|
|||||||
|
انطلاقاً من الرؤية الإستراتيجية الثاقبة للثورة الإيرانية التي أسسها وقادها سماحة الإمام أية الله الخميني(رض), واستلهاماً من العقيدة الإسلامية التي تشكل حجر الزاوية للجمهورية التي يطمح إليها كل مسلم حرّ. فقد عملت هذه الثورة على تدوين إستراتيجية دقيقة طويلة الأمد، تهدف إلى إحباط مشاريع الصهاينة – التي راحوا يخططون لها على مدى أكثر من قرن– واستعادة الحقوق المغتصبة للشعب الفلسطيني، وإرساء السلام العادل وإعادة ارض الأجداد إلى هؤلاء المظلومين المستضعفين الذين باتوا مضرب المثل في تاريخ العدالة.. الإمام الخميني (رضوان الله عليه) إن الحديث عن الإمام الخميني (رض) يعني الحديث عن بان من بناة التاريخ الذين لا يموتون، إنهم يبقون فيه، يستوطنونه ويستمرون باستمراره يمارسون تأثيرهم بعد الموت، وأحياناً أكثر مما مارسوه خلال أعمالهم ونضالاتهم ونجاحهم في تغيير مساره ليقترب من أحلامهم وتمنياتهم ورؤاهم الخاصة للمستقبل. وإن هذا الحديث صعب ومتشعب لأنه يحتاج أولاً إلى وعي مرحلة الإمام بتفاصيلها بحوادثها وبرموزها وأنظمتها السياسية. وواقع العالم الإسلامي خلال هذه الفترة الزمنية، هو واقع انهياري أكثر منه واقعاً للصحوة والوعي، والعمل الإسلامي، وهو دافع تراجعي أكثر منه واقعاً للبناء وبعث الأمل.. وهو واقع يسير باتجاه تفكيك العالم الإسلامي ونهبه وتمزيقه وتكالب القوى الدولية المستغلة له أكثر من كونه واقعاً ينسجم فعلاً مع شعاراته الشكلية المرفوعة والمنادية بالعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان والرفاهية الاقتصادية وأخيراً فهو واقع بائس من الداخل والخارج. ولكن أمام هذا الواقع فإن أسئلة كثيرة تبدأ أولاً ولا تنتهي واستفهامات تتوالى بلا انقطاع: كيف يقاوم مثل هذا الواقع؟وأية قوة قادرة على الخوض في غماره؟ وإلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا الواقع؟وما هي الطرق والوسائل التي يمكن اتباعها للتخلص من هذا الواقع؟. ونتساءل ونقول: أية قوة روحية كان الإمام يختزنها بحيث أتاحت له قيادة المسيرة السياسية الإسلامية ضد التيار، وأعطته الثقة الكبيرة في بدء رحلة تأسيس الوعي الثوري؟ أية مبادرة خلقت داخل الإمام ذلك العناد الثوري الهائل للوقوف في وجه العالم، كل العالم الذي استسلم أمام عمليات إبعاد الإسلام السياسي عن مسرح الحياة؟. من هنا يبدأ الذهول، ومن هنا تبدأ الحيرة في استيعاب الإمام الخميني(رض) كقائد ومفكر ورمز ومؤسس وصاحب مدرسة ثورية، ومنهج ثوري، وهذا الذهول هو ذهول بكل معنى الكلمة، إنه ذهول الوصف وحيرة الاستيعاب. وصعوبة التصور، ليس لدى الإنسان العادي بل لدى الإنسان الواعي والحركي، والقائد الثوري، فليس من المبالغة القول: إن سبعين أو ثمانين سنة من المسيرة الثورية للإمام (رض) لم تكشف عما قام به، ولم تكشف عن كل ما أسسه وعلينا إذن قراءة هذه المرحلة على ضوء رؤى هذا القائد وأفكاره، لا بل علينا قراءة الأفق المستقبلي على ضوء فعل الإمام ودوره وكذلك استشراف الإمام السياسي ذاته لمرحلتنا هذه ولمراحل قادمة لم تأت بعد. وها هو آية الله السيد علي الخامنئي يتحدث عن الإمام ويقول: (لقد قيل الكثير حول إمامنا العزيز، لكنني أعتقد أنه من المبكر الآن أن نعرف نحن ويعرف المحللون العالميون إمامنا