|
|||||||
|
أوْلَتِ الديانات السماوية كافة حماية خاصة للأطفال من خلال الدعوة لضمان إعالتهم وعدم المس بهم، كما خص سيدنا محمد(ص) الأطفال بحماية خاصة وقت الحروب حيث كان يوصي مقاتليه (لا تقتلوا طفلاً أو شيخاَ أو امرأة أو كاهناً يتعبد ولا تقلعوا شجرة..الخ). كذلك فإن المجتمع الدولي نظر ببالغ الأهمية للأطفال, وأحاطهم بالرعاية وكفل لهم الأمن والأمان والحماية عبر العديد من المواثيق والاتفاقيات التي إما خص الأطفال بها، أو اشتملت على أبواب عديدة منها لحماية الأطفال. كما خصت الدول منفردة الأطفال بالرعاية الشاملة وسعت من أجل تنشئتهم تنشئه سليمة عبر ضمان الخدمات الأساسية لهم مجاناً، وبدون تمييز بين طفل وآخر، وفقاً للمادة(2) من اتفاقية حماية الطفل، بل واعتبرت بعض الدول في قوانينها أن الإحجام من قبل الأسرة عن منح الطفل الفرصة للاستفادة من هذه الخدمات بمثابة جريمة يعاقب عليها القانون. الاستهداف الصهيوني للأطفال أمام كل ذلك أليس من حق أطفالنا كبقية أطفال العالم أن يحيوا بسلام وأن يمارسوا حياتهم بشكل طبيعي بعيداً عن الخوف والرهبة وأن توفر لهم كافة السبل من حياة اجتماعية وعناية صحية وتعليم ورفاهية لضمان النمو الأمثل لهم وفقاً للاتفاقيات والمعايير الدولية وبشكل خاص اتفاقية الطفل النافذة في 2 أيلول/سبتمبر1990م بموجب المادة "49". فواقع الحال لدى أطفال فلسطين يختلف عن بقية أطفال العالم، بحيث أنهم كانوا وما زالوا أهدافاً متحركة وثابتة لرصاصات جنود الاحتلال ومستوطنيه، ومتهمين جرى ملاحقتهم واعتقالهم وتعذيبهم وإصدار الأحكام القاسية بحقهم ولم يقع ذلك على جنس محدد من الأطفال بل طال الجنسين من أطفال فلسطين، حيث سقط ما يقارب من 427 طفل فلسطيني منذ بداية انتفاضة الأقصى حتى نهاية العام 2004 منهم 103 شهداء من الإناث سواء برصاص المحتلين وقذائف مدفعيته، أو برصاص المستوطنين، ولم يقتصر القتل على سن محددة بل ابتداء من الأيام والأشهر الأولى للولادة حتى نهاية سن الطفولة، ولعل الطفلة سارة، والطفلة إيمان حجو التي لم يتجاوز عمرها التسعة أشهر لخير دليل على ذلك، وهذا ما يخالف الفقرة السادسة لاتفاقية الطفل والتي تنص على أن (تعترف الدول الأطراف بان لكل طفل حقا أصيلا في الحياة). أما حكومة العدو وجنوده فإنهم يمارسون سياسة القتل والقهر بحق أبناء شعبنا، ولا يعبأون بالجرائم التي ترتكب بحق الأطفال، بل وحتى أنهم في بعض الأحيان لا يجرون تحقيقاً في الأمر كما حصل في استشهاد الأطفال الخمسة من مدينة خان يونس بتاريخ 20/11/2001م والذي اعترف الجيش الإسرائيلي بقيامه بزرع ألغام في طريقهم، وفي أحيان أخرى يتخذ إجراءات عقابية هزيلة كما حصل مع المستوطن (ناحوم كورمان) الذي اقدم بتاريخ 27/10/1996م بقتل الطفل (حلمي شوشة) البالغ من العمر 11 عاماً بشكل متعمد، وعلى الرغم من ذلك فإن سلطة الاحتلال لم تقم بالإجراءات القانونية من توقيف وتحقيق واعتقال وتقديم المجرم ناحوم إلى القضاء ليأخذ إجراءاته بشأنه، وبتاريخ 30/6/1997م تم الاكتفاء بوضع (ناحوم كورمان) تحت الإقامة الجبرية في منزل والد زوجته. كما أن هناك عدداً كبيراً من الأطفال الفلسطينيين حرموا من رعاية أحد والديهم أو كليهما أما