إسرائيل بين المخاطر الإستراتيجية و"الوضع المستقر"...

السنة الثانية عشر ـ العدد142 ـ (ذو القعدة ـ ذو الحجة 1434 هـ ) تشرين أول ـ 2013 م)

بقلم: هيثم محمد أبو الغزلان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ليس غريباً أن يتراجع الصلف والتبجح الإسرائيلي في ترداد مقولة أن الجيش الإسرائيلي جيش "لا يقهر".. فقد هزمته المقاومة الإسلامية في لبنان وخرج مندحراً عن الجنوب في أيار 2000، ومنهزماً في 2006، كما لم يحقق انتصاراً في غزة في حربي 2008-2009، و2012..

فإسرائيل اليوم، غير إسرائيل بالأمس، والذين يواجهونها أيضاً اختلفوا. وإن كانت قراءة الواقع وتوصيفه إسرائيلياً لجهة المخاطر التي تتهدده تُعتبر أمراً صحياً ومتقدماً، إلا أن المحاولات التي باتت تُبذل إسرائيلياً لإظهار وضعها "المستقر" في وسط العواصف، تشير وبوضوح إلى سلسلة لا متناهية من المخاطر تتهدد الكيان الإسرائيلي.. ما هي هذه المخاطر؟ كيف التعايش معها، وكيف يتم العمل إسرائيلياً على تجاوزها؟.

على الرغم من وجود إسرائيل، ونجاحها في مجالات كثيرة، منها بناء القوة العسكرية، والتفوق الاقتصادي والتكنولوجي، إلا أنها ما زالت تواجه أسئلة مصيرية تتهدد وجودها مستقبلا. ويعتقد البعض أن نتيجة لتراجع وتيرة الهجرة إلى إسرائيل بشكل ملحوظ بعد سنوات الطفرة التي تلت انهيار الإتحاد السوفييتي، وزيادة نسبة الولادات في الوسط العربي بين البحر والنهر من المتوقع أن يغدو الإسرائيليون أقلية في غضون سنوات ما يُشكل أحد المخاطر على إسرائيل. وكتب عاموس جلبوع مقالة في صحيفة "معاريف" في (23/4/2012)، عن أحد المخاطر الأخرى والمخاوف التي تكتنف أعماق الكثيرين من اليهود، إذ يقول "اليوم، يكاد يكون نصف الشعب اليهودي متجمعاً في دولة إسرائيل، وعلى مدى السنين، فإن أغلبية الشعب اليهودي ستجتمع في إسرائيل، وأمامنا مفارقة محتملة أخرى: في الكارثة، الشتات الكبير للشعب اليهودي في أرجاء العالم أنقذه من الفناء. فهل يكون تجمعه في دولة إسرائيل اليهودية سبباً في تعرضه لضربة نووية قاضية؟". وكتب سامر الياس في موقع "روسيا اليوم" "أن إسرائيل استطاعت التقدم في مجالات عدة في سنوات قليلة، لكن مخاطر وجودية ما زالت محدقة بها، فمن الخطر الديموغرافي، إلى السلام "البارد" ورفض التطبيع، إلى ازدياد النزعات المتطرفة والصراع بين المتدينين والعلمانيين، والعنصرية المتفشية في داخل المجتمع اليهودي ذاته، وتحول المجتمع إلى العسكرة وفرض الذات بالقوة".

مخاطر إستراتيجية

وحدد نتنياهو، خلال محاضرة في "معهد دراسات الأمن القومي" التابع لجامعة "تل أبيب"(1-6-2012)، خمسة مخاطر إستراتيجية تهدد "إسرائيل"، معتبراً أن السلاح النووي يتصدر هذه المخاطر الإستراتيجية. ورأى أن الخطر الإستراتيجي الثاني يتمثّل بالصواريخ التي يملكها أعداء "إسرائيل". واعتبر أن "السايبر" خطر ثالث يؤثر في الخطرين السابقين، لافتاً إلى أن "إسرائيل" تطور أنظمة إلكترونية دفاعية بهذا المجال. وقال إن "إسرائيل" تكرس ميزانيات وطاقات بشرية ضخمة جداً في مجال الدفاع الإلكتروني.

