تطورات المشهد السياسي التونسي

السنة الثالثة عشر ـ العدد 147 ـ ( جمادى الاولى 1435 هـ) آذار ـ 2014 م)

بقلم: توفيق المديني

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

عاش المشهد السياسي في تونس خلال الفترة الماضية تقلّبات و انقسامات و تجاذبات سياسية كبيرة لاسيما بعد اندلاع الأزمة السياسية عقب اغتيال الشهيد محمد البراهمي. وعاشت تونس أزمة البحث عن رئيس حكومة توافقي طيلة المرحلة الماضية، وتوجت الحوارات الصعبة بين السلطة والمعارضة التي رعتها المنظمات الأربع  الراعية للحوار الوطني إلى حدوث الانفراج النسبي في المشهد السياسي، بعد  تشكيل الحكومة التوافقية الجديدة، وغير المتحزبة برئاسة السيد مهدي جمعة، وإقرار الدستور الديمقراطي التوافقي، على الرغم من عدم انجاز القانون الانتخابي.

ويظل الحدث المهم في تطورات المشهد السياسي التونسي يتمثل في بداية انتهاج سياسة و طنية لمحاربة الإرهاب في ظل وجود حكومة وطنية صارمة في الذهاب بعيدا في تفعيل قانون مكافحة الإرهاب، و العمل على سيادة القانون، و احترام السلطة القضائية و الحيلولة دون خضوعها للحسابات السياسية، و العمل على  حماية القضاة المتعهدين بالقضايا الإرهابية و عائلاتهم، و مداهمة أوكار جميع الإرهابيين وجمع أسلحتهم من قبل الفرق المختصة بمكافحة الجريمة الإرهابية .

الحكومة الجديدة أمام انتظارات التونسيين

بعد أن أدّى أعضاء الحكومة الجديدة بزعامة السيد مهدي جمعة اليمين الدستورية أمام الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، الذي يعتبر أحد أعمدة ما يُسمى بـ"الترويكا" أو الائتلاف الحاكم بقيادة "حركة النهضة"، خاطب الرئيس التونسي  أعضاء الحكومة قائلاً إنهم "سيجدون عواصف تنتظرهم" و"كمّاً هائلاً من المشاكل (الاقتصادية والاجتماعية) المتراكمة منذ 50 عاماً" ومطالب مختلفة يريد أصحابها من الدولة أن تحققها لهم "الآن. وكان المجلس الوطني التأسيسي، الذي صادق على الدستور الجديد يوم الأحد الماضي، قد منح ثقته للحكومة الجديدة،  حيث صوّت 149 نائباً، من أصل 193 شاركوا في عملية الاقتراع، بـ"نعم"، فيما صوّت 20 ضدها، وامتنع 24 عن التصويت

وما أن استلم رئيس الحكومة  مهامه رسمياً، حتى عبّر مهدي جمعة عن استعداده لمواجهة التحديات التي تمر بها البلاد، لاسيما الأمنية والاجتماعية، مؤكداً أن أول إجراءات ستتخذها حكومته ستكون إعداد قانون موازنة تكميلي ومراجعة منظومة الدعم (دعم المواد الأساسية والمحروقات)، إضافة إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لمصلحة الطبقات الفقيرة.

ويكمن التحدّي الأول الذي يواجه حكومة مهدي جمعة هو الإرهاب التكفيري، الذي يمارسه تنظيم " أنصار الشريعة" ضد المجتمع التونسي.فهذا التنظيم الذي كان متحالفاً مع صقور حركة  النهضة الإسلامية، عمل على توظيف الدين لتوسيع قاعدته الاجتماعية التنظيمية، لاسيما في المناطق الشعبية الفقيرة المحاذية للمدن الكبرى، و أصدر العديد من و"الفتاوى" التكفيرية ضد رموز من المعارضة اليسارية و العلمانية و الليبرالية، مستفيداً من مدارس تعليم ما عرف بـ "الزمقتال" (فنّ حربي "إسلامي" ابتدعه أحد أتباع حزب "النهضة"، ومن الأموال الضخمة التي تسربت إلى تونس من مصادر مختلفة لنشر مذاهب ومعتقدات غريبة عن الإسلام التونسي المعتدل والمتسامح الذي يتبنى المذهب المالكي، السائد منذ أربعة عشر قرناً في البلاد. وكان أبرز ضحايا هذا الإرهاب التكفيري، الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، اللذين اغتيلا بسبب "فتاوى" تكفيرية ومن جانب أحد خريجي مدارس "الزمقتال"، حسب التقرير الرسمي لوزارة الداخلية، إضافة إلى أفراد الجيش و الشرطة والحرس الوطني، حيث صنفهم تنظيم "أنصار الشريعة"، بالطاغوت، وسقط أكثر من عشرين منهم شهداء في عمليات إرهابية. إضافة  إلى الهجوم الذي شنه هذا التنظيم الإرهابي على السفارة الأمريكية بتونس يوم 14 سبتمبر 2012، ومقتل السفير الأمريكي في بنغازي إذ تعتبر المصادر الأمريكية أن العمليتين كانتا مترابطتين ومن تخطيط تنظيم واحد. كما أن حكومة السيد مهدي جمعة مطالبة بتطبيق ما اتفق عليه في جلسات الحوار الوطني الذي رعته المنظمات الأربع، لاسيما حلّ  الميليشيات  المعروفة باسم "رابطات حماية الثورة"، المرتبطة بحركة " النهضة"،  باعتبارها جماعات تمارس العنف السياسي ضد المجتمع، وتشكل خطراً حقيقياً على الديمقراطية.. وما لم تنتهج الحكومة الجديدة سياسة واضحة و صريحة ومتماسكة  بالرفض المطلق للعنف، وبحل الميليشيات، ومحاربة الجماعات الإرهابية  فإنها لن تحظى بثقة الشعب و المعارضة الديمقراطية، ولا بالمشروعية السياسية المطلوبة التي تقوم على فلسفة التوافق.

