|
|||||||
|
في معرض تعليقه على بعض ما دار في جلسة جرت مع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وعدد من أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، حول الأوضاع المستجدة في سوريا والمنطقة، يرسم الصحافي الإسرائيلي يوئيل ماركوس في "هآرتس"، يوم 14/6 الماضي، صورة مفزعة لواقع الخوف والقلق الوجودي الذي يتلبس المؤسسات السياسية والعسكرية الإسرائيلية.. والذي يصفه بـ"الوضع الأكثر سواداً من السواد"، حيث أن كل متحدث في الجلسة، حسب ماركوس، "فاق نظيره في وصف كم هي إسرائيل خائفة من التهديدات ضدها. جيراننا في الشمال، وإن كانت لديهم حرب حياة أو موت من أجل السيطرة، يهددوننا، فحتى في ساعات (الرئيس) بشار الأسد الأصعب تجده يحرص على تقاليد أبيه، ويبقى خط الهدنة في الطرف السوري محفوظا بعناية. ليس محبة في إسرائيل، بل تمسكا بتقاليد الأب: لا تصادقهم، ولكن بالأساس لا تستفزهم"!. تلاشي الفرص وتراكم المخاطر ومع أن خيارات إسرائيل، المتورطة حتى الأذنين في الأحداث السورية، والتي تحدد للمجموعات الإرهابية في سوريا خرائط وقوائم الأهداف التي يتوجب استهدافها، وتقدم لها كافة أنواع الدعم، بما في ذلك القيام بعمليات عسكرية مباشرة، على غرار ما حدث في العدوان الصهيوني الذي استهدف مركز البحوث في جمرايا والعديد من المواقع العسكرية بحجة منع توريد السلاح السوري إلى "حزب الله"، كانت تنوس، خلال السنتين الماضيتين، بين المخاطر والفرص انطلاقا من بعض التقديرات الخاطئة التي يمكن تعميمها على كافة أطراف المحور المنخرط في الحرب على سوريا، إلا أن هذه الخيارات تبدو اليوم محشورة في زوايا ضيَقة فرضتها التطورات الميدانية التي حققها الجيش السوري في العديد من مناطق البلاد، ولاسيما في منطقة القصير ذات الأهمية الإستراتيجية، والتي تشكل منصة للانطلاق إلى رزمة من الإنجازات الأخرى. أي، بكلام أوضح، تجد الدولة العبرية التي أعلنت بوضوح، وعبر تصريح مسؤولين رسميين نقلته إذاعة الجيش الإسرائيلي قبل نحو ثلاثة أسابيع، أن "حكم القاعدة (في سوريا) أفضل من انتصار (الرئيس) الأسد على المتمردين" بذريعة الارتباط بين النظام السوري وإيران "التي سيتعزز موقعها في المنطقة كقوة عظمى إقليمية مهمة في حال الانتصار في الحرب الدائرة الآن في سورية"، فضلاً عن أن "العلاقة بين سورية وإيران و"حزب الله" ستقوى وستصبح أكثر خطورة على إسرائيل". تجد هذه الدولة نفسها غير معنية بنصائح المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرنوت" أليكس فيشمان الذي يعتبر من أقرب المقربين في وسائل الإعلام العبرية للمنظومة الأمنية والعسكرية في الدولة العبرية، وفي كثير من الأحيان تعكس مقالاته توجه المؤسسة الأمنية وتحليلاتها وخططها التكتيكية وحتى الإستراتيجية، والتي دعا فيها الحكومة الإسرائيلية إلى "ترك العرب يتقاتلون، ليقتل واحد منهم الأخر، لأن أي تدخل إسرائيلي قد يعيد التفاف العرب مع بعضهم على عدوهم التاريخي"، أيْ دولة الاحتلال. وعليه، وبموازاة قرار تسليح المعارضة السورية الذي اتخذته إدارة الرئيس باراك أوباما قبل عدة أسابيع، بعد أكثر من عام من الجدل الداخلي حول جدوى مخاطر تورط الولايات المتحدة في حرب أخرى، سارع وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون إلى زيارة واشنطن والالتقاء بنظيره الأمريكي تشاك هاغل للتباحث في "التعاون العسكري بين البلدين وتبادل المعلومات الاستخبارية، خصوصاً في شأن النزاع في سوريا"، فضلاً