انقسام الشارع المصري وآفاق الحل السياسي

السنة الثانية عشر ـ العدد141 ـ (شوال ـ ذو القعدة 1434  هـ ) أيلول ـ 2013 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

بعد كل ما حصل في مصر، هل ستستمر جماعة "الإخوان المسلمين" في مقاومة الدولة ومن ورائها العسكر؟ هل ستتمسك بمطلبها برفع العزل عن محمد مرسي وإعادته إلى كرسي الرئاسة؟ أسئلة كثيرة تنبع من الواقع الصعب الذي تعيشه مصر بكل فئاتها وأطيافها.

إن التطورات الدراماتيكية في مصر تطغى على واجهة الأحداث، ومشاهد القتلى والجرحى في رابعة العدوية والنهضة بين مدنيين وعسكريين أصابت المصريين والعالم بصدمة حقيقية، فما كان من كثير من  الدول إلا أن استنكرت ونددت بما حصل بأقسى العبارات.

قوات الأمن المصرية تقتحم ساحتي الإعتصامات

دقت ساعة الصفر في مصر، حيث بدأت قوات الأمن بعد تحذيرات متكررة فض اعتصامي جماعة "الإخوان المسلمين" في ميداني رابعة العدوية والنهضة في القاهرة. وحدات مكافحة الشغب والأمن المركزي مزودة بالآليات والمعدات اللازمة، انطلقت باتجاه ميداني النهضة ورابعة العدوية، مستخدمة الغاز المسيل للدموع لتفريق المعتصمين والجرافات لإزالة السواتر والخيم المنصوبة، تاركة منفذا يسمح بالخروج الآمن من ساحتي الاعتصام، مطالبة عبر مكبرات الصوت المعتصمين بوجوب المغادرة دون ملاحقات.

تحدثت وسائل إعلامية عن ضبط أسلحة في ميدان النهضة بعد سيطرة قوات الأمن عليه. أما حصيلة القتلى والجرحى فكانت كبيرة جدا، حيث أظهرت مشاهد بثتها وسائل الإعلام العديد من القتلى والجرحى في مستشفيات "الإخوان الميدانية". تبع فض الإعتصامين إعلان الرئاسة المصرية حال الطوارئ في مصر نظرا لما قالت إنه يعرض الأمن والنظام في أراضي الجمهورية للخطر.

أصداء الأحداث في القاهرة بلغت المحافظات، خاصة مع دعوة جماعة " الإخوان المسلمين " إلى مسيرات في مختلف المحافظات المصرية، حيث أقدم أنصارها على قطع الطرقات وهاجموا عددا من دواوين المحافظات ومراكز الشرطة. وقد أحرق المحتجون ٣ كنائس في سوهاج والمنيةـ وسقط عشرات القتلى في مواجهة وقعت بين مؤيدي الرئيس المعزول مرسي وقوات الأمن في محافظات الفيوم والسويس وبني سويف.

في سياق متصل، أعلمت الحكومة المصرية وقف حركة القطارات في البلاد، لمنع حصول تظاهرات بالتزامن مع دعوة أنصار " الإخوان " للنزول إلى الشارع.

بحلول ليل ذلك اليوم الأسود، كانت قوات الأمن المصرية قد أحكمت السيطرة على محيط مسجد رابعة العدوية في مدينة نصر وميدان النهضة في الجيزة، بعد عملية أمنية واسعة استغرقت ١٠ ساعات، ونجحت في تحقيق هدفها الأساسي المتمثل بفض اعتصامي مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي. لكن الثمن الباهظ للعملية المتمثل خصوصا في مقتل وإصابة المئات من الطرفين، أثار المخاوف من نتائج عكسية تبدت على المستوى الأمني، ومن أبرز ملامحها الظهور غير المسبوق لمسلحي "الإخوان" في شوارع مصر والهجمات التي تعرضت لها الكنائس والأديرة ومنشئات الدولة في أكثر من محافظة والعودة إلى حال الطوارئ وحظر التجوال.

كما تبدت هذه المخاوف في بداية تصدع العهد الجديد المنبثق عن ثورة ٣٠ يونيو بعد استقالة محمد البرادعي من منصب نائب رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية. وأما في الخارج، فقد برز سيل من الانتقادات التي وجهتها عواصم دول العالم للجيش المصري على خلفية استخدامه للقوة.

