|
|||||||
|
الثورة البحرينية تدخل عامها الرابع وما زال العالم مجحفاً بحقها، ينظر بعينه التي تكيل بمكيالين ليبق الشعب البحريني ضحية التجاهل العربي والدولي. إن غياب الجامعة العربية عن مظلومية شعب البحرين هو ظلم بحد ذاته، وكذلك فإن غياب الأمم المتحدة والدول الكبرى عن قضية البحرين يصب في خانة المصالح. فقد كان يؤمل من المجتمع الدولي أن يمنح بعض الاهتمام لقضية هذا الشعب، فيدعو ولو إلى اجتماع واحد لمناقشة هذه القضية في نيويورك أو جينيف، ولكن، للأسف، وبسبب المصالح النفطية المرتبطة بدول المنطقة، فقد نأت تلك الدول بنفسها عن التدخل ورفع الظلم عن شعب البحرين. بعيداً عن لغة العنف والقتال، تستمر الثورة البحرينية المطالبة بالتحول الديمقراطي بحراكها السلمي في المدن والمحافظات كافة. ثلاث سنوات مرت والشعب البحريني يتمسك بالحفاظ على الطابع الحضاري والسلمي لتحركاته، في مقابل تعرضه لممارسات من قبل السلطة، استدعت إدانات من منظمات وهيئات دولية أعربت عن قلقها من استمرار عمليات القمع وتسجيل المزيد من أعمال القتل والاعتقالات السياسية، وتجريد المواطنين من الجنسية، والتهرب من تطبيق الدستور، فضلا عن هدم المساجد وحل الجمعيات والمجالس الدينية. على الرغم من ذلك، لا تنفك المعارضة البحرينية تؤكد حرصها في المحافظة على النسيج الاجتماعي مهما علا سقف الظلم. في ذكرى (١٤ شباط)، يسدل البحرينيون الستار على العام الثالث لثورتهم الحضارية وما رافقها من ظلم، مظهرين وعيا وصبرا قل نظيرهما للحصول على حقهم في التحول الديمقراطي في البلاد. محطات رئيسية في الثورة البحرينية في ١٤ شباط عام ٢٠١١، انطلقت الثورة الشعبية البحرينية من ميدان اللؤلؤة في وسط العاصمة المنامة، للمطالبة بإجراء إصلاحات سياسية، عبر إقامة ملكية دستورية وصياغة دستور جديد للبلاد، وكذلك إجراء إصلاحات اقتصادية ومكافحة الفساد المالي والإداري المستشري في المملكة. على الرغم من أن الحراك البحريني أتى في سياق ما شهده العالم العربي من تحركات شعبية، إلا أن لتاريخ ١٤ شباط ارتباطا وثيقا بالتاريخ السياسي للبحرين. فقد شهد هذا اليوم، من عام ٢٠٠١، تصويتا شعبيا على ميثاق العمل الوطني، وهو النتيجة السياسية لانتفاضة التسعينيات الممتدة من العام ١٩٩٤ حتى عام ٢٠٠٠. وقد نص الميثاق على مبادئ عامة لإحداث تغييرات جذرية وتحديث سلطات الدولة ومؤسساتها، إلا أن عمر الميثاق لم يدم طويلا. ففي ١٤ شباط عام ٢٠٠٢، قام الملك بإلغاء دستور عام ١٩٧٣، وأقر دستوراً جديداً رأت فيه المعارضة السياسية التفافا على مطالب الشعب التي جسدها الميثاق الوطني. الثورة الشعبية البحرينية التي انطلقت لتحقيق أهدافها، رافعة شعار "سلمية"، تعاملت القوى الأمنية معها بالعنف، حيث جرت ملاحقة شباب الثورة وقادتها واعتقالهم ومحاكمتهم، كما استخدمت القنابل الغازية والأسلحة في مواجهة التظاهرات، مما أدى إلى استشهاد أعداد من المواطنين بينهم أطفال. وكانت المواجهات الأعنف مع القوى الأمنية قد حدثت فجر ١٧ شباط على