|
|||||||
|
بقلم: عودد عيران- نشرة التقدير الاستراتيجي التي تصدر عن مركز أبحاث الأمن القومي
في السنة الماضية اتسعت الفجوة بين صورة الولايات المتحدة بنظر حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، وبين مميزات تواجدها وعملها في المنطقة، الصورة هي لدولة عظمى موجودة في حالة تراجع، واتجاه انفصال عن المنطقة، بينما عمل الولايات المتحدة خاصة الدبلوماسية لا يدل على اتجاه كهذا. ولكن ربما بسبب الصورة، وأيضاً لأسباب أخرى وجدت الولايات المتحدة نفسها نهاية 2013 في مواجهة مع كل واحدة من حلفائها الرسميين والتقليديين في المنطقة. الصورة الأمريكية ليست مفتقرة إلى الأساس والتفسير. نزف الدم والتكاليف المالية الباهظة التي كانت محفوفة بالصراع العسكري الذي أدارته الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق بدون محصول سياسي ونتائج إيجابية لا زالت تبقي على الارتداع الأمريكي عن استخدام القوة العسكرية في ظروف مثل المذبحة المتواصلة في سوريا، والتي كانت في الماضي تتسبب برد عسكري مسبق وحاسم. النتائج الضبابية وكثيرة المخاطر لاستعمال الخيار العسكري سواء في الموضوع السوري والإيراني، تضلل هي الأخرى من الاستعداد لاستخدام هذا الخيار. البحث عن حلول سياسية يساعد في خلق صورة الدولة العظمى مع قدرة عسكرية، وتردد حول استخدامها، علاوة على ذلك، تنوع الخيارات السياسية ليس واسعا. في هذه المواضيع - الربيع العربي، الذرة الإيرانية والمسيرة السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين - ينظر إلى إدارة الولايات المتحدة في الشؤون الإقليمية كعرجاء ومتلعثمة. التقدير الذي يقضي أنه في سنة 2020 سينتهي تعلق الولايات المتحدة بمصادر طاقة خارجية يعزز أيضا صورة ابتعاد الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط كما يرى بنظر اللاعبين المحليين في المنطقة، فهؤلاء يعتقدون بأن الولايات المتحدة ستركز في المستقبل المتطور على المحافظة على مواقعها في منطقة المحيط الهادئ وعلى محاولة تقليص انجازات الصين في هذه المنطقة. ولكن هذه الصورة لا تعكس بالضرورة الألوان المختلفة للتواجد الأمريكي في المنطقة، وهي لا تتلاءم والنشاط السياسي للولايات المتحدة في مواضيع إقليمية والتي تبقى فيها حتى الآن اللاعب الدولي المركزي. تقلبات الربيع العربي اندلاع العصيان المدني في أرجاء العالم العربي أوجد للولايات المتحدة توتراً ما بين قيمها الأساسية وعلى وجه الخصوص القيم الديمقراطية بكل أوجهها، وبين المصالح التي وجهتها خلال عشرات سنين عملها في الشرق الأوسط. الأحداث في كل واحدة من المساحات الرئيسية للعصيان المدني وضعت أمام الولايات المتحدة ضرورة أن تقرر طريقة عمل وردّة فعل تعطي رداً مناسباً يأخذ بالحسبان هذين القطبين. حتى منذ بداية الثورة الشعبية المدنية في مصر في كانون ثاني 2011 وجهت إلى الولايات المتحدة انتقادات - خصوصاً من قبل الأنظمة الملكية المحافظة في العالم العربي - على أنها ساعدت في الطرد السريع لمبارك وأيضاً في صعود (الإخوان المسلمين) إلى السلطة. بنظر حكام الدول في شبه الجزيرة العربية تسليم الولايات المتحدة بطرد مبارك نظر إليها عمليا كتخل عن حليف، وأثارت لديهم الخشية من أنه في ظروف مشابهة لن يستطيعوا الاعتماد على المساعدة الأمريكية للمحافظة على أنظمتهم. من المشكوك فيه ما إذا كان بالإمكان ترميم الثقة التي