|
|||||||
|
أخيراً، وبعد سنوات من المفاوضات، توصلت الدول الكبرى والجمهورية الإسلامية إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي في ختام محادثات ماراتونية في جينيف. ينص الاتفاق الذي أعلن عنه فجر ٢٤ تشرين الثاني على احترام حق إيران في امتلاك المعرفة النووية. سيتم تخفيف العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية تدريجياً، ومن ضمنها العقوبات الاقتصادية التي ستزول بعد ستة أشهر من توقيع الاتفاق. لقد جرى إعلان الاتفاق خلال مؤتمر صحفي حضره كل من المفاوضين الإيرانيين، وعلى رأسهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ووزراء خارجية الدول الست الكبرى، بالإضافة إلى وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، التي تلت في مقر الأمم المتحدة في جينيف إعلاناً مشتركاً يشمل اتفاقاً على خطة عمل بشأن البرنامج النووي الإيراني، معلنة بذلك توصل الدول الست الكبرى إلى اتفاق مع إيران على حل لبرنامجها النووي. ردود الفعل حول الاتفاق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أكد أن الاتفاق النووي نتيجة مهمة، لكنه ليس إلا خطوة أولى، آملاً أن يتمكن الطرفان من التقدم بطريقة تسمح بإعادة الثقة. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، رحب بالاتفاق، مبدياً ثقته بتعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشيراً إلى أن الاتفاق يعني "أننا موافقون على ضرورة الاعتراف بحق إيران بالذرة السلمية، ومن بينها حق التخصيب". لافروف شدد على أن الاتفاق النووي قد ينعكس إيجاباً على الأزمة السورية.. الرئيس الأمريكي باراك أوباما رحب بالاتفاق، قائلاً إنه خطوة أولى مهمة، مؤكداً أن لا عقوبات على إيران خلال الستة أشهر إذا التزمت بالاتفاق. من جهته، وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اعتبر أن الاتفاق حول البرنامج النووي سيجعل العالم أكثر أمناً. بدوره، رحب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالاتفاق، معتبراً إياه خطوة هامة في الاتجاه الصحيح، وبالتالي نحو "تطبيع علاقاتنا مع إيران". كما أشاد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس باتفاق جينيف، واصفاً إياه بأنه تقدم مهم على طريق الأمن والسلام. فيما وصف وزير الخارجية الألماني غيدو فستر فيلي اتفاق جينيف بنقطة تحول، رحبت سوريا بالاتفاق الذي وصفته بالتاريخي، واعتبرت وزارة الخارجية السورية أن إسرائيل تبقى العقبة الوحيدة أمام شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل. رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ندد بالاتفاق، واصفا الأمر بالخطأ التاريخي والسيئ، فيما اعتبر وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان أن الاتفاق يمثل أكبر انتصار دبلوماسي لإيران منذ سنوات. مشهد إقليمي جديد ربما يرتسم في المنطقة بعد الاتفاق الذي توصلت إليه الجمهورية الإسلامية الإيرانية حول برنامجها النووي مع الدول الست الكبرى ولاسيما فيما يتعلق بالأزمة السورية. فالاتفاق هو مرحلة جديدة في العلاقة الغربية مع إيران، من المفترض أن تنعكس على العلاقة بين إيران ودول الإقليم. لقد نجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إبرام اتفاق حول برنامجها النووي، وهي في هذا النجاح فرضت نفسها لاعباً إقليمياً ودولياً مهما سيكون له دوره الفاعل في إيجاد الحلول للقضايا العالقة في المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة السورية. ولّى زمن التعالي.. أمريكا تمد يدها لإيران! ولى زمن التصريحات اللاذعة، لم تعد التهديدات وتوجيه ضربة عسكرية لطهران مجدية، هذا خلاصة المشهد للسياسة الأمريكية الأخيرة اتجاه إيران. الحديث الآن، يدور حول التقارب الأمريكي ـ الإيراني، وعن فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين، زيارات بين مسؤولي البلدين بشكل علني، واتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في بادرة هي الأولى من نوعها منذ قيام الثورة الإسلامية بإيران عام ١٩٧٩. