الأبعاد الإستراتيجية للعلاقات السورية ـ الإيرانية
"فلسطين هي القضية"

السنة الثالثة عشر ـ العدد 147 ـ ( جمادى الاولى 1435 هـ) آذار ـ 2014 م)

بقلم: معين عبد الحكيم*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

عندما بدأت الشكوك تثار حول نية الثورة الإسلامية بتصدير نفسها إلى دول الجوار، اتخذت بعض الدول الإقليمية والعالمية مواقف غير مؤيدة ومن ثم معادية لها، اصطفت السياسة السورية إلى جانب الثورة الإيرانية مدفوعة بالحرص على تمكين الثورة الوليدة بالوقوف على قدميها والاستفادة من إمكاناتها ودعمها في مواجهة العدو الإسرائيلي وتحرير المحتل من أراضيها، وبالخوف من أن يتحول الصراع إلى غير وجهته الصحيحة.

وكما كانت العلاقات السورية الإيرانية محط اهتمام ومتابعة من القيادتين السورية والإيرانية لجهة تقويتها وتطويرها وصولا إلى انجاز متطلبات ما تقتضيه عملية الوصول إلى علاقات إستراتيجية بين الدولتين، فإنها بالمقابل برزت كهدف للتأمر والتخريب في دائرة اهتمام القوى غير المؤيدة والمعادية تحت عناوين وحجج مختلفة يغلب عليها الزيف والتضليل, مما جعل السياسة السورية ترد عليها بزيادة التمسك بمبادئها الوطنية والقومية وبخيار المقاومة وتعزيز علاقتها مع إيران، ولكن مع الإبقاء على مساحة بينها وبين السياسة الإيرانية لتحافظ من خلالها على استقلالها وتحيزها لبعض القضايا الأكثر ارتباطاً بمصالحها العربية والدولية, وكما ربحت سورية بموجب هذه الاستقلالية، لم تخسر إيران لأن المصالح الإستراتيجية لكلتا الدولتين بقيت مصانة.

العمق التاريخي للعلاقات

اتخذت العلاقات السورية الإيرانية منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام1979 بعدها الاستراتيجي من خلال تلاقي إرادتي البلدين وحرصهما على تعزيز التعاون في جميع المجالات ورفض الإملاءات الخارجية والتدخلات الأجنبية وتطابق الرؤى والتشاور المستمر لإيجاد الحلول لقضايا المنطقة والتأكيد على الحقوق العربية الثابتة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية واستعادة سورية للجولان المحتل.

ودَأَبَ البَلَدَان على استمرار التشاور والتنسيق بما يعزِّز الأهداف المشتركة ويفعل مسيرة التعاون الثنائية انطلاقاً من الرغبة في العمل الجاد لتكريس الأمن والاستقرار في المنطقة وإرساء أسس تخدم مصلحة الشعبين وشعوب المنطقة بشكل عام. ولقد أعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ انتصار ثورتها قبل خمسة وثلاثين عاماً دعمها للحقوق العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وأكدت دائماً دعمها لحق سورية في استعادة الجولان المحتل. وقدمت الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في البلدين مؤشراً على أن العلاقات السورية الإيرانية إستراتيجية. كما جاءت اجتماعات اللجنة العليا السورية الإيرانية المشتركة في دوراتها المتعددة استكمالاً للخطوات التي قطعها البلدان سابقاً في مجال تعاونهما الاقتصادي والتي أسهمت في زيادة حجم الاستثمارات المشتركة في سورية لتصل إلى مليار ونصف المليار دولار منها950 مليون دولار في القطاع الصناعي.

بالإضافة إلى ذلك فإن التعاون السوري الإيراني يشمل مجالات أخرى عديدة مثل حماية البيئة والإعلام والطاقة الكهربائية والمواصفات والمقاييس والإدارة المحلية ومجلس رجال الأعمال والتجارة والاستثمار والمجالات المصرفية والجمركية والتخطيط والصناعة والنفط والغاز الطبيعي والكهرباء والنقل بكل أنواعه والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والصحة والتقانة والتربية والتعليم العالي والزراعة والسياحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتدريب الفني والمهني والإسكان والتعمير والري والرياضة والشباب.