الجليل الفذ بشكل دقيق وكامل، فهو شخصية عظيمة يندر وجود مثيل لها بعد الأنبياء والأولياء كثيراً، إذ تظهر مثل هذه الشخصيات في مراحل معينة من التاريخ فتقوم بإنجاز أعمال كبرى ومنجزات ضخمة، وتضيء في السماء كالبرق فيمتد نورها إلى كل مكان في الفضاء ثم تمضي، لقد قام إمامنا الجليل الفذ بأعمال كبرى تتناسب ضخامتها مع عظمة الإمام نفسه). هكذا إذن يصف السيد القائد الخامنئي الإمام بالقول إنه من المبكر معرفة الإمام له وللمحللين العالميين، إن هذا الكلام في وصف الإمام (رض) عندما ينطلق من أي إنسان، فهو ليس كما يقال على لسان السيد الخامنئي ليس لأنه رجل الثورة الإسلامية الثاني بعد الإمام، ولا لأنه أكثر الثوريين استيعاباً لمنهج الإمام الخميني الثوري فحسب بل لأنه أيضاً رفيق الإمام (رض) في مسيرته الثورية قبل الانتصار وبعده، وكلمة السر التي كان يقولها الإمام في كل موقع ثوري ولجنة ثورية قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران وبعده، ولأنه الرجل الذي رشحته إيران برمتها ليحتل الموقع الأول في الدولة بعد رحيل الإمام (رض) نقول: إذا كان السيد الخامنئي يقول: إن معرفة الإمام هي أمر مبكر فكيف الحال لأي إنسان أو محلل أو كاتب أو دارس يحاول أن يسلط الضوء على هذا العملاق الراحل والتارك وراءه عالماً أسيراً لما أسسه ووضعه من قوانين جديدة للصراع الدولي، ما زالت بعد لم تتمخض عن نتائج في الوقت الحاضر، خاصة وأن صراع القوى المفتوح ما يزال يعبر عن نفسه يومياً بدون انقطاع وبشكل تصاعدي في شتى أرجاء العالم الإسلامي؛ فضلاً عن محاوره التقليدية مع الجمهورية الإسلامية في إيران. وبالتأكيد إن صعوبة المهمة الاستقرائية لحياة الإمام (رض) ودوره السياسي وآثاره السياسية لا تعني إلا أن نتعامل مع ملف الإمام كملف مفتوح للدرس والبحث والتأمل، فهو رجل لعدد كبير من المراحل السياسية الماضية والقادمة. ولعل هذا ما كان يعنيه بالضبط السيد القائد الخامنئي من خلال قوله المذكور: إن معرفة الإمام معرفة دقيقة مازالت مبكرة، فالسيد الخامنئي أيضاً يستشرف الأفق السياسي ويقرأ استشرافات الإمام (رض) السياسية ويرى أيضاً أنه بالفعل رجل القرن الحادي والعشرين. يوم القدس العالمي إن إعلان اليوم العالمي للقدس من قبل الإمام الخميني (رض)، كان قد حدد موقف الثورة الإسلامية في إطار مشروع استراتيجي للتصدي لمخططات الصهاينة التي تستهدف القضاء على الشعب الفلسطيني وإزالة كافة المظاهر الإسلامية في هذه الأرض المقدسة.. ولا يخفى أن مثل هذه الخطوة تشير إلى حنكة سياسية لقائد فذ، حيث دخلت دعوته لمقارعة الباطل في آخر جمعة من شهر ضيافة الله، تقويم المسلمين واخذوا يحتفلون بها كل عام.. إنه يوم تضامن المسلمين وأحرار العالم في مواجهة كيان يطمح للهيمنة على العالم بأسره، ويهدد الأمن والسلام العالميين. يكتسب مشروع اتخاذ يوم عالمي للقدس، إحياءً للقضية الفلسطينية، أهميته كونه يضع رمزاً دينياً بارزاً في خدمة الأهداف الفلسطينية قبالة الرؤية الوطنية والقومية الضيقة. وبناءً على ذلك استطاعت مبادرة الإمام الخميني هذه، أن تنقل تسوية الأزمة وإدارتها من المستوى الحكومي والرسمي، إلى أوساط الشعوب والجماهير والاستحواذ على توجهات الرأي العام العالمي.. كما أن انتفاضة الشعب الفلسطيني تشكل