قراءة في الوصية الإلهية السياسية للإمام الخميني (قده)

السنة الثالثة عشر ـ العدد 147 ـ ( جمادى الاولى 1435 هـ) آذار ـ 2014 م)

بقلم: الشيخ محمد قبيسي

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ختم النبي (ص) تجربته - قبيل وفاته - بحديث "الثقلين" من أجل حفظ تجربته وأمته من الضياع في بوادي التفرق والوهن. كذلك فعل الإمام الخميني في وصيته حيث ابتدأها بحديث الثقلين تأسيا به (ص). ومثلما مثلت حياة النبي (ص) تجربته في هداية ونهضة امة كانت ترسف في الضلال المبين، فقد لخصت حياة الإمام الخميني ثورة إسلامية جذرية في وجه شاه إيران العميل لأمريكا، باعثاً في الأمة الثقة والاعتزاز بهويتها وربها وقدراتها.

1-في المنهج

وحيث أكد الإمام في الوصية على اعتبار المحافظة على الدولة الإسلامية في إيران من أوجب الواجبات على المسلمين، فقد ركز على نقاط أساسية ثلاث لتحقيق هذا الهدف الواجب وهي:

أ: حماية العقائد الأساسية لبنية النظام

ب: الحفاظ على استقامة مؤسسات الدولة

ج: مواجهة التحديات والمخاطر الخارجية

من مقدمة الوصية

حديث الثقلين

 حاول الإمام في مقدمة الوصية أن يستظهر جانبا من مدلول (حديث الثقلين)  بقوله: "لعل قوله (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) إشارة إلى أن كل ما يجري – وبعد حياة رسول الله (ص) المباركة – على أحد هذين الثقلين يجري على الآخر، وإلى أن هجران أحدهما يعد هجراناً للآخر.."

 وأردف قائلاً: "ولا يفوتني هنا التذكير بأن حديث الثقلين متواتر بين جميع المسلمين، فقد نقلته كتب أهل السنة، بدءاً من الصحاح الستة وحتى الكتب الأخرى بألفاظ مختلفة وفي أبواب عديدة متواتراً عن رسول الله (ص) وبذا فالحديث الشريف يعد حجة قاطعة..."

وقد بين "أن القوى الشيطانية الكبرى والطواغيت والحكومات المنحرفة، قد دفعت وعملت على طباعة القران طبعات فاخرة ونشره على نطاق واسع، فيما عملت من جهة  أخرى على إبعاده – وهو أعظم منهج للحياة المادية والمعنوية – عن واقع الحياة، وقضت بذلك على حكومة العدل الإلهي التي هي احد أهداف هذا الكتاب الإلهي، بل وجعلت من القرآن وسيلة لإقامة حكومات معادية للقرآن، وقد فعل رضا خان البهلوي ذلك، وما يفعله الملك... ( السعودي) اليوم كذلك.

وقد استطرد قائلا: " نحن فخورون أننا نسعى لتحقيق أهداف القرآن والسنة ، وأن مختلف الشرائح من شعبنا منهمكة في هذا الطريق  المصيري العظيم، غير مبالية بتقديم الأرواح والأموال والأعزاء في سبيل الله تعالى".

2- في المضمون

عن الثورة

يقول الإمام: " إن الثورة الإسلامية ( الإيرانية ) المجيدة... والتي تمثل الأمل لملايين المسلمين والمستضعفين في العالم، تقف على درجة من الأهمية تفوق قدرة القلم والبيان... فهي تختلف عن جميع الثورات من حيث النشأة وأسلوب المواجهة، ومن حيث دوافع تفجير الثورة... أنها هدية إلهية تلطف بها المنان على هذا الشعب.."

"إني وبصفتي أحد طلبة العلوم الدينية البسطاء، الواثق الرجاء بهذه الثورة ومستقبلها، وإذ أعيش اللحظات الأخيرة من عمري، وبعد الإعلان عن قيام الجمهورية الإسلامية  واستقرارها، وأداءً مني للتكليف، أود أن أستعرض شطرا من الأمور التي تساهم في حفظ هذه الوديعة الإلهية، حيث كان سر انتصارها في"الدافع الإلهي ووحدة الكلمة" وهو السر في بقائها، وقد أنفق الاستعمار المليارات لنشر الشائعات وبث الفرقة، وعلى المسلمين أن يتصدوا لهذه المؤامرات ويعملوا على تقوية الانسجام والوحدة لديهم بكل الطرق الممكنة". وقد جعل الإمام هذه المقولة محوراً أساسياً في جميع وصاياه. 