عن التطرق لمخاوف إسرائيل من تزويد موسكو لسوريا بأنظمة دفاعية مضادة للطيران من طراز "إس300"، فيما نقلت مجلة "تايم" الأمريكية، عن مصادر عسكرية واستخبارية إسرائيلية، أن الولايات المتحدة وإسرائيل تنسقان فيما بينهما بشأن توقيت وكيفية الهجوم على مخازن الأسلحة الكيماوية في سورية. وبحسب التقرير الذي نشرته المجلة، فإن تل أبيب وواشنطن أعدتا عدة سيناريوهات للعمل بسرعة من أجل ضرب وتدمير ترسانة الأسلحة غير التقليدية في سورية. وأضافت الـ"تايم" إن "سقوط النظام السوري سيؤدي إلى قيام إسرائيل والولايات المتحدة بشن هجوم على نحو 18 مخزناً وموقعاً تحتوي على أسلحة دمار شامل. إضافة إلى القيام بحملات للبحث عن الأسلحة وتدميرها في حال وقوعها بأيدي المعارضة". وعلى نحو مواز، وللمرة الثانية خلال أقل من شهرين، قررت الإدارة الأمريكية التي أجرت تقليصا كبيرا لميزانيتها الدفاعية، تقديم مئات الملايين من الدولارات لدعم منظومات الدفاع الإسرائيلية ضد الصواريخ. وحسب صحيفة "هآرتس" فإن الإدارة الأمريكية تنوي زيادة المساعدة الأمنية الاستثنائية لإسرائيل لغرض تطوير وشراء منظومات إضافية لاعتراض الصواريخ، وهو ما يظهره مشروع قانون تمت المصادقة عليه في لجنة تابعة لمجلس النواب الأمريكي قبل أسابيع. وبحسب صيغة المشروع (صلاحيات الأمن القومي) وهو قانون ميزانية الدفاع الذي صادقت عليه "لجنة الخدمات المسلحة" في مجلس النواب الأمريكي، فإن الولايات المتحدة تخصص 268 مليون دولار إضافية في العام 2014 لغرض تطوير منظومتي اعتراض صاروخي، وهو ما يتم بالتعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولغرض تزويد إسرائيل بمنظومات. والأمر يتعلق بمنظومة صواريخ "حيتس 3" المضادة للصواريخ على المدى البعيد، ومنظومة "عصا الساحر" لاعتراض الصواريخ المتوسطة المدى. وجاء في مشروع القانون أيضاً أنه كان من المقرر أن يخصص 220 مليون دولار في العام 2014 لتمويل شراء بطاريات إضافية من منظومة "القبة الحديدية". أي أن مجموع الزيادات في المساعدات الأمريكية العسكرية لإسرائيل في العام 2014 يبلغ 488 مليون دولار، وهو يشكل إضافة نوعية لمبلغ المساعدة العسكرية السنوية البالغ أصلا 3,1 مليارات دولار. وكان وزير الحرب الأمريكي تشاك هايغل، الذي زار إسرائيل فور توليه منصبه، قد وعد القادة الإسرائيليين بأنه على الرغم من التقليصات في ميزانية الدفاع الأمريكية فإن المساعدات الأمنية إلى إسرائيل، خصوصاً لمنظومات الدفاع ضد الصواريخ، لن تتضرر. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الزيادة ليست الأولى التي تقدمها أمريكا إلى إسرائيل، فضلاً عن المعونة العسكرية المنتظمة. فقد سبق أن قدمت في العامين الأخيرين مبلغ 468 مليون دولار لتمويل نفقات تطوير منظومات صواريخ أو لتمويل شراء إسرائيل لهذه المنظومات. كما أن ميزانية العام 2015 الأمريكية تحوي منذ الآن وقبل إقرارها تعهداً بتقديم 175,9 ملايين دولار إلى إسرائيل في هذا الإطار. كوابيس الـ "اس300" وقبل التطرق لأسباب وحيثيات وأبعاد القرار الأمريكي المتعلق بتسليح المجموعات الإرهابية في سوريا، والذي يتوج الإجراء المشابه الذي اعتمدته بريطانيا وفرنسا في إطار الاتحاد الأوروبي، لا بد من التوقف أمام قضية التسليح الروسي لسوريا، والتي تتم وفق عقود جرى توقيعها مسبقا، وبالأخص منظومة الصواريخ الروسية الدفاعية "إس300" التي حركت زوابع إسرائيلية عاصفة، وأثارت جدلاً سياسياً صاخباً لم يهدأ حتى