ليبيا القاعدة الخلفية للإرهاب في شمال إفريقيا

السنة الثانية عشر ـ العدد 143 ـ ( ذو الحجة  1434 هـ ـ محرم 1435 هـ) تشرين ثاني ـ 2013 م)

بقلم: توفيق المديني

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

مع سقوط نظام القذافي، وبروز المظاهر المسلحة التي تقودها الجماعات الإسلامية المتشددة، عادت النزعات القبلية إلى ليبيا  بصورة مقيتة أكثر من السابق، وعادت النزعات الانفصالية، لاسيَّما في الشرق الليبي الذي يتباهى سكانه بأنهم يمتلكون الثروة النفطية المنهوبة من قبل العاصمة طرابلس بوصفها مركز السلطة، وكذلك في منطقة الزنتان.

ومثل هذه الظواهر الرجعية تشكل ردة حقيقية على الثورة، وتتنافى مع روح الإسلام وبناء الدولة الوطنية الحديثة، أي دولة المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات، لا دولة "المحاصصة" القبلية في الثروة، والوظائف والخدمات الحكومية. وبدل أن يكون سقوط القذافي فرصة لإعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، فرضت الحركات الإسلامية الجهادية و العصابات المسلحة منطقها الخاص القائم على تصدير الإرهاب إلى الخارج، و العمل على تفكيك و تقسيم ليبيا إلى دويلات القبائل و الحركات  الجهادية التكفيرية المرتبطة بتنظيم "القاعدة"

وعلى الرغم من إجراء أول انتخابات ديمقراطية وشفافة في ليبيا في أوائل شهر تموز 2012،التي فاز فيها الليبراليون على حساب الإسلاميين، فإن الدعوة إلى تشكيل حكومة وطنية في ليبيا مشهود لها بالديمقراطية والنزاهة لإدارة البلاد ما بعد الثورة، تكون مهمتها الأساس العودة بالبلاد إلى الحياة الدستورية والمؤسساتية عن طريق دعوة الجمعية الوطنية تأسيسية بإقرار دستور ديمقراطي عصري، وإحداث التعديلات المناسبة حياله، وعرضه على الشعب الليبي في استفتاء عام، باءت كلها بالفشل. فلا تزال ليبيا تعيش في حالة اللادولة، في ظل انتشار فوضى السلاح الذي تمتلكه الجماعات الإسلامية  المرتبطة بتنظيم القاعدة.

وتبدو حكومة ليبيا بعد الثورة في حال تخبط، ويقول المسؤولون الغربيون إن من غير الواضح مَنْ يتحمل مسؤولية الأمن، إذا وُجِد من يتحملها أصلاً. وتحضر القوات الليبية حضوراً محدوداً في المراكز السكنية الرئيسة، حيث تسيطر جماعات قبلية على أنحاء واسعة من الصحراء.وانتشار "القاعدة" والمنظمات المتفرعة عنها في مناطق لا تخضع لأي حكومة في الصحراء الكبرى- وتزايد قوتها في الصراع في سورية- يشيران إلى تفاوت بين التهديد القائم وبين تقليص الإدارة الأمريكية دورها في مكافحة الإرهاب.

لقد كانت لسقوط نظام القذافي في ليبيا تداعيات إقليمية كبيرة. فهناك  إجماع داخل الدول الغربية والمغاربية، ودول الساحل الإفريقي، من مخاطر انتشار الأسلحة بصورة كبيرة في ليبيا، وانتقالها أيضاً عبر الحدود إلى الدول المجاورة (تونس،الجزائر، مالي، النيجر، وموريتانيا) و هي مناطق الصحراء الكبرى، التي ينشط فيها تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، إضافة إلى المتمردين الطوارق.

تصدير الإرهاب إلى تونس

منذ الإطاحة بنظام القذافي، ظلت تونس و مصر تكافحان  لضبط حدودهما مع ليبيا من أجل وقف تدفق الأسلحة. وكانت تونس أعلنت في شهر شباط 2012تفكيك تنظيم إرهابي تدرب في ليبيا، وسعى إلى إقامة إمارة إسلامية في تونس. وما زاد مخاوف الدول الغربية من استفادة تنظيم القاعدة من وفرة السلاح المسروق من المخازن الليبية، هو مقتل السفير الأمريكي في قنصلية بنغازي في 11 أيلول/سبتمبر 2012، و الهجوم الذي شنه المتمردون الطوارق ("الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، "حركة أنصار الدين" الإسلامية المسلحة من الطوارق،التي  أسسها إياد آغ غالي أحد القادة السابقين لحركة التمرد الطوارق في التسعينات)، ضد القوات المسلحة المالية في منطقة كيدال و ميناكا، في 17 من كانون الثاني 2012 للمطالبة بحق تقرير مصير المنطقة الشمالية من مالي، المتاخمة لموريتانيا والجزائر والنيجر وبوركينا فاسو. وقد حقق الطوارق نجاحاً عسكريا لافتاً من خلال سيطرتهم على شمال مالي، أي ما يعادل 850 كلم مربع.