و بما أن الحكومة الجديدة، هي حكومية توافقية و غير متحزبة، حيث أن معظم وزرائها من التكنوقراط، فإن الواجب  الوطني و الديمقراطي يقتضي منها أن  تعمل على كشف الحقيقة حول الاغتيالات السياسية،والاعتداءات على قوات الجيش والأمن،ومقاومة الإرهاب وحل ما يسمى رابطات حماية الثورة،و تحييد المساجد عن التوظيف السياسي و الحزبي، و تحييد الإدارة،  إضافة إلى  بناء أجهزة أمنية جمهورية، لا حزبية خاضعة لمصالح حركة النهضة ومخططاتها الأمنية المتناقضة مع المجتمع الذي يرفض الاغتيالات السياسية وكلّ ما له علاقة بالعنف من قريب أو بعيد... هذا المجتمع المسالم الذي رفض دائماً الاحتكام الى السلاح والمرتبط بثقافة الحياة، لا يصدّق أن وراء اغتيال شخصية مثل السيد شكري بلعيد، وهو رئيس حزب يساري، فلول النظام السابق.

أما الانتظار الثاني و المهم الذي ينتظره الشعب التونسي من حكومة السيد مهدي جمعة، فيتمثل في إلغاء مئات التعيينات والتسميات الإدارية التي قامت بها حركة النهضة، خلال الفترة الأخيرة، عشرة آلاف من التعيين حسب قانون العفو التشريعي العام، و2237 في المصالح العمومية،،إذ لجأت النهضة إلى الأساليب نفسها التي كانت تمارس في العهد السابق، ولاسيما على صعيد التعيينات الوظيفية في مؤسسات الدولة، من أجل السيطرة على وزارة الداخلية، والإدارة التونسية. فالمتصفح في الرّائد الرّسمي للبلاد التونسيّة يلحظ الكمّ الهائل من قرارات التسميات الإداريّة، والمتأمّل فيها يكتشف خضوعها إلى منطق المحسوبيّة والمحاباة والمحاصصة الحزبيّة، وإلى العلاقات العائليّة والجهويّة، مّا يجعل من جهاز الدّولة أشبه بالغنيمة التّي يتنافس المنتصرون على اقتسامها.وقد أثرت هذه التعيينات القائمة على المحاباة والولاءات السياسية على المردودية و النجاعة للإدارة التونسية.

في تقرير صدر مؤخرا بتونس،  كشف السيد سامي الرمادي رئيس جمعية الشفافية المالية ما واجهته الادارة التونسية بعد الثورة من اخلالات،وقال ان التعيينات في الوظيفة العمومية قد أصبحت بالولاءات وهو ما يعني غياب مبدأ الشفافية وحرمان المعطلين من تكافؤ الفرص وعدم اتساع معايير الكفاءة وهو ما يعني حصول أكبر مظلمة.وأشار إلى وجود حوالي 7 آلاف تعيين في الوظيفة العمومية مبنية على ولاءات سياسية وآخرها ما يروج حول تعيين حوالي 533 قاضيا دون مناظرة. فقد تجاوزت التعيينات والانتدابات المباشرة في العفو التشريعي العام الـ10 آلاف تعيين، حيث يوجد 20في المئة  منهم من أصحاب الشركات والأعمال الأخرى.. وهو ما يثير التساؤل حول أسباب عدم تقديم تعويضات لهم وإعطاء آخرين هذه الوظائف.و نالت حركة النهضة، الطرف المهيمن على الترويكا الحاكمة سابقا ‘لى نصيب الأسد،

(حوالي 90في المئة).