الآن. إذ كان يفترض أن ينهي تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن موسكو "لم تسلم بعد" صواريخ "أس300" إلى سوريا "رغبة في الامتناع عن الإخلال بالتوازن في المنطقة"، كل الجدل الدائر حول هذا الموضوع، وذلك على رغم التحفظات الإسرائيلية والغربية على تشديد القيصر الجديد بأن "العقود الموقعة مع سوريا كافة تتماشى مع القانون الدولي"، وإضافته بأن توريدات الأسلحة الروسية إلى دمشق "تجري وفق عقود شفافة معترف بها دوليا، ولا تنتهك أية قواعد دولية". غير أن ذلك لم يحدث، ليس بسبب عدم تطابق تأكيد بوتين مع ما ألمح إليه الرئيس السوري بشار الأسد، خلال مقابلته مع فضائية "المنار" اللبنانية، بخصوص وصول الدفعة الأولى من هذه الصواريخ، وإنما بتأثير ما نشرته شبكة "CNN" الإخبارية الأمريكية يوم 5/ 6 الماضي، نقلاً عن مصدر كبير في البنتاغون، حول التقاط الأقمار الصناعية الأمريكية صوراً تظهر وجود شحنات مختلفة من السلاح، من بينها صواريخ "اس300"، كانت على متن سفن حربية روسية متجهة نحو الموانئ السورية. أهمية هذه الصواريخ التي سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن هدد باستهدافها قبل أن تغدو "عملانية"، على الأرض السورية، يمكن إحالتها إلى عدة عوامل، لعل أهمها، على الصعيد اللوجستي، هو تلك المزايا التي يتمتع بها هذا النمط من أسلحة الدفاع الجوي المضاد للهجمات الصاروخية والبالستية، والذي يستطيع إصابة أي هدف من ارتفاع عشرة أمتار وحتى 27 كم، كما يمكنه ضرب ستة أهداف بنفس الوقت، فضلاً عن تمتعه بمجموعة رادارية غاية في التطور وبمدى كشف كبير(360 كيلومتر)، وقدرة عالية على مقاومة التشويش الالكتروني، وقدرة على إطلاق صاروخ كل ثلاث ثواني، ما يمكّن هذه المنظومة من مواجهة وتهديد سلاح الجو الإسرائيلي، ليس فقط في الأجواء السورية، بل أيضاً فوق الأجواء اللبنانية والفلسطينية في حال نشرها في محيط دمشق. وبحسب خبراء إسرائيليين، فإن نصب الـ"أس300" بالقرب من العاصمة السورية من شأنه أن يضع المقاتلات المعادية ضمن شعاع الخطر وهي في حالة الإقلاع من المطارات، أي قبل أن تتخذ وضعيتها القتالية، أي بكلام آخر، وكما قال نتنياهو، سيصبح المجال الجوي الإسرائيلي منطقة حظر جوي، ناهيك عن أن نصبها سيجعل فرض منطقة لحظر الطيران في سوريا، بالنسبة للغرب، أكثر خطورة بكثير، وقد يهدد الطائرات في عمق المجال الجوي لتركيا العضو في حلف شمال الأطلسي. وعلى الرغم من أن التركيز على مخاطر هذه المنظومة التي كان أحد تجليات حملتها السياسية والإعلامية المباشرة، إيعاز نتنياهو بتوزيع الأقنعة الواقية من الغازات السامَة وتزويد جميع الإسرائيليين بهذه الكمامات التي توجب على الحكومة دفع ما يقارب 350 مليون دولار أمريكي و90 مليون دولار لصيانتها سنويا، واعتبار ذلك بمثابة إجراء احترازي ضمن سلسلة إجراءات "دفاعية" لمواجهة إشكالية تغير موازين القوى في المنطقة. على الرغم من أن هذا التركيز له ما يبرره جزئياً، انطلاقاً من "مركزية" سلاح الجو في الإستراتيجية العسكرية المعتمدة في الدولة العبرية، إلا أن ثمة من يرى، في أوساط جنرالات الجيش الإسرائيلي، أن الحملة ضد هذا النمط من صواريخ الدفاع الجوي لا مبرر جدياً لها كون الـ"اس300" ليس حديثاً، وتهديداته لإسرائيل ليست بخطورة الصواريخ الروسية المضادة للسفن (ياخونت) الشديدة الدقة التي حصلت عليها سوريا. انطلاقاً من ذلك، واستناداً إلى ارتفاع وتيرة التسلح في المنطقة، والتي توجت بالإعلان