جراء قتلهم برصاص جنود الاحتلال أو تم اعتقالهم بشكل تعسفي وهذا ما يخالف نص الفقرة الثانية من المادة(3) من اتفاقية الطفل والتي تنص على: (تتعهد الدول الأطراف بأن تضمن للطفل الحماية والرعاية اللازمتَيْن لرفاهته، مراعية حقوق وواجبات والديه أو أوصيائه أو غيرهم من الأفراد المسئولين قانوناً عنه، وأن تتخذ تحقيقاً لهذا الغرض جميع التدابير التشريعية والإدارية الملائمة). ولقد سبق وأن توجه الأطفال الفلسطينيون الذين يقبع آباؤهم في سجون الاحتلال إلى قادة العالم يناشدونهم للضغط على إسرائيل لإطلاق سراح آبائهم من الأسر، حيث كان لقاؤهم الأول مع الرئيس الأمريكي الأسبق (بيل كلينتون) في أواسط شهر ديسمبر 1998م أثناء زيارته لأراضي السلطة الفلسطينية وسلموه رسالة بهذا الشأن، ولقد وعدهم كلينتون ببذل مساعيه لتحقيق ذلك، ولكن دون نتيجة، كما تم تسليم رسالة أخرى من أطفال آبائهم في الأسر للامين العام السابق للأمم المتحدة "كوفي أنان" الذي أعطاهم وعداً لم ينفذ حتى الآن. ولقد اعتقلت سلطة الاحتلال منذ 29/ من سبتمبر/2000 حتى نهاية العام 2004 ما يزيد عن (2500) طفل دون سن الثامنة عشرة بقي منهم في الأسر(465) أي ما نسبته 7.9% من عدد الأسرى منهم 25 طفلاً موقوفاً إدارياً (دون توجيه تهمة محدده له)، و 283 طفلاً موقوفاً بانتظار المحاكمة، 157 طفل صدرت بحقهم أحكام، ويقبع معظمهم في سجن تليموند الذي يقوم على أحد تلال جبال الكرمل وهو من السجون القديمة المخصصة للمجرمين من اليهود الجنائيين البالغين، وظروفه الصحية تعد من أسوء الظروف التي تعيشها المعتقلات من حيث ضيق غرفه أو الأحوال الجوية المحيطة به والتي تنخفض فيها درجات الحرارة لما دون الصفر، أو للرطوبة التي تعشش في جدرانه، ناهيك عن بعده عن أماكن سكنى ذوي الأطفال الأسرى مما يحرم معظمهم من فرصة الالتقاء مع ذويهم وهذا ما يخالف الفقرة الأولي من المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة والتي تنص على (يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضى دولة الاحتلال أياً كانت دواعيه) – كما ويخالف نص المادة 76 من اتفاقية جنيف الرابعة الفقرة الأولى ونصها (يحتجز الأشخاص المحميون المتهمون في البلد المحتل ويقضون فيه عقوبتهم إذا أدينوا). كما ويحتجز عدد آخر من الأسرى في معتقل مجدو وهو عبارة عن مجموعة من الخيام والبركسات تكثر فيها الجرذان والحشرات السامة وتنتشر فيها الأمراض وبشكل خاص الجلدية منها، كما أن هناك بعض الأسرى الصغار وضعوا في السجون المركزية مع الأسرى البالغين كسجن عسقلان ونفحة وهداريم وشطة، أما الأسيرات القاصرات فيخضعن للتحقيق في معتقل المسكوبية ومركز شرطة بتاح تكفا، ومن ثم يتم تحويلهن إلى سجن "نفي تريستا" – كما أن هناك "3" أسرى وضعوا في إصلاحية "يركا" والتي تقع في أحد مدن شمال فلسطين وينطبق على اعتقالهم نفس الظروف المخالفة لنص المادتين 49-76 من اتفاقية جنيف الرابعة. انتهاكات للقانون الدولي الحقيقة, التي لا تدع مجالاً للشك فيها هي أن القانون الدولي الإنساني يحرم وبشكل قاطع اعتقال الأطفال، كما يحرم تعريضهم للاحتجاز أو التعذيب أو أية ممارسات أخرى تمس كرامتهم الإنسانية، وهي كافة الظروف