|
|||||||
|
من بين الأمور الأكثر حساسية في تداعيات المشهد المصري المفتوح على احتمالات شتى، والذي تسعى أطراف عديدة، وعلى رأسها إسرائيل والولايات المتحدة، إلى جرّه باتجاه ما يشبه السيناريو السوري بعد عزل الرئيس محمد مرسي، وإبعاد حركة "الإخوان المسلمين" عن منصة الحكم في بلاد النيل، هو صعوبة التيقن من المدى الزمني للمرحلة الانتقالية وخارطة الطريق التي أعلنها الحكم المؤقت، والمتخمة بالصعوبات والتحديات، وتأثير ما حدث، ليس فقط على مستقبل ما يسمى "الإسلام السياسي"، وخصوصاً في كل من تونس وسوريا، وإنما كذلك على الواقع العربي والجوار الإقليمي، ولاسيما على حركة "حماس" الفلسطينية التي يعتبرها البعض بمثابة الخاسر الأكبر الذي قامر بكل أوراقه على حكم "الأخ الأكبر" في مصر. كما أن ثمة صعوبة أخرى لها علاقة بمآل الحملة العسكرية التي بدأها الجيش المصري في سيناء للقضاء على "المجموعات الإرهابية" التي رفعت وتيرة عملياتها المسلحة ضد المواقع العسكرية والشرطية. ومبعث هذه الصعوبة لا يتعلق فقط بالجانب العملاني في شبه الجزيرة المصرية الواسعة الأرجاء، والتي تحولت إلى ساحة جذب لـ "الجهاديين" المتطرفين من أرجاء العالمين العربي والإسلامي، وإنما يتصل كذلك، وبالأساس، بتعقيدات مشهد العلاقات المركَب الذي طفا على سطح الخريطة المصرية الداخلية، وعلى شكل وطبيعة العلاقة مع الجوار الفلسطيني والإسرائيلي، ومن خلفهما الولايات المتحدة، بعد الإطاحة بحكم "الإخوان المسلمين" الذين أعلنوا، وبدون مواربة، أنهم لن يعيدوا الهدوء إلى سيناء إلا بعد عودة الرئيس المعزول، كما أنهم، ووفق ما كشفت حملة "تمرد" على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، أعدوا خطة لنشر الفوضى والعنف تتضمن التحرك والانتشار في المناطق والأحياء الشعبية واستفزاز أهالي تلك المناطق للصدام معهم، بهدف إخراج مصطلح "شبيحة السيسي" وإرسال لقطات مصورة من الاشتباكات للفضائيات المؤيدة للجماعة. كما وتتضمن الخطة اقتحام منشآت حيوية وعسكرية وتعطيل السكك الحديدية. إسرائيل وأمريكا والخطوط الحمر! في البداية، وقبل القفز إلى محاولة تفكيك أجزاء الصورة الملتبسة في سيناء التي يجري تحويلها إلى ساحة حرب واستنزاف للمصريين وجيشهم وثورتهم، لا بد من التأكيد على أن الجيش المصري الذي يجري التصويب عليه، هو من آخر الجيوش العربية التي ما تزال تحتفظ بقوتها وتماسكها، وتعتبر أن دولة إسرائيل وجيشها هما العدو، رغم مرور أكثر من 33 عاماً على "كامب ديفيد"، وعلى الرغم من العلاقة الخاصة التي تربط هذا الجيش، تدريباً وتأهيلاً وتسليحاً، بالولايات المتحدة. كما لا بد من التنويه بأن المضي في طريق "الثورة" وتحقيق إنجازات وطنية وسياسية واقتصادية واجتماعية تلبي الحد الأدنى من مطالب الشعب المصري، سيصطدم، بالضرورة، بالخطوط الحمر الإسرائيلية والأمريكية، وتجلياتها المتعددة على مختلف المستويات، سواء ما تعلق منها باتفاقية "كامب ديفيد" التي عزلت مصر عن بيئتها العربية الطبيعية، وكبّلتها، سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً وثقافياً، أو ما له علاقة بقيود التبعية المتعددة الأطراف للولايات المتحدة، والتي تمنع الدولة الوطنية المصرية من القيام بدورها