الرؤية الصهيونية للسيطرة على المصادر المائية

السنة الثالثة عشر ـ العدد 147 ـ ( جمادى الاولى 1435 هـ) آذار ـ 2014 م)

بقلم: ازدهار معتوق(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ذكرت صحيفة "هآرتس" الصهيونية يوم الأربعاء 29\1\2014 أن خبراء بيئيين حذروا من أن ضائقة المياه المتصاعدة في قطاع غزة تنذر بكارثة صحية. وقالت الصحيفة أن هذا التحذير جاء خلال اجتماع عقد بتاريخ 27\1\2014 في تل أبيب والذي جاء بمبادرة من منظمة "أصدقاء الكرة الأرضية - الشرق الأوسط" ومعهد الدراسات الأمنية القومية.

وحذّر المشاركون من أن عدم تزويد القطاع بالمياه في الفترة القريبة سيجعل القطاع منطقة عاجزة عن تقديم الاحتياجات الأساسية للسكان، وبالتالي انتشار الأمراض بسبب المياه الملوثة التي يتزود منها أهل القطاع.

وأشارت "هآرتس" إلى أن من بين المشاركين في هذا الاجتماع البروفيسور أوري شني رئيس سلطة المياه السابق في الكيان الصهيوني والذي مثّل الحكومة الإسرائيلية في مفاوضات المياه مع الأردن والفلسطينيين حول اتفاقيات المياه.

وأوضح شني "إن هذه الأيام تشهد انتشاراً واسعاً للأمراض فيما بين الأطفال في قطاع غزة بسبب مصادر المياه الملوثة، وهو الأمر الذي من الممكن أن ينتشر ليطال إسرائيل". واعتبر أن "الوقت لا يحتمل انتظار إقامة محطة لتقطير المياه الذي قد يستغرق عدة سنوات وانه يجب توفير وسيلة فورية لتزويد القطاع بالمياه الآمنة". 

وفي القاهرة قال السفير معصوم المرزوقي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق في تصريح خاص لـ"اليوم السابع"، حول الاتفاق الذي تم بين إسرائيل والأردن على ربط مياه البحر الأحمر بالبحر الميت عبر أنابيب, أنه يتوجب دراسة المشروع من الناحية البيئية والأحياء المرجانية والسمكية قبل الموافقة عليه، مشيراً إلى أنه قد يترتب عليها إخلال في التوازن البيئي، فضلا عن أن تلك المنطقة منطقة زلازل.

فمن هو المسؤول عن هذه الكارثة الصحية في قطاع غزة؟ ولمصلحة من تُنشأ المشاريع التي تخل بالتوازن البيئي؟

الأطماع الصهيونية بالمياه

في عام 1938 أوفدت الولايات المتحدة الأمريكية أشهر خبرائها  في مجال المياه وهو والتر لورد ميلك إلى  فلسطين قبل أن يتم احتلالها من قبل الصهاينة، وذلك  للبحث  عن كيفية الاستفادة من مياه الأنهار المحاذية لفلسطين، إضافة لتقدير إمكانيات المياه الموجودة فيها، وقد خرج هذا الخبير المائي الأمريكي من خلال أبحاثه ودراساته بكتاب أصدره في العام 1944 أطلق عليه اسم "فلسطين أرض المعاد" وأكد فيه: "أن على الإسرائيليين في حالة قيام دولتهم الاستيلاء فوراً على نهر الأردن، ونهر الحاصباني ونهر بانياس ونهر الليطاني" الأمر الذي نفذته إسرائيل على مراحل من خلال الحروب التي شُنت على العرب منذ قيامها عام 1948 وحتى الآن.

إن الحركة الصهيونية تدرك منذ زمن بعيد حقيقية وأبعاد مشكلة المياه التي يتوقع لها البعض أن تفجر حروباً وصراعات لا حصر لها وهي التي عملت ومن خلال الحروب العديدة التي شنتها على العرب طوال أكثر من "65" عاماً على الاستحواذ على العديد من مصادر المياه الطبيعية المجاورة. الأمر الذي أعلنه بن غوريون, أول رئيس لوزراء العدو, بعد عام 1948 عندما قال: "إن اليهود يخوضون معركة المياه، وعلى نتيجة هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل فإذا لم تنجح في هذه المعركة، فإننا لن نبقى في فلسطين". هكذا يربط مؤسس الكيان الصهيوني مصير هذا الكيان بمدى قدرته على السيطرة على المياه العربية الموجودة في فلسطين ومنابع المياه المحيطة بها.