كانت لقادة هؤلاء الدول بالولايات المتحدة كعكاز آمن في يوم الامتحان، سواء كان امتحاناً مصدره تقويض الاستقرار الداخلي أو أمام خطر خارجي. فترة الحكم القصيرة للإخوان المسلمين ولرئاسة محمد مرسي (30/6/2012 - 3/7/2013) امتازت بعلاقات عمل بين القاهرة وواشنطن، وربما لهذا السبب ردة فعل الإدارة الأمريكية على الانقلاب العسكري الذي وضع حدا لحكم الإخوان كانت حادة. كما أن ردة الفعل الأمريكي تصاعدت في بوابة تشرين أول 2013، عندما أعاقت تحويل 260 مليون دولار ودفعات أسلحة إلى مصر كان موافقا عليه من قبل (طائرات F16 وقطع غيار لدبابات M1A1. بموازاة ذلك امتنعت الإدارة عن تعريف طرد مرسي كانقلاب عسكري - التعريف الذي ستكون انعكاساته العملية وقفاً تاماً للمساعدات، ستضطر الإدارة الآن إلى الانتظار ودراسة سياستها تجاه مصر وفقا لنتائج العملية الهادفة إلى إجراء تغييرات يصادق عليها في استفتاء شعبي سيجري في مصر في كانون ثاني 2014، ولا مقاس وفقا لنتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية، أي تأخير في الجداول الزمنية سيضيف إلى التوتر العلني ما بين القاهرة وواشنطن. على خلفية التخبط الأمريكي بين قيم ومصالح تواصل الإدارة في هذه المرحلة الانتقاد العلني لاستخدام القوة من قبل قوات الأمن المصرية تجاه المتظاهرين ضد النظام وضد حرية التظاهر. ولكن الامتحان الصعب سيأتي عندما تتأخر عملية المصادقة على الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية، أو تكون هناك أدلة تلاعب بالنتائج، إحدى الإشارات العلنية لهذا التوتر هي التسخين في العلاقات بين روسيا ومصر واستعداد الجانبين لمناقشة صفقة أسلحة. يشار إلى أنه من ناحية عسكرية ومالية ما من منطق في شراء أسلحة روسية من قبل الجيش المصري، ولكن مجرد الاستعداد المصري للتلويح علنا بإمكانية كهذه تشخيص لنوعية العلاقات المصرية بأمريكا. أيضاً إسرائيل ودول الخليج لم تُخفِ رضاها عن الانقلاب الذي حصل في مصر في تموز 2013، حكومة الإخوان المسلمين كانت حذرة من التسبب في تدهور العلاقات الإسرائيلية/المصرية، خاصة بسبب فهم أن السوء في العلاقات من شأنه أن يضر بإمكانيات تجنيد مساعدات مالية أمريكية وغيرها. مع ذلك، واضح أن إسرائيل تفضل التريث لوقت تستطيع فيه أن تدير حواراً ولو منقطعاً مع قمة السلطة في القاهرة، الأمر الذي حيل دونه خلال السنة التي أدار فيها الإخوان المسلمين الدولة. منذ طرد التواجد السوفيتي في مصر عام 1972 وبعدها، بعد اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979 نشأ مثلث علاقات حساس ثابت بين القاهرة وواشنطن والقدس، بفضل قدرة الحوار في إطار هذا المثلث تم الحؤول دون زيادة الحدة نتيجة أحداث وتطورات في العلاقات بين إسرائيل وجيرانها، خصوصاً على الساحتين الفلسطينية واللبنانية. ويمكن الاعتقاد أنه بسبب هذا أيضاً ستواصل إسرائيل استخدام نفوذها في واشنطن من خلق الكواليس لتخفيف وتلبيد ردود فعل الإدارة الأمريكية على التأخيرات في العملية الديمقراطية في مصر، وذلك لأنه برؤية إسرائيل، كل نظام يعتمد على مساهمة الجيش في المنظومة السياسية في مصر هو أفضل من نظام الأحزاب، التي يشكل الإسلام في ميثاقها مدماكاً مركزياً. خلال عام 2013، التوترات في سوريا وضعت مشاكل لا تقل تعقيدا أمام الإدارة الأمريكية، ويمكن الاعتقاد أنه هكذا سيكون في المستقبل المنظور. استخدام الأسد