|
|||||||
|
لم يجف حبر الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسداسية الدولية حتى سجل أول خرق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على عدد من الشركات الإيرانية والأجنبية، بإضافتها على اللائحة السوداء، لتطالها العقوبات الأحادية مع بعض الأشخاص، بحجة خرق الحظر المفروض على طهران. كانت هناك معلومات متوافرة عن نية أمريكية لفرض عقوبات جديدة على إيران وذلك في إطار توزيع الأدوار في الإدارة الأمريكية، والتي كانت تتوقع مردودا يصل إلى سبعة مليارات دولار جراء رفع بعض العقوبات، إلا أن الحسابات اختلفت بعدما تبين أن حجم العائدات المالية قد تتجاوز ٢٠ مليار دولار، وذلك بسبب مسارعة الشركات الأجنبية لإبرام عقود مع الجمهورية الإسلامية ولاسيما في مجال النفط والبتروكيميائيات. الاختبار الأول لاتفاق جينيف اختبار هو الأول من نوعه يمر به الاتفاق النووي المرحلي بين طهران ومجموعة الـ(٥+١). فريق الخبراء الإيرانيين أوقف مفاوضاته التقنية مع خبراء المجموعة التي بدأت قبل أيام من الخرق الأمريكي عائدا إلى بلاده للتشاور. وفيما لم يعلن الفريق سبب هذه الخطوة، قال المفاوض الإيراني عباس عراقجي إن بلاده ستدرس الوضع وستصدر رد الفعل المناسب على إعلان واشنطن إضافة ١٢ شركة إلى قائمتها السوداء التي تشتبه بالتفافها على نظام العقوبات الذي تفرضه على إيران. بعد ١٠ سنوات من الحوار والاجتماعات والمناقشات، استطاعت إيران والغرب التوصل إلى نقطة مشتركة من أجل استئناف مرحلة رفع اللبس والغموض وإلغاء العقوبات غير القانونية، إذ اتفق الجانبان على الالتزام بتنفيذ بنود هذا الاتفاق. إلا أن القضية الأهم من أي أمر آخر والمثيرة للقلق هي إقرار ضمانات لتنفيذ الاتفاق النووي بين الجانبين. بطبيعة الحال، فإن إيران، وبسبب رغبتها وصدقيتها بتسوية هذه القضية، ولتخفيف العقوبات الاقتصادية عليها، فإنها لا تحاول خرق اتفاقية جينيف. إن موقف الخبراء النوويين حول الاتفاق المذكور وعودة الوفد الإيراني المفاوض إلى طهران، وكذلك موقف المسؤولين في وزارة الخارجية الإيرانية إزاء هذا الخرق الأمريكي، تعتبر من الردود الحازمة والسريعة اتجاه أمريكا. مما لا شك فيه أن هذا الخرق يعد انتهاكاً صارخاً لبنود الاتفاقية النووية المبرمة بين إيران والمجموعة الدولية، حتى إن الدول الأوروبية أبدت معارضتها لهذا الخرق الأمريكي. كما أن وزير خارجية روسيا حذر من تساهل الغرب بشأن تنفيذ بنود الاتفاقية النووية مع إيران. إن قرار واشنطن هو خطوة مخالفة لروح اتفاق جينيف الذي تتعهد بموجبه الدول الست بعدم فرض عقوبات جديدة على إيران. وكانت طهران قد حذرت على لسان عدد من مسؤوليها من إقدام واشنطن على خطوة كهذه، ونبهت مراراً على أن ذلك سينعكس على الاتفاق وقد يقضي عليه. لكن الحكومة الأمريكية التي تخوض سجالاً علنياً مع الكونغرس على خلفية اتفاق جينيف، أرادت من خلال إضافة أسماء جديدة إلى قائمة عقوباتها أن تظهر بأنها لا تزال تتعامل مع طهران من موقع ضاغط. وفي الوقت نفسه، جاءت هذه الخطوة بديلا عن عقوبات جديدة على إيران لوح بها مشرعون أمريكيون يساندون إسرائيل. لم تفاجأ الأروقة السياسية الإيرانية بقرار الحظر الإضافي الذي فرضته الولايات المتحدة على طهران. منذ بداية المحادثات، تحدث الجانبان عن ثقة مفقودة بين الطرفين وعن الحاجة إلى إجراءات لبناء الثقة، بغية إنجاح المفاوضات النووية. جاءت العقوبات الجديدة عكس المسار المنشود، الأمر الذي ردت عليه الجمهورية الإسلامية بوقف التفاوض. هل كان الاتفاق النووي مع الغرب صفحة كاذبة؟ ما كادت تلوح ملامح التهدئة والاستقرار في المنطقة، على أثر الاتفاق الإيراني الغربي الذي وقع في ٢٤ تشرين الثاني في جينيف، حتى تبخرت الأحلام والتوقعات الإيجابية التي كانت ستنجم عنه خلال الأشهر المقبلة. يبدو أن هناك من اصطاد في الماء العكر ونجح في إعادة الأمور بين إيران والولايات المتحدة تحديدا إلى التجميد. الولايات المتحدة لم تتقيد ببنود اتفاق جينيف، والذي نص على أن تخفف دول مجموعة (٥ +١)، العقوبات المفروضة على إيران منذ سنوات لمدة ستة أشهر وأن تعلق بعضها جزئيا. وفي الوقت نفسه، يسمح لها بتخصيب اليورانيوم وإنتاج مادة البلوتونيوم المشعة، غير أن واشنطن أبقت كل الخيارات مفتوحة عند الحاجة، فما الذي استجد لتتخذ الولايات المتحدة الأمريكية مثل هذا القرار؟. لقد ساد لغط وتضارب كبيران بعد الاتفاق حول بنوده بين الجانبين الأمريكي والإيراني. ففي حين أشار وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف وقتئذ إلى أن بلاده ستعلق تخصيب اليورانيوم إلى مستوى نقاء ٢٠% لمدة ستة أشهر، على أن يتم السماح لها جراء الاتفاق باستمرار أجزاء أخرى من برنامجها بتخصيب اليورانيوم، وأن الاتفاق أقر حقها بالتخصيب... فقد أعلن البيت الأبيض أن بنود الاتفاق تضمنت تخفيف بعض هذه العقوبات، في مقابل قيام إيران بالحد من أنشطة برنامجها النووي وفتحه أمام عملية تفتيش دولية أوسع لمدة ستة أشهر، فيما يجري التفاوض على "حل كامل". كما أكد البيت الأبيض أن الاتفاق "لا يعترف بحق إيران بالتخصيب، وأنها وافقت على وقف كل أنشطة تخصيب اليورانيوم بنسب تفوق الـ ٥% وتفكيك العملية التقنية اللازمة للتخصيب بنسب تفوق ذلك، والتخلص من مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة حوالي ٢٠ % من خلال تذويبه". وافقت الولايات المتحدة مع الدول الأخرى على الاتفاق مع إيران، لكنها أبقت سيف التهديد مسلطاً فوق رأسها، عندما ذكر الاتفاق "إذا احترمت إيران تعهداتها"، ما يعني أنه في حال لم تحترم الجمهورية الإسلامية ما تم التوقيع عليه فمن حق هذه الدول التصرف على هواها من فرض عقوبات جديدة أو إضافة أسماء جديدة على لائحتها السوداء وغير ذلك. لعل هذا الموقف ناجم عن الضغوطات الداخلية والخارجية التي تعرضت لها الإدارة الأمريكية مؤخراً، ما جعلها تتصرف خلافاً للاتفاق، مع الإيحاء بأن إيران هي التي قامت بإفشال الاتفاق. كان الاتفاق الأمريكي الإيراني قد مهد لانعقاد مؤتمر جينيف ٢ حول السلام في سوريا في موعده في ٢٢ كانون الثاني المقبل، خصوصاً وأن الولايات المتحدة وروسيا اللتين تحضران له تسعيان إلى دعوة إيران للمشاركة فيه كإحدى الدول المؤثرة والفاعلة في المنطقة. غير أن دول الخليج أظهرت غضبها وامتعاضها حيال توقيع هذا الاتفاق، من خلال عدة قرارات اتخذتها ضد الأمم المتحدة، ولاسيما السعودية. يبدو أن الرياح الناعمة التي بدأت تهب من إيران باتجاه دول الخليج تحولت إلى عواصف رعد وبرق داخل القاعة التي استضافت فيها الكويت قمة دول مجلس التعاون. التقارب المفاجئ بين بعض دول المنطقة وإيران، وتحديدا من جانب دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، أغضب السعودية التي تعتبر أن إيران هي خصمها المباشر في المنطقة. فهل نجحت إيران في إعادة خلط الأوراق ورسم التحالفات في الخليج؟ لم يكد يمر ثلاثة أسابيع على الاتفاق الإيراني الغربي، حتى ظهر أن صفحة كاذبة بين الجانبين قد فتحت، لاسيما مع وجود عدة متضررين من قبل الدول الحليفة للغرب، علما أنه لا توجد أسباب جوهرية لدى دول الخليج للخشية من الانفراج النسبي الأخير في العلاقات الأمريكية الإيرانية، خصوصاً أن الاتفاق يمنع إيران من الوصول إلى حالة التسلح النووي، وهذا الأمر يمثل هدفا استراتيجيا مشتركا للولايات المتحدة وحلفائها في الخليج. حتى الآن، دانت طهران القرار الأمريكي الأخير بفرض عقوبات جديدة على بعض الشركات والأفراد في إيران وعلقت المفاوضات في فيينا، أما الخطوة الآتية فسوف تكشف عنها الأيام المقبلة مما سيظهر مصير الاتفاق الإيراني الغربي والتداعيات التي ستنجم عن عدم تنفيذ الاتفاق. العلاقة الأمريكية الإسرائيلية واتفاق جينيف الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية لا يزال العنوان الأبرز في الساحتين السياسية والإعلامية الإسرائيلية. فقد حضر الاتفاق بقوة في فعاليات "منتدى صدان"، وهو مؤتمر سنوي يقيمه "مركز صدان لدراسات الشرق الأوسط" التابع لمعهد "بروكنغز" في واشنطن. الرئيس الأمريكي حضر المؤتمر، مسوقاً للاتفاق الذي رآه اتفاقاً جيداً لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وحاول طمأنة المخاوف الإسرائيلية جراءه. الصحف الإسرائيلية شاركت في المنتدى عبر مندوبين لها نقلوا أجواء المؤتمر وانطباعاتهم حول الرؤية الأمريكية للاتفاق. الكاتب "باعاز بسموت" في صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو لخص انطباعاته الأمريكية بالآتي "أوباما جاء ليطمئننا بشأن الاتفاق مع إيران فخرجنا أكثر قلقاً"، ومنبع القلق لدى الكاتب هو قول أوباما عن الاتفاق "إنه مقامرة بنسبة ٥٠ % مقابل ٥٠ %، لكن يجب علينا أن نحاول". كاتب آخر في صحيفة "يدوعوت أحرونوت" استشعر مواجهة قادمة بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما، وذلك بالاستناد إلى وجهات النظر المختلفة بين الجانبين في قضايا عدة. فيما يتعلق باتفاق جينيف يبدو أن أوباما وصف بصدق الخلافات بينه وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. فهذا الأخير يعتقد أنه يجب إخضاع إيران، بينما يعتقد أوباما أنه يمكن تحصيل شيء أكثر منها بطريقة دبلوماسية. ومهما يكن من أمر، فقد توصل أوباما إلى قراره الحاسم، إذ وفقاً لأجوبته عن أسئلة "حاييم صدان" الذي أدار النقاش، فإنه مستعد لمشاورة نتنياهو، لكنه غير مستعد لتلقي أي إملاءات منه. بقي أمام نتنياهو ورقة لعب واحدة وحيدة، هي أن يهدد الرئيس الأمريكي بقانون يسنه أصدقاء إسرائيل في الكونغرس، يقضي بتشديد وطأة العقوبات على إيران إذا لم يتم إحراز اتفاق مرضٍ معها بعد ستة أشهر. لكن ورقة اللعب هذه تبدو الآن ضعيفة للغاية، لأن الجمهوريين الذين يسارعون إلى التشاجر مع أوباما بسبب أي شأن داخلي، لا يسارعون إلى تبني سن قانون يظهر أنهم يدعون إلى شن حرب أخرى. من هنا، إن جميع الدلائل تشير إلى أن حكومة نتنياهو وإدارة أوباما على أعتاب فترة مواجهة. صحيح أن اللغة مهذبة، لكن القرارات التي يعرضها كل جانب على الآخر صعبة ومشحونة ومقرونة بأثمان سياسية باهظة. لقد كانت حالة الجو السياسي في واشنطن قاتمة وباردة، ويعتقد المتنبئون أن العاصفة قادمة لا محالة. إيران وإستراتيجية