هي الأخرى أحد المظاهر الإسلامية في المطالبة بالحق المستلهمة من الثورة الإسلامية، والتي اكتسبت زخماً مضاعفاً من النجاح الباهر الذي حققته المقاومة الإسلامية في لبنان بطردها للصهاينة من أراضيها. الإعلان عن يوم القدس العالمي من قبل الإمام الخميني (رض) في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، بشّر بحركة مختلفة لتصحيح مسار نضال الشعب الفلسطيني. ويكفي أن نلقي نظرة إلى النداء الذي أصدره سماحة الإمام بهذه المناسبة لنتعرف على أهمية رؤية الإمام في هذا المجال: بسم الله الرحمن الرحيم.. أدعو عامة المسلمين في العالم والدول الإسلامية، للتضامن والتكاتف والتآزر من أجل قطع دابر هذا الكيان الغاصب وحماته.. إنني أدعو المسلمين كافة إلى إعلان آخر جمعة من شهر رمضان، التي هي من أيام القدر ومن الممكن أن تكون حاسمة في تعيين مصير الشعب الفلسطيني، "يوماً للقدس"، وان يحتفلوا به ويعلنوا عن تضامن المسلمين الدولي في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المسلم. في الحقيقة إن النضال ضد الصهيونية لاسيما إسرائيل، شكّل أحد الأركان الرئيسية لفكر الإمام الخميني السياسي. وإن ما يكتسب أهميته في هذا المجال هو اهتمام الإمام الخاص بالجانب المشترك في رؤية المفكرين الأحرار بالعالم ومن مختلف الأطياف. وان مثل هذا الجانب، الذي يتخطى الرؤية الدينية – القومية، يمهد الأرضية اللازمة لمزيد من التأمل في أبعاد القضية الفلسطينية والخوض في أعماقها، وبالتالي المزيد من الانسجام ووحدة الكلمة داخل المجتمع الإسلامي، فضلاً عن تصالح المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية. إذ يقول سماحة الإمام: (يوم القدس يوم عالمي، يوم لا يختص بالقدس فقط). إذا ألقينا نظرة إلى التحولات السياسية والثقافية في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما القضايا الهامة نظير القضية الفلسطينية، ندرك بأن الثورة الإسلامية استطاعت أن تحتل موقعاً متميزاً – باعتبارها نموذجاً وشكلاً جديداً من النضال المدني والشعبي– في أوساط المسلمين وحركات التحرير في مختلف أنحاء العالم، والاضطلاع بدور إيجابي للغاية في صحوة المسلمين وأصحاب الفكر الحر. ولعلّ هذا ما يدعو للبحث والتأمل في المكانة الخاصة التي تحتلها القضية الفلسطينية في فكر الإمام الخميني ومواقفه، وقد تجلى ذروة هذا الاهتمام في الإعلان عن يوم عالمي باسم "يوم القدس"، نظراً للأهمية البالغة التي يحظى بها هذا الاهتمام بالنسبة للقضية الفلسطينية دون شك. أولاً: إن مبادرة الإمام الخميني الخالدة في الإعلان عن اليوم العالمي للقدس، تمثل تأكيداً على معارضة العالم الإسلامي بأسره لوجود الكيان المحتل المسمى بإسرائيل. ذلك أن هذا اليوم يشكل سبباً في توادد القلوب ومدعاة للتقارب بين أبناء العالم الإسلامي، وهو ما يعزز دعوة الإمام (رض) إلى وحدة الكلمة، حيث تتحقق الخطوة الأولى على طريق الوحدة الإسلامية وتعبيد الطريق أمام تحقق الأمة الواحدة بعيداً عن النـزعة العرقية والقومية والدينية. ثانياً: يشكل يوم القدس أكبر حرب نفسية ضد الكيان الصهيوني وأكثر وسائل الضغط تأثيراً يمكن الاستعانة بها للحد من مطامع هذا الكيان. فهو عبارة عن حدث هام يثير الشكوك إزاء مشروعية الكيان الغاصب للقدس. إن