أضواء على المشهد السياسي في البحرين

السنة الثانية عشر ـ العدد 143 ـ ( ذو الحجة  1434 هـ ـ محرم 1435 هـ) تشرين ثاني ـ 2013 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

تتوالى الأيام والأسابيع والشهور على محنة الشعب البحريني والأمور لا تزال تراوح مكانها. قمع وملاحقات واعتقالات وظلم بكافة الأشكال والألوان. لقد استطاعت وسائل الإعلام الدولية والطائفية أن تهمل ثورة البحرين، دون أن تخشى على مصداقيتها في تتبع الأحداث، وكأن البحرين خارج نطاق التغطية الإعلامية والسياسية.

هناك صمت إعلامي عربي يتعمد تجاوز ثورة البحرين وحذفها من قائمة النشرات الإخبارية. فهذا الإعلام يتحرك بتوجهات طائفية صرفة، بما في ذلك خلو صفحات الجرائد ومواقع الإنترنت والمدونات الشخصية للكتاب والمثقفين العرب من الاهتمام بثورة البحرين، وأما السبب فهو نفسه، أي الجانب الطائفي الذي أصبح يحكم الآراء والأقلام والأصوات، على الرغم من أن هذه الثورة هي من أكثر القضايا الشعبية عدالة بين الثورات العربية، إذ إنها لم تطالب إلا بإقرار الدستور واعتماد النظام الديمقراطي، ومع ذلك، يواجه الشعب البحريني برصاص ومدرعات سلطته، وبقوات سعودية وبمجنسين من الأردن وباكستان والهند وغيرها.

كانت الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية والإصلاحات السياسية في البحرين قد اندلعت في عام ٢٠١١، وقادتها الأغلبية من الشعب البحريني، والتي طالبت بإنهاء هيمنة أسرة آل خليفة الحاكمة على الحياة السياسية في البحرين، الذي يتخذ منها الأسطول الخامس الأمريكي مقرا له.

السلطة البحرينية تستهدف العمل السياسي

لم تقتصر ممارسات النظام البحريني على الإجراءات القمعية للمسيرات السلمية، والاعتقالات ومداهمة المنازل الآمنة، بل تعدتها لتستهدف العمل السياسي والجمعيات السياسية في البحرين، وآخر فصولها اعتقال القيادي في جمعية " الوفاق الوطني الإسلامية " خليل المرزوق، وهو ما يشكل تطوراً خطيراً وانعطافة في المشهد السياسي البحريني.

لقد تم اعتقال السيد خليل المرزوق بتهمة دعمه للإرهاب. هذا الاستهداف يراد منه إفراغ الحركة المعارضة من محتواها، عن طريق القوة الأمنية والمخابراتية والعنف الرسمي.

إن الخطوات التصعيدية التي يلجأ إليها النظام البحريني، على الرغم من السلمية التي تمتعت بها ثورة (١٤ فبراير) تنم عن عجز النظام عن إسكات صوت شعب يطالب بالتحول الديمقراطي.

قرار الحكومة البحرينية إغلاق "المجلس الإسلامي العلمائي" في البحرين وتهديدها بترحيل آية الله حسين نجاتي، انتهاك جديد للنظام بحق أبناء شعبه، وتجاوز للخطوط الحمر، وذلك بعد أيام قليلة على صدور سلسلة من الإدانات بحق النظام، بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان التي وصلت إلى حد استهداف الحالة الدينية.

لا يمكن التعامل مع ما تقوم به السلطة البحرينية على أنه ضمن الصراع السياسي، فهو وصل إلى مرحلة حرب الوجود. لقد أعلنت المعارضة البحرينية بشكل واضح أنها ستقف في مواجهة هذا التهديد، ولن ترضخ لهذه الممارسات. فمنذ اليوم الأول لهدم المساجد، قام المواطنون ببناء عدد منها بأنفسهم، وهم مستمرون في ذلك. الشعب البحريني مصر على عدم الإذعان لهذه الإجراءات التعسفية، إذ إنها حرب وجود تتعلق بالحالة الدينية التي لا يمكن المساس بها.

جرت مسيرات عديدة طالب المشاركون فيها السلطات البحرينية بالإفراج عن القيادي المعارض خليل المرزوق، مؤكدين أن حراكهم لن يتأثر باستمرار اعتقال الشخصيات المعارضة ولا بكافة أساليب القمع والعنف التي تنتهجها قوات الأمن البحرينية ضد الشعب الأعزل.