التفاهم مع الخارج رب قائل إنه من المبكر الغوص في تحليل الاتفاق النووي الإيراني الدولي الذي تم التوقيع عليه مؤخرا بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومجموعة الدول الـ(٥+١) وممثلة الإتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، كون عناوين الاتفاق المعلنة تبطن بحثا عن بناء ثقة مطلوبة لاستكمال الخطوات نحو آفاق ما بعد اتفاق جينيف النووي، ليس فقط بين إيران والغرب، ولكن مع الدول المجاورة أيضاً. إن التحليل الواقعي يفضي إلى أن الاتفاق لم يكن وليد عشية وضحاها، بل هو ممتد إلى أكثر من سنوات خلت، كان الغرب خلالها، وعلى رأس حربته الإدارة الأمريكية، قد حاول سلب حقوق الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثل الاستخدام الصناعي للطاقة النووية، بالإضافة إلى أن الإستراتيجية النووية الإيرانية كانت واضحة وتسير في خط مرسوم لها، بل أكثر من ذلك، إن الاتفاق بني على أساس ما وصلت إليه الجمهورية الإسلامية في حقلي التخصيب لليورانيوم والاستخدام للطاقة. على الرغم من كل الضغوطات والحصار من قبل الغرب والكثير من دول العالم التي تسير في ركب السياسة الأمريكية، استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تخوض مفاوضات ليس مع أمريكا فحسب، بل في مواجهة جميع الدول التي تخشى من التقدم والتطور الإيراني في شتى المجالات، وأن تثبت وجودها في نهاية المطاف انطلاقاً من الإيمان بالله تعالى والثقة بالنصر بعد الصبر، لتأكيد حقها في استخدام واستثمار مواردها وطاقتها، مستندة إلى ما وصلت إليه من قدرات ذاتية بشرية ومادية وتقنية ما جعلها في مصاف الدول المتقدمة. يمكن الإشارة باختصار إلى بعض العناوين التي شهدها المسرح السياسي الدولي، والذي كانت مؤشراته واضحة قبل اتفاق جينيف حول الملف النووي وهي الآتية: ١- مجموعة النصائح التي قدمها مستشارو الرئيس الأمريكي باراك أوباما وفريق عمله حول بذل كل جهد ممكن للتفاهم مع القوى الصاعدة في المنطقة. ٢- الضغوط الاقتصادية التي شارك فيها الكثير من دول العالم والتي فاقت كل توقع، لكن استطاعت إيران التكيف معها وتجاوز أضرارها. ٣- الحرب السرية عبر عمليات تخريب وإرهاب منظم وتجسس وصلت إلى حد تخريب برامج الكومبيوتر وتشويش الاتصالات داخل الجمهورية الإسلامية في محاولة لإرباك وضعها الداخلي وعزلها عن العالم وجعلها تخسر الوقت الثمين في عمليات الاتصال والبرامج المتخصصة. ٤- محاولة إشعال فتن داخل الجمهورية الإسلامية، والسعي إلى إحداث ثغرات في جدار العلاقات الداخلية الإيرانية، بهدف إضعاف إيران الدولة، لكنها فشلت بسبب توحد الشعب الإيراني واصطفافه خلف قيادته. بعد كل هذه المحاولات، بدا واضحا للإدارة الأمريكية أن إيران الثورة الإسلامية من حيث الموقع والدور والقدرة هي غير إيران في عهد الشاه في سبعينيات القرن الماضي، وأن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة غير قادرة على اختراق جدار العلاقات الأمريكية الإيرانية إلا عبر تفاهمات دولية تحفظ حق إيران ولا تنتقص منه. إيران والدور الإقليمي يجب ألا يغيب عن الأذهان أن إيران دولة إقليمية ذات فاعلية في حراكها السياسي، فهي دولة وإن كانت ذات طابع شيعي تسعى إلى الوحدة الإسلامية ونبذ التفرقة والفتن المذهبية، وهي تشكل مرجعية دينية إسلامية في هذا المجال. وكذلك فإن إيران، من خلال موقعها، لا بد من أن يكون لها