للكيماوي ضد المدنيين أوقف الرئيس أوباما أمام معضلة صعبة، فقد طولب من قبل أطراف كثيرة في الداخل الأمريكي، وفي الخارج، باستخدام السلاح لكي يوقف المذابح التي لغاية استخدام الكيماوي حصدت أرواح حوالي مائة ألف شخص. وقد قام الرئيس أوباما بكل العمليات الممكنة بغية إبعاد تنفيذ الخيار العسكري لكي يوقف استخدام الكيماوي على الأقل. فشل المعارضة في سوريا في الانتظام تحت قيادة معتدلة (وليس إسلامية متطرفة) ونجاح النظام العلوي في منع اتساع رقعة الأرض تحت سيطرة المجموعات المعارضة المختلفة، قللت من رغبة الولايات المتحدة والدول الأخرى باستخدام القوة العسكرية التي كانت ستؤدي ربما إلى سقوط النظام، ولكنها كانت ستؤدي إلى الفوضى في سوريا وتزيد بشكل كبير من عدد الضحايا نتيجة للقتال في البلد بدون أي بديل حكومي معقول. ومع أنه في هذه الحالة كما في حالة طرد الرئيس مبارك، عبرت السعودية عن خيبتها من الإدارة الأمريكية، يمكن أن نفهم تحفظات الولايات المتحدة الظاهرة على استخدام القوة العسكرية، ولكن أيضاً حتى لو نجحت الإدارة الأمريكية في إيجاد حل سياسي للموضوع المباشر لاستخدام الأسلحة الكيماوية - الاتفاق الدولي لتجريد سوريا من السلاح الكيماوي الذي تبلور بالتنسيق مع روسيا - فإن المشاكل الإقليمية التي تخلقها الحرب الأهلية المتواصلة في سوريا ستبقى تشغل الإدارة الأمريكية وأطراف دولية وإقليمية أخرى. تواجد اللاجئين في الدول المجاورة (الأردن، لبنان، وتركيا) وتمأسس منظمات إسلامية متطرفة دخلت إلى سوريا في السنوات الثلاث الأخيرة، منذ اندلاع الحرب الأهلية، وأيضاً إمكانية انزلاق المواجهات إلى خارج الحدود السورية، هي الأكثر مركزية بين هذه المشاكل. في أواخر 2013، بدا أن دولاً أخرى في العالم العربي وخصوصاً في شبه الجزيرة العربية نجحت في كبح جماح، وتخفيف موجات الاحتجاجات الشعبية في أراضيها، وإذا ما تجددت الاحتجاجات المدنية لن تستطيع الولايات المتحدة تجاهل تبعاتها على استقرار المنطقة وعلى قدرتها على الدفاع عن مصالحها، ومصالح حلفائها، وبشكل خاص بكل ما يتعلق بأمن تزويد الطاقة، ويجب أن نذكر أنه أيضا إذا ما تحققت رؤية استقلالية أمريكا في الطاقة، فإن أسعار الوقود تتأثر بشكل كبير من كميات النفط التي تضخ إلى السوق العالمية من منطقة الخليج الفارسي، ومن أحداث مركزية تجري فيه. مفهوم أن لارتفاع أسعار الوقود نتيجة التوتر في هذه المنطقة تأثيرا على اقتصاد الولايات المتحدة حتى لو لم تكن هي نفسها مشاركة بشكل مباشر في الأحداث في منطق الخليج. الموضوع النووي الإيراني سنركز في هذا الفصل على أوجه الموضوع المرتبط بمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، جوهر الانتقادات الموجهة للولايات المتحدة المتحدة، وخصوصا من قبل أطراف رسمية في السعودية يخص إدارتها تجاه الموضوع الإيراني، ازدياد حدة المواجهة السنية/الشيعية في المنطقة، والتقدير وسط دول الخليج أن النظام الإيراني يتقوى وأنه يشكل خطراً حقيقياً على أنظمتها الملكية، زاد من الشعور بالقلق وسط الأنظمة في هذه الدول. استعداد الولايات المتحدة لإجراء مفاوضات سواء على الكيماوي السوري أو النووي الإيراني نظر إليه كضعف وكإنذار مسبق بألا تعتمد هذه الأنظمة على أن الولايات المتحدة ستهب لمساعدتها كلما ظهرت بوادر أزمة. زاوية الرؤية الإسرائيلية بالنسبة لإدارة الولايات المتحدة مختلفة عن رؤية