|
|||||||
|
منبر حر إلى مصر شعبها ودولتها وأحزابها ومؤسساتها وجميع المسؤولين فيها، الى مصر أزهرها ومثقفيها ونخبها وأعلامها وعلمائها وجميع أبنائها، إلى مصر التاريخ والثورة، إلى مصر العلم والحضارة، إلى مصر الدين والمدنية، إلى مصر التي نحب ونحترم... أتوجه بكلماتي هذه: كانت قلوبنا تخفق للميدان وتدعو للثورة، وتزداد عشقاً لمصر وتتمنى أن تخرج مصر، إلى عافيتها وتعود إلى دورها، إسلامها وعروبتها، وأن تصبح بإمكانياتها لجميع المصريين، بل لجميع العرب والمسلمين، أن تحل مشاكلها وتتجاوز أزماتها، وتعود سنداً لفلسطين، وصوتاً للوحدة، وعوناً على من أوغلوا في الأمة تفريقاً وتمزيقاً، فتنة وتكفيراً، حتى أصبح الدين بالنسبة إليهم يرادف القتل والإجرام والكره، وكل معاني العنصرية والإلغاء. من هنا أبدأ... لقد هالني وآلمني ما أقرأه في العديد من الصحف المصرية، وما يحصل مما تنقله مختلف وسائل الإعلام، عن ظاهرة نراها غريبة على مصر، لا تليق بصورتها وسمعتها، ولا بتاريخها وحضارتها، ولا تحكي عن مصر الثورة والحوار والتعايش والوحدة والتقريب بين المسلمين، عن مصر الأزهر الشريف منبر الإسلام الوسطي، الذي يرفض التعصب والكراهية وجميع أشكال العنصرية. منذ فترة يتحدث الإعلام عما يسميه "المد الشيعي" أو التغلغل الشيعي... وتُكتب المقالات، وتطبع الكتب، وتعقد المؤتمرات، التي تتضمن تكفيراً وشتماً، وتحمل الكثير من معاني الكره والعصبية، وتلقي بالكثير من الافتراءات والاتهامات الباطلة بحق المسلمين الشيعة.. وكل ذلك يحصل في مصر؟ وبطريقة تؤكد أن مخططاً ما يُعمل عليه، وتشترك فيه جهات محلية(مصرية) وعربية، وبتوجيه دولي، ليخدم بالدرجة الأولى المصلحة الإسرائيلية والأميركية في المنطقة. وهذا ما يتطلب الإشارة إلى جملة تلك المخاطر والأسئلة التي يمكن أن تطرح فيما يرتبط بتلك الظاهرة، وما تحمله من خطاب تعصبي تكفيري: 1. هل يراد أن يتخذ الشيعة السنة أعداء، وأن يتخذ السنّة الشيعة أعداء، وينسى كل أولئك عداوتهم لإسرائيل؟ 2. هل يراد تحويل الأنظار عما تخطط له، وتعمل عليه إسرائيل في القدس وجميع فلسطين، من تهويد واعتداءات، الى معارك وهمية وحروب عبثية. 3. هل يراد لإسرائيل أن تعدّل الموازين الإستراتيجية في المنطقة لصالحها، بعد أن وصلت المقاومة إلى درجة أصبحت تشكل تهديداً جدياً بل وجودياً لها؟ 4. في هذا السياق، هل يريد أولئك إيجاد مناخ يمنع من أي تحالف استراتيجي إسلامي- إسلامي(مصر – إيران) يشكل تهديداً استراتيجياً لإسرائيل؟ 5. هل يراد لنا نحن المسلمين أن نتقاتل فيما بيننا، لتصبح أمريكا الحكم علينا وتكون لها اليد الطولى في المنطقة، لنكون مجرد أدوات غبية توظف لمصالحها؟ 6. هل يراد لمصر الثورة أن تكون المدخل إلى الفتنة الطائفية والمذهبية على مستوى المنطقة، التي لم تصل إليها شرارة الفتنة إلى الآن؟ 7. هل يراد تحويل مصر إلى مصدر ومصدّر للعنف والقتل والتكفير، كما هو الحال في دول خليجية أو عربية أخرى؟ 8. هل المطلوب تقديم صورة مصر على شاكلة أولئك الذين كانوا يخطبون في المساجد بحرمة الدعاء للمقاومة في لبنان، في وقت كانت تسجل أروع البطولات والملاحم في مواجهة إسرائيل وعدوانها على طريق فلسطين؟ 9. هل المراد تبديل صورة مصر، من مصر الحضارة والإسلام الوسطي والحوار والتعايش والتسامح... إلى مصر التكفير والحقد والكراهية والتعصب الأعمى... 10. هل يريد أولئك التحريض على القتل والإجرام وارتكاب المجازر وهتك الحرمات، الذي يحصل وبشكل يومي في بلادنا العربية والإسلامية؟ 11. لماذا إثارة كل تلك الخلافات الآن، وتحويلها إلى متاريس مذهبية وطائفية، وإغفال كل مساحات الاشتراك بين المسلمين ومذاهبهم؟. 