دبلوماسية حياكة السجاد
صناعة القرار السياسي الإيراني: المحددات والمؤسسات المؤثرة

السنة الثالثة عشر ـ العدد 148 ـ ( جمادى الثانية 1435 هـ) نيسان ـ 2014 م)

بقلم: معين عبد الحكيم*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

عاشت إيران عقوداً طويلة من الاستبداد الذي تغيرت هويته بتغير العوائل التي تولت الحكم في كل مرحلة وتوارثته لمئات السنين، آخرها كانت عائلة بهلوي التي حكمت قرابة ستين عاماً، ولم يكن في تلك العهود محل للمشاركة السياسية باستثناء فترات قصيرة قامت فيها حكومات حاولت تغيير طبيعة الحكم إلا أنها أجهضت ليعود الوضع إلى ما كان عليه.

وخلال تلك الحقب كانت هناك قوى سياسية وتنظيمات معارضة سرية، وكانت تخضع للاعتقالات أو الملاحقة بتهم التآمر والارتباط بالأجنبي، كما هو الحال مع كل الأنظمة الاستبدادية التي يغيب فيها أي دور للإرادة الشعبية، وتصبح المشاركة السياسية حلما يراود القوى السياسية المعارضة وهدفا معلنا لعملها، وهذا ما جمع التيارات السياسية الإيرانية كافة في العمل ضد نظام الشاه الذي سقط عام 1979، في ثورة طغى فيها البعد الشعبي على دور الأحزاب السياسية، فكان طبيعياً أن تكون للشعب الكلمة الأولى وهو ما تكرس عبر عدة إجراءات اتخذتها القيادة الإيرانية الجديدة. إلا أن التطورات التي شهدتها الساحة الإيرانية منذ ذلك الحين أفرزت صورا متفاوتة لظاهرة المشاركة، بتفاوت ظروف كل مرحلة وطبيعة التيار السياسي المهيمن. ورغم أن الساحة العلنية خلت إلا من التيارات الإسلامية فإن ما بين هذه التيارات من تباين في الرؤى والمناهج خلق حالة تنوع حقيقية داخل الساحة الإيرانية، وأوجد تجربة ديمقراطية بالخصوصيات الذاتية استحقت اهتمام شعوب المنطقة التي تشترك مع إيران في الدين والقيم والثقافة الشرقية، خصوصاً بعد التحول الذي شهدته هذه التجربة في الأعوام الأخيرة.

في الحادي عشر من فبراير/ شباط 1979 شهدت إيران انتصار ثورة كانت شعبية بكل المقاييس، توفرت لها عوامل نجاح، كان أهمها القيادة الكاريزمية للراحل الإمام الخميني، الذي حرص على إبقاء البعد الشعبي ملازما "للدولة الإسلامية التي أقامتها تلك الثورة. من هنا فإن أولى الخطوات التي قام بها كانت الدعوة إلى استفتاء عام على الهوية الإسلامية للنظام الجديد، فكان أن أجاب أكثر من 98% من الإيرانيين بنعم لنظام جمهوري إسلامي. أي أن النظام الجديد حمل بعدين هما "الجمهوري" و"الإسلامي" بما يعنيه البعد الأول من معاني المشاركة السياسية، والثاني من اعتماد الإسلام مصدرا وحيدا للتشريع ومعيارا لعمل الأجهزة الحكومية كافة.

ومنذ العام 1979 وحتى الآن توجه الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع أكثر من 35  مرة، بين استفتاء وانتخابات رئاسية ونيابية ومجالس محلية وغيرها، كما حرص الإمام الخميني على تذكير كبار المسؤولين الذين كانوا يزورونه بأن "الشعب هو الأساس والمعيار" و"تذكروا أنكم موجودون في مناصبكم بفضل الشعب، فعليكم وضع خدمته على رأس أولوياتكم".