أما الخطر الرابع فهو جديد قديم وهو يكمن بمستودعات السلاح الكبيرة في المنطقة، مشيراً إلى أنه لا يستطيع استبعاد إمكان توجيهها يوماً ما إلى "إسرائيل". وتابع "لا يمكننا إلغاء احتمال أن تستولي قوات متطرفة على أنظمة لا تهددنا اليوم وتستخدمها مستقبلاً ضدنا". وأبدى تخوفه من أن تقع أسلحة كيماوية سورية في أيدي "إسلاميين" في حال سقوط النظام السوري. وأشار إلى أن هناك خطراً خامساً يتهدد "إسرائيل" يتمثّل باختراق حدودها على يد المهاجرين الأفارقة.

وحدد نتنياهو في تصريح نشرته صحيفة "هآرتس"، (14/7/2013) ، سياسة "بلاده" بالقول: "نحن لا نبحث كيف نتحدى أي طرف خلف الحدود، ولكن لن نسمح لأي طرف بالمس بإسرائيل وندعو جميع الأطراف إلى عدم خوض التجربة معنا.. فالواقع من حولنا يتغير بسرعة كبيرة. وهذا الواقع مُتفجّر وديناميكي ويجب أن نعد العدة له بشكل مناسب".

وقال نتنياهو لجنود من لواء «غولاني» خلال مناورة عسكرية: إن "الوضع في سوريا أصبح سهل الاشتعال إلى الحد الذي لم تعد فيه التدريبات في الجولان تحمل طابعاً نظرياً.. لأنه حتى في ظروف وجود التكنولوجيا الحديثة، يبقى تحقيق النصر مرتبطاً بالحسم والقدرة على كسر العدو وترويعه حتى الموت".

ونقلت وسائل إعلام "إسرائيلية" عن نتنياهو، قوله إن "ميدان الحرب هو مملكة انعدام اليقين، ويجب أن تكون هناك إرادة لكسر الخصم وإدخال الرعب لديه في اللحظة الحاسمة.. وهكذا سننتصر بالمعركة، وإذا ما حاولوا تجربتنا فسنعرف كيف نهزمهم"، حسب تعبيره.

أما موشي يعالون (خدم 37 عاماً في الجيش الإسرائيلي، شغل منصب وزير الشؤون الإستراتيجية، عُيّن بمنصب وزير دفاع)، فقد استعرض من خلال محاضرة له في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، (17-7-2013)، المخاطر المحدقة بإسرائيل، قائلاً إنه "من الممكن انهيار فترة السلام النسبي التي تمر بها إسرائيل في الآونة الأخيرة من جراء تمدد الصراع وعدم الاستقرار من جيرانها".

كما قدّم يعالون تقييماً واسع النطاق عن المخاطر التي تواجه إسرائيل اليوم، بدءاً من أهداف إيران النووية، واستمراراً بالصراع في سوريا، وحتى الحملة الفلسطينية لنزع الشرعية عن إسرائيل. فمن "وجهة نظرنا، ـ يضيف يعالون ـ، ينبغي أن يكون واضحاً جداً أن الأردن هي إحدى مصادر القوة في منطقة الشرق الأوسط؛ ومن حيث الاستقرار، هي أصل استراتيجي مهم جداً للاستقرار في المنطقة. وهذا هو السبب الذي دعانا لدعم الأردن، ونعتقد فعلاً بأن الأردن يجب أن تُدعَم من قبل الولايات المتحدة وبعض الحلفاء الآخرين، من أجل الحفاظ على تلك البلاد باعتبارها عامل استقرار في المنطقة".

وبالنسبة لتركيا، فقد قال: "يجب علينا أن لا نخدع أنفسنا، نحن لن نعود إلى العصر الذهبي من العلاقات الاستراتيجية الذي استمر حتى عام 2004. ولكن، نعم، هناك علاقات تجارية مزدهرة بين البلدين، إنها مسألة مصالح. وبالطبع نحن لا نهدد بعضنا البعض. ونتمنى عودة السفراء إلى عاصمتي البلدين - أي قيام علاقات دبلوماسية - دون أي أوهام. ولكننا نأمل، في نهاية المطاف، أن نحل هذه الأزمة في المستقبل القريب".