وإذا عدنا قليلاً إلى الوراء فإننا نجد أن الحركة الصهيونية في مؤتمر فرساي الذي عقد سنة 1919 قد تقدمت بمذكرة تطالب فيها بالاستيلاء على جنوب لبنان وجبل الشيخ (الذي يسمونه أبي المياه) والذي كانوا يخططون لتشجيره من أجل جلب مزيد من المطر وإعاقة الجريان السطحي للمياه.

وعندما بدأت محاولات ترسيم الحدود بين الكيانات التي أقامها الانتداب الفرنسي البريطاني، أخذ الإنكليز بالتفاهم مع الحركة الصهيونية يدفعون باتجاه الحصول على أكبر مساحة ممكنة إلى الشمال, وذلك من أجل الحصول على المزيد من المياه، فبعد أن كانت حدود اتفاقية سايكس ـ بيكو تبدأ من منطقة الزيب على البحر المتوسط شمالي مدينة عكا في فلسطين المحتلة لتصل إلى الطابغة على الشاطئ الشمالي الغربي لبحيرة طبريا، أوقف الجنرال ألَنْبي انسحاب جيشه عند خط يبدأ من الزيب وينتهي عند بحيرة الحولة.

ثم أنه عندما بدأ العمل لترسيم الحدود بموجب معاهدة باريس سنة 1920، بدأت هذه الحدود من الناقورة كما أزيحت في الشرق لتتحول إلى لسان داخل في لبنان وسوريا.

وقد جاء في المادة الثامنة من الاتفاقية الفرنسية البريطانية لترسيم الحدود بين مناطق الانتداب الفرنسي والبريطاني أنه خلال ستة أشهر من توقيع هذه الاتفاقية يقوم فريق من التقنيين، الذين تنتدبهم حكومة سوريا وفلسطين بالتدقيق بشأن المياه في الأردن الأعلى واليرموك وروافدهما ودراسة كمية المياه اللازمة لري الأراضي وتوليد الكهرباء، وفي ضوء النتائج التي تتوصل إليها الدراسة تصدر الحكومة الفرنسية تعليمات لاستعمال الفائض من المياه لصالح فلسطين.

وبعد حرب عام 1948 بين العرب والصهاينة وبعد ما نصت اتفاقية الهدنة في مادتها الخامسة على أن تكون الحدود الدولية هي خطوط الهدنة، أخذت إسرائيل تماطل وتسوف على أمل الحصول على مزيد من الأراضي والمياه في المنطقة الغنية بها بين العديسة والحدود المشتركة اللبنانية ـ الفلسطينية ـ السورية.

أن أهداف إسرائيل بالسيطرة على منابع الأنهار في الجنوب اللبناني جعلتها تخوض حروباً متتالية وتعمل جاهدة من أجل استغلالها وإخراجها من دائرة الاستخدام اللبناني، ولهذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ليفي أشكول صاحب فكرة إطلاق حملة دعائية في الغرب لهذا الموضوع، وقد بدأ ذلك بالترويج أن نصف مليار متر مكعب من مياه الليطاني تذهب هدراً إلى البحر كل عام بدلاً من استغلالها لمنفعة المنطقة وسكانها.

وأعاد أشكول التصريح مرة ثانية وهو يحمل لغة التهديد والوعيد معلناً أن "إسرائيل العطشى لا يمكنها أن تقف مكتوفة اليدين وهي ترى مياه الليطاني تذهب إلى البحر".

هكذا إذاً وبدعاية ديماغوجية مضللة وقحة "إسرائيل عطشى"‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ الشيء الذي لم تقله هذه الدعاية الإسرائيلية هو أن أكثر من 60 قرية لبنانية عطشى فعلاً وتحتاج إلى كل قطرة ماء ومع ذلك تحرم من حقها في الاستفادة من حصتها في المياه المتدفقة من جبالها ووديانها.