أثر محاولة تلك القوى فك اعتصام ميدان اللؤلؤة بالقوة. بعد شهر واحد على انطلاقتها، طلب ملك البحرين حمد بن خليفة تدخل القوات العسكرية التابعة لمجلس التعاون الخليجي لقمع الانتفاضة الشعبية. وفي ١٤ آذار، لبت قوات " درع الجزيرة " الطلب، فعبرت مدرعات عسكرية سعودية تحمل نحو ١٠٠٠ جندي سعودي وحوالي ٥٠٠ شرطي إماراتي جسر الملك فهد الذي يربط بين مملكة البحرين والمملكة السعودية. في ١٨ آذار، أقدمت السلطات البحرينية على هدم رمز الثورة البحرينية في ميدان اللؤلؤة الذي مثل بأضلاعه الستة دول مجلس التعاون الخليجي. وقد عقب وزير الخارجية البحريني بقوله: "إن قرار الهدم هو للتخلص من ذكرى سيئة". في ٢٩ حزيران ٢٠١١، أصدر ملك البحرين قرارا بإنشاء اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في الأحداث التي شهدتها البحرين بين شهري شباط ونيسان، وعهد برئاسة اللجنة إلى الدكتور محمود شريف بسيوني، وهو خبير في جرائم الحرب لدى الأمم المتحدة. في ٢٣ تشرين الثاني، صدر تقرير اللجنة الذي أكد تعرض الكثير من الموقوفين للتعذيب ولأشكال أخرى من الانتهاكات الجسدية والنفسية داخل سجونهم، الأمر الذي دل على سلوك معين تقوم به بعض الجهات اتجاه فئات معينة من الموقوفين. وقد أوصى التقرير بمحاسبة كبار المسؤولين عن الانتهاكات وبإطلاق سراح المعتقلين ووقف الاعتقالات. في ١٥ كانون الثاني عام ٢٠١٤، أجرى ولي العهد سلمان بن حمد بن خليفة آل ثاني مباحثات مع قادة المعارضة هي الأولى من نوعها منذ بداية الانتفاضة الشعبية، لمناقشة سبل إجراء حوار وطني، وفي ٣٠ من الشهر نفسه، أصدرت المحكمة الإدارية البحرينية قرارا بحل "المجلس العلمائي الإسلامي"، الأمر الذي رأت فيه المعارضة ضربة قوية للحوار الوطني. قوات الأمن تغتال الشاب فاضل عباس ١٨ يوماً لم يسمح لها بزيارته ليعود إليها شهيداً، إنه حال عائلة الشاب فاضل عباس مسلم الذي ارتقى شهيدا إثر إصابته بالرصاص الحي، من قبل قوات الأمن في منطقة (المرخ) غرب العاصمة المنامة، حسب ما أقرت الجهات الرسمية. مشهد الوداع كان حزيناً على الأهل المفجوعين بشهادة ابنهم، البالغ من العمر (١٩ عاماً) قبل أن يوارى في ثرى بلدة الدراز الواقعة غرب العاصمة. وسط حال من الحزن والغضب الشديدين، جاب موكب التشييع شوارع المنطقة، بمشاركة ممثلي قوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، فضلاً عن آلاف المواطنين الذين حملوا الشهيد، مطالبين بمحاكمة المسؤولين عن قتل شهداء الحراك الشعبي. إن عملية القتل هذه هي إعدام منظم، إذ أوضحت الصور تعرض الشاب الشهيد لإطلاق نار مباشر بالرصاص الحي في مختلف أنحاء جسده، إلى جانب إصابة مباشرة في الرأس. لقد أمطرت قوات الأمن الشاب فاضل وزميلاً له بالرصاص الحي مع سبق الإصرار بهدف القتل، ثم اختطفته منذ إصابته من دون السماح لأهله بزيارته أو الاطمئنان عنه. إن هذه الجريمة تكشف عن الانتهاكات التي يقترفها النظام بحق مواطنيه المطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية. الرواية