وكانت "حركة أنصار الدين " تطالب بفرض الشريعة في مالي، بعد أن سيطرت على ثلثي التراب المالي، ولولا التدخل العسكري الفرنسي في بداية سنة 2013، لما سقطت مالي لقمة سائغة في أيدي تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وكانت حكومة مالي اتهمت تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" الذي يقيم قواعد في شمالي البلاد بشن هجمات على العديد من دول الساحل انطلاقاً من أراضيها.

وكان تنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" صعّد من وتيرة تحركاته مستفيداً من مساحة الحرية المستجدة في تونس وليبيا حتى يرفع الضغط على جبهة الجزائر، ليصعد المعركة في شمال مالي الذي كانت تسيطر عليه جماعات إسلامية مسلحة. واستفاد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من عوامل عديدة حصلت في مرحلة انطلاقة ربيع الثورات العربية، منذ سنتين.

وتمثل هجمات الإسلاميين المتشددين في تونس على رموز المعارضة اليسارية والليبرالية، والقاعدة العسكرية التي أسسها تنظيم "أنصار الشريعة" في تونس في منطقة جبل الشعانبي، وتكرر المواجهات المسلحة بين أجهزة الأمن والجيش التونسية، والمجموعات الجهادية التكفيرية المرتبطة بتنظيم القاعدة، نقطة تحول في رؤية المعارضة التونسية، والدول الغربية، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، على الخطر الذي باتت تمثله ليبيا في ظل سيطرة المجموعات الإسلامية المقاتلة على مناطق شاسع من البلاد، وامتلاكها ترسانة كبيرة من الأسلحة، وإقامتها معسكرات تدريب للإسلاميين الجهاديين القادمين من تونس.

فبعد استقرار مالي تظهر تقارير الاستخبارات الأمريكية والفرنسية أن المقاتلين من تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" تمكنوا من اجتياز الحدود من مالي وإنشاء قاعدة جديدة لهم في جنوب غربي ليبيا. وتعتقد أمريكا بأن الزاوية الجنوبية الغربية من ليبيا تجذب حالياً المقاتلين الإسلاميين من جماعة "أنصار الدين" وتنظيم "القاعدة في بلدان المغرب الإسلامي" الذين فروا من مالي. وتختلط هاتان المجموعتان مع المجموعات المسلحة المحلية وبينها "أنصار الشريعة" التي تؤكد واشنطن إنها متورطة بالهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي.

وكان تنظيم "القاعدة" اتخذ قراراً تاريخياً بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن تغيير تسمية التنظيم وتغيير مركزيته من أفغانستان إلى ليبيا، وتعد تونس همزة الوصل بين ليبيا والجزائر والصحراء في علاقة بالغاز والمصالح التجارية لتهريب للمخدرات والأسلحة والغذاء. ومنذ التدخل الأمريكي في أفغانستان تحول تنظيم "القاعدة" إلى منظمة مهيكلة عمودياً وأصبح لكل مجموعة هيكلتها الخاصة وما يجمعها هو الأيديولوجيا التكفيرية والجهادية والخط السياسي الموحد ومساعدة المصالح الأمريكية والعمل الجمعياتي عبر عدة جمعيات خيرية ودعوية. فتنظيم "أنصار الشريعة"، وهي إحدى التسميات الجديدة لتنظيم "القاعدة"، حيث وجدت "أنصار الشريعة" ببنغازي بقيادة محمد الزهاوي و"أنصار الشريعة" بدرنا بقيادة أبو سفيان بن قمو وهو من قدماء غونتنامو، و"أنصار الشريعة" باليمن، هي التسمية الجديدة للقاعدة في الجزيرة العربية تحت قيادة الشيخ أبو زهير عادل بن عبد الله و"أنصار الشريعة "بتونس تحت قيادة أبو عياض سيف الله بن حسين، ومصر تحت قيادة أحمد اشوش بحسب قوله.و اتخذ تنظيم "القاعدة" جغرافيا تمركز جديد بعد الربيع العربي، وتحول من أفغانستان إلى ليبيا والصحراء المتاخمة لها وتم إنهاء مرحلة الجهاد الموحد الهرمي تحت قيادة بن لادن والعودة إلى تنظيمات 1990 المستقلة تنظيمياً ويجمعها المنحى التكفيري والعمل الجمعياتي.

وتشير التقارير الأمنية الواردة من تونس، أن منطقة الزنتان الليبية، تحولت إلى معسكر تدريب للعديد من التوانسة، يتراوح العدد الإجمالي بين 4 أو 5 ألاف، حيث يعد زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" أبو عياض هؤلاء الإرهابيين للقيام بهجوم كبير على جنوب تونس، واحتلاله، والقيام بعدة تفجيرات في العديد من المدن التونسية، واغتيال عدد كبير من السياسيين، ومهاجمة المؤسسات العامة.

