المقاومة الفلسطينية تربك الحسابات الصهيونية
"كسر الصمت نموذجاً"

السنة الثالثة عشر ـ العدد 148 ـ ( جمادى الثانية 1435 هـ) نيسان ـ 2014 م)

بقلم: عدنان أبو ناصر

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

أخيراً وبحمد الله وتوفيقه، أعلنت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، مسؤوليتها عن استهداف مغتصبات العدو الصهيوني بعشرات القذائف والصواريخ رداُ على العدوان المستمر ضد شعبنا المجاهد في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.

ففي ساعات مساء يوم الأربعاء 12/3/2014م تمكنت مجموعات سرايا القدس المنتشرة على طول خط المواجهة من قصف بلدات وكيبوتسات العدو (سديروت – ناحل عوز – نير اسحق – صوفا – كيبوتس سعد – كفار عزا – مفلسيم – زكيم – نتيفوت)  بــ"130" صاروخ من طراز 107 ومحلي الصنع وقذيفة هاون.

وأعلنت سرايا القدس مسئوليتها عن هذه العملية الجهادية، لتؤكد على أنها تأتي في إطار الرد على العدوان الصهيوني المتواصل ضد أهلنا في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، والتي كان آخرها جريمة اغتيال 4 من أبناء شعبنا في الضفة الغربية المحتلة و3 من مجاهدي سرايا القدس شرق خان يونس، وتؤكد بأن ردها سيكون بحجم الخروقات الصهيونية في حال استمرارها.

واعترف العدو الصهيوني بوقوع إصابات وأضرار مادية فادحة في المباني والممتلكات الصهيونية جراء سقوط عشرات الصواريخ على المدن والمغتصبات, وأكد الناطق باسم سرايا القدس "أبو أحمد" على أن عملية كسر الصمت الجهادية تأتي في سياق الرد على العدوان الصهيوني المتواصل بحق شعبنا المجاهد في الضفة وغزة. وقال أبو احمد: "عملية كسر الصمت جاءت بعد سلسلة طويلة من الخروقات الصهيونية للتهدئة المبرمة مع المقاومة الفلسطينية في نوفمبر 2012م عقب معركة السماء الزرقاء". وشدد على أن سرايا القدس ملتزمة بالتهدئة بمقدار التزام العدو بها, وأن عملية كسر الصمت التي شملت إطلاق أكثر من 130 صاروخاً وقذيفة مستمرة حتى الآن. وقالت إذاعة جيش الاحتلال أن العشرات من الصواريخ أطلقت من شمال القطاع حتى جنوبه مشيرة إلى أن جيش الاحتلال أمر كافة سكان بلدات الجنوب ومدن بئر السبع وعسقلان وما حولها بالنزول إلى الملاجئ.

بندقية نحو مآذن القدس

من جهته أكد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان عبد الله شلح، أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على الرغم من قلة إمكانياتها وبساطتها إلا أنها حققت معادلة الردع والصمود أمام العدو الصهيوني.

وقال الدكتور شلح خلال مقابلة خاصة لقناة الجزيرة: "لقد حققت المقاومة معادلة الردع والقدرة على إيذاء العدو بطريقة لا يمكن أن يتحملها هذا العدو".

وأوضح الأمين العام، أن هناك تنسيقاً بين الجهاد الإسلامي وحماس وتوافقاً بينهما وبين مجمل الفصائل الفلسطينية على حق المقاومة في الرد على أي اعتداء صهيوني على أبناء الشعب الفلسطيني، قائلاً: "إن شكل الرد وطبيعته وتوقيته يتعلق بالتطورات على الأرض".

وعن الموقف الدولي الذي يتهم الفلسطينيين بالبدء في الحرب مع "إسرائيل" تساءل الدكتور شلح، من الذي قتل الشهيد أحمد الجعبري عام 2012 هل هي المقاومة؟ أم "إسرائيل"؟.. قائلاً: "عندما تختار "إسرائيل" الحرب مع الفلسطينيين لا يجب أن تقف المقاومة متفرجة على العدوان دون مواجهته".

وأضاف: "كلما قتل الجيش الصهيوني أحداً منا وحاولنا الرد على العدوان والدفاع عن أنفسنا قالوا ذلك لدوافع إقليمية"، مؤكداً أن بندقية حركة الجهاد الإسلامي والمقاومة في فلسطين هي بندقية فلسطينية إسلامية مستقلة طريقها نحو مآذن القدس".

