ترجمات
هل الحرب مع إيران حتمية؟

السنة الثانية عشر ـ العدد142 ـ (ذو القعدة ـ ذو الحجة 1434 هـ ) تشرين أول ـ 2013 م)

 ترجمة وإعداد: محمد عودة

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

موقع توبيكس للأنباء، مايكل آكسوورثي، من كتاب "إيران الثورية"

 

آخر مرة حاول أوباما التعاطي مع إيران، أدى الأمر بالنظام إلى مواجهة أخطر أزمة شعبية. آن الأوان لإعادة الكرة مرة أخرى. أدى انتخاب الرئيس أوباما في نهاية العام 2008 إلى مواجهة الطبقة الحاكمة في إيران لمأزق جديد.

فتصريحاته المبكرة حول الانفتاح اتجاه محادثات مباشرة مع الإيرانيين واستعداده للتحدث عن الجمهورية الإسلامية بأسلوب غير مباشر حيث تفادى التبيان بأنه يعترف بطبيعة النظام كما فعلت الإدارات السابقة ورسالته المفعمة بالدهاء بعيد النيروز في آذار 2009، جميعها أتت كتحد لخطاب النظام الإيراني المنتهي الصلاحية وأجبرته على اعتماد تغيير في سياسته المتصلبة. وكلا الطرفين يعلم أن قليلاً ما هو متوقع حصوله في العلاقة الأمريكية- الإيرانية قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر حصولها في أيار 2009. وعلّق كثيرون، خارج إيران وداخلها، الآمال على انتخاب زعيم إيراني يحمل نظرة إيجابية جديدة لملاقاة نظرة أوباما، بُغية إحراز بعض التقدم الحقيقي بعد طول انتظار.

لكن هذا لم يحدث. فمرة أخرى، أحدثت الانتخابات الرئاسية الإيرانية مفاجأةً أكبر من سابقاتها لأنه هذه المرة كانت المفاجأة مختلفة عن الانتخابات السابقة. ففي العامين 1997 و2005، المرشحان غير المعروفين فازا بالانتخابات. لكن المفاجأة هذه المرة كانت في إجراء الانتخابات نفسها ما أدى إلى أسابيع من المظاهرات والاضطراب، لم تشهد البلاد حدتها منذ ثورة العام 1978.

منذ العام 1979، وعلى الرغم من العديد من التخمينات والكثير من التوقعات بشأن اقتراب انهيار الجمهورية الإسلامية ورغم حرب الثماني سنوات القاسية والمحاولات المختلفة الأخرى لتغيير النظام، بقيت الجمهورية الإسلامية وأثبتت أنها أكثر استقراراً مما كان مُتوقّع. ليس وهماً كبيراًُ أن تربط بين هذا الاستقرار وحقيقة أن الجمهورية هي جمهورية إسلامية، خلافاً للأنظمة المناهضة للدين أو العلمانية التي خلفتها الثورتان الفرنسية والروسية. فالإسلام أعطى للنظام جذوراً أيديولوجية في المجتمع الإيراني أكثر تعمقاً من تلك الأيديولوجيات الإبداعية التي حققها الرهبان الدومينيكيون والشيوعيون (أيديولوجيات لم يفهمها على الأغلب معظم المواطنون الفرنسيون والروس). ويمكن أن يكون الإسلام قد حافظ على نظام أكثر ليبرالية وديمقراطية لكنه استُخدم للحفاظ على حكومة أقل ليبرالية وأكثر استبداداً. والإسلام هو فكرة أكثر جدية من الراديكالية أو الماركسية، فهو متجذر في حياة الناس أكثر من تلك الأفكار السياسية.

ما الذي نريده نحن في الغرب أن يحدث في إيران؟ بصورة عامة، نريد من الإيرانيين أن يتمتعوا بديمقراطية حرة وأن تُطبع إيران علاقاتها الخارجية مع الولايات المتحدة والبلدان الغربية الأخرى وأن تُلغي جميع الخطط التي لديها بشأن تطوير السلاح النووي وأن تعترف بإسرائيل وأن تتوقف عن تمويل حماس وحزب الله من أجل أن تصبح بلداً طبيعياً. نريدها أن تعود إلى كنف الأسرة الدولية وأن تتوقف عن كونها مشكلة. وقد أظهرت أحداث أيار 2009، عندما تظاهرت أعداد كبيرة من الإيرانيين من أجل حركتهم الخضراء وضد الرئيس المُعاد انتخابه أحمدي نجاد جراء ما اعتبروه تزويراً انتخابياً، أن كثيراً من الإيرانيين، وربما الأغلبية منهم، يفكرون إن لم يكن بالطريقة نفسها فيمكن أن نقول بوجهة نظر متقاربة اتجاه تلك النقاط على الأقل. لكنهم لم يُحققوا مبتغاهم وما من إشارة تُظهر أنهم سيفعلون في المستقبل القريب. فلِمَ لم ينجحوا؟