وكان السيد سامي الرمادي رئيس جمعية الشفافية المالية طالب قبل حصول هذه التعيينات بتكوين لجنة تتكون من أعضاء من الحكومة وقضاة وممثلين من المجتمع المدني قصد الاتفاق على التعيينات.وقال  بأن هذا الاقتراح وصل حكومة السبسي قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011،  ثم لما تولت حكومة الترويكا في عهد حكم الإسلاميين، قامت بإلغاء هذا التمشي وقامت بالتعيينات الخاصة بها،وتصرفت لوحدها ودون أية شفافية. فهناك قرابة 11 ألف ملف للعفوالتشريعي  العام تم تعيينهم دون مراعاة مبدأ الحياد والشفافية.

من الناحية التاريخية، كانت  الوظيفة العمومية تضم 581 ألف موظف نهاية 2010 وهي اليوم تضم حوالي 700 ألف موظف مع نقص في الإنتاج والمردودية قدّره الاتحاد العام للمرفق العام وحياد الادارة بـ50 في المئة.وكانت  نسبة الموظفين في تونس حوالي 5.2في المئة  من الشعب التونسي، وإذا ما احتسبنا وجود 11 مليون تونسي اليوم، فإن نسبة الموظفين ستكون اليوم 6.3في المئة،  في حين أن هذه النسبة 3.5في المئة  في المانيا و2.7في المئة  في السويد.

أما في المجال الاقتصادي، ينتظر الشعب التونسي من الحكومة الجديدة، أن تتخذإجراءات عاجلة لوضع حدٍّ لتدهور المقدرة الشرائية للمواطنين ومراجعة ميزانية 2014 في اتجاه حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الملحة،و وضع برنامج وطني اقتصادي واجتماعي للنهوض بالمشروعات التنموية في الولايات المهمشة والفقيرة، وحل مشكلة البطالة.

و كانت الأحزاب التي كانت معارضة لحكومة الترويكا  قد هدّدت بمواصلة لعب الدور نفسه تجاه حكومة مهدي جمعة، لكنها وضعت شروطاً لذلك وهي حياد هذه الحكومة عن استقلاليتها، أو عدم تحقيق الأهداف المتضمنة في بنود خارطة الطريق ( مراجعة التعيينات - حلّ رابطات حماية الثورة - تحييد الادارة والمساجد..) أو إذا ما لاحظت هذه الأحزاب المعارضة  فيها امتداداً ما لحكومة الترويكا (على غرار الإبقاء على وزراء من الحكومة السابقة أو من خلال تعيين أسماء محسوبة أو مقربة من أحزاب الترويكا الثلاثة أو من غيرهم من الأحزاب الأخرى)،أومن خلال عدم توفير مناخ من الشفافية والنزاهة للانتخابات القادمة عبر تغليب مصلحة حزب على آخر.

2-المصادقة على دستور الجمهورية الثانية في تونس

صادق المجلس الوطني التأسيسي التونسي الذي انتخب في 23 أكتوبر 2011،في جلسة تاريخية التأمت مساء الأحد 26 كانون الثاني 2014، على الدستور الجديد للجمهورية الثانية في تونس بأغلبية ساحقة، إذ  صوّت 200 نائب من أصل 216 شاركوا في عملية الاقتراع بـ«نعم» على الدستور المتكون من «توطئة» و149 فصلا، في حين امتنع أربعة نواب عن التصويت، وصوت 12 بـ«لا».وفي 7 شباط 2014ـ تم الاحتفال رسمياً بإقرار الدستور التونسي، بحضور العديد من الضيوف من بلدان العالم   . وسيعوض الدستور الجديد دستور سنة 1959 الذي تم تعليق العمل به بعد الإطاحة في 14 كانون الثاني 2011 بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

في الدستور الجديد، لم يتم التنصيص صراحة على  أن «الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع »،بل  تم الاكتفاء بالفصل الأوّل من الدستور التونسيّ الذي وُضع عام 1959،وهو ما ورد في صياغة مشروع الدستور الجديد، حيث جاء في« الفصل الأول:تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها»، كما جاء في الفصل الثاني :« تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون». و  توصل رؤساء الكتل النيابية في المجلس التأسيسي التونسي يوم الخميس 23 كانون الثاني 2014، إلى صيغة توافقية للفصل السادس من الدستور تنص على أن «الدولة راعية للدين كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، تلتزم الدولة بحماية المقدسات ومنع النيل منها ومنع الدعوات التكفيرية والتصدي لها».

ويعتبر أيضاً تضمين حقوق المرأة ومكتسباتها في نص الدستور الجديدة نقطة ايجابية. فقد أقرّ الدستور الجديد في الفصل 20 المساواة بين التونسيات والتونسيين في الحقوق والواجبات، إذ جاء في هذا الفصل «المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم».وتعتبر تونس البلد العربي الوحيد منذ العام  1956 الرائد في منح أفضل  الحقوق للمرأة، باستثناء ما يتعلق بالميراث نظراً إلى أن الإسلام هو دين الدولة.

