المخاوف الإسرائيلية من الدبلوماسية الإيرانية

السنة الثالثة عشر ـ العدد 144 ـ ( ـ محرم ـ صفر 1435 هـ) كانون أول ـ 2013 م)

بقلم: معين عبد الحكيم*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

بعد انقطاع دام أكثر من 34 عاماً جاء التقارب الإيراني الأمريكي الذي حدث مؤخراً وتُوّج باتصال هاتفي من الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالرئيس الإيراني حسن روحاني واجتماع وزيري خارجية البلدين ليفتح صفحة جديدة في العلاقات الأمريكية الإيرانية.

هذا التقارب من شأنه التخفيف من حدة التوتر والتصعيد في المنطقة وإعطاء الحل السياسي الفرصة المناسبة لحل المشكلات العالقة ولاسيما فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، خصوصاً أن إيران أعلنت مراراً أنها لا تسعى لامتلاك أسلحة ذرية وأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم سلمي وهدفه توليد الطاقة الكهربائية.‏

ردود الفعل العنيفة على الدبلوماسية الإيرانية جاءت من قبل حكومة الكيان الصهيوني، حيث عمد بنيامين نتنياهو إلى الكذب والخداع والتضليل لإفساد هذا التقارب محاولاً عبر منظمات الضغط اليهودية في أمريكا التأثير على إدارة أوباما لمنع توطيد العلاقات مع طهران، وقد بدأ حملته العدوانية هذه باعتقال مواطن بلجيكي من أصول إيرانية واتهامه بالتجسس لمصلحة إيران وزاد على ذلك بتحريض الدول الغربية من أجل عدم الترحيب بهذا التقارب وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية ليؤكد بذلك أن الكيان الصهيوني الذي يملك أكبر ترسانة نووية في المنطقة قائم على القتل والتدمير وخلق الفتن بين الدول لتحقيق مصالحه على حساب مصالح الشعوب الأخرى.‏

حكومة الكيان الصهيوني لم تكتف فقط بالتحريض والتضليل لمنع التقارب الإيراني الأمريكي بل ثمة معلومات مسرّبة من داخل الكيان الصهيوني تشير إلى وجود مخططات عدوانية تستهدف منشآت نووية إيرانية من أجل تصعيد التوتر وإحراج الجانب الأمريكي، وبالتالي عرقلة أية خطوات من شأنها حل القضايا العالقة وإحلال الأمن والاستقرار في المنطقة.‏

الحملة الإسرائيلية العدوانية التي يقودها نتنياهو لعرقلة الحلول الدبلوماسية لبرنامج إيران النووي تتماهى مع مواقف بعض الدول المستعربة التي أزعجها هذا التقارب بل دفعها إلى عقد اجتماعات لتنسيق المواقف مع إسرائيل من أجل الضغط على الإدارة الأمريكية وحملها على التراجع عن مواقفها، الأمر الذي يرتب على المجتمع الدولي وأحرار العالم مسؤولية التصدي لحملة نتنياهو وعملائه من المستعربين وكشف حقيقة نواياهم العدوانية التي من شأنها زيادة التوتر في المنطقة، والعمل على تشجيع الخطوات المؤدية إلى حل القضايا الخلافية عبر الحوار والطرق الدبلوماسية بعيداً عن لغة التهديد والحروب التي تنتهجها إسرائيل وحلفاؤها.‏

استحالة الخيار العسكريّ

واصل رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، حملته، ضدّ التفاهمات مع طهران، وقال إنّه لا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال إسقاط الخيار العسكريّ من الحسابات مع إيران، لافتاً إلى أنّ الضربة الاستباقيّة يجب أنْ تبقى على الأجندة، كما نقلت عنه صحيفة "يديعوت أحرنوت" 17/11/2013. مما دفع بمحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة "هآرتس العبريّة، عاموس هارئيل،  16/11/2013، إلى الاعتراف بحقيقتين مهمتين تعكسان حالة التخبّط التي يُعاني منها صنّاع القرار في تل أبيب من المستويين السياسيّ والأمنيّ على حدٍ سواء.