الرسمية جاءت مفصلة في بيان لوزارة الداخلية البحرينية، ومفادها أن الشاب فاضل عباس أصيب بطلق ناري في الرأس أثناء محاولة اعتقاله في منطقة قرب المنامة مع جماعة اشتبه بتورطها في عمليات تهريب أسلحة ومتفجرات و"ارتكاب جرائم إرهابية". وزارة الداخلية زعمت أنها حصلت على معلومات تفيد بأن عناصر هذه المجموعة تتخذ من مبان مهجورة مقراً لتجمعاتها لتسليم وتسلم الأسلحة. وفي مؤشر يدل على استيائها البالغ، نظمت المعارضة البحرينية بمختلف أطيافها مسيرات احتجاجية خلال تشييع جثمان الشهيد فاضل عباس، حيث ردد المتظاهرون شعارات تطالب بالثأر للشهداء وبإسقاط النظام في هذه المملكة الخليجية. القضاء البحريني يحل "المجلس العلمائي الإسلامي" هي خطوة في الاتجاه المعاكس لمسار الحوار المفترض، أطلقها القضاء البحريني بحق "المجلس العلمائي الإسلامي" في البحرين وهو أكبر هيئة دينية للمسلمين الشيعة الذين يشكلون الأغلبية العددية داخل المملكة. فقد صدر حكم قضائي قضى بحل المجلس المذكور وإغلاق مقره ومصادرة أمواله، وذلك تطبيقاً للدعوى التي قدمتها وزارة العدل البحرينية في خريف العام الماضي، بذريعة أن هذا المجلس تنظيم غير مشروع، عمد إلى تقديم الدعم لجمعيات معارضة، وتبنى الدعوة إلى الحراك الشعبي المستمر منذ ربيع عام ٢٠١١. في المقابل، اعتبر" المجلس العلمائي " أن الحكم بحله وإغلاق مقره ومصادرة أمواله يمثل حكماً سياسياً بامتياز واستهدافاً طائفياً لشريحة كبيرة من المجتمع البحريني، مؤكدا أن العمل العلمائي والديني لم ينطلق يوماً ما بقرار رسمي، ولا يمكن أن يلغى في يوم من الأيام بقرار رسمي. في هذا السياق، وجهت جهات حقوقية نداء عاجلا إلى الأمم المتحدة لمواجهة استهداف الحريات الدينية في البحرين، فيما اعتبرت "جمعية الوفاق " كبرى الجمعيات السياسية المعارضة أن حل "المجلس العلمائي" حرب طائفية واستعداء لمكوّن رئيسي من المكونات الوطنية في البلاد. إن العقلية المتحجرة التي استهدفت "المجلس العلمائي " في البحرين لا تسمح ولو بمساحة ضئيلة من الحرية للتعاطي مع الشأن العام، إنها ذهنية متخلفة تريد لمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني أن تنصاع لإرادتها وإملاءاتها في كل خطوة تقوم بها. لقد شهدت مناطق عديدة في غرب المنامة مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين خرجوا رفضا لقرار حل "المجلس العلمائي"، حيث أطلقت تلك القوات قنابل دخانية على المشاركين في مسيرة شعبية، انطلقت من منطقة الدراز بعد الانتهاء من تأبين الشهيد فاضل عباس. وقد تحولت المسيرة التأبينية إلى احتجاج على قرار القضاء البحريني بحل المجلس المذكور. إن الأسباب التي تذرع بها وزير العدل البحريني الذي أقام الدعوى ضد المجلس، واهية جدا ولا تستند على أي أساس قانوني، لاسيما وأن هذا المجلس يضطلع بدور تربوي وفقهي ومتابعات تتعلق بالشأن الديني ولا يتعاطى الشأن السياسي، لأن هناك أطرافا معينة تقوم بهذا الدور. الحوزات الدينية بدورها، اعتبرت