وأكد شلح أن حركة الجهاد ملتزمة بتثبيت التهدئة الذي تم ظهر يوم الخميس 13\3\2014مع الاحتلال الصهيوني برعاية مصرية. وقال في مقابلة مع قناة الميادين، "وقعنا سابقًا اتفاق تهدئة برعاية مصرية لكننا لم نوقع صك استسلام، وأمام مواصلة العدو جرائمه كان قرار "كسر الصمت".

وأضاف: "نحن وحماس شركاء في الحرب والسلم، وهناك اتفاق عام على حق المقاومة في الرد, لسنا هواة حرب ونضع كفصائل مقاومة مصلحة شعبنا نصب أعيننا، ومن المعيب أن نصمت على الحرب المتواصلة بالاستيطان والتصعيد".

وأشار إلى أن توافقًا فلسطينياً وإجماعاً على أن المقاومة من حقها الرد على انتهاكات الاحتلال وهي من تقرر كيفية الرد، مؤكداً على أن "إسرائيل" جربتنا في كافة التوغلات ونحن مزقنا أشلاء هذا الكيان.

وأوضح أن غيره جرب الحل السلمي ولم يفلح و"إسرائيل" لديها مشروع واحد هو دولة للكيان، مشيراً إلى أن الوضع في الضفة الغربية المحتلة أشبه بالموت السريري لكن مخطئ من يظن أن شعبنا يموت.

وعن قدرات المقاومة، أوضح شلح أن المقاومة وعلى الرغم مما يمتلك الاحتلال تستطيع تدبر ما تواجهه به، وتدافع به عن نفسها وتغير معادلة القوة معه، قائلاً: "إذا وصلت صواريخنا لمدينة "تل أبيب" فالاحتلال عليه أن يخمن ويعرف أين ستصل إمكانياتنا".

وذكر أن الردود متروكة للظروف وتعلمنا أن فعل المقاومة الذي يتحدث وليس التهديد والوعيد، والتجربة أثبتت أن عمل المقاومة في تقدم وازدياد، موضحاً أن إمكانات المقاومة أصبحت معروفة ونعرف إمكاناتنا وموازين القوة في المنطقة. وشدد شلح على أن بندقية حركته ليست للإيجار وهي مقاومة إسلامية مستقلة وقامت من أجل فلسطين ولن نلقيها جانباً إلا بتحريرها كاملة، مشيراً إلى أن مقاومتهم مرهونة بوجود الاحتلال والعدوان. ولفت إلى أن "قضية فلسطين مغيبة عن كل خرائط العالم ولكن لا أحد يظن في العالم أن هذا الجرح سيندمل وسيرجع الحق لأصحابه"

رسائل متعددة

توجت المقاومة الفلسطينية ما حققته من انجازات في أعقاب حرب الأيام الثمانية أواخر عام ۲۰۱۲، اتفاق التهدئة الذي تم التوصل إليه في تلك الحرب وفقاً لشروطها.

الأمر الذي أغاظ كيان العدو الصهيوني الذي سعى منذ ذلك الحين إلى سحب البساط من تحت أقدام المقاومة وسرقة ما حققته المقاومة من خلال استمرار الخروقات الصهيونية لهذا الاتفاق وصولاً إلى منع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم على امتداد السياج الحدودي شرق غزة، وحرمان الصيادين من الدخول لمسافة ابعد داخل البحر لممارسة مهنة الصيد وفقاً لما اقره الاتفاق، ووافقت عليه حكومة الاحتلال وصولا إلى العودة إلى سياسة الاغتيالات شيئاً فشيئاً وهو ما جعل التهدئة تقترب من نهايتها ووصولها لمرحلة الشيخوخة.

وفي مسعى للتأكيد على ضرورة العودة لما تم الاتفاق عليه وفي مواجهة خروقات الاحتلال وتماديه وإمعانه في الدم الفلسطيني، كانت عملية "كسر الصمت" التي أطلقتها سرايا القدس وموجبها أرسلت لمستوطنات الاحتلال المتاخمة لغزة عشرات الصواريخ التي أمطرت تلك المستوطنات وأبقت المستوطنين داخل ملاجئهم وغرفهم المغلقة، وعلاوة على كل هذا إرباك حساب المحتل ومؤسسته الأمنية التي فشلت في توقع رد فعل المقاومة الفلسطينية هذه المرة على جرائمه والتي كان آخرها استشهاد سبعة فلسطينيين في الضفة وغزة في اقل من ۲٤ساعة بينهم ثلاثة من نشطاء سرايا القدس اغتيلوا في غارة استهدفتهم شرق خان يونس.