ولا ينفصل الحديث عن العلاقات السورية الإيرانية والتي أكسبتها أكثر من ثلاثة عقود من الديمومة والاستمرار والعمق عن الإرث التاريخي لهذه العلاقات والتي أعطاها الإسلام بعداً روحياً وحضارياً وثقافياً بالإضافة إلى العامل الجيو/سياسي والاقتصادي والأمن المشترك.. وهنا لا بد من الإشادة بفكر القائدين الراحلين حافظ الأسد والإمام الخميني اللذين أدركا عمق وعظمة المهمة للثورة الإسلامية في إيران وللأمة العربية ودورها الحضاري والإنساني في التاريخ.. وما تجسده إيران الإسلامية في تصديها للمهمة الجديدة في العلاقة بين العروبة والإسلام في مواجهة قوى الاستكبار العالمي والصهيوني وإطماعها, في البلاد العربية والعالم الإسلامي..

لقد أدرك الزعيم الراحل حافظ الأسد أن الثورة الإسلامية في إيران قد أعادت إيران إلى وضعها الصحيح في طليعة الدول الإسلامية التي تدعو إلى العدل والحرية ومكافحة الظلم وتحرير الشعوب.. واعتبر أن هذه الثورة تشكل إضافة نضالية إلى شعوب العالم المناضلة من أجل الحرية وتتحمل المسؤولية في مواجهة مؤامرات الاستكبار العالمي والصهيونية العالمية ضد العالم العربي والإسلامي.. وكان للإمام الخميني في خُطَبِه قبل الثورة وكتبه التي ألفها ومحاضراته التي ألقاها أكبر الأثر في إلهاب مشاعر الشعب الإيراني وقيادته في طريق الثورة ضد الظلم والعبودية منذ أن اعترف الشاه بـ"إسرائيل" 1960 وحاول ربط إيران بالمشاريع الاستعمارية في المنطقة الذي جعل الشعب الإيراني ينتفض على الظلم ويتعرض للعسف والطغيان وخروج الإمام الخميني إلى النجف الأشراف.. ثم مهاجراً إلى باريس ليقود ثورة من أكبر الثورات الإنسانية في القرن العشرين على الظلم والطغيان والاستعمار العالمي في المنطقة..

إن الممارسة العملية لفكر القائدين الراحلين في أرض التطبيق هو الذي أعطى لهذه العلاقة الإستراتيجية الديمومة والعمق والاستمرار في ظل فهم مشترك لمرحلة التحول التاريخي التي تتم في العالم وفي المنطقة مع الحرص على المصالح المشتركة وتخليصها من الشوائب والسلبيات.. ما أعطاها القدرة على أن تكون نموذجاً يحتذى به في العلاقات الإيجابية بين الدول..

سورية والثورة الإسلامية

بعد اتفاقية الجزائر في عام 1975 بين الشاه وصدام حسين، طلب الشاه من صدام إخراج الإمام الخميني من العراق فخرج إلى تركيا ثم إلى فرنسا. في هذه الأثناء عرض الرئيس حافظ الأسد على الإمام الخميني لجوءاً وإقامة في سوريا ولكنه فضَّل الذهاب إلى باريس. إضافة إلى ذلك كان الرئيس حافظ الأسد يحتضن بعض قيادي الثورة الإسلامية في سورية ويقدم لهم العون وكان على اتصال مع الإمام الخميني. ولمّا قامت الثورة في طهران كانت سورية أول الدول المعترفة بها والمساندة لهذه الثورة.. وتحمّل الرئيس حافظ الأسد الضغوط الكبيرة لكي يغير موقفه ولكنه بقي مسانداً للحق.. وللشعب الإيراني الشقيق.. وهو ببصيرته النافذة عمّق العلاقة بين الشعبين وتراثهما الروحي وكثيراً ما قال الرئيس الراحل مقولة (إن العروبة جسد والإسلام روح) وهكذا خلق فضاءً روحياً للعلاقات السورية الإيرانية وبعداً استراتيجياً في قضايا الأمن المتبادل ضد الأعداء المشتركين وبعداً اقتصادياً يتجلى في المصالح الاقتصادية المشتركة للبلدين.

