"السلام" المستحيل والمقاومة المشروعة الممكنة

السنة الثانية عشر ـ العدد 143 ـ ( ذو الحجة  1434 هـ ـ محرم 1435 هـ) تشرين ثاني ـ 2013 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

في استطلاع للرأي العام أجراه "المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي" ومقره رام الله ونشرت نتائجه بتاريخ 2/10/2013, توقع غالبية الفلسطينيين، اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة في حال فشل المفاوضات بين السلطة و"إسرائيل"، حيث أظهر الاستطلاع أن 68.4% من الفلسطينيين يتوقعون اندلاع انتفاضة في مقابل 16%أجابوا بالنفي، وامتناع 15% عن التعقيب.

وحول احتمالات التوصل إلى تسوية مع "إسرائيل" خلال السنوات المقبلة، أستبعد أكثر من 70% من المشاركين في الاستطلاع إمكانية حدوث ذلك.

فشل اتفاق أوسلو

مضى على توقيع ما سُمي اتفاق المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي (اتفاق أوسلو) عشرون عاماً من عمره، دون أن يجد طريقه إلى التنفيذ، علما أن سقفه الزمني قد رسمه المتفاوضون بخمس سنوات. ومازال الاتفاق يجرجر نفسه بأشكال مختلفة رغم أن أكثر من مسؤول إسرائيلي نعاه إلى الرأي العام، دون أن يتقدم أحد ليهيل التراب عليه. إذ ما زال يلد مشاريع ومبادرات تفاوضية آخرها استئناف المفاوضات بين الجانبين وفقا لمعايير وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.

لسنا هنا في مجال الحديث عن النتائج الكارثية والفشل المدوي لهذا الاتفاق بالنسبة للجانب الفلسطيني, والدلائل على ذلك كثيرة وكثيرة, ولكن الخطوة الأولى في نقض هذا الاتفاق، كانت بعد ثلاثة أشهر من توقيعه (13/12/1993) حين رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي الإرهابي اسحق رابين (آنذاك) الدخول في التطبيقات، متعللا بأن الاتفاق حمل في طياته ثغرات تضر بالأمن الإسرائيلي، رافعاً شعار "لا مواعيد مقدسة في التطبيق" والذي تحول عمليا إلى "لا نصوص مقدسة في الاتفاقات" لذلك ما زالت على سبيل المثال، النبضة الثالثة من إعادة الانتشار الإسرائيلي في المناطق المحتلة معطلة حتى الآن، ما يتيح لإسرائيل أن تستولي على المنطقة (ج) المقدرة بـ 60% من مساحة الضفة الفلسطينية.

وفي عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، جرت محاولة فلسطينية ـ إسرائيلية برعاية أمريكية للانتقال من إعلان المبادئ إلى حل قضايا الوضع الدائم في كامب ديفيد في تموز/ يوليو 2000 وصلت إلى الطريق المسدود، وشكلت بالنسبة للإسرائيليين محطة تاريخية، إذا جاز التعبير، خلصوا منها إلى أنه من المستحيل الوصول مع الفلسطينيين إلى حل الرزمة الواحدة. وعلى خلفية هذه الخلاصة بادر رئيس وزراء إسرائيل الأسبق الإرهابي شارون إلى إعادة صياغة برنامجه نحو ما يسمى بـ "الحل الوسط" ويقوم على مبدأ الانسحاب من القطاع، لانسداد أفق الاستيطان فيه، والدخول مع الفلسطينيين في حلول مرحلية تجزئ الحل الدائم إلى محطات زمنية مفتوحة، لا يتم الانتقال إلى المحطة الجديدة إلا بعد التيقن من نجاعة تطبيق المحطة السابقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية. ووضع شارون الفلسطينيين أمام خيارين: إما القبول بالحلول الجزئية، بما فيها "الدولة ذات الحدود المؤقتة"، وإما الانكفاء الإسرائيلي في خطوة أحادية خلف جدار الفصل والضم العنصري.