وبحسب هارئيل، صاحب الباع الطويل في المنظومة الأمنيّة والعسكريّة في دولة الاحتلال، فإنّ المفاوضات التي جرت في جنيف كشفت النقاب عن بديهيتين لا يُمكن التغاضي عنهما: الأولى، أنّ إسرائيل، وعلى الرغم من الحملة التي يقودها رئيس الوزراء لإقناع الرأي العام الغربيّ بعدم الوقوع في الشرك أوْ المصيدة الإيرانيّة، مواصلة تفعيل منظومة العقوبات الاقتصاديّة، ليست موجودة على أجندة جنيف، حيث عبّر المحلل عن إيمانه القاطع بأنّ المناشدات الإسرائيليّة الرسميّة من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومن وزير الحرب، موشيه بوغي يعالون، تقع على أذان صمّاء. أمّا الثانية، بحسب المحلل، الذي اعتمد على مصادر أمنية رفيعة في تل أبيب، فتؤكد بحسب أقوال المصادر، أنّ اللجوء إلى الخيار العسكريّ الإسرائيليّ ضدّ البرنامج النوويّ الإيرانيّ، لم يعُد قائمًا، مشدّدًا على أنّ الهجوم الإسرائيلي لن يخرج إلى حيّز التنفيذ، على الرغم من التهديدات المتكررة، ذلك لأن الولايات المتحدّة الأمريكيّة، لن تسمح بأيّ شكلٍ من الأشكال للدولة العبريّة بشنّ هجوم انفراديّ ضدّ طهران، على حدّ قوله.

ودعا المجلس الوزاري "السياسي – الأمني" الإسرائيلي، الدول العظمى إلى عدم إزالة الضغوط عن إيران. جاء ذلك بعد خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، يوم الاثنين14/10/2013، حيث عقد المجلس الوزاري "السياسي – الأمني" جلسة خاصة لمناقشة البرنامج النووي الإيراني قبل بدء المحادثات بين إيران والدول العظمى الست في جنيف. وقال بيان صادر عن المجلس الوزاري، إن إسرائيل لا تعارض الحل الدبلوماسي أو برنامجاً نووياً إيرانياً لأغراض سلمية، ولكنها تعتقد أن أي اتفاق مع إيران يجب أن يضمن تفكيك برنامجها النووي العسكري بشكل تام. وجاء في البيان أن النظام الإيراني يقع تحت ضغوط شديدة بسبب العقوبات الاقتصادية ويحاول إزالة هذه العقوبات، وأنه يجب عدم تخفيفها لأنها توشك أن تحقق الأهداف التي فرضت لأجلها.

وقال البيان إن هناك فرصة ذهبية لحل دبلوماسي حقيقي ينهي البرنامج النووي العسكري الإيراني بطرق سلمية، وأنه يمكن تحقيق هذه الفرصة فقط إذا واصل المجتمع الدولي ممارسة الضغوط وعدم تخفيف العقوبات الاقتصادية. وبحسب البيان فإن عدم استغلال العقوبات وتقديم تنازلات قبل تفكيك البرنامج النووي العسكري يعتبر خطأ تاريخيا.

ويقول النائب الصهيوني والوزير المسؤول عن الأجهزة السرية سابقاً رئيس لجنة الخارجية والأمن وأحد الأكثر قرباً من رئيس الوزراء نتنياهو تساحي هنغبي في مقابلة مع "معاريف", "لدينا إمكانية تنفيذية للتصدي للتهديد الإيراني بأنفسنا. نحن نعرف كيف نتصدى ولا حاجة لان نخشى رد الفعل أو أن نستسلم للتخويفات الأخرى. محظور علينا أن نظهر كجبناء في نظر أنفسنا"،. ويضيف هنغبي "حتى لو رغب أوباما في العمل، هذا لا يكفي، يوجد رأي عام أمريكي ذو وزن دراماتيكي معارض. ليس لديه أغلبية. رأينا المواقف المضادة في الكونغرس وفي مجلس الشيوخ في موضوع الهجوم في سوريا، وهذا لن يتغير حيال إيران. نحن لا يمكننا أن نكتفي بوعده.