الاحتفاء بهذا اليوم من كل عام، وفضلاً عن أنه يحث العالم الإسلامي على الاقتراب من الفكر الاستراتيجي لسماحة الإمام، يلفت أنظار شعوب العالم أيضاً إلى هزالة الكيان الصهيوني وعدم مشروعيته، ويضيء قلوب المؤمنين بنور الأهداف الفلسطينية. أضف إلى ذلك أن منظر مئات الآلاف من المتظاهرين في مختلف أنحاء العالم، يبث الخوف والرعب من الناحية النفسية داخل هذا الكيان. ثالثاً: إن يوم القدس العالمي أخرج القضية الفلسطينية من إطارها القومي وأضفى عليها بعداً إسلامياً وعالمياً.. فكما هو واضح أن الكيان الصهيوني كان يحرص دائماً على إظهار الصراع وكأنه صراع عربي إسرائيلي. غير أنه ومع إعلان الإمام الخميني (قدس سره)، بوصفه شخصية علمية ودينية بارزة على صعيد العالم الإسلامي، عن هذا اليوم نُفخت روح جديد في الجانب الإسلامي المنسي والمحتضر من النضال ضد إسرائيل، وقد أدى ذلك إلى أن يفكر المناضلون الفلسطينيون بالخيار الإسلامي وبخيار المقاومة بدلاً من خيارات التوجه اليساري والقومي وحتى التوجه إلى الغرب وخيار المساومة. مكانة القدس الإسلامية تقوم مكانة القدس في العقيدة الإسلامية على ثلاثة أصول عقائدية مترابطة عضوياً هي: أولاً: القدس مدينة الأنبياء:تستند العقيدة الإسلامية في أصولها إلى الإيمان المطلق بالرسل والأنبياء والرسالات السماوية بدليل قوله سبحانه وتعالى ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾(الشورى:13). كما أن الإسلام جاء مصدقاً للرسالات السماوية التي سبقته.. إذ يقول سبحانه وتعالى في هذا السياق: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالانْجِيلَ* مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾(آل عمران:3-4). وقوله تعالى كذلك: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (المائدة:48). وقوله سبحانه وتعالى مقرراً وكاشفاً لحقيقة قائمة: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (البقرة:285). إن الاستشهاد فيما تقدم من آيات قرآنية كريمة يأتي في إطار التدليل على أن العديد من الأنبياء والرسل ممن وردت أسماؤهم بالنص قد أقاموا في القدس أو كانت لهم صلة بها بشكل أو بآخر ومنهم: إبراهيم، ويعقوب، واسحق، وعيسى، ويحيى، وزكريا، وصالح، وغيرهم صلوات الله عليهم جميعاً. لا بل هناك روايات تاريخية قديمة متوارثة تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك إذ تتحدث عن صلة بين القدس وبين آدم ونوح وسام بن نوح. ثانياً: القدس مدينة الإسراء والمعراج: أهمية الإسراء أنها ربطت ربطاً عقائدياً لا انفصام له بين مكة المكرمة حيث المسجد الحرام وبيت القدس حيث المسجد الأقصى. هذا الحدث الروحي العظيم خلده القرآن الكريم في مطلع سورة الاسراء بقوله سبحانه وتعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾(الإسراء:1) وتزداد مكانة القدس في العقيدة الإسلامية رسوخاً أن الرسول(ص) قد أم فيها بالملائكة والأنبياء. فقد روي عن قصة الإسراء: "أن النبي(ص) ليلة أسري به وقف البراق في الموقف الذي كان يقف فيه الأنبياء من قبل قال: ثم دخل جبريل أمامه فأذن جبريل ونزل ملائكة من السماء ، وحشر الله المرسلين ثم أقام الصلاة، وصلى النبي صلى الله علية وسلم بالملائكة والمرسلين". ثالثاً: القدس قبلة المسلمين الأولى: مما لا شك فيه أن القدس كانت قبلة المسلمين الأولى. وظلت على مدى ستة عشر أو سبعة عشر أو ثمانية عشر شهراً بعد هجرة النبي محمد(ص) إلى المدينة القبلة التي توجه إليها الرسول (ص) قبل التحول الى مكة بأمر رباني في السنة الثانية من الهجرة بدليل قوله تعالى : ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ (البقرة:144). وإذا ما عرف المرء أن بيت المقدس كانت قبلة المسلمين منذ أن فرض الله الصلاة على المسلمين عام 610م وحتى 623م، أي السنة الثانية للهجرة فيكون مجموع سنوات توجه المسلمين في صلواتهم إلى بيت المقدس ثلاثة عشر عاماً. واستناداً إلى هذه الأصول العقيدية والمرتكزات الروحية لمكانة القدس في العقيدة الإسلامية ترتبت فضائل كثيرة لبيت المقدس. فما هي يا ترى تلك الفضائل؟ أولاً: فضل الإقامة والسكن في بيت المقدس وزيارتها: وهو ما دعا إليه نبينا محمد(ص) في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة: "نعم المسكن بيت المقدس". وحديث: "من زار بيت المقدس شوقاً إليه دخل الجنة". وعن ابن جريح عن عطاء أن الرسول(ص) قال: "لا تقوم الساعة حتى يسوق الله خيار عباده إلى بيت المقدس وإلى الأرض المقدسة، فيسكنهم إياها". ثانياً: الربط بين مكة والمدينة وبيت المقدس: وهو ما بينه في قوله (ص): "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، المسجد الأقصى، ومسجدي هذا". وعن أبي ذر أنه قال: "قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة". ثالثاً: فضل الإهلال بالحج والعمرة من بيت المقدس: ومن الأحاديث في هذا الخصوص ما روته أم مسلمة زوجة النبي (ص) فيه: أنها سمعت رسول الله (ص) يقول: "من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة". رابعاً: فضل الصلاة في بيت المقدس: يمكن القول بأن فضل الصلاة في المسجد الأقصى تتراوح استناداً إلى الأحاديث النبوية الشريفة ما بين ألف صلاة إلى خمسين ألف صلاة. كما أن الصلاة في بيت المقدس تطهر الإنسان من الذنوب فيخرج الإنسان كما ولدته أمه, ففي هذا الخصوص روي عن مكحول حديث جاء فيه: "أن من صلى في بيت المقدس … خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". وعن قتادة عن أنس: قال الرسول (ص): "ومن صلى ببيت المقدس خمس صلوات نافلة كل صلاة أربع ركعات يقرأ في الخمس صلوات عشرة آلاف مرة "قل هو الله أحد" فقد اشترى نفسه من الله تبارك وتعالى ليس للنار عليه سلطان". خامساً: وهناك فضائل أخرى: وردت في الأحاديث النبوية الشريفة منها فضل الصدقة في بيت المقدس، فضل الصيام، فضل الآذان، فضل الدفن في بيت المقدس، وفضل عدم دخول الدجال إليها، وفضل ظهور المهدي في بيت المقدس، وبيت المقدس وأكناف بيت المقدس هو مكان الطائفة التي على حق، ومضاعفة الحسنات والسيئات في بيت المقدس، وفضل صخرة بيت المقدس. الاستيطان في القدس يرتكز المشروع الصهيوني في فلسطين قاعدة الاستيطان التوسعي الاحلالي كمبدأ ثابت تتميز به عن بقية الدول، وهو يطبق معايير النظرية الاستيطانية العنصرية دون هوادة منذ احتلاله لفلسطين في العام1948. حيث تكاد تكون إسرائيل النموذج الأكثر وضوحاً في القرن الحادي والعشرين الذي يتمسك بهذه السياسة الفاشية. حيث إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تأت بجديد في مناقشاتها