مجال حيوي في جوارها يقوم على أساس التفاهم والتعاون خارج إطار ما يخطط له الغرب، خصوصاً التفرقة بين القوميات أو على أسس عرقية وطائفية ومذهبية، أثبتت الفترة الماضية عدم القدرة على توظيفها، لأن الطرف الإيراني بقي مصرا على مواجهتها بصبر وحكمة فوتت الفرصة على محاولي الاصطياد في الماء العكر، حتى إن الحرب على الجمهورية الإسلامية لم تستطع قطع همزة الوصل بين إيران ودول عربية عديدة وقفت إلى جانب الجمهورية الإسلامية ضد صدام حسين مما أبقى الشريك العربي حاضراً. إذاً، وإن كانت أمريكا الدول الأقوى عسكرياً واقتصادياً، فإن ثمة اقتناعاً أمريكياً بأن هناك تراجعاً في موقعها السياسي في ظل صعود تكتلات وقوى دولية وإقليمية جديدة. هذا الاقتناع دفع بإدارة أوباما إلى البحث عن آلية لمحاصرة خسائرها وإقفال بؤر الاستنزاف المفتوحة في العالم، والاعتراف بدور قوى جديدة على أساس إقفال ملفات ساخنة حول العالم، والتفرغ للبحث عن سبل تؤمن لها مردوداً جديداً اقتصادياً أولاً ونفوذاً وحضوراً ثانياً، دون أن تكون الإدارة الأمريكية مضطرة إلى خوض حروب عبر البحار لم تجن منها سوى خسائر فادحة كانسحابها من العراق. إذا كانت الإدارة الأمريكية قد واجهت بعض الانتقادات الداخلية كتصريحات جون بولتون وغيره من صقور الإستراتيجية السابقة، باعتباره أن توقيع اتفاق جينيف إنما هو خسارة لأمريكا وانتصار واضح لإيران، فإن إصرار الإدارة الأمريكية على السير قدماً بالاتفاق عبّر عنه الرئيس أوباما بقوله "إن ما حدث هو أن الاتفاق هو مفاوضات صعبة يجوز فيها كل شيء، وهذا لا يمكن اعتباره خسارة بل تحسين مواقع تفاوضية والوصول إلى سقوف مشتركة". في صورة المشهد السياسي حالياً، إن إيران، وعلى الرغم من عدم ثقتها بالغرب عموماً، وبالإدارة الأمريكية على وجه التحديد، ربحت في جولة المفاوضات النووية ولا تزال على حذرها من ملفات أخرى ذات صلة بعلاقاتها مع أمريكا والغرب، مثل ملف الدفاعات الصاروخية الإيرانية ونظرة الغرب له، وكذلك ملف له أولوية خاصة، وهو ملف المقاومة والقضية الفلسطينية التي تعتبرها الإدارة الأمريكية نقطة واضحة في الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني في أي إستراتيجية أمريكية وعلى نفوذها في المنطقة عبر البوابة الصهيونية. ما هي، إذاً، المكتسبات الإيرانية بعد استخدام ما يعرف بـ"المرونة الثورية"، إذا جاز التعبير، للوصول إلى هذه النهاية للملف النووي الذي أثبتت فيه إيران أن المقاومة للغرب ليست محصورة بالموضوع العسكري والمواجهة المباشرة، بل يمكن أن تحاك بدبلوماسية شبيهة بحياكة السجاد الإيراني، أي بهدوء وصبر والتزام طويل الأمد. يمكن ملاحظة المكتسبات التالية في هذه المرحلة: ١- تأكيد إيران على حقها بالتخصيب والاستخدام والتطوير. ٢- اعتراف رسمي من الغرب بالحق الإيراني. ٣- عدم قدرة الغرب على نقض الاتفاق، إذ حتى إن إلغاءه يعني استمرار إيران في مشروعها دون تراجع. إيران اليوم دولة نووية، ولا بد من قراءة جديدة للعلاقات والاصطفافات في المنطقة بعد القنبلة السياسية النووية التي شكلت فالقاً زلزالياً في العالم الثالث والعالم المتقدم أيضاً. دول المنطقة مطالبة اليوم بقراءة الوقائع بواقعية وليس بالعواطف، وإلا ستخرج من المعادلة السياسية خالية الوفاض خصوصاً وأنه حتى قبل الاتفاق النووي في جينيف، أعلنت إيران أنها تبحث في أولوياتها عن اطمئنان جيرانها. |
||||||