أما مراسلة "نيويورك تايمز" في "إسرائيل"، جودي رودورون فتكشف النقاب في تقريرها عن أن نتنياهو ألقى إلى القمامة 50 مسودة خطاب أعدها للجمعية العمومية قبل أن يكون راضيا عن النتيجة. لكن على حد قولها: "عندما يحاول نتنياهو جذب انتباه العالم إلى البرنامج النووي الإيراني، في ظل استخدام نصوص عتيقة، في تاريخ الكارثة وفي كتاب من العام 2011 كتبه الرئيس روحاني، يبدو أحيانا صارخا... نتنياهو يبدو كمن هو مجمد في الماضي ومنقطع عن الإجماع الغربي على إيجاد حل دبلوماسي مع إيران". وزعم في التقرير ان نتنياهو بات منعزلا في العالم وفي إسرائيل أيضاً: فمؤخراً فقد ثقة عدة وزراء في حكومته.

التحريض على إيران

أعلن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في خطابه أمام الكنيست بكامل هيئاتها إن إيران الذرية تشكل خطراً على السلم العالمي وعلى استقرار منطقة الشرق الأوسط وعلى إسرائيل  بشكل خاص. واعتبر بيريز أن: "معسول الكلام الصادر عن الرئيس روحاني" يطيب لآذان الزعماء الغربيين الذين ملوا سماع التصريحات الفظة لسلفه محمود أحمدي نجاد".  

وأضاف بيريز إنه يجب العمل على تكفيك القدرة الإيرانية على بناء القنبلة الذرية، والصواريخ بعيدة المدى التي تهدد ليس فقط الدول الأوروبية وإنما أيضاً السواحل الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية. وقال إنه إذا كان يمكن الحديث عن استخدم الطاقة الذرية للأغراض السلمية، فإنه لا يمكن قول ذلك عن الصواريخ بعيدة المدى ، فهذه الصواريخ لا يمكنها إلا أن تحمل رؤوساً نووية.

وقال بيريز إن استمرار فرض العقوبات المشددة على إيران هو ضرورة ويجب عدم تخفيف هذه العقوبات. فالخطر والتهديد هو عملي، وبالتالي فإن المطلوب منها هو الأعمال. وزعم بيريز إنه لا توجد حدود بين إسرائيل وإيران، ولا سبب للنزاع وأن ما هو قائم هو بفعل نظام أية الله في إيران الذي يزرع بذور العداء والكراهية مع الشعب الإيراني، ويدعم "منظمات إرهابية" مثل حزب الله وحماس والنظام في سوريا. وخلص بيريز إلى القول إن واجب التصدي لإيران يقع على كاهل المجتمع الدولي ككل.

وذكرت صحيفة الشرق الأوسط، لندن، 16/10/2013، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو  طرح من جديد إمكانية توجيه ضربات وقائية إسرائيلية ضد إيران، ليتزامن كلامه مع افتتاح سلسلة جديدة من المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني في جنيف.

وفي كلمة ألقاها في الكنيست بمناسبة ذكرى حرب تشرين الأول/أكتوبر في 1973، أعلن رئيس الوزراء الصهيوني أن أحد دروس هذا الصراع الذي أخذت إسرائيل في بدايته على حين غرة، هو أن "نأخذ على محمل الجد أعداءنا وألا نهمل مؤشرات الخطر". وأضاف "ممنوع علينا أن نتخلى عن هجوم وقائي". وقال، إن "ضغط العقوبات أعاد إيران إلى طاولة المفاوضات، وإن هذا الضغط هو الذي يجعل ممكنا إزالة البرنامج النووي الإيراني بطريقة سلمية".  

وأضافت عرب 48، 14/10/2013، أن نتنياهو أعلن مجددا أن إسرائيل لن تسمح لإيران بامتلاك القنبلة الذرية. وقال نتنياهو في خطاب له أمام الكنيست إن تخفيف العقوبات عن إيران في هذه الظروف، قبل "لحظات" من تحقيق هدفها سيكون خطأ تاريخيا، لأن إيران لم تغير سياسيتها وإنما غيرت لهجتها. وقال إن إيران تعلن اليوم أنها مستعدة لتقديم تنازلات، لكنها تقدم تنازلات قليلة لتحظى بامتيازات كبيرة، تمكنها لاحقا من الانطلاق مجددا نحو الوصول للسلاح النووي، عندما يحين الوقت. وأضاف أنه مثلما لا يقبل العالم بأن تتنازل سوريا فقط عن 20% من أسلحتها الكيماوية، لا يمكن القبول اليوم بأن تتنازل إيران فقط عن جزء من قدراتها الذرية.