أن استهداف "المجلس العلمائي" مصادرة للنشاط الديني ومحاولة لتعطيل حركة الدين والقضاء على دوره الفاعل، ووصفت الحوزات الذرائع التي تشبّث بها النظام بحل المجلس بالواهية، لافتة إلى أن إغلاقه يشكل تهديدا للسلم الأهلي. وقد وقع علماء الدين وأساتذة الحوزات خلال اعتصامهم عريضة لرفعها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تدعوه للتدخل لدى السلطات البحرينية، من أجل وقف ممارسات التضييق على الحريات الدينية في المملكة. الجماهير البحرينية تواصل ثورتها الحضارية في اليوم الأول من عامها الرابع، أشعلت تحركات الجماهير البحرينية غضب السلطات، حيث أفادت الأنباء أن قوات الأمن دخلت إلى مسجد الإمام الصادق (ع) في منطقة الدراز وأغرقته بقنابل الغاز السام والمسيل للدموع، وذلك بعد دعوة آية الله الشيخ عيسى قاسم المواطنين خلال خطبة الجمعة في المسجد إلى التظاهر في اليوم التالي، واصفا هذا اليوم بالاستثنائي. لم ينتظر البحرينيون حتى الموعد المقرر للتظاهر، فخرجوا باكرا في أكثر من منطقة أبرزها (سترة) و(نويدرات) و(العكر)، على وقع هتافات تطالب بالتغيير والإصلاح. وقد دعا ائتلاف (١٤ فبراير) الشعب البحريني إلى الزحف نحو منطقة دوار اللؤلؤة، الذي كان في عام ٢٠١١ منطلقا للمطالبة بالحرية والديمقراطية. تحدى المتظاهرون الإجراءات الأمنية والمطاردات، فقرعوا الطبول واستخدموا الصافرات مرددين شعار "لن نركع إلا لله". لقد أطفئت الثورة البحرينية شمعتها الثالثة دون أن تتمكن هذه السنوات من جر البحرينيين المعارضين إلى الصدام المسلح مع السلطة، كما حصل في العديد من الدول العربية. ارتفعت دعوات للتظاهر والعصيان تحت شعار "عصيان العزة" إحياء للذكرى، استبقتها السلطات بإجراءات أمنية مشددة شاركت فيها قوات الحرس الوطني، وذلك لمنع المحتجين من الخروج تأكيداً على مطالبهم بالإصلاح السياسي في المملكة. لقد شهدت العديد من المدن مواجهات مع القوات الأمنية البحرينية التي استخدمت الغازات السامة لتفريق المتظاهرين الذين أصروا على مواصلة احتجاجاتهم التي اختتمت بتظاهرة كبرى، دعت إليها الجمعيات السياسية المعارضة في شارع البديع في اليوم التالي. في الموازاة، قامت قوات النظام بهدم وتخريب منازل المواطنين في عدد من المدن البحرينية. إلى هذا، أيدت المحكمة الكبرى الجنائية الثانية في البحرين الحكم الصادر بحق نحو ٤٠ مواطناً بحرينياً بالسجن ٣ أعوام في قضية تجمهر، فيما جددت سجن ٢ مدة ٤٥ يوماً، بتهمة تمكين مطلوبين من السفر خارج البحرين عن طريق البحر. ٨٩ شهيداً وآلاف الجرحى والمعتقلين منذ انطلاقتها قبل ٣ سنوات، وما زالت التحركات الشعبية البحرينية في أوجها. أكثر من ربع مليون متظاهر خرجوا في مسيرة تاريخية كبرى غرب المنامة، مطالبين السلطات بالمساواة بين المواطنين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. في مقارنة لعدد سكان البحرين مع غيرها من الدول العربية، فإن الثورة البحرينية تعد أكبر الثورات العربية على الإطلاق، إذ إن