كما أدخل مبدأ المشاركة في نص الدستور الإيراني الذي خضع لاستفتاء شعبي، فقد نصت المادة السادسة منه على أنه "تدار شؤون البلاد في جمهورية إيران الإسلامية بالاستناد إلى رأي الشعب الذي يتجلى بانتخاب رئيس الجمهورية، وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي وأعضاء سائر مجالس الشورى ونظائرها، أو عن طريق الاستفتاء العام في الحالات التي نص عليها الدستور. وفي المادة السابعة من الدستور ورد أنه "طبقاً لما ورد في الأمر، تعتبر مجالس الشورى من مصادر اتخاذ القرار وإدارة شؤون البلاد، وتشمل هذه المجالس مجلس الشورى الإسلامي ومجالس شورى المحافظة والقضاء والبلدة والقصبة والناحية والقرية وأمثالها..".

صناعة القرار السياسي

كيف تتم عملية صناعة القرار السياسي الإيراني؟ ما هي المؤسسات التي تساهم في اتخاذه؟ وما هي المحددات الرئيسية المؤثرة به؟

إن عملية صنع القرار السياسي الخارجي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي تفاعل عدة مؤسسات رسمية وكذلك عدة عوامل داخلية وخارجية. ومن المؤسسات الرسمية المسؤولة عن صناعة القرار في السياسية الخارجية الإيرانية يمكننا أن نذكر:

1- الدستور.

2- القائد أو المرشد (مجمع تشخيص مصلحة النظام، مجلس الخبراء).

3- مجلس الشورى الإسلامي (مجلس صيانة الدستور).

4- الحكومة أو السلطة التنفيذية والتي تتكون من (مجلس الوزراء، رئاسة الجمهورية، مجلس الأمن الوطني).

5- وزارة الخارجية.

تتميز السياسة الخارجية في جميع الأنظمة السياسية لاسيما المحنكة منها والقوية بان لها قنوات محددة ومحدودة لاتخاذ القرار بشأنها، وبعبارة أخرى إن نفرا قليلا من المسؤولين والمصادر المختصة هم فقط الذين يملكون الإمكانية في رسم السياسة الخارجية واتخاذ القرار بشأنها، لذا نرى بقية المسؤولين وأيضاً المصادر الأخرى في الحكومات الأجنبية ينظمون أعمالهم طبقاً لما يعلنه هؤلاء المختصون في السياسة الخارجية لبلادهم.

والواقع أنه إذا أعلن أحد المسؤولين الذين لهم الحق في اتخاذ القرار بشأن سياسة بلاده الخارجية عن رأيه يصبح ذلك الإعلان ذا تبعات سياسية وأهمية قانونية خارج حدود بلاده، أما إذا لم يكن كذلك حتى ولو كان المسؤول على نفس المستوى من الأهمية ولكنه فاقد للصفة الرسمية في اتخاذ القرار في سياسة بلاده الخارجية. فالأمر لا يعدو أكثر من مجرد وجهة نظر شخصية، وينظر إليها مع أنها انعكاس لرأي أحد المقربين من الجهاز المصمم للسياسة الخارجية وليس تصريحاً رسمياً.

وثمة فروقات أخرى بين البيان الرسمي الصادر عن مسؤولين مؤثرين في السياسة الخارجية حول المسائل السياسية والقانونية والدولية وبين إبداء هؤلاء المسؤولين عن آرائهم الشخصية حولها.

أولاً- الدستور الإيراني

يعتبر الدستور في كافة النظم السياسية والحكومية في العالم أعلى سند ومصدر رسمي وسياسي لها كما تتحدد فيه أطر وعموميات وحدود وقنوات السياسة الخارجية لكل دولة منها, كذلك الأمر بالنسبة لدستور جمهورية إيران الإسلامية فهو أقوى وأغنى مصدر لسياستها الخارجية حيث يرسم لها ويوجهه إليها في مبادئه العامة وفصوله القانونية.

