|
|||||||
|
كثيرة هي المؤشرات التي يتم تسويقها للزعم بأن إدارة الرئيس باراك أوباما جادَة في التخلص من إرث الإدارة السابقة، واتخاذ مواقف حازمة تجاه مناهضة ومحاربة الإرهاب والإرهابيين الذين باتوا يشكلون خطراً داهماً، ليس فقط في منطقة المشرق العربي، وإنما في كافة بلدان الإقليم وقلب القارة الأوروبية، وكذلك في الولايات المتحدة التي ذكر رؤساء لجان الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ فيها، مؤخراً، أن الإرهابيين العالميين اكتسبوا بالفعل أرضية في العامين الماضيين، وأن أمريكا غدت أقل أمنا مما كانت عليه قبل عام. ولعل المثال الأبرز الذي يقدمه هؤلاء للبرهنة على صحة تقديراتهم هو دعم الإدارة الأمريكية القوي للحكومة العراقية في حربها على إرهاب تنظيم "داعش" في محافظة الأنبار، وذلك على الرغم من تصعيد مستوى تهديدات هذه الإدارة لدمشق، ورفع منسوب دعمها لمجموعات الإرهاب في سوريا وتسليحها بأنواع جديدة ومتطورة، انطلاقا من البوابة الأردنية بشكل رئيسي، وذلك بعد فشل محاولات الضغط على الحكومة السورية في جولة مؤتمر "جنيف2" الثانية لإجبارها على القفز عن قضية "مكافحة الإرهاب" في سوريا، والقبول بتسليم السلطة لما يسمى "هيئة الحكم الانتقالية". ما بين "إرهاب".. وإرهاب! ما تستند إليه واشنطن لتبرير هذا التناقض الصارخ في كيفية التعاطي مع مجموعات الإرهاب في كل من سوريا والعراق، هو الادَعاء بوجود معارضة مسلحة "معتدلة" في سوريا تمثلها المجموعات المنضوية في "الجبهة الإسلامية" وبعض "النتف" التنظيمية الأخرى، والتي مازالت ثكنات الإعلام المعادية لسوريا تطلق عليها مسمى "الجيش الحر". وهي، بالإضافة إلى مناهضتها "النظام السوري" بالوسائل العنيفة، تواجه، وفق المزاعم الغربية، "الإرهاب" المتمثل في تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" الممتهن التكفير والقتل الأعمى ضد الشعب السوري"، والذي تستخدم كافة وسائل التضليل الإعلامي لإقناع الجمهور بوجود "تقاطعات" بين تحركاته على الأرض وبين عمليات الجيش العربي السوري العسكرية، والحسم، تاليا، بأن هذا التنظيم ليس أكثر صنيعة لـ"النظام السوري"، وحليفه "النظام الإيراني" الذي اتهمته الولايات المتحدة، مجدداً، بالسماح لكبار مسؤولي "القاعدة" بالعمل على أراضيها، ولكن هذه المرة من باب تسهيل مرور ما يسمى "المقاتلين السنَة" إلى سورية! ومع أن البعض يرى، محقاً، أن مجرد التعاطي مع هذا النمط من المزاعم المنافية للمنطق والعقل والوقائع والمعطيات الصارخة، محض جنون وانحدار إلى درك ومستنقع الإرهابيين المحكومين بمقولة "أنا أقتل إذا أنا موجود"، ولاسيما في ظل تراكم الحقائق المتعلقة بجرائم الإرهاب المرتكبة بحق الشعب السوري من قبل هذه المجموعات التي تعتبرها واشنطن، والغرب عموماً، "معتدلة"، وبخاصة "الجبهة الإسلامية" التي ارتكبت، عشية جولة "جنيف2" الثانية، مجزرة مروّعة في قرية معان شمال مدينة حماة، ناهيك عن وضوح الموقف السوري المبدئي والحاسم من الإرهاب والإرهابيين، وبصرف النظر عن مسمياتهم وانتماءاتهم، ووضوح موقف إيران التي تتهمها وزارة الخزانة الأمريكية بالتغاضي عن مرور الأموال والمقاتلين الأجانب التابعين لـ "القاعدة" عبر أراضيها إلى الحدود التركية باتجاه سوريا، وبالأخص بعد إعلانها الاستعداد لمساعدة العراق عسكرياً في محاربة "القاعدة" التي "تكفّر" النظام الإسلامي وأغلبية الشعب