بعض التعقيدات والتناقضات والأمور غير المفهومة في السلوك الإيراني من الصعب التنبؤ به. فبعض التعقيدات غير قابل للحل وما يمكن أن نقوله حديثاً عن إيران هو أن اللا موضوعية تغلب الموضوعية لديها. وردنا على إيران هو بمقدار ردنا على أنفسنا. فعندما نجهد لتقدير ما هو قابل لأن يحدث نميل إلى الوقوع بغرور ما نود أن يحدث. ومشاكلنا مع إيران إلى حد ما تعكس مشاكلنا مع النموذج الغربي للتنمية.

والمقارنات في بعض الأحيان تحصل بين إيران المعاصرة والاتحاد السوفيتي السابق. فهل إيران هي الإتحاد السوفيتي في القرن الواحد والعشرين؟ كلا... وبلى. فمن الناحية الإستراتيجية، المقارنة مضللة إلى حد كبير. فإيران لا تشكل تهديداً للغرب بطريقة مماثلة. هي قد تحصل على السلاح النووي لكن ليس لديها ولن يكون لديها المقاربة الإستراتيجية العالمية التي كانت للإتحاد السوفيتي ولن يكون بمتناولها القوة العسكرية الهجومية من القوات التقليدية كي تدعم تلك المقاربة ولا حتى الإنفاق العسكري أو القبضة الكلية من الأفكار على شعبها. فلا ستالين أو برزنيف كان ليتسامح مع موسوي أو مستوى المظاهرات الذي حققته الحركة الخضراء. فلكان الاثنان أرسلا الدبابات لمواجهة الأمر كما حصل في بودابست عام 1956 وبراغ عام 1968.

فقد امتنع النظام الإيراني عن استخدام القوة المفرطة المتوفرة لديه ضد المتظاهرين. أما أحداث الربيع العربي عام 2011 وما تلاه فكانت مغايرة (بعض الإيرانيين ادعى أن مظاهرات الحركة الخضراء واستخدامهم الإبداعي للتقنيات الجديدة كانت الإلهام لما حدث في تونس ومصر).

لقد استخدم النظام الإيراني القوة لكن لم يذهب إلى الحرب ضد شعبه كما فعل القذافي في ليبيا ونظام الأسد في سوريا. ولمدة طويلة، سُمح لموسوي وكروبي بمعارضة ما كان يحدث. وكان يريد النظام الحفاظ على ما يعتبره ديمقراطية. فإيمان النظام بالكفاح الشعبي ضد الإضطهاد لا يزال عاملاً كابحاً، ولو على نحو ضعيف. ورغم نجاح النظام بقمع المعارضة، لا يزال رده شبيه لما حصل في مصر عام 2011 وليس لما يجري في سوريا. لذا، لا تزال الضبابية تخيم على المدى الذي يمكن أن يذهب فيه النظام في قمعه وحول ما إذا كانت مؤسساته الأمنية ستنفذ أوامره إلى النهاية. ويتساءل البعض لِمَ إسقاط النظام في إيران لم يُستكمل من إسقاط الأنظمة الأخرى في الشرق الأوسط عام 2011. قد يحدث هذا الأمر، لكن التأثير القوي للقمع الذي أعقب أحداث عام 2009 قد يكون الجواب الكافي لغاية الآن.