أحكام ظالمة

حملة التصعيد التي تمارسها السلطات البحرينية ترافقت مع إصدار سلسلة أحكام قضائية بحق عدد من معتقلي الرأي في المملكة. المحكمة الجنائية الكبرى في البحرين قضت بالسجن على ٥ متهمين بالانتماء إلى ائتلاف شباب (١٤ فبراير)، والقيام بأعمال وصفتها بالتخريبية والإرهابية.

على الرغم من إنكار المعتقلين للتهم الموجهة إليهم، فقد حكمت المحكمة على ١٦ شخصاً بالسجن لمدة ١٥ سنة، من بينهم الناشط الحقوقي والسياسي هشام الصباغ. وقد شملت الأحكام ٤ أشخاص لمدة ١٠ سنوات، كما حكمت على ٢٩ آخرين بالسجن لمدة ٥ سنوات، من بينهم الناشطة ريحانة الموسوي. وقد صدرت هذه الأحكام على الرغم من مقاطعة ١٦ متهماً وموكليهم للجلسة، بسبب تلفيق التهم بحقهم وإجبارهم على الاعتراف بها، حسب تعبيرهم.

بدورها، أكدت محكمة الاستئناف الأحكام الصادرة بحق ٦ مواطنين، بينهم ٣ أطفال والتي تراوحت بين ١٠ أعوام و ١٥ عاماً، وذلك بتهمة الاعتداء على الشرطة.

هذه الأحكام الظالمة، ترافقت مع صدور العديد من القرارات بتبرئة قتلة شهداء الحراك الشعبي، وآخرها خفض الحكم الصادر في قضية الشرطيين المتهمين بقتل الشهيد علي صقر من ١٠ سنوات إلى سنتين.

من جهتها، أكدت جمعية "الوفاق الوطني الإسلامية" في البحرين أن اعتقال المواطنين واستهداف العلماء والعمل على الشرخ الطائفي بين أبناء الوطن لن يغير من واقع المطالبة بالتغيير الديمقراطي في المملكة، ومطالبة السلطة بالامتثال لحكم الشعب.

لقد أدى مئات المواطنين البحرينيين الصلوات في باحات المساجد المهدمة، مؤكدين تمسكهم بإعادة إعمار هذه المساجد التي طاولها الهدم من قبل السلطات منذ أكثر من عامين.

في هذا السياق، سجل عدد من الإصابات برصاص قوات الشرطة البحرينية، كانت إحداها بليغة، حسب جمعية " شباب البحرين " لحقوق الإنسان. جاء ذلك في أعقاب تشييع شاب في منطقة المصلى غرب المنامة، قضى بعد موته سريرياًً. وقد اعتبرته المعارضة البحرينية شهيداً، موضحة أنه توفي إثر عدم تلقي العلاج اللازم لمرضه العضال، وأنه عانى من الإهمال الطبي خلال اعتقاله الذي استمر لمدة شهرين.

لقد شارك مئات البحرينيين في تشييع الشاب الشهيد، وانتهت الجنازة باشتباكات مع الشرطة، إثر محاولات المشيعين التوجه إلى دوار اللؤلؤة السابق، معقل الاحتجاجات التي انطلقت في شباط / فبراير عام ٢٠١١. إن تجاهل الجرحى والمرضى في السجون البحرينية مشكلة مستفحلة، وهي تأتي ضمن منهجية تمارسها السلطات البحرينية لمعاقبة أولئك الجرحى والمرضى.

اتفاق حول البحرين تجمده السعودية

الخبر الجيد هو أن التسوية الداخلية نضجت في البحرين وبلغت حد التفاهمات المطلوبة، برعاية ودعم أمريكيين ورضا إيراني. أما الخبر السيئ فهو أن تطبيقها قد علق بضغط سعودي، ترجمه على الأرض رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة. كلمة السر في القصة كلها هي الأزمة في سوريا وتداعياتها الإقليمية.

لقاءات سرية في لندن ورسالة أمريكية إلى الملك حمد، ولقاء على مستوى وزيري الخارجية في نيويورك. كلها عناصر، إن دلت على شيء، فعلى تعب الأطراف من سفك الدماء الذي لا يزال يراق في البحرين كرمى لعيون آل سعود.

