|
|||||||
|
الحديث عن تداعيات الثورة الإسلامية للشعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني (قده) يقتضي العودة إلى تلك الفترة وقراءة الوضع الإقليمي آنذاك والوضع الدولي ومكانة الإسلام السياسية في العالم. والأدوار التي لعبتها هذه الثورة وأثارها السياسية والدنية. وسأعرض باختصار تداعيات هذه الثورة على القضايا التالية. أولاً: على قضية الشرق الأوسط قبل عام 1979 كان الوضع العربي الرسمي في مسألة الصراع مع الكيان الإسرائيلي قد وصل إلى اليأس والإحباط بشكل عام بعد أن كان موعوداً بانتصارات حققها الجيشان السوري والمصري عام 1973 على الجبهتين المصرية والسورية بداية لكن مع استمرار هذه الحرب ودخول الجيش الإسرائيلي مدينة السويس وتحقيق دفرسوار داخل الأراضي المصرية, واستعادة الجيش الإسرائيلي للمناطق السورية التي تحررت. لتبدأ مفاوضات بين الجانبين المصري والسوري, وتنتهي باتفاقية كامب ديفيد عام 1978. لتخرج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي وهي الدولة العربية الأكبر والاهم والعمدة والمحور في هذا الصراع, لتترك سوريا التي كانت معنية بالأراضي العربية المحتلة في الجولان وجنوب لبنان, والأردن الذي كان قد خسر جزءاً من الأراضي عام 1967. لتجد فصائل المقاومة الفلسطينية نفسها أمام وضع مستجد حيث حوصرت تدريجياً من النظام العربي الرسمي, وساعد على زيادة إرباكها دخولها طرفاً في النزاع اللبناني الداخلي بحيث تشكل فصيل لبناني معادٍ لها. ونتيجة للضغوط العربية ذهب الفلسطيني إلى مفاوضات سرية في أوسلو عام 1991 بين محمود عباس ممثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية وشيمون بيريز عندما كان وزيراً لخارجية الكيان الصهيوني. لتنتهي باتفاق أوسلو بين الفلسطينيين والصهاينة عام 1993 حيث قضى باعتراف فلسطيني رسمي وعلني بالكيان الصهيوني على أراضي 1948 مقابل تخلي الإسرائيلي عن الأراضي المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وعرف باتفاق غزة وأريحا أولا. ويأتي الاتفاق على بدء مفاوضات مدريد التي كانت بعد حرب الخليج الأولى. بعد فصل للمسارات التفاوضية بين الإطراف العربية والإسرائيلية, بحيث استفرد الإسرائيلي بالفلسطيني ليسوء وضع الفلسطيني. ونتيجة لفصل المسارات توصل الطرفان الأردني والإسرائيلي لاتفاق وادي عربه. عام 1994 لتكون الدولة العربية الثانية التي تدخل في اتفاق مع الصهاينة مع اعتراف بالكيان العبري وإقامة علاقات دبلوماسية معه. بعدها كان اتفاق واي ريفر (واي بلانتيشن) عام 1996 حيث استطاع ناتنياهو تعديل صيغة مفاوضات مدريد التي كانت قائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام ليصبح الأمن مقابل السلام وبذلك اخذ الصهيوني فسحة للتهرب من الانسحاب من أراضي عام 1967. وباختصار قبل الحديث عن تداعيات الثورة الإسلامية الإيرانية يمكن القول إن الوضع العربي أبان انتصار الثورة وبعدها كان سيئاً على مستوى الأنظمة العربية الرسمية وفصائل المقاومة الفلسطينية. وازداد سوءاً مع انفراط العقد العربي الذي ذهب إلى طرح مبادرة سميت بمبادرة ولي العهد السعودي حيث أطلقها في بيروت عام 2002, والتي تكشف عن حضور عربي رسمي غالب للاعتراف بالكيان الإسرائيلي والعمل على التطبيع معه وإقامة علاقات دبلوماسية تتبعها علاقات اقتصادية وأمنية. فبالعودة إلى أول آثار انتصار الثورة في إيران كان تشكيل مقاومة إسلامية وطنية في لبنان بعد اجتياح عام 1982 فرضت على الإسرائيلي الانسحاب من العاصمة ومحيطها والجبل لتقف عند صيدا عام 1985 وعلى أثرها ولدت في الأراضي الفلسطينية المحتلة الانتفاضة الشعبية الأولى لتخلق جواً من الرعب في الكيان الإسرائيلي. ومع تواصل ضربات المقاومة الإسلامية الوطنية اضطر الإسرائيلي للانسحاب عام 2000 مهزوماً حيث كان الانسحاب الأول له من أراضي عربية