|
|||||||
|
"إن خطة كيري قائمة على اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية، وإقامة عاصمة لفلسطين في جزء من القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين وفق رؤية الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون، وبقاء الكتل الاستيطانية تحت سيطرة إسرائيل، واستئجار المستوطنات الباقية، وسيطرة إسرائيل على المعابر والأجواء، ووجود قوات رباعية أمريكية - إسرائيلية - أردنية - فلسطينية على الحدود، وحقها في المطاردة الساخنة في الدولة الفلسطينية". هذا ما كشفه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه من تفاصيل أفكار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في المقابلة التي أجرتها معه "الحياة" اللندنية بتاريخ 24\1\2014. وقال عبد ربه: "إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض هذه الأفكار لأنه يريد اقتطاع ما شاء من الأرض، ويرفض فتح ملف القدس، ولا يقبل بمشاركة أي جهة له في الأمن، حتى لو كانت أمريكا". وأوضح: "والقدس من وجهة النظر الإسرائيلية تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية وغير مقسمة، وهناك حديث غامض عام عن مطامح الفلسطينيين بأن تكون لهم عاصمة في القدس. والقدس وفق المخطط الإسرائيلي تمتد من ضواحي رام الله إلى أبواب بيت لحم، وصولاً إلى مشارف الأغوار، الأمر الذي يمكن أن يعني في أحسن الحالات اختيار أي موقع في أبو ديس أو في كفر عقب وتسميته عاصمة". وأضاف: "بالنسبة للاجئين، فإن الحديث يدور عن الخيارات الأربعة الواردة في وثيقة كلينتون، والتي من بينها عودة عدد محدود من الفلسطينيين إلى إسرائيل وفق القانون الإسرائيلي". وقال: "علاوة على ذلك، هناك ترتيبات أمنية إسرائيلية على رؤوس الجبال وفي الأجواء، وغير ذلك من الترتيبات مثل حق المطاردة الساخنة لإسرائيل في الدولة الفلسطينية في حال شعور إسرائيل بأي خطر، أي أن عناصر السيادة كلها تم تفكيكها إلى حد محوها، وعناصر الوحدة الجغرافية كلها للدولة الفلسطينية تم تمزيقها". الأوضاع الإقليمية مهيأة! في خطاب يشكل منعطفاً أساسياً في ولايته الثانية، ويأتي في خضم مبادرات دبلوماسية ومحطات أساسية لإدارته في منطقة الشرق الأوسط أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام الكونغرس: "أن الدبلوماسية الأمريكية تدعم المحادثات الصعبة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لإنهاء النزاع وتحقيق الكرامة ودولة للفلسطينيين، وسلام وأمن دائمين لـدولة إسرائيل اليهودية التي تعلم أن أمريكا ستبقى دائماً إلى جانبها". وهذا التأكيد الأمريكي الذي جاء على لسان الرئيس الأمريكي، أبلغه وزير خارجيته كيري للرئيس محمود عباس، وللقيادة الفلسطينية "أن موضوع يهودية الدولة ليس موقفا إسرائيليا فقط بل هو موقف الإدارة الأمريكية أيضا". نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أن مصالحها فوق كل شيء، ومنها يتم وضع واعتماد وتطبيق السياسة الخارجية، وتشكيل المبادرات المختلفة، والإدارات الأمريكية تعتبر الانحياز لإسرائيل "مسألة حيوية لا نقاش فيها"، وتقوم بالضغط كل الوقت على الطرف الفلسطيني للقبول بالرؤية الإسرائيلية. وترى الإدارة الأمريكية أنّ الأوضاع الإقليمية اليوم مهيَّأة لإبرام اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد عبَّر عن هذا الموقف رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي حين أشار إلى أنّ "الاضطرابات" الجارية في جميع أنحاء العالم العربي تخلق ما سمَّاه "فرصة إستراتيجية لإسرائيل"، فليس هناك دولة في الوقت الراهن يمكن أن تُهدِّد أمْن إسرائيل، كما كان الحال قبل عشر سنوات. كما أنّ حالة الضعف العربي تسمح لإسرائيل بإبرام اتفاق سلام - تعزّز من خلاله مكاسبها في الأراضي الفلسطينية المحتلَّة عام 1967، وتوسع قوتها إقليمياً. فمن الواضح إذن أنّ الرغبة الأمريكية في تحقيق اتفاق سلام قائمة على الالتزام الصارم بأمْن إسرائيل، مع الأخذ بحسبان أنّ ما يجري إنما هو في إطار ترتيبات تسعى لها واشنطن في المنطقة تزامنًا مع انكفائها عنها، وتركيز اهتمامها على الشرق الأقصى. بدأ كيري جهده لاستئناف المفاوضات على مستويين أحدهما اقتصادي والآخر أمني، وكلاهما يقود في النهاية إلى اتفاق سياسي. ففي أيار / مايو 2013 تحدَّث الوزير كيري في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عُقد في مدينة الشونة الأردنية المحاذية للبحر الميت عن استقطاب استثمارات تبلغ قيمتها أربعة مليارات دولار بغية توسيع الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 50% في غضون ثلاث سنوات. كما ربط الشقّ الاقتصادي بمشروع اتفاق سياسي يؤدِّي إلى زوال السيطرة الإسرائيلية تدريجيًّا. وفي المستوى الأمني تشمل الخطة التي طورها الجنرال الأمريكي جون آلن اتّفاقًا على وجود الجيش الإسرائيلي على طول نهر الأردن مدَّةً تتراوح بين أربعٍ وعشرِ سنواتٍ، وتكون المعابر الحدودية على نهر الأردن بإدارة مشتركة بين الطرفين مع تمثيل أمريكي. كما تتضمن الخطة إخلاء الضفة الغربية من الجيش الإسرائيلي ماعدا الأغوار. وتُعدُّ الخطة الأمنية الأمريكية إعادة تكريس لنموذج غزة في الضفة؛ إذ تبقى السيطرة الأساسية على الحدود والمعابر والمجال الجوي في يد إسرائيل، وتكتفي السلطة الفلسطينية بدولة منزوعة السلاح. وأمَّا المساعدات الأمريكية الأمنية للسلطة الفلسطينية فهي تقتصر على بناء القدرات الفلسطينية من خلال تزويدها بأسلحة خفيفة تساهم في ضبط الأمن الداخلي. في هذا السياق عاد كيري إلى المنطقة مع بداية العام الجديد يحمل معه المبادرة السياسية التي سُمِّيت "اتفاق الإطار" وحددت القضايا الأساسية التي يتناولها، وهي: حدود الدولة الفلسطينية، ومصير القدس واللاجئين، ومسائل الأمن، والاعتراف المتبادل؛ ما يضع الخطوط العريضة للمفاوضات. ولا بدَّ في هذا السِّياق من التذكير بأنّ اتفاق الإطار بمنزلة مبادئ توجِّه المفاوضات إلى التفاصيل، وأنه ليس خطةً للتنفيذ؛ أي إنّه لا بدَّ أن تتبعه مفاوضات. وإن فشلت المفاوضات في تطبيق هذه المبادئ و/أو تعثَّرت، كما حصل مع أوسلو لأنّ إسرائيل تتحكم بتفسير المبادئ وتنفيذ البنود، تكون السلطة بقبولها اتفاق الإطار قد خاضت في جولة جديدة من التنازلات من دون تحقيق ما أملت تحقيقه. خطة لتمديد المفاوضات لم ينتظر وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون طويلاً بعد مغادرة جون كيري المنطقة، قبل أن يعاود جولته الأخيرة، حتى بادر إلى تأكيد أن الفجوات عميقة في المفاوضات بين إسرائيل والسلطة. وما يجري الحديث عنه اليوم ليس سوى تفاهمات لتمديد المفاوضات. ووفقاً لما نشره موقع صحيفة "معاريف"، فقد ذكر يعالون بأن من يعتقد بأننا اليوم نخوض مفاوضات الحل النهائي فهو مخطئ، لقد اعتقد