الإيراني، غير أن الإصرار على إعادة وتكرار هذا التشويه والتضليل المتعمد من قبل جوقة المحطات الفضائية والثكنات الإعلامية المشاركة في الحرب على سوريا، عشية وخلال وبعد انعقاد الجولة الثانية من "جنيف2"، يؤكد السعي الأمريكي لتوظيف هذه البروباغندا الإعلامية التي تعتمد المثل العربي "رمتني بدائها وانسلّت"، واستخدامها في أكثر من ملف واتجاه. مقدمات هذا الاستخدام كانت قد بدأت، وفق المعطيات العديدة، قبل أن تكشّر إدارة أوباما عن أنيابها، وتتراجع عن مزاعمها بضرورة اعتماد "الحل السياسي" كخيار وحيد للخروج من مستنقع القتل والتدمير في سوريا، وقبل أن تعلن عن مراجعة الخيارات التي يمكن اللجوء إليها في سوريا، بما في ذلك إمكانية استخدام القوة والتدخل العسكري. ولعل المثال الأبرز على هذا التوجه الذي ضجّ به العديد من وسائل الإعلام والصحافة الأمريكية المقربة من صنَاع القرار في واشنطن، هو ما قدّمه الكاتب الأمريكي اليميني ديفيد بولوك على موقع "معهد واشنطن" عشية انعقاد "جنيف2"، وأكد فيه أن القضية التي تستحق المناقشة ليست "جنيف2"، بل هي "استئناف تقديم المساعدات الأمريكية من الأسلحة غير القاتلة إلى فصائل المعارضة السورية غير المنتمية للجهاديين"، ولاسيما إلى تنظيم "الجبهة الإسلامية". أما المبررات التي يقدمها فتتمثل في الزعم بانخراط ما يسميه "الجيش الحر" و"الجبهة الإسلامية" وغيرهما في "محاربة الإرهاب" في شمال سوريا، وتشجيع "المعارضة" على الاستمرار في "عملية جنيف"، وفرض ضغوط إضافية على النظام السياسي السوري، وتهميش المقاتلين الأكثر تطرفاً. غير أن الأكثر أهمية، برأيه، هو محاولة استعادة سمعة الولايات المتحدة وحلفائها، وتهدئة المخاوف التي تنتاب حلفاء أمريكا في منطقة الخليج من إمكانية رضوخ واشنطن للهيمنة الإقليمية الإيرانية في مقابل موافقة طهران على الوصول إلى حل وسط للأزمة النووية، واقتناص بوليصة تأمين جيدة للحفاظ على العلاقات والمصالح الإقليمية الأمريكية الأساسية في حال فشل الاتفاق مع إيران. كلهم "النصرة" و"داعش" ترجمة ما يقوله بولوك وأضرابه من مروجي البضاعة السياسية الأمريكية، تفيد بأن مزاعم واشنطن حول تفضيلها الحل السياسي في سوريا، وضرورة مواصلة الحرب ضد "الإرهاب" وأداته الرئيسية تنظيم "القاعدة"، مجرد دجل وكذب عار صريح، وهي ما زالت، وكما كانت على الدوام، تستخدم وتشغَل الإرهابيين في كافة أرجاء المنطقة والعالم. وعلى رغم أن أحدا في سوريا ليس بحاجة إلى تقديم البرهان على أن المجموعات المسلحة الفاعلة على الأرض السورية ليست أكثر من نسخ طبق الأصل عن "داعش" و"النصرة"، ولكن لا بأس من التذكير بأن التنظيم الأساسي الذي يروَج الأمريكيون وأدواتهم محاربته للإرهاب (الجبهة الإسلامية) أعلن جهارا نهارا، أن هدفه "إقامة دولة إسلامية" على غرار "دولة العراق والشام الإسلامية" التي تكفَر المسلمين، وتستعجل تطبيق "العهدة العمرية"، في أكثر نصوصها تشددا، على المسيحيين: الإسلام أو الجزية أو الرحيل. ولعل الدلالة التي لا تدحض، في هذا المضمار، هي مناشدة زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري للجماعات التي وصفها بـ"الجهادية" في سوريا، لوقف المعارك الدائرة بينها والتركيز على قتال ما أسماه النظام "العلماني الطائفي" الذي "تدعمه القوى الرافضية الصفوية وروسيا والصين وبتواطؤ من الحملة الصليبية المعاصرة"!! ولعل من المهم