دون أن يحقق أي مكسب سياسي أو غيره. ولتنهض انتفاضة فلسطينية ثابتة عرفت بانتفاضة الأقصى التي كانت بعد دخول شارون إلى باحة الأقصى لتكون الشرارة التي أطلقتها بعد يأس الفلسطينيين من الدخول إلى تطبيق الاتفاقات السابقة معه, وجمود المفاوضات. وقد كان لهذه الانتفاضة أثار كبيرة على الكيان بحيث قال أصدقاؤهم أنها للمرة الأولى التي يخشى فيها على الكيان الإسرائيلي لأنه ذهب ضحيتها 4412 شهيداً فلسطينياً و48322 جريح وبالمقابل سقط للجيش الإسرائيلي 334 قتيلاً و 725 قتيلاً من المستوطنين الصهاينة. و 4500 جريح وعطب 50 دبابة ميركافا وتدمير عدد كبير من السيارات العسكرية الإسرائيلية. ويذكر أنه تم قتل وزير السياحة الإسرائيلي, وقائد فرقة الهبوط المظلي في الجيش الإسرائيلي وأذاقت جنين لوحدها الكيان الإسرائيلي كأس المرارة حيث قتل فيها 58 جندياً وجرح 142, كما ضرب اقتصاد المستوطنات. وهنا يمكن القول أن الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية كانتا بعد الانسحابين الإسرائيلي عام 1985 وعام 2000 حيث وجد الفلسطيني نفسه أمام عدو منهزم بعد أن سقطت مقوله العدو الذي لا يقهر على يد المقاومة المدعومة من إيران. وبعد أن رأى الإسرائيلي إن المقاومة في لبنان باتت تشكل المحور الأساسي للخطر على وجوده كانت حرب 2006 وبدعم غربي وعربي للخلاص من هذه المقاومة التي أعادت الأمل للأمة العربية والإسلامية بتحرير فلسطين وانكشاف التواطؤ العربي الرسمي في حماية هذا الكيان من خلال محاصر المقاومة في فلسطين ولبنان والضغط عليهما للاستسلام. لكن النتيجة كانت قاسية جداً على الإسرائيلي وحلفائه. ولتأتي أيضاً هزيمة الإسرائيلي في الرصاص المصبوب على قطاع غزة عام 2008 ولتزداد مشكلة الإسرائيلي أكثر فأكثر. والفضل بكل ذلك للروحية الجهادية التي استنهضت الشعوب العربية بشكل عام بفعل دعم إيران للمقاومة بشكل جدي بعد أن كانت ... قبل ذلك. ثانياً: على مستوى الدول العربية على الرغم من الموقف المبدئي للثورة منذ أيامها الأولى بعد طرد الشاه وإغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران وفتح السفارة الفلسطينية مكانها وتبنيها للقضية العربية المركزية والمحورية. لم يتلقف النظام العربي الرسمي هذا الموقف الاستراتيجي والمهم. بل كانت الحرب المفروضة وبدعم من الدول عربية معروفه والتي استمرت 8 سنوات, بالإضافة إلى فتح ملف الجزر الثلاث الموجودة في الخليج لإيجاد صراع إيراني عربي ولتتحول إيران إلى عدو للدول العربية خصوصاً للدول العربية في الخليج. لكن انفتاح قيادات الثورة على الأنظمة والشعوب العربية من خلال مؤتمرات فكرية وسياسية والتأكيد على ضرورة الوحدة وإحياء يوم القدس العالمي الذي أكد عليه الإمام الخميني (قدس). بقيت الخيوط مع بعض الشخصيات والأحزاب والنخب العربية موجودة. وهنا أشير إلى شعار رفعته بعض الأنظمة العربية وبدعم غربي أمريكي أن إيران تعمل على تصدير الثورة إلى محيطها, فقد تجاوزت إيران ذلك واستمرت على مواقفها الداعمة لحقوق الشعب الفلسطينية وعدائها للكيان الإسرائيلي. وبالعموم فإن انتصار الشعب الإيراني على نظامه المستبد على الرغم من دعم الغرب له وعلى الرغم من قوة استخباراته وشدة ظلمه, أحيا الأمل عند الشعوب العربية الرازحة تحت انظمه مستبدة فكانت الصحوة الإسلامية وكان الحراك الشعبي فسقط النظام في تونس ولحق به النظام في مصر وتبعه اليمن وليبيا وسادت حالة الهلع عند الآخرين مما دفع بالغرب وبالتعاون مع الأنظمة الأخرى لاستيعاب هذه الصحوات والعمل على تغير مسارها مستفيدة من أساليب كثيرة وشعارات مثيره. واستخدمت التكفيريين تارة والعلمانيين تارة أخرى وخلطت الأوراق مما اغرق هذه الصحوات التي أرعبت الكيان الإسرائيلي الذي عاشت القلق بعد رؤيته لنفسه بعيش في محيط يريد اجتثاثه والخلاص منه. لكن على الرغم من كل هذه السياسات