إن برنامج الأسلحة النووية مقلق، لكن إيران لن تستخدم أبداً السلاح النووي ضد إسرائيل أو أي أحد آخر في الضربة الأولى. وكما حال الدول التي تمتلك الأسلحة النووية، تسعى إيران إلى امتلاك السلاح النووي كقوة ردع. وموقعها الجغرافي وتاريخها هما الحجة الكافية لتبرير أنه ليس من أجل الالتزامات بالمعاهدة لم تمتلك إيران الأسلحة النووية. أضف إلى ذلك، فيما كان الإتحاد السوفيتي يمثل أيديولوجيا مقنعة للبعض في المجتمعات الغربية وفيما شكّل نقاشاً أو نزاعاً ضمن الديمقراطية الغربية نفسها، الأيديولوجيا الإسلامية لإيران لم يكن لها الوقع نفسه في المجتمع الغربي. قد يقول البعض إن الإسلاميين فاعلون في المجتمع الغربي، لكنهم ناشطون ضمن جاليات المسلمين فقط، خصوصاً المهاجرين. والنقض العام لوجهة نظرهم محدود وضئيل. فوجهة نظرهم لا تشكل طرفاً واحداً من سلسلة النقاش السياسي الذي أحرزته الشيوعية في المجتمع الغربي. وارتباط إيران بالأقلية الشيعية من التفرع الإسلامي يحد من امتدادها الأيديولوجي.

هل تتدخل إيران في البلدان المجاورة، كما فعل الإتحاد السوفيتي السابق، أو تحاول نشر ثورتها؟ بلى... وكلا. إن النظامين الحاليين في أفغانستان والعراق المدعومين من قبل الولايات المتحدة والغرب، هما يدعمان إيران وأُقيما بناءً على المساعدة الإيرانية. وكما رأينا، إن التورط الإيراني في عمليات التمرد في العراق أصبح بين العامين 2003 و2009 موضع لوم من قبل البعض لأنه سبب الصعوبات التي واجهها التحالف الغربي، لكن هناك ميل أيضاً لعدم الاكتراث بدليل أقوى عن عامل زعزعة الاستقرار عبر دعم التمرد من قبل السعودية. والأمر مُشابه الآن في أفغانستان. وإلى حد كبير، لم يُنقذ الخطاب الإيراني بشأن تصدير الثورة المراحل الأولى من حرب إيران- العراق والكلام عن نظرية الهلال الشيعي كتهديد بنشر الثورة الإيرانية في منطقة الخليج الفارسي هو لغو لا فائدة منه. لإيران مصالح وأتباع في العراق وأفغانستان على حد سواء، والمصالح مثل الحدود هي الثابتة (خلافاً لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها). وإيران لا تحبّذ التواجد العسكري الكثيف للولايات المتحدة وحلفائها بالقرب من حدودها. وعلى الرغم من أنه إلى حد كبير غير ثابت، هناك حديث عن تورط إيراني سري في العراق وأفغانستان. لكن هذا طبيعي، لأنه كلما كانت المسألة تقترب من الحدود الإيرانية، كلما كانت السياسة الخارجية والأمنية لإيران أكثر واقعية. والسياسة الإيرانية المذكورة اتجاه العراق وأفغانستان على حد سواء كانت من أجل تعزيز الاستقرار في البلدين ويُعد إخفاقاً كبيراً عدم قدرة الدبلوماسية الغربية على استغلال تقارب المصالح بيننا وبين الإيرانيين.

هل إيران ديمقراطية؟ نحن على الأغلب مستعدون لرفض الديموقراطيات لكونها غير مثالية، على سبيل المثال قال البعض إن بريطانيا لم تعد ديمقراطية بعد اجتياح العراق في العام 2003 لأن عدداً كبيراً تظاهر ضد الاجتياح وأوحت استطلاعات الرأي أن أغلبية البريطانيين تُعارض ذاك الاجتياح. لذا للديمقراطية خصائص واضحة. أولاً، هي بحاجة لدستور ديمقراطي. وإيران تتمتع بتلك الميزة. ورغم أن النظام استغل ذاك الدستور بعدة محطات، لكن الانتخابات أُجريت على نحو منتظم والسياسيون قبلوا التنحي عن مواقعهم والحكومة تغيرت بدون أي انقلابات. الأكثر أهمية أن الديمقراطية بحاجة لشعب ديمقراطي، بمعنى آخر شعب يؤمن بالديمقراطية ويبتغيها. وإيران تتمتع بذلك أيضاً، وقد ثبت ذلك من خلال الحركة الخضراء والحركة الإصلاحية لخاتمي قبلها. لكن الديمقراطية الفاعلة حيث يُعبر عن رغبة الشعب عبر الانتخابات وتكون هي المُحددة لطبيعة الحكومة الحاكمة فإن إيران لا تزال تفتقر لتلك السمة.