والدارس لخطب وكتب الإمام الخميني قبل الثورة وبعدها يلاحظ تركيز الإمام الخميني "قده" على الإخوّة الإسلامية وعلى ضرورة توحيد جهود الأمة الإسلامية ويعتبر أن رسالة الإسلام هي رسالة إنسانية حضارية للبشرية جميعاً، ونبّه للمؤامرات التي تحاك ضد المسلمين وركّز على أهمية فلسطين للأمة وعلى رموزها الدينية في القدس والمسجد الأقصى وقبة الصخرة ودعا المسلمين إلى الوحدة والجهاد في سبيلها..

كما أن الدارس لفكر الزعيم حافظ الأسد يلاحظ الشيء ذاته فلم يعتبر الصراع العربي الإسرائيلي هي قضية حدود بل قضية وجود بين غزو صهيوني استعماري يستهدف الأرض والشعب والعقيدة، وبين أمة لها تاريخها وعقيدتها وحقوقها هي الأمة العربية وعمقها الاستراتيجي الأمة الإسلامية.. واعتبر أن قضية فلسطين ذات بعد وطني وعربي وإسلامي وإنساني وأن نضالنا هو جزء من نضال العالم الثالث وحركته الوطنية ضد الظلم والطغيان والصهيونية والاستعمار.. وبهذا التقت أفكار القائدَيْن حافظ الأسد والإمام الخميني.. وامتدت علاقة إستراتيجية بينهما تتقوى يوماً بعد يوم.. وتزداد مكانتها لدى الشعبين وفي المنطقة العربية والإسلامية والعالم أجمع..

أن الدائرة الإسلامية هي عمق استراتيجي للأمة العربية.. وأن حديث البعض عن وصف المقاومة في لبنان أو فلسطين أنها حركات إيرانية هي محاولة لضرب العرب والمسلمين وإضعافهم وهي خدمة تقدم للمشروع الصهيوني الأمريكي لتجزئة المنطقة وسنذكر في هذا الجانب حديثين بينهما حوالي ثمانين سنة تقريباً.. الأول ورد في تعليق شكيب ارسلان على حاضر العالم الإسلامي وتحدث من خلاله عن رؤيته لارتباط الأخوة الفرس بقضايا المسلمين بصورة عامة وقضية فلسطين بصورة خاصة في فترة ما بين الحربين أثناء مرحلة الغزو الصهيوني ثم يتابع قائلاً (إن الدولة الفارسية لا تزال دولة إسلامية وحامية للتشيّع في الإسلام وقد لحظ كل من زار بلاد العجم حتى الأوروبيين أن الأمة الفارسية تشعر بشعور العالم الإسلامي جميعه.. فتهتم لتركيا ولبلاد العرب ولمصر وللمغرب ولكل بلاد الإسلام اهتماماً أكيدا.. ويضرها ما يضر المسلمين ويسرها ما يسرهم) وضرب مثلاً كيف انعقد المؤتمر الإسلامي في القدس 1932 وكيف قام بإمامة المؤتمر المجتهد الكبير حسين كاشف الغطاء الأمر الذي أبهج المسلمين جميعاً... ولم يكن هناك فرق ين سني وشيعي.. لقد وحدت فلسطين والقدس بين المسلمين جميعاً وانتخب المؤتمر صلاح الدين الطباطبائي من إيران أميناً عاماً له.

كما تذكر الكتب التاريخية لنضال الشعب الإيراني أن آية الله الكاشاني قاد المظاهرات في طهران ضد قيام "إسرائيل" وتطوّع خمسة آلاف مجاهد إيراني للذهاب إلى فلسطين 1948 ولكن الشاه لم يسمح لهم بالخروج.

والحديث الثاني هو حديث السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله رداً على العلاقات مع إيران بما يلي: (علاقتنا مع إيران ليست تنظيمية بالمعنى السائد، وإيران دولة إسلامية تؤمن بالإسلام وتعمل على تطبيقه، ونحن كحركة إسلامية نحترم أي نظام سياسي يتبنى الإسلام والصراع مع العدو الإسرائيلي الذي هو قضيتنا المركزية ـ إننا في لبنان نعيش هذا الصراع ونواجه الاحتلال) ثم يتابع السيد نصر الله قائلاً: (إننا نميز في العلاقة مع إيران بين موقعين، موقع النظام وموقع المرجعية الدينية، علاقاتنا بالنظام هي علاقة تعاون ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه ولكن النظام لا يشكل بالنسبة إلينا مرجعية سياسية ودينية) انتهى الحديث..