ومهما كانت النتيجة فان بداية التغيير قد بدأت. والفت النظر إلى أن تحطيم الجيوش العربية الأساس والتي يحسب لها الإسرائيلي حساباً كبيراً "العراق, سوريا, مصر". بات هدفاً لإضعاف القوة العربية وإسقاطها لأمل الشعوب العربية بالخلاص من هذا الكيان. وهنا أقف لأبين موقف إيران وهو: أنه على الجميع الالتفات إلى ضرورة الابتعاد عن كل ما يضعف المجموعة العربية لحفظ القوة الموجودة خصوصاً في تونس ومصر واليمن وليبيا. أما في سوريا فان موقف إيران إلى جانب سوريا لحفظها من التقسيم ولحفظها كنقطه ارتكاز لمحور المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي في فلسطين ولبنان. جعلها حافظة لآخر حصن عربي في مواجهة الكيان الإسرائيلي وهذا يكشف عن الرؤية الإستراتيجية عند قيادات الثورة الإسلامية في إيران. على الرغم من حاجة إيران لفك الحصار المفروض عليها خاص لها ولشعبها فإنها بقيت ثابتة للتحمل أعباء هذا الموقف الصعب والمكلف. وفي لبنان واضح لكل قارئ إن لإيران الدور الأساسي في تحرير الشعب اللبناني لأرضه, وحفظ سيادته عليها, ومنعه من الاعتداءات المكررة التي كان يتعرض لها لبنان من الكيان الإسرائيلي منذ الأربعينيات. بحيث تنعم المنطقة المحاذية للحدود الفلسطينية بالحياة العادية وعمرانها خير دليل على ذلك بعد إن أسقطت المقاومة الإسلامية الآلة العسكرية الإسرائيلية التي كانت تعتبرها مسرحاً لعملياتها. ثالثاً: على المستوى الدولي معلوم إن الشعار الأساسي الذي كان أساساً للثورة أنها لا شرقية ولا غربية. ونادت بالجمهورية الإسلامية. وفي ذلك الوقت ما كان لأحد إن ينتقل من تحت ظل دوله من الدولتين (الاتحاد السوفيتي وأميركا) بسهوله, وإذا فكر فان عليه إن يستعين بالدولة الند. وخرجت إيران من هذه المعادلة. وصادف إن سقط الاتحاد السوفياتي عام 1991 في عهد غورباتشوف آخر زعماء السوفييت. لتترك الساحة الدولية للأميركي, الذي استفاد من تنحي الاتحاد السوفياتي عن الشراكة في العالم. وبات العالم يعرف بأحادية القطبية للأمريكي. وكان باستطاعته التمدد ليمسك بالعالم لوحده وقد فعل ذلك في كثير من دول العالم ومنها بعض دول الاتحاد السوفيتي في بلاد القوقاز, وبعض دول حلف وارسو الذي انهار أيضا لكنه لم يستطع ألامساك الكلي بالعالم لأسباب من أهمها كان حضور الجمهورية الإسلامية الإيرانية. التي منعت الأميركي من الهيمنة على الخليج الغني بالنفط والذي يعتبر من أهم الأماكن الإستراتجية التي حرص الأميركي على إمساكها ليتحكم باحتياجات العالم النفطية. وكذلك كانت إعاقة شرعية الكيان الإسرائيلي الذي كان قد وصل إلى مرحلة باتت بنظر الأنظمة العربية الرسمية امرأ واقعاً وليس باستطاعتهم سوى الانصياع لذلك. لكن بفعل دعم إيران للمقاومة في فلسطين ولبنان تعرقل المشروع على الرغم من انطلاقة المؤتمرات التفاوضية ووصول الطرفان لاتفاق أوسلو ولا زالت إيران حتى يومنا هذا العائق الأساس في وجه فرض هذا الكيان على المنطقة. لذلك اضطر الأمريكي لاحتلال أفغانستان والعراق لمحاصرتها وباء بالفشل الذريع وخسر كثيراً إلى حد أنه عاش أزمة مالية كبرى لم يعهدها من قبل. ويمكن القول إن كل ما يقوم به الغرب من مقاطعة وتهديد بالحرب على إيران وان كان بالظاهر الملف النووي إلا انه في الواقع بسبب الموقف الإيراني الداعم للمقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا. خلال هذه الفترة استطاع الروسي وبالتعاون مع الروسي ودول البركس إن يتحركوا لإيجاد وجبهة عالمية في مواجهة الأميركي وحلفائه. وما كان الروسي وحلفائه ليقدروا على ذلك لولا إعاقة إيران للأميركي والغرب من السيطرة الكاملة على المنطقة. وباختصار يمكن القول, إن لإيران دوراً أساساً في إعاقة الأمريكي من السيطرة على العالم إلى حين خروج الروسي من أزماته وبناء روسيا قوية من جديد لتقف في مواجهة المشاريع. |
||||||