إسرائيل بعد اتفاق جنيف:
توتر مع الأخ الأكبر وحلف ضعيف مع المتضررين

السنة الثالثة عشر ـ العدد 145 ـ ( ربيع أول 1435 هـ) كانون ثاني ـ يناير ـ 2014 م)

بقلم: ابتسام الشامي

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

منذ انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية في حزيران الماضي سارعت تل أبيب إلى شن حملة دبلوماسية لتطويق السياسة الانفتاحية التي عبّر عنها في خطاب الفوز.

ومع الترحيب الذي حظي به في الأمم المتحدة ومسارعة رؤوساء الدول الغربية وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى فتح قنوات الاتصال المباشرة معه ارتفع مستوى القلق الإسرائيلي من إمكانية نجاح ما أسماه الإعلام الإسرائيلي "حملة الابتسامات" الإيرانية في تعديل الموقف الغربي من إيران وصولاً إلى إيجاد حل دبلوماسي للملف النووي الإيراني ينسف كل الجهود الإسرائيلية للقضاء على هذا البرنامج الذي تدعي إسرائيل أنه عسكري.

توقيع الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية في جنيف شكل صفعة قوية للكيان الإسرائيلي وهو إلى جانب كونه فشلاً للسياسة الإسرائيلية القائمة على تحشيد عوامل الضغط للدفع بالمجتمع الغربي إلى التورط عسكرياً ضد مفاعلات إيران النووية, كشف عن تصدع خطير في منظومة علاقات إسرائيل الدولية لاسيما مع الولايات المتحدة الأمريكية وصولاً إلى قراءة محللين إسرائيليين وازنين أن إسرائيل تتجه على ضوء الاتفاق وما بعده نحو عزلة دولية كانت أولى مؤشراتها عدم الأخذ بمطالبها في الاتفاق مع إيران والقاضية بتفكيك بنية البرنامج النووي الإيراني وليس وقف التخصيب المؤقت فقط.

الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمجموعة الدولية بات منذ توقيعه في تشرين الثاني الماضي في جنيف حديث السياسة والإعلام ومراكز الأبحاث والمجتمع في كيان العدو, هواجس كثيرة من تداعيات الاتفاق على إسرائيل ومن قبول الغرب إيران في النادي النووي يعبر عنها كبار القوم في تل أبيب هذه الأيام ويرسمون في كتاباتهم وأرائهم صورة قاتمة لمستقبل كيانهم,وفي هذه السطور ملامح من تلك الصورة, وبعض من الهواجس التي عكسها الإعلام الإسرائيلي.

إسرائيل-أمريكا: علاقات متوترة

لم يعد خافياً على أحد حجم التباين السياسي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والإدارة الأمريكية بشخص الرئيس باراك أوباما, وهو تباين ظهر إلى العلن في كثير من المحطات لاسيما في مفاوضات التسوية الفلسطينية الإسرائيلية التي يسعى أوباما جاهدا للوصول بها إلى اتفاق يحسب في إنجازات عهده, لكن أكثر تجليات العلاقة المتوترة بين أوباما-نتنياهو برزت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية حيث دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي المرشح المنافس للرئيس الأمريكي السيناتور الجمهوري ميت رومني, وهو أمر عرّض نتنياهو في الداخل الإسرائيلي للكثير من اللوم والتحذير من عواقب هذه الخطوة على منظومة العلاقات بين واشنطن وتل أبيب.