القومي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي المفترض، وتحوَلها إلى مجرد ظل للسياسات الأمريكية ومخططاتها في المنطقة. على هذه القاعدة، وانطلاقاً من زوايا هذه الرؤية التي تسلط الضوء على التناقض الموضوعي ما بين أهداف الشعب المصري وتطلعاته المحرَكة للجولة الثانية من الثورة، ومصالح وأهداف الدولة العبرية والإدارة الأمريكية، يمكن النظر إلى مواقف تل أبيب وواشنطن حيال التطورات المصرية الأخيرة وتداعياتها المتخمة بالتحديات والمخاطر، وخاصة في سيناء التي يهدد "الإخوان المسلمين" باستخدامها كساحة صراع دموي رئيسية ضد الجيش المصري. إذ، بالنسبة لإسرائيل التي وافقت، وحسب ما نقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" في موقعها على شبكة الإنترنت عن مصادر أمنية إسرائيلية، على إدخال كتيبتين من الجيش المصري إلى منطقة سيناء، ولأول مرة منذ الإعلان عن اتفاق "كامب ديفيد"، لمواجهة الأعمال الإرهابية في سيناء، فإن خطابها الرسمي المعلن يتمحور حول بذل المستطاع للحفاظ على كنز "معاهدة السلام"، بدليل إبلاغها الأمريكيين بأن أي مساس بالمعونة الأمريكية السنوية لمصر يلحق أضراراً بـالدولة العبرية؛ ومنع عمليات المنظمات الإسلامية ضدها انطلاقاً من سيناء، من خلال إقامة سياج أمني، بطول مئات الأمتار على طول الحدود البحرية القريبة من مصر بين مدينتي إيلات وطابا في البحر الأحمر، بعد الانتهاء من بناء معظم أجزاء الجدار البري في منطقة إيلات، ومواصلة نشر وحدات معززة من قواتها على طول الحدود الجنوبية. ما يبقيها في حالة تردد بين تدخل محدود بنية اعتراض خطر بعينه، وبين الخوف من الانجرار إلى قلب الأحداث. ويبدو أن هذا الحذر الإسرائيلي يستند إلى واقع أن مصر، ومنذ إبرام اتفاقيات "كامب ديفيد"، تشكل، في نظر إسرائيل، حجر الزاوية في الإستراتيجية الإقليمية، كونها ركيزة الاستقرار والفوضى في المنطقة، وهي القوة العربية الأكبر التي من دونها يفقد العرب قدرتهم على حسم أي معركة معها. وبالتالي، فإن ما يجري في مصر ومستقبل التطورات مهم جدا للدولة العبرية، ليس فقط من الزاوية الضيقة التي يحاول البعض الإمساك بها، وهي أثر سيناء على الوضع الأمني في إسرائيل، وإنما من الزاوية الإستراتيجية الأوسع إقليميا ودوليا. وقد عبَر وزير الحرب موشيه يعالون عن هذه الرؤية من خلال التقدير بأن الأحداث في مصر وسوريا ولبنان يمكن اعتبارها "مسيرات تاريخية" لن تنتهي في الفترة القريبة، وأن حالة عدم الاستقرار في مصر تستوجب التحلي باليقظة ليس من جانب أجهزة الاستخبارات فقط وإنما من جانب قوات الجيش بكاملها، والمستوى السياسي أيضا. وهو ذات التقدير الذي قدَمه وزير الحرب الأسبق ورئيس حزب "كاديما" شاؤول موفاز، وجوهره أن عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط "سيعرَض إسرائيل للخطر"، إذ من الممكن وبصورة سهلة، وكما جاء على لسان موفاز، أن تصل تلك الهزات إلى إسرائيل، ما يستوجب الانتقال إلى بناء قوة جديدة داخل الجيش الإسرائيلي. "جيش ذكي".. وتسوية مع المتطرفين وكانت فكرة بناء القوة الجديدة داخل الجيش الإسرائيلي، أي تحويل القوات إلى "جيش صغير وذكي"، قد بدأ التفكير فيها منذ أكثر من أكثر من عقدين. غير أن التطورات العربية التي بدأت في بداية العام 