وهكذا، بدا أن السلطات المؤقتة قد قطعت شعرة معاوية التي أصرت على الحفاظ عليها طوال أكثر من ٤٠ يوماً مع "الإخوان"،  منذ عزل رئيسهم محمد مرسي في ٣ تموز الماضي، وبعد قرابة أسبوع عن الإعلان عن وقف عملية التفاوض مع مؤيدي الرئيس المعزول، غداة جولات مكوكية قام بها وسطاء أمريكيون وأوروبيون وإماراتيون وقطريون، وبعد محاولات لفتح قنوات اتصال غير مباشرة تفضي إلى تسوية للأزمة، حددت وزارة الداخلية ساعة الصفر لتنفيذ التكليف الصادر عن مجلس الوزراء بفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. إذا كان لا بد من التوقف عند ما حصل في ميداني رابعة العدوية والنهضة فيقتضي إدانة أي نوع من القتل، لكن السلطات المصرية الرسمية سبق وأعلنت أنها بصدد فك الإعتصامات، محذرة من مغبة استخدام الأسلحة النارية ضد الأجهزة الأمنية. السؤال المطروح حالياً: ما هو المطلوب لإعادة الاستقرار والأمن إلى مصر في الوقت الذي برزت فيه معالم تدخلات دولية وإقليمية، الهدف منها إضافة مزيد من الخلافات على واقع الحال المصري؟.

في هذا الإطار، فإن المؤسسة العسكرية المصرية المسؤولة أمام الشعب المصري ستكون هي المسؤولة في الأيام اللاحقة عن إعادة ترتيب الأولويات في مصر، بعيداً عن التدخلات الأمريكية والأوروبية والتركية والخليجية. هذا يعني أن الأمل ما زال معقودا على هذه المؤسسة التي هي الضامن الوحيد إلى جانب الشعب المصري لإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع مصر، هذه الدولة التي لا نرغب إلا أن نراها عزيزة وعربية ومستقلة.

عودة حال الطوارئ إلى مصر

غرقت ميادين القاهرة ومحافظاتها بدماء أبنائها بعد تنفيذ فض اعتصامات جماعة  "الإخوان المسلمين" بالقوة، في خطوة أعلنت على أثرها حال الطوارئ. ضرب الجيش بيد من حديد، وإن كان قد أحال التنفيذ على ذراع وزارة الداخلية لتبدأ بعدها مرحلة أشد سوءاً، إذ إن ما حدث زاد حتما من عمق الشرخ بين المصريين.

لقد عاشت مصر أحد أسوء أيامها منذ ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ بعد ما سقط مئات القتلى والجرحى في عمليات فض اعتصامات أنصار جماعة "  الإخوان المسلمين " التي تطالب بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي. ففي يوم واحد، خدشت مصر سمعتها كبلد لأكبر ثورات الربيع العربي التي رفعت شعار السلمية. وفي نفس الوقت، أعاد فرض حال الطوارئ تذكير المصريين بثلاثة عقود من الحكم الاستبدادي الذي أطاحت به ثورتهم تلك. كما خسر الجيش الذي لعب دور صمام الأمان خلال الثورة المصرية صورته أمام جزء من الشعب المصري، واهتزت هيبته بعد مشاركته في فض اعتصام لمتظاهرين مدنيين خلف مئات القتلى والجرحى.

يصعب تقويم ما حصل في الآونة الأخيرة في مصر، لكن تقارير لمنظمات حقوقية عربية وغربية انتقدت الاستخدام المفرط للقوة في فض اعتصامات "الإخوان المسلمين"، حيث قالت منظمة العفو الدولية إن السلطات المصرية أخلت بالتزاماتها اتجاه ضمان أمن وسلامة المعتصمين السلميين.

لقد سبق لمنظمات حقوقية دولية أن حمّلت السلطات المصرية المدنية والعسكرية المسؤولية المباشرة عن كل انزلاق نحو دوامة العنف. ومع الضحايا الذين سقطوا من الجانبين، بات يخشى أن تتسع دائرة سفك الدماء ما يهدد بانهيار منظومة الأمن والسلم الاجتماعي، الأمر الذي قد يجر البلاد إلى الدخول في نفق مظلم لا أحد يعرف نهايته.