وكان وزير الداخلية التونسي السيد لطفي بن جدو صرح لإذاعة موزاييك يوم 25سبتمبر 2013، أن تونس كانت على حافة مخطط إرهابي خطير كان يعتزم تقسيم البلاد إلى ثلاث إمارات في الوسط والجنوب والشمال، مع التحضير لجملة من الاغتيالات والتفجيرات المتزامنة، لكن تم تجاوز هذا المخطط بفضل مجهودات عناصر الأمن والجيش الوطنيين على حد تعبيره.

وفي هذا السياق، أكد الطيب العقيلي عضو المبادرة الوطنية للكشف عن اغتيالات الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، في ندوة صحفية عقدها مؤخراً بتونس، عن تورط قيادات من حركة النهضة في علاقة بالتنظيم الإرهابي في المغرب العربي في رعاية الإرهاب والإرهابيين. فقد ذكر الطيب العقيلي أنه تم استقبال زعيم أنصار الشريعة الليبية عبد الحكيم بلحاج كضيف شرف في الذكرى 2 للثورة الذي نظمه شباب حركة النهضة في ديسمبر 2012 بحضور قيادات نهضوية على رأسهم البحيري وكمال النابلي الذي خصه باستقبال رسمي وأيضاً العجمي الوريمي.. وفي ديسمبر 2011 قابل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة عبد الحكيم بلحاج في ليبيا مع كاتب الدولة للشؤون الخارجية القطري ويوسف القرضاوي. وبين العقيلي كيف أن الإدارة العامة للأمن الوطني أصدرت في 4 كانون الثاني 2013 تعليمات تقضي بتحديد مكان تواجد عبد الكريم بالحاج لضلوعه في التحضير لأعمال إرهابية في تونس وفق وثيقة بإمضاء وحيد التوجاني.

وفي ظل تنامي الإرهاب في تونس، واستمرار تدفق الأسلحة، وغياب الرقابة الصارمة من جانب القوى الأمنية التي تأتمر بأوامر الحكومة التي يقودها القيادي من حركة النهضة السيد علي العريض، وجهت الجزائر رسالة واضحة إلى الحكومة التونسية، تفيد أن عملية تهريب كبرى للسلاح يتم التحضير لها انطلاقاً من الأراضي الليبية باتجاه الجزائر أو تونس، الأمر الذي جعل الجيش الجزائري يستنفر قواته على الحدود مع ليبيا وتونس، مستخدماً الطائرات العسكرية لتوسيع مجال المراقبة و لمنع أي محاولة اختراق لجماعات إرهابية قد تستغل الأوضاع لتنفيذ مخططها، لاسيما أن محققين من تونس والجزائر تمكنوا من جمع أدلة كثيرة تدين "كتيبة الملثمين والموقعين بالدم" التي يقودها مختار بالمختار القيادي السابق في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، الذي أشرف على تدريب مقاتلين سلفيين جهاديين من تونس وإرسالهم إلى الأراضي التونسية. فالتحقيق التونسي مع المعتقلين الذين تم إلقاء القبض عليهم في الداخل التونسي، توصل إلى أدلة مهمة تؤكد العلاقة بين القيادي المنشق عن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" مختار بلمختارو المكني خالد أبو العباس القائد للجماعات التكفيرية المسلحة في تونس.

وبحسب المصادر الأمنية التونسية، فإن معسكرات كتيبة الملثمين و الموقعين بالدم  دربت العشرات من المقاتلين من جنسيات متعددة في عام 2012 أثناء سيطرة الجماعات الإسلامية المتشددة على شمال مالي، وقد حصلوا  سلفيون جاؤوا من مصر عبر ليبيا، ومن تونس، على تدريب قتالي عالي المستوى في معسكرات مختار بلمختار، وفي معسكرات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وعاد عدد كبير منهم ليشكلوا النواة الصلبة للجماعات السلفية المقاتلة المرتبطة بتنظيم القاعدة في تونس ومصر.وكان تونسيون  تدربوا في هذه المعسكرات شاركوا في هجوم عين امناس بالجنوب الجزائري في مطلع سنة 2013.

و تعتبر الجزائر أن الأمن في تونس مسألة تمس أمنها القومي، لذلك عبّرت عن دعمها الكبير لجهود الجيش الوطني في مقاومة الإرهاب في السلسلة الجبلية الحدودية، بينما استقبل الرئيس الجزائري زعيمي حزبي الحكم والمعارضة في تونس راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي، في شهر سبتمبر 2013، لأن الأزمة السياسية في تونس قد تعمّق الأزمة الأمنية.

في هذا الوقت، تتهم المعارضة حركة النهضة بالتغطية على السلفيين الذين تمكنوا من إغراق البلاد في السلاح بشهادة وزير الداخلية، الذي قال إنه حُجزت كميات كبيرة من الأسلحة المتنوعة الآتية من ليبيا ومن غير ليبيا.