وأوردت الحياة، لندن، 16/10/2013، عن آمال شحادة، أن نتنياهو وصل، بشكل مفاجئ إلى الجولان السوري المحتل، ليشارك في تدريبات "لواء المدرع السابع"، ليعلن أن "هذه التدريبات ستتواصل، من أجل الحفاظ على جهوزية كاملة للجيش".

وقال نتنياهو أمام الجنود، إنه "تم استخلاص ثلاثة دروس أساسية من حرب أكتوبر، وهي دروس موجودة أمامه طوال الوقت، خصوصاً هذه الأيام، وهي: عدم الاستهتار والاستخفاف بالعدو، وعدم التخلي مسبقاً عن القيام بضربة استباقية إزاء أي تهديد فوري وحقيقي، وعدم التراجع عن الأهمية التي تولى للمناطق العازلة".

التطمينات الأمريكية

واصلت الولايات المتحدة الأمريكية، بث الرسائل المطمئنة لإسرائيل، بأن الحوار مع إيران لن يكون على حساب المصالح الإسرائيلية أو أمن إسرائيل. فقد أعلن نائب الرئيس الأمريكي، جون بايدن، الذي التقى نتنياهو بعد لقاء الأخير مع باراك أوباما، أعلن أن واشنطن لن تسمح لإيران بامتلاك أسلحة ذرية. وقال بايدن الذي تحدث في مؤتمر اللوبي الإسرائيلي الأمريكي "المعتدل" جي ستريت، إن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل وبقائها، وأن لا يوجد هناك رئيس أمريكي آخر خدم الأمن الإسرائيلي، أكثر من باراك أوباما.

وأضاف بايدن أن إيران ذرية ستسبب خطراً وجودياً على إسرائيل، ولذلك فقد عمل أوباما على إقناع العالم كله لفرض عقوبات شديدة على إيران لا مثيل لها في التاريخ. وأكد بايدن "لن نسمح لإيران بامتلاك أسلحة ذرية. وأعرب بايدن عن تخوفه من وصول مثل هذا السلاح في نهاية المطاف لمنظمات "إرهابية". 

من جهته أعلن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما في ختام لقائه الأخير برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أنه على الرغم من قرار الإدارة الأمريكية الدخول في مباحثات مع إيران بشأن مشروعها الذري، إلا أن الولايات المتحدة تدخل هذه المفاوضات بحذر. وقال أوباما إنه اتفق ونتنياهو على ضرورة منع إيران من تطوير قنبلة ذرية.وقال، إنه من الواضح أن التصريحات الإيرانية لوحدها غير كافية، وأن على طهران أن تكسب ثقة المجتمع الدولي من خلال الأفعال. وأضاف أوباما أن الولايات المتحدة تدخل المفاوضات مع إيران بيقظة، وأنها ستجري مشاورات مكثفة مع إسرائيل. وأكد أوباما أن الولايات المتحدة لا تسقط من حساباتها أي خيار بما في ذلك الخيار العسكري.

في المقابل قال نتنياهو، الذي تحدث بعد أوباما إنه يقدر التوضيحات التي قدمها الرئيس أوباما بأن واشنطن ملتزمة بمنع إيران من الحصول على سلاح ذري. وقال نتنياهو إن إيران تعلن التزامها بالسعي لإزالة إسرائيل وبالتالي يجب إجبارها على ترك مشروعها الذري. وأضاف نتنياهو أن التهديد العسكري والعقوبات المفروضة على إيران هي التي دفعت بطهران إلى طاولة المفاوضات، معتبراً أنه لا يجوز تقليص الضغوط الممارسة على إيران إلى أن يتم تحقيق تقدم أكيد في المفاوضات. واعتبر أنه يجب عوضاً من ذلك زيادة العقوبات المفروضة على طهران إذا واصلت السعي لتطوير أسلحة ذرية خلال المفاوضات.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن جهات رسمية في الإدارة الأمريكية أجرت اتصالات من وراء الكواليس مع "إسرائيل" بهدف تهدئة مخاوف "إسرائيل" في أعقاب التقارب بين واشنطن وطهران والتصريحات التي أطلقت من طهران مؤخراً بشأن البرنامج النووي الإيراني.