ولا شك إن المبادئ الأربعة الواردة في الفصل العاشر من دستور جمهورية إيران الإسلامية تعد من أهم محددات السياسة الخارجية الإيرانية وتعد بمثابة المنار الهادي لسبيلها المؤطر لها حيث توضح المبادئ المذكورة وهي 152، 153، 154، 155 المفاهيم الأساسية لسياسة جمهورية إيران الإسلامية.

- مبدأ 152: تقوم السياسة الخارجية الإيرانية على أساس رفض أي نوع من أنواع التسلط أو الخضوع والحفاظ على الاستقلال التام ووحدة أراضي البلاد والدفاع عن حقوق جميع المسلمين وعدم الانحياز للقوة المتسلطة وعلى تبادل العلاقات السلمية مع الدول المسالمة.

- مبدأ 153: إن إبرام أي معاهدة تفضي إلى السيطرة الأجنبية على الثروات الصناعية والاقتصادية أو الثقافية والجيش والشؤون الأخرى في البلاد أمر ممنوع بتاتا.

- مبدأ 154: تعتبر جمهورية إيران إن هدفها المقدس هو سعادة الإنسان في كل المجتمعات البشرية وترى أن الاستقلال والحرية وإقامة حكومة الحق والعدل هو حق لجميع شعوب العالم كافة لذا فان جمهورية إيران الإسلامية ستقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أي بقعة من العالم وذلك دون أن تتدخل في الوقت نفسه في الشؤون الداخلية في الشعوب الأخرى.

- مبدأ 155: تستطيع حكومة جمهورية إيران الإسلامية منح حق اللجوء السياسي إلى الذين يطلبونه باستثناء الذين يعتبرون وفقاً للقوانين الإيرانية مجرمين وخونة.

إنما يستفاد من هذه المواد وما استنبط من المفاهيم الأخرى كلها هو أن ماهية وجوهر العالمية واللاحدودية واللاقومية وإسلامية الأهداف المصرح بها هنا قد تم تكريسه في إسعاد الإنسان وجعله هدفا للسياسة الخارجية.

ثانياً- القائد:

يعد منصب القائد في ظل الواقع الماثل أعلى منصب في اتخاذ القرارات العظيمة بشان السياسة الخارجية الإيرانية وقد أثبتت التجربة العملية ذلك مراراً.

ويتميز النظام السياسي الإيراني عن سائر النظم السياسية العالمية بميزة دستورية فريدة، وهي وجود مؤسسة اسمها "الولي الفقيه" أو "المرشد الأعلى" تتربع على قمة هرم السلطة ويخولها الدستور الإيراني صلاحيات واسعة.

و"الولي الفقيه" أو"المرشد الأعلى" لفظان مترادفان مرتبطان بالنظرية السياسية الدينية التي قال بها الإمام الخميني وهي "ولاية الفقيه". وقد نشأت نظرية "ولاية الفقيه" على يد الشيخ أحمد النراقي مؤلف كتاب "عوائد الأيام" في أصول الفقه والمتوفى عام 1829، وطبقها الإمام الخميني لأول مرة عام 1979.

وبلا شك فإن حدود سلطة الولي الفقيه ونطاقها بالنسبة للسياسة الخارجية الإيرانية ينطوي على أهمية كبيرة لان مفهوم السلطة بالنسبة لولاية الفقيه بوصفها القاعدة الفلسفية التي قامت عليها الحكومة الإسلامية أوسع بكثير مما ذكره النص الدستوري حولها.