واستُهدفت المؤسسة الأمنية التونسية بحملة إعلامية من قبل حركة النهضة، أربكت جهودها في مقاومة الإرهاب، فضلاً عن عدم توافر الإرادة السياسية للحكومة التي يرأسها علي العريض لمقاومة الإرهاب الكفيري؛ إذ تتهم المعارضة حركة النهضة بتسهيل نشاط المجموعات المتطرفة لتستعين بها وقت الحاجة. وتشكل المعلومات التي كشفها وزير الداخلية لطفي بن جدو تطوراً خطيراً جداً سيزيد من مخاوف التونسيين الذين بدوا يتمثلون سيناريو التسعينيات في الجزائر، وخاصة مع فشل الفرقاء السياسيين في رسم خريطة طريق تنقذ تونس من أزمتها المتعددة الأوجه. 

مخاوف من عودة  الجهاديين التكفيريين التونسيين

تتخوف الأوساط السياسية في تونس من عودة المقاتلين التونسيين المشاركين في الحرب السورية، والذين يقدر عددهم بأكثر من أربعة ألاف مقاتل، حيث أسهمت حركة النهضة نفسها بشكل غير مباشر في تسفير هؤلاء الشباب عبر الجمعيات والمؤسسات المشبوهة وسهلت بطريقة غير مباشرة رحيلهم إلى سوريا، عن طريق تلقي التدريبات العسكرية في معسكرات تنظيم "أنصار الشريعة "في ليبيا. علماً أن عدد الذين قتلوا من التونسيين فوق الأراضي السورية بلغ حوالي 1920 تونسيا حسب المصادر السورية، وهو مبلغ كبير ومرتفع جداً.

السؤال الذي يطرحه السياسيون وعلماء الاجتماع في تونس، كيف سيتم التعامل مع هؤلاء المقاتلين حين يعودون إلى تونس، وقد اكتسبوا خبرات قتالية ميدانية، وبالتالي لأنهم سيحاربون الدولة و المجتمع، نظرا لتشبعهم بالفكر التكفيري.

وعلى الرغم من عدم معرفة التاريخ الدقيق لعودة المقاتلين التونسيين المشاركين في الحرب السورية ولا كيفية هذه العودة، فهؤلاء قد يعودون فرادى مهزومين هاربين من جحيم الحرب أو نادمين عن الالتحاق بجبهة القتال أو قد يعودون مجموعات غاضبة راغبة في نقل الحرب المقدسة إلى الأراضي التونسية لمحاربة "الطاغوت"(الجيش والقوات الأمنية)، فإن هذه العودة قد تكون سرية بالتسلل إلى الأراضي التونسية تماما كما غادروها بطرق خفيّة وملتوية أو قد تكون عبر بوابات المطارات. ولا تهم الطريقة ولا التاريخ فقط يكفينا التساؤل حول دور هؤلاء ما بعد العودة هل سيعودون مواطنين عاديين كما كانوا أم هم سيجاهدون في أرض الوطن من أجل فرض المشروع المجتمعي الجديد لإعلان تونس دولة الخلافة بتكفير الكل وإعلان الجهاد ضد الكل؟.

في انتظار هذه العودة يطرح خبراء تونسيون خطة طريق لاستقبال هؤلاء تبدأ بتأهيلهم نفسياً على اعتبار أنهم ضحايا مغرر بهم بسبب جهلهم وفقرهم فتمّ استغلال ظروفهم النفسية الهشّة وصولاً إلى إعادتهم إلى المجتمع وهم مواطنون مسالمون يكونون شواهد على تجربة الإرهاب مستقبلاً دون أن يتم التغافل عن المقاربة الأمنية لتتبعهم وكشف تفاصيل تدريباتهم.

دعا ناجي جلول إلى الاستفادة من تجربة العائدين من الحرب الأهلية السورية من خلال منحهم فرصة إلقاء محاضرات في الجامعات والمعاهد لتوثيق شهاداتهم ورواياتهم حول جبهات القتال "لا بد من الاستفادة من تجربتهم للتعريف بمخاطر الإرهاب وتجربة الالتحاق بساحات القتال فالحل الأمني غير كاف لأننا أمام أناس تمّ غسل أدمغتهم". منح الفرصة للقيام بمراجعات داخل التيّار المتشدّد هو حلّ آخر لا بدّ أن يمنح الأهميّة الأكبر في أي خطة طريق قد يتم وضعها لاحتواء عودة حملة السلاح التونسيين من سوريا وفقا لما يراه الهادي يحمد الإعلامي المختص في الحركات الإسلامية ورئيس تحرير موقع حقائق أون لاين. كما يرى يحمد أن "عمليّة التأهيل تجربة أثبتت من خلال تجارب سابقة أنها محدودة التأثير ما لم تتم مراجعة ذاتية داخل التيار المتشدد ذاته"(1).