فقد أكدت المقاومة أن كسر الصمت أبقت الكرة في الملعب الصهيوني لتحديد ما إذا كان سيعود لتفاهمات ۲۰۱۲ أم أنه سيعمل على تصعيد نطاق عدوانه وهنا كان رد المقاومة أن العدوان وتوسيع نطاقه سيحدد المحتل وما قد يرتكبه بحق الفلسطيني، أي بمعنى أن المحتل هو من سيحدد مديات الصواريخ وما يمكن استخدامه في هذه المواجهة من قدرات وهذا ما جاء بالتحديد على لسان الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان شلح الذي قال أن المقاومة وقعت اتفاق تهدئة وليس اتفاق استسلام وان المقاومة ستظهر قدراته الصاروخية.

لقد أسقطت المقاومة من خلال عملية كسر الصمت التي أطلقتها سرايا القدس المسعى الصهيوني لتغيير قواعد اللعبة والإخلال بالتوازن الذي أرسته المقاومة في العام ۲۰۱۲، وأن العدوان في حسابات الصهاينة سيضمن فشلاً إضافياً يضاف إلى فشلين في الفترة الماضية لنتنياهو الأول هو أن الجهود الدبلوماسية والإعلامية من خلال سفينة الأسلحة الإيرانية لجعل إيران مركز العداء الدولي فشلت، والثاني ما جرى أثناء زيارته لأمريكا عندما بدا واضحاً أنه لا يوجد اتفاق والجهود الأمريكية فشلت بفعل التصلب الصهيوني.

كما أن كيان الاحتلال منذ الخميس 13/3/2014 في حالة من التناقضات في تصريحاته لم يُفهم ماذا يريد فأطراف لديها تدعو لاحتلال غزة وأخرى ترى بضرورة إعطاء فرصة لضبط الأوضاع، مشيراً إلى انه إذا قبلت حكومة الاحتلال الرد فسيكون على مضض ولكن لن تمرره.

إن ما سبق ذكره جعل قادة الاحتلال ورغم تهديداتهم وغاراتهم التي وصلت بحسب الفلسطينيين إلى أكثر من ۳۰ غارة، جعلتهم في حيرة من أمرهم إزاء كيفية التعاطي مع الرسالة التي حملها رد الجهاد الإسلامي من خلال عملية كسر الصمت، ليبقى السؤال هنا هل اكتفت حكومة الاحتلال بضرباتها لغزة وهو ما يبدو من سعيها لتبرير رد الفلسطينيين حيث أشار إلى ذلك رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، أم أن الأعياد الصهيونية هي من أوقفت عدوان الاحتلال وأن الفلسطينيين حينها سيكون بانتظارهم جولة جديدة من المواجهة، وهو ما يتباين الموقف إزاءها داخل كيان الاحتلال الذي يخشى من الانزلاق في وحل غزة من جديد وحينه عليه أن يدفع ثمناً لن يكون عادياً هذه المرة، أما بالنسبة للفلسطينيين فلم يعد لديهم ما يخسرونه.

إن الكثير من الدلائل تشيرُ على أن الجدل الصهيوني بشأن آفاق التصعيد العسكري ضد المقاومة في غزة قد حسم، وعلى ما يبدو فإن نتنياهو قد اختار "حلاً وسطاً" بين البدائل التي قدمت له بشأن التعامل مع المقاومة في غزة، لقد أدركت حكومة الاحتلال أن المقاومة أحبطت محاولاته تغيير القواعد التي تضبط التهدئة غير المعلنة بين الجانبين، وقد أدى هذا الواقع إلى جملة من الانتقادات التي تعرض لها نتنياهو، من هنا فإن أي تصعيد محتمل ضد غزة سيأتي لمحو هذا الانطباع، ولمحاولة الإثبات للفلسطينيين إن حكومة الاحتلال وحدها القادرة على تحديد قواعد التهدئة في القطاع.

