليهودية هي القيمة الأولى أو الثانية بالأهمية لحوالي 84% من القطاع الحردي، 85% من المتدينين و 84% متدينين تقليديين و 74% من غير المتدينين التقليديين، و53% من الجمهور غير المتدين. في المقابل التأييد لقيمة (أراض إسرائيل الكبرى) هو الوجه الآخر للانفصال عن الفلسطينيين، وهي الأدنى من بين القيم الأربع. في عام 2012 اختار 10% فقط من السكان اليهود (أرض إسرائيل الكبرى) كقيمة هي الأهم، وبالنسبة لـ 29% من السكان اليهود كانت هذه هي القيمة الأولى دون الثانية بالأهمية، في السنوات الأخيرة نسبة المختارين لهذه القيمة كأهم وكثانية بالأهمية لم تزد عن الثلث، ويجري الحديث عن مجموعة ذات التزام عميق بفكرة أرض إسرائيل الكبرى ومستعدة للصراع بحزم من أجل تحقيقها، المزايا التي من شأنها أن تعطيها وزنا وتأثيرا أكثر من حجمها العددي، مع ذلك من ناحية الجمهور بكامله نسبة التأييد لدولة مع غالبية يهودية - المرتبطة بنظر كثيرين بضرورة الانفصال عن الفلسطينيين- تقف على أكثر بضعفين من نسبة تأييد قيمة أرض إسرائيل الكبرى. بالتعاطي مع المفاوضات مع الفلسطينيين، مهم التذكير أنه ليس الشعب من يريد المفاوضات، فقادته هم من يفعل ذلك، وليس أشخاصاً هم من يوقعون على اتفاقيات، فالحكومات تفعل ذلك، ولكن إسرائيل هي ديمقراطية تحكم فيها الحكومة بقوة موافقة مواطنيها، لذا كل حكومة إسرائيلية توقع على اتفاق فقط إذا ما اعتقدت أنها ستحظى في النهاية بتأييد غالبية الجمهور. السؤال الجوهري هو، أية نتيجة مفاوضات لها الأمل بأن تحظى بدعم غالبية الشعب في إسرائيل؟. بغية الإجابة على ذلك أضيف إلى البحث سؤالان جديدان: الأول، إذا ما وافقت الحكومة على اتفاق دائم مع الفلسطينيين مرتكزة على دولتين لشعبين وبطرح الاتفاق لحسم الشعب في استفتاء شعبي، كيف ستصوت؟ كانت النتيجة واضحة وقاطعة 51% صوتوا مع، بينما 27% قالوا ضد، 22% محتارون أو لا يعرفون، النتيجة القائلة بأن اتفاقا كهذا سيحظى بدعم بنسبة 2-1 ليست مفاجئة لأن 69% أيدوا مبدأ دولتين لشعبين. ومن المحتمل أن عدم عرض تفاصيل عن الاتفاق سوى مأسسة على (دولتين لشعبين) فسر النسبة العالية للمحتارين. لكي نفهم جيداً أين يقف الجمهور فيم يخص اتفاقا دائما مفصلا، عرض على المستطلعين السؤال التالي: إذا ما وافقت الحكومة على اتفاق دائم مع الفلسطينيين تقوم وفقا له دولة فلسطينية على 93% من الضفة وكل قطاع غزة بما فيه الأحياء العربية في القدس، ويعترف بدولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وتحافظ على الكتل الاستيطانية بما فيها الأحياء اليهودية في القدس والمدنية القديمة، وعلى تواجد عسكري على طول الأردن، ويعلن الفلسطينيون عن نهاية كل المطالب وإنهاء الصراع، ويعود اللاجئون فقط إلى الدولة الفلسطينية، ويبقى جبل البيت (بسيادة إلهية) ويطرح الاتفاق لقرار الشعب باستفتاء، كيف ستصوت؟ هذا النوع من الاتفاق يعكس بخطوط عامة خطة كلينتون، وبشكل أكبر الاقتراح الذي اقترحه أولمرت على الفلسطينيين، وهو يشمل عناصر مقبولة على الجمهور الإسرائيلي، وكذلك عناصر يصعب عليها قبولها. النتائج، وعلى الرغم من أنه كما هو متوقع لم تكن واضحة جداً وقاطعة كما في السؤال العام، كانت لا زالت واضحة وقاطعة: 46% قالوا مع، 34% ضد، 20% محتارون أو لا يعرفون. بالمقارنة مع السؤال العام، الفجوات ليست دراماتيكية بتاتا: نسبة المؤيدين انخفضت 5% بينما نسبة المعارضة ارتفعت 7%، والمحتارين انخفضت 2%. بالإمكان استخلاص استخلاصات مرتكزة على أجوبة على أسئلة افتراضية بحذر شديد، ولكن حتى الآن يمكن الاستخلاص على أساس المعطيات بمستوى معقول من الثقة أنه إذا ما طرحت الحكومة اتفاقا كهذا للاستفتاء سيحظى بغالبية (المعطيات تتناول الجمهور اليهودي فقط ومن المعقول الاعتقاد أنه نسبة المؤيدين وسط عرب إسرائيل هي أعلى بكثير). الصورة كما عرضت حتى الآن، تدل على دعم كبير وسط المجتمع المدني لفكرة الانفصال عن الفلسطينيين، من هنا فإن أي اتفاق يؤدي إلى تحقيق هذه الفكرة من شأنه أن يحظى بتأييد كبير، ولكن مثلما أشر فإن الرأي العام هو أكثر تعقيداً وفيه غير قليل من التناقضات، وهناك معطيات تلقي الشك على هذا الاستخلاص، عندما تفكك الاتفاق العام إلى عناصره تجد أن التأييد لكل عنصر على حدة منخفض جداً. منذ عام 2012 سجل 56% معارضة لإعادة مناطق مقابل سلام، مقابل 30% فقط أيدوا ذلك، وهكذا فإن معارضة (تنازل عن المناطق) أو إعادة مناطق مغروزة عميقاً في وعي الجمهور الإسرائيلي. بشأن مناطق مختلفة في الضفة سؤل المستطلعون طيلة الوقت هل في إطار اتفاق دائم يؤدي إلى إنهاء الصراع مع الفلسطينيين يجب على إسرائيل أن تكون مستعدة كل واحدة من المناطق المفصلة أم علينا مواصلة الاحتفاظ بها ولو بثمن عدم إحراز اتفاق دائم. بالنسبة لغالبية المناطق لم يوحد استعداد كبير لإعادتها. في عام 2012، 20% كانوا مستعدين لإعادة غوش عتسيون، 22% غور الأردن، 34% غربي السامرة، 36% الخليل. فقط بشأن المستوطنات المعزولة على رؤوس الجبال في السامرة وجدت غالبية واضحة مع إعادتها - 58%- وهو معطى يعكس على ما يبدو رغبة بالانفصال. المعطى المهم الآخر والذي يرمز إلى الرغبة بالانفصال هو التأييد العالي نسبيا للاستعداد لإعادة الأحياء العربية في القدس 47%. الجمهور اليهودي حسبما هو ظاهر، فعلاً يريد الانفصال عن الفلسطينيين، ولكن الاستعداد للقيام بالخطوات المطلوبة للوصول إلى الانفصال عمليا محدود، وذلك نتيجة للتجدد الكبير القائم في الرأي العام الإسرائيلي، فيما يتعلق بالهدف الحقيقي للعرب. فقد سؤل المستطلعون: ما هو رأيهم (طموح العرب في نهاية الأمر)، الصورة كما ظهرت في السنوات الأخيرة هي مستقرة ما فيه الكفاية. فقط أقلية (الثلث عام 2012) أعتقد أن طموح العرب محدود بإعادة كل المناطق التي احتلت في حرب الأيام الستة، بينما غالبية كبيرة (ثلثان عام 2012) من الجمهور اليهودي اعتقدوا أن هدفهم هو احتلال أراضي دولة إسرائيل. 45% من الجمهور اليهودي عبروا عن الثقة بأن هدف العرب هو ليس فقط احتلال البلاد، بل (تدمير جزء كبير من السكان اليهود في دولة إسرائيل). على ما يبدو أنه لا زال مزروعا في الوعي الإسرائيلي الخوف من التزام العرب بتدمير إسرائيل وفقا (لنظرية المراحل). إحدى النتائج المحتملة للمفاوضات - في غياب اتفاق على اتفاق دائم- هي اتفاق مرحلي تقام في إطاره دولة فلسطينية بحدود مؤقتة. الاحتمال الآخر- نتيجة لمفاوضات أو خارجها- هي عملية أحادية الجانب من قبل إسرائيل. ويمكن الافتراض أن الرأي العام حول هذه البدائل سيتحدد حسب هبة الاتفاق وحجمه وبالتلاؤم مع مستوى الأمن الذي يعطيه لمواطني إسرائيل. بالإمكان تصور