 في البحرين، المشهد بالغ الوضوح. رئيس وزراء، هو خليفة بن سلمان آل خليفة يمثل الهيمنة السعودية على البلاد التي يحرص على إبقائها مغلقة على العالم. إنه نموذج للرأسمالية والاحتكار الاقتصادي، يلقب بـ"السيد ١٠ %"، إشارة إلى النسبة التي يفرضها كحصة له في كل مشروع استثماري، فضلاً عن كونه زعيم الجناح المتشدد في العائلة المالكة، الذي يرفض أي ليونة في التعامل مع مطالب المعارضة في البلاد.

في المقابل، هناك ولي العهد سلمان بن حمد، وهو يشكل حالة قائمة بذاتها، ليبرالي يمثل نموذجاً للرأسمالية المتوحشة، منفتح إلى أقصى الحدود، لديه قنواته الخاصة على العالم، من إيران إلى الولايات المتحدة، مروراً بدول مجلس التعاون الخليجي، كما لديه تاريخ من العلاقات مع المعارضة في البلاد التي ترى فيه وجهاً مقبولاً. وبين هذا وذاك، يقف الملك حمد الذي يهاب الأول ويخشى الثاني. يهاب عمه رئيس الوزراء، لأنه أكثر قوة منه في المعادلة الداخلية والخارجية والخليجية ويرى فيه عبئاً، وهو يسعى للتخلص منه ولا يعرف كيف. لكنه في الوقت نفسه، يخشى ولي العهد، على الرغم من أنه ابنه، ويتحسب من سيناريو يحاكي الانقلاب الأبيض الذي قام به الأمير السابق لقطر حمد بن خليفة آل ثاني على والده. يطمح الملك حمد بأن ينجح في إزاحة عمه من دون أن يفضي ذلك إلى استبداله بابنه.

تتقاطع المعلومات حول دقة الخبر الذي سرب أخيراً عن رسالة سلمها وزير الدفاع الأمريكي، تشاك هاغل إلى ملك البحرين، حول التعديلات المطلوبة على مستوى الحكم في البحرين. تنحي رئيس الحكومة في نهاية شهر كانون الأول المقبل وتسليم المنصب إلى ولي العهد. لكن المعلومات نفسها تؤكد أن هذا التوجه قد جمد حالياً على خلفية التطورات الأخيرة في المنطقة، يتقدمها تراجع خطر العدوان على سوريا.

لا يخفى أن أزمة البحرين هي الملف الحاضر الغائب على كل طاولة محادثات إقليمية، ولا يخفى أيضاً أنها أزمة باتت تشكل عبئاً على الولايات المتحدة المضطرة إلى الإجابة عن سؤال حول ما يجري في البحرين. إنه واقع جعلها محور اهتمام الأطراف المعنية، ولو من خلف الغرف المغلقة.

قبل نحو ١٠ أيام من بدء الحديث عن ضربة أمريكية لسوريا، عقدت ٣ لقاءات سرية في لندن، شارك فيها ولي العهد سلمان بن خليفة والأمين العام لجمعية " الوفاق الوطني الإسلامية " الشيخ علي سلمان، وكانت برعاية أمريكية، وقد تم التوافق خلالها على الآتي:

١- إعادة توزيع الحصص في مجلس النواب البحريني بما يضمن ٢٢ مقعدا للشيعة في مقابل ١٨ للسنة (الأرقام معكوسة حاليا).

٢-  تعديل صلاحيات البرلمان بشكل تدريجي، بما يضمن أن يصبح سلطة تشريعية مقررة لا استشارية فقط .

٣- رئيس الوزراء يعينه الملك ويصادق عليه البرلمان.

٤- تحتفظ العائلة المالكة بالوزارات السيادية من دفاع وداخلية ومالية وعدل وخارجية على أن تعطى ٦ وزارات خدماتية للشيعة.

٥- الإفراج عن جميع السجناء.

٦- عودة المفصولين من أعمالهم.