ومن هذا المنطلق تتوضح موضوعية اللقاء السوري الإيراني بالأهداف والإستراتيجية وهو يأتي في المحصلة لصالح النضال العربي والإسلامي من أجل الاستقلال والحق والسيادة ويعتبر بعض العرب السائرين في الركب الأمريكي أن إيران عدو محتمل للعرب بزعم أن لإيران أطماعاً في الخليج مستغلين الخلاف بين الإمارات وإيران على الجزر المتنازع عليها في الخليج.

وقد دعت سوريا إلى حل الخلاف بروح الأخوة العربية والإسلامية.. والقول بالتساوي بين إسرائيل وإيران في العداء للأمة العربية هو محاولة استعمارية للوقيعة بين العرب وبين إخوانهم المسلمين في دول الجوار الجغرافي.. إيران وتركيا.

إن الولايات المتحدة تعتبر "إسرائيل" جزءاً لا يتجزأ مهماً من أمنها القومي ولديها معاهدات معها للحفاظ على أمنها ولو أدى ذلك إلى تدخُّلها عسكرياً إذا اقتضى الأمر.. كذلك فقد اعتبرت الولايات المتحدة إسرائيل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط.. ولم تنظر إلى جرائمها المتكررة ضد الشعب العربي في فلسطين والشعوب في الأقطار العربية منذ نشوئها. كما وقامت بحماية جرائمها في الإبادة الجماعية وانتهاك حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية وانتهاك القانون الدولي وقتل المدنيين والأسرى وغير ذلك من الجرائم بما فيها استعمال الأسلحة الفتاكة المحرمة دولياً.. فأي ديمقراطية هذه التي يدعونها.. الولايات المتحدة شريكة في هذه الجرائم باعتبارها تمد إسرائيل بالسلاح والدعم الاقتصادي والسياسي بالإضافة إلى جرائم أمريكا في أفغانستان والعراق وقتلها الملايين وفضائح السجون في غونتانامو وأبو غريب وباغرام والسجون السرية حول العالم إضافة إلى سياسة الكذب والخداع والتزوير والفساد والجنس والرشوة التي مارسها القادة الإسرائيليون والأمريكيون من خلال ما تقدم والشواهد على ذلك كثيرة.

لقد وقفت إيران وسورية ـ من منظور عربي وإسلامي وبرؤية إستراتيجية ـ مع كل الشرفاء في الوطن العربي والعالم الإسلامي والعالم أجمع ضد هذه السياسة العدوانية على العرب والمسلمين وهي تمارس في ذلك حقاً مشروعاً في الدفاع عن النفس والهوية وانتماء العربي الإسلامي في هذه المنطقة.

قضية المسلمين الأولى

أخذت القضية الفلسطينية منذ اندلاع الثورة الإسلامية مكانة خاصة في السياسة الخارجية الإيرانية على مستوى منظومة القيم الأيديولوجية وعلى مستوى السياسات والأدوات المستخدمة للتعامل معها. لقد كان عرفات أول مسؤول أجنبي يزور طهران وتحول مبنى السفارة الإسرائيلية إلى مقر لتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن قطعت القيادة الإيرانية الثورية علاقاتها مع إسرائيل ثم بعد ذلك مع مصر بسبب معاهدة السلام المبرمة بين الدولتين. ظلت فلسطين والدعوة للجهاد من الأبعاد الثورية الهامة في الخطاب الأيديولوجي الرسمي على الرغم من انفصام عرى العلاقة بين السياسة الخارجية الإيرانية وكثير من المبادئ الأيديولوجية الثورية مثل تصدير الثورة وغيرها، فالحل النهائي لمشكلة الفلسطينيين عند الإمام الخامنئي ما زال يكمن في الجهاد الكامل ضد النظام الصهيوني.