التي لا تتوافر على الإطلاق لدى قوات الاحتلال، التي تستهدف الأطفال بشكل قاسٍ، أسوة ببقية فئات المجتمع الفلسطيني الأخرى، دونمًا أي مراعاة لأية أعراف أو مواثيق أو قوانين أو أخلاق على الإطلاق. ومهما حاول الكيان تبرير انتهاكاته فالأمور واضحة تماماً، لا لبس فيها: قواعد القانون الدولي تحرم تحريماً قاطعاً اعتقال القصَّر، وقد وفرت لهم حماية خاصة، كما أن تعريف القاصر دولياً متفق عليه، من خلال اتفاقية حقوق الطفل، وهو كل فرد لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره.. كما تشدد قواعد القانون الدولي الإنساني على ضرورة أن يكون الطفل، في حال وقوع بلد ما تحت الاحتلال، بعيداً عن الاستهداف أو أعمال العنف أو الاعتقال أو التعذيب. إن العدو لم يلتزم بأي من تلك القواعد السابق ذكرها، حيث إنه يستهدف كافة فئات الشعب الفلسطيني بشكل منظم، وخاصة الأطفال، خلال العدوان على غزة عام 2008 على سبيل المثال، وذلك بتوثيق العديد من مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية وحتى الإسرائيلية، التي أكدت أن عملية اعتقال الأطفال تتم لأيام وأسابيع بل وأشهر أحياناً، فضلاً عن إجبار أهلهم على دفع غرامات مالية كعقوبة لهم. ونستطيع القول بأن الأرقام التي قدمها العدو حول عددِ الأطفال القاصرين الفلسطينيين الذين يتم اعتقالهم بالضفة الغربية أقل بكثير من الأرقام الحقيقية. إن كان قادة الاحتلال الإسرائيلي يجرؤون، فليذكروا عدد الأطفال الذين تم اعتقالهم خلال الأشهر الستة الماضية فقط؟ كما أن الأرقام التي قدمها لا توضح أعمار الأطفال المعتقلين. هنالك أطفال تم اعتقالهم على الرغم من أن أعمارهم لم تزد عن العشرة أو الثانية عشرة. أي تهديد أمني يمكن أن يقوم به هؤلاء؟! إن كل ما تحاوله سلطات الاحتلال، بشكل مستمر، هو تبرير انتهاكاتها بحق الإنسان الفلسطيني ليس إلا. وتسعى قوات الاحتلال إلى "تبرير جرائمها بحق الأطفال القصر الفلسطينيين"، لذلك فإن هذه القوات لا تتعامل معنا من خلال اتفاقيات جنيف، بل إنها تدعي أن قوانينها الوطنية "كافية وعادلة جداً" للتعامل مع أبناء الشعب الفلسطيني، و"تضمن الحفاظ على حقوقهم الإنسانية"، لكن كافة الممارسات الإسرائيلية تؤكد أن هذا الأمر غير صحيح أبداً. إن الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع الإنسان الفلسطيني، طفلاً أو بالغاً، رجلاً أو امرأة، بمعيار أمني، معتبراً إياهم جميعاً يمثلون خطراً افتراضياً على الأمن القومي الإسرائيلي بشكل أو بآخر، فيما يعلم المجتمعان الإقليمي والدولي حقيقة الانتهاكات الإسرائيلية جيداً من خلال التقارير الدولية لحقوق الإنسان دون أن يبذلوا أي جهد فعلي لإيقاف هذه الانتهاكات، وإن كافة الجهات الدولية والإقليمية على علم بأن أطفالنا يقفون أمام المحاكم العسكرية، رافضة التعامل معهم كبشر، وهي ذات الممارسات التي تقوم بها مع بقية أبناء شعبنا. وإذا أردنا إيقاف هذه الانتهاكات فعلينا خوض مشوار طويل من خلال القيام بخطوتين أساسيتين: الأولى منهما هو القيام بحملة تعريف دولية ضخمة لهذه القضية من أجل فضح ممارسات سلطات الاحتلال بحق أبناء شعبنا، وتعريف الرأي العام، وخاصة في الدول الغربية، بما يحدث