المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية
مسارٌ خاطئ وخيارٌ فاشل

السنة الثالثة عشر ـ العدد 144 ـ ( ـ محرم ـ صفر 1435 هـ) كانون أول ـ 2013 م)

بقلم: د. مصطفى يوسف اللداوي

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

نتناول في حلقاتٍ منهجية مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في المرحلة الراهنة، وهي تلك التي انطلقت خلال العام 2013، بعد فترةٍ طويلة من التوقف والجمود، والتي أدت إلى بروز مستجداتٍ كثيرة، وغيرت مواقف عديدة، وسنبين من خلال القراءات المتعددة، والتي سنتابع فيها تفاصيل المفاوضات، الملفات المطروحة للنقاش، والعقبات القائمة، كما سنبين موقف ودور الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدولة الراعية للمفاوضات، والتي انبرت عبر جهودٍ مكوكية قام بها وزير خارجيتها جون كيري، لتذويب الجليد القائم بين الطرفين، وتسهيل إمكانية عقد لقاءات مشتركة بينهما، على الرغم من عمق الخلافات، وكثرة الملفات الشائكة، وانعدام الثقة بين الطرفين، وغياب النية الحقيقية للحوار.

إلا أن الجهود الأمريكية أثمرت في نهاية المطاف، عن خلق فرصة للقاء، جمعت بين الطرفين، ونجحت في الاتفاق على جدول أعمالٍ مشترك، وتحديد سقوف زمنية للحوار، على الرغم من أن هذه الوساطة لم تثمر عن توافقٍ فعلي، واتفاق حقيقي بين الطرفين، بل إنها أكدت الاختلاف، وثبتت مواقف الطرفين من القضايا، ولم تلعب دوراً حقيقياً وفاعلاً في التقريب بين وجهات نظرهما، إلا إذا استثنينا الضغوط الأمريكية غير الأخلاقية، والتي استخدمت فيها المساعدات المالية التي تقدمها الإدارة الأمريكية، للتأثير على القرار الفلسطيني وتطويعه، أو التخفيف من حدته، ودفعه للقبول بما قد يعرض عليه، وإن كان مخالفاً لقناعاته، أو غير متوافقٍ مع الطموحات الشعبية الفلسطينية، في الوقت الذي لا تمارس فيه ضغوطاً تذكر على الجانب الإسرائيلي، ولا تستخدم ورقة المساعدات التي تقدمها لهم، في الضغط على حكوماتهم، أو في التأثير على قراراتهم، وتغيير سياساتهم، والنزول عند الرغبة الدولية في التوصل إلى اتفاقية سلام حقيقية مع الفلسطينيين، ترضيهم وتحقق لهم بعض ما يحلمون به.

مقدمة..

انطلقت جولة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية الأخيرة بعد أكثر من سنتين على الانقطاع، وبعد جهودٍ كبيرة قام بها رئيس الدبلوماسية الأمريكية الجديد جون كيري، الذي خلف هيلاري كلينتون، التي لم تولِ المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية أهميةً كبيرة، حيث كانت تتعمد تبني وجهة النظر الإسرائيلية، ولا تعنى بالتعثر الشديد الذي أصاب المسار، والجمود التام الذي سيطر على العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، ولم يكن يهمها أن تتهم الإدارة الأمريكية بأنها تدعم توجهات الحكومة الإسرائيلية اليمينية الليكودية المتشددة، حيث عرف عن هيلاري كلينتون ولاؤها المطلق للدولة العبرية، وتأييدها لمختلف سياستها المعادية للعرب هموماً والفلسطينين خصوصاً، وهي التي كانت ولا تزال تدعو العالم كله، للاعتراف بالقدس عاصمةً أبدية دائمة وموحدة لدولة الكيان الصهيوني.

السلوك الإسرائيلي في ظل الولاية الأولى لباراك أوباما

على الرغم من أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أعلن في حملته الانتخابية وبعدها، أنه بصدد فرض سياسة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وأنه سيولي العرب والمسلمين اهتماماً أكبر في سياسته الخارجية، وسيمنح القضية الفلسطينية أولوية خاصة، ولهذا فقد بدأ عهده بخطاباتٍ معلنة إلى الأمة الإسلامية، حيث وجه إليها خطاباً عاماً من تركيا، كما وجه من مصر خطاباً مماثلاً إلى العرب والمسلمين، ولكن خطابه والتزامه تجاه الكيان الصهيوني لم يتغير ولم يتبدل، حيث لم تتخلى إدارته عن ثوابت السياسة الأمريكية التقليدية تجاه الكيان الصهيوني، وإن بدا للبعض للوهلة الأولى أنه سيقدم على تغييراتٍ حقيقية قي سياسته الخارجية المتعلقة بأزمات الشرق الأوسط، وأولها القضية الفلسطينية، التي تشغل بال الأمة العربية والإسلامية، وتأخذ حيزاً كبيراً من جهودهم وأوقاتهم.