إن سلسلة الأحداث خلال خريف العام 2011 وشتاء العام 2011/2012 زادت مرة أخرى من حدة التوتر بين إيران والغرب إلى مستوى التهديد باندلاع الحرب كما حصل قبل أربع سنوات إبان حكم إدارة بوش. وفي تشرين الأول 2011 زُعم بناءً على تحقيق لمكتب التحقيق الفدرالي أن إيران متورطة في التخطيط لعملية اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة في واشنطن (السفير نفسه الذي حث الولايات المتحدة قبل وقت سابق حسب وكيليكس من أجل تنفيذ عمل عسكري ضد إيران بُغية "قطع رأس الأفعى"). وعلى الرغم من أن بعضاً من أولئك المتورطين في المؤامرة المزعومة شخصيات غير مرغوبة وعلى الرغم من حقيقة أن مدير مكتب التحقيق الفدرالي علّق في مؤتمر صحفي بأن المزاعم المذكورة تبدو كما لو أنه سيناريو لفيلم هوليودي، بدت إدارة أوباما أنها تلقفت القصة كما لو أنها حقيقية وألقت اللوم على المستويات الأعلى في النظام الإيراني وأعلنت عن عقوبات جديدة ستطبقها. وبعد عدة أسابيع، في 8 تشرين الثاني، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً جديداً حول البرنامج النووي لإيران جاءت فيه تفاصيل أكثر من تلك التي كانت تُذكر في التقارير السابقة حول الاشتباه بأن إيران تسعى لامتلاك السلاح النووي (بناءً على معلومات من وكالات الاستخبارات الغربية) لكن لم يُقدم التقرير دليلاً يوحي بأن تطويراً هاماً للسلاح النووي قد حصل بعد العام 2003. لكن التقرير سُمع بصوت عال قبل صدوره من قبل المعلقين الإسرائيليين والأمريكيين على أنه برهان لا لبس فيه حول النوايا الإيرانية. وبدا أكثر من أي وقت مضى أن توقيت تلك الأحداث كان مُنسقاً من أجل مبادرة جديدة لزيادة الضغط على النظام الإيراني. بالتأكيد، كانت مبادرة الولايات المتحدة والغرب في تلك الأشهر تتزامن مع عودة أحمدي نجاد لاستلام دفة الحكم. وكان هناك حديث جديد عن عمل عسكري ضد إيران ورزم إضافية من العقوبات. وفي منتصف شهر كانون الأول، أعلنت المملكة المتحدة أنه لن يُسمح لإيران بعد الآن بالتعامل مع المؤسسات المصرفية البريطانية كجزء من العمل الدولي المشترك الذي تُعقد عليه الآمال. وفي 29 كانون الأول، أوقفت الشرطة مجموعة من عناصر الباسيج والطلاب الذين اقتحموا مبنى السفارة البريطانية في طهران وعبثوا بتجهيزات الموظفين وخربوا الممتلكات. في أعقاب ذلك، سحبت المملكة المتحدة دبلوماسييها من إيران وطردت جميع الدبلوماسيين الإيرانيين من لندن. كما أن البلدان الغربية الأخرى سحبت سفراءها من إيران. وفي كانون الثاني عام 2012، أعلن الإتحاد الأوروبي عن حظر النفط الذي سيصبح ساري المفعول ابتداءً من تموز. وخلال تلك الفترة، جرت عمليات اغتيال عدة في إيران طالت أشخاصاً على علاقة بالبرنامج النووي. إضافة إلى أن طائرة بدون طيار تحطمت فوق الأراضي الإيرانية بالقرب من الحدود مع أفغانستان، ورفض الإيرانيون إعادتها.

كان هناك الكثير من النقاش والتعليق في وسائل الإعلام الغربية بشأن زيادة العقوبات والتهديد بتنفيذ عمل عسكري، لكن أيضاً ازداد عدد الأصوات المشككة بالسياسة الغربية والاتجاه الظاهر بالانجرار نحو الحرب. وكان هناك إحساس أيضاً بأن الضغط الزائد المفروض على إيران في جزء منه بسبب عدم معرفة صناع السياسة للخطوة اللاحقة ولأن عملية الاتفاق الدولي بشأن إجراء عقوبات جديدة في مجلس الأمن قد كسبت زخمها الخاص. وقد أصبح فرض عقوبات جديدة طريقاً من أجل جذب الضغط من قبل إسرائيل لأن شخصيات داخل الحكومة الإسرائيلية بدأت تتحدث باستمرار حول رغبة إسرائيل في تنفيذ عمل عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني. ومع تزايد حدة التوتر، كذلك ازدادت فرصة الحسابات الخاطئة ووقوع الحرب عن طريق الخطأ.