وفي عام 1967 وبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة سلبت إسرائيل معظم مياههما وحرمت ما يزيد عن ثلاثة ملايين فلسطيني من نيل حقهم في مياههم، ففي قطاع غزة وقبل الانسحاب الإسرائيلي منه كان يعيش فيه كما تعترف بذلك صحيفة "هآرتس" العبرية ما يزيد عن مليون فلسطيني، مقابل خمسة آلاف مستوطن يستغلون 25% إلى 30% من كامل مياه القطاع. وفي أول مفاوضات جرت ضمن "اتفاق أوسلو" حول المياه قال رئيس وفد المفاوضات الإسرائيلي كاتس عوز: "ليس هناك سبب يجعل الفلسطينيين يملكون الحق في مياه الضفة الغربية بحجة أنهم يقيمون فيها".

وتعترف صحيفة "هآرتس" بتاريخ 16/6/2002 بوجود أزمة خطيرة للمياه في قطاع غزة ومنذ سنوات كثيرة دون أن تعمل إسرائيل على حلها والتخفيف من أعبائها الخطيرة على الفلسطينيين تقول "هآرتس" لقد تدهورت نوعية مياه الشرب الجوفية في قطاع غزة. وكشفت دراسة حديثة أجراها الاتحاد الأوروبي من خلال إطار برنامج المساعدات الأوروبية أن معظم مياه القطاع لم تعد صالحة للشرب.

من كل ما تقدم نستنتج أن إسرائيل تصر على امتصاص المياه العربية سواء في لبنان أو سورية أو فلسطين وتحرم بذلك أصحابها الشرعيين من استثمارها فهي ترفض أي مفاوضات متوازنة عادلة تتناول مسألة المياه مع الدول العربية لأنها تدرك عدم وجود أي حق لها في مياه تسلبها بالقوة.

 

موقف القانون الدولي

وإذا كانت إسرائيل قد أثارت مسألة المياه قبل قيامها واستمرت بذلك بعد قيامها، فما هو موقف القانون الدولي من هذه المشكلة؟

تعتبر مشكلة المياه من اعقد المشاكل في القانون الدولي العام وقد واجهتها الإنسانية منذ وقت مبكر إلا أن ما خرج به العقل البشري طيلة قرون من الزمن انصب على البحار بشكل أساسي ثم بدأ يتناول الأنهار في ما له علاقة بالملاحة، وقد عقدت معاهدات كثيرة حول استخدام الأنهار للملاحة، وفي قرارها رقم 2669 بتاريخ 8/142/1970 أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة القانون الدولي بدراسة ووضع قانون خاص للمرات الدولية لأهداف ملاحية.

وفي سنة 1991 تقدمت لجنة القانون الدولي من الجمعية العامة للأمم المتحدة بمشاريع مواد بشأن قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية. وأخيراً تبنت الجمعية العامة المشروع وصدر تحت عنوان قانون لاستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية، وذلك في قرار اتخذته في 21/أيار/1997.

يصنف القرار المجاري المائية إلى وطنية ودولية، فالمجاري الوطنية هي التي توجد بكاملها داخل إقليم دولة واحدة سواء بمجراها أو بخزاناتها الجوفية أما المجاري الدولية فهي التي تخترق دولتين أو عدة دول سواء بالتتالي أم بالمشاطأة. وحكم الأنهار الوطنية لجهة الاستثمار الزراعي والصناعي بما في ذلك توليد التيار الكهربائي أن الدولة صاحبة السيادة تملك سلطة مطلقة عليها. أما الأنهار الدولية فقد تطور الموقف القانوني منها لجهة الاستغلال الاقتصادي الزراعي والصناعي ليعرف حالات مختلفة.

وإذا ما حاولنا تطبيق هذا القانون على المياه التي تحاول إسرائيل سرقتها، فإن ثمة حقائق يفيد التوقف عندها:

1- الحق العربي في استخدام الحصة المسموح بها دولياً من مياه الأنهار.

2- ثبوت اعتداء إسرائيل على المياه العربية سواءً في فلسطين المحتلة أو خارجها، وخصوصاً الاعتداءات المتكررة والمستمرة على مياه الجنوب اللبناني خلال سنوات طويلة.