البعض بأنه يمكن التوصل للحل النهائي خلال 9 شهور، لكننا اليوم نخوض مفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق إطار لتمديد المفاوضات، لتقريب وجهات النظر والتي تحتاج لأكثر من شهرين من المفاوضات. وإذ ليس هناك في الأفق أية حلول عملية أو أفكار يمكن تطبيقها، وتكون مقبولة فلسطينياً، فقد قدم كيري أفكاراً يريد أن يضمن من خلالها استمرار المفاوضات المقررة أن تنتهي في نيسان المقبل، حتى يسوق تلك الأفكار كخطة سلام أمريكية، فيما هو لا يريد التوقيع على أية أوراق في الوقت الحالي، هو فقط يريد طرح هذه الأفكار من أجل استمرار المفاوضات وتمديد فترتها إلى ما بعد الأشهر التسعة التي جرى الاتفاق عليها. وكشفت مصادر إسرائيلية بأن خطة كيري المقترحة لـ "اتفاق الإطار" تشمل تسع نقاط تتمثل في: أولاً: إطار الحل المطروح يستند بالأساس على وثيقة أولمرت عباس التي اتفقا عليها في 31 آب/أغسطس من العام 2008. ثانياً: أن تعمل إسرائيل على ضم 6.8% من أراضي الضفة الغربية، مقابل أن تسمح إسرائيل للفلسطينيين بالسيطرة على 5.5% من أراض بديلة. ثالثاً: ممر آمن وسريع بين غزة والضفة للتواصل الجغرافي، ويدور الاقتراح حول قطار سريع يربط بين مدينتي غزة والخليل. رابعاً: يتم الاتفاق على تقسيم القدس الشرقية -وليس الحرم القدسي- وفق ما جاء في خطة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. خامساً: حق العودة وفق خطة كلينتون، وتشمل إنشاء صندوق دولي لتوطين من يريد في استراليا وكندا وأراضي السلطة والسماح لجزء قليل بلم الشمل داخل فلسطين 1948. سادساً: إخلاء إسرائيل لغور الأردن واستبدال الوجود العسكري الإسرائيلي بوجود أمريكي. سابعاً: مواصلة العمل بنظام الجمارك وفق اتفاقية باريس في حال استخدام الفلسطينيين لميناء حيفا أو ميناء أسدود. ثامناً: تجميع المستوطنين اليهود في الضفة الغربية أي 80% منهم في تجمعات كبيرة، وليس إخلاء مثلما صار في غزة عام 2005. تاسعاً: إدراج جداول زمنية لكل البنود. ومهما يكن من أمر المفاوضات، فيبدو إنها باتت في حاجة إلى بحث في إمكانية أن تستمر على ذات الوتيرة السابقة من المماطلة والتسويف الإسرائيلي، أو يجري تحويلها إلى مناسبة لتوافق حتى ولو من جانب واحــد على فتح آفاق لتفاوض قد يستمر عاماً آخر من دون نتائج بالتأكيد، سوى أنها تفتح مساراً لخلافات بينية وداخلية لدى كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لا تنتهي هي الأخرى، فما يجري الحديث عنه يعيدنا إلى سنوات الصراع الأولى، مع فارق أن الإسرائيلي يتشبث اليوم بأكبر مساحة من الأرض، فيما الفلسطيني يواجه ضغوطاً هائلة حتى من جانب الأشقاء العرب، للتنازل عن مزيد من الأرض، "إكراماً" لتسوية لن ترى النور في القريب أو حتى في المستقبل البعيد. شراكة في الاستيطان..!! لقد تغير الموقف الأمريكي من المستعمرات الاستيطانية الإسرائيلية فعلاً بالتراجع عن اعتبارها "غير قانونية" إلى اعتبارها "غير شرعية" ثم "عقبة" في طريق السلام وموضوعاً للتفاوض على "الوضع النهائي" لأراض فلسطينية متنازع عليها وليست محتلة. ويوم الاثنين 10\2\2014 قال وزير الإسكان في حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي، يوري آرييل، إن قراره بإعلان مناقصات لبناء (1400) وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة كان بالتنسيق مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وبموافقته. وقد