فبعيداً عن المراجعة داخل هذه التيارات المتشددة والتخلي عن العمل الإرهابي لن تنجح أي تجربة أخرى والملاحظ أن الدولة لم تبذل أي مجهود بخصوص العمل التأهيلي والإدماج سواء من خلال قانون العفو التشريعي العام أو غيره. لكن عملية النقد الذاتي والمراجعة وحدها الكفيلة بالتخلي عن فكرة تكفير الآخر وغيرها من المسائل ومن دونها ستظل كل التجارب فاشلة.

 من جهته اعتبر الدكتور علية العلاني الأستاذ الجامعي والباحث المختص في الجماعات الإسلامية أن "لا أحد غير قابل للإدماج لكن من يرفض إعادة تأهيله يجب التعامل معه بالقانون وهي تجربة مرّت بها دولتا الجوار الجزائر وليبيا إذ تمّ تنظيم حوار داخلي مع الجهاديين تناول تحديد مفهوم معنى الجهاد وتم الاتفاق على عدم رفعه في وجه حاكم مسلم". هذه التجربة التي سبقتنا إليها الجزائر وليبيا أثمرت مراجعات في صفوف الجهاديين وتمّت مساعدة من رغب في إعادة إدماجه في المجتمع ماديا من أجل ضمان مورد الرزق لكن هذا لا يمنع أن بعض من قاموا بالمراجعات تراجعوا عن التوبة وعادوا مجدّداً إلى الجهاد إلا أنّ نسبتهم تظل قليلة على حد قول الدكتور العلاني. وأضاف العلاني قائلاً: إنه لا يمكن القضاء على الإرهاب بنسبة 100% بل إن تحقيق نسبة 80% في احتواء "الجهاديين" يعد انتصاراً وبالتالي يُطرَحْ الإشكال حول كيفيّة التصدّي له؟. فالجهادي إنسان غير عادي حمل السلاح وقتل أناساً وبالتالي وجب أن يتم اعتماد مقاربتي الأمن والحوار معه. وقال أيضاً إنّ المراقبة الأمنية اللصيقة وفهم تفاصيل تدريبات هذا الجهادي وطبيعة العمليات التي قام بها أمر ضروري وعدم التغافل عنه أيضاً ضروري لذلك التحقيق الأمني واجب في إطار احترام حقوق الإنسان هذا إضافة إلى التحاور معه بالاعتماد على خبراء في علم النفس وعلم الاجتماع وعلماء الدين. إذ لا بد من المقاربة الأمنية كما لابدّ من التحاور معهم. وأكد الدكتور العلاني أن عدداً من فتاوى التطرف تمت مراجعتها في إطار الحوار مع الجهاديين لان هؤلاء نتاج أوضاع اقتصاديّة واجتماعيّة سيئة وأوضاع أيديولوجية سيئة فهؤلاء تم غسل أدمغتهم والتأهيل يعني إزالة آثار غسل الدماغ(2).

اعتقال أبو انس الليبي وتداعياته على ليبيا

تشكل عملية "إلقاء القبض" على الإرهابي أبو أنس الليبي، القيادي في تنظيم "القاعدة" في طرابلس، في الخامس من أكتوبر الجاري من أمام منزله بطرابلس، من قبل كوماندوس "نيفي سيلز" الذي قتل زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن في أبوت آباد بباكستان العام 2011، جزءاً من السياسة الأمريكية التي تمارس العنف، و تستخدم القوة في فرض سطوتها على العالم. وليس لها غير القوة سلاح. وهذه القوة متعددة الأشكال والأساليب، ولكن القوة العسكرية هي أداتها. وتستخدم القوة العسكرية حسب الحاجة إليها، وبالأسلوب المناسب. فهناك التلويح باستخدام القوة أي التهديد، وهناك الاغتيال، وهناك إثارة التمرد الداخلي على قوة معادية، ومساندة دولة مجاورة، وهناك الغارات والغزو، وتحريك الأساطيل..الخ. وحكومات الولايات المتحدة الأمريكية، مثل كل الحكومات الإمبريالية، تبقى قوتها جاهزة للتدخل وتبقى خططها مواكبة لآخر التطورات. ولذلك فان تاريخ الدول الإمبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، منذ الحرب العالمية الثانية، هو تاريخ التدخل والغزو والإرهاب من كوريا إلى نيكاراغوا والعراق مروراً بليبيا.