إن ما عاشته مصر مؤخراً سيلقي بظلاله على مستقبل البلاد وسيجعل العلاقة بين قوات الأمن والجيش مع شريحة من الشعب يمثلها "الإخوان المسلمون" أكثر توتراً، وسيجعل حل الأزمة المصرية أكثر تعقيداً مما مضى. وعلى ذلك، ستكون لما حدث تداعيات غير متوقعة على مستقبل منطقة تعيش مخاضا صعبا، منذ أن ضربها تسونامي الربيع العربي.

هل تتكرر تجربة الجزائر في مصر؟

قتل حوالي 200 ألف شخص خلال حرب أهلية دارت رحاها لعشر سنوات في الجزائر بعد أن رفض الجيش الاعتراف بنتيجة انتخابات أتت بالإسلاميين وهو مثال لا يغيب عن ذاكرة البعض في مصر بعد أن عزل الجيش الرئيس محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة "الإخوان المسلمين".

لم يسمح للإسلاميين في الجزائر بالحكم قط لكن مرسي أدار مصر لعام وربما حال شعور واسع بأنه كان ضحية أخطائه دون حمل بعض أنصاره السلاح دفاعا عنه. لكن إسقاطه قد يؤدي إلى انقسام الجماعات الإسلامية التي دخلت معترك السياسة المصرية بعد الانتفاضة التي أطاحت عام 2011 بحكم حسني مبارك الذي قمعهم لعقود.

وقد يفقد "الإخوان المسلمين" وحلفاؤهم السلفيون والجهاديون أنصاراً خصوصاً في شريحة الشبان الذين باتوا يرون أن التجربة الديمقراطية قد فشلت وأن النهج السلمي لن يؤدي بهم إلى نتيجة. يعتبر معظم أنصار مرسي تدخل الجيش انقلاباً عسكرياً بينما تقول السلطات المصرية إن الجيش استجاب لمطالب الشعب. وتوجد بمصر منذ عقود حركات إسلامية متشددة تصب عداءها على الحكومة.

واتهم الرؤساء المصريون الثلاثة الذين حكموا مصر بعد ثورة عام 1952 الإسلاميين بمحاولة اغتيالهم، ونجحت المحاولة مع الرئيس أنور السادات. وقاد الإسلاميون في التسعينات حملة دامية ضد قوات الأمن في صعيد مصر.

وتخلت "الجماعة الإسلامية" التي نفذت بعضاً من أعنف الهجمات عن العنف وشكّلت حزباً سياسياً بعد سقوط مبارك. لكن بعض أعضاء "الجماعة" أعلنوا أنهم سيعودون إلى حمل السلاح مرة أخرى دفاعاً عن حكم مرسي وهو تهديد يحاول قادة "الجماعة" الآن التهوين منه وهو مثار جدل بين صفوف الجماعة.

وقال خليل العناني الخبير بالإسلام السياسي بجامعة دورهام في بريطانيا إن خطر وقوع أعمال عنف محدودة في مصر خطر قائم خصوصاً في شبه جزيرة سيناء التي غاب عنها القانون والنظام كثيرا منذ سقوط مبارك. وقال العناني إن عزل مرسي يمكن أن يعزز ما تردده جماعات متشددة مثل القاعدة من أن الديمقراطية ليست هي السبيل. وأضاف "الآن سيقولون: انظروا.. هذه هي الديمقراطية التي تقاتلون من أجلها". وستعتمد صحة هذه المقولة على تصرفات الجيش خلال الفترة الانتقالية ومدى تماسك الإسلاميين الذين ساندوا "خارطة الطريق" التي وضعها.

حرب سعودية غير معلنة على "إخوان" مصر

إنها حرب سعودية، وإن كانت غير معلنة على "إخوان" مصر، وهذه الحرب بين الطرفين ليست مستجدة، بل هي حصيلة لتاريخ مثقل بين الجانبين، على الرغم من الزواج المصلحي وشهور العسل القصيرة، وهي وإن تكن تخاض على نحو غير مباشر، إلا أنها واضحة وضروس وتجر الأسئلة تلو الأسئلة.

هل انفجرت الصراعات الأيديولوجية بين الوهابية و"الإخوان" ؟ هل تقف هذه الصراعات عند حدود مصر أم تتعداها إلى سائر "الإخوان" في تونس والمغرب والأردن والسودان واليمن؟ وأي شكل قد تأخذ في سوريا، خصوصاً أن المملكة السعودية هي الداعم الأكبر للمناهضين للنظام في سوريا؟ هل تخوض المملكة المعركة في بلاد الشام على جبهتين معا، جبهة ضد النظام وجبهة أخرى ضد المعارضة الإخوانية؟ وهل يكون ذلك عبر دعم السلفيين الجهاديين ـ الخصم الأبرز للطرفين أم تبحث عن حصان آخر، أم هي تكرس كل الدعم لجماعة جديدة؟.