ورغم بروز الانقسامات السياسية بين نواب حركة النهضة، ونواب المعارضة، فإن المجلس الوطني التأسيسي في تونس صادق على مشروع الدستور الجديد، وتحديداً التصويت على مواد الباب الرابع الخاص بالسلطة التنفيذية، وبحسب مواد هذا الباب فإنّ السلطة التنفيذية ستكون موزعة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. وستكون الحكومة مسؤولة أمام البرلمان ويمكن أن تكون موضع مذكرة حجب ثقة.وفي تفاصيل جلسات التصويت التي جرت، فقد تمّ إسقاط الفصل 73 من الدستور الذي يحدد شروط الترشح لرئاسة الجمهورية بعد نقاشات حامية. وتنص هذه المادة على أنّ الترشح لرئاسة الجمهورية في تونس هو حق لكل ناخبة أو ناخب من أب وأم تونسيين، وأن يكون مسلماً. وتنص أيضاً على ضرورة أن لا يحمل المرشح لهذا المنصب في تاريخ تقديم ترشحه جنسية أخرى وان لا يقل عمره عن 40 سنة على الأقل وأن يحصل على تواقيع عدد من النواب أو رؤساء الجماعات المحلية أو ناخبين مسجلين بناء على القانون الانتخابي. ووفق الصياغة النهائية للفصل 73 بعد المصادقة عليه، أصبح بالإمكان الترشح لرئاسة الجمهورية دون الخضوع لشرط سن قصوى..ويرى عديد الملاحظين أن قبول كتلة النهضة (الاغلبية) بالمصادقة على هذا الفصل جاء في إطار صفقة غير معلنة بين حزبي «النهضة »الإسلامي و«نداء تونس»الليبرالي  لاقتسام السلطة بعد الانتخابات القادمة من أجل السماح للباجي قائد السبسي زعيم حزب نداء تونس  بالترشح للرئاسية مع مراهنة النهضة على الفوز في التشريعية التي تخول لها المسك بزمام الحكومة (وفق الفصل 88 من الدستور الذي يمكن الحزب الحاصل على الاغلبية في مجلس نواب الشعب من رئاسة الحكومة).

غير ان هذه الفرضيات تبقى في كل الحالات من قبيل الاتهامات الموجهة للنهضة ولنداء تونس باعتبار انه لا يوجد إلى الآن أي دليل لاثباتها عدا ما يدور من حديث حول تحسن ملحوظ في العلاقة بين زعيمي النهضة ونداء تونس خاصة خلال فترة الحوار الوطني واللقاءات الشهيرة التي حصلت بينهما (لقاء باريس – زيارتاهما المتزامنتان للرئيس الجزائري بوتفليقة.(

وتتكون السلطة التنفيذية في تونس وفق مشروع الدستورالجديد من رأسين: رئيس الجمهورية وحكومة يرأسها رئيس الحكومة حسب منطوق الفصل 70 من المشروع. وعلى الرغم من أن الفصل الموالي (71) نص على أن « رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها ويسهر على احترام الدستور» فإن توزيع الصلاحيات بينهما جاء متداخلا ومختلا لفائدة رئيس الحكومة.ولم يبق رئيس الجمهورية مجردا من الصلاحيات كما هو الحال اليوم بالقانون المؤقت المنظم للسلطات، لكن كل الصلاحيات المخولة له تخللتها عبارات من نوع بعد استشارة رئيس الحكومة أو بالتوافق مع رئيس الحكومة أو باقتراح من رئيس الحكومة.

فرئيس الجمهورية يختص برسم السياسات في ميدان الدفاع والخارجية والأمن القومي ولكن بعد استشارة رئيس الحكومة (الفصل 76) وهو رئيس مجلس الأمن القومي، لكن يدعى إليه رئيس الحكومة ورئيس المجلس التشريعي وهو القائد الأعلى للجيوش وله أن يرسل القوات إلى الخارج لكن بموافقة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وهو الذي يعين في الوظائف السامية في ميادين الدفاع والخارجية والأمن القومي لكن بعد استشارة رئيس الحكومة وهو الذي يعين محافظ البنك المركزي لكن باقتراح من رئيس الحكومة وله أيضا أن يتخذ التدابير الاستثنائية (الفصل79 )لكن بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وهو الذي يسمي القضاة السامين باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء وبعد أخذ رأي رئيس الحكومة أيضا. ولرئيس الجمهورية حق اتخاذ المراسيم عند حل مجلس نواب الشعب لكن بالتوافق مع رئيس الحكومة المنحلة. ولرئيس الجمهورية رأي في اختيار وزيري الدفاع والخارجية عند تشكيل الحكومة وعند إعفائهما من قبل رئيس الحكومة ولمجلس الوزراء حق اتخاذ القرارات في مجال اختصاص رئيس الجمهورية ويعلمه رئيس الحكومة بتلك القرارات.