ثم جاء بنيامين نتنياهو، الذي هرب من مخاطر تطبيقات أوسلو والحل الدائم نحو مشروعه للسلام الاقتصادي، بحيث يتوفر الرخاء للفلسطينيين ما يبعدهم عن أجواء التوتر ويضعف مشاعر العداء للاحتلال. لكن تجارب الحكومات الفلسطينية المتعاقبة في محاولة للاستفادة من هذا المشروع، ببناء أسس الاقتصاد الوطني الفلسطيني، أثبتت مدى التعارض بين المصالح الاقتصادية للاحتلال والمصلحة الوطنية الفلسطينية، وأثبتت استحالة بناء اقتصاد وطني مستقل تحت الاحتلال.

وما استئناف المفاوضات الحالية بموجب معايير وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التي تتنكر لكل الحقوق الفلسطينية, إلا محاولة وبشكل واضح وصريح تسعى إلى تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، فتصريحات التشاؤم تتالت من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، حيث يتبادل الطرفان الاتهام بوضع العراقيل أمام الوصول إلى حل لقضايا الوضع الدائم ولعل هذا ما دعا بعض قادة إسرائيل إلى عدم خوض التجربة الفاشلة والبحث عن حل الرزمة الواحدة لقضايا المفاوضات، بل الاكتفاء، بديلا لذلك بإعلان مبدأ جديد، يرحل الحل الدائم.

هل هي عودة إلى الوراء بحثا عن أوسلو جديد، يكرر التجربة الفاشلة للمفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، أم هو اعتراف ضمني بتعقيدات الصراع بين الجانبين، وتعقيدات الصدام بين مشروعين لا تلاقي بينهما، المشروع الصهيوني القائم على نفي الشعب الفلسطيني، والمشروع الوطني الفلسطيني القائم على نفي المشروع الصهيوني، ما يضعنا أمام مرحلة جديدة من الصراع وإن كانت باردة الأجواء حتى الآن، فإن هذا لا ينفي أن ثمة عواصف في الأفق تتأهب لتثور في الأرض الفلسطينية المحتلة.

وإذا كان مهندسو اتفاق أوسلو الإسرائيليون أوضحوا أهدافهم التوسعية من وراء الاتفاق وفي وقت مبكر.. فلماذا استمر المفاوض الفلسطيني في التفاوض على تطبيقه؟

لم يخف القائمون على صياغة اتفاق أوسلو من الجانب الإسرائيلي حقيقة الأهداف التي تريد تل أبيب الوصول إليها من وراء هذا الاتفاق. بل أن مهندس "أوسلو" يؤئيل زينغر عبر عن هذه الأهداف بوضوح وبوقت مبكر.

ومع ذكرى مرور عشرين عاما على توقيع الاتفاق، حفلت الصحف العبرية بالعديد من التحليلات والاستخلاصات كان أبرزها ما كتبه دوف فايسغلاس، رئيس ديوان أرئيل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق.

معظم هذه الكتابات، إن لم يكن جميعها، وجدت في "أوسلو" مكسبا إسرائيليا صافيا، بعد أن نجحت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في فرض الالتزامات الفلسطينية التي ينص عليها الاتفاق، وأغلقت بوابة تنفيذ التزاماتها بمساعدة مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد جهد مهندسو اتفاق أوسلو الإسرائيليون إلى أن تكون الخلاصة العملية لهذا الاتفاق هي إنشاء إدارة فلسطينية تحكم السكان الفلسطينيين في الضفة. وبحيث تكون هذه الإدارة مستقلة عن إسرائيل ومرتبطة فيها في الوقت نفسه. مستقلة بمشاكلها وهموم التنمية وتطوير البنى التحتية وما يتطلبه ذلك من أموال طائلة. ومرتبطة بإسرائيل اقتصاديا في علاقة تتيح لتل أبيب التحكم بمسار التطور الاقتصادي للفلسطينيين بالضفة، وتنسيق أمني يضمن التقيد بالاعتبارات الأمنية الإسرائيلية بما يتوافق مع نصوص أوسلو التي أوضحت أن الكيانية الفلسطينية التي ستوجد من خلال الاتفاق ستكون منزوعة السلاح.