3- دخول الولايات المتحدة على خط القضية عبر تقرير نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وفيه ما يؤكد تماثل رؤيته إلى قضية المياه مع المواقف التي تتخذها إسرائيل، هذا مع العلم بأن كاتب التقرير عقيد احتياط في الجيش الإسرائيلي، واللافت في التقرير تركيزه على اعتبار المياه "مسألة حساسة تسببت بنزاعات عربية إسرائيلية عدة بما في ذلك حرب الأيام الستة في العام 1967".

لقد تزامن نشر التقرير مع التحرك الأمريكي للتدخل في القضية انطلاقاً من الأفكار التي قدمها كاتبه.

جاء هذا التحرك الأمريكي نيابة عن الكيان الصهيوني المشغول تماماً في الاعتداءات اليومية على الشعب الفلسطيني الأعزل ومنسجماً مع ضرورة عدم فتح أي جبهة للصراع مع إسرائيل خاصة في هذه المرحلة.

جاء هذا التحرك عندما قرر لبنان الاستفادة من حقه المشروع في المياه هذا الحق الذي كفله له الحل الدولي الذي وضعته جهات مختصة وشاركت به الولايات المتحدة حينئذ، وقد حفظ الحل حقوق الأطراف المستفيدة من المياه، فلبنان وحسب الاتفاق الذي ضمن حصته لا يستخدم من هذه الحصة إلا جزءاً يسيراً لا يتجاوز واحداً على خمسة عشر من حقه الطبيعي، بينما تستولي إسرائيل حالياً على 150 مليون متر مكعب، ولبنان يعمل على الاستفادة من حصته من أجل إرواء القرى العطشى وليس من أجل إقامة المسابح والبرك والمسطحات المائية كما تفعل إسرائيل.

إن قضية مياه الوزاني أظهرت أكثر من أي قضية أخرى حجم التعقيد في أصغر قضايا المنطقة كما في أكبرها، فالقضية ترتبط من جهة بالتاريخ والجغرافيا، بالحق وبالظلم، بالحق التاريخي وبالحق المكتسب، والأهم بميزان القوى المرحلي والاستراتيجي.

لقد أعلنت إسرائيل على الدوام أن المياه خط أحمر وأعلنت أن لبنان تجاوز الخط الأحمر، والأدهى أنه بمقارنة مع الماضي يبدو الخط الأحمر الإسرائيلي  بالغ المطاطية، ففي الماضي كانت الطائرات الإسرائيلية الأسرع من الصوت تسبق كل أصوات السياسيين في إسرائيل لتدمير المضخات، ولم تكن إسرائيل تميز في موقفها هذا بين مزارع يروي أرضه أو حكومة تريد إطفاء ظمأ مواطنيها. ففي العرف الإسرائيلي كانت المياه حقاً إسرائيلياً يحظر على أي كان المساس به.

وكما في قضية الأرض تمنح إسرائيل لنفسها حقاً تاريخياً في المياه وتشدد على أن القانون الدولي يقف إلى جانبها، وأن كانت هذه الحجة ضعيفة تنحاز إلى الحق المكتسب الناجم عن ميزان قوة كان يترك الأرض اللبنانية المجاورة للنهر جرداء بسبب حظر إسرائيل ضخ المياه لها.

وفي هذا السياق لم يطرأ أي تغيير على الحجج والذرائع الإسرائيلية ومع ذلك تغير شيء كبير وتمثل هذا التغير أساساً في الانتصار الذي حققته المقاومة اللبنانية والذي اضطر إسرائيل إلى الرحيل عن الجنوب اللبناني. ولا يقل أهمية عن ذلك أن هذا الانتصار لم ينكفئ ولم تنته المقاومة بل بقيت تشكل عنصراً هاماً في توازن القوى، لم يكن متوافراً في الماضي.

 وأياً يكن الحال، تعيد مياه نبع الوزاني ربط القضية مع بعضها، هناك إسرائيليون اعتبروها محاولة لفتح "الجبهة الثانية" لدعم الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وآخرون اعتبروها محول لصرف الأنظار عن العراق، وقلة من الإسرائيليين تحاول رؤية الحقيقة المجردة، وهي أن لبنان يحاول استغلال حقوقه. ولكن من قال إن الإسرائيلي يميز بين اللبناني أو الفلسطيني أو العراقي أو السوري عندما يتصل الأمر بالحقوق؟.