توسع في الاستيطان

على الرغم من أن الاستيطان كان ولا يزال هو العقبة الأكبر أمام مسار التسوية الإسرائيلية – الفلسطينية، إلا أن الحكومة الإسرائيلية قد نشطت في ظل الولاية الأولى للرئيس الأمريكي باراك أوباما في توسيع الاستيطان، وإطلاق أوسع حملةٍ لبناء مستوطناتٍ جديدة، وتوسيع القائم منها، لاستيعاب المزيد من المستوطنين، وزيادة أعدادهم في مستوطنات القدس والضفة الغربية، وهو الأمر الذي أغاظ السلطة الفلسطينية، وأحرج رئيسها، ودفعها للإعلان عن رفضها مواصلة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي حتى تلتزم مسبقاً بتجميد الاستيطان، والتوقف كلياً عن كافة الأعمال الاستيطانية التي من شأنها أن تحرج السلطة الفلسطينية.

إلا أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو صمّت آذانها عن كل الشروط الفلسطينية، ورفضت الانصياع للنصائح الأمريكية، ومضت قدماً في أعمال البناء والتوسعة والمصادرة، في تطبيقٍ حقيقي للبرامج الانتخابية التي رفعها حزب الليكود ورئيسه نتنياهو، الذي لا يتردد في الإعلان عن عزمه الاستمرار في أعمال الاستيطان، على أرض دولة "إسرائيل"، وفوق عاصمة الدولة "اليهودية"، إذ لا يوجد قانون "بزعمهم" يمنع دولةً من البناء في عاصمتها، أو توسيع التجمعات السكنية فيها، أو التخفيف عن سكانها والمقيمين فيها، أو الاستجابة إلى مطالبهم وحاجاتهم الأساسية، كتوسيع الطرق، وبناء المدارس، وتجهيز المستشفيات، وإعداد الملاجئ، وغيرها من المؤسسات الخدمية، والمشاريع الترفيهية، وكان بإجراءاته الاستيطانية المحمومة التي لا تتوقف يقصد عدداً من الأهداف:

- ترسيخ وقائع جديدة على الأرض، تمنع أي حكومة الإسرائيلية من اتخاذ أي قرار يتعلق بمصير ومستقبل سكانٍ يهود، يعيشون في المستوطنات، ويرتبطون بها ارتباطاً عضوياً وحيوياً، ولهم فيها مصالح، وأصبح لهم عليها مستقبل، ما يجعل من الصعوبة بمكانٍ على أي حكومة أن تتخذ قراراً بتفكيك المستوطنات، وترحيل المستوطنين، والتخلي عن الأرض. هذا في الوقت الذي يصبح فيه من الصعب على الفلسطينيين المطالبة بتفكيك أمرٍ واقع، وطرد المستوطنين من مساكنهم بما يشبه الخلع، ما يجعل الإحساس بأن هذا الطلب أصبح من الصعب تحقيقه، وفي حال قبول الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ بعضه، فإنها تقصد أن يشعر الفلسطينيون أنها قدمت تنازلاتٍ موجعة، وخطت خطواتٍ حقيقية نحو السلام، وأنها جادة في مفاوضاتها مع الجانب الفلسطيني، وأنها من أجل السلام ومستقبله، على استعداد للضغط على مواطنيها، وإجبار مستوطنيها على الرحيل والمغادرة، ولكن الشواهد السابقة أثبتت أن الحكومات الإسرائيلية لا تزيل إلا المستوطنات العشوائية، التي تتناثر بلا انتظامٍ أو اتساق، وهي في غالبها بؤر استيطانية، تتكون من عددٍ من الكرنفالات المتحركة، والبيوت المسبقة الصنع، وأحياناً تكون خياماً، وليست مباني ثابتة ومستقرة، ما يجعل من تفكيكها مظاهرة إعلامية يقصد بها توجيه رسائل إلى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، أكثر مما هي حقيقة واقعية، إذ لا تستهدف المستوطنات الكبرى التي تكاد تلتهم أغلب مساحات مدن الضفة الغربية.