2011، وشروع القوى العربية بإعادة تشكيل السياسي بشكل عنيف، ولاسيما في سوريا ومصر، دفع العديد من المفكرين الإستراتيجيين في إسرائيل للقول بأن الفرصة باتت سانحة لترجمة هذه الفكرة. فالجيش السوري الذي كانت إسرائيل تتحسب لقوته يخوض حرباً شرسة ضد عصابات الإرهاب المستجلبة من أربع بقاع الأرض منذ أكثر من عامين، فيما يمر الجيش المصري بأوضاع صعبة، في ظل الاستقطاب الحاد في المجتمع المصري بين القوى الإسلامية وسواها. وقد سبق وأن تحطمت الركيزة العربية الثالثة وهي الجيش العراقي بتدمير العراق في الغزو الأمريكي له، ما يعني، بالنسبة للإسرائيليين، انعدام احتمالات الحرب التقليدية، الشاملة أو المحدودة مع دولة أو دول عربية، في السنوات القليلة المقبلة، وتوفر الظرف الملائم لإعادة تشكيل جيشهم ونظرية تفعيله على أسس حديثة. وترمي خطة التحديث التي تسمى "تعوزا"، إلى تخليص الجيش الإسرائيلي تقريباً من كل أسلحته القديمة وتغيير وجهته بشكل شبه تام. وفي إطار هذه الخطة يجري التخلص من الكثير من وحدات المدرعات والمدفعية والسفن الحربية بل وأسراب الطائرات القديمة نسبياً. وخلافاً لخطط سابقة كان التغيير يتم فيها بالتدريج وبشكل طبيعي فإن التغيير هذه المرة يتم بسرعة وبقصد التوفير بأسرع وقت ممكن. وبناء على ذلك، بدأ الجيش الإسرائيلي، منذ فترة قصيرة، بإغلاق سرب طائرات وينوي إغلاق سربين آخرين خلال العامين المقبلين، وكل ذلك قبل أن تصل أسراب طائرات "ف36" التي تعاقدت إسرائيل على شرائها من الولايات المتحدة. وكذا الحال مع السفن الحربية التي ينوون التخلص منها، وربما بيعها لتوفير ملايين الدولارات المطلوبة للجيش في إطار الخطة الجديدة لتعزيز توجهات في أذرع أخرى. مع العلم أن جهداً إسرائيلياً كبيراً سيتجه أساساً نحو تطوير سلاح الاستخبارات وأدوات حرب "السايبر"، وتطوير قدرات التنسيق بين مختلف الأذرع والقوات، ناهيك عن توفير قدر هائل من النيران الموجهة نحو أهداف مراقبة بشكل جيد. وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي اعتمد طوال تاريخه على قدرة الحركة، إلا أنه هذه المرة يركز على خفة الحركة باعتماد وسائل من طراز جديد. وهو بذلك يحقق هدفين بضربة واحدة: يتجاوب مع الاحتجاجات الشعبية الكامنة، راهناً، تحت الرماد، فيقلص الميزانية، من جهة، ويتجاوب مع التطوير المطلوب، من جهة ثانية. ولكن، في المقابل، ثمة وجه غير مرئي، للسياسة الإسرائيلية، تحكمه الإستراتيجية الحقيقية للدولة العبرية، والتي تقوم على قاعدة مفادها أن "أمن واستقرار" الدولة العبرية يتطلب حالة من "الفوضى وعدم الاستقرار" في الدول العربية المحيطة، وعلى ضرورة "تسوية الأمور" مع المتطرفين، على حساب معسكر الديمقراطية والتقدم تحت سقف تفوق إسرائيل العسكري، بهدف إبقاء كرة النار مشتعلة في ملعب الدول العربية، وعدم السماح لأي شعب عربي بتقديم أنموذج ديمقراطي استقلالي يضع قضايا التحرر والسيادة والعدالة الاجتماعية في مقدمة جدول أعماله، ما يعني أن إسرائيل ستكون معنية بإذكاء نار الفتنة ضد الجيش المصري في سيناء، واستخدام العديد من المجموعات المتطرفة لإدارة "حرب عصابات" في مواجهته، ليس فقط للتأثير على شكل وطبيعة النظام السياسي الذي يتبلور راهناً في القاهرة، وإفقاده القدرة