فبتاريخ 7/6/1967 وقبل انتهاء العمليات العسكرية لحرب حزيران 1967، صدر أول أمر عسكري بشأن مياه الضفة الغربية، وقد تم بمقتضى هذا الأمر والأوامر اللاحقة نقل جميع الصلاحيات بشأن مياه الضفة الغربية إلى الحاكم العسكري الإسرائيلي والهيئات المالية الإسرائيلية.

وقد حرصت الإدارة العسكرية الإسرائيلية على تطبيق القوانين السارية المفعول بها في إسرائيل والتي تنظم عمليات حفر الآبار، بحيث يصبح لزاماً على المواطنين الفلسطينيين الحصول على ترخيص من مكتب ((مفوض المياه)) في مقر قيادة الحاكم العسكري، إذا أرادوا حفر بئر، وقد قلل ذلك من عدد التراخيص الممنوحة وحصرها في مجالات نادرة بحيث تكاد تقتصر على تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات المنزلية، مع الرفض القاطع لحفر آبار للأغراض الزراعية أو حتى إدخال إصلاحات على الآبار القائمة فعلاً، فضلاً عن إلزام أصحاب الآبار بتقنين صارم للكميات المسموح باستخراجها منها وتعطيل الآبار من حين إلى آخر بالاستناد إلى ذرائع أمنية واهية.

لقد كان تجميد حصص المياه في الضفة الغربية عند مستويات 1967 أحد أهم الأسباب التي أسهمت في تدهور الاقتصاد الزراعي الفلسطيني في الضفة الغربية تدهوراً كبيراً، إذ أنه على الرغم من وجود أكثر من 170 ألف دونم من الأراضي الصالحة للزراعة والتي يمكن إضافتها إلى الـ 90 دونم القائمة فعلاً فإن هذه المساحة لم يمكن استصلاحها.

وتسري الأوامر العسكرية الخاصة بالمياه على المواطنين الفلسطينيين بينما يترك الحبل على الغارب للمستوطنين اليهود، بل يتم دعم خطط هؤلاء المستوطنين.

والملاحظ أن أغلب المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية يتركز نشاطها في المجال الزراعي خصوصاً الخضراوات والفواكه التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه. وتحصل على هذه المياه، إما من آبار تم حفرها بفعل السلطات الإسرائيلية وإما من آبار مالكين عرب غائبين أو آبار مصادرة.

ويترتب على ذلك عدد من النتائج، فحين حفر الإسرائيليون بئر مستوطنة ((محولا)) أدى ذلك إلى جفاف 6 آبار من أصل 18 بئراً كان المزارعون العرب في منطقة بردلة __ البيضا يعتمدون عليها في الزراعة، فجفت بيارات الحمضيات وتدنى محصول الخضروات، ولدى حفر ثلاثة آبار بعد إنشاء مستوطنة ((بيطان)) جف النبع الذي يخدم قرية العوجا وبالتالي الأراضي الزراعية التي تعتمد عليها، وكان هذا دافعاً إلى هجرة أهالي القرية بحيث لم يبق منهم إلا 500 نسمة اضطروا للعمل كأجراء في المستوطنات الإسرائيلية.

وعموماً فإن الحقائق تشير إلى أن استهلاك الإسرائيليين في الضفة الغربية يمثل 87.5% من مياهها، بينما لا يتجاوز نصيب العرب 12.5% مما يعني أن معدل استهلاك الفرد الإسرائيلي يبلغ ستة أضعاف المواطن العربي الفلسطيني، كما يدفع العرب في الضفة الغربية ستة أضعاف ما يدفعه المستوطنون اليهود في مقابل الانتفاع بالمياه، حيث يبلغ سعر المتر الكعب من المياه للفلسطينيين 3.3 دولار أما سعر الكمية ذاتها للمستوطن الإسرائيلي فيبلغ 0.6 دولار فقط!.