رغم فرض عقوبات جديدة وزيادة الضغط المالي، بقي النظام الإيراني عصياً على الانكسار مستنداً على ثقته بالشعب الإيراني ومستوحياً قوته من نيران الثورة والحرب الإيرانية- العراقية ومن فكرة أن إيران لن تسمح مرة أخرى لأحد بأن يرهبها أو أن تُذل من قبل القوى الخارجية. وقد يكون من الخطأ التقليل من تقدير ذاك التصميم المعتمد على الاستقلال الوطني. وشكك البعض في الحكمة من تطبيق الضغط على إمدادات النفط الإيراني. فبغض النظر عن الانعكاسات الأخرى، إن حظر النفط من شأنه أن يرفع أسعار النفط في وقت كان فيه الاقتصاد العالمي، وخصوصاً الاقتصاد الأوروبي، هشاً وضعيفاً. وهناك بلدان أوروبيان من أكثر البلدان معاناة من الناحية الاقتصادية والمالية، إيطاليا واليونان، هما من أكثر البلدان اعتماداً على النفط الإيراني وليس لديهما البنية التحتية الخاصة بتكرير النفط والتي تخولهما الانتقال إلى دول مصدرة أخرى غير إيران.

في خضم هذه الأزمة المتنامية، بعض العناصر الأساسية للمشكلة بقيت على نحو كبير مبهمة ولا يتم التركيز عليها في النقاشات الحاصلة. ففي إسرائيل، حافظت حكومة بنيامين نتنياهو على مستوى نبرتها العالية متهمةً النظام الإيراني بأنه عدائي وتوسعي وغير عقلاني. وادعت أن احتمال حصول إيران على السلاح النووي هو بمثابة تهديد وجودي لدولة إسرائيل. وبغض النظر عن بعض الأصوات غير المسؤولة التي علت من الجانب الإيراني وألقت بتصريحات لعبت دوراً في تلك الحجة الإسرائيلية، إلا أن حجة إسرائيل مبالغ بها وغير مسؤولة بحد ذاتها. فمعظم المحللين المشهورين توقعوا أنه حتى إن حصلت إيران على السلاح النووي فلن تستخدمه أبداً ضد إسرائيل في الضربة الأولى أو حتى بالمطلق إلا في حال هوجمت إيران نفسها لأن الانتقام من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل سيكون ساحقاً. وجهة النظر هذه تعززت جراء تصريحات صادرة داخل إسرائيل نفسها على لسان رئيس الموساد السابق مئير داغان ورئيس الشاباك السابق يوفال ديسكن في آذار ونيسان بالتتالي. وأتى التصريحان بعد فترة قصيرة من زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن فشل خلالها في إقناع الرئيس باراك أوباما بتبني الموقف القائل إن وقوف قدرة إيران على العتبة النووية هو بذاته خط أحمر غير مقبول. كان تهديد المصالح الأمنية الإسرائيلية واقعياً وحقيقياً لكن ما كان مُهدداً أيضاً هو خسارة إسرائيل للاحتكار النووي في الشرق الأوسط وإضعاف قوة الردع النووية الإسرائيلية. والتهديد المفترض بأن سباق تسلّح سينتشر في الشرق الأوسط كان ضرباً من الخيال لأن إسرائيل التي تمتلك الأسلحة النووية لم تسمح للسعودية على سبيل المثال بامتلاك السلاح النووي. والخاصية الأخرى كانت بأن العقوبات على نحو أساسي وُجهت من أجل دفع الإيرانيين لتعليق نشاطهم في تخصيب اليورانيوم لكن ذاك النشاط بحلول العام 2012 أصبح في مرحلة لا رجوع عنها وتطور إلى نقطة أصبحت مسألة احتوائه ضرباً من الوهم. والأكثر أهمية من التخصيب الفعلي كان معرفة عملية التخصيب وكيفية اكتساب الإيرانيين لهذه المعرفة. على نحو أساسي، ما كانت تحاول الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أن يفعلاه هو حرف الانتباه الإيراني عن تطوير سلاح نووي. لكن الإيرانيين أنفسهم استمروا في إنكار أي من هذه النوايا وبدا أن الدليل الذي يُشير نحو تطور ملحوظ في سلاحهم النووي قد توقف عام 2003.