على اتخاذ قرارات مصيرية تعيد بلاد النيل إلى دورها الريادي في الساحة العربية، بما في ذلك وضع حد لمعاهدة "كامب ديفيد"، بل، وأيضاً، لاستنزاف الجيش المصري ووضعه في سيناريو شبيه بما يحدث في سوريا. ولعل ما يشجع الدولة العبرية على المضي في إذكاء نار الفتنة في مصر هو التقدير بأن الأخيرة تدخل في فترة انتقالية طويلة، ولاسيما إذا لم تستكمل الحكومة الانتقالية المهمات التي كلفت بها، وفي أثنائها ستركز على الشؤون الداخلية المتمثلة بالحفاظ على القانون، النظام، الاستقرار ومنع الانهيار الاقتصادي. وفي هذا الإطار سيكون الحكم منشغلا في كبح جماح الاحتجاج الشعبي، قمع بؤر انتفاضة "الإخوان المسلمين"، وكذا في تعديل الدستور، وفي الاستعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية وتنفيذها. أمريكا.. العصا والجزرة! أما بالنسبة للأمريكيين، فإنهم لم يتمكنوا من إخفاء علاقتهم الخاصة بزعامات "الإخوان المسلمين" في مصر، وتعاطفهم مع حكم محمد مرسي حتى اللحظة الأخيرة، لا بل والتلويح بقطع المعونة الاقتصادية. ولعل التجلي الأبرز لغضب إدارة أوباما من التطورات المصرية، ووفقاً لتصريحات مصادر أمريكية لموقع "ديبكا" المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية، هو القرار بنشر سفن حربية، على متنها أكثر من 2600 جندي من المارينز، بالقرب من قناة السويس وسيناء، ردا على بدء الجيش المصري عمليات عسكرية في سيناء "بدون إذن من واشنطن". وحسب الجنرال جيمس عاموس قائد قوات المارينز فإن السفينة "يو إس إس كيرسارج" والتي تحمل 1800 جندي، والسفينة "يو إس إس سان أنطونيو" وتحمل 800 جندي، تحركتا إلى البحر الأحمر واتخذتا مواقعهما بالقرب من السواحل المصرية وينتظران إشارة التحرك. وتحمل السفينتان أيضاً أسطولاً من الطائرات الهليكوبتر المقاتلة التي تملك القدرة على حمل الجنود الأمريكيين لأي مكان في مصر. ولم تقتصر التحركات الأمريكية على البحر الأحمر فقط، بل قامت بتحريك وحدة مارينز كاملة في قاعدة "سنونيلا" العسكرية جنوب ايطاليا، وقاعدة "مورون" في اسبانيا، وتم إعطاء أوامر للقوات بالاستعداد، وأن تكون جاهزة للتحرك باتجاه مصر. غير أن هذا الاصطفاف الواضح المعالم إلى جانب "الإخوان المسلمين" سرعان ما أخذ وجهة ملتبسة أخرى غير معنية بتقديم خطاب واضح حيال قضايا "الشرعية" و"الانقلاب العسكري"، و"الانتقال المدني والسلمي للسلطة" و"أهمية الأمن للشعب المصري والدول المجاورة والمنطقة"، وقد بدا هذا التحول واضحا في حرص جينفر ساكي، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، على نفى كافة الأنباء التي تحدثت عن ضغوط أمريكية لإطلاق سراح الرئيس المعزول أو أي من قيادات الإخوان، وعلى التوضيح بأن تركيز الولايات المتحدة ينصب الآن على المرحلة المستقبلية في مصر، والدعوة إلى تشكيل حكومة انتقالية تضم كل الأطراف، بما فيها جماعة الإخوان، ثم إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وذلك قبل يقوم نائب وزير الخارجية الأمريكية وليام بيرنز بزيارة القاهرة، ويلتقي زعماء البلاد الانتقاليين وقادة الجيش وكبار رجال الأعمال، ويعلن أن الولايات المتحدة لن تقف في صف أي طرف في مصر، وأن المصريين لا الولايات المتحدة هم الذين سيوجهون البلاد