وإلى هذه المهام يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات لم يضرب عليها حجر الاستشارة كالمصادقة على المعاهدات والإذن بنشرها وختم القوانين والإذن بنشرها وإسناد الأوسمة ومنح العفو الخاص وتعيين مفتي الجمهورية والتعيين في الوظائف العليا التابعة لرئاسة الجمهورية، وتعيين القضاة بناء على رأي مطابق من المجلس الأعلى للسلطة القضائية وهو الذي يكلف مرشح الأغلبية بتشكيل الحكومة ويعين أعضاءها بعد مصادقة مجلس نواب الشعب عليها وهو الذي تؤدى اليمين الدستورية أمامه.وإلى هذه المهام الرسمية، يتمتع رئيس الجمهورية بحقوق أصلية من مثل حق مخاطبة مجلس نواب الشعب وحق المبادرة التشريعية وحق اقتراح تعديل الدستور وحق رد القوانين لقراءة ثانية وحق عرض أصناف من القوانين على الاستفتاء الشعبي (القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان والأحوال الشخصية والمعاهدات) وخاصة ترؤس مجالس الوزراء وجوبا عند النظر في قضايا الدفاع والخارجية والأمن القومي وله أيضا حضور ما عداها من مجالس الوزراء ويرأسها عند حضوره.

وفي المقابل يتمتع رئيس الحكومة بصلاحيات واسعة، لا دخل فيها لرأس السلطة التنفيذية فهو الذي يرسم السياسات العامة للدولة ويسهر على تنفيذها وله السلطة الترتيبية العامة وله التعيينات والإعفاءات في الوظائف المدنية السامية وله أن يحدث ويعدل أو يحذف الوزارات والمنشآت العمومية وهو رئيس مجلس الوزراء يعدّ جدول أعماله ويختص بدعوته إلى الاجتماع وله إقالة أعضاء الحكومة وهو الذي يخلف رئيس الجمهورية عند الشغور الوقتي الذي لا يمكن أن تتجاوز مدته الستين يوما، وإلا اعتبر رئيس الجمهورية بعدها مستقيلا.

تونس تُصَحِّحُ ربيع «الثورات العربية»،وتُؤَكِّدُ على الاستثناء التونسي في تَفَرُّدِه ِعلى الموافقة على دستور ديمقراطي و ليبرالي وتوافقي في آن ٍمعاً، وهي بهذه الخطوة وضعت نفسها على مشارف عتبة إنهاء المرحلة الانتقالية بعد انتظار دام لنحو عامين ونصف.إنهااللبنة الأولى في بناء مؤسسات الدولة المدنية الديمقرطية التعددية، التي عجزت الأديولوجيات الشُمُولِيَة عن بنائها في العالم العربي.

3-تونس و الحرب على الإرهاب

منذ أكثر من سنتين و المجتمع المدني التونسي يتصدى بحزم لظاهرة الإرهاب التكفيري السياسي، التي انتشرت بعد نجاح الثورة التونسية، وسقوط النظام الديكتاتوري السابق، ووصول حركة النهضة الإسلامية إلى السلطة عقب انتخابات 23 أكتوبر 2011، حيث تحالفت هذه الحركة مع الجماعات الإرهابية التكفيرية بهدف تصفية رموز المعارضة، والاستفراد بالحكم .

غير أن عملية اغتيال المعارض اليساري  الشهيد   شكري بلعيد الذي تحيي تونس ذكراه الأولى الخميس 6شباط 2014، شكلت اغتيالاً للثورة التونسية، ولطموحات و آمال الشعب التونسي في تحقيق أهداف ثورته الديمقراطية، وجريمة دولة بامتياز ،وهي سابقة خطيرة في تونس، إذ لأول مرة تشهد البلاد التونسية حالة من هذا الاغتيال السياسي لشخصية وطنية معارضة تنتمي إلى اليسار التونسي .كما شكلت عملية الاغتيال تلك،  بداية سنة من الاضطرابات السياسية والامنية في هذا البلد الخارج للتو من أزمة سياسية  حادة  مع اقرار دستوره الجديد في26كانون الثاني  2014.

وبعد سنة تقريباً من هذه الجريمة السياسية النكراء، عادت تونس لتشهد مواجهات دامية بين قوات الحرس الوطني، وفرقة مكافحة و من جهة و عناصر إرهابية مسلحة متخندقة في  في منطقة رواد في محافظة أريانة شمالي تونس العاصمة، من جهة أخرى،  قبل يومين كذلك من الذكرى السنوية الأولى لاغتيال السياسي المعارض البارز شكري بلعيد، وأسفرت هذه المواجهات التي دامت 20 ساعة  عن مقتل سبعة «عناصر إرهابية»، من بينهم كمال القضقاضي، وهو المتهم الأول في اغتيال بلعيد ومن بعده النائب المعارض محمد البراهمي في 25يتموز2013،ومقتل العريف عاطف الجبري (29 عاماً)، وهو من عناصر الوحدة المختصّة في مواجهة الإرهاب التابعة للحرس الوطني التونسي.