وقد ذكر الإمام الخميني في كتابه "ولاية الفقيه" رؤيته الموضحة لحدود ولاية الفقيه وسلطاتها بقوله "إذا نجح شخص جدير ومتصف بصفتي العلم والقانون وبالعدالة في إقامة الحكومة وأصبح له ما كان لرسول الله(ص) من الولاية بشأن إدارة المجتمع وجب طاعته على جميع الناس", وبالتالي فان ما ذكره الخميني على أن حدود سلطة الولي الفقيه أوسع مما حدده الدستور له ومن ثم فان تناولنا لها يتم بما أوردناه من نظرية الخميني التي طرحها في حياته حول ولاية الفقيه والتي اعتبر من خلالها ولاية الفقيه ولاية مطلقة تسري على جميع أمور المسلمين وهذا يعني أن الولي الفقيه إذا رأى يوماً أنه لا حاجة للدستور أو رأى أن المصلحة تقتضي حذف أي مبدأ من مبادئه فما ذلك عليه بعسير ومن ثم يمكن أن يسقط الدستور أو يحذف هذا المبدأ بمجرد أن يعلن الفقيه ببساطة وهذه هي مقتضيات الولاية والتزاماتها".

هنا تجدر الإشارة إلى مكانة الخميني الخاصة وإقراراته ووصاياه بشان السياسة الخارجية. ونتساءل: هل لهذه الوصايا والإقرارات أهمية بشان اتخاذ القرار السياسي لجمهورية إيران الإسلامية خاصة فيما يتعلق بسياستها الخارجية؟

حدد المبدأ العاشر بعد المائة من الدستور الصلاحيات والمهام الخاصة بالقائد بوصفه أعلى منصب سيادي في البلاد ومع أن هذه الصلاحيات جاءت متعددة إلا أن ثلاثاً منها اختصت بالسياسة الخارجية لإيران وهي:

1- تحديد السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.

2- الإشراف على حسن سير السياسات العامة للنظام.

3- إصدار القرار بإجراء استفتاء عام.

ويستطيع القائد أن يؤثر على مجريات السياسة الخارجية بما له من سلطات ومع مراعاته لإمكانيات وصلاحيات مجمع تشخيص مصلحة النظام وآرائه، ويعد رأي هذا المجمع بالنسبة للقائد "استشارياً" وخصوصاً أن جميع أعضائه سواء الدائم منهم أو المؤقت معينون من القائد شخصياً.

يتم انتخاب المرشد الأعلى من طرف مجلس الخبراء (المنتخب من قبل الشعب)، وكان الإمام الخميني أول من أنيطت به ولاية الفقيه إلى أن توفي عام 1989 فتولى المرشد الحالي السيد على خامنئي هذا المنصب. وكان من المفترض أن يكون آية الله العظمى حسين علي منتظري خليفة الخميني، إلا أن انتقاداته للإعدامات التي قامت بها الحكومة الإيرانية 1988 و1989 جعلت الخميني يدفعه إلى الاستقالة في مارس/ آذار 1989. وينسق "مكتب المرشد الأعلى" نشاط الولي الفقيه وظهوره أمام الناس، وهو مكون من أربعة أعضاء يشترط أن يكون كل منهم "حجة الإسلام" أو "آية الله".

وللمرشد الأعلى أكثر من 2000 ممثل أغلبهم برتبة حجة الإسلام منتشرين في كل الوزارات وفي مؤسسات الدولة وفي المراكز الثقافية داخل إيران وخارجها وفي محافظات إيران الثماني والعشرين. وقد أسس خامنئي عام 1990 المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وكذلك المجمع العالمي لأهل البيت.

يمكن لمجلس الخبراء – نظرياً - أن يعزل المرشد في حالتين هما:

1- عجز المرشد عن أداء واجباته الدستورية.

2- فقدانه صفة من صفات الأهلية التي نصت عليها المادتان (5) و(109) من الدستور، أو إذا تبين أنه لا يملك تلك الصفة من الأساس.

ويعد مجلس الخبراء من المؤسسات الأخرى التي تستطيع أن تؤثر بصورة غير مباشرة على قرار القائد بشأن السياسة الخارجية ومع أن لمجلس الخبراء وظيفة خطيرة تتمثل في تعيين القائد إلا انه لا يباشر عملا تشريعيا أو تخطيطياً أو ابتكارياً آخر؛ سوى انه يؤثر على التخطيط الخارجي بطريقة غير مباشرة سواء على توجهاتها أو قراراها من خلال تعيينه للقائد.