وبحسب التقرير فإن المسؤولين الأمريكيين أوضحوا في محادثات خاصة مع نظراء إسرائيليين رسميين أن الولايات المتحدة لا تزال تشك بنوايا إيران بشأن البرنامج النووي، وأن واشنطن ستمتحن إيران بموجب أفعالها وليس بموجب تصريحات الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني.وشدد الأمريكيون على أن الولايات المتحدة لن تسارع إلى إزالة العقوبات الاقتصادية التي تسببت بأضرار شديدة للاقتصاد الإيراني.

وكتبت الصحيفة الأمريكية أن الأمريكيين أوضحوا لإسرائيل بأنهم ملتزمون بفحص التوجه الإيراني الجديد الذي يدعم الدبلوماسية المباشرة.

يذكر أن نائب المستشار للأمن القومي في البيت الأبيض، بن رودس، صرح بأن تصريحات روحاني بشأن البرنامج النووي لبلاده ليست كافية لتهدئة الأطراف. وأضاف أن تصريحات روحاني لم تبدد مخاوف المجتمع الدولي. كما شدد على أنه لم يتم الاتفاق على أي لقاء يجمع الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع روحاني خلال الجمعية العامة في الأمم المتحدة الأسبوع القادم. وقال نائب المستشار للأمن القومي أيضاً إن الولايات المتحدة تقر بمخاوف إسرائيل الشديدة من إيران، مع الأخذ بعين الاعتبار التهديدات التي أطلقتها الأخيرة تجاه إسرائيل.

جبهة معادية لإيران

نقلت الإذاعة الإسرائيلية صباح يوم30 أكتوبر, 2013، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، دعا الدول العربية إلى الانضمام إلى إسرائيل وتشكيل جبهة موحدة ضد نوايا إيران تطوير أسلحة ذرية. وقالت الإذاعة إن نتنياهو قال في مقابلة مع الصحافي الأمريكي  تشارلي روز: "إن هناك اليوم فرصة ذهبية أمام الدول العربية للتحالف مع إسرائيل لصد الخطر الإيراني". 

وسخر نتنياهو من دبلوماسية الابتسامات الإيرانية، وقال إنه يفضل أن لا يحظى بمقالات المديح في الصحف وأن يصر على قول ما يؤمن به، في إشارة واضحة للتغطية الإعلامية الواسعة والمؤيدة للرئيس الإيراني، حسن روحاني، على أثر تصريحاته الأخيرة، والتحسن في العلاقات الإيرانية الأمريكية، التي بلغت ذروتها في الاتصال الهاتفي بين روحاني وباراك.

ويزعم زعماء الكيان الصهيوني "أن ابتسامات روحاني التي تأسر قلب أوباما، نجحت على الأقل حتى اللحظة في إشعال أزمة سياسية كبيره بين أمريكا والسعودية وبعض إمارات الخليج، تهدد حسبما يقول المراقبون بانهيار تحالف تاريخي قديم استمر لعقود طويلة، ويفتح فرصة كما يقول مراقبون آخرون لإعادة بناء تحالفات إقليمية جديدة بناءً على المخرجات البائسة لما يسمى بالربيع العربي، تكون إسرائيل جزءاً منها بعد أن استبدل اصطفاف العرب بين معتدلين وممانعين بتقسيم طائفي.

الغضب السعودي من سياسات إدارة أوباما انفجر مدوياً وصاخباً على غير عادة السياسات السعودية التي تميزت تاريخياً بعدم التسرع والكياسة واللعب من خلف الكواليس، فكان سخطها أشبه بتظاهرة علنية عبر رفض عضوية مجلس الأمن، وعبر ما سرب قصداً لوكالات الأنباء العالمية عن تصريحات وأقوال الأميرين بندر بن سلطان وتركي الفيصل، الأول تحدث عن توجه سعودي بإحداث تغيير كبير على سياسات وتحالفات السعودية في مجالي النفط وتنويع مصادر السلاح، وأن بلده تقف أمام تغير سياسي كبير سيؤدى إلى تراجع علاقات السعودية مع واشنطن، أما تركي الفيصل فقد عبر عن غضبه من سياسية أوباما حيال الملف السوري، عندما وصف الاتفاق الروسي الأمريكي بالمسرحية الساخرة، وشاركه في ذلك وزير خارجية السعودية سعود الفيصل الذي رفض الاتفاق واعتبره تنكر لتضحيات الشعب السوري والتفاف على مطالبه.