الإشارة، في هذا السياق، إلى أن كابوس الإرهابيين الذين توجهوا إلى سورية للانضمام إلى المجموعات الإرهابية المسلحة بعد تجنيدهم من قبل شبكات منظمة غضت الدول الغربية الطرف عنها، وسهَلت لها عملها، ودخلوا إلى سورية بتسهيلات من حكومة "رجب طيب أردوغان" في تركيا، بات يقض مضاجع الغربيين بعد إدراكهم لحجم المخاطر التي ستواجهها مجتمعاتهم بعد عودة هؤلاء الأشخاص، ما استدعى عقد عدة اجتماعات على مستوى عال، من بينها الاجتماع الذي عقد في بولندا قبل أكثر من أسبوعين، وشارك فيه وزراء داخلية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واسبانيا وايطاليا وبولندا، وأكد في ختامه وزير الأمن الداخلي الأمريكي جيه جونسون أن "المسؤولين الأمنيين في أوروبا يولون اهتماما خاصا للمتطرفين في دولهم الذين يذهبون إلى سورية لحمل السلاح" وخصوصا في ظل المعلومات المؤكدة عن سفر "أفراد من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا إلى سورية للقتال هناك في وقت يحاول متطرفون بشكل نشط تجنيد غربيين وأدلجتهم وإعادة إرسالهم إلى بلدانهم الأصلية لتنفيذ مهمات متطرفة". وتأتي هذه التحذيرات المتزايدة بعد أن كان وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس حذّر في مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، مع نظيرته البلجيكية جويل ميلكيه، من قيام منظمات قريبة من تنظيم "القاعدة" في سورية بتجنيد الشباب الأوروبي للقتال في سورية، مقدرا عدد هؤلاء بما بين 1500 و2000. ماذا عن العلاقة بإسرائيل؟! غير أن المفارقة التي تصر على الحضور في حمأة هذا النمط من التكفير والتطرف الذي استباح دماء المسلمين والمسيحيين، من كافة الطوائف والمذاهب والفرق، هي أن أحدا، في سوريا وغيرها، ليس بحاجة إلى طبعة جديدة من "ويكيلكس" للتيقَن من عمق العلاقة التي تربط هذه المجموعات الوهَابية التكفيرية الإرهابية التي تعمل على تدمير سوريا منذ نحو ثلاثة أعوام، ومن موقع ذيلي وظيفي، بالعدو الصهيوني، وكذلك من مدى ارتباط هجمات هذه الجماعات على أهداف عسكرية ومدنية حيوية سورية بالأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية، ومن مستوى التنسيق الميداني بين الجانبين، والذي لم يظهر منه في وسائل الإعلام، حتى الآن، سوى رأس جبل الجليد المتمثل في اعتماد الصهاينة آلية متطورة لتوفير الأدوية والغذاء والوقود والملابس للإرهابيين، ونقل مئات المصابين منهم للعلاج في المستشفيات العسكرية والمدنية الإسرائيلية، وإنشاء نظام اتصالات وتواصل معهم ومع قياداتهم، ذلك أن هذه "العروة الوثقى" التي تربط الطرفين باتت تتجاوز التحليل والتقدير والاستنتاج والاستخلاص من عوارض وأحداث معينة، إلى الحدود التي جعلت الكاتب الإسرائيلي أيهود ميعاري يؤكد، في مقاله المنشور في "معهد واشنطن لسياسات الأدنى" القريب من اللوبي الصهيوني في أمريكا، بأن الإرهابيين في سوريا يقاتلون كتائب الجيش السوري في المنطق المحاذية للجولان المحتل "وهم مطمئنون إلى أن جيش "الدفاع" الإسرائيلي يحمي ظهورهم". وعلى الرغم من أن هذا التوظيف الإسرائيلي لمجموعات الإرهاب في سوريا، من الوجهة المنطقية والواقعية، يعد أمرا طبيعيا انطلاقا من أوجه الشبه الكثيرة، فكرا وسلوكا، بين الطرفين، ولا سيما حيال المزاعم الدينية المتطرفة، والنظرة العنصرية التكفيرية، وعمليات القتل وارتكاب المجازر، والتجمع من أربع أصقاع الأرض