للعديد من القوانين العنصرية التي تشرع الاستيطان، والتي تهدف إلى تضييق الخناق على الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، لتضعهم في مهب موجة التطرف اليميني العنصري، والتي عبرت عنها بوضوح توليفة حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة. والتي أظهرت سيطرة ممثلي اليمين واليمين الاستيطاني على المواقع الرئيسية التي تؤثر على الاستيطان وعلى التهويد في القدس وغيرها من قبيل وزارة الأمن ووزارة الإسكان ووزارة الصناعة والتجارة ولجنة المالية في الكنيست. ما يعني أن الأكثرية المطلقة بقيت لليمين ونتنياهو عاد لرئاسة الحكومة الإسرائيلية معتمداً على 68 عضواً (من 120 عدد أعضاء الكنيست الإسرائيلية). الأمر الذي يؤكد حدوث المزيد من الاستيطان والمزيد من التعنت في إمكانية الوصول إلى حلول تسووية من خلال المفاوضات. فمن الملاحظ أن إسرائيل باتت تتجه يميناً ونحو المزيد من التطرف والعدوانية نتيجة مجموعة من التحولات البنيوية، أبرز هذه التحولات هو وصول مستوطني الضفة والقدس إلى مركز صناعة القرار في السلطة السياسية والعسكرية. وبحسب نشرة "المشهد" الصادرة عن مركز "مدار" فإن لهؤلاء المستوطنين، ولتيارهم الصهيوني الديني بالذات، أكثرية داخل مكتب نتنياهو، بما في ذلك مستشاره للأمن القومي اللواء احتياط يعقوب عميدور، وسكرتير حكومته اللواء احتياط افيجاي مندلبليت. ولهم في حكومة "إسرائيل" الحالية ستة وزراء ونواب وزراء يسكنون في مستوطنات، وهم: وزير الدفاع موشي يعلون، ويسكن في مستوطنة "مكابيم - ريعوت"، ووزير التربية والتعليم، شاي بيرون، ويسكن في مستوطنة "أورانيت"، ووزير الإسكان، أوري أرئيل، ويسكن في مستوطنة "كفار أدوميم"، والوزير أوري أورباخ، ويسكن مستوطنة "موديعين"، ونائب الوزير إيلي بن دهان، ويسكن في مستوطنة "هار حوماه" في جبل أبو غنيم، ونائب وزير الخارجية، زئيف ألكين، ويسكن في مستوطنة "كفار ألداد". ولهم في الكنيست الحالية 16 نائباً يسكنون في مستوطنات وينتمون إلى أكثر من حزب. هذا علاوة على أن ثلث الرتب العسكرية المتوسطة في الجيش "الإسرائيلي" يشغله اليوم مستوطنون ينتمون للتيار الصهيوني الديني، فضلا عن أن عددا من هؤلاء المستوطنين بات يشغل مناصب عسكرية وأمنية رفيعة، وفقاً لكتاب صدر مؤخرا للباحث "الإسرائيلي" ياغيل ليفي بعنوان: (بين القلنسوة والبيريه-الدين والسياسة والجيش في إسرائيل). وبرز موقف الحكومة الإسرائيلية من خلال صحيفة "الجيروزاليم بوست" (26/5/2013)، حيث أفاد أحد المسؤولين الإسرائيليين بأن"رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لن يعلق خلال فترة ولايته الثانية أي تجميد للبناء في المستوطنات المقامة في الضفة الغربية، كخطوة أولية لاستئناف محادثات السلام والمفاوضات مع السلطة الفلسطينية". وما يؤكد هذا الموقف ما كشفت عنه صحيفة هارتس (27/5/2013)، بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي قام خلال العام الماضي، بتوسيع نفوذ المستوطنات في القدس والضفة الغربية بمساحة لا تقل عن ثمانية آلاف دونم مما يمهد الطريق أمام تنفيذ خطط بناء جديدة في المستوطنات الإسرائيلية القائمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد تباينت وتيرة الوجود الاستيطاني وفقا للتصورات