وفي مؤتمر صحافي عقده وزير الداخلية التونسية السيد لطفي بن جدو مساء الثلاثاء 5شباط 2014، أعلن هذا الأخير،أن المتهم بقتل المعارض التونسي شكري بلعيد قتل خلال عملية لمكافحة الإرهاب، وذلك بعد نحو عام على جريمة الاغتيال.  وأكد وزير الداخلية  أن «القضقاضي هو من اغتال الشهيد شكري بلعيد»، موضحا أنه تم التاكد من هويته «في شكل علمي» علما انه تم التعرف الى هوية خمسة من سبعة مشتبه بهم قتلوا وقال السيد لطفي بن جدو، خلال كلمته، إنّ «محاربة الإرهاب خيار وطني يجب على جميع التونسيين الانخراط فيه»، معتبراً أنّ «خبر مقتل كمال القضقاضي هو بمثابة أفضل ما يمكن تقديمه إلى التونسيين لمناسبة مرور عام على اغتيال الشهيد شكري بلعيد.وقال أيضا "اردنا ان نتجنب مقتل (المسلحين) وطلبنا منهم الاستسلام. لكن كلا منهم كان يحمل أسلحة شاشة وقنابل يدوية وأحزمة ناسفة».

في حصيلة سنوية، أدّت العمليات لإرهابية المختلفة التي نفذتها العناصر المرتبطة بتنظيم «أنصار الشريعة» خلال عام 2013 بحسب  الأرقام الرسمية التونسية  إلى اغتيال الشهيدين المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، إضافة إلى استشهاد 24 عنصراً أمنياً وعسكرياً،وكذلك إصابة عدد آخر هام من أعوان الأمن والعسكريين بسبب انفجارات الألغام وهي إصابات طالت أرجل الأمنيين وطالت المدرعات العسكرية. في المقابل تم إلقاء القبض بحسب المصادر عينها على حوالي 885 إرهابيّا وتصفية 20 عنصراً منهم. وفي سياق منفصل، تطرق الوزير التونسي إلى الحصيلة الأمنية لوزارة الداخلية خلال العام الماضي، موضحا أنه تم إحباط محاولة سفر أكثر من ثمانية آلاف شخص نحو سوريا، كما تم القبض على 190 شخصا من قبل وحدات الأمن الداخلي و293 من قبل الحرس الوطني من الضالعين في شبكات الإرسال إلى سوريا.وفي دراسة بعنوان : «المقاتلون الأجانب في سوريا وجنسياتهم»، أوردت الدراسة أن تونس احتلت المرتبة السادسة، بـ4 آلاف مقاتل تمت تصفية 2645 منهم وسجل 1315 كمفقودين. والملاحظ في هذه الاحصائية أن تونس تصدرت أعداد القتلى النساء،18 امرأة تونسية لقيت مصرعها في سوريا.و الحال هذه، تتفوق تونس في هذا الترتيب على دول عديدة معروفة بتصديرها للإرهاب وللإرهابيين مثل اليمن وباكستان وأفغانستان والصومال .

وجاءت الثورة التونسية ذات الطابع السلمي التي أسقطت نظاماً أمنياً ديكتاتورياً  لتؤكد هذه المقولة، وهي رفض المجتمع التونسي للعنف بكل أشكاله وصوره.غير أنه منذ أن استلمت حركة النهضة الإسلامية السلطة في تونس عقب الانتخابات التي جرت في 23 أكتوبر 2011، بدأت مظاهر العنف السياسي تنتشر في تونس، لا سيما من جانب السلفيين الجهاديين .إضافة إلى العنف الذي تمارسه الجماعات السلفية الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، هناك العنف السياسي الذي تمارسه مليشيات حركة النهضة الإسلامية، الملقبة ب «رابطات حماية الثورة»، و التي تدعي أنها تدافع عن أهداف الثورة، لكن ممارساتها القائمة على محاولات الاستفزاز المتكررة، و التحريض على الكراهية، و اللجوء إلى استخدام العنف السياسي المُمَنْهَج والمُنَّظَم وفق مخطط سياسي مدعوم من حركة النهضة،تستهدف إرهاب وتخويف أحزاب المعارضة، و النقابات التونسية الوازنة في البلاد، وقوى المجتمع المدني الحية،و الدفع بالمسار الانتقالي إلى مربع العنف السياسي،  في ظل الحصانة من المحاسبة والمساءلة  القانونية .