- الالتزام بالعهد اليهودي، وتعهد قيام دولة إسرائيل على كامل أراضي ممالكها القديمة، التي وعد بها الرب، وأسسها ملوكهم، وحفظها ورعاها أنبياؤهم، إذ ترى الحكومة الإسرائيلية أن هذه الأوقات هي الأنسب في تاريخها، لتأكيد التوسع، وتحقيق السيادة، وفرض الأمر الواقع، وذلك في ظل استراحتها النسبية من موجات الهجرة التي قام عليها كيانهم، وشكلت الروافد الحقيقية لسكان الدولة العبرية، وأعطتها شكلاً من التمايز والامتزاج العرقي الفريد، لكن ينابيع المهاجر نضبت، وأعداد المهاجرين قلت وتراجعت، ولم يعد هناك ثمة يهود يرغبون في الهجرة إلى "إسرائيل" والعيش فيها، إذ أن الأعداد الباقية في أكثر من مكانٍ في العالم، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، حيث يوجد أكثر يهود الشتات، يتمتعون بحقوقٍ أفضل من تلك التي يتمتع بها أبناء دينهم في الدولة العبرية، فضلاً عن أنهم يقدمون خدماتٍ جليلة لحكوماتٍ كيانهم، في الوقت الذي بدأ كثيرٌ من اليهود المقيمين داخل الكيان وخارجه، يشعرون بعدم الاستقرار الأمني، وبالاضطراب في المستقبل، نتيجة عدم وضع حد للصراع العربي الإسرائيلي، وفي ظل احتمالات المواجهة مع إيران، ولهذا تتوجه الحكومات الإسرائيلية في ظل تناقص أعداد المهاجرين، إلى تحسين ظروفهم في الداخل، واستخدامهم كعامل تشجيعٍ وجذبٍ لمن يتردد في البقاء، ويفكر في الرحيل، فيكونون في مستوطناتهم  مشجعين لغيرهم ممن لم يهاجر بعد، ويخشى من المستقبل، ويخاف من التوترات الأمنية في البلاد.

- محاولة كسب أصوات المستوطنين والأحزاب الدينية واليمينية القومية المتشددة، في أي انتخاباتٍ برلمانية، علماً أن عدد الأحزاب اليمينية كبير، والمنتسبون إليها يلعبون دوراً في تحديد مستقبل التركيبة البرلمانية، ويشعر نتنياهو أنه في حاجةٍ إلى تحصين حكومته، وعدم تعريضها لهزاتٍ واضطراباتٍ مختلفة، خصوصاً تلك التي تواجهها وتخشى منها، عند مناقشة الميزانية السنوية وإقرارها، أو في مواجهة حزبي العمل وكاديما، بالإضافة إلى حلفائه شاس وإسرائيل بيتنا، ولهذا يقوم بتسهيل العمليات الاستيطانية التي تدعو إليها هذه الأحزاب، وتشجع عليها، ويعجل بإجراءاتها لضمان حصوله على أصوات الأحزاب اليمينية المتشددة، بشقيها القومي والديني.

- يؤمن بنيامين نتنياهو بالدولة اليهودية النقية، ويخطط للوصول إليها، ويؤمن بأن من حق اليهود أينما كانوا أن يكون لهم بيتٌ وقبرٌ في "الأرض المقدسة"، لهذا فهو يتبنى سياسات الاستيطان ويدعمها، ولا يأبه بأي انتقادات أو اعتراضات دولية وعربية عليها، بل يبدي لغيره أحياناً، كذباً ومناورة، أو صدقاً وحقيقة، عدم القدرة على ضبطها، ذلك أنها تأتي في السياق الطبيعي لتزايد السكان، وتزايد حاجاتهم، حيث تلتزم الحكومة تجاههم بتلبية طلباتهم، وتحقيق ما يلزمهم من ضروريات الحياة.

وعليه فإن شرط وقف الاستيطان الذي تشترطه السلطة الفلسطينية، لا تقبل به الحكومة الإسرائيلية، ولا تصغي له، وترى أنه شرطٌ باطل، ولا يمكنها الالتزام به، ولكنها في أحسن الحالات توافق على تجميدٍ جزئي له، وقد يكون التجميد إعلامياً لا أكثر، وشعارات سياسية فقط، ذلك أن أعمال الاستيطان تتواصل، وورش العمل والبناء تنشط ولا تتوقف، ولعلها تكون أكثر نشاطاً وأعمق إنتاجاً في فترات التجميد الوهمية، حيث تكون الأوقات مخصصة لأعمال التشطيب، ومهام التوزيع، وهو الأمر الذي ينطلي ببساطة على المجتمع الدولي، والذي قد تقبل به السلطة الفلسطينية المفاوضة، وترضي به نفسها، على أنه التزامٌ رسمي إسرائيلي بوقف الاستيطان، وأن جاء استجابةً لطلب السلطة ونزولاً عند شروطها.