في الأراضي الفلسطينية بحق أطفالنا. والخطوة الثانية هي الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية لمعاقبة كافة المسئولين عن هذه الانتهاكات على جرائمهم بحقنا، من خلال رفع قضايا بحقهم، ومطاردتهم كمجرمي حرب في مختلف المحاكم الغربية. لقد جاء اعتماد اتفاقية حقوق الطفل بمثابة تتويج لما يزيد على ستة عقود من العمل على تطوير وتدوين القواعد الدولية المعنية بحقوق الطفل. إذ صدر إعلان جنيف في عام 1924 كأول وثيقة دولية خاصة بحقوق الطفل. وتعد الاتفاقية بمثابة قائمة فريدة في شمولها لمعايير حقوق الإنسان المتعلقة بالأطفال. وقد أقرت الاتفاقية للطفل بوجوب احترام حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين، وحقه في الحصول على المعلومات والمواد من مختلف المصادر الوطنية والدولية، وبخاصة المواد التي ترمي إلى تعزيز رفاهيته الاجتماعي والروحي والمعنوي وكذلك صحته الجسمية والعقلية. وأن إقرار الاتفاقية أيضاً بحق الطفل في الحماية من مختلف أشكال العنف والاعتداء، وحقه في عدم التعرض للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو المهنية أو اللاإنسانية بما في ذلك عقوبة الإعدام، وحقه في ألا يحرم من حريته بصفة تعسفية أو غير قانونية وأن يتمتع بالضمانات القانونية فيما يتصل بالحرمان من الحرية وأن يعامل معاملة إنسانية فيما لو حرم من حريته. وكذلك يجب ضمان حق الطفل في الحماية والمساعدة الخاصة عندما يكون محروما من عائلته، كما عرضت الاتفاقية لمبادئ قضاء الأحداث. تعذيب الأطفال وإرهابهم يتعرض الأسرى الأطفال والتنكيل منذ لحظة اعتقالهم، حيث أن نسبة 95% منهم تعرضوا للاعتداء خلال اعتقالهم، وغالباً ما يتم اعتقالهم من الثانية حتى الرابعة صباحاً، حيث يدخل عدد كبير من الجنود إلى بيوتهم ويقومون بتكسير الأبواب وتخريب الممتلكات والاعتداء على المعتقل وأسرته بالشتم والسب بأسوأ الألفاظ، ثم يقومون بجر المعتقل وهو مكبل اليدين ومعصوب العينين إلى مكان مجهول دون أمر اعتقال أو إخبار أسرته بالمكان الذي سيقتاد إليه. أغلب الأسرى الأشبال يتعرضون للتعذيب الجسدي أثناء الاعتقال، يتم ضربهم من قبل الجنود بأحذيتهم ذات النعل الحديدي وبواسطة البنادق التي بحوزتهم، وأحياناً بعصي بلاستيكيه تكون معهم، ناهيك طبعاً عن السباب والشتائم التي يسمعونها من الجنود وعن الإهانة التي يتعرضون لها، حيث لا يتوانى الجنود أحياناً من إطلاق الرصاص على هؤلاء القاصرين الذين لا حول لهم ولا قوه بعد محاصرتهم. وتسوق المحامية هبة مصالحة مثالاً حياً على ذلك بقولها: "في يوم 30-5-2010، في سجن ريمونيم زرت الأسير سالم عثمان سالم زهران، مواليد 13-7-1992، من سكان" دير أبو مشعل" قضاء رام الله، معتقل منذ 11-3-2009، محكوم 18 شهر، هذا الأسير تم اعتقاله من منطقه جبليه بجانب بلدته هاجمه الجنود وأطلقوا الرصاص باتجاهه وأصابوا صديقه فايز فارس عطا في بطنه ويده، رجع لمساعدة صديقه وحمله، وأراد الهرب لكنه حوصر من كل الجهات من قبل الجنود الذين طلبوا منه أن يضع صاحبه على الأرض، ثم أمروه بأن يخلع ملابسه فرفض، ثم طلبوا منه أن يعرّي صديقه المصاب إلا أنه رفض ذلك أيضاً، فجلس أحد الجنود على الأرض