أ- حماية العقائد الأساسية لبنية النظام

لقد أكد الإمام على ثلاث مسائل عقائدية أساسية في بنية نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وهي الإسلام، والحكومة الإسلامية، والشعب ، حيث تعتبر قيادة أو ولاية الفقيه أساس الحكومة الإسلامية ومصدر شرعيتها، فهي معادلة مستمدة من حديث الثقلين الذي ابتدأ به وصيته وأسس عليه مضامينها، ومن هنا يتبين لنا من أين وكيف تأتى قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية على معادلة: الإسلام، والشعب، وولاية الفقيه.

الإسلام والحكومة الإسلامية

يقول الإمام: "إن الإسلام والحكومة الإسلامية  ظاهرة إلهية... قد قدم الأنبياء والأئمة لأجلها كل حياتهم، وعلى الشعب الإيراني المجيد أن يسعى لتحقيق محتوى الإسلام على جميع الأصعدة والعمل على حفظه .

 لقد طرحت لاسيما في القرن الأخير مؤامرات كثيرة، فأشاعوا بأن أحكام الإسلام رجعية وقديمة وغير تقدمية، ولا يمكننا التخلف عن ركب الحضارة القائمة اليوم، وقالوا بأن الإسلام دين أخلاق وتهذيب للنفوس وهو يتعارض مع مسائل إدارة الحكم والسياسة، فهي أمور دنيوية مغايرة لسيرة الأنبياء.

 وللرد على ذلك نقول... إن تطبيق قوانين القسط والعدل ومواجهة الظالمين والحكومات الجائرة، وتحقيق الاستقلال وقطع طريق الاستعمار والاستعباد، وإقامة الحدود وإيقاع القصاص العادل دون فساد المجتمع، ومئات القضايا لا تصبح قديمة مع مرور الزمن وهي سارية على مدى التاريخ، وقد عمل الأنبياء (عليهم السلام) على مواجهة الحكومات الشيطانية وإقامة العدل، وهذا من أجل الواجبات وأسمى العبادات، وإن الإسلام والقرآن يؤكدان على ضرورة العلم والصناعة، وهل يطالب  علماؤنا باستخدام الدواب للسفر في هذا العصر؟. على  الشعب اليقظ إجهاض هذه المؤامرات، وكذلك مواجهة الشائعات التي تتحدث عن فشل تجربة الجمهورية الإسلامية أو فسادها.

إن الإسلام لا يؤيد الرأسمالية الظالمة، والقرآن الكريم والسنة يعتبرانها مخالفة للعدالة الاجتماعية، على عكس ما يدعيه بعض أصحاب العقول المعوجة من أن الإسلام يؤيد الرأسمالية، كذلك فإن الإسلام ليس كالنظام الشيوعي أو الاشتراكي المستبد والذي يقمع الملكية الفردية، وقد حاول بعض قصيري النظر إدعاء ذلك، فالإسلام نظام معتدل ومن شأن ذلك أن يجعل عجلة الاقتصاد تدور، ويحقق العدالة الاجتماعية، وإني أوصي مجلس الشورى ورئيس الجمهورية والحكومة والمجالس الدستورية والقضاء أن يطيعوا أحكام الله تعالى وأن لا يقعوا تحت تأثير الدعايات الجوفاء".

إلى الشعب الإيراني المسلم

يقول الإمام: "إنني أدعي وبجرأة أن الشعب الإيراني في عصرنا الحاضر أفضل من شعب الحجاز الذي عاصر رسول الله (ص)... وأني أوصي الشعب الإيراني العزيز أن يعتبر النعمة التي حصل عليها بفضل دماء شبانه كأعز ما يملك فيسعى للمحافظة عليها، وأوصي المجلس والحكومة... أن يقدروا هذا الشعب حق قدره وأن لا يقصروا في خدمته وخصوصا المستضعفين والمحرومين منهم الذين هم بمثابة النور لعيوننا والأولياء لنعمتنا، فكل ما لدينا من تضحياتهم، وبقاؤه مرهون بخدماتهم، اعتبروا أنفسكم من الناس والناس منكم.