حضور الجماهير التاريخي يدل على أن النتيجة التي حصل عليها النظام جراء القتل والقمع والفصل من الوظيفة هي صفر. تظاهرة من نوع آخر شارك فيها آلاف البحرينيين في الذكرى الثالثة لانطلاق الثورة، تمثلت بحملة إلكترونية عبر "موقع تويتر" للتواصل الاجتماعي، وجه خلالها ناشطون ومهنيون وطلاب ومعلمون من كافة شرائح المجتمع البحريني رسائل باللغات الأجنبية إلى أقطاب المجتمع الدولي، طالبوا فيها بالضغط من أجل منح الشعب حقوقه المشروعة. نتائج الحملة جاءت سريعة، حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إنه يتابع الوضع في البحرين عن كثب، مؤكداً أن الحوار في هذا البلد يجب أن يجري وفق إطار زمني واضح. من حق الشعب البحريني أن يتمتع بأبسط حقوقه السياسية، وذلك عن طريق انتخاب برلمانه الذي يمارس كامل صلاحياته التشريعية والرقابية، ومن حق هذا الشعب أيضا أن يعيش في دولة قائمة على المساواة بين جميع المواطنين. إن أغلبية الشعب البحريني تعاني من تمييز، بينما تسيطر الأسرة الحاكمة والأقلية التابعة لها على السلطة والحكم وثروات البلاد. الثورة السلمية في البحرين تدخل عامها الرابع ١٤ شباط ٢٠١١، لا يختلف كثيراً عن ١٤ شباط من هذا العام. فمن ينظر إلى الشارع البحريني الآن سيظن أن الحراك المشتعل، وليد الساعة، ولم يبلغ سنته الثالثة. لم يكفّ البحرينيون طوال ثلاث سنوات، عن المطالبة بحقوقهم العادلة، من نظام يتعامل مع حراكهم وفق سياسة "فرّق تسُد". في بداية العام الرابع، ينزل "البحرينيون" لتجديد البيعة لدماء شهدائهم، وليعلنوا مجدداً أن "الثورة مستمرة" ولن تحيد عن مطلبها الأساس، وهو الإصلاح. في كانون الثاني الماضي، اتسع جلياً نطاق الانقسام القائم منذ فترة طويلة في صفوف العائلة المالكة في البحرين، بعد انهيار المحادثات مع المعارضة ثم إحيائها بشكل مفاجئ. هذا التقلب، الذي يرجع جزئياً على الأرجح إلى الضغوط الأميركية والأوروبية، يتسق، بحسب ما يقول مراقبون، مع أسلوب قيادة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الذي غالباً ما يُقال عنه إنه "يتسم بالتردد". غير أن التطورات الأخيرة قد تدفع إلى حالة من الحرب السياسية المفتوحة بين أقاربه من المعتدلين والمتشددين. فعضو العائلة المالكة الرئيسي المؤيد للتوصل إلى تسوية هو النجل الأكبر للملك، ولي العهد الأمير سلمان، بينما يتجمّع المتشددون حول عم الملك، الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي يشغل منصب رئيس الوزراء من دون انقطاع منذ العام ١٩٧٠. وعلى الرغم من أن الصراع في البحرين لم يكن "سنياً – شيعياً"، بدليل مشاركة فئات شعبية فيه من الطرفين، والدور الكبير الذي أدّته قوى قومية ويسارية وغيرها في الانتفاضات التي شهدتها البحرين طوال عقود، إلا أن النظام وجد فرصة سانحة بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران في العام ١٩٧٩، حيث راح يروج لفكرة أن "الشيعة البحرينيين يتعاطفون مع إخوتهم في الدين في إيران ومن ثم لا يمكن الوثوق