إلى حكم مدني، وأنه لا يحمل حلولا أمريكية أو نصائح لأحد. وفي موقف لافت أعلن بيرنز أنه لا يعتقد أن مصر تسير على درب سورية نحو حرب شاملة رغم أعمال العنف التي تخللت مظاهرات أنصار مرسي ومعارضيه والتي سقط فيها عشرات القتلى، وأكد، في تصريحات أوردتها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، أن "الولايات المتحدة تريد مصر قوية مستقرة وديمقراطية" مضيفاً "مصر اليوم لديها رئيس جديد ورئيس وزراء انتقالي وخريطة طريق من أجل تعديل دستور نوفمبر/ تشرين الثاني 2012. استفتاء عام يتبعه انتخابات برلمانية ورئاسية"، معتبراً أن مصر تعيش الآن "فرصة ثانية بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني لخلق دولة ديمقراطية تحافظ على حقوق الإنسان، ودور القانون، وتسمح بالرخاء الاقتصادي لمواطنيها". ولأن الأمريكيين غير واثقين من الاتجاه الذي ستسير نحوه الأمور في مصر، ولاسيما بعد الصفعة التي وجهها وزير الدفاع والقائد العام للقوات المصرية الفريق عبد الفتاح السيسي لواشنطن برفضه مقابلة رئيس الاستخبارات الأمريكية جون برينان يوم 12/ 7 الجاري، وتعبيره عن الغضب تجاه محاولات الإدارة الأمريكية وأجهزتها التدخل في الشؤون المصرية، وتأكيده بأن "السيادة المصرية خط أحمر"، وأن"هناك رئيس يحكم يمكن الحديث معه"، فإن حيثيات الموقف الأمريكي تتجاوز مسألة المفاجأة والارتباك والتردد، إلى ممارسة أقصى درجات الضغط على الجيش المصري والقوى المدنية والأحزاب السياسية، وإبقاء سيف إرهاب المتطرفين مسلطاً فوق رؤوس الجميع لإبقاء مصر تحت عباءة التبعية، وعدم السماح لها بالتأثير على إسرائيل أو على المشروع الأمريكي في المنطقة العربية، ولاسيما بعد أن بدأت تجربة حركة "تمرد" وثورة 30 يونيو/ حزيران تنقل عدواها إلى دول عربية أخرى. ماذا عن "حماس".. ومستقبلها؟! في الجانب المقابل، فإن إحدى الجهات الأكثر تضرراً من سقوط حكم "الإخوان المسلمين" في مصر هي حركة "حماس" التي سبق لرئيس حكومتها في غزة إسماعيل هنية، وقبل أيام فقط من عزل الرئيس محمد مرسي، وسقوط حكم جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر الذي وصفه رئيس الأركان الإسرائيلي السابق غابي أشكنازي بـ "الهزة الأرضية"، سبق وأن أعلن بأن ثمة "محاولات غربية حميمة تجري لتركيب المنطقة وفق السيناريو الأمريكي وليس وفق إرادة الثورة والثوار". والثوار هنا هم، بالتحديد، "الإخوان المسلمين" في مصر الذين اعتبرت "حماس" فوزهم بالرئاسة، قبل عام، نصراً يقوّي نظامها السياسي وموقعها الاستراتيجي في مواجهة خصومها الفلسطينيين والعرب، دون إيلاء أدنى اهتمام لحقيقة أن هؤلاء، ووفق ما يرى "الإسرائيليون"، أقرّوا اتفاق "كامب ديفيد" وأضفوا تحسينات ملموسة على العلاقات الأمنية مع الدولة العبرية، وكانوا عرابي اتفاق التهدئة ما بين سلطات الاحتلال و"حماس"، ونفَذوا حملات واسعة لهدم أنفاق التهريب، وعملوا على توسيع الفجوات المذهبية، ونسجوا حلفا مع تركيا، ألغوا كل احتمال للتعاون مع الجمهورية الإسلامية في إيران. ومع أن من المبكر الجزم في مآل تطورات المشهد المصري بعد الضربة التي وجهها عشرات ملايين المصريين لجماعة "الإخوان المسلمين"، وإصرار الأخيرين على البقاء في الشوارع للدفاع عن الرئيس