وأدعو الجميع إلى الافتخار بماضيه وثقافته وعدم فقدان الهوية وعدم الانبهار بالغرب فإن ذلك يجر البلد إلى الاستعمار. يجب الاعتماد على النفس والثقة بالنفس، والخروج من عقدة الحقارة، فنحن قادرون على القيام بأي عمل بشرط الاتكال على الله، فمن مخططات المستعمرين - التي تركت أثرها - إبقاء الشعوب المظلومة المستعمرة متخلفة ودولهم دولا استهلاكية، فقد ذعرنا من تقدمهم ومن قدراتهم الشيطانية إلى حد سلبنا الجرأة على المبادرة بالقيام بأي إبداع، وجعلنا نقلد الغرب ولا نعتمد على فكرنا،  حتى أصبح كل ما هو غربي محترم وصولا إلى اللغة والأسماء وأسماء المحال التجارية، ودفعنا ذلك لتسليم مصائرنا لهم".

 إلى شعوب العالم

أوصي جميع المسلمين والمستضعفين في العالم أن لا يقعدوا على أمل أن يتحفهم قادة بلدانهم أو قادة الدول الكبرى بالاستقلال والحرية فهي بغالبيتها تمارس الظلم والكبت وتسعى لرفاهية الشريحة المرفهة أساسا، فيما تترك الطبقات المظلومة وسكان الأكواخ والأقبية محرومة من الحاجات الأساسية ودون ما يحقق كفاف العيش، إنهم يعملون لتسخير البائسين وتكريس تبعية الدول والشعوب للدول الكبرى.

انهضوا يا مستضعفو العالم ومسلميه... ولتأخذوا حقوقكم بأيديكم ولا يخيفنّكم الصخب الإعلامي للدول الكبرى، أطردوا الحكام الجناة في بلدانكم، الذين يسلمون حصيلة أتعابكم إلى أعدائكم وأعداء الإسلام العزيز.

أيها الشعب المجاهد إنكم تسلكون سبيل الجهاد والسعادة، وهو نفس السبيل الذي سلكه الأولياء، والذي يرون فيه الموت الأحمر أحلى من العسل، ويا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما، وهنيئاً لهم ذلك النسيم المبهج للقلب وذلك التجلي المذهل.

اعملوا نحو تحقيق الهوية الذاتية والاكتفاء الذاتي والاستقلال فإذا مضيتم في خدمة الله وعملتم لتقدم بلدكم بروح التعاون فإن الله معكم.

ب- الحفاظ على استقامة مؤسسات الدولة

الحوزة والجامعة: أوصى الإمام القيمين بالتصدي لتنظيم الحوزة بوضع البرامج الدقيقة والصحيحة ، ودعا للمحافظة على المنهج التقليدي في الدراسة والأبحاث الحوزوية والى المزيد من البحث والإبداع، كما دعا إلى إعداد البرامج المتعلقة بحاجات البلاد وإعداد المتخصصين في تلك المجالات، وإلى التركيز على العلوم الإنسانية والمعنوية الإسلامية، ودعا الجامعيين والشبان إلى جعل عقد المحبة والانسجام مع العلماء أكثر استحكاماً، وأن لا يغفلوا عن مخططات ومؤامرات العدو الغادر، فقد خططت  وعملت القوى الاستعمارية في عهدي رضا خان ومحمد رضا على إقصاء الروحانيين وسجنهم وإعدامهم، وإيجاد العداء بين الروحانيين والجامعيين، وقد أوجدت آنذاك بيئة تربوية تساعد على النفور من الأديان والإسلام والاشمئزاز من الروحانية.