على الرغم من المواقف الإسرائيلية المتشددة تجاه الاستيطان، والرافضة لأي شكلٍ من أشكال الوقف والتجميد، فإن السلطة الفلسطينية قبلت باستئناف المفاوضات، وتراجعت عن شروطها المسبقة، وهي تعلم أنها الخاسرة من استئنافها، وأن الحكومة الإسرائيلية وحدها من سيكسب من إشاعة أجواء استئناف المفاوضات، وكسر حدة المواقف الإسرائيلية المتشددة، وتحسين صورتها لدى الرأي العام الدولي والمحلي أحياناً، تجاه بعض القوى اليسارية، وتجاه حزبي العمل وكاديما، وهما شريكان أساسيان في التحالف الحكومي القائم.

لكن الحكومة الإسرائيلية التي قبلت نتيجة الجهود الأمريكية التي قام بها وزير خارجيتها جون كيري باستئناف المفاوضات، والعودة إلى طاولة الحوار، وتسليم الملف إلى الوزيرة تسيفني ليفني، وهي التي تحمل رؤية خاصة، وتصوراً مختلفاً عن تصور رئيس الحكومة، إلا أن الحكومة ورئيسها الذين نزلوا عند رغبة ليفني، وسلمها إدارة العملية السلمية، إلا أنهم يقيدون الوزيرة المختصة، ويحولون دون إطلاق يدها في ملف المفاوضات كيفما رأت وأرادت، بل يلزمونها بالعودة إلى الحكومة ورئيسها خلال مراحل المفاوضات كلها، فتقدم تقاريرها، وتدافع عن أدائها، وتنصت إلى توصيات حكومتها، في الوقت الذي لا تخول الحكومة أحداً بإعطاء تنازلات، أو تقديم ضمانات، أو منح تسهيلات وامتيازات، دون الرجوع إلى الحكومة، وأحياناً إلى الكنيست الإسرائيلي.

وقد حصنت الحكومات الإسرائيلية نفسها إزاء أي شكل من أشكال المرونة أو التنازل، سواء فيما يتعلق بالانسحاب من أراضي، أو الموافقة على منح تسهيلاتٍ وتنازلاتٍ من شأنها أن تقود إلى كيانٍ فلسطيني، عندما ربطت موافقتها ومصادقتها على أي قراراتٍ مصيرية تتعلق بمسار السلام مع الفلسطينيين، بموافقة الشعب الإسرائيلي، حيث تنوي عرض أي مشروعِ حلٍ بينها وبين السلطة الفلسطينية على الشعب للاستفتاء عليه، وإبداء وجهة النظر تجاهه.

لكن انطلاق مسيرة السلام الفلسطينية الإسرائيلية واستئناف المفاوضات من جديد، لا يعني بالضرورة تغير مزاج الحكومة الإسرائيلية، أو اقتناعها ورئيسها بضرورة الاستئناف، أو أنه جاء نتيجةً للضغوط والإملاءات الأمريكية الملحة، التي تطالب الحكومة الإسرائيلية بضرورة إبداء خطواتٍ أكثر مرونة، وأقل تشدداً، فيما يتعلق بالملف الفلسطيني، خصوصاًً أن الطرف الفلسطيني المفاوض، والمتمثل بمحمود عباس، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس السلطة الفلسطينية، يبدي مرونة لافتة، ورغبة حقيقية، للتوصل إلى اتفاق سلامٍ مع الإسرائيليين، الذين يرى فريقٌ كبير منهم أنه صادق في توجهاته، وأنه ماضٍ في اتجاهاته، وأنه لا يناور كسابقه، ولا يحاول المماطلة وكسب الوقت، بل يؤمن بخيار المفاوضات، وحتمية السلام، ويرفض العنف، وينبذ أي أعمال عسكرية أو عملياتٍ قتالية.