وقال له: سوف أريك، ثم وجّه بندقيته باتجاهه وقام فعلاً بإطلاق رصاصه عليه وأصابه في قدمه، مع أنه كان مستسلماً ولم يظهر أي علامات للمقاومة، وقع الأسير سالم أرضاً ونزف كثيراً، وبعد 4 ساعات وصلت سيارة إسعاف ونقلته لمستشفى تل هشومير، أما صديقه فايز فارس عطا فقد نزف طويلاً إلى أن توفي متأثراً بجراحه". كما ويتعرض الأسرى الأشبال للضرب المبرح على يد الجنود خلال نقلهم داخل سيارات الجيب أو الشاحنات العسكرية وذلك بواسطة الأيدي أو أعقاب البنادق أو الرفس بالأرجل، ويتم إجبار الأسرى على الجلوس على أرضية الجيب العسكري ويقوم الجنود بوضع أقدامهم على رؤوس الأسرى وأكتافهم، وفي حالات بعض الأسرى يقوم سائق الجيب بالإسراع بشكل مفاجئ فيهتز الأسير ويفقد توازنه ويرتطم رأسه بحواف الجيب الحديدية، ومثال على ذلك ما تعرّض له الأسير فرج محمود حرفوش، من سكان خربة مصباح قضاء رام الله، والمعتقل بتاريخ 9-2-2009، حيث تم ضربه من قبل الجنود بالبندقية على كتفه وعندما طلب الماء قدموا له زجاجة من البيرة ليشرب منها، وعندما رفض الشرب انهالوا عليه بالضرب المبرح باستخدام البنادق، وكذلك ما جرى مع الأسير يوسف محمد أبو عفيفة، من سكام مخيم العروب، والمعتقل بتاريخ 22-10-2009، حيث انهال عليه الجنود داخل الجيب العسكري بالضرب بواسطة البنادق على كافة أنحاء جسمه وقام أحدهم بضربه على أعضائه التناسلية بشكل مبرح. وفي مراكز التحقيق يتم تعذيب الأسرى الأشبال بضربهم وتخويفهم ليعترفوا بتهم لم يقوموا بها، كذلك يتم تهديدهم بالتعذيب أكثر وأكثر ليعترفوا ويشهدوا ضد أصدقائهم ومعارفهم، فيخضع المحققون الإسرائيليون الأسرى الأطفال لجولات تحقيق مستمرة وعديدة لساعات طويلة وهم جالسين على كرسي قصير مقيدي الأيدي للخلف ومكبلي الأرجل وأحياناً معصبي العينين، وفي بعض مراكز التحقيق يقوموا بشبحهم واقفين لساعات طويلة تحت المطر في أيام الشتاء وفي أجواء البرد القارس، وفي النهاية لا بد من أن تعرض المخابرات الإسرائيلية على أغلب الأسرى الأشبال التعامل معها كمخبرين أو كعملاء لصالح الاحتلال . ولا يتوانى المحققون من استخدام الصعقات الكهربائية والكي بالسجائر وإجبار الأسير على شرب الماء الساخن خلال التحقيق كما جرى مع حالة الأسير نصار عارف يوسف جرادات من سكان سعير قضاء الخليل، 16 عام، والذي اعتقل بتاريخ 2-2-2010. حيث جرى سجنه في سجن عصيون في البرد القارص وتحت المطر الغزير، وخلال التحقيق قام المحقق بضربه على وجهه وجسمه واستخدام الصعقات الكهربائية لإجباره على الاعتراف. وحسب شهادته قام المحققون بكيه بالسجائر على يده وأن أحد المحققين قام بإحضار بطارية كبيرة وشبكها من طرفيها بأسلاك كهربائية وأوصل الأسلاك في إصبع الأسير فمشت الكهرباء في يده ما يجعله ينتفض ويقع الأرض مغشياً عليه. معظم الأسرى الأشبال يتم اقتيادهم إلى مستوطنات للتحقيق معهم مثل مستوطنة كريات أربع، وبنيامين، ومعاليه أدوميم، ودان شمرون، وغيرها. هناك يجري التحقيق معهم وتعذيبهم دون أية رقابة علىالمحققين من قبل الصليب الأحمر الدولي أو من المحامين الفلسطينيين، ما يعرّض حياة الأسرى للخطر والاستفراد بهم وإجبارهم على التوقيع على إفادات باللغة العبرية