لإقامة "الدولة الدينية" عن طريق الإرهاب والإبادة، وتدمير كل ما هو وطني وقومي عربي، ناهيك عن إشهار بعض الحكام العرب الذين يموَلون ويسلحون ويصدرون الأوامر للإرهابيين، صداقتهم العميقة (والقديمة) لإسرائيل، وتحويلهم وجهة الصراع نحو إيران وحلفائها في "محور المقاومة"، وفق أسس طائفية ومذهبية. غير أن ثمة رزمة من المزاعم والأكاذيب التي يجري ترويجها للتدليس على الواقع، والتخفيف من وطأة الارتباط الجليَ والعمالة المكشوفة لإسرائيل التي لم يتورع وزير حربها موشيه يعالون عن إبداء الخشية مما أسماه "الخطأ الغربي الجديد، ألا وهو انتهاج الديمقراطية عن طريق الانتخابات"، والزعم بأن سياسة إسرائيل في الأحداث السورية هي "عدم التدخل، وحماية المصالح من خلال ثلاثة خطوط حمراء: عدم نقل أسلحة متطورة إلى "حزب الله"، وعدم نقل أسلحة كيماوية إلى جهات معادية، وخرق سيادة إسرائيل في هضبة الجولان"! ويبدو أن المحور الذي ترتكز عليه حملة التضليل حيال علاقة تل أبيب بالإرهابيين هو الزعم بوجود خشية إسرائيلية من تنامي دور الجماعات المسلحة المتطرفة، خصوصاً تلك القريبة من تنظيم "القاعدة"، في المناطق الحدودية مع الجولان المحتل بشكل خاص، وجنوب سوريا بشكل عام، ما يضطر حكومة نتنياهو إلى "زيادة دعمها للمسلحين المعارضين "المعتدلين" في جنوب سوريا". وهؤلاء "المعتدلين"، وعلى غرار ما تروَج دول الغرب وبعض الدول العربية والإقليمية و"ائتلافهم" الذي رفض في "جنيف2" أي حديث عن الإرهاب، هم "الجبهة الإسلامية" وامتداداتها التي تعلن، في وثائقها، أنها تتبنى برنامج "القاعدة"، وأن هدفها تكريس "قيادة شرعية للأمة" و"إقامة دولة الخلافة الإسلامية". واشنطن وإزالة الالتباس في كل الأحوال، وبالعودة إلى الصلة الوثيقة التي تربط واشنطن بمسألة الإرهاب في سوريا، والتي باتت تقض مضاجع بلدان وشعوب المنطقة، بعد أن تحوَل تنظيم "القاعدة" وفروعه وأذرعه المباشرة وغير المباشرة إلى خطر داهم على المنطقة والعالم، وبعد أن أغرق هذا التنظيم مجمل المنطقة، وخاصة سوريا، في دوامة القتل والتدمير والعنف الاستعراضي المجاني الانتحاري المتوكئ على كم هائل من الحقد والغل وكره الآخر، لا يبدو في الأفق ما يؤشر على أي تغيير جدي في سياسات واشنطن التي تنتظم في مسارين اثنين: المسار الدبلوماسي الذي اضطرها تراجع وزنها النوعي، وارتفاع منسوب ضعف أدواتها في المنطقة والميدان، إلى خوض غماره، والمسار العسكري المسلح على الأرض السورية، بعد تقديم تنظيم "داعش" كأضحية على مذبح الإرهابيين الآخرين. ويبدو، وفق كل المعطيات، أن الولايات المتحدة بصدد رفع مستوى دعمها لتنظيم "القاعدة" وتشعباته، وإمداد الإرهابيين بالأسلحة وتدريب العناصر المنتمية إليهم، فضلا عن تقديم التسهيلات المتعلقة بالتنقل وعبور الحدود السورية، سواء من الأراضي التركية أو الأردنية إلى داخل الأراضي السورية، وإدارة التنسيق مع العديد من البلدان في مجال توفير الأموال للمنظمات الإرهابية التي ترسل أفرادها بالآلاف إلى داخل سوريا. ولأن ثمة التباسا ما زال مقيما لدى البعض حول حقيقة علاقة الولايات المتحدة بالإرهاب الذي تم اعتماده وتوظيفه في خدمة مصالح الولايات المتحدة، فإن من الضروري التذكير بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" هي التي اعترفت بتدبير الانقلاب الذي أسقط رئيس الوزراء الإيراني الأسبق محمد مصدق عام 1953، والذي لم يكن سوى