وكثيراً ما اتخذت القيادة قرارات بشأن السياسة الخارجية الإيرانية في حدود سلطاتها وإمكانياتها وفي إطار الصلاحيات والحدود القانونية مثلما اتخذ "الخميني" في حياته قرارات أو أمر باتخاذها، كقبوله القرار 598 وإصداره حكماً بردة "سلمان رشدي" وقتله وقطع العلاقات مع الولايات المتحدة واحتلال السفارة الأمريكية في طهران وما نجم عنه من عواقب وكذلك قطعه لعلاقات بلاده مع مصر.

ونظراً لأن قطع العلاقات مع هذه الدول كان بأمر الخميني ومن ثم فإن تعديل رأي الولي الفقيه يحتاج إلى رأي جديد من جانب القائد الجديد.

ثالثاً- مجلس الشورى الإسلامي

مجلس الشورى الإسلامي أو"مجلس النواب": يشرف عليه القائد بحكم منصبه إلا أن مكانة الأمة ونوابها في المجلس مكانة رفيعة وأن سلطة الحكومة نفسها إنما هي محصلة لإرادة الأمة. وللوقوف على دور مجلس الشورى الإسلامي في السياسة الخارجية يتعين علينا أن نتناوله في موضوعين:

1- تأثير المجلس على السياسة الخارجية من خلال التقنين والقرارات البرلمانية: فلقد منح مجلس الشورى الإسلامي صلاحية دراسة ومناقشة كافة شؤون البلاد وفحصها وذلك بموجب المبدأ السادس والسبعين من الدستور ولعل مناقشته وتحريه بشأن السياسة الخارجية يعد المصداق الأوضح على هذا وقد نص المبدأ على " لمجلس الشورى الحق في أن يتولى التدقيق والبحث في كافة أمور البلاد". وهناك المبدأ الثمانون الذي يقول "لا يجوز أن تتم العمليات التي تقوم بها الحكومة من إقراض أو اقتراض سواء الداخلية أو الخارجية إلا بعد تصديق مجلس الشورى الإسلامي عليها".

2- الإجراءات التنفيذية والمباشرة بشأن السياسة الخارجية الإيرانية في صورة قرار حسم وقرار موقف. اتخذ مجلس الشورى الإسلامي طيلة دوراته التشريعية مجموعة قرارات تنفيذية مباشرة في مواقف خاصة بشأن قضايا تختص بها السياسة الخارجية ومن ابرز هذه القرارات ما اتخذه بشأن مسألة "سلمان رشدي" وقطعه للعلاقات مع بريطانيا بسببها. وكان مجلس الشورى الإسلامي في مثل هذه الأمور يقوم بإحاطة وزارة الخارجية بالقرار للتنفيذ واتخاذ اللازم. ولقد أصبحت هذه البيانات والتصريحات الرسمية الصادرة عن مجلس الشورى الإسلامي هو أحد المصادر الرسمية لاتخاذ القرار بشأن سياسة إيران الخارجية.  وتجدر الإشارة هنا إلى أن لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس تقوم بدراسة السياسة العالمية وعلاقات جمهورية إيران الإسلامية مع الدول والشعوب الأخرى وتباشر الإشراف عليها بصورة مستمرة كما أنها تقوم في الأوقات اللازمة بطرح الأسئلة وطلبات الإحاطة حول أي تحرك حكومي وخصوصاً وزارة الخارجية منها وتتلقى توضيحاتها عليها.

وجدير بالذكر هنا أن مجلس صيانة الدستور هو أحد المؤسسات التشريعية في إيران يمكن أن يكون له دور مؤثر في السياسة الخارجية الإيرانية ويتكون هذا المجلس من فقهاء القانون وعلماء الدين ويقوم بدوره في مطابقة قرارات مجلس الشورى الإسلامي مع الدستور والشريعة الإسلامية واستناداً على هذه القناة أصبح قادراً على الإشراف على السياسة الخارجية والتأثير عليها.