وعلى ضوء ما يراه الفلسطينيون يستبعد عدد من المحللين الصهاينة فكرة نشوب حرب صهيونية جديدة على قطاع غزة على الرغم من تهديدات قادة الحرب، ويعزون ذلك لعدة أسباب، أهمها وعدم وجود بديل عن تفاهمات القاهرة وان جميع الإطراف راغبة في الحفاظ على هذه التفاهمات على الرغم من عدم رضاها، وعدم رغبة كيان الاحتلال في إعادة احتلال قطاع غزة كما دعا وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان بمناسبة عيد المساخر اليهودي "بوريم".

رد سرايا القدس

جاء رد الجهاد الإسلامي على التصعيد الإجرامي للعدو قوياً أدخل محتلي المستوطنات في جنوب فلسطين المحتلة الملاجئ.. وقد قام الكيان الصهيوني بغارات جوية وعدوان بري في ليل الأربعاء 12 آذار/ مارس 2014 وصباح الخميس التالي، حيث شنت طائراته أكثر من ثلاثين غارة أدت إلى استشهاد ثلاثة فلسطينيين وإصابة آخرين، وسببت أضراراً مادية كبيرة.. رداً على رشقات صواريخ الجهاد الإسلامي، وتوعَّد بشن مزيد من الهجمات، بينما دعا الإرهابي أفيغدور ليبرمان، إلى احتلال قطاع غزة بكامله رداً على ذلك.

إن تصفية أبناء شعبنا الفلسطيني على أيدي الصهاينة سياسة ثابتة لها برامج إبادة مستمرة في القطاع والضفة والقدس وفي داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948 ويتم ذلك بسبب أو بدونه، لأن الهدف النهائي هو إبادة الشعب الفلسطيني جسدياً أو معنوياً وروحياً. وعلى طريق تحقيق ذلك الهدف يقوم الاحتلال بقتل أي طفل إذا رمى حجراً باتجاه مستوطنة؟! على الرغم من أن هناك استفزازات وانتهاكات وممارسات يومية يقوم بها الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين، تبدأ بالتهويد وتدنيس المقدسات الإسلامية في القدس، وعلى رأسها المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ولا تتوقف عند الاستمرار في قضم الأرض في الضفة الغربية بالاستيطان المكثف، ولا عند هدم القرى والبيوت وقطع الأشجار وتدمير المحاصيل الزراعية والقضاء على مصادر العيش، وملاحقة الفلسطينيين بالاعتقال والتعذيب والموت والتشريد، وجرجرة السلطة ومفاوضيها مدة سنوات وسنوات في مستنقعات مفاوضات عقيمة يتم خلالها الاستيطان بكثافة، وتفريخ طلبات بعد طلبات وذرائع بعد ذرائع لإدامة عمر المأساة وتنفيذ برامج الإبادة.. ومن هذه الطلبات:

التنازل عن حق العودة، وعن المستوطنات في الضفة، وعن القدس وأجزاء من حرم المسجد الأقصى، والقبول بيهودية "إسرائيل"، والموافقة على تمركز جيش الاحتلال في الحدود على طول الضفة الغربية لنهر الأردن في مناطق الحدود بين الدولة الفلسطينية العتيدة والأردن.. فضلاً عن كون الدولة المنتظرة على 22% من أرض فلسطين بلا جيش ومفتوحة الأجواء والأرض أمام جيش الاحتلال يسرح ويمرح فيها كيف شاء ومتى شاء..إلخ.. وكل ذلك الفعل المأساوي الممتد طوال عقود من الزمن يتم اليوم بقوة وشدة وتصعيد في ظل تمزق عربي لا نظير له منذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين عام 1948، وفي ظل ضعف عربي يتراكم فوق ضعف ومهانة لهم بعد مهانة، وتنكر من عرب كثيرين لقضية فلسطين وكأنها لا تعنيهم، واستماتة عرب آخرين في خدمة مشاريع الغرب الاستعماري والصهاينة العنصريين في اقتتال عرب وعرب، وعرب ومسلمين، وإشعال نيران الفتن الطائفية والمذهبية بينهم، وبذل الغالي والنفيس لتحقيق تدمير الآخر لا سيما إذا كان من أولئك الذين يرفعون راية المقاومة ويدعون إلى تحرير فلسطين.. أما الذرائع والمداخل إلى ذلك وأشكال التمويه للأهداف الحقيقية التي لا تخدم سوى العدو الصهيوني، ومنها تدمير المقاومة وإشغالها عن أهدافها الرئيسة، ومحاولات استقطابها في صراعات داخلية أو إقليمية، واتهامها بالإرهاب ومحاولات تشويه صورتها ونضالها.. وكذلك تدمير سورية وجيشها وقواعده العسكرية وقوى الدفاع الجوي وسلاح الصواريخ الذي لا يستخدم إلا ضد العدو الصهيوني عند الضرورة..