من وجهة نظر المعارضة، شكل اغتيال بلعيد منعطفا في تونس، لأن هذه الجريمة هي أيضاً بالنسبة للمعارضة دليل على  تحالف حركة النهضة مع التيارات الجهادية التكفيرية، التي صعدت تحركاتها منذ ثورة 2011.ورغم محاولة رئيس الوزراء في حينها، الإسلامي حمادي الجبالي، تشكيل حكومة تكنوقراط قبل ان يستقيل امام معارضة حزبه،  وتولى وزير الداخلية علي العريض منصب رئيس الوزراء ما أثار استياء الشعب و المعارضة، فإن تغول الإرهاب في تونس، كشف للتونسيين أن الثورة التونسية التي فجرت ربيع الثورات العربية، تم إجهاضها من قبل حركة «النهضة»، التي ظهرت على حقيقتها، من أنها لا تمتلك لا مشروعا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو حضاريا لديها باستثناء الاستحواذ على السلطة، بل إنها استغلت وجودها في السلطة منذ أكثر من سنتين لزرع التابعين لها في أجهزة الدولة، و لاسيما في وزارة الداخلية، و استخدام تنظيم «أنصار الشريعة» من أجل تصفية رموز المعارضة .

لم تنتهج حركة النهضة السياسة الحكيمة التي كان يتوجب عليها  أن تنتهجها في الداخل التونسي، ألا وهي  العمل على بناء الدولة الديمقراطية التعددية، وإقرار دستور ديمقراطي توافقي للجمهورية الثانية في تونس يؤكد على مدنية الدولة، و العمل على الانخراط في استراتيجية وطنية و إقليمية لمحاربة الإرهاب، باعتباره المخرج الوطني والديمقراطي للأزمة السياسية و الاجتماعية التي تعاني منها البلاد، بل وظفت وصولها للحكم من أجل السيطرة على مفاصل الدولة، وكسب الشرعية الدولية من خلال التودد للولايات المتحدة الأمريكية ( زيارة الشيخ راشد الغنوشي لواشنطن في ديسمبر 2011، و التقائه مع زعماء صهاينة من منظمة الإيباك)، حتى أن النهضة تحولت إلى  أداة للأمريكان سواء بإدراك منها أم لا، لهذا الدور الذي تقوم به حتى لو كلفها ذلك تقديم تنازلات تنال من أمن تونس التي يحكمونها.

لكن بعد سنة تنحى العريض لصالح حكومة غير سياسية يقودها وزير الصناعة السابق مهدي جمعة نتيجة لاغتيال النائب في المعارضة محمد براهمي في 25 تموز 2013.

وبين تموز2013، وكانون الثاني  2014، دخلت تونس في أزمة سياسية كبيرة و حادة،  شلت الحياة السياسية والدستورية في البلاد جراء اختبار القوة بين النهضة ومعارضيها ما دفع الجهات المانحة الدولية إلى تجميد منح قروض لتونس، وأثار استياء اجتماعيا متناميا في حين تواصلت أعمال الإرهابيين.

كان لصمود المجتمع المدني التونسي المدافع بقوة عن إنجازات دولة الاستقلال ، والمقاوم   لسياسة الاغتيالات والظلم والجهل والظلام والظلامية، وتوحد  أحزاب المعارضة على التصدي لمشروع الهيمنة و الاستئثار بالسلطة من جانب الإخوان المسلمين،  و الضغوطات الأمريكية التي مارستها الإدارة الأمريكية ضد النهضة بسبب الهجوم على سفارتها في تونس، ومقتل السفير الأمريكي في بنغازي، و ارتدادت الزلزال المصري على الحدث التونسي،  كل هذه العوامل مجتمعة هي التي دفعت حركة النهضة إلى قطع كلّ خطوط التواصل مع التكفيريّين والنأي بنفسها عنهم، كي لا يكون مصيرها مثل مصير «الإخوان» في مصر،والقبول بالتسوية السياسية مع المعارضة،لجهة تشكيل حكومة تكنوقراط غير متحزبة بزعامة السيد مهدي جمعة، و إقرار دستور ديمقراطي توافقي يقر بمدنية الدولة،والمساواة بين المواطنين جميعا،ويكرّس المكاسب الكبيرة التي حققتها المرأة على كلّ صعيد ودورها الطليعي في المجتمع .فاستخلصت النهضة الدروس من هذه الاحداث وتخلت عن ميولها للهيمنة لتنجح في النهاية في الخروج من الازمة.