السؤال الأهم هو عندما تنتقل المملكة من حال الترصد إلى حال الهجوم السياسي والدبلوماسي النشيط ، كيف لها أن تحصن ساحتها الداخلية من رد فعل "الإخوان" وأصدقائهم داخل الخليج وفي المنطقة؟ فـ"الإخوان" ليسوا عزلاً بعد ولديهم تنظيم سري ومنتشر، ولديهم أيضاً إمكانيات مادية وتحالفات سياسية بعضها معروف وبعضها الآخر مستور. السعودية في معركتها هذه تكشف وجهاً جديداً من سياستها، ويبقى علينا انتظار رد "الإخوان" في الخليج وخارجه على هذه السياسة.

السياسة الأمريكية حيال مصر

قبل العودة إلى البيت الأبيض من إجازة قصيرة، أقر الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن الأزمة السياسية في مصر وضعت الولايات المتحدة في نقطة تجاذب بين القيم الأمريكية الداعمة للديمقراطية ومصالحها التي تحتّم المحافظة على علاقة غير مضطربة بالمؤسسة العسكرية المصرية، صوناً للأمن القومي الأمريكي المتمثل في حماية إسرائيل واستقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

يبدو أن ذلك التنازع جعل الفرع التنفيذي للإدارة الأمريكية يحرص على تبني الحياد، كما جاء على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما. أما في الفرع التشريعي لهذه الإدارة، فقد اتهمت أصوات مؤثرة إدارة أوباما بالتنصل من القيم والقوانين الأمريكية التي ترفض الانقلاب، وفي مقدمة هذه الأصوات السيناتور الجمهوري جون ماكين، الذي اتهم الرئيس أوباما بالتنصل من وعد قطعه وهو وقف المساعدة الأمريكية في حال قيام المؤسسة العسكرية المصرية بانقلاب. ودعا ماكين إلى اتخاذ إجراءات فورية، من بينها وقف المساعدة المالية ووقف التعاون العسكري مع الجيش المصري، وهو موقف يدعو في مجمله إلى التعاون مع "الإخوان المسلمين" في مصر كأحد ركائز العمل السياسي وليس بالضرورة كتنظيم سياسي يتمكن من حكم مصر.

علام يستقر الموقف الأمريكي؟ هل يستمر في مغازلة جماعة "الإخوان المسلمين" من تحت الطاولة وفوقها وتشجيعها على العناد لأغراض منها ما هو معلوم ومنها ما هو طي الكتمان؟.

انسداد أفق الحل السياسي في مصر

"..متظاهرون معتصمون داخل مسجد "الفتح" وقوات  الجيش والشرطة تحيط بهم.. مشهد تبعه تبادل لإطلاق النار ثم فض للاعتصام..".. يلخص هذا المشهد أبرز التطورات في مصر اليوم. تأتي هذه الأحداث على خلفية إعلان جماعة "الإخوان المسلمين" عن بدء فعاليات تظاهرات ما أطلق عليها "أسبوع الرحيل"، والتي أعقبت ما سموها "جمعة الغضب" حيث سقط فيها أكثر من ١٧٠ قتيلاً.

لقد تصدت قوات الأمن المصرية للمظاهرات على مدى عدة أيام، ولكن هل نشهد المزيد في المستقبل؟ أما الإخوان، فيبدو أنهم مصرون على ألا يتوقفوا عن التظاهر. في المقابل، هناك إصرار حكومي على المضي قدماً في تنفيذ "خارطة الطريق". على الرغم من أن بعض المراقبين لا يرون أن هناك احتمالات بوقوع حرب أهلية في مصر، إلا أن الوضع يبدو وكأنه يتجه إلى مزيد من الأحداث المثيرة خلال الأيام المقبلة، ما لم يتوفر مخرج سياسي عاجل.