سارعت الولايات المتحدة إلى النفي، غير أن الصفة المجهولة والمستوى المتدني للمسؤول الأمريكي الذي أصدر بيان النفي من دون أي اسم أو صفة رسمية يطعنان في صدقية النفي الأمريكي. كما أن مضمون النفي الأمريكي تضمن مغالطة فاضحة عندما قال إن "موقفنا من المستوطنات لم يتغير" مثل المغالطة التي تضمنها تصريح المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جن بساكي، عندما قالت "إننا الآن وكنا دائما نعتبر المستوطنات غير شرعية". بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 أوضحت الولايات المتحدة بأن المستعمرات الإسرائيلية "غير قانونية" طبقاً للقانون الدولي وفي سنة 1978 أكد المستشار القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية أن "جميع" هذه المستعمرات التي تقع "وراء الخط الأخضر" غير قانونية وظلت هذه هي السياسة الأمريكية المعلنة حتى نهاية رئاسة جيمي كارتر. لكن هذا السياسة بدأت تتغير منذ تولى رونالد ريغان مقاليد الرئاسة عام 1981، فقد أعلن ريغان عدم موافقته على وصف الإدارة السابقة للمستعمرات الاستيطانية بأنها "غير قانونية"، فهي "ليست غير قانونية" كما قال، مشيراً إلى أن أحد قرارات الأمم المتحدة "ترك الضفة الغربية مفتوحة لكل الناس – العرب والإسرائيليين والمسيحيين على حد سواء". وبعد ذلك بدأت الإدارات الأمريكية تصف المستعمرات الإسرائيلية بأنها "غير شرعية". وعلى الرغم من هذا "التغير" الجوهري الأمريكي، فإن جامعة الدول العربية قادت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى التورط الكارثي في مؤتمر مدريد عام 1991 ثم إلى توقيع اتفاق "إعلان المبادئ" (اتفاق أوسلو) مع حكومة الكيان الصهيوني بعد عامين على أرضية تفسير ريغان للأراضي المحتلة كأراض "مفتوحة" لكل من هب ودب وللمستعمرات باعتبارها "ليست غير قانونية". ثم جاء الرئيس جورج دبليو. بوش الذي وصف المستعمرات الاستيطانية الكبرى بأنها "حقائق جديدة على الأرض" قال إنها يجب أن تأخذ مكانتها في المفاوضات التي ترعاها بلاده بين دولة الاحتلال وبين منظمة التحرير الفلسطينية، قبل أن يبعث في الرابع عشر من الشهر الرابع عام 2004 برسالته الشهيرة إلى رئيس وزراء دولة الاحتلال آنذاك آرييل شارون ويتعهد فيها بنتيجة للمفاوضات تحتفظ إسرائيل بموجبها بـ"المراكز السكانية الإسرائيلية الكبرى الموجودة" في الضفة الغربية المحتلة. في مقابل ذلك، وكما كتب السفير الأمريكي الأسبق لدى الاحتلال دانييل كيرتزر في "ذى أميريكان إينتريست" في الأول من آذار/مارس عام 2010، أعطى مستشار شارون دوف فايسغلاس لمستشارة الأمن القومي الأمريكي آنذاك كوندوليزا رايس رسالة جاء فيها أن حكومته سوف تضع "خلال الأيام القليلة المقبلة تعريفاً أفضل لخط البناء في المستوطنات" في الضفة الغربية وقال السفير كيرتزر إن فايسغلاس أبلغه بأن "مسؤولين إسرائيليين بمستوى وصلاحيات مناسبة سوف يجلسون معي للعمل معا على اتفاقية تحدد الخط الخارجي للبناء في المستوطنات". وهذا اتفاق واضح على التنسيق الثنائي بين الجانبين، بدأت دولة الاحتلال بعده في "توسيع" و"تسمين" المستعمرات القائمة مكررة إعلان التزامها بعدم بناء مستعمرات جديدة. وفي مقابل ذلك أيضاً، ذكر كيرتزر أن فايسغلاس أبلغه بأن حكومته سوف تزود كيرتزر بـ"جدول زمني لإخلاء المستوطنات العشوائية". لكن أكثر من مائة