وإن على شعبنا أن يعلم بأن الضربة المهلكة التي وجهت إلى إيران والإسلام في النصف الأخير من هذا القرن تعود في معظمها إلى الجامعات ومراكز التربية والتعليم التي لم تكن إسلامية ولا إنسانية، ما أدى إلى أن يكون وطننا لقمة سائغة للانكليز ثم للأمريكان والروس، وكم هو محزن أن تدار جامعاتنا وثانوياتنا من قبل المأسورين للشرق والغرب

مجلس الشورى: طلب الإمام من ممثلي مجلس الشورى الإسلامي أن يصروا على عدم قبول أوراق اعتماد العناصر المنحرفة التي تتمكن في وقت ما من فرض تمثيلها على الناس بالدسائس والألاعيب السياسية، وأن يحولوا دون وصول حتى عنصر مخرب عميل واحد إلى المجلس، كما أوصى الأقليات الدينية انتخاب ممثلين غير مرتبطين بالقوى الاستعمارية كما أطلب من جميع النواب بأن يسعوا حتى لا تسن القوانين المنحرفة عن الإسلام، وان يتعاملوا فيما بينهم بحسن نية وأخوة أدعوا الشعب ليكون يقظاً في اختيار ممثليه، فينتخب الصالحين الملتزمين بالإسلام، حتى لا يكون هناك  موطئ قدم لعملاء المستعمرين، فقد ينفذ أعداء الإسلام ليوقعوا البلاد في شباك الاستعمار. 

وأطلب من أعضاء صيانة الدستور المحترمين أن يحاذروا من الوقوع تحت تأثير أية سلطة، وأن يحولوا دون سن القوانين المخالفة للشرع المطهر والدستور، وأن ينتبهوا إلى مصالح البلاد،

وأوصى الشعب والعلماء والمراجع والكسبة بأن يسجلوا حضوراً فاعلاً في الانتخابات، فقد يكون التساهل وعدم المشاركة في بعض الظروف ذنبا من أكبر الكبائر، لاسيما في انتخابات خبراء القيادة وشورى القيادة وفي انتخاب القائد، أو في انتخاب رئيس الجمهورية فليحرصوا على انتخاب رئيس يتلمس حرمان المستضعفين، فأيما تساهل سيلحق الضرر بالإسلام والبلاد، وفي الانتخابات، أدعوا الشعب ليكون يقضا في اختيار ممثليه، فينتخب الصالحين الملتزمين بالإسلام، حتى لا يكون هناك  موطئ قدم لعملاء المستعمرين، فقد ينفذ أعداء الإسلام ليوقعوا البلاد

القائد وشورى القيادة: وأوصى القائد وشورى القيادة بأن يوقفوا أنفسهم لخدمة الإسلام والمستضعفين، فنحن نواجه هجمة القوى الكبرى على الإسلام، ولينتبهوا أنهم ورئيس الجمهورية والوزراء والمسؤولين في محضر الله المبارك وأن الله حاضر وناضر، وأن أي زلة بسبب إتباع لهوى النفس، لا سمح الله، تستتبع العار الأبدي في الدنيا ونار غضب الله القهار في الآخرة.

القضاء: وأوصى الإمام، القائد وشورى القيادة  باختيار اللائقين للقضاء والمواقع العليا في القضاء، وأوصى القضاة بأداء المهام الخطيرة للقضاء كما ينبغي، وتحصين هذا الجهاز من الاختراق والمؤامرات.

مجلس الوزراء: وأوصى الإمام مجلس الوزراء بأسلمة الأجهزة الحكومية، وبتحمل المسؤلية في خدمة الشعب والمستضعفين وتخفيف المشقة عليهم، وقال: إنكم بحاجة إلى دعم الشعب والمحرومين خصوصا، فإذا حرمتم ذات يوم من دعم الشعب فإنكم ستعزلون وسيحتل الظلمة موقعكم.

وزارة الخارجية: وأوصى وزارة الخارجية قائلاً: "إن من واجبات وزارة الخارجية حفظ استقلال ومصالح البلاد، وإقامة العلاقات الحسنة مع الدول التي ليس في نيتها التدخل في شؤوننا الداخلية، ومد يد العون والإخوة للدول الإسلامية وأن يكون السفراء دعاة للوحدة ويقظة القادة .