وقد برزت في الآونة الأخيرة، لاسيما بعد إطلاق دعوات عربية وغربية بشن عدوان خارجي على سورية بذريعة فشل مؤتمر جنيف2، برزت إلى العلن دعوات صريحة من أطراف في "المعارضات السورية" للتحالف مع إسرائيل والقتال إلى جانبها ضد سورية للقضاء على ما تبقى منها؟!.. وكان ذلك التوجه سياسة مقرَّة باتفاق خفي بين "معارضين سوريين" والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والغرب منذ بدايات المؤامرة الكونية على السورية التي تحولت إلى حرب مدمرة، وكان ذلك عبر حلفاء "إسرائيل" الغربيين والمتعاونين معها من العرب، في صفقة شرطها الأساس إنهاء قضية فلسطين وفق رؤية الكيان الصهيوني وشروطه وإملاءاته.. وهي صفقة تقوم على أساس تشويه المقاومة، وتعمل على إبادة كل عربي ومسلم يقول لا للاحتلال الصهيوني ولهيمنة "إسرائيل" على المنطقة، وكل من لا يسلِّم بالنفوذ الأمريكي الشامل فيها، ولا يقر تبعية مطلقة تبقيها مسرحاً للغرب الاستعماري، لكي يحمي مصالحه فيها وفي سواها انطلاقاً منها، ولينفذ  سياساته واستراتيجياته الإقليمية والدولية بمشاركة من يحتمي به من حكامها ومسؤوليها وأهلها.. ولقد قال "معارضون سوريون" ذلك بملء الفم، مكتوباً وملفوظاً ومسموعاً.. فيا للعار الذي ما بعده من عار، ويا لخزي من يتحالف مع محتل أرضه وعدو شعبه وكاره دينه وهويته وثقافته ضد وطنه وشعبه وأمته..

لم يقف العرب اليوم حيال غزة وما يجري فيها موقفاً مجدياً يردع العدوان ويضع حداً للحصار، ولم يرفعوا صوتاً ولو من باب رفع العتب، عندما انتهك الصهاينة حرمة الأقصى مرات ومرات، ولا احتجوا على برنامج القتل اليومي المستمر للفلسطينيين صغاراً وكباراً، نساء وأطفالاً، ولا هم اخترقوا بصورة تامة وشاملة ونهائية حصاراً مميتاً مقيتاً مزرياً بغزة وأهلها وأمتها وبالإنسانية كلها.. مستمراً منذ سنوات.. ولا هم احتجوا بصوت مرتفع أمام الأمم المتحدة كما فعل ويفعل الأمين العام بان كي مون الذي سارع ويسارع دائماً إلى إدانة المقاومة لإطلاق صواريخ من غزة على ما سماه "إسرائيل أو سكان إسرائيل"، بينما ابتلع ويبتلع لسانه باستمرار حينما يتعلق الأمر بقتل الفلسطينيين، وقضم ما تبقى من أرضهم، وتجدد العدوان الصهيوني عليهم كلما رأى مسؤول في دولة الإرهاب العريقة في إجرامها فرصة لذلك أو ضرورة لرفع أسهمه أمام المستعمرين من أمثاله.. في تطبيق صارخ لمسلسل إبادة بطيء طالما نبهنا إلى خطورته، ولا هو قام بخطوة عملية تنهي الحصار القتَّال على غزة وأهلها الذين أنهكهم حصار لا أخلاقي ولا إنساني، ولا قال، هو أو من سبقوه في منصبه، بضرورة تنفيذ قرار من قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن القدس والفلسطينيين وصمد في موقفه وبقي عند ثوابت وقيم أخلاقية وقانونية حتى الوصول إلى التنفيذ.. ولا نتكلم عن حق العودة بموجب القرار 194 لعام 1948 ولا عن حق تقرير المصير المقدس والمكرس في القانون الدولي ونضال الأمم والشعوب، ولا عن إنهاء الاحتلال الصهيوني الذي لم يبق غيره احتلال في العالم؟! وكل ذلك الذي تم ويتم يسكت عنه الغرب المنافق، الممالئ للكيان الصهيوني والمشارك له في سياساته العنصرية الاستعمارية العدوانية؟!

