|
|||||
|
بين العمل والمتعة هل العمل الذي تقضي فيه عمرك في أهم ساعات نشاطك منذ الصباح حتى المساء، هو قدرك؟ هل بالفعل، الشغل الذي تشتغل من أجل تسديد مصاريف حياتك، محل تقديرك واعتزازك؟.. ها هي مادة كتبتها لإعادة حساباتنا قبل فوات الأوان: لماذا يجب أن يكون عملنا في ما نحب؟. قد نجيب على سؤال مثل: "ماذا تشتغل/تعمل؟" بجواب تلقائي، عادةً، لكن هل رأيت أحداً انزعج من مثل سؤال يبدو عادياً كهذا؟.. المفترض أن نتساءل عن مثل هذا السؤال؟ المهم هو ما أشتغل؟.. أم أنا؟ لماذا الاهتمام بشغلي؟ بالنسبة لمن ينزعج من مثل سؤال كهذا: الوظيفة، و"من أنا" شيئان لا يلتقيان! هناك بطبيعة الحال انفصال بين الشغل ووقت الراحة. الانفصال ظهر في حدود 1800م نتيجة للثورة الصناعية.. حينها استُبدِلَتْ الأيدي العاملة بآلات لإنتاج الكثير بالقليلِ، و كثرةٍ مُقَدَّمةٍ على الجودةِ وسرعةٍ مُقَدَّمةٍ على الدقةِ والعدد أهم من الناس. في فترة استبدال الإنسان هذه، انتشر داءُ قلّةِ الهِمَّةِ وقد بدأ في الانتشار والعدوى بسرعة. حتى أنت، لا بدّ، تعرضت لداء قلة الهمة، ولا تهتم، فهو داء معدٍ وإن لم تبدُ عوارضه إلا قليلاً بعد التعرض الكثير له. يمكن أن ننتبه لهذا المرض من خلال لغة الشارع بجواب مثل: ذلك لا يهمني!. لندخل مصرفاً وسنرى 2 من 4 صرافين يفتقدون إلى الهمة. السبب الوحيد لشغلهما في المصرف كل فرد منهما، هو تسديد مصاريف الحياة..!!.. تسديد مصاريف الحياة سبب لا يمكن الاعتماد عليه كمحفز!.. يخرجون مع نهاية الدوام على الساعة ويستمتعون بكامل فترة غدائهم ولا يريدون التحدث عن العمل خارج مكتب العمل. إنهم يجيبون بأقل ما يمكن من معلومات ويستغرقون ضعف الوقت ليقوموا بأي مهمة مطلوبة منهم في العمل. تلاحظهم من وجوههم الذابلة – وهذا انعكاس عن اللامبالاة القصوى، أنهم لا يعنيهم ذلك في شيء.. إنهم موتى ولا يمثلهم عملهم ولأنه لا يجعلهم مميزين؛ فسيكون إنتاجهم سيئاً.. المجتمعات التي تفتقد الهمة، لن تتقدم لأنها مصابة بشلل يؤثر بشدة في جودة ما تنتجه. إذا أجبرت الناس على العمل من أجل دفع مصاريف حياتهم فأنت من تبني مثل هذه المجتمعات البائسة. في سويسرا كان النقاش على نقيض من كل هذا وهدفه كان تعزيز الهمم. إنه مجتمع الدخل الأساسي: كل سويسري يستلم من الحكومة مصروفاً بغض النظر عن كونه غنياً أو فقيراً، مجتهداً أو كسولاً، كبيراً أو صغيراً. سياسة الراتب الأساسي لا تجبر الناس على وظائف يشتغلون فيها لسد مصاريف الحياة، وإنما يعملون في اهتماماتهم دون ظل جاثم للفواتير والديون. إذا لم نستمع إلى الذي نحب الذي يشجعنا على الإنتاج عالي الجودة فسوف نواصل أن نعيش في عالم ملفق. ربما نقول إننا نعيش في عالم رائع ولكنه معطوب شيئاً ما؛ ولكن الحقيقة أن هذا ليس إلا عالماً ملفقاً. التلفيق ليس على المستوى السطحي، لكنه من الداخل أيضاً حيث أنه عند هؤلاء الموتى المبجلين، تحقيق ذواتهم ليس هدفاً وإنما هو في شيء يأتي في الأحلام. سويسرا الآن تجرب خطوة جريئة قد تأتي بجيل جديد يزدهر بالهمم. لنتخيل مجتمعاً لكل فرد فيه الفرصة لعمل في ما يعشق وفكّر.. كم من المواهب سيظهر إلى النور.. ربما ذلك المجتمع هو نموذج رائع لمجتمعات متفوقة ومنتجة ولا مزيد من خدمات العملاء المرعبة. هل تعلمنا بما يكفي أن الحياة قصيرة بحيث لا نفسدها في عمل الأشياء التي لا تهمنا؟. لا تجبروا أنفسكم على حب وظائفكم ولكن ابحثوا عن وظيفة تحبونها.. السعادة هي أن نقلل أكثر ما نستطيع، الفاصل بين العمل والمتعة ويجب أن يسهل تبديل أحدهما بالآخر.
|
||||