الوضع الأسوأ

واعتبرت دراسة صادرة عن معهد "بيغن - السادات للدراسات الإستراتيجية في جامعة بار إيلان"، أن وضع إسرائيل الأمني هو الأسوأ منذ عقود، وقدمت الدراسة توصية إلى حكومة نتنياهو بزيادة ميزانيتها العسكرية والإنفاق على جيشها، والحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، بسبب تدهور الأمن الإقليمي في ظل ما يُطلق عليها "ثورات الربيع العربي"، مؤكدةً على أن الأحداث التي تعصف بالعالم العربي منذ سنتين ونصف السنة جعلت الوضع الأمني للدولة العبرية الأكثر خطورة منذ نهاية الحرب الباردة، بحسب ما أورد موقع "والا الإخباري"، (19/8/2013).

وتضمنت الدراسة التي قدمها يعالون، بعنوان (انتفاضات العرب 2011 والأمن القومي الإسرائيلي) تحذيرات من تحول شبه جزيرة سيناء إلى منطقة لا تخضع للقانون تقريبا، ويمكن لمن أسمتهم بالإرهابيين إيجاد ملاذ آمن لهم فيها، كما دعت الدراسة حكومة تل أبيب إلى زيادة الوجود العسكري الإسرائيلي على الحدود مع مصر، وأن تقوم وفقاً للظروف بإعادة احتلال أجزاء من شبه الجزيرة المصرية، على حد تعبيرها.

وقال مدير "بيغن - السادات"، البروفيسور إفراييم عنبار، الذي أشرف على الدراسة الأكاديمية إنه بسبب الثورات العربية ساء الوضع الأمني للدولة العبرية أكثر من أي وقت مضى في العقود الأخيرة.

وزاد قائلاً: "ما الذي يمكننا فعله؟ الإجابة هي لا شيء، فإسرائيل ليس لديها إلا تأثير محدود وضئيل على التطورات التي تحدث بالشرق الأوسط، كل ما يمكننا فعله هو أن نقوم بحماية أنفسنا والدفاع عنها"، على حد قوله.

ورأت الدراسة أن "التحدي الأكبر والأخطر الذي يُواجه الدولة العبرية يتمثل في تتويج إيران كرأس الحربة في معاداة إسرائيل في المنطقة، ذلك أنه بالتوازي مع تقدمها في برنامجها النووي، الذي سيمنحها التأثير الكبير على الأجندات في منطقة الخليج، والسيطرة على مصادر الطاقة، وحتى أيضاً التأثير على أنظمة الحكم، تُواصل طهران قيادة المعسكر المعادي جدًا لإسرائيل".

وبالنسبة لحزب الله ، قالت الدراسة إن "تعاظم قوة الحزب العسكرية في تواصل واستمرار بدون توقف، وإذا أخذنا بعين الاعتبار هذا المعطى بالإضافة إلى الحرب الأهلية الدائرة في سورية، وسيطرة قوى إسلامية متشددة ومتطرفة على مناطق معينة في بلاد الشام، يُنذر بتشكل جبهة إسلامية جديدة معادية جدًا للدولة العبرية في الشمال، يكون حزب الله فيها أحد اللاعبين الرئيسيين، وهذه الجبهة أوْ الحلف الجديد تضع تل أبيب أمام تحدٍ سياسي وعسكري على حدٍ سواء".

مشاكل وتحديات

وتوجد تحديات تقف أمام الجيش الإسرائيلي، ويتأثر بها وتؤثر به، لناحية الظروف السياسية الداخلية وطبيعة المجتمع الإسرائيلي، والتفوق العسكري في ضوء تنامي قوى المقاومة، وتحولات البيئة الإستراتيجية المحيطة بإسرائيل، ما يُدخل المؤسسة العسكرية في مسارات غير مستقرة وغير واضحة المعالم، قد يكون لها تأثير كبير على طبيعة ومستقبل الدولة العبرية نفسها.