وزارة الإعلام: وقد دعا وزارة الإرشاد والجهات الإعلامية إلى نشر الحق وإظهار الوجه الحقيقي للجمهورية الإسلامية والحؤول دون انحراف وسائل الإعلام، وحيث تتعرض الجمهورية الإسلامية في إيران من قبل وسائل الإعلام والأقلام الميالة أو المأجورة للشرق والغرب لهجوم مكثف، وكذلك من قبل دول المنطقة التي هبت لمعاداتنا  ومعاداة الإسلام، فإن واجب التبليغ والإعلام مسؤولية الجميع، العلماء والخطباء والكتاب والفنانين ليظهر للناس وجه الإسلام النوراني الذي عرض من قبل القران والسنة بكل أبعاده الجميلة. 

القوات المسلحة والأمنية: توجه الإمام بالوصية الخاصة إلى القوى المسلحة والأمنية والحرس والتعبئة واللجان الشعبية بالقول: للقوات المسلحة والقادة الشرفاء.. سهم وافر في المعجزة المعاصرة التي تحققت في إيران، وكذلك في هزيمة جيش صدام المعتدي وكذلك في حماية البلاد من المؤامرات والفتن التي حاكتها أمريكا، لذا على الشعب والحكومة والمجلس أن يشملوهم بعناية خاصة، فالقوات المسلحة هي الجهة التي تتوجه نحوها القوى الكبرى بالتأمر والتخريب والانقلابات وتغيير الأنظمة، والسيطرة على البلدان وسلبها الحرية والاستقلال، لذا أوصيكم بوصيتي الأخوية هذه وأنا أمضي الأيام الأخيرة من العمر، بأن تواصلوا التضحية بقلوبكم المعمورة بالعشق للإسلام وعشق لقاء الله. وكونوا يقظين وعلى حذر من ألاعيب أساطين السياسة من المأسورين للشرق والغرب، من استغلالكم للإطاحة بالجمهورية الإسلامية وفصلكم عن الإسلام.

وصيتي الأكيدة لمنتسبي القوات المسلحة الالتزام بالضوابط العسكرية والتي تمنع الانتساب إلى الأحزاب، وعلى القادة العسكريين القيام بمنع أفرادهم من الانتساب إلى الأحزاب، وعلى القائد أو شورى القيادة والحكومة والشعب وشورى الدفاع المقدس ومجلس الشورى الإسلامي أن يحولوا دون وقوع هذا الأمر بحزم ليحفظوا البلد من الضرر.

ودعاهم إلى رفع الحاجة من الصناعات العسكرية بالاعتماد على النفس وقد فعلتم ذلك أيام الحرب، فالدول الأجنبية لا تريدكم إلا عبيداً لها، وإبقاء بلدكم متخلفاً، فاستقيموا في وفائكم للإسلام

 التيارات المعارضة: وقد تنبه الإمام إلى الوحدة وخطر الأحزاب والتيارات المعارضة والمجرمة منها، وتلك التي تعلن توجهها للشيوعية (مع أن بعض الشواهد والقرائن تشير إلى أن هؤلاء الشيوعيين أتباع لأمريكا ويرتزقون منها)، وتلك التي تعتمد النقد الهدام، توجه الإمام إليها، فنصحها بالكف عن ممارساتها، بالرجوع وعدم إكمال هذا الطريق. وأوصى المجموعات المسلمة المشتبهة من كتاب  ومثقفين ومثيري الإشكالات والتي تبدي ميلاً للغرب أو للشرق أن لا تصر على خطئها الهدام والميئس، وتعمد إلى الخلوة بربها ووجدانها ليلة واحدة وابحثوا عن الدافع الباطني الذي يدفعكم إلى ذلك. وإني لست آسفا على أولئك الذئاب المتخفين بلباس رعاة.

وقد نصح الأغنياء من أصحاب الموارد المشروعة أن  يساهموا في تنمية القرى والمزارع والمصانع، وما أجمل أن تتطوع الشرائح الميسورة لتأمين المساكن لساكني الأكواخ والأقبية، فإن هذا يعد عبادة عظيمة، وفيه خير الدنيا والآخرة. وقد حذر الذين يستفيدون من أصحاب الأموال للعمل ضد الجمهورية الإسلامية، ودعاهم إلى التوبة ما دام باب التوبة مفتوحاً.