لقد وصل الأمر بدوف فايسغلاس، وهو يعدد مزايا أوسلو بالنسبة لإسرائيل، إلى أن يتساءل عن الوضع الذي ستكون فيه إسرائيل من دون أوسلو! وهو يرى أنه لو مرت الأعوام العشرون الماضية دون توقيع الاتفاق لكانت إسرائيل أمام كارثة جراء الأعباء الاقتصادية التي من المفترض أن تنهض بها تجاه السكان وأكلاف البنى التحتية في الضفة، والتي ستقع ـ بحسب فايسغلاس ـ على كاهل دافع الضريبة الإسرائيلي؛ بينما بفعل اتفاق أوسلو يقع هذا العبء بشكل رئيسي على الدول المانحة التي التزمت بإعالة السلطة الفلسطينية ومؤسساتها بموجب هذا الاتفاق.

لكن الجانب الأخطر في تظهير الأهداف الإسرائيلية من وراء اتفاق أوسلو كان ما ورد على لسان المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية إبان صياغة الاتفاق والتوقيع عليه، يوئيل زيغنر، الذي أشار بوضوح إلى أن صيغة الاتفاق مكنت إسرائيل من الاحتفاظ بالأرض التي تريدها في الضفة؛ في ضوء التقسيمات التي أشار إليها الاتفاق واحتفاظ إسرائيل بالولاية الأمنية والإدارية الحصرية على مناطق "ج" التي تبلغ نحو 60% من مساحة الضفة؛ بينما سلمت السلطة المناطق الأكثر ازدحاما بالسكان الفلسطينيين.

وبين زيغنر، أن صيغة الاتفاق جاءت منسجمة مع الإجماع الصهيوني تجاه موضوعة الأرض، وهو موقف اتحد حوله قطبا المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي في ذلك الوقت، "الليكود" و"العمل", وخلاصة الأمر تتبدى في رفض مبدأ الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67. وكل ما يجري في سياق التسوية وفق أوسلو، ينحصر في تسليم مناطق معينة للسلطة دون تخلي تل أبيب عن الولاية الأمنية والاقتصادية على عموم الضفة بما فيها المناطق التي سلمت للسلطة التي تنحصر مهامها وصلاحياتها في إدارة حياة السكان في تلك المناطق. وقد جاء بروتوكول باريس الاقتصادي ليضمن الجانب الاقتصادي من تلك الولاية، وقد أشارت الحكومة الإسرائيلية مؤخراً وفي سياق المفاوضات التي تجرى حالياً، أنها لن تتخلى عن منطقة الغور والإشراف على المعابر بين الضفة والأردن.

وترجمة للرؤية الإسرائيلية لصياغات اتفاق أوسلو، أطلقت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة العنان للتوسع الاستيطاني ليتضاعف عدد المستوطنين ويصل إلى أكثر من نصف مليون مستوطن خلال الفترة التي انقضت على توقيع الاتفاق. وكان توسع منهجي تركز في القدس وما حولها وفي تعزيز الكتل الاستيطانية وتواصلها حتى باتت شبكة استيطانية قوية قابلة للاستمرار والتطور المتواصل واستولت على معظم الثروات الطبيعية في الضفة وخاصة المياه.

من جهة أخرى، وكما أوضح زيغنر، فقد كرست إسرائيل في آليات التفاوض حول تنفيذ اتفاق أوسلو، مبدأ رفض وجود طرف ثالث كمشارك فعلي في مسار التسوية وبالتالي تكرس المعادلة التفاوضية بين طرفين أحدهما بالغ القوة والثاني في منتهى الضعف، وهو ما مكن إسرائيل من فرض سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين على امتداد العشرين عاما التي مضت ولا تزال هذه المعادلة سارية المفعول حتى يومنا هذا.