إحدى حلقات سلسلة انقلابات وتمردات عبر العالم دبرتها الوكالة، من بينها إسقاط رئيس غواتيمالا جاكوبو اربينيز عام 1954، بعد شروعه في تطبيق سلسلة إصلاحات زراعية هددت ممتلكات "شركة الفواكه المتحدة" العملاقة الأمريكية؛ المساهمة في إزاحة باتريس لومومبا، رئيس وزراء الكونغو، عن السلطة عام 1960، عبر تدخل عسكري قامت به القوة المستعمرة السابقة بلجيكا، بدعم من واشنطن، ومن ثم استهدافه، من قبل الـ"سي. آي. إيه" بعد طلبه إمدادات من الاتحاد السوفييتي؛ تقديم الدعم لانقلاب قاده رئيس هيئة أركان الجيش البرازيلي همبرتو كاستيو عام 1964ضد حكومة الرئيس خواو غولار الذي خشيت واشنطن أن يقوم "بتحويل البرازيل إلى صين الستينات"، حسب تعبير السفير الأمريكي لينكولن غوردون. وأخيرا وليس آخرا، طلب الرئيس ريتشارد نيكسون من الـ"سي . آي . إيه" جعل "اقتصاد تشيلي ينهار" بعد انتخاب سلفادور أليندي ديمقراطياً رئيساً للبلاد. وقد عملت الوكالة مع ثلاث مجموعات تشيلية، كانت كل منها تخطط لانقلاب ضد الرئيس المنتخب منذ 1970، وذهبت الوكالة إلى حد تقديم أسلحة، إلا أن خطط الانقلاب انهارت بعد أن فقدت الوكالة ثقتها بالمتآمرين، وعندئذ ركزت الولايات المتحدة على خططها لتعطيل الاقتصاد التشيلي، إلى أن قاد الجنرال أوغستو بينوشيه انقلابا ضد أليندي عام 1973. أمريكا والمقاربة الزئبقية تحت ظلال هذا الكم من التدخلات الدموية الإرهابية، تتبدى ازدواجية المعايير الأمريكية حيال مسألة الإرهاب، والتي تعود إلى سنوات بعيدة سابقة على وصف الإرهابيين اليهود في فلسطين الذين ارتكبوا أبشع المجازر بـ"المقاتلين من اجل الحرية"، كما تتضح حقيقة أن التعامل الأمريكي مع موضوع الإرهاب يتسم بما يمكن وصفه بـ"الزئبقية"، وأن مقاربة واشنطن لهذه القضية تتلخص في أن الإرهابيين يتبدلون وفق الظروف والمعطيات والمصالح. فضلاً عن أن الولايات المتحدة لم تستخدم لفظ "الإرهاب" فقط كمبرر لقتل المدنيين باستخدام طائرات بلا طيار، وتبرير شن حروب على دول لا خطر منها، ولا تشكل أي تهديد حقيقي، بغية تحقيق أهداف غير معلنة لا تتفق مع المبادئ الإنسانية السائدة، بل استعملته كذلك، وبتغطية جلية من وسائل الإعلام التي تعتمد المبالغة في التهديدات الإرهابية ضد الولايات المتحدة، بهدف تعزيز السياسة الأمريكية المتسمة بالعدوانية، وخلق دعم عام لهذه السياسات، لانتهاك بنود الدستور الأمريكي والتقاليد والعادات المرتبطة به، وتاليا، لـ"الانقلاب" على الديمقراطية، وتوسيع قائمة التعديات على الحقوق المدنية، وتقييد حقوق الأفراد وحرية التعبير، واللجوء، استناداً إلى تشريعات برلمانية وأوامر رئاسية، إلى اعتقال مئات الأشخاص، بصورة سرية، وتمييع الأنظمة الخاصة بالتنصت على الاتصالات، وطرح مشاريع لإنشاء محاكم عسكرية سرية تحاكم المشتبه بأنهم إرهابيون. وعليه، وبناء على ما تقدم، يمكن وضع الولايات المتحدة في مقدمة الدول الداعمة للإرهاب، والمثيرة للقلق، كونها، ليس فقط تصنّع وترعى وتوظف الإرهابيين الذين تزعم محاربتهم، وتشن الغارات، عبر طائرات من دون طيار، على أهداف مختلفة في دول مستقلة، أدت إلى قتل نحو 4700 شخص بينهم مدنيون، حسب اعتراف السيناتور ليندسي غراهام في شباط/ فبراير 2013، وإنما أيضاً لأن رئيسها باراك أوباما الذي تعهّد في كانون الثاني/ يناير 2009 بإغلاق معتقل غوانتنامو خلال عام، دون أن يفي بذلك حتى اليوم، ادّعى، مثلما