مستوطنة "عشوائية" تعدها دولة الاحتلال "غير قانونية" ما زالت حتى الآن تتوسع بدلاً من إخلائها. واستشهد كيرتزر بـ"تقرير ساسون" الذي أعد بطلب من شارون ونشر عام 2005 وخلص إلى أن المستعمرات الاستيطانية التي توصف بـ"العشوائية" وتعد "غير قانونية" بموجب قوانين دولة الاحتلال إنما بنيت ومولت بدعم وموافقة وزارات الحكومة و"الإدارة المدنية" للحاكم العسكري للضفة الغربية والمنظمة الصهيونية العالمية ومجلس المستوطنات التي توصف بـ"القانونية" الذي يحول أموال الدعم الحكومي له إلى بناء "العشوائيات". وقد أخفى شارون التقرير وأسدل عليه ستار النسيان ليتساءل كيرتزر: "لماذا تغمض الحكومة الإسرائيلية عينها طوال عقود من الزمن عن نشاط غير قانوني بصورة واضحة بموجب القانون الإسرائيلي؟" ولم يجب كيرتزر على سؤاله صراحة لكنه حمل حكومة دولة الاحتلال ضمنا المسؤولية عن بناء هذه المستوطنات، بينما لا تزال حكومته تلتزم صمتا أمريكيا مطبقا حول الموضوع. وفي سنة 2011 استخدمت الولايات المتحدة حقها في النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لإجهاض مشروع قرار يصف المستوطنات بأنها "غير قانونية"، مع أنها مررت في المجلس سابقاً القرارات (446) و(465) و(476) التي تقرر عدم وجود "أي صلاحية قانونية" للمستوطنات وانطباق ميثاق جنيف الرابع على الأراضي المحتلة. في آب/أغسطس الماضي، أي في الشهر الأول لاستئناف المفاوضات بين الاحتلال وبين منظمة التحرير، قال كيري إن بلاده "ترى المستوطنات جميعها غير شرعية"، لكنه بعد أن ورط المنظمة فيها يعمل الآن على "إقناعها" بقبول عشرات الآلاف من المستوطنين الذين لا يعيشون في المستعمرات الكبرى التي سوف يتم ضمها إلى دولة الاحتلال كمواطنين في دولة فلسطين المأمولة ويعمل كذلك على إقناع هؤلاء المستوطنين بقبول هذا الحل، على ذمة معاريف العبرية في الأول من الشهر الجاري. وعلى ذمة آفي شيلون في هآرتس يوم الأربعاء الماضي فإن "اتفاق الإطار" الذي يقترحه كيري سوف يبقي (80%) من المستوطنين حيث يوجدون الآن. ومع أن قوانين الضرائب الأمريكية تحظر استخدام أموال التبرعات للأعمال الخيرية المعفاة من هذه الضرائب لأغراض سياسية داخل الولايات المتحدة أو خارجها، تستمر الحكومات الأمريكية المتعاقبة في غض النظر عن استمرار تمويل الاستعمار الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة من أموال هذه التبرعات. فعلى سبيل المثال، ذكر تقرير لـ"النيويورك تايمز" في الخامس من تموز/يوليو عام 2010 أن ما لا يقل عن (40) جماعة أمريكية جمعت أكثر من (200) مليون دولار خلال السنوات العشر السابقة كمنح معفاة من الضرائب للاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، بينما ذكرت تقارير إعلامية أمريكية إن مساهمة هذه التبرعات في تمويل الاستيطان تزيد على المليار دولار منذ أوائل عقد التسعينيات من القرن الماضي. والمشاركة الأمريكية في الاستيطان الإسرائيلي لا تقتصر على المال فقط بل تشمل البشر كذلك. فازدواجية الجنسية الأمريكية – الإسرائيلية التي نقلت ستانلي فيشر من محافظ للبنك المركزي في دولة الاحتلال إلى نائب لمحافظ بنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي أواخر العام الماضي سمحت أيضاً للإرهابي الأمريكي - الإسرائيلي باروخ غولدشتاين باستيطان مستعمرة كريات أربع قرب الخليل بالضفة الغربية ليرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994. وتنص الفقرة "إي" من القسم (401) من قانون الجنسية الأمريكي لسنة 1940 على أن المواطن الأمريكي بالولادة أم بالتجنس "يفقد جنسيته" إذا شارك "في أي انتخابات سياسية في أي دولة أجنبية"، لكن مزدوجي الجنسية الأمريكية – الإسرائيلية لا يشاركون في الانتخابات الإسرائيلية فحسب بل ويستوطنون الأراضي الفلسطينية المحتلة بطريقة غير قانونية وغير شرعية تنتهك السياسة المعلنة للولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، قالت الأمريكية سارا هيرشهورن في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه إن (45) ألف مستوطن في الضفة الغربية يحملون الجنسية الأمريكية، يمثلون حوالي (15%) من مجموع المستوطنين فيها، ومنهم من شارك في تأسيس مستعمرات استيطانية مثل الحاخام شلومو ريسكين الذي أسس مستعمرة افرات، وبوب براون الذي ترأس مجلس بلدية مستعمرة "تكوع"، حسب ما نشرته يومية "هآرتس" العبرية في السابع من الشهر العاشر عام 2011. ويتضح من العرض السريع أعلاه لـ"تغير" الموقف الأمريكي من الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي أن الولايات المتحدة في موقفها لا تنتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها فحسب بل تنتهك أيضا القانون الأمريكي وكذلك قانون دولة الاحتلال الإسرائيلي. في إطار الحماية الإستراتيجية التي توفرها الولايات المتحدة لأمن الاحتلال تحولت عمليا إلى حاضنة عسكرية وأمنية وسياسية ومالية للاستعمار الاستيطاني الصهيوني للأرض العربية في فلسطين، وهو ما يحولها إلى شريكة لدولة الاحتلال في استعمارها الاستيطاني. وفي الخلفية التاريخية للشراكة الأمريكية في مشروع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين لا يمكن إغفال حقيقة أن الدولة الأمريكية ذاتها قد بنيت على استعمار استيطاني مماثل اعتمد التطهير العرقي أيضا كاسحة ألغام له. المطلوب فلسطينياً وسط تفاعلات الأحداث التي تشهدها المنطقة بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، حول خطة كيري في إنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها في المؤامرة التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني، والتي ربما سيشهد شهر نيسان المقبل تتويجا لها باتفاقية كارثية على فلسطين, فإن من الأشرف والأفضل للسلطة الفلسطينية أن تعلن انسحابها نهائياً من المفاوضات مع إسرائيل، أيّاً كانت نتائج ذلك! وتُعلن بمنتهى الوضوح: سقوط نهج التفاوض مع إسرائيل نهائياً وبشكل كامل، والمنطق والحالة هذه يخدمها بشكل كبير، فما من دولة تقبل بأن تُبقي على احتلال حدودها من جهة الدولة التي تحتل أراضيها، وما من دولة تقبل بأن تكون أرضها مرتعاً وملعباً لقوات الاحتلال تطارد من تشاء فيها، وتغتال مواطنيها، وتعتقلهم في سجونها! هكذا دولة لم تكن في يومٍ من الأيام قائمة في التاريخ ولن تكون، فما من شعب يقبل الاستكانة والإذلال والمهانة التي تريد إسرائيل إلصاقها بالفلسطينيين على الدوام، أيضاً ما من دولة تقبل باستمرار مصادرة أراضيها لاستيطان العدو. أما بالنسبة للضغوطات الأمريكية، فالمبادرات التي عرضها كيري على الفلسطينيين في جولاته الأخيرة عملياً هي نقل وزير الخارجية الأمريكي للجانب الفلسطيني، المقترحات الإسرائيلية بحذافيرها، الأمر الذي يؤكد أن الولايات المتحدة لم تكن وسيطاً نزيهاً