حجة الولايات المتحدة الأمريكية في عملية اعتقال الإرهابي الليبي نزيه عبد الحميد الرقيعي، الذي يشتهر باسم أبو أنس الليبي، والذي كان اسمه مدرجاً على لائحة الأشخاص المطلوبين من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي (أف بي آي)الذي عرض مكافأة "تصل قيمتها إلى خمسة ملايين دولار" مقابل كل معلومة تؤدي إلى توقيفه أو إدانته، هو أن هذا الأخير يعتبر أحد المشتبه بضلوعهم في تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا في السابع من أغسطس 1998، ما أدى إلى مقتل 224 مدنيا، بينهم 12 أمريكياً. وكانت محكمة مانهاتن الفدرالية في نيويورك وجهت اتهامات إلى الليبي في عام 2000 مع 20 آخرين من "القاعدة" بينهم أسامة بن لادن والزعيم الحالي للتنظيم العالمي أيمن الظواهري، تهماً تتعلق بالتآمر في قتل مواطنين أمريكيين والتآمر لتدمير مبان وأملاك للولايات المتحدة على علاقة باعتداءات تنزانيا وكينيا.

ومن الجدير بالذكر أن نزيه عبد الحميد الرقيعي، كان عضواً في الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا قبل أن ينضم إلى تنظيم القاعدة بعد تأسيسها في أفغانستان وباكستان، وانضم إلى زعيمها الراحل، أسامه بن لادن، لدى انتقاله إلى السودان في العام 1992، واشتهر خلال فترة التسعينيات باعتباره واحداً من أكثر عناصر القاعدة خبرة تحديداً في الاستطلاع وتقنية المعلومات. وفي العام 1993، كشف أحد رفقائه عن تواجده في نيروبي لاستكشاف أهداف محتملة من بينها السفارة الأمريكية، وبعد ذلك بخمسة أعوام، فجر الهدف في عملية قتل فيها أكثر من 200 شخص و5 آلاف جريح، وبالتزامن، فجرت السفارة الأمريكية في تنزانيا، ما أسفر عن مقتل 11 شخصا. وأعلن مكتب المدعي الفدرالي الأمريكي الاثنين أن الليبي أبو أنس الليبي العضو المفترض في تنظيم القاعدة، نقل إلى نيويورك لكي يمثل اعتباراً من الثلاثاء 15 أكتوبر الجاري أمام قاض التحقيق.

تأتي عملية اعتقال أبو أنس الليبي، في ظل الأوضاع السيئة جداً التي تعيشها ليبيا، و التي تتسم بالفوضى العامة في ظل سيطرة المليشيات المسلحة المرتبطة بتنظيم "القاعدة"و الجماعات الإسلامية المتشددة، على مناطق واسعة من التراب الليبي، وعجز الحكومة الليبية المنبثقة عن انتخابات 7 يوليو 2012 عن إدارة المرحلة الانتقالية لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية

لقد وضعت العملية الأمريكية عن توقيف القيادي الليبي في تنظيم "القاعدة"، الحكومة الليبية أمام مواجهة محتملة مع متشددين يحمّلونها مسؤولية ما حصل لنزيه الرقيعي المعروف بـ"أبو أنس الليبي". وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة علي زيدان سارع إلى الطلب من الحكومة الأمريكية "تفسيراً" لعملية طرابلس، في إشارة إلى عدم معرفته المسبقة بما قامت به القوات الخاصة الأمريكية في طرابلس، إلا أن رسالة منسوبة إلى متشددين ليبيين أظهر عدم اقتناع بعدم ضلوع حكومته في خطف القيادي في "القاعدة" إذ وجّه هؤلاء لها تهديداً مباشراً بأنها ستدفع "الثمن".

فمن تداعيات اعتقال الإرهابي الليبي نزيه عبد الحميد الرقيعي سيادة الفوضى في أنحاء ليبيا يوم الخميس الماضي بعد قيام أكثر من مائة رجل من قوات الأمن الليبية باختطاف رئيس الوزراء علي زيدان، كرّد فعل على إلقاء القوات الأمريكية الخاصة القبض على أحد نشطاء تنظيم "القاعدة" في طرابلس. ويجمع العارفون بالشؤون الليبية أن العملية الأمريكية كانت أحد الأسباب وراء اختطاف زيدان، بسبب الانتهاك الصارخ للسيادة الوطنية الليبية، حيث تسببت هذه العملية في مشاكل كبيرة وتداعيات خطيرة، لعل أبرزها  تعميق المخاوف من احتمال أن تكون ليبيا على شفا الانقسام، إذ إن قوات الأمن انقسمت بين القوات النظامية وتشكيلات الميليشيا العديدة.

ويعكس اختطاف رئيس الحكومة الليبية زيدان مدى هشاشة وضعف السلطة المركزية الليبية أمام قوة الميليشيات المسلحة التي باتت تفرض قانونها الخاص في ليبيا، وتثير الرعب في الداخل كما في الخارج.. فقد اختفت وحدات الشرطة على الفور من فندق كورنثيا ومكتب رئيس الوزراء، ليحل محلها رجال الميليشيا الذين قالوا للصحافيين إن زيدان مقبوض عليه. في الوقت نفسه عقد مجلس الوزراء الليبي اجتماعا طارئا في وزارة الكهرباء.وقامت ميليشيا الزنتان الموالية، التي تعتبر من أقوى الجماعات المسلحة في ليبيا، بالرّد على ذلك بحشد قواتها والتهديد بالتوجه إلى العاصمة "لهدم"قواعد الميلشيات المسؤولة عن عملية الاختطاف. وعن عملية اختطافه، قال زيدان لاحقاً "هذا جزء من اللعبة السياسية (في ليبيا)". لكنها لعبة ذات أبعاد واسعة ليس لها سابقة، حيث تلتحق قوات من الجيش النظامي ووحدات من الشرطة بصفوف قوات الميليشيا المعارضة ذات النفوذ.