لقد استمرت إيران في عدم الثقة في النهج السلمي وقدرة الاتفاقيات المبرمة على حسم الصراع لصالح الفلسطينيين أصحاب الحق، لقد أعلن كمال خرازي وزير خارجية إيران السابق في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2000 أن "السلام مع إسرائيل ليس إلا سراباً". بل كان أسلوب المواجهة العسكرية هو المعتمد لديها وكانت المساندة الإيرانية لحزب الله في لبنان أبرز دليل على ذلك. كما كونت الجمهورية الإسلامية الإيرانية علاقة خاصة بحماس والتي تعد إحدى أهم دعائم السياسة الخارجية الإيرانية في تعاملها مع قضايا الصراع العربي الإسرائيلي حتى وإن اقتصر الدعم على البعد المعنوي كما يؤكد الطرفان.

وجاء نجاح حزب الله في فرض الانسحاب على قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان في الوقت الذي تعثرت فيه اتفاقيات السلام العديدة المبرمة منذ اتفاق أوسلو وتفجر الانتفاضة الثانية أو ما عرف بانتفاضة الأقصى ليزيد من نبرة الثقة في الخطاب الرسمي الإيراني معلناً في أكثر من موضع صواب وحكمة موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الصراع العربي الإسرائيلي. وفي المقابل على الجانب العربي أشادت بعض الأطراف العربية مثل سوريا ولبنان في أكثر من مناسبة بالموقف الإيراني من جنوب لبنان.

لقد أوضح الرئيس محمود أحمدي نجاد الرؤية الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية وحل الوضع المتأزم في الأراضي الفلسطينية في مناسبات عدة والتي تدور حول مفهوم الدولة الفلسطينية متعددة الأديان multi-faith state التي كانت قائمة قبل 1948، فقد نادى أحمدي نجاد: "بعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين" وباستفتاء ديمقراطي للسكان الأصليين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً لتقرير الشكل المستقبلي للحكم. ويتلخص الهدف هنا في إنشاء دولة فلسطينية ديمقراطية على كل فلسطين التاريخية وتكون عاصمتها القدس؛ وعلى الدولة المستقلة أن تحدد من يعيش فيها. فوفق هذه التصريحات فإن "النظام الصهيوني، الذي تأسس على مذابح الفلسطينيين واحتلال أراضيهم وتوسيع احتلالها من خلال دعم القوى الاستعمارية، هو نظام غير شرعي" وأن مساندته يعد خرقا لحقوق الإنسان التي طالما رفعتها الولايات المتحدة لأنها تقف في مواجهة أصحاب الحق الحقيقيين. وقد أشار الرئيس السابق محمد خاتمي إلى إسرائيل باعتبارها "أكبر عدو للعالمين العربي والإسلامي". واعتادت إيران أن تصف إسرائيل بأنها نموذج "للإرهاب الحكومي" ربما يكون التأكيد على هذا الوصف نوعا من الرد على ما تتهم به إيران من كونها دولة إرهابية.

بل وأكثر من ذلك أعلنت إيران على لسان قائدها آية الله السيد علي الخامنئي أن الكيان الصهيوني هو المصدر الرئيسي للأزمة في المنطقة ولذا لا بد من محوها، فالهدف الرئيسي وراء خلق إسرائيل في المنطقة هو زرع الخلاف بين المسلمين. وليس هناك قوة تستطيع محو فلسطين من التاريخ والحضارة الإنسانية. ومن ثم فعلى مستوى الخطاب الأيديولوجي الرسمي الذي يمثله المرشد ما زال هناك أهداف مثالية مثل القضاء على إسرائيل وهي الأهداف التي تخلى عنها العرب أنفسهم سواء دول مواجهة أو غيرها منذ فترة بعيدة، وهو التصور الذي يضفي خصوصية على الرؤية الإيرانية حتى ولو انحصرت على مستوى الخطب الرسمية. وتعد إيران معارضاً رئيسياً وسط الدول الإسلامية لأي تحسين للعلاقات مع إسرائيل التي لا تعترف بوجودها.

وربطت إيران مثلها مثل معظم الدول العربية والإسلامية بين العدوان الإسرائيلي الفظ على الشعب الفلسطيني الأعزل والتمادي فيه وبين الموقف الأمريكي المتخاذل أمام حليفه الإستراتيجي الأول في منطقة الشرق الأوسط. وفي وضع آخر كثر الهجوم الإيراني على الولايات المتحدة بالنظر لما تدعيه من كونها المدافع الأول عن حقوق الإنسان في وقت تتجاهل فيه عمليات القتل المنظمة التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي، فهي الازدواجية الأمريكية التي شاركت فيها إيران العالم العربي انتقاده للموقف الأمريكي، كما هاجم كل من العرب وإيران التأثير الإسرائيلي الفعال على الإدارة الأمريكية باعتبار أن السياسات الأمريكية ليست إلا انعكاساً لضغوط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.