إلا أن الموافقة الرسمية المعلنة تخفي داخلها تخوفاتٍ إسرائيلية، وتؤكد على قناعاتٍ أخرى، وتحرص بعض الفعاليات الإسرائيلية على كشفها، وتسليط الضوء عليها، وإن بدت أحياناً أنها تفضح السياسة الإسرائيلية، وتكشف عن حقيقة توجهاتها، التي قد لا يكون منها شيء يتعلق بإيمانها بالسلام، أو حرصها على المفاوضات، أو قبولها بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

بل إن هناك ثمة أهداف إسرائيلية أخرى، ورؤى حقيقية لمسار المفاوضات، وبيان جلي عند أصحاب القرار منهم، أو الاستراتيجيين من مفكريهم، لمآلات المفاوضات، ونهايات الحوار، والغاية التي يتطلعون إليها، والأهداف التي يرجون تحقيقها، وهي في غالبيتها غير المشاع والمعلن، ومختلفة عما هو متداول ومعروف، وهي غاياتٌ وأهداف يشارك في صياغتها والاتفاق عليها عسكريون وأمنيون وسياسيون، وغيرهم من المستشارين والمفكرين وكبار الباحثين والمختصين، ممن هم في مواقع تنفيذية رسمية، أو خارج الإطار الرسمي، ممن يعملون بحرية، ولكنهم يتطلعون إلى مصلحة بلادهم، ويخشون عليها من انحسار وتراجع ما تم تحقيقيه عسكرياً، تحت سيل هجوم السلام، وانطلاق قطار المفاوضات والحوارات الثنائية. 

كما أن الهدف من استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، يختلف إسرائيلياً عن الأهداف الفلسطينية، وقد لا يتفق معها في أيٍ من مراحلها، ولا في جزئيةٍ من جزئياتها، فالسلطة الفلسطينية تعلن رسمياً أنها تحاور الإسرائيليين من أجل نزع حق الشعب الفلسطيني في أن تكون له دولة على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلت عشية حرب يونيو/حزيران عام 1967، على أن تكون القدس بشطرها الشرقي عاصمةً للدولة الفلسطينية المستقلة، وضرورة وقف الاستيطان، والكف عن كل محاولات مصادرة الأراضي الفلسطينية، فضلاً عن أهدافٍ أخرى جزئية وكلية، كحق الإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى كيانهم الجديد، وغيرها من الأهداف التي لا تقبل إسرائيل بأغلبها، حيث ترى فيها تهديداً مستقبلياً لأمنها، وسلامة مواطنيها.

نماذج من حقيقة المواقف الإسرائيلية تجاه مسار السلام

يعبر الباحث بمعهد "أبحاث الأمن القومي الصهيوني" العميد احتياط في الجيش الصهيوني "أودي ديكل"، عن الإستراتيجية الإسرائيلية من المفاوضات، فيرى أنّ الأشهر التسعة المخصصة للمفاوضات بين "إسرائيل" والفلسطينيين برعاية الأمريكيين لتحقيق اتفاق سلام، تحمل معها احتمالاً طفيفاً بالنجاح، نظراً لتباعد وجهات النظر بين الطرفين، بل لتناقضها أحياناً.

وهو يؤيد فكرة التسوية الانتقالية مع الفلسطينيين، ويقول أنه عندما تأتي اللحظة الحرجة التي يتعين فيها اتخاذ القرارات الصعبة، فلا توجد هناك زعامة فلسطينية لاتخاذها، ولذلك فلا أرى احتمالاً بأن نتوصل لتسوية دائمة، لأن الفوارق في المواضيع الجوهرية لم تتقلص، بل اتسعت فقط.

ويضيف "ديكل" الذي رافق المحادثات مع الفلسطينيين عن كثب منذ سنوات طويلة، ورفع مؤخراً لرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" كتابا من 1600 صفحة، يجمع فيها كل خلاصات المباحثات التي دارت مع الفلسطينيين، أنه يقترح فحص إمكانية التسوية الانتقالية أو الخطوة الذاتية، لأننا يجب أن نقرر تغيير الواقع على مراحل، فنحن معنيون بالتخطيط الإستراتيجي في محيط متغير، لأن الأساس هو الحفاظ على "إسرائيل" دولة يهودية، وتثبيت حل الدولتين في حال ضمان نقاء الدزلة اليهودية، على أن يكون هناك موافقة ومصادقة على حل الدولة الفلسطينية المؤقتة، دون حدودٍ واضحة ومحددة، يكون خلالها الكيان الفلسطيني الجديد تحت المراقبة والمتابعة، وخاضع للتجربة والاختبار، ليتمكن القادة الإسرائيليون من تحديد الخطوات اللاحقة بشأنه، تطويراً أو تقليصاً.

وأكّد "ديكل" الذي شغل في السابق، رئيس الدائرة الإستراتيجية في هيئة الأركان، ورئيس قسم البحوث في سلاح الجو، أنه من الأفضل في نهاية المطاف، تسوية دائمة مع الفلسطينيين، فإذا لم يكن احتمال لها، فيجب إيجاد حل جيد لنا، والتسوية الانتقالية تضمن ذلك، دون ذكر لعودة اللاجئين والقدس، والمحافظة على الكتل الاستيطانية، والتأكيد على وجود الجيش في "غور الأردن"، خصوصاً أن هناك طرفاً فلسطينياً مسؤولاً لا يبدي اعتراضاً على إمكانية الحوار على أرضية هذه القاعدة.