ومع توقيع اتفاق جنيف النووي الذي اعترف بحق إيران في الاستفادة من الطاقة النووية وكرس حقها في تخصيب اليورانيوم, ازدادت أسهم التوتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في الارتفاع, فعلى عكس الأجواء الاحتفالية في واشنطن بالانجاز سارع الكيان الإسرائيلي إلى التعبير عن رفضه للاتفاق ورأى فيه نتنياهو "خطأ تاريخياً لأن إيران حصلت على ما كانت تريده: رفع جزء من العقوبات والإبقاء على جزء أساسي من برنامجها النووي". الاعتراض الإسرائيلي الذي تولى التعبير عنه إلى رئيس الوزراء أعضاء حكومته بلغ البيت الأبيض وخلف شرخاًَ إضافيا في العلاقات وهذا ما تحدث عنه الكثير من الكتاب الإسرائيليين ومن بينهم المراسل السياسي لصحيفة هآرتس "باراك رابيد" الذي كتب عن تفاصيل العلاقة المتوترة بين نتنياهو وأوباما بشأن الاتفاق مع إيران(هآرتس 3-12-2013) ورصد الكاتب "خيبة أمل في البيت الأبيض جراء النقد العلني الصادر عن رئيس الحكومة الإسرائيلية وكبار الوزراء في حكومته ضد سياسة الرئيس أوباما حيال إيران" وأضاف الكاتب "في هذه الأيام لا يوجد ود كبير بين ديوان رئيس الحكومة والبيت الأبيض, وعدم الثقة هي الكلمة المفتاح في العلاقة بين الطرفين,نتنياهو وأنصاره ليسوا مقتنعين بأن أوباما مصر فعلا على كبح البرنامج النووي الإيراني,وهم يعتقدون أنه يسعى إلى دفع كرة النار الملتهبة هذه إلى الرئيس الذي سيأتي من بعده" وفي المقابل يضيف الكاتب في هآرتس "لا يفهم أوباما ومستشاروه لماذا يفضل كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية الاستمرار في انتقاداتهم للبيت الأبيض في موضوع الاتفاق المؤقت مع إيران بدلاً من العمل على زيادة التعاون المشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة قبل التوصل إلى اتفاق دائم. وثمة انطباع في البيت الأبيض أن نتنياهو وذراعه الطويلة في واشنطن رون دريمر-السفير الإسرائيلي الجديد في الولايات المتحدة- هما اللذان يشجعان الجمهوريين في الكونغرس على مهاجمة الرئيس أوباما في الموضوع الإيراني ويزودان وسائل الإعلام الأمريكية بتقارير سلبية تتعلق بالاتفاق مع إيران".

وإذا كان مراسل صحيفة هآرتس قد تحدث عن أجواء من عدم الثقة تعصف بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية على خلفية اتفاق جنيف فإن المحلل السياسي في صحيفة معاريف "نداف أيال" قد ذهب مدى أبعد في الحديث عن خلاف جوهري بين الطرفين في ما يتعلق بمقاربة الملف النووي الإيراني, الكاتب الذي حضر فعاليات المؤتمر السنوي الذي يقيمه مركز صبّان لدراسات الشرق الأوسط -هو مركز تابع لمعهد بروكينغز في واشنطن- واستمع إلى الرئيس باراك أوباما- الذي شارك في المنتدى - يقول (معاريف 8-12-2013) "خلافاً للماضي لا يدور الحديث حول تصريحات أوسلوك وإنما حول جوهر السياسة الأمريكية تجاه إيران الذي يجب أن يقلق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو,فلأول مرة تحدث أوباما علنا عن رؤيته للتسوية النهائية مع إيران, ولأول مرة أعلن أن مثل هذه الرؤية تتضمن استمرار تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية, الأمر الذي يتعارض تماماً مع موقف إسرائيل التي تعتقد أن أي حل حقيقي مع إيران يجب أن يتضمن الوقف التام لعمليات التخصيب".

حجم التباين الأمريكي-الإسرائيلي حيال الموقف من إيران, والذي تلمسه المشاركون في مؤتمر صبّان دفع بالمحلل السياسي في صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية "ناحوم برنياع" إلى توقع مواجهة بين الجانبين وقال في مقالة له حول الموضوع(يديعوت أحرنوت 8-12-2013): "إن جميع الدلائل تشير إلى أن حكومة نتنياهو وإدارة أوباما على أعتاب فترة مواجهة, صحيح أن اللغة مهذبة بين الطرفين لكن القرارات التي يعرضها كل جانب على الآخر صعبة ومشحونة ومقرونة بأثمان سياسية باهظة, حالة الجو في واشنطن كانت قاتمة وباردة, ويعتقد المتنبئون أن العاصفة قادمة لا محالة".