فمجلس صيانة الدستور أو مجلس الرقابة على القوانين هو أعلى هيئة تحكيم في إيران ويتكون من 12 عضواً، 6 أعضاء فقهاء دينيين يعينهم المرشد الأعلى للثورة، أما الستة الباقون فيكونون من الحقوقيين الوضعيين ويعينهم مجلس الشورى بتوصية من رئيس السلطة القضائية، وتتبع للمجلس لجان مراقبة تشرف على تطبيق وتنفيذ صلاحياته.

تناط بأعضاء مجلس صيانة الدستور مهمة مزدوجة هي: مرة عند الترشيح لعضوية المجالس التشريعية‏, ومرة عند إصدار المجالس للقوانين واللوائح‏، فهو يشرف على جميع الاستفتاءات التي تجرى بدولة إيران، سواء تعلقت بالبلديات أم التشريعيات أم الرئاسيات أم اختيار أعضاء مجلس الخبراء، فلمجلس صيانة الدستور تقييم المرشحين وإعلان رأيه بشأن أهليتهم للترشح. ومن معايير المجلس في تقييم المرشَّح صحة العقيدة الإسلامية والولاء للنظام، وكثيراً ما ألغى المجلس ترشح الشيوعيين والقوميين والأكراد وأعضاء حركة حرية إيران أو كل من لا يؤمن بمبدأ ولاية الفقيه.

ثم إن لمجلس صيانة الدستور أيضاً الحق في تفسير الدستور وتحديد مدى توافق القوانين التي يجيزها مجلس الشورى (البرلمان) مع مقتضيات الشريعة الإسلامية، وله حق النقض تجاه تلك القوانين.

يترأس آية الله أحمد جنتي مجلس صيانة الدستور وهو أحد فقهاء الحوزة العلمية بمدينة قم، وفضلا عن كونه مرجعا تقليديا للشيعة الإمامية فهو أيضاً خطيب الجمعة المناوب في طهران‏. وجنتي وجه من وجوه المحافظين المساندين لخط المرشد الأعلى سيد علي خامنئي من أجل المحافظة علي نقاء واستمرار نظام ولاية الفقيه أمام تيار الإصلاحيين الداعي إلى التخفيف من هيمنة الولي الفقيه المطلقة.

ويرى المراقبون أن أحمد جنتي جعل من مجلس صيانة الدستور قلعة تتحكم في ثغور النظام وتحرسها‏‏ ورقيباً على القوانين والقرارات.‏ وقد عرفت فترة رئاسته تأزما شديدا بين مجلس صيانة الدستور والبرلمان.

وكثيراً ما ألغى مجلس صيانة الدستور قرارات مجلس الشورى بحكم صلاحياته مما حد من قدرة البرلمان على إصدار تشريعات حتى مع وجود أغلبية من الإصلاحيين داخل مجلس الشورى نفسه. وقد سبب إشراف مجلس صيانة الدستور على لوائح الترشيحات حدوث أزمة مع البرلمان بداية العام 2004 حين رفض المجلس 3605 مرشحين للانتخابات من أصل 8157. وكما رفض مجلس صيانة الدستور الكثير من تشريعات البرلمان ومن أهمها قانون زيادة صلاحيات رئيس الجمهورية وتعديل شروط الترشيح والانتخابات، فقد رفض البرلمان بدوره تشريع زيادة ميزانية مجلس صيانة الدستور وتشريع مراكز أبحاث ومكاتب معلومات تابعة للمجلس.‏

رابعاً- الحكومة أو السلطة التنفيذية

وتتكون من: رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء. وقد أعطاهما الدستور بعض الصلاحيات المباشرة في السياسة الخارجية الإيرانية ونص عليها البند الخامس والسادس عشر من المبدأ الثالث وينص على: "حكومة جمهورية إيران الإسلامية مكلفة بطرد الاستعمار ومكافحة النفوذ الأجنبي وتنظيم السياسة الخارجية للبلاد طبقاً للمعايير الإسلامية.