الإسرائيلية المتباينة بشأن مستقبل الضفة. حيث شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي باتخاذ سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى إحكام السيطرة عليها وإحداث تغييرات جغرافية وقانونية في وضعها تمهيدا للاستيلاء والسيطرة على أكبر مساحة من أراضيها وإقامة المستوطنات عليها. وكان من نصيب الأرض المسلوبة إقامة نحو 130 نقطة استيطانية عدتها السلطات الإسرائيلية غير قانونية لأن المستوطنين اختاروا مواقعها داخل الضفة دون تنسيق مع الوزارات المختصة بالاستيطان. لكن منذ العام 2000 وفي عهد حكومة أيهود باراك دعا آرئيل شارون إلى احتلال التلال المشرفة على مدن الضفة. ومن حينها تحولت أغلب النقاط الاستيطانية الى مستوطنات بفضل دعم شارون الذي تولى رئاسة الحكومة في العام2001. وكان افيغدور ليبرمان وزير الشؤون الإستراتيجية آنذاك أول المعلنين بأن جميع النقاط الاستيطانية قانونية، ولا ينبغي إزالتها تحت أي ظرف كان. الأمر الذي شجع عددا من قادة الاستيطان على الإعلان بأنهم قرروا إنشاء خمس نقاط استيطانية جديدة في مناطق حدودها الضفة الغربية. وبناء عليه تتسارع وتيرة التغول الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس منذ ذلك التاريخ وحتى الوقت الراهن. ولا تقتصر تمثلات الاستيطان بسلب الأرض وتقطيع الأوصال وحسب بل يتمادى إلى ممارسة إسرائيل أفظع أنواع العنصرية الفاشية ضد الفلسطينيين والاعتداء عليهم أينما وجدوا وذلك بتغطية أمنية وإعلامية ناهيك عن الاقتحامات العدوانية المتكررة من قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى. وقد تبدى ذلك منذ أكثر من أربعة عقود من عمر احتلال الضفة والقدس الشرقية فالاستيطان لا يقل عن كونه عملاً عنصرياً نتج عن احتلال أراضي الآخرين بالقوة، ونتج عنه مخاطر ومشاكل في الجوانب الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية إضافة إلى السياسية، حيث يشكل العائق الأكبر أمام تقدم المفاوضات، وقد وصل عدد هذه المستوطنات إلى أكثر من 300 مستوطنة وبؤرة استيطانية إسرائيلية بشتى تصنيفاتها وتحتل مناطقها المبنية أكثر من 2% من مساحة الضفة الغربية، يضاف إلى ذلك أن المخططات الاستيطانية لهذه المستوطنات تتجاوز 4% من مساحة الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 حيث يسكن هذه المستوطنات أكثر من نصف مليون مستوطن يتوزعون على حوالي 100 ألف وحدة سكنية مقسمة مناصفة بين الضفة الغربية والقدس الشرقية تحقيقا لحلم شارون التاريخي ويسعى نتنياهو لتجاوز هذا الحلم بمضاعفة هذا العدد إلى أكثر من 200 ألف وحدة يسكنها مليون مستوطن، كذلك الطرق الالتفافية التي تزيد عن100 طريقا وتربط هذه المستوطنات والتي تشكل مساحتها أكثر من 1% من المساحة الإجمالية، إضافة إلى الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي تتجاوز 600 حاجز منها140 حاجز رئيسي ودائم، والتي زادت من معاناة الشعب الفلسطيني، إضافة إلى ما يعانيه الفلسطينيون من معاناة يومية نتيجة الاحتلال الإسرائيلي الذي يسيطر على حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية والمصنفة كمناطق(c). في الواقع، منذ 45 عاماً يعمل الاحتلال الإسرائيلي على خلق وقائع احتلالية جديدة في القدس بهدف محاصرة