الأنظمة الملكية في الخليج، فهي ليست مرتبطة بالقلق على وجود النظام بل بالخوف من عدم وقف إيران، أي انتشار نووي محدود في الشرق الأوسط والذي هو خطر وجودي على إسرائيل. أعطيت لحقيقة إن إسرائيل والسعودية تنظران بقلق إلى تقدم المشروع النووي الإيراني، وما ينظر إليه كتراخ أو ضعف أمريكي تفسيرات كثيرة وبعيدة المدى بالنسبة للعلاقات بينهما، ولكن يمكن الاعتقاد أن إسرائيل والسعودية، وكذلك شركاء السعودية الأصغر في المنطقة سيواصلون الحوار مع الولايات المتحدة حول الموضوع الإيراني على حدة. وعلى الرغم من أنه ليست للسعودية أية بدائل عملية للاعتماد على الولايات المتحدة في كل المواضيع الأمنية لها، والولايات المتحدة تستطيع مواصلة خطها السياسي بالعمل في المستقبل المنظور أيضا. يبدو أن الولايات المتحدة تصغي لمستوى معين للانتقادات التي تسمع في المنطقة، وهي تقيس تواجدها العسكري في المنطقة وفقا لذلك أيضا من منطلق الاعتقاد أن الأمر يمكن أن يساعدها في المفاوضات مع إيران. الوجه الإيراني في العلاقات الإسرائيلية/الأمريكية سيبقى يحتل مكانا مركزيا أيضا في عام 2014 والخلاف بينهما سيزداد حدة كلما طالت مدة المفاوضات مع إيران، فكلما ابتعد الحل عن المواقف الأساس الإسرائيلية في الموضوع (وأيضا كلما ابتعد الحل السياسي للصراع الإسرائيلي/الفلسطيني). الجهود التي قام بها الطرفان الإسرائيلي والأمريكي لتخفيف حدة الكلام في الموضوع لم تنجح في إخفاء خلافات الرأي الشخصية بين الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة الإسرائيلية، كما أنهما أيضا لم تخفيا خلافات الرأي الجوهرية بين الدولتين، وهذه ستندلع بكامل قوتها في العالم القادم. لا يمكن افتراض إمكانية اتفاق تستطيع كل من إيران وإسرائيل التسليم به، من هنا فإن استعداد الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق مع إيران يخلق احتكاكا لا مناص منه مع إسرائيل. إلى داخل هذه المعادلة يجب أن نضيف عناصر إضافية مثل علاقات الحكومة والكونغرس الأمريكيين، ومعركة الانتخابات للكونغرس نهاية 2014، وللأحداث في العالم العربي والعملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. لوضع المفاوضات مع إيران، ولكن دون أمل مرئي لهذا الاتفاق، هناك عدة أمور ذات تأثير على الحوار بين واشنطن والقدس. إذا لم تشذ إيران عن العمل الذي تم الاتفاق عليه في إطار الاتفاق المرحلي الذي وقع معها في تشرين ثاني 2013، يحتمل أن تسلم إسرائيل بهذا الوضع حتى لو لم تقل الأمور في الاتفاق المرحلي صراحة، فإن هذا الوضع قد يستمر حتى نهاية ولاية أوباما، حيث أن المفاوضات تسير وتتوقف على التوالي، وحيث أن إيران لا تشذ بشكل ملموس عن القيود التي أخذتها على عاتقها. تستطيع إسرائيل أن تجد نفسها في وضع عليها بالتسليم بالواقع الذي فرض عليها بشكل كبير نظرا لاستعداد المجتمع الدولي للقبول بهذا الوضع، حيث بنظرها يفضل وضع تجميد النشاط الإيراني على المستوى الحالي على الحاجة إلى الحسم باستخدام وسائل أكثر حدة ضد إيران - ومعنى الأمر، بكل ما يتعلق بالعلاقات الإسرائيلية الأمريكية - هو نوع من جرح نازف يثقل على سلامة العلاقات. الصراع الإسرائيلي/الفلسطيني في عام 2014 سيتواصل الجهد الأمريكي للتوصل إلى اتفاق سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين، وحسبما تبدو الأمور أواخر 2013 فإن كلاً الطرفين يعبران عن