لكن السؤال الكبير هنا، إذا كان زيغنر قد أوضح أهداف إسرائيل بجلاء من وراء الصيغ التي اعتمدت في اتفاق أوسلو، وجاء توضيحه معلنا ومبكرا في العام 1996 وفي غمرة التفاوض على تطبيق الاتفاق.. لماذا لم يتخذ المفاوض الفلسطيني موقفا جديا تجاه الأمر.. طالما أن الطرف الذي يجري التفاوض معه قد كشف كل أوراقه وأهدافه من استمرار المفاوضات؟

وعلى الرغم من تعذر الحصول على جواب مقنع لهذا السؤال، إلا أنه من الواضح أن المفاوض الفلسطيني قامر بالرهان على الدور الأمريكي تجاه عملية التسوية.. وغلَّب تأثير ما تسمعه أذنه من الوعود المعسولة على ما تراه عينيه مما يجري على الأرض في سياق مضي الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قدما في تنفيذ سياساتها التوسعية على حساب الأرض التي يجري التفاوض حول مستقبلها في الوقت الذي ينهشها الاستيطان بسرعات قياسية.

في الأساس، دخل المفاوض الفلسطيني عملية التسوية وفق أوسلو بناء على خيار سياسي محدد ووحيد، هو مسلك المفاوضات، مغلقا الباب على جميع الخيارات الأخرى المتاحة. وجاءت الانتفاضة الفلسطينية لتكشف بوضوح أن الخيارات الوطنية مفتوحة ولها حاملها الشعبي العارم الذي عبر بوضوح عن رفضه لسياسات السلطة وحيدة الجانب التي تمترست وراء طاولة التفاوض وكأنها بوابة تجسيد الحقوق الوطنية بينما هي تسدل الستار على ما يجري على الأرض من هضم تدريجي وممنهج لهذه الحقوق.

أجواء انتفاضة ثالثة

قالت مجلة عسكرية إسرائيلية إن قيادات بالجيش يتحدثون عن تزايد وتيرة العمليات والمقاومة الشعبية في مناطق الضفة الغربية وأن الوضع مشابهٌ لما كانت عليه الأمور قبيل الانتفاضة الأولى.ونقلت مجلة "بازم" الإلكترونية المتخصصة بالشؤون العسكرية عن مسؤولين بالصف الثاني من قيادة الجيش أن الضفة تشهد حراكًا خطيرًا يحاكي ذلك الحراك الذي سبق انتفاضة العام 1987.

وعلى الرغم من أن المجلة صنفت العام الجاري ضمن الأعوام الهادئة، إلا أن "الأحداث المتلاحقة من خطف جندي وقنص آخر ومقتلهما وإصابة طفلة بمستوطنة بساغوت كانت تعكر ذلك الهدوء".

وأضافت "بازم" أن رئيس الأركان بالجيش يسارع دومًا لطمأنة الجمهور بأن تلك "الحوادث" فردية وليست متصلة بموجة عامة.

وأشار أحد قادة الألوية العسكرية بالضفة أن الوضع على الأرض مخالفُ تمامًا للكلام المعسول ـ وفق المجلة ـ وأضاف أن مدن الضفة تجلس على برميل بارود وقد ينفجر بأية لحظة ولا يجب الانخداع بالهدوء القائم.

وقال القائد العسكري بالجيش: قد نستطيع السيطرة على كل ما يتعلق بتنظيمات المقاومة ومنع العمليات ولكننا عاجزون عن وقف المقاومة الشعبية والأحداث الفردية والجماهيرية اليومية.

وأشار إلى أن "الاطمئنان مرده إلى السيطرة القوية على الأرض وباعتقادي لن تقوم انتفاضة على غرار الانتفاضة الثانية ولكن الأحداث الأخيرة تذكرنا أكثر بالانتفاضة الأولى التي أشعلها حادث دهس، فما الذي سيشعل هذه الانتفاضة؟".

وأضاف الضابط لمجلة "بازم" أن هناك اعتقاداً خاطئاً يقول إن الفلسطينيين لا يبالون لما يدور حولهم وأن لا مصلحة للسلطة في إشعال الموقف.