سرقة المياه الجوفية

ونسأل: هل تغيرت سياسة إسرائيل المائية بعد توقيع اتفاق أوسلو في 13/9/1993؟ وهل حصلت القرى والبلدات الفلسطينية التي تقدمت بطلبات للحصول على ترخيص بحفر الآبار أو لمد شبكة مياه على ذلك؟.

وتؤكد التقارير الدولية أن إسرائيل تقوم بانتزاع أكثر من 85% من المياه الفلسطينية من الطبقات الجوفية للضفة الغربية أي حوالي 25% من استخدام ((إسرائيل)) للمياه.

وحذر تقرير مائي من خطورة الوضع المائي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 عامة وقطاع غزة خاصة في ظل تصاعد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على المقدرات البيئية في الضفة والقطاع خاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى ما فاقم من مشكلة المياه وشكل عبئاً مضاعفاً أمام المساعي الرامية إلى حل الأزمة والحد من تفاقمها. وجاء ذلك في تقرير شامل أصدرته مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين بالتعاون مع سلطة المياه ومركز البحوث المائية بجامعة الأزهر وسلطة جودة البيئة في غزة حول واقع المياه الفلسطينية في الأراضي المحتلة.

وأزمة المياه في قطاع غزة ليست ناجمة فقط عن نقص في الكمية اللازمة للاستهلاك فحسب، بل وفي النوعية على حد سواء والتي اختلفت من منطقة إلى أخرى. وتتركز مشاكل النوعية في ارتفاع نسبة الكلوريد والنترات في المياه المزودة للمواطنين حيث إن أكثر من 90% من هذه المياه غير صالحة للشرب وفق مواصفات منظمة الصحة العالمية.

وتنتج نسبة التلوث المرتفعة هذه نتيجة لتصريف المياه العادمة غير المعالجة جزئياً وغيرها من الملوثات التي تتسرب إلى الخزان الجوفي مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة النترات في المياه الجوفية وانتشار العديد من الأمراض المرتبطة بهذا النوع من التلوث منها زرقة الأطفال والإسهال والسرطان وأمراض الكلى وغيرها.

ومن الملاحظ أن أزمة المياه قد ازدادت حدة في السنوات الأخيرة نتيجة التدهور الذي حل بالبنية التحتية لقطاعي المياه والبيئة مما زاد من الأعباء وأعاق تنفيذ العديد من الأنشطة والبرامج الموجهة لحل هذه المشاكل، ولعبت الممارسات الإسرائيلية دوراً أساسياً في تفاقم المشاكل في السنوات الأخيرة من خلال تجريف المنشآت المائية والأراضي الزراعية ودفن النفايات الزراعية ودفن النفايات الإسرائيلية السامة في أراضي الضفة والقطاع.

ورصد التقرير المذكور حجم الدمار الذي حل بالقطاع منذ بداية الانتفاضة فذكر أنه تم تدمير 775 بركة وخطوط مياه رئيسية وتجريف ما مساحته 10750 دونماً من شبكات الري في مجمل قطاع غزة عدا عن تدمير 203 من الآبار وملحقاتها.

لقد أثر الإغلاق الإسرائيلي الجائر لمناطق ((السلطة الفلسطينية)) بشكل سلبي على سير الحياة الأكاديمية وبناء قدرات العاملين في مجال المياه والبيئة مما أدى إلى توقيف العمل في عدة مشاريع نظراً لإغلاق المدن والقرى الفلسطينية وعدم تمكن الخبراء المحليين والأجانب من التنقل لعقد ورش العمل والدورات التدريبية وأداء مهامهم اللازمة لخدمة المواطنين.

تقول الأسر القاطنة في قرية الظاهرية القاحلة القريبة من الخليل إن مياه الأمطار الشتوية التي يجمعونها تتلاشى سريعاً في فصل الصيف الحار والطويل.

سهام جبيرات (40عاماً)، أم لستة أطفال، تقول: ((كنا نستحم ونغسل ملابسنا يومياً ولكن هذا يحدث الآن كل ثلاثة أيام أو أربعة. نود أن يكون لدينا مياه كافية لنزرع الحديقة ونروي الأشجار وحتى لبناء حمامات سباحة مثل اليهود في المستعمرات القريبة)). ويضيف زوجها يوسف ((ينبغي على معظمنا شراء المياه لملء الآبار إلا أن سعر المياه ارتفع مائة بالمائة في ظل الإغلاق والحصار، إنها ضربة مزدوجة مع تراجع دخلنا نتيجة لعدم وجود فرص عمل)).

