|
|||||
|
الأسرار الخفية لجماعة الأخوان المسلمين
"سر المعبد، الأسرار الخفية لجماعة الأخوان المسلمين" كتاب لثروت الخرباوي العضو السابق في جماعة الأخوان المسلمين، فاز بجائزة أفضل كتاب سياسي مصري من معرض القاهرة الدولي للكتاب (٢٠١٣). يأتي عمل الخرباوي كسرد لأحداث وحوارات شخصية حصلت في فترة عضويته في الجماعة. يعود إليها الكاتب ليقرأها من جديد، محاولاً تفكيكها كمحقق جنائي يحاول بناء عناصر قضيته بعد أن اكتشف سرها. ما هي هذه الحلقة المفقودة التي يخفيها الأخوان المسلمون، والتي إن اكتشفت ينفرط عقد أسرارهم كالسبحة؟ وهل هناك فعلياً سر؟. لا، ليس هناك أسرار. فمعظم "الأسرار" التي يتناولها الكاتب موجودة في الأدبيات السياسية والإسلامية عند جماعة الأخوان المسلمين، من كون اعتبار حسن البنا لدولة "آل سعود" الدولة "البروفة" لدولة الخلافة الإسلامية المفقودة والتي يريد إعادة إحيائها، إلى مشكلات التطرّف والعنف والتكفير، إلى تأثر الأخوان برؤية السيد قطب، إلى احتكار الإسلام من قبل الأخوان باعتبار أنفسهم الأمة المعصومة القيمة على إعادة الإسلام بعد أن انتهى منذ زمن بعيد. "هل تظن نفسك مسلماً بعدما خرجت من صفوف الجماعة" يقول أحد أعضاء الجماعة للكاتب بعد أن غادر التنظيم. بالفعل، يعتبر السيد قطب، في كتابه "معالم في الطريق"، أن المجتمع في الأساس غير مسلم، ومهمة المصلحين هي رد الناس أولاً إلى العقيدة الإسلامية الصحيحة. وفي حديث له على قناة الجزيرة قبل ثورة 25 يناير يقول الرئيس المصري مرسي: "الحقيقة عندما قرأت الأستاذ سيد قطب وجدت فيه الإسلام". إذاً سر المعبد في مكان آخر. فهو ليس كامناً في العلاقات الداخلية للجماعة. السر الفعلي هو في علامات الاستفهام حول الوسائل والطرق التي ستلجأ إليها جماعة الأخوان المسلمين بعد أن انطلق فكرها من الكفاح الحركي إلى الشأن العام، أي بالمفهوم الأخواني من الإعداد إلى التمكين. "وأعِدّوا"، العبارة التي توجد في شعار الأخوان، ليست إلا الدعوة للإعداد ليوم التمكين. والتمكين يقوم على السيطرة على الجيش والإعلام والقضاء، ثلاث ركائز من شأنها أن تفتح الطريق أمام أخونة الدولة وأسلمة المجتمع من جديد وفق المفهوم الأخواني للإسلام. أداء الإخوان السياسي في البلدان التي وصلوا فيها إلى الحكم، يُظهر أنهم يفتقرون إلى رؤية سياسية، اجتماعية، واقتصادية واضحة. المثال الوحيد لإدارة الكيانات السياسية الذي اختبروه هو تنظيمهم الداخلي. من الطبيعي في هذه الحالة أن يحاول الأخوان تطبيق وسائلهم الداخلية في إدارة شؤون الجماعة على شؤون الحكم في إدارة قضايا المواطنين. وإذا كان على أعضاء هكذا تنظيمات حديدية تقديم الطاعة التامة لقياداتها من خلال البيعة التي تشبه بيعة المؤمن لربه المعصوم القدير، على المواطن بدوره أن يقدم البيعة إلى الحاكم المسلم. فيصبح الحاكم أقنوماً مقدساً، لأن اسمه ارتبط بكلمة إسلام. وبسبب صك القداسة هذا، يصبح توجيه أي نقد هو عدو الإسلام أو كاره الإسلام. فتتحول مصر على صورة الأخوان، أي السمع والطاعة والثقة في القيادة. ويتحول الشعب المصري إلى موضوع قابل للحقن في تحديد الحلال من الحرام. أما إذا قاوم الشعب هذا الحقن، هل من الجائر استعمال القوة؟. يقول حسن البنا في كتابه "الرسائل": "الأخوان يعلمون أن أول درجة من درجات القوة: قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك: قوة الوحدة والارتباط ثم بعدهما: قوة الساعد والسلاح". كل فكرة إذا أراد أصحابها أن تصبح واقعاً، فلا بد أن تساندها القوة. المسألة إذاً ليست في القوة، بل في شرعية استعمالها، بحيث تصبح قوة شرعية. القوة الشرعية لدى الأخوان يجب عدم اللجوء إليها إلا في حال توافر معانيها، أي إذا استخدمت. والجماعة مفككة الأوصال ومضطربة النظام، فسيكون مصيرها الفناء والهلاك. بالتالي ستكون القوة شرعية في المفهوم الأخواني عندما يثقون بأنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة وعندما يضمنون أنهم يُحكمون السيطرة على مقومات الدولة. الفكرة والقوة والدولة، لا تنفصلان بل تكملان بعضهما بعضاً: الفكرة تحميها قوة، والقوة تنشئ بها دولة. الفكرة المركزية التي يدور حولها كتاب الخرباوي، هي أننا أمام جماعة مصابة بانفصام الشخصية. فهي تحاول توجيه مصر نحو حلم الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة بالحديث عن تلاقي الإسلام مع قيم الحداثة في العلن، لكنها تنفي هذا التلاقي في الخفاء باستمرار. غير أنه من المستغرب، كيف أن الكاتب من خلال كشفه اختراق الأخوان للجيش في فترة حكم مبارك أوحى أن الأخوان المسلمين لعبوا دوراً في التأثير على الجيش للوقوف في صف شباب ثورة 25 يناير. وكأن الخرباوي من حيث يدري أو لا يدري أراد الكشف عن سر يجعل من جماعة الأخوان الوريث الشرعي للثورة المصرية!.
|
||||