وأعلن رئيس "حزب العدالة والبناء" الليبي، التابع لجماعة "الإخوان المسلمين"، محمد صوان أنّ رئيس الحكومة علي زيدان فشل في أداء مهامه وأنه يجب استبداله.

وقال صوان، في حوار مع وكالة "أسوشييتد برس" يوم 12 أكتوبر 2013، أنّ "المؤتمر الوطني العام"، وهو أعلى سلطة سياسية في البلاد، يبحث "جدياً عن بديل" لزيدان.

وحول العملية الأمريكية التي أدّت إلى اعتقال القيادي المفترض في "تنظيم القاعدة" أبو انس الليبي في الخامس من أكتوبر 2013، والتي كانت أحد الأسباب وراء اختطاف زيدان يوم الخميس 10 أكتوبر 2013، قال صوان "لقد كان ذلك انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية"، مشيراً إلى أن العملية "تسبّبت بمشاكل كبيرة وتداعيات خطيرة".يُذكر أنّ رئيس الحكومة الليبية واجه خلال الفترة الماضية سلسلة من الضغوط التي مارسها عليه "حزب العدالة والبناء"، الذي يعتبر ثاني أكبر كتلة في البرلمان.وتعليقاً على ما قاله زيدان حول أن وراء عملية اختطافه "مجموعة سياسية تسعى إلى إطاحة الحكومة بشتى الأساليب... بالقوة وبالديمقراطية ومن دون الديمقراطية وبأي شيء"، في إشارة ربما إلى "حزب العدالة والبناء"، قال صوان "أتمنى لو أنه سمّى هذا الحزب"، مضيفاً "نحن ضد أي عملية تنتهك الشرعية"(3).

فهناك إصرار كبير لعدد كبير من التنظيمات و الميليشيات الإسلامية المتشددة على الاحتفاظ بسلاحها‏,‏ على الرغم من انتهاء الحرب‏,‏ وإصرارها على عدم تسليم السلاح إلا بعد انتهاء المرحلة الانتقالية‏,‏ والشروع في عملية سياسية ديمقراطية‏,‏ وهو ما يثير تخوفات نحو نياتها من قبل الأطراف الخارجية والداخل الليبي‏.‏‏ وتقيم هذه الميليشيات الإسلامية المسلحة علاقات بأطراف خارجية وقوى إقليمية‏,‏ أو حتى غربية‏,‏ وهو ما يجعل البلاد مخترقة علي الدوام‏,‏ ويصعب من تحقيق عملية سياسية شفافة وذات مصداقية لليبيين في الداخل‏.‏‏. وما يزيد تعقيد الوضع في ليبيا هو التركيبة القبلية التي تميز هذا البلد العربي,‏ لا سيما أن هناك قبائل معينة لا تزال تشكك في نيات الإسلاميين‏,‏ مثل قبائل ورفلة‏,‏ والقذاذفة‏,‏ والمقارحة‏,‏ وأولاد سليمان‏,‏ وهم جميعاً ممن يتمركزون في المنطقة الغربية وإقليم فزان في الجنوب‏.

يوجد في ليبيا العديد من الحركات والتنظيمات الإسلامية، لاسيما جماعتي "التوحيد والجهاد" و"أنصار الشريعة" اللتين تعتبران من بين الجماعات الإسلامية الأكثر راديكالية، على الرغم من الدور الذي لعبتاه في الإطاحة بحكم القذافي، ولا تخفي ارتباطها بتنظيم "القاعدة" وتبني أيديولوجيته التكفيرية. وقد نشأ تنظيم "أنصار الشريعة" أثناء الثورة الليبية، حيث انفصل الكثير من عناصره من تشكيلات عسكرية منها كتيبة 17 فبراير، وكتيبة عبيدة بن الجراح في بنغازي، وكتيبة شهداء أبو سليم في درنة، وذلك إثر خلافات فكرية بينهما تتعلق بالموقف من المجلس الانتقالي والمجتمع، وغيرها من المسائل. ويعتبر تنظيم  "أنصار الشريعة"، من أقوى التنظيمات، ولديه ترسانة من الأسلحة الأوتوماتيكية والمضادة للطائرات، ويقال إن عدد أفراده يتجاوز 5000، ويتبنى أيديولوجية راديكالية، ويرفض التخلي عن السلاح حتى يتم تطبيق الشريعة في كامل التراب الليبي. وينشط تنظيم "أنصار الشريعة" في بنغازي ودرنة، وتعتبره الولايات المتحدة الأمريكية المسؤول عن الهجمات على القنصلية الأمريكية في بنغازي. وسيصبح منع هذه التنظيمات من فرض آرائها المتشددة على المجتمع مهمة في غاية الصعوبة نظراً للاحتقان السياسي الذي تعيشه البلاد منذ سقوط نظام القذافي.