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما السر وراء اندفاع أمريكا نحو "طهران" وتخفيف حدة المواجهة معها بعد سنوات من العداء التاريخي بين البلدين؟ يرى الكثيرون أن الأحداث الأخيرة في المنطقة وعجز واشنطن عن توجيه ضربة عسكرية على سوريا وضعها في موقف حرج. فأمريكا، الدولة الأقوى عسكرياً في العالم، لم تجرؤ على ارتكاب "حماقات" في سوريا، خصوصاً بعد التصريحات القوية لحلفاء سوريا (الروس، إيران). التراجع الأمريكي عن الضربة على الرغم من امتلاكها للأساطيل البحرية لم يأت إلا بعد دراسات عميقة ومتأنية، وربما رأى المسؤولون الأمريكيون عدم جدوى توجيه تلك الضربة لأنها لن تحقق أي فوائد لهم. ما هو معروف أن النفوذ الأمريكي في المنطقة توارى بعيداً. لقد اهتزت أمريكا وتورطت بعد دخولها العراق، وهاهي الآن تتورط أكثر وتفقد توازنها في المنطقة، لاسيما بعد تزايد نفوذ محور "المقاومة والممانعة"، وبالتالي فقد رأت أمريكا أنه لا مجال من فتح صفحة جديدة مع إيران، وتحسين العلاقة بشكل كبير مع طهران. الأمر بالتحديد لا علاقة له بالرئيس حسن روحاني، الموصوف بأنه رئيس معتدل بعكس نظيره السابق أحمدي نجاد، إذ إن كل مرحلة لها تجاربها.. ونجاد لعب دوره على أكمل وجه، وكان الرجل المناسب في الوقوف ضد تهديدات أمريكا واستعلائها على الآخرين. لو أرادت أمريكا مد يدها إلى إيران لفعلت من قبل، وخصوصاً في عهد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، الرئيس المعروف بأنه الأكثر اعتدالاً من جميع الرؤساء الإيرانيين، لكنها لم تفعل ذلك، كما لم تفعل السعودية على الرغم من محاولات خاتمي التقارب الجاد معها. لقد أدركت أمريكا أنه لا جدوى من الحرب ولا من التهديدات بالاعتداء على الآخرين، ولا جدوى أيضاً من العقوبات والضرب بيد من حديد، فـعام ٢٠١٣ يختلف عما سواه، والعالم الآن أمام نظام جديد ليست أمريكا هي الأقوى فيه. محلياً سيكون للتقارب الأمريكي – الإيراني العديد من المكاسب، سيكون "كسر الحظر" المفروض على إيران أبرز ثمرة لهذا التقارب، وهو ما يعود بالنفع على الاقتصاد الإيراني. وعربياً، ستخف حدة العداء العربي لإيران، وستضطر الدول العربية الحليفة لأمريكا إلى التعامل مع إيران باعتبارها "دولة صديقة"، وبالتالي ستكمم أفواه هؤلاء اتجاه البرنامج النووي الإيراني، كما ستتوقف السعودية عن استخدام "الورقة الطائفية" وضرب العرب بخلافات مذهبية (سنة، شيعة) من أجل تعميق الكراهية للإيرانيين. التقارب الأمريكي ـ الإيراني لا يعني تخلي إيران عن حلفائها الروس والعرب، فمحور "المقاومة والممانعة" سيزداد قوة وصلابة، وسينتج عنه حلحلة الكثير من الخلافات العربية. في المنطقة، فإن أكثر المتخوفين من هذا التقارب هي إسرائيل. نتنياهو أوضح ذلك علانية وقال إنه سيسعى للحد من هذا التقارب. وذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية بأن رئيس وزراء دولة الاحتلال سيذكر الأمريكيين بفشل الاتصالات التي أجروها مع كوريا الشمالية، وسيقول للجانب الأمريكي إنه من الأفضل ألا يتم التوصل لأي اتفاق. يريد الإسرائيليون أن تكون "طهران" في مرمى "الغضب الأمريكي"، فإيران هي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي تشكل خطراً حقيقياً لها، إضافة إلى أنها الداعم الكبير للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، ومصلحة الصهاينة هو استمرار العداء الأمريكي ـ الإيراني وعدم حدوث أي تقارب. نحن، إذا، أمام تطورات