في يوم من الأيام على صعيد الصراع مع الكيان الإسرائيلي، وبالتأكيد فهي لن تكون مستقبلاً. المبادرة تتأسس على ما طرحه الرئيس الأسبق كلينتون ورفضه الرئيس الراحل عرفات. واشنطن تعرض اتفاق إطار في دولة مقطعة الأوصال. دولة كانتونات مجزأة، ليس من تواصل بينها غير ما تفرضه إسرائيل من طُرق مليئة بالحواجز الإسرائيلية من قبل الجيش، تمرر من تشاء وتمنع من تشاء, تعتقل من تشاء وتحتجز من تشاء وهكذا. أما السيطرة الإسرائيلية على المعابر فعملياً تجعل من إسرائيل عاملاً متحكماً أساسياً في حركة الداخلين والخارجين من وإلى أراضي الحكم الذاتي (التي تسمى تقديراً بدولة بينما هي براء من كل مظاهر سيادة الدولة). إسرائيل لن تقرر فقط للداخلين والخارجين من الفلسطينيين (سواء في الدولة أو في الشتات) فقط وإنما حتى لزوار هذه الدولة, فلن يستطيع مسؤول من دولة ما الدخول إلى الدولة الفلسطينية دون إذنٍ إسرائيلي له!. من جانب آخر، فقد أعلن العديد من وزراء الحكومة الإسرائيلية الحالية بأن الغالبية فيها يرفضون قيام دولة فلسطينية (ولو كانت عبارة عن حكم ذاتي ليس إلا، وليست دولة بالمعنى المتعارف عليه للدول). نقول ذلك لأن غالبية أطراف الائتلاف الإسرائيلي الحاكم حالياً لا تعترف بوجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني، وهي أيضاً تعتبر فلسطين من البحر إلى البحر أرضاً إسرائيلية، وأن هذه الأطراف ما زالت تحلم "بأرض إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات! هذه هي حدود التسوية بحدها الأعلى التي تطرحها إسرائيل على الفلسطينيين، أما بالنسبة للعرب فقد سبق لإسرائيل وأن رفضت ما سمي "بمبادرة السلام العربية" وأعلنت مراراً أنها تريد "سلاماً مقابل سلام" ولا تريد "سلاماً مقابل الأرض", هي تريد لأعلامها الصهيونية أن ترفرف على بنايات سفاراتها في العواصم العربية، وتريد تطبيعاً في مختلف المجالات مع الدول العربية، وتريد "تزاوجاً" بين الأموال العربية والعقلية الإسرائيلية - التي ليس لذكائها حدود والتي تنطلق من الفوقية والاستعلاء وتقديس الذات والاستهانة بالعقل العربي المحدود الذكاء - من وجهة نظرهم وتعاليمهم؟. على ضوء ما سبق يصبح لزاماً على الفلسطينيين والعرب، مجابهة العدو الصهيوني، الذي هو ليس خطراً على الفلسطينيين وحدهم، وإنما على الأمة العربية بكاملها من المحيط إلى الخليج. فلسطينياً يتوجب إلغاء نهج المفاوضات إلى غير رجعة، وإجراء مراجعة نقدية شاملة للمرحلة منذ اتفاقيات أوسلو وحتى هذه اللحظة. وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية على القواسم المشتركة بين الفصائل، على الثوابت الفلسطينية التي تستند إلى حقوق شعبنا الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. المطلوب فلسطينياً أيضاً إحياء نهج المقاومة للعدو الصهيوني بكافة أشكالها ووسائلها، بما فيها الكفاح المسلح. هذا الحق المشروع للشعوب المحتلة أراضيها والمغتصبة إرادة أبنائها، وقد ضمنته الأمم المتحدة بقرارات صريحة وواضحة بهذا الشأن. المطلوب أيضاً إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الجامع بين كافة أبناء شعبنا في الوطن المحتل وفي الشتات. إعادة الاعتبار مقترنة بالإصلاح الشامل في مؤسساتها بحيث تكون حاضنة لكل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، بما في ذلك الفصائل الفلسطينية بلا استثناء. |
||||||