وتضييق الخناق على أهلها الأصليين وتضييق الخناق عليهم بإجراءات تعسفية تمهيداً لطردهم تدريجياً أو حصرهم في أحياء معينة داخل القدس القديمة وبعض القدس الشرقية خارج السور، مع توسيع حدود القدس الغربية بشكل قسري لتذويب الهوية المقدسية في مشروع ما يسمى "القدس الكبرى". وبالتالي فإن كل الإجراءات الاحتلالية التي تفرضها إسرائيل من ضم وتهويد للقدس عبر تطويقها بالأحزمة الاستيطانية وهدم المنازل الذي ناهز 25 ألف منزل منذ احتلالها عام 1967. ومصادرة الأراضي وسحب الهويات المقدسية وكافة التغييرات الجغرافية والديموغرافية، تشير إلى أن إسرائيل تسعى على إبقاء "القدس الموحدة" عاصمة أبدية لها. اليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة عن إعلان يوم القدس العالمي يشعر المراقب بأن الأمة ليست بأحسن أحوالها، فعوامل الضعف والفرقة حلت بين أبناء الأمة الواحدة بل زاد سوءً حيث أصبح بعض من الأمة خاصة الحكومات في شاطئ آخر يضغطون على الفلسطينيين لأجل قبول حلٍّ ما لقضيتهم يكسب قبول الصهاينة ويأخذون موقفاً ضد من يطلب بحقّ الفلسطينيين كاملة ويعتبرونه تدخلاً غير مرغوب به. اليوم نقول: ما أحوجنا إلى الإمام الخميني, وما أحوجنا إلى إتباع تعاليمه ومفاهيمه حول يوم القدس العالمي, اليوم نضمُّ صوتنا إلى صوت الإمام الخميني (رحمه الله) ونسأل: ألا يعلم زعماء الأمة المتخاذلون بأن الطريق الذي يسلكونه مع السياسيين المتحجرين ومجرمي التاريخ لن ينقذ القدس وفلسطين وسوف يزيد من وتيرة الجرائم والمظالم كل يوم. فلا حل للقدس وفلسطين إلا كما أراد الإمام الخميني (ر ض) بجعل كل أيام السنة للقدس وفلسطين, فالقدس كما يقول تختصر فلسطين جغرافيا ومعنى, وفلسطين تختصر العالم جغرافيا ومعنى. المصادر 1- محمدي، منوجهر، الثورة الإسلامية مقارنة مع الثورة الفرنسية والثورة الروسية. 2- باشبور بوالاري، حميد، الإمام الخميني والانتفاضة الفلسطينية، مركز وثائق الثورة، 140 – 141. 3-ولايتي، علي أكبر، الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقضايا فلسطين، (1979- 2006). 4-صحيفة الإمام، ج 9، ص 267. 5-صحيفة الإمام، ج 9، ص 276 – 279. 6- عبرات وعبارات، المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بيروت، 1990م. 7- الإمام الخميني رجل القرن الحادي والعشرين، عادل رؤوف. دار الحق، بيروت، 1998م. 8- الإمام الخميني، الاستيطان الصهيوني، سمير أرشدي، د. رياض سليمان عواد. 9- نداء الثورة الإسلامية، إعداد محمد علي حسين، إيران، - طهران، ص . ب 1947/314. 10-الإسلام والاحتلال الصهيوني لفلسطين، منشورات المستشارية الثقافية الإسلامية الإيرانية بدمشق 1987م. 11- القضية الفلسطينية في كلام الإمام الخميني، سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق 2000م. 12- خط الإمام الخميني، عز الدين سليم، الطبعة الأولى 1403هـ ، المركز الإسلامي للدراسات السياسية. 13-الزمن الذي لا يعود، فضل عفاشي، دار الروضة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى 1990. 14- مقالات حول الثورة الإسلامية في إيران، مرتضى المطهري، دار التيار الجديد بيروت – لبنان. 15- فلسطين في خطاب الإمام الخميني ، عدنان حسين أبو ناصر، مطبعة قمحة أخوان دمشق- سورية، 2000م. |
||||||