فلسطين هي جنوب سورية

يقول الرئيس حافظ الأسد: "إن فلسطين ليست جزءاً من الوطن العربي وحسب، وإنما هي الجزء الأساسي من جنوب سوريا، ونحن أيضاً نرى أن من حقنا ومن واجبنا ولا نستطيع أن نتنازل عن الحق ولا نتخلى عن الواجب، نرى من حقنا ومن واجبنا أن نصمم على أن تبقى فلسطين جزءاً محرراً من وطننا العربي ومن قطرنا العربي السوري". هذه الكلمات وهذا النص يؤكد الحقيقة التاريخية والجغرافية والجيولوجية من أن سوريا الطبيعية هي إقليم واحد أكدت ذلك كل المجريات التاريخية وغيرها ولكن اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور جاءا لكي يلغيا هذه الحقيقة التي لم تلغ أبداً طالما أن العرب متمسكون بنهج القائد الخالد النهج القومي العربي الذي وضع برنامجاً خلاقاً ليتمكن العرب من إعادة الدور الذي فقدوه إليهم ولكي تتمكن الأمة العربية الواحدة من تحقيق رسالتها الإنسانية.

لقد تجسدت كلمات القائد الخالد في علاقته بفلسطين فعلاً نضالياً قبل أن تتبلور فكراً ونهجاً00فكل المقربين منه يؤكدون أن قضية فلسطين وقضايا الشأن العام كانت تشغل باله منذ أن كان طالباً في المدرسة الابتدائية ومن ثم الإعدادية في محافظة اللاذقية، وهذا انعكس فعلاً في مشاركته في المظاهرات التي كانت تقوم بمناسبات وطنية وقومية حيث أنه شارك في هذه الأنشطة ودعا إليها، ثم تبلور ذلك في الحركة الطلابية التي أصبح قائداً لها والتي اعتبرت أن قضية فلسطين أساسية يجب الدفاع عنها، ثم تطور هذا الفصل عندما رأى القائد الخالد في التطوع بالجيش والقوات المسلحة طريقاً من أجل استرداد الحقوق المغتصبة. ولم يكن ينظر أبداً إلى القضية الفلسطينية على أنها قضية الشعب الفلسطيني بل هي قضية الشعب العربي السوري:

"إن القضية الفلسطينية كانت قضية الشعب العربي السوري بكامله، قبل أن تكون قضية أية منظمة فلسطينية، وقبل أن تظهر على الوجود أية منظمة من منظمات الثورة الفلسطينية، وعلى هذا الأساس نرى أن علاقة إستراتيجية تربط بين سورية وبين الثورة الفلسطينية منذ أن أطلقت هذه الثورة رصاصتها الأولى"

لقد كانت دمشق عبر تاريخ القضية الفلسطينية مركزاً تتحرك منه معظم الثورات الفلسطينية لمقاومة الاحتلال البريطاني والاستعمار الاستيطاني الصهيوني والعلاقة بين الثورة السورية الكبرى لمقاومة الاستعمار الفرنسي والثورة الفلسطينية الكبرى لمقاومة الانتداب الإنكليزي معروفة والمساهمة السورية على كل المستويات في هذه الثورة معروفة فمن المتطوعين إلى القادة وأبرزهم الشيخ عز الدين القسام الذي قاد هذه الثورة، كذلك الأعداد الكبيرة من المتطوعين العرب السوريين في حرب 1948 للدفاع عن فلسطين تشكل شاهداً آخر على عمق العلاقة وعضويتها على اعتبار أن فلسطين هي الجزء الجنوبي من سوريا00

وعندما جاء الرئيس بشار الأسد فإن قضية فلسطين أخذت موقعاً متقدماً في مبادئه واهتماماته.. وفي خطابه السياسي من خلال أشكال متعددة لمعالجتها والتعامل معها، فمن التأكيد على الحق التاريخي في فلسطين إلى التمسك المبدئي بحقوق الشعب الفلسطيني، إلى إبراز النضال الفلسطيني ومشروعيته، إلى الحديث عن قومية القضية الفلسطينية، إلى وضع كل الأوراق العربية السورية في خدمة هذه القضية، إلى تحديد الخيارات المطروحة أمام الشعب العربي الفلسطيني لمواجهة "إسرائيل" وعدوانها.