وتم تأسيس مجلس الأمن القومي برئاسة رئيس الجمهورية بهدف تأمين المصالح الوطنية وحراسة الثورة الإسلامية ووحدة أراضي البلاد والسيادة الوطنية ويقوم بالمهام التالية:

1- تعيين السياسات الدفاعية الأمنية للبلاد في إطار السياسات العامة التي يحددها القائد.

2- التنسيق بين الأنشطة السياسية والمخابراتية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ذات العلاقة بالخطط الدفاعية والأمنية العامة.

3- الاستفادة من الإمكانيات المادية والمعنوية للبلاد لمجابهتها التهديدات الداخلية والخارجية.

هذا ويتكون أعضاء المجلس من:

أ‌- رؤساء السلطات الثلاث.

ب‌- رئيس هيئة أركان القيادة العامة للقوات المسلحة.

ج‌- مسؤول شؤون التخطيط والميزانية.

د‌- مندوبين يعينهما القائد نيابة عنه.

هـ‌- وزراء الخارجية والداخلية والمخابرات.

و‌- الوزير المختص طبقاً لمقتضيات الأمور وأعلى مسؤول في الجيش والحرس الثوري ويقوم المن بتعيين المجالس الفرعية الأخرى.

ويخصص هذا المجلس جانباً من مهامه للسياسة الخارجية بينما الجانب الأعظم مكرس للتعامل مع المسائل الداخلية والأمن الداخلي.

خامساً- وزارة الخارجية

يطلق على وزارة الخارجية في الأنظمة الحكومية الكلاسيكية في العام "جهاز الدبلوماسية" والواقع أن الفارق بين عمل وزارة الخارجية وبين كافة مصادر اتخاذ القرار بشأنها هو نفسه الفارق بين الدبلوماسي والسياسي، فالأول منفذ والآخر مخطط.

فبعد تخطيط وترسيم الأطر العامة بواسطة المصادر الأربعة السابق ذكرها: القائد، مجلس الشورى، الحكومة أو السلطة التنفيذية يحول الموضوع إلى وزارة الخارجية للتنفيذ ولكن ليس بالمقدور أيضاً اعتبار وزارة الخارجية فقد مجرد منفذ لأن هناك بعض الوجوه التخطيطية ضمن فعالياتها والتي بموجبها تتخذ قراراتها بشأن الخارجية إلى جانب قيامها بالتنفيذ.

باحث في القضايا الإقليمية(*)

المصادر والمراجع:

1- ايزدي بيزن، مدخل إلى السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية، الدار الثقافية للنشر،عام2000، ص 84، ص87، ص92..

2- النبالي عبد الله، الحياة السياسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، عام 2003، ص 7 - ص10..

3- عبد المنعم نيفين، صنع القرار في إيران، مركز دراسات الوحدة العربية، عام 2001، ص66..

4- مقابلات شخصية مع بعض الأكاديميين الدارسيين في جمهورية إيران الإسلامية.

5- محمد عبد الله محمد, صحيفة الوسط البحرينية في يوم الخميس الموافق 27 نوفمبر 2003 العدد 447.

6- النفط قاطرة للعلاقات الإيرانية – الصينية, د. السيد عوض عثمان خبير فى الشئون العربية, مختارات إيرانية.

7- السياسة الخارجية الإيرانية, باكينام الشرقاوي, الجزيرة نت.

8- العلاقات العربية الإيرانية, محمد عز العرب, دورية مختارات إيرانية, العدد 53, ديسمبر 2004م.

9- إيران والعرب: مرحلة جديدة من عدم الثقة, مختارات إيرانية, العدد 55, فبراير 2005م.

اعلى الصفحة