وبحسب كتاب صادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بعنوان: (الجيش الإسرائيلي 2000- 2012)، فإن عامل الجغرافيا السياسية، يشكل إحدى العوامل التي يتأثر بها الأمن الإسرائيلي، وكذلك كونه من التحديات الرئيسية للنظرة الأمنية الإسرائيلية، حيث تأثر الأمن القومي في "إسرائيل" بوضع الدولة الجغرافي، وغياب العمق الإستراتيجي فيها، وشكلت الحدود التي استولت عليها في حروبها، مشكلة أمنية حقيقية لواضعي السياسات الأمنية، وذلك بسبب طول شواطئها وحدودها، نسبة إلى المساحة البرية الكلية، وعلاوة على طول المساحة، فهي مساحة مسطحة بشكل عام وضيقة، حيث أن مناطق واسعة من المراكز السكانية والأماكن الصناعية والقدرات العسكرية في متناول أيدي أعداء "إسرائيل".

فمثلاً في الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز/ يوليو 2006، تمكن حزب الله من استهداف العمق الإستراتيجي الإسرائيلي بالصواريخ المتطورة وغير المتطورة، حيث وقف سلاح الجو الإسرائيلي عاجزاً عن منع عمليات الإطلاق، مما أدى إلى دخول مناطق كبيرة في شمال "إسرائيل" في نطاق الاستهداف، وصولاً إلى مشارف العاصمة تل أبيب، التي هدد الحزب بقصفها في حال تطور الحرب.

وفي حرب 2012، حرب "السماء الزرقاء" قصفت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي ولأول مرة مدينة تل أبيب.

ويُورد الكتاب الصادر عن مركز الزيتونة عددًا من التحديات التي تواجه المنظومة العسكرية الإسرائيلية بالإضافة إلى ضعف العمق الإسرائيلي، أهمها:

- تراجع قوة الردع..

- اختلال إستراتيجية نقل المعركة إلى أرض العدو..

- الفساد المالي والأخلاقي والسياسي.. فقد أوضح تقرير برنامج الدفاع والأمن البريطاني للشفافية الدولية، نتج عن تحليل معلومات عن 82 بلدًا حول العالم خلال الفترة من تموز/ يوليو 2011م حتى كانون أول/ نوفمبر 2012م، أن "إسرائيل" تحتل مكانة عالية في مخاطر الفساد العسكري، حيث أن المجال مفتوح لإهدار المال والحصانة القانونية والتهديدات الأمنية في القطاع العسكري، علاوة على مظاهر الفساد الأخلاقي والسياسي. وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في كانون أول / ديسمبر 2011م، في تحقيق لها تحت عنوان "جيش الزجاجة" أن ما اعتبر في السابق ظاهرة ثانوية ومعزولة تحول إلى وباء حقيقي أصاب الجيش الإسرائيلي، حفلات سكر داخل القواعد العسكرية، وامتدت الظاهرة لتشمل المستوى القيادي.

 - التهرب من الخدمة العسكرية...

 - التغيرات في البيئة المحيطة سياسيًا وعسكريًا...

استخلاص العبر

ويحاول الجيش الإسرائيلي استخلاص العبر من حروبه من خلال العمل على تجاوز ما يسميه "اخفاقات"، في المرات القادمة. فقد ورد في بحث جديد صادر عن (مركز بيغن - السادات للدراسات الإستراتيجية)، أن خطة الجيش الإسرائيلي الجديدة للسنوات المقبلة تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي أعاد تنظيم أولوياته للعقد القادم، وتشمل الأولويات العسكرية تحقيق التفوق في مجال الاستخبارات، وأنظمة الدفاع النشطة، والحرب الإلكترونية، وأنظمة حماية الحدود، في حين أن أهمية وأولوية القوات البرية انخفضت جدًا، بحسب البحث الذي أعده المتخصص في الشؤون الأمنية، عامير ربابورت (موقع قضايا مركزية، 4/9/2013).

وأضاف البحث: "لقد وضع الجيش الإسرائيلي عدة مبادئ للحرب في السنوات الأخيرة: المحافظة على قصر العملية العسكرية قدر الإمكان، تقليل الأضرار للجبهة الداخلية، وذلك من منطلق أن الجبهة الداخلية ستجد صعوبة في مواجهة هجوم صاروخي لفترات طويلة".