12. لماذا لا تتم المبادرة إلى الحوار لفهم الآخر، بل وفهم الذات، والتعاون للوصول إلى قواسم مشتركة تخدم المسلمين والمصلحة الإسلامية العليا؟... إلخ.. وغيرها الكثير من التساؤلات التي يمكن أن تطرح في هذا المجال. إن الشيعة لا يكفرون السنّة، بل يعتبرونهم إخوانهم في الدين والوطن والعروبة، ولا يسبّون الصحابة، بل يحرمون سبهم خصوصاً في زمن الفتنة والعصبية، ولا يشتمون أمهات المؤمنين، بل يحرمون ذلك، ويرونه منافياً للإسلام وقيمه، ولا يسعون لتشييع مصر ولا غيرها، وليس لديهم مدّ ولا جزر ولا هلال ولا قمر.. ولا يعملون للتفرقة، بل هم حريصون على قيم الوحدة والتقريب والإصلاح والحوار والأخوة بين المسلمين؛ وإن وجد احد ما يسيء إلى تلك القيم، فلا يؤخذ الشيعة بجريرة من أساء، كما إن وجد من السنة مثله، فلا يؤخذ السنة بجريرة من أساء، وليس من الصحيح أن يُظّهر أي جهل أو خطأ يصدر من أحدٍ من السنة أو الشيعة، على انه يصدر من جميع السنة أو الشيعة، إلا لمن أراد أن ينفخ في نار الفتنة، فإنه سيتخذ من أية جهالة تصدر من أيٍ كان ذريعة، لينسبها زوراً إلى طائفة بأكملها، متغاضياً عن جميع المواقف والفتاوى التي ترفض تلك الجهالة من أيٍ صدرت. للأسف إن هناك من يحمل فكراً، لم يقدم نموذجاً ناجحاً في الحكم، أو صالحاً في المدنية، أو إسهاماً في فعل المقاومة.. وليس لديه ليقدمه لهذه الأمة، إلا خطاب التفريق والتكفير والعصبية والتنازع والتقاتل وتثبيط المسلمين وإلهائهم عن فلسطين، بل وتشويه الإسلام، وإن ادّعى أنه يذبّ عنه، ويدافع عن حماه، لأن الصورة التي يقدمها للإسلام هي صورة الحقد والكره والتعصب وتشتيت الأمة وإضعاف وحدتها وزرع الفوضى والتخلف فيها. ألم يسمع هؤلاء قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾؟!..وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾؟!، ألم يقرأوا قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾؟!، وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾؟!.. وقوله: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾؟!.. ألم ينههم الله تعالى عن التسلط على الناس، فيُخرِجون من شاؤوا من الإيمان بعصبية أو غيرها، ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾؟!.. ثم ليأتي البعض ليكفّر أكثر من ثلاثماية مليون مسلم ويحكم بجواز قتلهم، وحلية أموالهم وأعراضهم.. ليكون الدين بالنسبة إليه دين قتل وذبح وإجرام ومجازر وتفجير في المساجد والأسواق. هنا لا بد من تسجيل دعوة للحكومة المصرية ولجميع المسؤولين في مصر الحبيبة، إلى المبادرة لمعالجة كل ما يتضمن الدعوة إلى التحريض الطائفي أو المذهبي، أو التعصب، أو الكراهية، أو الفتنة، أو الترويج لشائعات ذات بعد طائفي أو مذهبي يمكن أن تسيء إلى الوحدة الإسلامية أو الوطنية، والى صورة مصر ودورها وتاريخها. كما لا بد من التوجه إلى جميع فئات المجتمع المدني في مصر بالإلفات إلى المخاطر الاجتماعية وغير الاجتماعية، التي يمكن أن تترتب على ظاهرة التطرف والتكفير، إذا ما أتيح لها أن تتفشى في المجتمع المصري ليس على مذهب أو آخر، إنما على جميع فئات المجتمع المصري وعلاقاته، ومصالحه، ومستقبله. اختم بسؤال يختزن أمنية؛ هل يمكن أن يجتمع المسلمون على تكفير الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؟ وأن يشنعوا المد الاستيطاني، والتغلغل الصهيوني، والتطبيع مع العدو الإسرائيلي؟ أما آن لهم أن يصرفوا طاقاتهم وجهودهم على طريق فلسطين، بدل حرفها بينهم تفريقاً، وتنازعاً، وإضعافاً لهذه الأمة، وقتلاً للنفس التي حرم الله؟. أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية(*) |
||||||