تداعيات حرب تموز.. زمنَ الهزائم ولى

السنة الثانية عشر ـ العدد140 ـ ( رمضان ـ شوال 1434  هـ ) آب ـ 2013 م)

بقلم:الشيخ حسان عبد الله (*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

قد يسأل البعض أوَبَعدَ هذه السنين الطويلة تتحدث عن تداعيات حرب تموز؟!! أليس مستغرباً أن حدثاً كهذا انتهى في وقته ما زلتم تتحدثون عنه تارة بالنصر الإلهي وأخرى بالإنجاز التاريخي لتأتوا اليوم فتقولوا إن تداعيات له ما زالت مستمرة حتى اليوم؟!!.

إن المتتبع الدقيق لهذا الحدث التاريخي يعرف أن حجم الإنجاز فاق كل تصور حتى أن المخططين له لم يكونوا ليتصوروا أن المقاومة وشعبها سيخرجون من هذه الحرب إلى حيز الوجود السياسي والمعنوي أبداً بل لعلهم فكروا بنقل هذا الشعب من مكان وجوده إلى مكان آخر.

إن الوضع السياسي في منطقتنا يرتكز بالنسبة للغرب على أساس واحد لا ثاني له وهو كما تعبر السياسة الأمريكية الإبقاء على التفوق العسكري والأمني والسياسي للكيان الصهيوني، وإن هذا الغرب يعتبر أن هذا الكيان هو رأس حربة مشروعه في المنطقة وإن الحفاظ على وجوده وقوته مقدَّمٌ على كثير من مشاكلهم الداخلية، وتُصرَف في سبيل ذلك أموالٌ لو صُرِفت على الشعب الأمريكي لربما لم يقع في الكارثة الاقتصادية التي يشهدها اليوم.

عند كل محطة تاريخية لأمتنا الإسلامية من التاريخ المعاصر تُحْرِزُ فيه الأمة ولو نصراً بسيطاً كان العالم يتدخل لتفريغ هذا النصر من محتواه وتحويله إلى هزيمة، فبعد حرب تشرين كانت خيانة كامب ديفيد، ثم تلاها طرد المقاومة الفلسطينية من لبنان. وظهر ما لم يكن بالحسبان عندما نهضت المقاومة الإسلامية في لبنان لتحقق أول نصر على الكيان الصهيوني فرض عليه الخروج من لبنان ذليلاً على وقع ضربات المقاومة من دون أي شروط سياسية أو اتفاقات!. فعمل الغرب بكل قوة على المبادرة لخطة بديلة تجهض هذا النصر وكانت الفكرة الجهنمية بالسعي للفتنة بين كل أطياف مجتمعاتنا وبالأخص الفتنة السنية الشيعية ولكي توطِّئ لذلك عملت على إنتاج القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن لتستتبعه باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسخرت الإعلام والأبواق المأجورة، وكانت فتنة كبيرة قسمت لبنان إلى قسمين وحصلت منازعات وخلافات وصلت إلى حد التقاتل، وكان من المتوقع أن تؤدي هذه الفتنة إلى القضاء على المقاومة وشعبها من جديد. غير أن الذي حصل هو أن المقاومة استطاعت أن تتعامل مع هذا الواقع الجديد وأن تثبت للناس أن الخلاف ليس خلافاً مذهبياً وإنما هو خلاف سياسي ولعل الصلاة الجامعة بإمامة الشيخ المرحوم العلامة الدكتور فتحي يكن كانت تعبيراً صادقاً عن فشل مشروع الفتنة وتمسك الجماهير المسلمة بوحدتها وصيانتها وحمايتها للمقاومة.