إسرائيل والحلف الضعيف

 الحديث السياسي والإعلامي الإسرائيلي عن حالة التوتر بين واشنطن وتل أبيب ترافق مع سؤال حول منظومة العلاقات الدولية ستصل إليها إسرائيل إذا ما استفحل الخلاف مع الراعي الأمريكي وهذا بالتحديد ما رسم له نائب وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق "أفرايم سنيه" صورة قاتمة في مقالة له نشرت في صحيفة يديعوت أحرنوت(2-12-2013) متوقعاً دخول إسرائيل فترة صعبة للغاية من دون حلفاء أقوياء وبرأيه فإن "منطقة الشرق الأوسط وبموافقة أمريكية ستنقسم إلى منطقتي نفوذ:

الأولى, منطقة إيرانية تضم العراق وغرب سوريا ولبنان. والثانية, منطقة أمريكية تضم السعودية ودول الخليج والأردن وإسرائيل, لكن ستظل هذه الأخيرة منطقة نفوذ عديمة المعنى لأن الولايات المتحدة قررت أن تترك الشرق الأوسط, فالتكنولوجيات الجديدة لإنتاج النفط والغاز جعلتها دولة مصدرة للغاز والنفط وأوقفت تعلقها باستيرادهما" والأخطر في كلام سنيه هو وصوله إلى النتيجة التالية: "يتعين علينا أن نستوعب حقيقة أن الولايات المتحدة لن تقف إلى جانب حلفائها التاريخيين في حال وقوعهم في مشكلة فالعزل المتسرع للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك أذّن بذلك" وعليه يسأل نائب وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق ما الذي بقي من التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل؟ ويجيب: "قبل أي شيء بقيت التصريحات ومن الناحية العملية من المتوقع أن تستمر المساعدات العسكرية بنحو ثلاثة مليارات دولار سنويا.. لا ينبغي الاستخفاف بهذه المساعدات, لكنه في كل وقفة أخرى ضد إيران, لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية موجودة لا معنا ولا مع أي أحد آخر"، وهذا دفع بسنيه إلى السؤال أي شركاء بقي لإسرائيل أمام إيران التي لم تتغير وتمكنت فقط من تضليل الغرب الضعيف؟ برأيه "بقيت السعودية ودول الخليج..

ولا شك في أن قيام إسرائيل بإقامة تحالف استراتيجي واقتصادي وعسكري مع دول الخليج من شأنه أن يثمر عن نتائج هائلة, لكن في الوقت عينه لا بد من القول إنه لا يمكن إقامة هذا التحالف الذي يبدو أنه الخيار الأخير الذي بقي لنا من دون تسوية دائمة مع الفلسطينيين, وليس هناك أدنى أمل في أن تفعل ذلك الحكومة التي يسيطر عليها المستوطنون الأكثر تطرفاً, لذلك فإن إسرائيل تدخل في خضم فترة صعبة للغاية وهي وحيدة تماماً من دون حلفاء أقوياء".

أصوات تدعو للتعقل

هذا التصور القاتم لوضع تل أبيب يدفع ببعض الأصوات الإسرائيلية إلى المناداة بحكمة أكبر في التعاطي مع الولايات المتحدة وخياراتها السياسية في المنطقة والعالم "فإسرائيل لن تجد دولة حليفة لها في العالم تستطيع أن تحل محل الولايات المتحدة" يقول عضو لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي نحمان شاي(صحيفة إسرائيل اليوم 12-12-2013) في حين يقترح قائد البحرية الإسرائيلية السابق اليعيزر مروم(يديعوت أحرنوت 12-12-2013) على حكومته أن "تطلب اتفاقاً دفاعياً إستراتيجياً مع الولايات المتحدة يعتبر أي هجوم على إسرائيل بسلاح نووي هجوماً على الولايات المتحدة نفسها" وبرأيه فإن "اتفاقاً من هذا النوع سيحسن اتفاق من هذا النوع قدرة إسرائيل على البقاء بل قد يتيح لها إمكان الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وهذا سيعزز قوتها ويزيد من قدرتها على البقاء في الواقع الجديد الذي نشأ بعد توقيع اتفاق جنيف مع إيران".

خاتمة

مما لاشك فيه أن الاتفاق النووي الإيراني مع المجموعة الدولية قلب المعادلات السياسية الدولية,فهو وفق تعبير قائد البحرية الإسرائيلية السابق "كسر طوق العزلة عن إيران وكرس عودتها إلى الحلبة السياسية الدولية كلاعب اقتصادي وسياسي مهم وذي شرعية في حين تفقد إسرائيل الشرعية أكثر فأكثر ويتم حشرها في الزاوية "هل يبالغ هذا المسؤول الإسرائيلي أم يقارب الحقيقة؟ سؤال تجيب عنه تطورات القادم من الأيام وجولات التفاوض الجديدة مع إيران للانتقال بالاتفاق من صيغة "المؤقت" أو "المرحلي" إلى صيغة "الدائم".

اعلى الصفحة