ج – مواجهة التحديات والمخاطر الخارجية

لقد أكد الإمام - كما أسلفنا – إلى وجوب حماية النظام وبنيته الداخلية وحماية مرتكزات الإسلام والثورة ووحدة الأمة ومؤسسات الدولة، محذرا من اختراق المزيفين والمنحرفين والجهلاء والمتسلقين والعملاء، ودعا إلى ضرورة الاعتماد على النفس وعدم الارتهان للدول المستعمرة علمياً أو اقتصادياً، كما حذر ومن الدعايات والشائعات، ومن الترويج للفكر والنموذج والسلوك الغربي، ومن فقدان الهوية لدى الشباب والنساء، ومن إفساد الجامعة والجامعيين وإيقاع الفرقة بينهم وبين علماء الإسلام والحوزة الدينية الذين هم عماد الوطن

أما على مستوى المخاطر الخارجية، فقد نبه الإمام (رضوان الله تعالى عليه) إلى خطر الطواغيت المستبدين والعملاء من قادة الدول الإسلامية ومن ورائهم الدول الكبرى، على القران والإسلام  بهدف عزله واعتباره من التاريخ.

 ومن جهة أخرى فقد دعا إلى إقامة العلاقات الحسنة مع الدول غير المعادية، وإشاعة الوحدة في صفوف المسلمين وقادتهم

وأكد كثيراً على أن العدو الغادر والمتآمر على الإسلام والدول الإسلامية، يعمل ليل نهار ويتآمر، فالدول الكبرى التي تمثل هذا العدو تتغلغل في بلداننا والبلدان الإسلامية الأخرى بخفة لتوقع تلك البلدان في شباكها الاستعمارية مستغلة أبناء شعوب تلك البلدان ذاتها، فكونوا يقظين، راقبوا بحذر، وما أن تشعروا بأول خطوة تغلغل هبوا للمواجهة ولا تمهلوهم، والله معينكم وهو حافظكم.

ثم يختم الإمام موجها نداءه للمسلمين قائلا: إنكم أيها المسلمون المجاهدون إنما تسيرون تحت راية وفي طريق يمثل طريق جميع الأنبياء (عليهم السلام) والمسلك الوحيد نحو السعادة المطلقة. وبهذا الدافع يسعى الأولياء جميعاً لنيل الشهادة في هذا الطريق ويرون الموت الأحمر أحلى من العسل، فقد تجرع إخوانكم في ميادين الدفاع (عن الدولة الإسلامية الفتية) جرعة من هذا فولهوا، كما أن ما ظهر على آباء الشهداء وأمهاتهم وإخوانهم إنما كان مظهرا منه، وعلينا أن نقول بحق: يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً، وهنيئاً لهم ذلك النسيم المبهج للقلب وذلك التجلي المذهل.

كما أوصي الجميع بالانطلاق وبالاتكال على الله تعالى نحو تحقيق الهوية الذاتية والاكتفاء الذاتي والاستقلال بجميع أبعادهما، وإذا صرتم في خدمة الله وواصلتم التمسك بروح التعاون من أجل تقدم بلدانكم ورقيها فإن الله معكم.

ثم يودع قائلاً: "أستأذن الأخوات والأخوة للمضي نحو مقري الأبدي بفؤاد هادئ وقلب مطمئن وروح متفائلة، وضمير مفعم بالأمل بفضل الله. آملاً من أبناء الشعب قبول عذري عما بدر مني من قصور وتقصير وليمضوا قُدُماً بحزم وإرادة وتصميم، وليعلموا بأن رحيل خادم عنهم لن يحدث أي خلل في صفوف الشعب الحديدية، فإن هناك من الخدام من هم أفضل مني وأسمى. والله الحافظ لهذا الشعب ولجميع المظلومين في العالم. والسلام عليكم وعلى عباد الله الصالحين ورحمة الله وبركاته.

1جمادى الأولى 1403هـ

روح الله الموسوي الخميني

اعلى الصفحة