أوحى البعض أن الالتباس في الموقف الغربي يُشير إلى أن الهدف الغربي الحقيقي هو ليس إيجاد حل للمشكلة النووية بل تغيير النظام في إيران، وهو وضع يُذكّر بالالتباس الخطير المشابه قبل الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003. التباس بطريقة ما شرّع مقاومة النظام الإيراني ما اعتُبر بموضوعية أنه سبب كاف لدفع إيران للانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية لكونها تتعرض لتهديد أمني خطير أو لدفع النظام الإيراني للسعي في نهاية المطاف إلى السلاح لنووي.

وأصبح واضحاً في المنتصف الأول من العام 2012، مع بدء المفاوضات الجديدة حول المشكلة النووية في الجولات الناجحة في اسطنبول وبغداد وموسكو، أن الجانب الإيراني يُفاوض بدرجة أعلى من الجدية. وبشكل خاص، حظي المفاوضون الإيرانيون بتفويض أوضح للتحدث جراء دعم القائد الأعلى، دعم لم يحظوا به في المفاوضات السابقة. واعتبروا أن الأوان قد حان لعقد تسوية مع الجانب الأمريكي بعد أن قطعوا شوطاً كبيراً لا رجوع عنه في مجال تخصيب اليورانيوم وآن الأوان لقطف الثمار والعدول عن فرض عقوبات أقسى.

لكن ما يدعو للغرابة أن الجانب الأمريكي في محادثات موسكو بدا أنه يقول إن التنازلات من الجانب الإيراني مهما بلغ مستواها فلن تؤدي إلى إزالة العقوبات. وبدا أن الولايات المتحدة والغرب توقعا عدم التفاوض وعدم تقديم التنازلات مقابل التنازلات بل التهديد بالإنذار النهائي وإملاء التسوية. ومن الصعب التخيل بأن تقبل أي حكومة تحت أي ضغط بهكذا مطلب وليس مفاجئاً فشل المحادثات.

في هذه الأثناء، بدا أن اغتيال العلماء الإيرانيين على يد الإسرائيليين سيلقى جواباً كالذي حصل في جورجيا ودلهي. وأشارت أصابع الاتهام إلى الإيرانيين وحزب الله اللبناني. وتبقى المسؤولية عن تلك الحوادث غير واضحة، لكنها ساهمت في زيادة التوتر والتهديد بالتصعيد.

وسط هذا الجو من عدم الوضوح والتعقيد، يبقى هناك بعض الحقائق الجلية. إن مسألة السلاح النووي الإيراني هي مشكلة فادحة في الشرق الأوسط ويمكن أن تكون خطيرة جداً. لكنها مرتبطة على نحو مُعقد مع العدائية طويلة الأمد بين الولايات المتحدة وإيران وبين إيران وإسرائيل. إن السلاح النووي هو من أجل الردع فقط وفي هذه الحالة أداة من أجل تعزيز استقلال إيران وبقاء النظام الإيراني. ولو أن العدائية غير موجودة أو أن مستواها يتقلص لكان التهديد أو الحاجة إلى قوة الردع قد تقلصا أيضاً. وبالطبع، المشكلة الأساسية هي أن العدائية والحاجة إلى حلها كلام أسهل من الفعل. ربما هي سهلة نسبياً إذا ما استثنينا التاريخ وقساوة اللهجة الخطابية والتصلب والفشل في التفاهم والخيال عند كلا الجانبين والمصالح المستثمرة لدى الجانبين في الإبقاء على العدائية. عندما قام أوباما بمحاولة جدية من أجل التسوية في الأشهر الستة الأولى من حكم إدارته، الرد من الإيرانيين العاديين كان في إنتاج الأزمة الشعبية الأخطر للنظام الإيراني منذ العام 1979. وبغض النظر عن الفشل، أدى إلى نتيجة أكثر دراماتيكية مما كان مُتوقّع. لكن في النهاية تم التغاضي عن الأمر. لذا يجب أن تُعاد الكرة لكن بتصميم أقوى إلى أن تحقق النجاح. 

اعلى الصفحة