إن الجهاد الإسلامي تدرك جيداً أنها لا تملك قدرة الاحتلال الصهيوني وقوته ومصادر دعمه العسكرية والسياسية والاقتصادية، وأنه المدعوم غربياً بلا حدود، ومن بعض العرب بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة، وتدرك جيداً أنها تخوض معركة الجسد والدم والروح في مقابل القوة الغاشمة الهائلة للعدو الصهيوني وحقد الأعمى وعنصرية البغيضة.. ولكنها لا تملك أن تقف مكتوفة الأيدي بينما تتم تصفية عناصرها واحداً بعد الآخر، ويتم تدمير الفلسطينيين شريحة بعد أخرى، والقضية العادلة قضيتهم مرحلة بعد مرحلة، ويستمر انتهاك القدس حتى التهويد وتدنيس المسجد الأقصى وتقسيمه على نحو ما فعل العدو الصهيوني في الخليل.. إنها لا ترمي إلى أن تحرج سواها، ولا تهدف إلى إحراج منظمات وزجها فيما لا تريد، ولا إلى كشف أنظمة.. فذاك ليس هدفها، لأن هدفها الرئيس مقاومة الاحتلال وتحرير الأرض والإنسان، وعلى رأس من تقدمه من أهداف القدس.. وحين يتعلق الأمر بالقدس فإن للجهاد الإسلامي خصوصية في الإستراتيجية والموقف والتعامل والرد، فأنا أعرف جيداً أنها قامت أساساً من أجل الدفاع عن القدس أولاً، بما للقدس من مكانة روحية ورمزية نضالية وقيمة تاريخية، وبوصف القدس مفتاح القضية وعنوانها العريض وعاصمتها الأبدية.

إن من يقف إلى جانب المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني عليه أن يقدم لها ما يستطيع بإخلاص، وعليه أن يدرك أنه إنما يقدم ما يقدم لنفسه وبلده ودينه وثقافته وهويته وأمته، لأن هذا كله هو ما يستهدفه الصهيوني العنصري المحتل وحلفاؤه الغربيون الذين يحملون العداوة ورسيس الحروب الصليبية وأطماعاً لا تنتهي بالأمة ومقومات وجودها، وهو ما يساعدهم عليه كل من مشى خلفهم أو يستطلع لهم ويفتح لهم ثغرات في جدران بيت الأمة، سواء أأدرك ذلك أم لم يدركه، وسواء أباع واشترى بالجغرافية والتاريخ والحضارة والناس أم سار في الزَّفَّة وأصبح مثله مثل " حمار العرس" كما يقول مثل الفلاحين، ينهكه التعب والظمأ وهو يخدم ولا يلقى من يسقيه أو يطعمه بعد كل الخدمة.

إن المقاومة طريق تحرير وحرية لمن يقعون تحت الاحتلال ويعانون من القهر والظلم والاستبداد والاستعباد، وهي الطريق الأوحد لمن يدافعون عن أنفسهم وأرضهم وعن الحق والأخلاقي والمقدس في حياتهم، ولا يمكن أن يتم التنكر للمقومة بوصفها خياراً مشروعاً، أو أن تضمحل أو تموت أو يُبْطَلَ وجودها وتنتفي ضرورتها، لأنها تقدم ضحايا ولا تحقق انتصارات نهائية باهرة لاسيما في بعض مراحلها، كما أن تلك المقولات السابقة تتضاءل حين تتحرك المقاومة ضد الغاشم فتخسر وتدمى لأنها لا تملك نوازن قوة معه ولا قوة ردع له.. فذاك أمر لا يتحقق لها إلا إذا فُتح طريق الفعل أمامها وغذَّته التضحيات، وأبدع المقاومون ـ المجاهدون المناضلون.. في أدائهم لتحقيق ما يؤمنون به ويتطلعون إليه من أهداف سامية.

فرحة أهالي الشهداء

جلست والدة الشهيد عبد الشافي أبو معمر وحيدةً تنظر إلى صورة نجلها ودموعها تنهمر كالنهر الجاري.. وفرضت على نفسها العزلة والبقاء أمام صورة نجلها الشهيد تتفقده وتُقبله.. ودب الاكتئاب والصمت أرجاء المنزل.. ولم تمر سويعات حتى كُسر الصمت وغمرت الفرحة قلبها وبدأت تشعر بأن دماء نجلها وأبناء فلسطين أشعلت وقود الأبطال وأن دماء الشهداء لن تذهب هدراً بعد اليوم.