لقد دفع الشهيد شكري بلعيد ثمن حياته في سبيل الدفاع عن الشغالين و العاطلين عن العمل، و المناطق التونسية المحرومة من التنمية منذ ما يزيد عن نصف قرن.و لأن الشهيد شكري بلعيد كان  الأكثر شراسة في معارضة "النهضة"، وكان يقلقها جديّاً لأنه محامٍ تولّى الدفاع عن الإسلاميين في العهد السابق ويعرف كثيراً عنهم، ولأنه كان يتمتع بمواهب خطابية تجعله قادراً على اختراق الطبقات الشعبية.وبصرف النظر عن المنفذين لعملية الاغتيال، وهم (من السلفيين التكفيريين)  مجرّد أدوات للجريمة السياسية، لكن حركة النهضة هي التي تتحمل المسؤولية السياسية و الأخلاقية في عملية الاغتيال، لأن بعض التنظيمات «الأمنية»الموجودة في وزارة الداخلية في عهد رئيس الحكومة الحالي السيد علي العريض، الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية إلى فترة قريبة، والقريبة من «النهضة» هي التي خططت لعملية الاغتيال ووجّهتها، بعلم أو بغير علم من القيادة التارخية لحركة النهضة، وفي مقدمتها الشيخ راشد الغنوشي،  للتخلص من المعارض الشرسالشهيد شكري بلعيد.

ولم يسعَ الغنوشي قطّ إلى التنديد علناً بالسلفيين التكفيريين  في عملية الاغتيال .لقد قال إنّهم كانوا روح الثورة، وأنّهم ذكّروه بشبابه، وأنّهم يشكّلون جزءاً من أسرته الإسلامية، وأنّهم حملان ضالّة. ومعهم يتمتّع الغنوشي بخزّانٍ انتخابيّ ضخم، وخصوصاً بقوة تدخّل مناضلة تسمح له بأن يهاجم مباشرة المعسكر الديموقراطي بفضل ميليشيات منظّمة«رابطات حماية الثورة» إلى أقصى حدّ، من دون أن تنكشف مباشرة. وهو يستخدمهم لكي يقوموا بالأعمال الوسخة مكانه. الآن سقطت الأقنعة،على حد قول المثقف التونسي رياض بن فضل منشِّط مجموعة معارضة من وسط اليسار، القطب الديموقراطي الحداثي.

إن السلفيين الجهاديين في تونس الذين يمارسون العنف في تونس وفي مناطق أخرى من العالم العربي والإسلامي، لا يؤمنون بالإسلام المعتدل السائد في تونس منذ أربعة عشر قرناً، ويحظون بحماية من جانب حركة النهضة التي يتهمها المعارضون بأنها ترعى الإرهابيين وتحميهم أمام القانون، و تشجعهم على الاستيلاء على المساجد التونسية، ليبقوا ورقة انتخابية بيدها.

تتطلب محاربة الإرهاب من الحكومة الجديدة،الكشف عن الجهة السياسية و الأمنية التي خططت و أعطت الأوامر بتصفية عدد من رموز المعارضة، وإنشاء جهاز مخابرات وطني محترف  ودمج أجهزة المخابرات ووحدات مكافحة الإرهاب فيه، بحيث تعمل تحت سقف قيم الجمهورية الديمقراطية وتتجنب تسييس إدارة هذه القوات،والقضاء على الأجهزة الأمنية الموازية المرتبطة بحركة النهضة، و الإسهام  في منع تجدد العنف الجهادي من خلال الإجراءات الأمنية وتحسين العلاقات مع سكان المناطق الحدودية،وتكثيف عمليات التفتيش على الحدود الجنوبية الشرقية، خصوصاً عند معبري رأس جدير وذهيبة ـ وازن و،زيادة عدد الدوريات المختلطة (الجمارك، والشرطة، والحرس الوطني، والمخابرات، والجيش) بقيادة القوات المسلحة التونسية وتكثيف التكوين والتدريب المشترك بين الجيش والحرس الوطني.

وفي هذا السياق تكمن أولويات الحكومة الجديدة في ضرورة تأمين تونس من تدفق السلاح من الجارة الشقيقة ليبيا من خلال مراقبة قوية وإيجاد آليات ردع قوية للمهربين وكل من تسول له نفسه محاولة الاتجار بالسلاح باتجاه تونس أو إدخاله لغايات سياسية أو لغايات أخرى.

وتقتضي هذه المهمة تقتضي مساعدة ليبيا، في إطار سياسة دولية ناجعة، تهدف إلى التحكم في قضيتي «المليشيات المتمردة والسلاح المهاجر باتجاه المغرب العربي وغرب إفريقيا».

وبالنسبة للأولوية الثانية للحكومة الجديدة، فتتمثل في العمل على إيجاد استراتيجية وطنية في مجال السيطرة على الظاهرة السلفية وخاصة على السلفيات المتشددة التي تميل إلى التكفير وإلى استعمال السلاح وهذا يحتاج إلى استراتيجية متكاملة لأ ن هذه الظاهرة إن لم تحارب بقوة من الناحية الأمنية والمدنية فان كل ذلك يمكن ان يعطينا «لا سمح الله» حالة تشبه العراق او سوريا أو مصر أوافغانستان. 

اعلى الصفحة