جديدة، غير أن محصلة هذه النتائج بلا شك تصب في مصلحة محور المقاومة والممانعة، وهو ما يضيف انتصاراً جديداً ضد المحور الآخر. الاتفاق النووي صفعة جديدة لإسرائيل شكل الاتفاق المرحلي بين الجمهورية الإسلامية ومجموعة (٥ + ١) حول برنامج طهران النووي صفعة جديدة لتل أبيب، وهو أمر عكسته تصريحات كبار قادتها السياسيين والأمنيين، فضلاً عن وسائل إعلام العدو، والتي راحت تركز على رصد هذه التصريحات وما حملته من غضب وانتقادات اتجاه واشنطن. يظهر هذا الغضب وجود مخاوف إسرائيلية جدية من تغير شكل الخارطة الدولية، بعد الاتفاق الذي سيعطي إيران وزنها الحقيقي في المنطقة والعالم. لقد أطلقت إسرائيل حملة دبلوماسية هدفت إلى القضاء على ما تعتبره صفقة سيئة مع إيران بشأن برنامجها النووي. وقد تضمنت هذه الحملة اتصالات هاتفية مباشرة بين نتنياهو وعدد من القادة الغربيين لإقناعهم بالعدول عن أي اتفاق متسرع لا يفضي إلى الهدف المنشود بتوقف طهران تماماً عن تخصيب اليورانيوم. أحد أولئك القادة اعترض ورد بالقول "من وجهة نظرنا، فإن هذه المفاوضات وهذه الصفقة تطور إيجابي". رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو لم يفوت فرصة واحدة لإبداء معارضته للحل بين طهران والدول الكبرى لإنهاء أزمة الملف النووي. أبرز ظهور لنتنياهو كان خطابه أمام الاجتماع السنوي للإتحاد اليهودي في أمريكا الشمالية، عندما وجه حديثه للحضور، واصفاً الاتفاق بأنه خطير وسيؤثر على وجود اليهود، ثم سألهم "هل تريدون ذلك؟"، فجاء الرد بـ"لا"، فقال نتنياهو حينها "إذا فلتفعلوا شيئاً حيال الموضوع". إن معارضة نتنياهو لأي اتفاق مع إيران قد أتت بنتائج عكسية وأدت إلى تأمين التوصل لاتفاقية مرضية للجانب الأمريكي والغرب. لكن نتنياهو يخاطر بإمكانية تدهور العلاقات المميزة بين إسرائيل والولايات المتحدة إذا فشلت المفاوضات، وهو ما قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية، حينها سيتحمل نتنياهو المسؤولية. التعليقات الإسرائيلية على الاتفاق النووي في جينيف كان أقلها هو التعبير عن الخيبة، لأن إقراره يطيح بكل محاولات العرقلة التي انتهجها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ويضع إيران على العتبة النووية . وسائل إعلام العدو بدأت بإحصاء الخسائر الإسرائيلية وكيف ذهبت جهود نتنياهو هباء، على الرغم من التجاوب الفرنسي معه. صحيفة معاريف اعتبرت أن أكبر خسارة هي في إقصاء الخيار العسكري عن الطاولة ما يعنيه ذلك من ضياع ١١ مليار دولار أنفقتها إسرائيل على الإعداد لهذا الخيار، لتخرج إيران من المعركة دون أن تتعرض لهجوم أو تفكك برنامجها النووي أو سقوط نظامها. وركزت الصحف الإسرائيلية على مرحلة ما بعد الاتفاق فيما يتعلق بالدور الإقليمي المتزايد لإيران في المنطقة واضطلاعها بدور أساسي في الترتيبات الإقليمية، مقابل تقلص التأثير الإسرائيلي. وفي نفس السياق حذر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان من أن الإقرار بحق إيران بتخصيب اليورانيوم سيؤدي إلى سباق خطير وجنوني للتسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط . توتر العلاقات بين واشنطن وتل أبيب إن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة يشوبها الغموض، فالخلاف هذه المرة هو حول الخطوة الأولى في الاتفاق النووي مع إيران. إن الأزمة الحالية هي بالفعل واحدة من أكبر ثورات الغضب في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وقد تزداد سوءا قبل أن تتحسن. فمنذ أن رفض مناحيم بيغن خطة رونالد ريغن للسلام في عام ١٩٨٢ ، لم تنتقد إسرائيل، بتلك العلانية أي مبادرة دبلوماسية أمريكية كبرى. في خطاب مثير في ١٠ تشرين الثاني، وصل الأمر بنتنياهو إلى دعوة الزعماء اليهود في الولايات