وبين كل ذلك، الحديث عن الانتفاضة الفلسطينية المباركة التي يقول عنها الرئيس بشار الأسد: "من واجبنا أن نحافظ على بريقها لكي لا تصبح شأناً يومياً عادياً وروتيناً لا يؤثر فينا. فهي ليست مجرد حالة معنوية نشعر بها بل هي حالة معنوية مادية ستترك أثرها علينا من خلال كونها مركز جذب واستقطاب للعاطفة والعقل العربيين وما يعنيه ذلك من توحيد للمشاعر والأفعال على المستوى العربي".

وفي ظل الظروف الصعبة والتي يصبح فيها المتمسك بحقه كالقابض على جمرة، وفي ظل ظروف التسوية المذلة التي تحاول الإدارة الأمريكية فرضها على العرب لكي يسلموا ويستسلموا ويتنازلوا عن حقوقهم في أرض آبائهم وأجدادهم وعن مقدساتهم الدينية الإسلامية منها والمسيحية، وفي ظل الدعوة إلى الواقعية التي لا تعني عند هؤلاء إلا التسليم بالأمر الواقع، والتفريط بالأرض والتنازل عن الحقوق، وفي ظل موازين القوى الصعبة يخرج الرئيس بشار الأسد ويقول: "فلسطين أرض الكنعانيين" ويضيف "إن الكنعانيين قبائل عربية أسسوا القدس قبل ثلاثة ألف سنة قبل المسيح أي قبل خمسة آلاف سنة من اليوم".

وعندما يتحدث الخطاب السياسي للرئيس بشار الأسد عن فلسطين فإنه يعني فلسطين الجغرافيا والتاريخ والجيولوجيا الواحدة التي هي جزء لا يتجزأ من سوريا الطبيعية ومن الوطن العربي الواحد، حيث يقول: "إسرائيل احتلت فلسطين من بدايتها لنهايتها" وعن هذا الواقع المرير الذي سلم به العرب بعد احتلال إسرائيل عام 1948 لفلسطين يقول الرئيس بشار الأسد: "لا نستغرب في المستقبل أن يطالبوا بحل وسط بالنسبة للأراضي التي نعيش عليها الآن".

وعندما يتحدث الرئيس بشار الأسد عن قضية الأقصى يقول: "طبعاً قضية الأقصى ليست قضية مجردة، بل هي أو غالباً ما تكون نتيجة لعوامل أخرى، الأقصى والقدس وقضية فلسطين هي جزء من الصراع العربي الإسرائيلي".

ثم يتحدث عن أن أولى القبلتين وثالث الحرمين ـ حسب المزاعم الصهيونية ـ أصبح هو الآخر معتدياً على أساطير وخرافات يريدون أن يقنعوا العالم بها، ولو اضطرهم ذلك إلى تزييف التاريخ، وهذه المزاعم التي يتحدث عنها الصهاينة منافية تماماً للحقائق التاريخية، وهي ـ أي المزاعم ـ التي يحاولون استناداً إليها في كل يوم نسف الأبعاد العربية الإسلامية ـ المسيحية، وطمس معالم الوجود المادي للشعب العربي، من خلال ما يمارسونه من قتل وتدمير في أرض فلسطين مثل حرق المسجد الأقصى قبل ثلاثين عاماً مروراً بمحاولات تهويد القدس المستمرة من خلال القضاء على معالمها الإسلامية والمسيحية.

ويبين الرئيس بشار الأسد أن مصير المسجد الأقصى هو محور الصراع الدائر حالياً بين الصهاينة والمسلمين، ويخطئ من يعتقد أن العلاقة مع إسرائيل تساهم في حماية هذا الصرح وحماية الشعب الفلسطيني، بل الأمر على العكس من ذلك، إنها تساهم في تدميره.

باحث في القضايا الإقليمية(*)

اعلى الصفحة