المخلوع و"شرعيته"، إلا أن ما جرى يؤشر على أن أبواب السلطة باتت مغلقة أمام عودة "الإخوان المسلمين" إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، وهو ما ينطبق، وبشكل حاسم، على حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة منذ منتصف عام 2007، والتي تجد نفسها اليوم، وتحت وطأة "العروة الوثقى" التي تربطها بـ"إخوان" مصر، على المستويات كافة، وبعد قيامها بقطع آخر الخيوط التي كانت تربطها بسوريا وإيران و"حزب الله"، أمام خيارات محدودة جداً، لعل الأبرز فيها اثنان رئيسيان: مواصلة التمسك باتفاق التهدئة مع إسرائيل، ورفع وتيرة منع إطلاق القذائف الصاروخية من قبل التنظيمات الفلسطينية، واعتبار ذلك بمثابة الضامن الأساسي لترسيخ السيطرة على القطاع، وعدم منح قوات الاحتلال أي ذرائع لتوجيه ضربات عسكرية، واستجرار اعتراف دولي كان قد بدأ بشق طريقه في الآونة الأخيرة. أو إعادة التفكير جديا بالمصالحة والشراكة في النظام السياسي الفلسطيني، كي تقلل من حجم الخسائر التي خلفها رحيل ا"لإخوان" عن الحكم في القاهرة، وتنفَس الاحتقان المتراكم ضدها في أوساط الأحزاب والقوى السياسية ووسائل الإعلام والشارع المصري الذي يتهمها بالتدخل في شؤونه الداخلية لصالح جماعة "الإخوان المسلمين". وعلى الرغم من تأكيد رئيس حكومة "حماس" أن لا تأثير لما حصل في مصر على قطاع غزة الذي بدأ يعاني من نقص الوقود وارتفاع أسعار البناء، بعد إغلاق معبر رفح، وقيام الجيش المصري بإحباط عمليات التهريب من سيناء، فإن ثمة تحديات ومصاعب إضافية كبيرة ستنتصب أمام الحركة الإسلامية الفلسطينية التي ستكون مضطرة إلى إعادة النظر بهويتها وأولوياتها، وهل هي تنظيم فلسطيني يضع المشروع الوطني أولوية له، أم أنها فصيل من فصائل حركة الإخوان المسلمين العابرة للحدود؟ وإلى استخلاص الدروس من مجمل تجربتها في حكم قطاع غزة، ناهيك عن ضرورة صياغة خريطة تحالفات من طراز جديد، بعد تناثر شظايا خريطة التحالفات الفلسطينية والعربية والإقليمية القديمة في الهواء، نتيجة تراكم الخلافات الوازنة مع حركة "الجهاد الإسلامي" والمنظمات السلفية في غزة، وتنازل أمير قطر عن الحكم لولي عهده الأمير تميم، وتراجع الدور التركي الذي أصيب بنكسة شديدة بعد تواصل احتجاجات "ساحة تقسيم" وشقيقاتها في اسطنبول وأنقرة وبقية المدن التركية، وأخيرا، تنحية الرئيس محمد مرسي (والإخوان المسلمين في مصر) عن الحكم. ويبدو أن الأسوأ بالنسبة لـ"حماس" هو أن عزل مرسي جاء بعد موجة تحريض في الإعلام المصري ضدها بعد تحميلها مسؤولية المشاركة في الأحداث، ما يعني أن ثمة ملفات متراكمة مصرية تتعلق بقطاع غزة ستفتح قي المستقبل القريب، وفي مقدمها دور القطاع الأمني والعسكري حيال إمداد السلاح لقوى إسلامية متطرفة في سيناء، ودور العناصر الفلسطينية في مقتل الجنود المصريين في رمضان الماضي، وغير ذلك من القضايا المهمة التي توفر كل واحدة منها مبررات كافية لهدم وإغلاق الأنفاق، وتشديد الرقابة على معبر رفح الذي يشكل الشريان الوحيد للقطاع، ما يفرض على "حماس" التوجه إلى مظلة الشرعية الفلسطينية، وتجاوز حالة الانشقاق الجيو- سياسي، قبل أن تجد نفسها وسط بحر من العداء مع الشعب المصري وشرعيته الحقيقية. كاتب فلسطيني(*) |
||||||