ونوه الضابط إلى أن دعاة هذا الرأي يؤسسون توقعاتهم على ردة الفعل المتواضعة على أحداث القتل التي حصلت في السنة الأخيرة.وختم الضابط قوله إن معطيات الشاباك الأخيرة تدلل على صدق تقديراتنا، حيث تضاعف عدد العمليات خلال الشهر الأخير مقارنة بشهر أغسطس. ورأى الضابط أن هنالك انفصال غير واضح ما بين قادة الجيش الكبار وتصوراتنا نحن على أرض الواقع، فالضفة تغلي وإذا لم ينتبه الجميع لهذا الأمر فسنكتوي بنارها جميعاً.

وذكرت صحيفة "هآرتس"، 13/10/2013 أن العقيد المتقاعد شريه عوفر، 61 سنة، الذي قتل فجر الجمعة 11/10/2013في غور الأردن، هو القتيل الإسرائيلي الثالث خلال ثلاثة أسابيع فقط. وقالت إن هذا ارتفاع كبير في الأحداث القاسية – التي ينبغي أن يضاف إلى عددها إصابة المستوطنة نوعام غليك بطعنات فلسطيني في مستوطنة بساغوت في 6/10/2013.

وتضيف "هآرتس"في الأشهر الثمانية الأولى من هذه السنة قتل إسرائيلي واحد في عملية (أحد سكان يتسهار، افيتار بوروبسكي الذي قتل طعنا في أيار). وفي العام الماضي على مدى كل السنة، لم يسجل سقوط أي قتيل إسرائيلي في الضفة الغربية.

خلافا لفترات التوتر السابقة، يخيل أن هذه المرة من الصعب تمييز ميل واضح يوحّد كل الأحداث الأخيرة وربطها بتطورات أوسع على الأرض. الأحداث الثلاثة – قتل عوفر، قتل الجندي تومر حزان من "باتيام" بعد أن أغوي به للوصول إلى قرية فلسطينية قرب قلقيلية والتسلل إلى بساغوت – قد تكون لها أيضا صلة جنائية.

تقدر "قوات الأمن" بأنه كان للمنفذين في هذه العمليات الثلاث دافع قومي، ولكن يحتمل أن يكون في الصورة عنصر آخر أيضاً.

الحادث الرابع في الأسابيع الأخيرة، مقتل جفعاتي غال كوبي الذي قتل بإطلاق النار عليه في الخليل بقي لغزا: فلم يبلغ بعد عن العثور على معلومات استخبارية عن هوية منفذي العملية.

وتحاول الصحيفة الصهيونية أن تجد تحليلاً لتنامي عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة قائلة: "لكن في خطوط عامة يخيل أنه يمكن أن نشخص مع ذلك عدة مميزات مشتركة للعمليات: انعدام الانتماء الواضح للمشبوهين بتنفيذ العملية لمنظمة محددة وانعدام الإخطار الاستخباري المسبق (المرتبط أيضا بأن المشبوهين ليسوا أعضاء في منظمة معروفة، تلاحقها المخابرات). وقسم من العمليات على الأقل تلوح كمبادرات محلية لفلسطينيين عاديين، دون خلفية مسبقة. المشكلة هي أن نجاح العمليات – وهذا يقاس، بإلحاق خسائر في الأرواح – من شأنه أن يشجع موجة من المقلدين، الذين هم أيضا دون خلفية تنظيمية ودون إخطار مسبق".

وهكذا من الواضح أن إحساس الأمن لدى المستوطنين الصهاينة الذين يعيشون في الضفة الغربية أخذ يهتز بقدر كبير. وحتى دون أن نسمي ما يجري في الضفة انتفاضة، فالمستوطنات التي تمتعت في السنوات الأخيرة بهدوء أمني نسبي, أصبحت تشكل اليوم ومرة أخرى هدفا للعمليات. والمستوطنون يطالبون منذ الآن بقبضة أشد من الجيش الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين.

المقاومة المشروعة الممكنة

في الذكرى الثالثة عشرة لانتفاضة الأقصى التي بدأت يوم الثامن والعشرين من سبتمبر 2000 يعود سؤال الانتفاضة والمقاومة مجددا ويشكك البعض بإمكانية وبجدوى قيام الفلسطينيين بانتفاضة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل وبعضهم يشكك بشرعية مثل هكذا عمل.