فعل قبله الرئيس جورج بوش، أنه مخول سلطة إصدار أمر بقتل أي مواطن يعتبر إرهابياً أو محرضاً على الإرهاب، وأنه، والجيش الأمريكي، وبموجب قانون وقَعه في تموز/ يوليو الماضي، أصبحا مخوّلين اعتقال أشخاص يشتبه بضلوعهم في الإرهاب إلى أجل غير مسمى، كما أصبح الرئيس أصبح يقرر ما إذا كان شخص سيحاكم أمام المحاكم المدنية الاتحادية، أو أمام محكمة عسكرية، وبإمكانه أيضاً أن يأمر بعمليات مراقبة من دون مذكرات قضائية، بما في ذلك إرغام الشركات والمؤسسات على تسليم معلومات تتعلق بمالية مواطنين واتصالاتهم وشراكاتهم. كما يجوز للحكومة استخدام "أوامر بداعي الأمن القومي" لكي تطلب، من دون إبداء الأسباب، من الشركات والمؤسسات تسليم معلومات بشأن مواطنين، وأن تأمرها بعدم إطلاع الطرف المعني على الأمر. في موازاة ذلك، تقوم الإدارة الأمريكية، وبانتظام، باستخدام أدلة سرية من أجل اعتقال أفراد، كما تستخدم مثل هذه الأدلة في المحاكم الاتحادية والعسكرية، وهي تفرض، أيضا، رد دعاوى مرفوعة ضدها، من خلال تقديمها مذكرة تقول إن هذه الدعاوى ستجعل الحكومة تكشف عن معلومات مصنفة سرية، ما يلحق ضررا بالأمن القومي. وعلى غرار ما قامت به إدارة بوش، أعلنت إدارة أوباما عام 2009 أنها لن تسمح بفتح تحقيقات مع موظفي وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، أو بإحالتهم إلى المحاكمة جراء هذا العمل، ما شكّل انتهاكا لالتزامات الولايات المتحدة بموجب معاهدات دولية، ولمبادئ محكمة نورمبيرغ المتضمنة في القانون الدولي. فضلا عن ذلك، واصلت الحكومة الأمريكية اللجوء إلى محكمة مراقبة الاستخبارات الأجنبية التي وسعت نطاق أوامر القبض السرية التي تصدرها، بحيث تشمل أفرادا تعتبر أنهم يساعدون أو يتواطئون مع حكومات أو منظمات أجنبية معادية. وفي عام 2011 مدد أوباما العمل بهذه السلطات التي تشمل التفتيش السري لأفراد ليسوا أعضاء في مجموعة إرهابية قابلة للتحديد، وأعلنت الإدارة أن لها الحق في تجاهل القيود التي فرضها الكونغرس على عمليات المراقبة هذه. وعلى ذات الدرب الذي سارت عليه إدارة بوش الابن، دفعت إدارة أوباما لضمان الحصانة للشركات التي تساعد الحكومة في مراقبة مواطنين من دون أوامر قضائية، ودافعت عن ادعائها امتلاك سلطة استخدام أجهزة نظام تحديد المواقع العالمية من أجل رصد كل حركة يقوم بها المواطنون المستهدفون بالمراقبة، من دون مراجعة قضائية، أو الحصول على أي أمر قضائي. كما تقوم هذه الإدارة بنقل مواطنين وغير مواطنين، على السواء، إلى بلد آخر، بموجب نظام يعرف باسم التسليم الاستثنائي. وفي هذا السياق، اقترفت الإدارة وسهَّلت عمليات اعتقال تعسفي واختفاء قسري، وأقامت معتقلات سرية، كما نظمت عمليات "ترحيل سري" (ترحيل السجناء بين الدول دون اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة)، بما في ذلك إلى أماكن تعرض فيها الأفراد للتعذيب، ولانتهاكات لحقهم في محاكمة عادلة، ولتعذيب ومعاملة قاسية أو لا إنسانية. واعتقل، في إطار هذه السياسة، مئات الأشخاص لفترات مطولة دون تهمة أو محاكمة في عدد من المرافق المنتشرة في أنحاء شتى من العالم، بما في ذلك خليج غوانتنامو في كوبا، وباغرام في أفغانستان، وقامت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، كذلك، بالتواطؤ مع دول أخرى، باحتجاز أشخاص في سجون سرية خارج الولايات المتحدة الأمريكية. كاتب فلسطيني(*) |
||||||