كان هذا الاتفاق جزءاً من الجهد الأمريكي لإنهاء أزمة البحرين وعبره توجه واشنطن رسالة حسن نوايا إلى إيران. لكن، ازدادت أهمية هذه الورقة مع بدء التحضير لعدوان على سوريا. جهدت واشنطن لضمان عدم حصول رد إيراني، فحددت الأهداف التي ستضربها في بلاد الشام فقط ، وفي الوقت نفسه، أعطت إشارات بأنها مستعدة لدفع ثمن الصمت الإيراني في البحرين. فالرسالة التي نقلها هاغل إلى حمد أثناء ذروة التحضير للحرب تأتي في هذا السياق.

كان للاتفاق حول السلاح الكيميائي السوري مفعوله السلبي على الأزمة البحرينية. صحيح أنه حال دون شن حرب على بلاد الشام والمنطقة، ولكنه جعل الجهد الأمريكي على محور المنامة بلا ثمن بشكل مباشر، فجمد العمل على هذا الملف وتحول من جديد إلى ورقة على طاولة التفاوض الأمريكية الإيرانية، لكنها رهينة بيد المتضررين من التهدئة وأبرزهم المملكة السعودية. وهذا ما يفسر ارتفاع منسوب الاحتقان مؤخراً على ما أظهرته المحاكمات الأخيرة لقادة المعارضة البحرينية والاعتقالات التي طالت عددا آخر منهم، يتقدمهم الرجل الثاني في جمعية " الوفاق الوطني الإسلامية " خليل المرزوق.

ثورة البحرين برسم أحرار العالم

المتابع لأحداث ثورة (١٤ فبراير) البحرينية، لا يملك إلا أن يقف إجلالاً وإكباراً لشعب البحرين الممسك على الجمر والصابر على تجرع أبشع أنواع السلوك الهمجي من قبل سلطته الحاكمة. ولا شك أن هذا الموقف يعبر عن حالة متقدمة جداً من الوعي والبصيرة والثقافة المدنية نظراً لما يمارسه آل خليفة من ظلم فاحش بحق الشعب المؤمن في البحرين، مما يؤكد، دون أدنى شك، أن حكام المنامة المتعصبين بعيدون كل البعد عن استيعاب حقائق التاريخ. فهم ليسوا سوى طغمة مهووسة بلغة الحديد والنار، غير مدركة عقم أساليب القمع والاضطهاد والقهر لثني هذه الثورة الحضارية عن بلوغ أهدافها التحررية النبيلة.

لا شك أن الثوار البحرينيين يملكون الكثير من الخيارات والأوراق القادرة على زعزعة القبيلة الحاكمة وتلقينها الدرس الملائم، إلا أنهم رجحوا مخاطبة السلطة وحماتها بلغة العقل والمنطق وإعلان المطالب المشروعة، وفضلوا تالياً أن يقدموا لأحرار العالم والمدافعين عن حقوق الإنسان نموذجاً رائعاً لثورتهم التي لا تنشد سوى الحرية والعدالة والحياة الدستورية المتكافئة، التي يجب أن تفضي إلى حماية حقوق الشعب في المشاركة السياسية وصناعة القرار والمواطنة الكاملة، بعيدا عن النزعات الطائفية والمذهبية والفئوية.

بيد أن النظام الحاكم لم يكلف نفسه قط عناء فهم الرسالة النبيلة لثورة (١٤ فبراير) لأنه مسكون أساساً بعقد الجهل والعنجهية والتعصب الأعمى، وهذا ما جعله عاجزا عن إدراك ما يجري في البحرين من غليان شعبي هائل، يرفض رفضاً باتاً أي تراجع أو تنازل عن حقوقه الوطنية والإنسانية، وعلى رأسها معارضته الشديدة لاستمرار آل خليفة في التربع على السلطة في البلاد، تحت حراب القواعد الأمريكية وحماية المحتلين التكفيريين الذين دخلوا على خط الصراع بين الشعب الثائر وجلاديه.

في هذا المجال، لا يخفى على أحد حجم إيغال النظام البحريني المتخلف في دماء أبناء شعبه ومدى بشاعة ممارساته القمعية التي كانت ولا تزال تهدف إلى تحطيم إنساني واسع، لا يستثني أحدا من نساء ورجال وأطفال، وهو ما وثقته التلفزة ووسائل الإعلام الأخرى والمنظمات الإنسانية والجمعيات الأهلية، مما حدا بالغربيين أنفسهم إلى استنكار هذه الفظائع التي يندى لها جبين البشرية، فأصبحوا ينددون اليوم جهراً بالسياسة لطائفية الوحشية لحكام البحرين في المحافل العامة واللقاءات الخاصة.