ترتيبات مرحلية مختلفة تخطى بدعم الرأي العام، ولكن حسب معطيات استطلاع الرأي الاتفاق المرحلي أو الخطوة الأحادية الجانب التي تكون مرهونة بإخلاء مستوطنات قد تصطدم بمعارضة كبيرة في الرأي العام. كما ذكرنا هناك استعداد لإخلاء مستوطنات معينة في إطار اتفاق دائم، فقط 37% من المستطلعين عام 2012 أجابوا (بعدم الإخلاء تحت أي ظرف)، وعندما سؤل نفس السؤال بشأن الاتفاق الجزئي، رد 54% بعدم الإخلاء بتاتا، و53% ردوا كذلك في سياق (إعادة انتشار الاستيطان اليهودي في الضفة والذي يجري بشكل أحادي من قبل إسرائيل). جواز تنفيذ اتفاق/الوجه القانوني في مطلع عام 99 سنّ الكنيست للمرة الأولى قانوناً يلزم بشكل مبدئي إجراء استفتاء شعبي في كل حالة يجري الحديث فيها عن اتفاق سياسي/جغرافي، حيث القانون والإدارة الإسرائيلية لا يطبقان على الأرض التي يطبقان عليه فيها أثناء عقد الاتفاق، وكانت الذريعة لهذا القانون هي موضوع هضبة الجولان، وهدف إلى ضمان أن أي اتفاق مع سوريا مرهون بتناول عن أجزاء من هضبة الجولان، يكون خاضعاً لحسم الشعب بواسطة استفتاء شعبي، القانون نفسه كان قصيرا - أربع مواد - وقد حمل طابع الإعلان، آلية إجراء الاستفتاء وكل المواضيع المرتبطة بتنفيذه ولم تفصل. وبهذا الشكل فإن القانون بتاتا غير قابل للتطبيق. في عام 2010 في الكنيست السابقة تم تعديل القانون وتوسع بشكل كبير، وعملياً يجري الحديث عن قانون جديد، وأكثر تفصيلاً يناقش بتوسع، آلية إجراء الاستفتاء ويعطي أجوبة واضحة على كل المواضيع تقريبا، المرتبطة بتطبيق الاستفتاء قولاً وعملاً. التعديل من عام 2010 كان مرتبطا في جوهره بالموضوع الفلسطيني بغية ضمان أنه أي تنازل يخص القدس يكون مرهونا بحسم الشعب. النقاش حول الاستفتاء ثار مجدداً صيف 2013 على خلفية تجدد المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. النقاش في وسائل الإعلام خلق انطباعاً أنه بقيت مسائل مفتوحة كثيرة بالنسبة للاستفتاء مثل صياغة السؤال الذي سيطرح، طريقة إجراء التصويت، الأحقية بالمشاركة وأية أغلبية مطلوبة للموافقة على الاقتراح الذي سيقف أمام امتحان الشعب. ولكن هذا الانطباع هو مضلل تماماً، ويفتقر إلى أي أساس: لكل الأسئلة التي أثيرت هناك أجوبة واضحة في القانون، وفيما يلي سنصف الوضع القانوني القائم اليوم حول موضوع الاستفتاء بقة وانعكاسه القانوني على اتفاق محتمل مع الفلسطينيين. يحدد القانون بأن الحكومة لا تصادق على أي اتفاق بحاجة إلى مصادقة ولا توقع على اتفاق لا يحتاج إلى مصادقة حسب القانون الذي يقول إن هذه المسائل بحاجة إلى غالبية 61 عضواً في الكنيست، والموافقة على ذلك في استفتاء شعبي. ما ذكر أعلاه ينطبق أيضا على الاتفاق الذي يتضمن التزاما للمستقبل بما فيه التزام مشروط بشروط وينطبق على أي قرار حكومي حول موضوع ليس على طريقة الاتفاق. تنفيذ قرار كهذا مشروط بموافقة الكنيست، والاستفتاء الشعبي، وكأن الحديث يجري عن اتفاق، الشذوذ الوحيد كما هو مذكور أعلاه هو إذا ما صودق على اتفاق أو قرار حكومي من قبل الكنيست بغالبية 80 عضوا. كذلك يحدد القانون آلية تفصيلية لتنفيذ الاستفتاء، السؤال الذي سيقف للحسم باستفتاء شعبي مصاغ بدقة في المادة 7 من القانون، وهو: هل أنت مع أو ضد الاتفاق بين إسرائيل وبينه (أسماء الأطراف) الذي صادقت عليه الكنيست يوم (كذا)، وإذا جرى الحديث عن قرار حكومي وليس عن اتفاق تكون صيغة السؤال: هل أنت مع أو ضد قرار الحكومة (رقم ...) الذي صادقت عليه الكنيست يوم (كذا)؟ المعطيات الخاصة الناقصة في صيغة السؤال هي تاريخ مصادقة الكنيست، أسماء الطرف أو الأطراف التي وقع معها الاتفاق أو رقم القرار الحكومي. هذه المعطيات موضوعية تماما ومن الصعب الاعتقاد أنها ستثير خلافا حول صياغتها، ورغم ذلك، لم يبق المشرع شيئا مفتوحا، وحدد في المادة 7 (ب) من القانون بأن رئيس لجنة الانتخابات المركزية - قاضي من المحكمة العليا- هو، وهو وحده (من يكمل التفاصيل الناقصة في السؤال)، كما أن القانون يحدد أن (بطاقات التصويت في الاستفتاء تحمل كلمتي (مع) أو (ضد)، المادة 7 (ج). إضافة إلى ذلك، يحدد القانون تعليمات واضحة بشأن المشاركة في الاستفتاء، وبالنسبة للغالبية المطلوبة للمصادقة على الاتفاق أو القرار الحكومي. فالمادة (6) من القانون تحدد (أن يحق المشاركة في الاستفتاء لمن يستحق المشاركة في الانتخابات للكنيست لو كانت قد جرت وقت الاستفتاء)، وتحدد المادة الثالثة من القانون أن الاتفاق أو القرار الذي صودق عليه في الكنيست بحاجة أيضا إلى موافقة من قبل الاستفتاء (الذي يؤخذ به بغالبية الأصوات الصالحة للمشاركين في الاستفتاء)، وبغية عدم بقاء أي شك في قلب أحد يعود القانون ويحدد صراحة أنه (كان عدد المصوتين (مع) أكبر من عدد المصوتين (ضد). بعد سن القانون، أثير سؤال بشأن فترة صلاحيته، كان هناك من ادعى أن القانون يناقض القانون الأساس: (الكنيست)، وذلك لأنه حسب القانون الكنيست هي فقط التي بيديها الصلاحية للمصادقة أو عدم المصادقة على اتفاقات سياسية وعمليات للحكومة، وحسب الفقرة السابقة للمحكمة العليا تحدد أن القانون الأساس (الذي يحمل طابعا تشريعيا) يتغلب على تشريع عادي، وفي حالة أن هناك تناقض بين القانون الأساس والقانون العادي لا تنطبق القواعد المتعارف عليها بالنسبة لأفضلية القوانين، بل يتغلب القانون الأساس. كانت هناك أطراف في اليمين خشيت من أن تقدم أطراف في الاستفتاء التماسا إلى محكمة العدل العليا ضد القانون في مسألة الاستفتاء العام ويؤدي إلى إبطاله. مع إقامة الحكومة الجديدة في آذار 2013 طالب حزب البيت اليهودي بأن يثبت مبدأ إجراء الاستفتاء عند الحديث عن تنازل عن أراض سيادية إسرائيلية في قانون أساس، وبذا يكون محصنا أمام محكمة العدل العليا (وإذا ما جرى الحديث عن تصادم بين قانونية أسا تطبق القواعد المتعارف عليها التي تطلب فيها القانون الأساس على قانون معين، وقانون الاستفتاء هو قانون محدد)، وقانون متأخر يتفوق على قانون سابق)، وهكذا في 29/7/2013 قدمت الحكومة إلى الكنيست اقتراح قانون أساس: استفتاء شعبي. وعلى غرار قوانين أساس أخرى يجري الحديث عن قانون إطار كل هدفه هو تمكين القانون العادي الذي يفصل الظروف والآلية لإجراء الاستفتاء، قانون نظم الحكم والقضاء (إلغاء تطبيق القانون والحكم والإدارة) لعام 1999، بحيث يكون محصنا من المهاجمة في المحكمة العليا. القانون الأساس هو قانون قصير من خمس مواد، ويحدد أن الاستفتاء يجري في حالة أن تقرر الحكومة المصادقة على اتفاق أو توقيع على اتفاق، أو تتخذ قرارا ليس بطريقة الاتفاق. المشكلة الرئيسية التي قد تتحول إلى موضوع مهم في الحوار