إلا أن عودة الحديث عن الانتفاضة وفي ظل حالة الاحتقان والإحباط الشديدة عند الشعب الفلسطيني سواء في الضفة أو غزة، ليس إحباط غياب الإرادة، أو إحباط القبول بالأمر الواقع، بل إحباط من النخب ومن الحكومتين والسلطتين. عودة الحديث هذه المرة يؤشر إلى انتفاضة تجرف في طريقها الاحتلال والسلطتين معا.

إن الوضع الفلسطيني بكل تشعباته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية يوفر الشروط المناسبة للانتفاضة بل للمقاومة بكل أنواعها بما فيها العسكرية، ولا ندري إن لم ينتفض الفلسطينيون اليوم حيث كرامتهم تُمتهن من الاحتلال والحصار وأرضهم تسرق كل صباح ومقدساتهم تُدنس كل يوم وأفاق المستقبل مظلمة مدلهمة لا تمنح ولو بصيص أمل لأجيال المستقبل، فمتى سينتفضون ويثورون؟! .

الحق بالمقاومة والانتفاضة ثابت وطني ما دام الاحتلال قائماً على أرضنا، إنه حق يستمد شرعيته من القانون الطبيعي والشريعة الدينية والشرعية الدولية، وبالتالي ليس من حق أحد أن يتصرف بهذا الحق ما دام الاحتلال جاثماً علي أرضنا. الحق بالمقاومة يستمر ما دام الاحتلال موجودا، وحتى من منطلق الإستراتيجية السياسية سيكون من غير المنطقي والعقلاني أن يُعلن أي مسئول فلسطيني التخلي عن الحق بالمقاومة و لا يجوز التصرف به ،من خلال هدنة مع العدو أو اتفاقات موقعة معه، إلا بقرار من الشعب وبإرادته الحرة، حتى الدساتير لا يجوز أن تتضمن نصوصا تقول بإلغاء الحق بالمقاومة.

ولو فرضنا جدلاً –فرض غير قابل للتحقق- أن الحق بالمقاومة،وخصوصا المسلحة، غير قابل لصيرورته راهنا ممارسة منتجة لمُنجَز سياسي، فلا يجوز التخلي عنه لان هذا التخلي يُفقد القيادة السياسية الراهنة والأجيال القادمة ورقة قوة قد تحتاجها إن فشلت نهائيا العملية التفاوضية أو إن انتهكت إسرائيل اتفاق التهدئة، أيضا لا يجوز لأي مسئول أن يسقط الحق بالمقاومة وفي نفس الوقت يطالب المجتمع الدولي بتطبيق قرارات الشرعية الدولية لان الحق بالمقاومة جزء من الشرعية الدولية.

لقد أسيء استعمال الحق بالمقاومة والجهاد في أكثر من بلد، حيث تحولت بعض الحركات الجهادية لتصبح أدوات لحروب أهلية، فتصارعت على السلطة وشلت السير العادي للمؤسسات بل دمرتها وشوهت البنية الاجتماعية من خلال تأجيج النعرات الطائفية والعشائرية والعائلية، وجرَّت المجتمع لمستنقع الاقتتال والحرب الأهلية، هذا ناهيك عن لجوء هذه الجماعات ـ التي تحمل زورا وبهتانا اسم المقاومة أو الجهاد ـ لأطراف خارجية للاستقواء على الجماعات الوطنية المنافسة، ونسوا الاحتلال أو العدو الخارجي الذي ما شُرعت المقاومة إلا لمواجهته.

إذن، هناك كثير من سوء الفهم وسوء الممارسة يكتنف تطبيق الحق بالمقاومة والجهاد أو الانتفاضة. على مستوي ممارسة الحق بالمقاومة،فالمقاومة لا تعني مجرد حمل السلاح أو تصرفات مسلحة فردية حتى وان وجهت بنادقها أحيانا ضد الاحتلال، هناك فرق بين وجود أفراد مسلحين أو مجموعات تحمل السلاح أو انتشار السلاح بيد الناس من جانب، والمقاومة الوطنية بما هي إستراتيجية عمل وطني من جانب آخر.