الثوار هم أنفسهم الذين يحددون أهدافهم التغييرية، استناداً إلى وعيهم بتحديات المرحلة، فقد أعلن ائتلاف شباب ثورة (١٤ فبراير) في البحرين عن تدشين برنامجه الثوري "سأقرر بالدم مصيري"، الذي يأتي انسجاماً مع أصول الديمقراطية ومقررات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية، وتأكيدا على تمسك الشعب البحريني بحقه في تقرير مصيره واختيار النظام السياسي الذي يتلاءم مع فكره وثقافته.

ما تزال التظاهرات والاعتصامات الحاشدة التي يتقدمها كبار علماء الدين الأفاضل تتواصل باضطراد في البلدات والقرى البحرينية منددة بإرهاب النظام، مصرة على رفع شعاراتها التي تطالب بعزل حاكم البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ورحيله، وبمقاضاة المتسببين بقتل المحتجين السلميين ومرتكبي الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان منذ ١٤ فبراير عام ٢٠١١ وحتى الآن.

من هنا، يتضح أن عهداً جديداً بدأ في التبلور في البحرين، عبر خروج الثوار من واقعهم المحدود إلى عالم أرحب، وهم أشد عزما وثقة بالنصر، ومؤيدون بالتفاف أحرار العالم والقوى المحبة للسلام حول منطلقات ثورتهم المشروعة، وذلك ترافقا مع افتضاح السلوك الدموي لآل خليفة وحماتهم المعتدين.

الثورة البحرينية والتغريد خارج السرب

غردت الثورة البحرينية خارج سرب الثورات العربية، من خلال أدائها وما حققته من نتائج. فهي أكثر تنظيماً بسبب وجود قيادة جامعة لكل الأطراف في البحرين، ولامتلاكها آليات حراكية مدروسة ومرحلية، وثباتها على المطالب، على الرغم من محاولات خارجية عديدة للي ذراع المعارضة من أجل التنازل عن بعض مطالبها، وإصرار المعارضة على تلك المطالب حفظا لنضال شعبها ودماء شهدائها الذين سقطوا على هذا الطريق، إضافة إلى عدم استعانتها بدول خارجية، بل سلكت طرقاً قانونية لتجريم النظام البحريني وتعرية ممارساته التعسفية ضد شعبه، وعدم لجوئها إلى العنف واستمرار سلميتها، على الرغم من وحشية النظام من قتل وتعذيب في السجون.

ثورة البحرين تتميز بأن رموزها وأغلب قيادتها موجودة في السجن، وهو دليل عدم امتطاء هؤلاء الرموز للثورة من أجل السلطة، وأن الهدف هو تحقيق المطالب وقيام دولة مدنية تعددية تحقق العدالة للجميع.

الثورة البحرينية أبقت على خياراتها داخل حكم مشروع الأمة، وصنعت لها موقعاً متقدماً في الخيارات الإقليمية المناهضة لمشاريع التقسيم والصهينة، وأبقت أيضاً على وجودها في حاضنة الشعوب وليس في حاضنة الأنظمة.

لقد حافظت الثورة البحرينية على مبادئها وقيمها، على الرغم من قدرة رموزها على المناورة وتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية في السلطة، الأمر الذي يميزها عن الثورات الأخرى، كون أي حراك لا ينطلق من ثوابت وقيم تحفظ له بعده المعنوي، هو لا شك عرضة للضياع والتشتت والمساومة، إضافة إلى أن وعي الثوار للواقع شكل حصانة ضد أي محاولات لركوب ثورتهم وتغيير وجهة سير مركبهم.

لقد تميز الحراك المطلبي في البحرين بنقد ذاتي، وإعادة تسليط حراكه وأدواته وآلياته، وفق متطلبات الظروف الراهنة وتطورات الساحة الإقليمية ومعطياتها، ما ساعد على بقاء حيوية الحراك وديمومته. لقد غردت الثورة البحرينية خارج سرب ثورات الربيع العربي، وهذا ما أكسبها موقعا متقدما ستحقق من خلاله مطلب الدولة المدنية القوية العادلة، وإن طال بها الزمن.

اعلى الصفحة