اتفاق نهائي كامل والذي هو الهدف الذي وضعته الإدارة الأمريكية لمديري المفاوضات، ومن المشكوك فيه أيضاً أن تكلل بنجاح المحاولة الأمريكية لإيجاد وتقدم عبر حل الموضوع الأمين بغية التمكين من اتفاق على الحدود. خلال النصف الأول من عام 2014 ستضطر الإدارة الأمريكية إلى الاختيار بين البدائل التالية لمواصلة معالجة الموضوع الإسرائيلي/الفلسطيني:- أ: التخلي عن العملية. ب: اقتراح حل شامل أمريكي. جـ: تبني الاقتراح الأمريكي لحل شامل من قبل مجلس الأمن الدولي. د: محاولة لتحريك الجانبين لمناقشة حلول جزئية تقود إلى الحل الكامل في جدول زمني متفق عليه. في غياب القدرة والرغبة لمحاولة فرض حل على الطرفين، فإن مجال المرونة العملية للولايات المتحدة ضيق جداً. هي تستطيع محاولة إدارة الصراع خلافا لمحاولة حله وسط منع اندلاع احتكاك عنيف، وذلك عبر عملية لتحسين مستوى المعيشة في المناطق بما فيه في قطاع غزة وصد أعمال البناء الإسرائيلية في المناطق، وخاصة في المناطق الواقعة شرقي الجدار الأمني. اتفاقات تفصيلية كذلك التحقق في موضوع المياه مطلع كانون أول 2013 قد تقلص إمكانية الاحتكاك العنيف ودفع نحو الحل الكامل إذا ما مكنت الظروف السياسية في الجانب الإسرائيلي والجانب الفلسطيني ذلك. حقيقة أن الرئيس أوباما أبقى معالجة الصراع لدى وزير الخارجية جون كيري، وسط تقليص مستوى تدخله في الموضوع تمكن من تقليص الاحتكاك بين إسرائيل والولايات المتحدة حول هذا الموضوع، ولكنها لن تمنعه كلياً إذا لم يثمر أي من بدائل العمل الأمريكي. ستقف الولايات المتحدة أيضاً أمام طلب من جانب شركائها الرباعية، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي باتخاذ خطوات ولو رمزية بغية التعبير عن الامتعاض مما يعرّف من قبلهم كرفض أو (جر أرجل) من جانب إسرائيل في الطريق إلى حل الصراع. في غياب أي حل سياسي، جزئي، أو كامل ستتواجه إسرائيل والولايات المتحدة معاً مع تجدد النشاط الفلسطيني لقبول فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة. بينما تواصل إسرائيل معارضتها القاطعة لخطوة كهذه سيوضع في الامتحان الافتراضي أنه أيضاً في غياب أي تقدم في العملية السياسية أو بدون سلسلة في الخطوات الأحادية الجانب الإسرائيلية التي تدل على نوايا للتقدم نحو الانفصال عن الفلسطينيين، يتوقع فيتو أمريكي على قرار مجلس الأمن بشأن قبول فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة. قدرة إسرائيل على التأثير على اعتبارات الإدارة الأمريكية في هذا الموضوع أقل منها في الموضوع الإيراني. وأيضاً يجب على أن إسرائيل أن تدرس جيدا هل سيكون من الصحيح استخدام رافعة نفوذها في الكونغرس بغية الضغط على الإدارة الأمريكية لفرض فيتو على مشروع قرار في مجلس الأمن بشأن قبول فلسطين كدولة عضو في الأمم المتحدة. خاتمة صورة الفزاعة التي يقارنها مفكرون وسياسيون في الشرق الأوسط وخارجه بالولايات المتحدة لا تتلاءم ومستوى النشاط الذي تبديه الولايات المتحدة في المواضيع المختلفة في الشرق الأوسط، مع أن تأثير الحروب في أفغانستان والعراق والتراجع الاقتصادي في الأعوام 2008/2011 أعطت إشاراتها، لم يكن هذا هو السبب الوحيد للتردد الأمريكي فيما يتعلق بمعالجة الأزمات المختلفة في المنطقة بالقوة العسكرية، حتى عملية دقيقة لا تسقط ضحايا أمريكيين في سوريا، كانت فقط ستقلص إبعاد القتل والدمار، ولكنها لا