المتحدة إلى استغلال نفوذهم لإيقاف ما أطلق عليه اتفاقا سيئا مع إيران. لم يسبق أن اعتلى وزير خارجية أمريكي المنصة في عاصمة عربية ليوجه تحذيراً لرئيس وزراء إسرائيلي للتوقف عن التدخل في الجهود الأمريكية الدبلوماسية، وأن يوفر نقده إلى ما بعد التوصل إلى اتفاق. هذا ما فعله جون كيري في مؤتمر صحفي لافت للنظر عقده في ١١ تشرين الثاني في دولة الإمارات العربية المتحدة. هناك ثلاثة جوانب رئيسية لانتقاد إسرائيل لسياسة الولايات المتحدة اتجاه إيران هي: ١- من حيث الإستراتيجية: ينتاب إسرائيل القلق من أن الإدارة الأمريكية قد تخلت بهدوء عن إصرارها في أن تعلق إيران جميع أنشطة التخصيب، بحيث لم يعد الهدف وضع نهاية لهذا التخصيب. ٢- من حيث التكتيكات: تخشى إسرائيل من أن الاتفاق في جينيف لن يؤدي إلى أي تراجع لقدرات إيران بتخصيب اليورانيوم. ٣- من الناحية العملية: شكت إسرائيل من عدم اضطلاعها على تفاصيل اتفاق جينيف قبل إنجازه. إن ما يزيد من حدة الأمور، أن واشنطن وتل أبيب تعانيان من أزمة ثقة موازية لعملية السلام بين الصهاينة والفلسطينيين. يخطئ البعض حين ينظر إلى التوتر بين واشنطن و تل أبيب بشأن النووي الإيراني على أنه فصل إضافي من الخلافات بين أوباما ونتنياهو، فالتوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل ينبع من خلافات أكثر عمقا وهو يتعلق بالمصالح القومية بين البلدين. إن الحكومة الإسرائيلية تعتبر أي اتفاق مبدئي بشأن النووي الإيراني هو بمثابة هبة من جانب الإدارة الأمريكية للحكومة الإيرانية التي قضت العقدين الماضيين في بناء برنامج نووي موسع ينذر بحصول طهران على القنبلة النووية، برأي إسرائيل. إن مسؤولين إسرائيليين حرضوا الكونغرس الأمريكي ضد البيت الأبيض والمضي قدما في فرض عقوبات إضافية على إيران، وذهب أحد أعضاء مجلس الشيوخ إلى حد اتهام كيري بانتهاج خط معاد لإسرائيل. إن ارتفاع صوت إسرائيل في مواجهة قضية تعتبرها تهديدا لوجودها ليس مستغرباً، لكن هذه الحملات المنسقة لإفشال اتفاقية مع إيران يعطي الانطباع بأن إسرائيل تتحرق للحرب، مطالبة الإدارة الأمريكية وضع مصالح إسرائيل فوق مصالح واشنطن. فرنسا حاولت عرقلة الاتفاق النووي الإيراني لقد جرت مفاوضات سرية أثمرت اتفاقا مبدئيا توصل إليه الإيرانيون والأمريكيون، مما دفع لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي إلى إرجاء كل مواعيده والتوجه مباشرة إلى جينيف، حيث أعرب عن تشاؤمه. عندئذ، لم يعد مجال للشك بأن الأمر يتعلق بإستراتيجية هجومية من قبل الوزير الفرنسي. وقد صرح فابيوس قائلاً "هناك ضرب بالعصي، نريد تجنب تحقيق نصف انتصار". إن تصريحات فابيوس التي سارعت إلى تناقلها وكالات الأنباء قد وترت كواليس فندق إنتر كونتينتال، حيث كانت الوفود تجري مشاورات في شتى النواحي، وكانت تلك هي المرة الأولى التي تخرج إلى العلن نقاط محددة عن الاتفاق. حينها، لم يعد هناك سوى الحديث عن عرقلة فرنسية للمحادثات. ردة الفعل الأمريكية لم تنتظر طويلاً، إذ عبر عنها أحد أعضاء الوفد المرافق لجون كيري في حديث لبعض الصحافيين قائلاً "إن الأمريكيين والإتحاد الأوروبي والإيرانيين يعملون بجد معاً منذ أشهر على هذا الاقتراح، وهذه ما هي إلا محاولة من فابيوس لإظهار نفسه أنه على صلة بالمفاوضات في مرحلة متأخرة منها". هذه التصريحات عاد وكررها وزير الخارجية الفرنسي مرتين بعد الجلسة العامة للمفاوضات، تصريحات كانت قد استرعت الانتباه إليها، لاسيما وأن فابيوس كان الوحيد الذي تحدث علنا، وأكثر من مرة عكس التيار، مسجلاً بوضوح تمايزه. من طهران، جاءت تغريدة الرئيس روحاني على (تويتر) "لا تخطئوا، فعقلية الحرب الباردة محصلتها صفر، وتؤدي إلى خسارة الجميع". لكن الاتفاق بدا وكأنه خرج من خلف القضبان. أما