في هذه الأثناء، تقدم الدكتور حازم الببلاوي رئيس الوزراء المصري المؤقت بحل جماعة "الإخوان المسلمين" قانونياً. اقتراح يثير المخاوف حول إمكانية إحكام سيطرة الدولة على الأمور في مصر حال الأخذ به، لأنه سيجبر "الجماعة" على العودة إلى العمل السري مرة أخرى. فعلى الرغم من خروج الرئيس المعزول محمد مرسي من رحمها، إلا أن جماعة "الإخوان المسلمين" كانت محظورة تقنياً لفترة طويلة من الزمن، أي منذ حلها الرئيس جمال عبد الناصر في عام ١٩٥٤، إلا أنها تقوننت مؤخراً بتسجيل نفسها كمنظمة غير حكومية.

لم يكن السقوط المدوي مفاجئاً لمن تابع تصرف "الإخوان المسلمين" كسلطة، بعد سلسلة من المصادفات التي رفعتهم إلى سدة الحكم في لحظة ملتبسة. فقد لجأ "الإخوان" إلى التآمر بداية مع المجلس العسكري والتواطؤ على شباب ميدان التحرير عبر مجموعة من الحيل الدستورية، ثم عبر المخادعة ومحاولة الإيقاع بين مختلف القوى السياسية، وأخيراً عبر استبعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير طنطاوي، بعدما استخدموه سلّماً واستقووا به للوصول إلى سدة الحكم.

لقد كشف "الإخوان المسلمون" عن نقص في الكفاءة القيادية، ثم إنهم تسرعوا في فضح تلهفهم على نيل الرضا الأمريكي بصورة مباشرة أو عبر العدو الإسرائيلي، بل لقد ارتكب الرئيس "الأخواني" خطيئة قاتلة حين كاتب رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريس، مستخدماً عبارات من النفاق والذل الذي تأباه كرامة الشعب المصري.

كشف الحكم "الأخواني" أيضاً أن صلاته بواشنطن قديمة ولكنها كانت عادية، حيث عين موفدين خصوصيين لهذا الغرض، وكان الخط مفتوحاً دائماً بين الطرفين. ليس بالإمكان حصر الأخطاء التي ارتكبها "الإخوان" أثناء حكمهم لمصر، سواء مع إيران أو روسيا والصين. إن سقوط  حكم "الإخوان" يحرر الدين الإسلامي من الصورة الرديئة التي حاولوا أن يحبسوه فيها، بل إن هذا السقوط أعاد فتح باب الأمل ليس أمام مصر وحدها، بل أمام الأمة كافة، لأنها جديرة بأن تصنع مستقبلها بإرادتها الحرة وبكفاءة أبنائها واستعدادهم للتضحية بالغالي والنفيس من أجل غد أفضل.

الأزمة الحادة التي تمر بها مصر وتعرفها بعض دول الربيع العربي وإن بطريقة أخرى لا تقل إيلاماً عن المشهد المصري، هي نتيجة حتمية بعد ما عانته هذه الدول في ظل الإستبداد على مدى عقود. لقد كشفت تجارب دول الربيع العربي صعوبة اجتثاث الأنظمة التي أسقطتها شعوبها، حتى بعد مرور ٣ سنوات على اندلاع تلك الثورات. فأغلب الإنتفاضات التي فجرتها الشعوب التي أطاحت بأنظمتها تحولت إلى صراعات مريرة تتنازع فيها قوى سياسية، مفجرة انقسامات مجتمعية عميقة بين الإسلاميين والعلمانيين، وبين طوائف مذهبية مختلفة، وهو ما صرف من قاموا بهذه الثورات عن الأهداف التي قامت من أجلها تحت شعارات الديمقراطية والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.

إن ما تشهده اليوم دول الربيع العربي من فوضى هو تعبير عن حالة الفراغ وانعدام البديل. فالشعوب التي سعت للخلاص من أنظمتها المستبدة لم تكن مستعدة لما سيأتي بعد الإطاحة بها.

إن إخفاق الثورات العربية في الاستجابة لمطالب شعوبها البسيطة والمتمثلة بالخبز وفرص العمل والعلاج والكرامة الإنسانية إضافة إلى النخب السياسية وصراعاتها الحادة هي التي أدخلت بلدانها إلى نفق مسدود يصعب تلمس الضوء الذي يؤدي إلى نهايته. فخيبة الأمل التي أصابت شعوب هذه الدول من ثوراتها وحالة الإحباط التي تعيشها كلها وقود تغذي الأزمات الحتمية التي تمر بها، بعد ما عانته تلك الشعوب في ظل أنظمتها الاستبدادية بانتظار التغيير الحقيقي والجذري، والذي قد يتطلب عقودا وأجيالا لانجازه.

اعلى الصفحة