ويرى ديكل أن خطة شارون بالانفصال عن قطاع غزة، ولو أنها كانت من طرفٍ واحد، إلا أنها كانت رائدة، وقد حققت أهدافاً إسرائيلية، وإن بدت للفلسطينيين، أنها جاءت نتيجة صمودٍ ومقاومة، وأعمالٍ عسكرية مؤلمة طالت أهدافاً إسرائيلية كثيرة، ولكن الحقيقة أن قطاع غزة كان مكلفاً جداً، وكلفة الحفاظ عليه باهظة، والعائد المرجو من استبقائه كان قليلاً نسبياً، بالمقارنة مع حجم الخسائر والتضحيات التي كان الجيش والاقتصاد الإسرائيلي يمنى بها، ولكنها حققت انسحاباً أحادياً من طرفٍ واحد، دون أن تكلف الحكومة الإسرائيلية أية التزاماتٍ تجاه الفلسطينيين، ولا تجاه المجتمع الدولي، الأمر الذي سهل على الحكومة الإسرائيلية تصنيف قطاع غزة على أنه كيانٌ أجنبي معادي.

وأوضح ديل في معرض تفريقه بين الانسحاب من قطاع غزة وأي انسحابٍ من الضفة الغربية، أنّ مسيرة فك الارتباط أحادية الجانب عن غزة لا تشبه خطوات تنفيذ اتفاق انتقالي أحادي في الضفة، لأنه لا يوجد إخلاء للمستوطنات، بل ستكون سيطرة صهيونية في "غور الأردن"، ولن نفتح الحدود، وسنمنع كل دخول لوسائل قتالية، ولن نسمح لأناسٍ غير معنيين بالدخول إلى الدولة الفلسطينية، وهو الأمر الذي يجب أن يهتم به المفاوض الإسرائيلي، ويحرص على الوصول إليه.

السلطة ترحب بتأخير الحل النهائي

لا يخفي بعض المفكرين الإسرائيليين أن هناك ميلاً لدى بعض رجالات السلطة الفلسطينية، إلى تأخير الاتفاق مع الحكومة الإسرائيلية، والقبول بالحلول المؤقتة، أو باستمرار العملية التفاوضية لأطول فترة ممكنة، في ظل تقديم تسهيلاتٍ وإغراءاتٍ حقيقية، يلمسها المواطن الفلسطيني ويشعر بها، بما يحسن من صورة السلطة الفلسطينية، ويعطيها فرصاً أكبر للثبات والصمود أمام القوى المنافسة لها، وتحديداً حركة حماس، التي ترفض خيار السلام، وتعارض مسار المفاوضات، وتسعى في الوقت نفسه لتقديم خدماتٍ مماثلة أو منافسة، وتحقيق امتيازات للفلسطينيين، تفوق تلك التي تقدمها السلطة الفلسطينية، أو تلك التي تنجح في انتزاعها من الحكومة الإسرائيلية.

لا حل نهائي مبررات ومسوغات

وعليه فقد اعتبر الجنرال "عوديد تيرة" أن المعطيات الأمنية والسياسية لا تدعم التوصل لاتفاق نهائي بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، وإذا تم التوقيع على الاتفاق على الرغم من عوامل الفشل المرتبطة به، فسيعد خطأً قاتلاً لهما، ذلك أنّ "محمود عباس" غير معني باتفاق حالياً، لأنه إذا تم فسيغادر الجيش الإسرائيلي مناطق الضفة الغربية، وهو بذلك سيخسر الحكم سواء عبر الانتخابات الدستورية، أو القوة العسكرية لحركة حماس، فمن المعروف أنها باتت تشكل غالبية في مناطق الضفة، ولن يتمكن الجيش من البقاء هناك لمساعدته في أعقاب ضغط داخلي ودولي، مع أنه ليس الوحيد الخائف من هذه اللحظة.

وأوضح " تيرة" أنّ "إسرائيل" أيضاً غير معنية بالاتفاق حالياً، لأنها تعرف أن "عباس" و"فتح" لا يمثلان الفلسطينيين حتى في مناطق الضفة، لأن معنى أي اتفاق نهائي هو قدرته على فرضه على سكان الضفة وغزة، ومن شأنه أن يغير وجه المنطقة، وأن ينعكس على كافة مناحي الحياة على الطرفين، محلياً وإقليمياً ودولياً، ولذلك ما الذي يجبرنا على التخلي عما وصفها بـ"الكنوز الجغرافية والأمنية" في الضفة الغربية بدون مقابل.