وخلص الباحث إلى القول إن "خطط الجيش الإسرائيلي تبدو ممتازة، والمشكلة الرئيسية هي أن بعض السيناريوهات الموضوعة أمام صنّاع القرار في تل أبيب من المستويين السياسي والعسكري مثل انهيار النظام الملكي الهاشمي في الأردن، إلى جانب إلغاء اتفاق "السلام" مع مصر، واندلاع انتفاضة ثالثة، أو تهديد نووي من إيران، والذي لم يعد ضرباً من الخيال، ويمكن لهذه التطورات، أو تلك التي لا يمكن التنبؤ بها أنْ تجعل جميع الخطط التي وضعها الجيش الإسرائيلي للتطوير وتغيير بنية الجيش، غير ذي صلة".

وكتب المعلق المخضرم في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ايتان هابر أن "العالم المحيط بـ"إسرائيل" "انقلب وتغيّر ويحاول الولوج بخطوات ديمقراطية مترددة"، لكن الصورة ليست واضحة بعد، وهي ليست مريحة لـ"الفيلا في الغابة"، وهو التوصيف الذي أطلقه وزير الدفاع السابق أيهود باراك على "إسرائيل". مشيراً إلى أن "الأنظمة (العربية) و"الثوار" على السواء لا يشكلون بشرى سارة لإسرائيل التي تنزف، والتي تحاول العيش حياةً طبيعية في بيئة مدمرة ومشتعلة".

وأضاف: "بعد حرب عام 1973، أيقن الإسرائيليون أن إسرائيل لا تملك وحدها كل الحكمة وكل القوة العسكرية... الجماهير المنفلتة من حولنا تتربص بنا أيضاً، وبعد الحكام في بلادهم قد يأتي دورنا، ونحن كما دائماً قد ننتصر لكننا سنبقى واقفين على أصابع الأرجل نسأل حتى متى؟". وزاد أن "العام الجديد سيشهد عودة الملف الإيراني إلى الواجهة العالمية"، "فالوقت ينفد بسرعة، وإسرائيل مع رئيس أمريكي لا يهيم بها، تجد نفسها وحدها تقريباً في المعركة في مواجهة دولة عظمى إسلامية تلاحقها بلا توقف".

وكتب سيفر بلوتسكر "قد تجتاز إيران الخط النووي الأحمر وتجلب لنفسها حرباً جديدة، وربما يحصل العكس بعد استخلاص عبر من الحالة السورية". وأردف: "ليس مستبعداً، على الرغم من عدم رغبة إسرائيل، أن تضطر للتدخل في سورية وسيناء... كذلك قد تصل المحادثات مع السلطة الفلسطينية التي ترتدي أمام ناظرينا صورة أخرى، خلال الأشهر المقبلة إلى نقطة اللاعودة التي تتطلب من نتنياهو الحسم... وقد تغير الولايات المتحدة مقاربتها معنا ويصبح الحوار مع الرئيس باراك أوباما أكثر صرامة" (هآرتس، 6/9/2013).

وقالت صحيفة "جيروزاليم بوست"، (9/9/2013) "إن الأوضاع الأمنية المتردية في سيناء والنشاط المتزايد للجماعات المسلحة بداخلها تُشكل التهديد الأكبر على الأمن القومي الإسرائيلي، في ظل التكتم الإسرائيلي وعدم قدرتها على الإعلان رسمياً عن تحمل قيامها بتنفيذ غارات على الأراضي المصرية". ونقلت الصحيفة الإسرائيلية، التي اعتمدت على مصادر أمنية وصفتها بأنها رفيعة المستوى في تل أبيب، قولها إن "شبه جزيرة سيناء أصبحت مثل قطاع غزة عشًا للدبابير و"للأنشطة المعادية" على حد وصفها، إلا أن سيناء تختلف بعض الشيء عن القطاع وذلك كونها محافظة صحراوية شاسعة وأراضي ذات سيادة مصرية، الأمر الذي يصعب على 'الدولة العبرية التعامل معها".