بهم". وعلى الرغم من أن هذه الفكرة ليست دقيقة، إلا أنها كانت صالحة للترويج بصفة خاصة منذ شباط العام ٢٠١١، عندما قامت الشرطة البحرينية بعمليات قمع وحشية ضد الاحتجاجات التي خرجت تحاكي تظاهرات "الربيع العربي" التي اجتاحت أجزاء أخرى في المنطقة. وفي هذا الوقت، سقطت رواية الحكومة المفضلة للتطور السياسي الحذر، كما حصل عندما تحولت البلاد إلى ملكية دستورية في العام ٢٠٠٢، وتلطّخت نتيجة عدم رغبتها في إعطاء الشيعة تمثيلاً نسبياً في البرلمان يعكس حجمهم العددي، وعزم العائلة المالكة على الاحتفاظ بالسلطة السياسية (على سبيل المثال يشغل أعضاء العائلة المالكة حوالي نصف مناصب مجلس الوزراء). وعلى الرغم من هذا، استمرّ عقل النظام البحريني بالتعاطي مع الحراك بتصويره مذهبياً، من خلال سحب الجنسيات من أبناء طائفة معيّنة، والقرار الأخير بحلّ "المجلس العلمائي الشيعي"، وهو أكبر سلطة للطائفة في البحرين. كما تجلى ذلك في عمليات التجنيس الممنهجة التي مارستها السلطات في محاولة لتغيير الواقع الديموغرافي في البحرين. الارتباك الأخير داخل العائلة المالكة واضح منذ التاسع من كانون الثاني الماضي، عندما قامت الحكومة بتعليق ما يُسمّى بـ"الحوار الوطني" عقب إعلان جماعة سياسية تابعة للحكم انسحابها من العملية، التي كانت عرقلتها مقاطعة المعارضة منذ أيلول العام ٢٠١٢. ولكن في ١٥ كانون الأول الماضي، قام ولي العهد الأمير سلمان، "بناء على طلب من الملك حمد"، بلقاء مجموعات المعارضة "من أجل استكشاف وسائل التغلب على التحديات التي يواجهها الحوار"، بحسب بيان الديوان الملكي حينها. وقتها، مثّل المعارضة وفد برئاسة الأمين العام لـ"جمعية الوفاق الإسلامي" المعارضة الشيخ علي سلمان. وكان اللقاء مفاجئاً تماماً لأن الحكومة كانت قد فرضت حظراً على سفر سلمان في أواخر كانون الأول الماضي، واتهمته بـ"التحريض على الكره الديني ونشر أخبار زائفة يرجح أن تضر بالأمن القومي". ويشير بعض الباحثين إلى أن رئيس الوزراء لم يتلقّ إخطاراً مسبقاً بهذا اللقاء، وربما جاء غيابه عن اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي بعدها، ليعكس غضبه بشأن ذلك التحرك من جانب الأمير سلمان. وفي هذا السياق، علّق رئيس "منتدى البحرين لحقوق الإنسان" يوسف ربيع على دعوة ولي العهد إلى الحوار، قائلاً إن "أي مبادرة من النظام البحريني لا بد أن تأتي بطلب خارجي، وبضوء أخضر سعودي تحديداً". هذه الدعوة ليست الأولى التي يطلقها ولي العهد البحريني. فبعد بدء الاحتجاجات بأقل من شهر تقريباً، أطلق مبادرة حوار بين مكونات المجتمع كافة، حين كان المحتجون ما زالوا متواجدين في "دوار اللؤلؤة". إلا أن هذه المبادرة أجهضت سريعاً، بعد دخول قوات "درع الجزيرة" عبر جسر "الملك فهد" الذي يربط البحرين بالسعودية في اليوم التالي، والذي تبعه إخلاء الدوار من المحتجين وإعلان "حالة السلامة الوطنية". وقد ارتكزت المبادرة حينها على سبعة مبادئ رئيسية، تمثلت في: مجلس نواب كامل الصلاحيات، حكومة