السعودية وكعادة دول العرب من قبلها اختارت فلسطين سبباً ومبرراً لاحتجاجها وغضبها، وأسقطت عمداً السبب الرئيسي الذي تسبب لها لأن تشعر بهذا القدر من القلق والإهانة، وهو العامل الإيراني.

صحيح أن للسعودية اهتماماً ـ بقدرٍ ما ـ بالقضية الفلسطينية لا يمكن إنكاره، لكن ما لا يمكن نفيه أن هذا الدور وذاك الدعم إنما يأتي لخدمة دور سياسي وظيفي إقليمي في المنطقة أسندته إليها واشنطن بحكم زعامتها المالية والدينية التي خولتها لزعامة سياسية إقليمية مكملة لزعامة مصر مبارك، وهو دور يقوم على أساس دعم عملية السلام على الطريقة الأمريكية، وتطبيع العرب رسمياً على فكرة قبول إسرائيل، وقبول الدور الوظيفي لإسرائيل كدولة توازن إقليمي في المنطقة حتى قبل ضمان قيام الدولة الفلسطينية، أولم تكن السعودية من صاغ مبادرة السلام العربية وفرض على العرب تبنيها في قمة بيروت 2002؟!، تلك المبادرة التي وعدت شارون باعتراف العرب والمسلمين بإسرائيل، وجعلت حق عودة اللاجئين مرهون بفيتو إسرائيلي، وهى التي لم تحتج وتغضب على اجتياح الضفة ومحاصرة عرفات، ولم يغضبها عدوان "الرصاص المصبوب" واستشهاد الآلاف ومحاصرة غزة، ولم يغضبها الاستيطان وتهويد ما تبقي من القدس واستباحة الأقصى وما يتهدده من مخاطر، لا يحق لها اليوم أن تستغل قضية العرب الحقيقية في غضبها جراء شعورها بالإهانة من سياسة أوباما الجديدة تجاه إيران، ففلسطين لا تحتاج غضباً كاذباً أشبه بحمل كاذب أو غيمة صيف عابرة، بل ويغضبها أن توظف في سياقات لا تكون القدس بوصلتها، وهي إذ ترحب بأي انتصار لها من زعيمة العرب (السعودية)، تطالبها، ولكي يكون هذا الانتصار خالياً من أي اشتباه أو التباس ولكي لا يكون موسمياً عابراً هدفه المساومة ورفع الثمن، تطالب أن يتحول هذا الانتصار إلى بداية تغيير حقيقي في السياسات الإستراتيجية للمملكة، تقوم على أن إسرائيل وما تمثله من سياسات وممارسات وإرهاب وتهديد للعرب والمسلمين تشكل العدو الرئيسي لجميع العرب والمسلمين، الذي تستوجب محاربته وهزيمته تضافر وتوحيد كل طاقات وإمكانات الأمة العربية والإسلامية، بما يتطلبه ذلك من تنحية الخلافات والتغلب على المخاوف الداخلية، مذهبية أو عرقية طائفية.

بيد أن مؤشرات واقع السياسات العربية عامة والخليجية والسعودية خاصة شديدة الوضوح، وهي لأسفنا الشديد تعيد إنتاج نفس المخاوف المذهبية المقيتة، وتخلق عدواً، قد يكون موهوماً وقد يكون غير ذلك، اسمه "الخطر الشيعي الإيراني"، وتحله محل الخطر الحقيقي القومي الديني الملموس الحاضر بقوة في كل ركن وزاوية، وفى كل حرف من أبجديتنا، ألا وهو الخطر الصهيوني الممثل بكيانه المادي إسرائيل.