من جهة أخرى فقد أظهرت دراسة لمركز ((بتسيلم)) (وهي جماعة إسرائيلية تراقب حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة))، إن استهلاك الفلسطينيين من المياه انخفض لنصف الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية في ظل الإغلاق، وفي دراسة أجريت عام 2002 قالت الجمعية الأكاديمية الفلسطينية لدراسة الشؤون الدولية أن سياسة الاستيطان الإسرائيلية يوجهها جزئياً ضرورة التحكم في خزانات المياه الصخرية، وأضافت أن اتفاقيات ((السلام)) المؤقت عززت هذه الهيمنة في عام 1995 بمنح كل مستعمر يهودي حصة تزيد ست مرات عن تلك الممنوحة للفلسطينيين في الضفة الغربية، كذلك فقد أظهر تقرير جديد للبنك الدولي أن جدار الفصل العنصري الذي تبنيه إسرائيل على أراض زراعية فلسطينية على قمة جبل توجد أسفله خزانات مياه طبيعية يعوق الوصول لمياه الآبار الحيوية لري بساتين الزيتون والحمضيات وحقول الخضار.

وتأتي المرحلة الأولى من عملية بناء جدار الفصل العنصري الصهيوني لفصل منطقة الحوض الغربي. أكبر مصادر المياه في الضفة الغربية عن المناطق السكنية والزراعية, تحقيقاً لأحلام الصهاينة بوضع يدهم على الكنز المائي الأهم. فقد اعتبر رفائيل إيتان, وزير الزراعة الإسرائيلي الأسبق أن هذا الحوض يمثل جزءاً أساسياً من أمن (إسرائيل) المائي.

يلاحظ أن الجدار يسير بشكل منسجم مع أحواض المياه في الضفة الغربية, وليس هذا بمحض الصدفة إنما جاء بعد سلسلة من الدراسات حول أماكن وجود المياه الجوفية وأماكن تركز الآبار, الأمر الذي يسهل السيطرة عليها. وسيلتهم الجدار في مرحلته الأولى 32 بئراً في منطقة قلقيلية مما سيحرمها من (9.1) م.م.م. أي ما يعادل 51% من مصادرها المائية, إضافة إلى 3747 دونماً يمتلكها 612 مزارعاً, تعتبر من أخصب الأراضي الزراعية (البنك الدولي).

وفي طولكرم سيلتهم الجدار 18 بئراً , ويمثل هذا العدد ما نسبته 74% من مجمل الآبار المصادرة في المرحلة الأولى. وقد فقدت هاتان المنطقتان من جراء بناء الجدار حتى الآن 50% من أراضيهما الزراعية المروية. ولحقت الأضرار مناطق: حبلة, عزبة سليمان, عزون, جيوس, فلاميا, فرعون, الراس, كفر صور, دير الغصون, باقة الشرقية, نزلة عيسى, رمانة, زيتا والتل. أما المرحلة الثانية من بناء الجدار فستؤدي إلى حجز أكثر من 400 ألف فلسطيني بين الخط الأخضر والجدار العازل, وستأتي عمليات الإنشاء على 25% من أراضي الضفة الغربية تضم 80% من أراضيها الزراعية وما نسبته 65% من مصادر المياه التي ستصبح تحت السيطرة الإسرائيلية بالكامل.

إضافة إلى مصادرة الآبار تقوم السلطات الإسرائيلية بتدمير آبار أخرى تحت ذريعة أن وجودها يعيق عملية بناء الجدار أو أنها تقع في منطقة الـ100 متر التي حددتها كمنطقة عازلة يمر الجدار بها. وحتى نهاية العام الماضي كانت أعمال بناء الجدار قد أتت على شبكات توزيع المياه في 39 قرية. وعند اكتمال بناء الجدار تكون (إسرائيل) قد وضعت يدها على 95% من مياه الحوض الغربي أي ما يعادل 362 م.م.م.

باحثة في علم الاجتماع السياسي(*)

اعلى الصفحة