ورأت أن الوضع مع شبه جزيرة سيناء بات معقداً من ناحية أمنية، والتهديدات تتعاظم، مع إمكانية شن هجمات وتنفيذ عمليات خطف على أنواعها. أما مرابطة الوحدات العسكرية هناك، والتي كانت تعد في الماضي مرابطة استجمام، فتحولت إلى مرابطة حقيقية من كل النواحي: الوسائل القتالية والموازنات والقوة البشرية. والمتابع يرى أن الجهد الأساسي المبذول إسرائيلياً لا يتعلق فقط بمنع ما يسمى الإرهاب من سيناء، بل في الطرق والأساليب التي تمنعه، وفي الوقت نفسه عدم الإضرار بما يسمى "السلام" مع مصر.

وتقول صحيفة "معاريف" العبرية لقد اعتُبرت شبه جزيرة سيناء حتى إبان رئاسة محمد حسني مبارك وكراً لـ "الإرهاب العالمي". فالمنظمات الجهادية التي تحسب بعضها على القادة، استقرت في سيناء، عبر استغلالها لغياب السيطرة الأمنية، لتعزيز قوتها. وتضيف الصحيفة: "فتحت الثورات العربية، وسقوط القذافي تحديداً سوقاً أسود غنياً بالأسلحة والوسائل القتالية المتطورة التي تدفقت عبر مصر- إلى سيناء وقطاع غزة.  وتقود التنظيمات الجهادية في العام الأخير، حرباً متواصلة ضد الجيش المصري، مما يكسبها المزيد من الخبرة والمهارات في زرع العبوات الناسفة، والتدرب على مختلف أنواع الأسلحة النارية، وإطلاق صواريخ الغراد".

هذا الوضع المتفجر وغير المُسيطر عليه دفع الرئيس السابق للاستخبارات الإسرائيلية "الموساد"، مئير دغان، إلى دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو إلى إستغلال إسرائيل الفرص الحالية السانحة أمامها، بسبب التغيرات الحاصلة في المنطقة، لزيادة التوتر السني الشيعي، وعقد تحالفات جديدة في المنطقة. معتبراً أن إتفاقية "السلام" مع الأردن، والوضع في سوريا، قد أزالا التهديدات الواردة من الحدود الشرقية لدولة إسرائيل. مشيراً إلى أنه مثلما تمكنت إسرائيل من الدفاع عن نفسها في العام 1967، فإنها ستتمكن من ذلك حالياً أيضاً. داعياً إلى ضرورة الاستناد إلى المبادرة العربية كأساس للبدء بالمفاوضات، وبحوار جاد مع الفلسطينيين، وضرورة دمج الجامعة العربية، بهذه الجهود "السلمية".

وفي المحصّلة، إن مجرد طرح مؤشرات لنهاية الدولة العبرية، والتحديات الإستراتيجية التي تتهدد هذه الدولة، يعني إمكانية واقعية لحدوث أفول حقيقي لها. فقد أشار ماجد كيالي إلى أن البعض يشير إلى تحول "مركز الاهتمام الأميركي إلى نصف الكرة الشرقي، والتطورات العلمية والتقنية المتعلقة بإيجاد بدائل للطاقة، كما تأتي ضمن ذلك التعددية القطبية، وتأثير الأزمات الإقتصادية التي تضرب الدول الكبرى، وتعزّز دور المجتمعات الغربية في تقرير السياسات الخارجية، باعتماد قيم الحرية والمساواة والعدالة، يُشير أيضاً إلى أن ثمة عوامل عديدة لاحتمال أفول مكانة إسرائيل في الغرب أيضاً".

في الختام، إن القادم هو النهاية الطبيعية لإسرائيل، التي لم تعد قادرة على التوسع الجغرافي، بل باتت تجد نفسها مضطرة للحفاظ على مشروعها الذي أقامته عام 1948، لتجد نفسها أمام معضلات الأمن من جديد وخطر الانهيار وتوثُّب مقاومة تسعى للحسم متحيّنة كل فرصة ممكنة...

اعلى الصفحة