وتبدو الحكومة الليبية الحالية عاجزة عن بناء دولة وطنية جديدة، ولأنها لا تملك جيشا ليبيا نظاميا جديدا قادرا أن يبسط سيطرته على كامل الترابي الليبي، لاسيما على المنابع والمنشآت النفطية المتمركزة أساسا في الشرق الليبي، وحيث تتجنب الحكومة الليبية الدخول في مواجهات مع الميليشيات المسلحة خوفاً من اندلاع حرب أهلية داخلية بين الغرب والشرق، في ليبيا.

لقد ابتهج الكثير من العرب بالتدخل العسكري الأطلسي للإطاحة بنظام العقيد القذافي ونصرة الثورة الليبية، لكن المشكل يكمن في أن التدخلين العسكريين الأمريكيين في كل من العراق في سنة 2003، وليبيا في سنة 2011، لم يسهما في بناء دولة وطنية ديمقراطية تعددية في أي من هذين البلدين العربيين، بل أسهما في استبدال الديكتاتورية التي كانت قائمة فيهما،بالفوضى الهدامة، وليس ببناء "ديمقراطية جديدة" تستلهم القيم الغربية، لاسيما في مجال بناء دولة الحق و القانون، والتداول السلمي للسلطة. فوقع تحطيم الدولة في البلدين كليهما، وبذلك تفكك المجتمعان العراقي والليبي، فعاد الناس إلى البحث عن حماية في التنظيمات ما قبل الوطنية مثل الأطر العشائر والطائفية، أو اللجوء إلى التنظيمات الإسلامية المسلحة المرتبطة بتنظيم "القاعدة" ، أو الميليشيات المسلحة ذات الطابع المافياوي القائمة على العنف والجريمة، والتي أصبحت تتاجر بكل شيىء، بما فيها عمليات تهريب اللاجئين السريين عبر قوارب البحر إلى إيطاليا، و تجارة الأسلحة المنهوبة من مخازن القذافي.

لقد عاد شبح سايكس بيكو جديد أو إعادة تقسيم كل بلدان الربيع العربي من جديد،المفروض من الخارج للظهور بشكل متواتر مع الغزو الأمريكي للعراق في آذار/مارس سنة 2003، وليبيا في سنة 2011. فالادعاء الأمريكي بالتفوق الأخلاقي القائم على تطبيق الديمقراطية والليبرالية يظهر كمخاتلة مشؤومة. ذلك أن الديمقراطية المصدرة بوساطة الحرب تعكس النتائج الأسوأ لخيارات مرحلة 1916 ـ 1920 المتجددة باستمرار، من خلال إعادة طرح إدارة الرئيس السابق جورج بوش مشروع "الشرق الأوسط الكبير" بوصفه الموجة الثالثة لتيار الشرق أوسطية المعاصرة في الصياغة الأمريكية والتي أعقبت الصياغة البريطانية ل"الشرق الأدنى" وكلاهما مفهوم استعماري ينطلق من نزعة المركزية الغربية التي تحكمت فيها تصورات الإمبراطوريتين، وهي تصورات ارتبطت بالجغرافيا السياسية للإقليم العربي ودورها في الإستراتيجية العالمية السائدة آنذاك.

منذ انهيار الشيوعية, وبالتالي انهيار القطب المنافس أي الإتحاد السوفيتي, داعب الأمل الولايات المتحدة الأمريكية لكي تكون الإمبراطورية التي تقود عالم ما بعد الحرب الباردة , وهو عالم بكل تأكيد شديد الاتساع والتنوع وَنزَّاع إلى الظفر بالديمقراطية بعد سقوط أعتى الأنظمة الشمولية. لكن الولايات المتحدة الأمريكية كإمبراطورية شديد الإفراط في قوتها العسكرية  تفتقر كلياً إلى مشروع ثقافي وأيديولوجي تحتل فيه المسألة الديمقراطية مركز الصدارة. ففي ظل غياب هذا المشروع الذي يقوم على نشر مبدأ المساواة والعمومية على مستوى كوني ,بوصفه مصدراً لا غنى عنه لأي إمبراطورية تريد قيادة العالم, تكون الولايات المتحدة الأمريكية  قد تراجعت كثيراً عن القيم التي كانت تدافع عنها خلال حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

هوامش:

1- العائدون من سوريا كيف نفكّك "القنبلة الموقوتة"؟ صحيفة الشروق التونسية

06 أكتوبر 2013.

2- المرجع السابق عينه.

3- صحيفة الحياة 14 أكتوبر 2013. 

اعلى الصفحة