وأشار إلى أن ذلك في حال حدوثه، فإنه سيعد حماقة لـ"إسرائيل"، وسيؤدي الاتفاق فعلياً لسيطرة حماس على الضفة الغربية، مما سيحول "تل أبيب" والساحل لمناطق مواجهة كالمدن القريبة من غزة، ولو افترضنا الموافقة على تنازلاتٍ لا مسؤولة، يقوم بها المفاوض الإسرائيلي تحت ضغط الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الجانب الفلسطيني لا يمكنه رفض هذا الاتفاق، وتحديداً عقب الضغط الأمريكي، ومع ذلك فلن يكون الاتفاق لأمد بعيد لأن بانتظار رئيس السلطة مفترق من الأزمات الداخلية والخارجية، ومن كل الاتجاهات الأخرى.

وتعزز أوساط أمنية صهيونية هذه الرؤية، وترى أنّ "عباس" إذا قرر احترام الاتفاق مع "إسرائيل"، فسيؤدي هذا للإطاحة به في وقت قصير، وإن قرر عدم احترامه تحت ضغط من حماس والمجتمع الفلسطيني، فسيؤدي لعودة "إسرائيل" للمناطق، وقد يؤدي لاستقالته، وفي نفس الوقت فإن "إسرائيل" لا تريد الوصول لهذا الوضع، لأنها تعرف أن حماس ستسقط "عباس"، وعلى ضوء فقدانها لمناطق جغرافية هامة، وعمق استراتيجي كبير، نتيجة الاتفاق فلن تكتفي حماس بالتهديد، بل ستطلق الصواريخ على السهل الساحلي في "إسرائيل".

وأضافت الأوساط أنّه إذا أرادت حماس فستوجه صواريخها باتجاه العاصمة الإستراتيجية لـ"إسرائيل"، التي تدعي حكوماتها أنها العاصمة الأبدية والموحدة لكيانهم، وأنه لا يوجد في الأرض قوة تستطيع أن تهدد أمنهم فيها، إلا أن كثافة الصواريخ، وقصر مسافة الإطلاق بين الضفة و"إسرائيل" ستؤديان لجعل مهمة اعتراض الصواريخ من قبل نظام "القبة الحديدية" ليست بالسهلة، وهو ما يخشى أن يصل إليه كل مواطني "إسرائيل".

من جهته، أكد النائب من حزب الليكود والوزير السابق "تساحي هنغبي"، أنّ "إسرائيل" لن تعود أبداً لحدود عام 1967، مشيداً برئيس السلطة "محمود عباس" ورئيس الحكومة السابق "سلام فياض"، لأنهما شريكيْن حقيقييْن يريدان السلام، ويعنيان ما يقولانه، ويعيب على حكومته أنها تجيد تضييع فرص التوصل إلى اتفاقية سلام، في ظل شركاء حقيقيين لدولة "إسرائيل"، وهو ما حدث بالفعل مع سلام فياض، الذي ترك الحكومة الفلسطينية يائساً من إمكانية استقرار الأوضاع في مناطقه، بعد تبخر فرص التوصل إلى اتفاقية سلام ثنائية بين الطرفين.

وأشار "هنغبي" إلى أنّ المشكلة الرئيسة في عملية السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هي قضية اللاجئين، وفي حال لم يتراجع الفلسطينيون عن مطالبهم بالعودة، فلن يكون هناك اتفاق بين الطرفين، وفي حال استوعبوا أنّ عليهم العمل من أجل تسويّة تاريخيّة، ولن يعودوا للأماكن التي ولدوا فيها، يمكن حينها أن يتوصلوا إلى حلولٍ مشتركة لجميع القضايا الأخرى، وتسويّة في قضايا الحدود والمستوطنات والقدس.

ومن جانبه، اعتبر "أوفير أكونيس" أنّ "نتنياهو" سيواجه معارضة قوية للغاية من التيار اليميني، في حال حدوث تقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين، رافضاً فكرة وجود مطار جوي فلسطيني، لأنه يعني منحهم سيطرة على المجال الجوي، وهذه المحاولة فشلت في مطار رفح جنوب قطاع غزة.