فقد تابعت والدة الشهيد أبو معمر وكافة أهالي الشهداء، باهتمام بالغ وفرحة عارمة غمرت بيوتهم، عملية كسر الصمت التي أعلنتها سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

فمنذ أن أُعلنت التهدئة بين المقاومة والعدو برعاية مصرية بعد حرب الأيام الثمانية (معركة السماء الزرقاء) عام 2012، ارتقى العديد من الشهداء والجرحى وشن جيش الحرب عدة توغلات واقتحامات للحدود الشرقية لقطاع غزة وكان الصمت والصبر سلاح المقاومة الذي فاجأ العدو في ليلة لم تتوقعها أجهزت الاستخبارات والشاباك الصهيونية.

والدة الشهيد أبو معمر أكدت لـ"فلسطين اليوم الإخبارية" أنها منذ اللحظة الأولى لاستشهاد نجلها عبد الشافي قررت الجلوس وحيدة خصوصاً وأن زوجها توفي قبل فترة وجيزة، حيث قالت: "جلست في الغرفة وحيدة أنظر إلى صورة عبد الشافي وإلى صورة والده وصورة شقيقه الأسير عمر حيث تملكني الخوف والشعور بالحزن الشديد على فراقهم".

وأضافت أم عمر: "كنت أبكي كثيراً على الفراق ولكني أشعر بالفخر لاستشهاد عبد الشافي فقد طلب الشهادة مراراً حتى أكرمه الله بها".

وأوضحت أم عمر أن دموعها جفت بعد أن سمعت الصوت التي تتمناه دائماً لردع الاحتلال الإسرائيلي، حينما أطلقت سرايا القدس عملية كسر الصمت بعشرات الصواريخ والقذائف، قائلة: "شعرت بالفرحة الكبيرة لأن دماء نجلها كانت وقوداً للمقاومة أشعلها أبطال السرايا في عملية كسر الصمت التي طال انتظارها من أمهات الشهداء".

وقدمت والدة الشهيد عبد الشافي، الشكر والتقدير لأبطال سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وعلى رأسهم الأمين العام للحركة الدكتور رمضان عبد الله شلح على عملية كسر الصمت التي غمرت بيتها وبيوت الشهداء بالفرحة.

أما سعد شقيق الشهيد ساجي درويش من الضفة الغربية فقد أكد أن عملية كسر الصمت التي نفذتها سرايا القدس أثلجت صدور أهالي الشهداء وأصدقائهم وأحبائهم وأكدت على أن دماء الفلسطينيين ليست رخيصة، قائلاً: "أثناء عملية كسر الصمت غمرت الفرحة قلوبنا وكتبت أخت عزيزة على ساجي :"130صاروخ لعيونك يا ساجي".

وقال سعد لـ"فلسطين اليوم الإخبارية": "قبل عملية كسر الصمت كنا نشعر في الضفة الغربية بأن لا أحد يحمي أبناءنا ولا يهتم لدمائهم الزكية التي بذلت من أجل الدين والوطن حتى جاءت عملية سرايا القدس "كسر الصمت" لتحمي أبناءنا وتقول لنا إن دماء الفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة غالية على قلوبنا وليست بالدماء الرخيصة".

وأضاف سعد: "نحن فخورون جداً بأبطال المقاومة في غزة فهم من رفعوا رؤوسنا عالية وشفوا صدورنا، مؤكداً أن عملية كسر الصمت وضعت حداً للعدو الصهيوني وأكدت أن شعبنا لا يخاف وحده بل الصهاينة يرتجفون رُعباً من صواريخ سرايا القدس".

ووجه سعد شقيق الشهيد ساجي رسالة للشعب الفلسطيني ولأبطال المقاومة في غزة حيث قال: "بوركت أيديكم وسواعدكم التي شفت صدورنا واجعلوا الانتفاضة مستمرة".

وأخيراً كان لا بد من كسر حاجز الصمت في إطار خلق معادلة جديدة من الردع والتوازن الأمني.. وهذا ما بادرت فيه سرايا القدس وفي تكتيك وعرض عسكري استراتيجي اعترف بكفاءته العدو الصهيوني. 

اعلى الصفحة