لا يعرفون مضمونها. وتحرم سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأطفال الأسرى من أبسط الحقوق التي تمنحها لهم المواثيق الدولية، هذه الحقوق الأساسية التي يستحقها المحرومون من حريتهم بغض النظر عن دينهم وقوميتهم وجنسهم وديانتهم. وتشتمل هذه الحقوق على الحق في عدم التعرض للاعتقال العشوائي، الحق في معرفة سبب الاعتقال، الحق في الحصول على محامي، حق الأسرة في معرفة سبب ومكان اعتقال الطفل، الحق في المثول أمام قاضي، الحق في الاعتراض على التهمة والطعن بها، الحق في الاتصال بالعالم الخارجي، الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامة الطفل المعتقل. وتنتهج حكومة الاحتلال الإسرائيلي سياسة التمييز العنصري ضد الأطفال الفلسطينيين. فهي تتعامل مع الأطفال الإسرائيليين في خلاف مع القانون من خلال نظام قضائي خاص بالأحداث، وتتوفر فيه ضمانات المحاكمة العادلة. وفي ذات الوقت، فإن إسرائيل تعتبر الطفل الإسرائيلي هو كل شخص لم يتجاوز سن 18 عاماً، في حين تتعامل مع الطفل الفلسطيني بأنه كل شخص لم يتجاوز سن 16 عاماً. وخلافاً لالتزاماتها بتوفير ضمانات قضائية مناسبة لاعتقال الأطفال ومحاكمتهم بموجب اتفاقية حقوق الطفل والقانون الدولي الإنساني، طبقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أوامر عسكرية عنصرية على الأطفال الفلسطينيين الأسرى، وتعاملت معهم من خلال محاكم عسكرية تفتقر للحد الأدنى من معايير المحاكمات العادلة، خصوصاً الأمر العسكري 132، الذي يسمح لسلطات الاحتلال باعتقال أطفال في سن 12 عاماً. معاناة صعبة داخل السجون يعاني الأطفال الفلسطينيون الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية تفتقر للحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الأطفال وحقوق الأسرى. فهم يعانون من نقص الطعام ورداءته، وانعدام النظافة، وانتشار الحشرات، والاكتظاظ، والاحتجاز في غرف لا يتوفر فيها تهوية وإنارة مناسبتين، والإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية، نقص الملابس، عدم توفر وسائل اللعب والترفيه والتسلية، الانقطاع عن العالم الخارجي، الحرمان من زيارة الأهالي، عدم توفر مرشدين وأخصائيين نفسيين، الاحتجاز مع البالغين، الاحتجاز مع أطفال جنائيين إسرائيليين، الإساءة اللفظية والضرب والعزل والتحرش الجنسي، والعقوبات الجماعية، وتفشي الأمراض. كما أن الأطفال محرومون من حقهم في التعلم. لا يزال الأطفال الفلسطينيون الأسرى محرومين من حقهم في التعلم. حيث يتلقى الأطفال في سجني مجدو وريمونيم تعليماً بسيطاً من خلال معلّم واحد، إذ يتلقى الأطفال تعليماً بمعدل 6 ساعات في الأسبوع موزعة على أربعة أيام. لكن دون توفر مناهج دراسية فلسطينية أو حتى أية كتب دراسية أخرى، ودون مراعاة السن والفروقات الفردية. ويتلقى الأطفال تعليما في الرياضيات واللغة العبرية بمستوى الصفوف الابتدائية، وبعض القصص من التاريخ. ويتعلم الأطفال في أفواج بغض النظر عن أعمارهم. وأحيانا تمر عدة أشهر بدون تعليم، في حين أن بقيتهم لا يتلقون تعليما على الإطلاق، بل يقوم زملاؤهم البالغون بتعليمهم. إن إلقاء نظرة على الأحكام المفروضة على الأطفال