إن المخاوف العربية المبالغ فيها وغير المبررة التي تغذيها إسرائيل بشكل أساسي من مجرد احتمالية امتلاك إيران لسلاح أو قدرات علمية نووية في ظل السكوت واللوذ بالصمت حيال مئات الرؤوس النووية الحربية التي تمتلكها إسرائيل، فضلا عن غواصاتها النووية التي تجوب خليج وبحار العرب، إنه لأمر مخجل ومثير للاشمئزاز ويصيبنا بالخيبة والإحباط، فمن المخجل أن نحرم على إيران ما حللناه بالصمت المتواطئ لإسرائيل، ومن المعيب على العرب وعلى راعي المقدسات الإسلامية أن يظهر بمظهر المتخندق مع إسرائيل في مواجهة ما تسميه إسرائيل بخطر الجمهورية الإسلامية على السلم الإقليمي والعالمي، ومن المؤسف أن تصل الوقاحة الإسرائيلية إلى حد أن يزعم نتنياهو في خطابه العنيف والتحريضي ضد إيران في الأمم المتحدة أن الخطر الإيراني لا يهدد إسرائيل فحسب بل يهدد دول الخليج أيضاً، الأمر الذي يبدو انه بدأ يكشف تحالفاً كان سرياً بين إسرائيل ودول الخليج، وبات اليوم أمراً للأسف مبرراً وعلنياً، وهو ما يجعل الإعلام الإسرائيلي يسهب في الحديث عن فرصة نشوء تحالف سني إسرائيلي في مواجهة خطر المحور الإيراني الشيعي.

فقد كشفت مراسلة صحيفة "يديعوت" سمدار بيري التي تقول إنها شاركت في سلسلة مباحثات مغلقة عن التحول الإيراني كان بعضها بمشاركة أفضل العقول الإسرائيلية وبعضها بمشاركة خبراء ذوي تقدير من العالم العربي وبعضها بمشاركة أفرقة مشتركة، وتقول "كان القاسم المشترك للجميع هو قلقهم من هجوم سحر رئيس إيران الجديد"، انه أمر مثير للاستنكار أن يصل القلق المشترك من إيران إلى مستوى اجتماعات رسمية لخبراء عرب وإسرائيليين.

ويقول عاموس هرئيل من صحيفة "هآرتس" أن السعودية الآن هي الشريك الرئيسي لإسرائيل في انتقاد السياسة الإيرانية، وفى مقال في صحيفة "معاريف" يقول الكاتب ارييل كهانا أن السعودية وإسرائيل تقفان في جبهة واحده في مواجهة إيران، ويشخص الإعلاميون في إسرائيل أن الفرصة باتت متاحة اليوم لنشوء تحالف إسرائيلي سني.

على الرغم من كل الغضب السعودي من سياسات أوباما تجاه إيران ومن مخاوف السعودية من تراجع مكانتها لدى البيت الأبيض، ورغم كل تهديدات السعودية بتغيير سياساتها وتحالفاتها، فإننا نعتقد أنها ستبقى مجرد تصريحات لتفريغ شحنات الاحتقان، وربما للفت النظر ونيل بعض التعاطف الأمريكي معها، فالسعودية لا تملك في ظل ما هي عليه إلا أن تبقى أسيرة للإملاءات الأمريكية، وهي لا تملك من أمرها شيئاً.

وهكذا يرى معلقون أن إسرائيل قد تخسر، إذا أبرمت أمريكا والغرب صفقة مع إيران، البعبع الذي كانت تلوح به ليس فقط في وجه العالم وإنما أيضاً في وجه جمهورها الداخلي. وبكلمات أخرى فإن ركون الكثير من القوى السياسية الإسرائيلية على تبرير تحركاتها الداخلية، تحالفات أو انشقاقات داخل الائتلاف أو المعارضة، لم يعد ممكنا إلى وقت طويل.

وعلى الرغم من محاولات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي جعل من التلويح بالفزاعة الإيرانية شعاراً له، الإيحاء بأن شيئا لم يتغير في طهران فإن الانطباع العام هو أن إسرائيل خسرت الجولة. والمؤكد هو أن إيران أربكت إستراتيجية التحريض الإسرائيلية.

باحث في القضايا الإقليمية(*) 

اعلى الصفحة