إن انتشار السلاح دون إستراتيجية عمل وطني لا يعني وجود مقاومة وطنية، كل حركات التحرر الوطني التي حققت الهدف الوطني المتمثل بالاستقلال كانت تعمل في إطار إستراتيجية عمل وطني سياسياً وعسكرياً، هذا ما كان عليه الحال في الجزائر وفي فيتنام وعند جميع حركات التحرر الناجحة، أما الحركات التي تدعي ممارسة المقاومة والجهاد خارج إطار الإستراتيجية الوطنية فقد تحولت لأدوات للحرب الأهلية كالعراق وأفغانستان وفي دول ما يسمى بالربيع العربي – ليبيا وسوريا.

في الذكرى الثالثة عشرة لانتفاضة الأقصى، نجد أنّ فلسطين أحوج ما تكون إلى انتفاضة جديدة.. انتفاضة ثالثة... للجم العدوان الصهيوني المستمر الذي استغل ويستغل المفاوضات لتهويد القدس والأقصى، ولإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية على أجندة الدول الشقيقة والصديقة وفي المحافل الدولية، ولتوحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام بين "فتح وحماس" بعد ما أصبح ثابتا من ثوابت الحياة السياسية الفلسطينية، ولإعادة التوازن للإنسان الفلسطيني الذي اختل، بعد تغييب النضال واغتيال المقاومة، وفرض التعايش مع العدو.. في الوقت الذي يرفض فيه الأخير الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في وطنه، وإقامة دولته المستقلة، وعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها بالقوة المسلحة.

إن استجابة أبناء الشعب الفلسطيني لنداء القدس والأقصى، وتشكيل "ائتلاف شباب الانتفاضة" وخروجهم في مظاهرات غاضبة، شملت الوطن المحتل من جنين إلى رفح... انتصاراً لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين،  يؤكد سقوط خطط ومخططات العدو، ويؤكد أيضاً أن هذا الشعب الذي اختار النضال والمقاومة ضد الصهيونية ومخططاتها الاستئصالية الاحلالية، وضد حلفائها الذين أمدوها بكل وسائل القوة والعدوان، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، منذ ما يزيد عن مائة عام، لا يزال متمسكا بهذا الخيار، ومتمسكا بالمقاومة، باعتبارها السبيل الوحيد لتحرير الأرض.. كل الأرض وإقامة الدولة الديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني من البحر إلى النهر .

باختصار... كافة الأحداث والوقائع تؤكد أن القضية الفلسطينية تمر بأسوأ مراحلها!، وأنها فعلاً دخلت مرحلة التصفية؛ ما يستدعي انتفاضة ثالثة، تعيد لها الروح والاعتبار، وتنقذها من المؤامرة التي بدأت خيوطها ترتسم في الغرف المغلقة .

ونقول: نحن مع العودة للانتفاضة بل للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال دفاعاً عن القدس والمقدسات ودفاعاً عن حقنا الوطني بالحرية والعودة إلى أرض الآباء والأجداد، ولا نعرف إن لم ينتفض الشعب اليوم فمتى سينتفض؟ ولكن علينا التوافق على إستراتيجية وطنية للانتفاضة والمقاومة، أو على الأقل عدم الوقوف في وجه أي حراك شعبي ضد الاحتلال،فاتفاق أوسلو والتنسيق الأمني في الضفة الغربية، كذلك اتفاق الهدنة في قطاع غزة، لا يبررا الوقوف في وجه شعب يريد أن يدافع عن وطنه ومقدساته وخصوصاً بعد فشل المراهنة على أتفاق أوسلو وعلى الهدنة ومن كان يقف وراءها. الحق بالمقاومة وبالدفاع عن النفس فوق كل الاتفاقات والالتزامات.

اعلى الصفحة