الأسرى، يظهر أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا تتعامل مع اعتقال الأطفال كملاذ أخير ولأقصر فترة ممكنة. فمثلاً يوجد طفل حكم عليه بالسجن المؤبد، وعدد من الأطفال حوكموا ما بين سنة وستة سنوات بتهمة الانتماء للتنظيمات الفلسطينية، وبعض الأطفال محكومون من 6-18 شهراً بتهمة إلقاء الحجارة. وغالباً ما يكون الحكم مقروناً بغرامات مالية تتراوح من 1000-6000 شيقل. وتتخذ سلطات الاحتلال الإسرائيلي من قضية الأسرى الفلسطينيين مورد دخل دائم من خلال سياسة فرض غرامات مالية جائرة وباهظة على الأسرى الفلسطينيين. وتحولت قاعات المحاكم العسكرية الإسرائيلية إلى سوق لابتزاز ونهب الأسرى وذويهم, الأمر الذي أرهق كاهل عائلاتهم في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث أن غالبية الأسرى يحكم عليهم بدفع غرامات مالية, مصحوبة بأحكام بالسجن في المحاكم العسكرية، خصوصاً في محكمتي عوفر وسالم العسكريتين. وبخصوص الأطفال الأسرى، فقد فرضت المحاكم العسكرية الإسرائيلية أيضاً عليهم غرامات مالية. ومنذ بداية العام 2004 حتى الآن ، بلغت نسبة الأطفال الذين فرضت عليهم غرامات مالية 75% من مجمل الأطفال المحكومين. وباستعراض الغرامات التي فرضت على 60 طفل ممن تولت وزارة الأسرى الدفاع عنهم، فقد بلغ مجموعها (99.000) ألف شيقل، أي بمتوسط (1650) شيقل عن كل طفل. يوجد من بين الأطفال الأسرى ما نسبته 9% من عدد الأطفال الأسرى. وهؤلاء محرومون من الرعاية الصحية والعلاج الطبي المناسب. وعادة ما تكون أقراص المسكنات هي العلاج لمختلف أنواع الأمراض. ووفقاً لإفادات الأطفال الأسرى، فإن سلطات وإدارات السجون ترفض إخراج الأطفال المرضى إلى عيادات السجن، وحتى إن أخرجتهم فإنهم يتعرضون للضرب والشتائم والمضايقات حتى من الأطباء والممرضين. كذلك، فإن إدارات السجون لا توفر طبيبا مقيما بشكل دائم في عيادة السجن. ولا تزال سلطات الاحتلال تماطل وأحياناً ترفض إجراء عمليات جراحية للأطفال المصابين بأمراض تستدعي عمليات جراحية فورية. فهناك أطفال بحاجة إلى عمليات لإزالة شظايا أو رصاص من أجسادهم، وهناك أطفال يعانون من أمراض نفسية، ومن أمراض عيون وأذن. وتفيد إحصائيات وزارة الأسرى أن حوالي 40% من الأمراض التي يعاني منها الأطفال الأسرى هي ناتجة عن ظروف اعتقالهم غير الصحية، وعن نوعية الأكل المقدم لهم، فضلا عن وناتجة عن انعدام النظافة. لقد أبرز تقرير أعدته ونشرته ما يسمى بلجنة المحاماة في إسرائيل عمق التعسف الذي يمارس بحق الأطفال الأسرى على أيدي سجانيهم وعمليات التعذيب وحرمانهم النوم والتكبيل والتقييد المستمر لهم, ويجعل تلك الممارسات بحق الأسرى الأطفال اقرب إلى الممارسات الوحشية والإجرامية، ومع ذلك فان معنى استمرار هذا السلوك الإجرامي بحق هؤلاء الأطفال يجرد إسرائيل من كل معاني القيم والأخلاق الإنسانية في ظل تعاظم المناشدات والدعوات باستثناء وإبعاد الأطفال عن كل مظاهر العنف سواء الجسدي أو النفسي. لكن استمرار هؤلاء الأطفال أو مجرد احتجازهم يدين إسرائيل كـ"دولة" خارجة عن القانون فضلاً عن عدم الالتزام بمعايير حقوق الإنسان والقانون الدولي. باحثة في علم الاجتماع السياسي(*) |
||||||