الجماهيري في إسرائيل عام 2014، هي أن القوانين المذكورة تتعاطى فقط لا غير مع الحالة التي يعرض فيها تنازل عن أرض سيادية إسرائيلية يعني عن أراضي دولة إسرائيل في يوم 4/6/1967، وكل مساحة القدس الموحدة (حوالي 26 كلم2 ) وكل هضبة الجولان. الاتفاق الذي يتضمن انسحابا من كل الضفة وإخلاء المستوطنات اليهودية في المنطقة حوالي (350,000 نسمة) ونقل الأرض كلها إلى سيادة الدولة الفلسطينية ليس بحاجة إلى موافقة من استفتاء عام. اتفاق كهذا صحيح أنه ليس على جدول الأعمال، ولكن معنى الأمر هو أنه من ناحية قانونية، أي اتفاق في الضفة الغربية، بما فيه اتفاق مرحلي أو انسحاب أحادي الجانب - محدود أو واسع- ليس بحاجة إلى موافقة الشعب بل وليس بحاجة إلى موافقة غالبية أعضاء الكنيست، إذ يكفي موافقة بأغلبية عادية (45 مقابل 44). مع تجدد المفاوضات مع الفلسطينيين، ظهرت من جديد مطالبة أطراف في اليمين (حزب البيت اليهودي) حزب (إسرائيل بيتنا والقسم اليميني في الليكود) بأن يطرح أي اتفاق في الضفة الغربية مرتبط بالتخلي عن أراض عدا عن إخلاء مستوطنات بحسم الشعب بواسطة استفتاء، وقد صرح نتنياهو بمناسبات مختلفة لصالح هذه الفكرة، المشكلة هي أنه من الصعب جدا تثبيت تعهد كهذا في تشريع، الميزة في التشريع القائم هي أن الأرض السيادية الإسرائيلية هي أمر محدد بشكل واضح (الأراضي التي تطبق عليها قوانين ونظم وإدارة دولة إسرائيل) ولا جدال حول هذا. ولكن عندما يجري الحديث عن أراضي الضفة من الصعب جدا تحديد ما الذي بالضبط يستوجب مصادقة بالاستفتاء الشعبي. من الصعب أن يخطر بالبال وضع كل عملية إخلاء فيه لمستوطنة غير شرعية، أو تدمير بيت أو إخلاء مجموعة منازل في مستوطنة معينة أو تغيير في انتشار الجيش في الضفة، وإن كان مرهونا بتحويل أراض من المنطقة B أو C إلى أيدي السلطة، يستوجب استفتاء. مع ذلك أعضاء اليمين لا يطرحون طلبا بعيد المدى كهذا، وقصدهم هو أن أي اتفاق أو اتفاق مرحلي أو خطوة أحادية الجانب تكون محفوفة بانسحاب جوهري في الضفة، وطبعا إخلاء حقيقي لمستوطنات يكون مشروطا بموافقة غالبية أعضاء الكنيست، واستفتاء شعبي. المشكلة هي أنه من الصعب جدا تعريف (انسحاب جوهري) بمصطلحات قانونية ودستورية. ربما أنه بدلا من تشريع يكتفي أفراد اليمين بالتزام صريح وعلني من قبل رئيس الحكومة، مع أنه في هذه الحالة تطبق قاعدة (الفم الذي منع هو الفم الذي سمح) عدا عن أن تصريحات كهذه قد تكون لها عدة تفسيرات، لذا يتوقع أن يثار الموضوع في إطار مناقشات في لجنة الكنيست التي ستناقش القانون الأساس عند إعداده للقراءتين الثانية والثالثة. في كل حال من الصعب التنبؤ بالوضع الذي تستطيع فيه الحكومة أن تنفذ (في إطار الانفصال عن الفلسطينيين) إخلاء مكثفا للمستوطنات بدون أن تكون خطوة كهذه مغطاة بقرار الشعب بهذا الشلك أو ذلك. تنفيذ عملية واسعة بهذا الاتجاه قد تتسبب بشرخ شخصي/سَيكولوجي، اجتماعي ووطني عميق في المجتمع اليهودي في إسرائيل. ولذا السؤال هو هل من الممكن إيجاد آلية للحوار، إذا لم يمنع الشرخ فعلى الأقل يخفف من حدثه، محاولات مواجهة تحدي الحوار الداخلي بغية تخفيف الصدمة المتوقع أن ترافق الانفصال عن الفلسطينيين جرت حتى الآن بالأساس من قبل المجتمع المدني والقطاع الثالث، وفي مرات قليلة بمبادرة الحكومة. |
||||||