وينتقد أكونيس موافقة الحكومات الإسرائيلية السابقة التي منحت السلطة الفلسطينية الموافقة على بناء بحري على ساحل غزة، ويرى أنه كان قراراً خاطئاً، ويقول "إنهم أرادوا ميناءً بحرياً للخدمات الإنسانية، فانظروا أين نحن اليوم، فحماس تسيطر على القطاع، والمطار لا يعمل منذ اندلاع الانتفاضة، فماذا لو كانت هذه المرافئ البحرية والجوية ما زالت تعمل، إنها الكارثة بحق، ما يعني أنه لن يكون مجال جوي لمناطق الحكم الذاتي الفلسطيني، والمعابر ستكون تحت السيطرة الصهيونية الكاملة، وهذا ما يخدم إسرائيل، ويعفيها من أي مخاطر أو مغامرات أمنية وعسكرية غير محسوبة.

وأضاف أنّه ليس هناك أي سيناريو يمكن أن يؤدي للتوصل لاتفاق دائم قائم على مبدأ حل الدولتين والعودة لحدود 67 دون أن تكون هناك انسحابات، واقتلاع مستوطنات، وهذا الحل لن يكون ممكنا تمريره داخل الليكود، سواءً باستفتاء كما جرى عام 2005 عندما عرض موضوع الانسحاب من غزة، أو أي إطار آخر، لأنه ليست هناك أغلبية داخله لمثل هذه الحلول، التي لم تعد صالحة.

وكرر بأن "إسرائيل" لا يمكنها أن تنسحب حتى حدود 1967، لأنه يعني تنازلها عن منطقة اللطرون وأجزاء من الغور، وتفكيك مستوطنات "معاليه أدوميم" و"هارحوما" و"راموت"، ولذلك لا أوافق على قيام دولة فلسطينية، أنا مستعد للحديث عن اتفاق طويل الأمد يمنح الفلسطينيين حكما ذاتياً، وقدرة على إدارة شؤونهم.

وأضاف "أكونيس" أنه يدعم التعاون الإقتصادي، والسماح لهم بالعمل داخل "إسرائيل"، ما يعني أن نعطيهم حلاً انتقالياً طويل الأمد، يستمر 15 عاماً على الأقل، حتى نتعمق وننتظر لنرى ما سيحدث من حولنا في الشرق الأوسط، ويجب عدم منحهم المزيد من أراضي الضفة الغربية.

من جانبه، أعرب "أفيغدور ليبرمان" رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست ورئيس حزب "اسرائيل بيتنا" عن شكوكه الكبيرة حيال إمكانية التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين، مطالباً المجتمع الدولي بالتوقف عن إرباكنا، والتدخل في صراعنا مع الفلسطينيين، بل يجب عليه أن يذهب ويتدخل في مكان آخر، وألا يسقطوا علينا إحباطهم نتيجة فشلهم في أماكن أخرى، وشدد "ليبرمان" على معارضته المستمرة لفكرة أي تسوية، معتبراً أنّه لا يؤمن بإمكانية التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين.

الموقف الفلسطيني من الحلول المؤقتة

أما الجانب الفلسطيني الذي يرى العقبات الإسرائيلية، ويلمس بوضوح درجة التمترس خلف المواقف والرؤى المتشددة، فإنه إما أنه يغمض عينيه تجاه ما يرى، ويصر على مواصلة المفاوضات والحوارات، وصولاً إلى تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة، واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، على أساسٍ من قرارات مجلس الأمن الدولي، وفوق الأرض العربية الفلسطينية التي احتلت في يونيو/حزيران من العام 1967.

كما يوجد احتمالٌ آخر قائم، وله ما يعززه ويثبته، عن وجود تفاهماتٍ فلسطينية – إسرائيلية، مباشرة أو غير مباشرة، يقوم من خلالها الجانب الفلسطيني بتقديم تنازلاتٍ جوهرية في كل الملفات الساخنة، وهي ملفات صعبة ومؤثرة في مسار المفاوضات، كما يبدي من خلالها استعداده للتراجع عن بعض الثوابت التاريخية التي يتمسك بها الفلسطينيون.

سنحاول في الحلقات القادمة من ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، أن نتناول ملفات الحوار المختلفة، وموقف الطرفين منها، وإمكانيات التوصل إلى اتفاقٍ حولها، مع بيان العقبات والتحديات، ووجهات النظر المختلفة حولها، كما سنتناول حقيقة الجلسات، وأماكن اللقاء، وتشكيل الفرق التفاوضية، وتحديد المرجعيات السياسية والأمنية والعسكرية، علماً أن المرجعيات الإسرائيلية تبدو أكثر وضوحاً، وأكثر وجوداً من المرجعيات الفلسطينية، التي قد تغيب وتتلاشى، أو تتحد وتتفق في شخصية رئيس السلطة الفلسطينية، وقيادة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

يتبع ....

 

اعلى الصفحة