واستنتج العدو الصهيوني وممولوه وداعموه في الغرب أن المشروع فشل ولا بد من خطة بديلة، فكانت حرب تموز التي سُخِرت لها إمكانات تجعل من النصر لهذا الحلف أمراً حتمياً. ولكن الذي حصل أن المقاومة لم تسترخِ وتركن لنصرها في العام2000، بل كانت في عملية إعداد مستمرة للضربة الإسرائيلية القادمة لأنها تعرف أن هذا العدو لن يسكت عن الهزيمة وسيبادر لأحقاً للانتقام، فكانت المفاجآت التي قدمتها المقاومة منذ اليوم الأول إلى اليوم الأخير سبباً في اعتراف العدو بهزيمته وبانتصار حزب الله، وهذا ما أثبتته لجنة فينوغراد وإن كان البعض من في الداخل ممن عميت أبصارهم ما زالوا إلى اليوم لا يعترفون بهذا الأمر.

هل انتهت القضية عند هذا الحد؟ أم أن العدو ما زال يفكر بمغامرة جديدة أو أنه في سياق خطة بديلة؟

لقد بات واضحاً أن الانتشار القوي لنهج المقاومة في العالم العربي والذي نتج عن حرب تموز ما جعل صور سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله تدخل كل بيت قد أرعبت العدو بحيث أنه بدأ يفكر على مستوى مؤتمراته المركزية كمؤتمر هرتسيليا بأن الكيان بات على طريق فقد المناعة وعليه فقد فكروا بالخطة الأخطر وهي ترتكز إلى:

1- العمل على كسر هيبة وقدسية المقاومة ورموزها من خلال إشعال فتنة مذهبية وجعلها جزءاً من مذهب لا مقاومة أمة.

2- ضرب العالم الإسلامي والعربي الذي وجد أن حلم تحرير فلسطين بات قريباً انطلاقاً من نهج المقاومة الإسلامية وذلك من خلال اختراع عدو وهمي له كإيران أو الشيعة أو حزب الله أو المقاومة، وبالتالي خروج العدو الصهيوني مرتاحاً يتفرج على التقاتل في كل عاصمة عربية.

3- الإيحاء للجماهير بالانتفاض مستغلة استعدادها لذلك نتيجة ظلم الحكام ثم إيصال شخصيات إلى الحكم فيها هي مجرد صورة لأن مؤسسات الدولة جميعها ما زالت هيَ هي كما كانت في العهود السابقة فكل الذي تغير شكل الرئيس لا طبيعة النظام.

4- إلهاء الشعوب بحروب داخلية كما يحصل اليوم في مصر على أن يكون الهَّم الوصول إلى الكرسي عند كل من الطرفين دون أن يكون الهَّم هو التغيير الحقيقي في داخل هذه الدول.

5- بداية التقسيم ودعوات التقسيم في العالم العربي والإسلامي فها هي السودان قد قُسمت واليمن فيها دعوات انفصالية وكذا في العراق الذي فيه ما يشبه الكونفدرالية بين الأكراد والعرب، كل ذلك نراه في مشروع قديم لبرنارد لويس أصبح اليوم في المسار التطبيقي العملي.

إن كل هذه الأحداث التي حدثت بعد حرب تموز هي تداعيات لذلك النصر الإلهي الذي أفشل مشروع القضاء على المقاومة وأوصل إلى بدايات نصر حقيقي وحاسم غير أن الأعداء كان لديهم من المشاريع ما نجحوا فيه للخروج من مأزقهم ومحاصرة المقاومة وضرب دولة الممانعة الوحيدة سوريا تحت عنوان الحرية والديمقراطية والواقع أنهم أرادوا ضرب المقاومة ونهجها وإسقاطها لتصبح "إسرائيل العظمى" هي البديل المرتقب ويتحقق الحلم الصهيوني بإسرائيل من البحر إلى النهر.

غير أن إرادة المقاومة وشعب المقاومة سيعيدان النصر من جديد، لأن زمنَ الهزائم ولى وجاء زمنُ الانتصارات.

رئيس الهيئة الإدارية في تجمع العلماء المسلمين(*)

اعلى الصفحة