تمثل إرادة الشعب، دوائر انتخابية عادلة، وقف التجنيس، محاربة الفساد المالي والإداري، أملاك الدولة ومعالجة الاحتقان الطائفي. كثيراً ما تجري المقارنات بين الحراك في البحرين وبين التحركات والتظاهرات التي شهدتها دول أخرى في ظل "الربيع العربي"، خصوصاً سوريا. لكن الفرق يبدو شاسعاً لأسباب عدة، أهمّها أن الحراك في البحرين حافظ على سلميته على مدى سنوات ثلاث على الرغم من بطش النظام. بالإضافة إلى ذلك، فإن مسألة التجنيس المتفشية بشكل كبير في الجيش والأمن البحرينيين، جعلت من المتظاهرين في موقع المواجهة مع "غرباء". وعلى عكس ما يحصل في سوريا تماماً، فإن تهمة التدخل الخارجي في البحرين تصيب النظام الحاكم نفسه، فلا "داعش" ولا "نصرة" وشيشان وأفغان بين المحتجين الذين حاولوا جاهدين إبعاد أي شبهة ارتباط خارجي لهم. بل إن الحكومة البحرينية، التي "تستضيف" مقر الأسطول الخامس الأمريكي، والتي سعت وتسعى إلى تطييف هذا الحراك، تستعين على شعبها بقوى خارجية، على غرار القوات السعودية، وتتهم المحتجين في المقابل، بالتبعية والولاء لأنظمة أخرى. فعلى سبيل المثال، أعلنت السلطات البحرينية في أواخر كانون الأول الماضي، عن مصادرة قارب يحمل أسلحة ومتفجرات مصنوعة لأغراض عسكرية. وعلى الرغم من أن القارب كان قادماً من العراق، إلا أنه تم افتراض أن إيران هي الطرف الرئيسي وراء الشحنة. وكثيراً ما ظهرت تقارير حكومية تتهم معارضين بالتدرب أو التسلح أو التآمر مع أطراف خارجية، وجرى زج إيران وسوريا والعراق و"حزب الله" في ذلك. الخروق والانتهاكات على الصعيد الإنساني التي يقوم بها النظام البحريني، إذا ما قيست بالنسب، تعتبر الأكبر بين الدول العربية. فمنذ بداية الأزمة حتى اليوم، تم اعتقال أكثر من ثلاثة آلاف شخص، من ناشطين وحقوقيين وأطفال ونساء، حتى وصل الأمر إلى اعتقال النسوة الحوامل، كما حصل مثلاً مع البحرينية ناديا العلي. وأضف إلى ذلك قتل الأطفال، حيث وثقت جمعيات بحرينية ودولية أكثر من ٢١ شهيداً من الأطفال قضوا تحت التعذيب أو برصاص الشوزن المحرّم دولياً. وحتى اليوم، ينتظر الحقوقيون في البحرين، أن تقوم منظمة الأمم المتحدة بعقد جلسة خاصة بالبحرين، لإدانة هذا النظام أمام الرأي العام العالمي. وإلى ذلك الحين، تسعى هذه المنظمات الحقوقية، إلى تعيين مقرّر أممي خاص بالبحرين لمراقبة وتوثيق ورفع تقارير بانتهاكات الحكومة البحرينية. تذكر تقارير أن المحادثات المتجددة بين الحكومة والمعارضة تغطي خمس مسائل رئيسية: الدوائر الانتخابية، وموافقة البرلمان على الحكومات التي يعينها الملك، وصلاحيات الوزراء وتكوين مجلس البرلمان الأعلى المعين، وزيادة استقلال القضاء، والأمور المتعلقة بالشرطة والأمن. والمعارضة من جهتها تطالب بإطلاق سراح المعتقلين في السجون وإعطاء هامش أكبر للحريات. في الذكرى الثالثة للحراك البحريني، والتجاهل الحكومي والدولي لمطالب المتظاهرين، هل ستحلّ الذكرى الرابعة للحراك، والبحرينيون ينتظرون حقوقهم.... في الشارع؟. |
||||||