ضرب العصي، فقد استؤنف في ٢٠ تشرين الثاني مع استئناف المفاوضات الأخيرة. إن موقف فرنسا كان يستلزم غضبا حقيقيا لو أنه كان بالفعل قد أضعف فرصة الاتفاق بين إيران وأمريكا، ولكن الموقف الفرنسي جعل فرصة إبرام الاتفاق بين البلدين أكبر. إن موقف فرنسا يحظى بقبول وموافقة المحافظين الجدد في واشنطن. وقد تتساءل الإدارة الأمريكية: لماذا تأخذ فرنسا على عاتقها الإبطاء من زخم التفاوض مع إيران، على الرغم من أنه في حال حدوث حرب مع طهران، فإن واشنطن هي التي ستتحمل القدر الأكبر من التكلفة؟ إن فرنسا كغيرها من اللاعبين في الدراما الإيرانية لديها دوافع ملتبسة. خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرونسوا هولاند للكيان الصهيوني، وضع شروطاً أربعة للتوصل إلى حل مع إيران بشأن برنامجه النووي هي: ١- وضع كامل المنشآت النووية تحت رقابة دولية فوراً. ٢ - تعليق تخصيب اليورانيوم بنسبة ٢٠% . ٣- خفض المخزون الموجود حالياً. ٤- وقف بناء مفاعل آراك. هولاند أكد أن التفاوض يبقى دائماً أفضل من اللجوء إلى القوة مع إيران، مضيفاً أن هدف فرنسا هو تخلي إيران تماماً عن السلاح النووي. هندسة إقليمية جديدة في الصيف الماضي، طلب الرئيس الأمريكي باراك أوباما من مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، وضع قائمة بالمصالح الجوهرية في الشرق الأوسط، فكانت النتيجة بندين. الأول، هو المحادثات بين كيان العدو والفلسطينيين، على الرغم من أن الجميع في الإدارة الأمريكية يدرك أنها تسديدة طويلة المدة. أما البند الثاني، فهو إتباع الدبلوماسية النووية مع إيران، والتي طالما كانت أولوية، لأن البديلين الوحيدين من مفاوضات ناجحة هما الحرب أو امتلاك إيران للسلاح النووي. بعد عدد من جولات التفاوض مع الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، كان هناك متفائلون في الإدارة الأمريكية يعتقدون بأن فرصة إستراتيجية كبيرة يمكن اغتنامها على هذا الصعيد. يبدو أن أمريكا لن تلعب دور الشرطي في الشرق الأوسط في المستقبل. فقد بدأ الحديث عن هندسة إقليمية جديدة، إضافة إلى تشكيك بالحسابات الإستراتيجية التقليدية في المنطقة التي تتجه نحو زعزعة توازن القوى القائم منذ عقود، الأمر الذي يقلق السعودية وإسرائيل على السواء. ثمة تغير في أساس السياسة الأمريكية اتجاه المنطقة بناء على المتغيرات الراهنة، هذا التغير يقوم على ثلاث أولويات: المفاوضات مع إيران، دفع المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، والبحث عن حل سياسي للأزمة في سوريا. هذه الأولويات حددتها سوزان رايس، مستشارة الأمان القومي، في مقال لها، حيث أوضحت أن هدف هذه السياسة هو تجنب غرق رئيس الولايات المتحدة في الأزمات المتكررة في الشرق الأوسط، في وقت يوجد رهانات أخرى، مثل تلك التي تظهر في آسيا، والتي تتطلب اهتمامه. ولعل أبرز المؤشرات على هذه السياسة هي المفاوضات التي بدأت مع طهران، مما يشكل عنصراً أساسياً من عناصر التحول الجاري، فمجرد حصول هذه المفاوضات ينبغي على بلدان المنطقة النظر إلى النتائج المترتبة على الاتفاق. إن أول من عبر عن امتعاضه من السياسة الأمريكية الجديدة هو المملكة العربية السعودية. فالموقف السعودي يتطابق مع الموقف الإسرائيلي في هذا الصدد، إذ إن هناك اتفاقاً ضمنياً بين السعودية وإسرائيل حتى وإن كانتا لا تقيمان علاقات رسمية، ولكن هناك اتصالات غير رسمية متكررة وقد تصبح رسمية إذا احتاج الأمر. السعودية تدرك أن اتفاقاً أمريكياً مع طهران ليس فقط من أجل الحصول على ضمانات حول برنامجها النووي، وإنما له علاقة بالاعتراف بدور إيران الإقليمي، وهذا ما يقلق السعودية ويدفعها لدعم الجماعات المسلحة في سوريا والنظر لعلاقتهم بالقاعدة على أنه أمر ثانوي. |
||||||