تدفع إلى حل سياسي كامل في هذا البلد. عمل عسكري في إيران سواء كان أمريكيا أو غيره سيرجع البرنامج النووي الإيراني إلى الخلف، ولكن ليس بمقدوره إبطال القدرة وإرادة نظام إيراني مصمم وحازم مستعد لدفع ثمن النجاح لكي يصل إلى قدرة نووية عسكرية. في الماضي غير البعيد كان بالإمكان استخدام القوة العسكرية في صراعات مختلفة لعزل الانعكاسات المختلفة وتقليص موجات العصف السياسية والاقتصادية والعسكرية لاستعمال القوة، واليوم أيضاً، استخدام القوة العسكرية في أفريقيا مثلاً، لا يجر بالضرورة انعكاسات تخرج عن المجال الجغرافي الضيق الذي تم فيه استخدام القوة العسكرية، في الساحة السورية والساحة الإيرانية، هكذا قيل، ستكون هناك حاجة لاستخدام القوة بنسبة تشد بما لا يقدر عن وضع يضع مئات الجنود كما فعلت فرنسا في مالي. عدد اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين سيكونون مشاركين في أي عمل عسكري، ونتائجه يزيد بشكل كبير عن عدد المشاركين بالعمل العسكري في أفريقيا هو سيملي اعتبارات أكثر تعقيداً. على الرغم مما قيل أعلاه، لا يجب استبعاد إمكانية أن تستخدم الولايات المتحدة القوة العسكرية في الشرق الأوسط، بالإمكان الادعاء أن تدخل روسيا فقط في الساعات الأخيرة قبل تنفيذ التهديد الأمريكي باستخدام الجيش رداً على استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل نظام الأسد هو الذي منع العملية العسكرية في سوريا. فشل تام للمباحثات في إيران، أو أخطاء قاسية للنظام الإيراني من شأنها أيضاً هي الأخرى أن تجر رداً أمريكياً عسكرياً حتى ولو لم يكن بالحجم الذي تتوقعه عدة دول في المنطقة. ردٌّ أمريكي كهذا سيؤدي إلى تغيير في الشكل والصورة التي تولدت للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة. في السنوات القادمة ستواصل الولايات المتحدة المواجهة مع منافسين غير إقليميين أكثر نشاطاً. ونقصد بالأساس الصين وروسيا، ويبدو أن القرار الذي اتخذ في بكين لتوسيع وتعميق العمل والنشاط في المحيط القريب من الصين يطبق أيضا في الشرق الأوسط حيث تبحث الصين عن حقل عملي سياسي عدا عن أنشطتها الاقتصادية المتشعبة. أيضاً المفاوضات التي أجرتها الصين مع تركيا حول تزويد منظومة دفاع جوي تدل على محاولة القضم في التفرد المقلق الأمريكي لتزويد الأسلحة إلى دول في المنطقة وسط استغلالها للنجاح في عام 2013 بالعودة كلاعب مهم في الساحة الشرق أوسطية. في كلتا الحالتين، الصينية والروسية معا يجري الحديث عن نجاحات جزئية ومحدودة ولا يجب التوصل إلى استخلاص جارف ومضلل بأنه انتهى العصر الأمريكي في الشرق الأوسط. ولكن هذه النجاحات تدل على تغييرات في رؤية أصدقاء تقليديين للولايات المتحدة وحلفائها منذ عشرات السنين. في سنة 2014 ستضطر الولايات المتحدة إلى اتخاذ سلسلة قرارات صعبة في موضوع علاقاتها مع مصر، وحول الطريقة التي تعالج فيها الموضوع النووي الإيراني، ومواصلة محاولة التوصل إلى حل سياسي للصراع الإسرائيلي/الفلسطيني. في كل واحد من المواضيع الثلاثة المذكورة يمكن احتمال احتكاك بين إسرائيل والولايات المتحدة نتيجة للفوارق في مواقف أساسية. غياب تقدم ولو نسبي في العملية السياسية مع الفلسطينيين ومواصلة المفاوضات مع إيران، سيؤدي إلى تطبيق احتمال الاحتكاك، وبالإمكان تقليل أضراره بواسطة حوار على المستوى الأعلى، ولكن لن يكون بالإمكان منعه كلياً. |
||||||