عن توقيع اتفاق روسي جديد مع دمشق يقضي ببيعها ما لا يقل عن عشر طائرات مقاتلة من طراز "ميغ29"، وقيام إسرائيل بنشر أربع بطاريات من منظومة القبة الحديدة على "الجبهة الشمالية"، وتجهيز منظومة "حيتس" لاعتراض الصواريخ البالستية، وتعزيز ما يسمى "برنامج الدفاع الصاروخي متعدد الطبقات"، حسب تصريح العقيد في سلاح الجو الإسرائيلي زفيكا هيموفيتش لصحيفة "جيروزالبم بوست"، ناهيك عن القرار الأمريكي بتسليح الأردن بصواريخ ارض – جو من طراز باتريوت للحماية من الطائرات والصواريخ. ونقل طائرات حربية من طراز "أف 16" إلى الأراضي الأردنية، وإعلان مسؤول في البنتاغون أن هذه الأسلحة، مضافا إليها وحدة من مشاة البحرية (مارينز) ترابط على متن سفن برمائية قبالة سواحل المملكة الهاشمية، ستبقى في الأردن بعد انتهاء المناورات في أواخر حزيران/ يونيو الماضي. انطلاقاً من كل ما سبق، يمكن التقدير بأن تركيز الضوء الإسرائيلي على منظومة الدفاع الجوي "اس300" يأتي في إطار الاستعداد لـ "الحرب المقبلة" ضد سوريا التي تتابع الأجهزة الاستخبارية والعسكرية في الدولة العبرية كل تفاصيل المعارك الدائرة فيها، بما في ذلك العقائد القتالية وأنواع الأسلحة والتكتيكات المتبعة. أي شرق أوسط جديد! في لقاء قصير مع جريدة "الأخبار" اللبنانية، اعتبر المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي أن اتفاقية "سايكس- بيكو" التي أقرت بإملاء امبريالي، وليس لها أي شرعية، تتحطم اليوم، وليس هناك أي سبب لهذه الحدود إلا مصالح القوى الاستعمارية، وهذا ما نراه في كل أنحاء العالم. ولكن، ما هو البديل الذي يطل برأسه في المنطقة التي تشكل الميدان العملاني لولادة النظام العالمي والإقليمي الجديد؟ وهل المرجح أن تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها الدوليون والإقليميون، وعلى رأسهم إسرائيل المحتلة، من فرض مشروعها المسمى "الشرق الأوسط الجديد" الهادف إلى إعادة إنتاج الهيمنة والنهب وتجاوز الأزمات البنيوية التي تمر بها الرأسمالية المتوحشة، أم أن شكلاً جديداً من العلاقات الاقتصادية والسياسية يأخذ بالاعتبار مصالح الشعوب الوطنية والسياسية والاجتماعية هو الأوفر حظاً في الظهور على المسرح الضبابي الملطخ بالأشلاء والضحايا والعذابات؟. ولأن سوريا تشكل الميدان الرئيسي والأنموذج الأسطع لصراع المشروعين، كان لا بد للأمريكيين من استخدام كل ما في جعبتهم هناك لتعديل ميزان القوى الذي اختل في الآونة الأخيرة لمصلحة الدولة السورية ضد المجموعات المسلحة التي تراهن عليها واشنطن، وبصرف النظر إن كانت من أكلة الأعضاء البشرية أمام الكاميرات، وفقاً لما جاء على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، بهدف تحطيم هذه الدولة، ونشر الفوضى في كافة أرجاء الجغرافيا السورية وجوارها، كتوطئة لإعادة الصياغة على أسس طائفية ومذهبية جرى ضخ دماء غزيرة في شرايينها في الأشهر والأسابيع الماضية. ولعل القرار الأبرز الذي تم اتخاذه في البيت الأبيض، على هذا الصعيد، هو "زيادة الدعم للمعارضة (في سوريا)، بما في ذلك توفير المساعدة العسكرية"، بذريعة تجاوز النظام السوري "الخط الأحمر" المتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية، ومشاركة مقاتلي "حزب الله" في القتال إلى جانب هذا النظام، من دون الإفصاح عن التفاصيل الخاصة بأنواع الأسلحة والإمدادات الأخرى أو موعد إرسالها، وإيلاء هذه المهمة إلى بعض الأجهزة الأمنية كوكالة المخابرات المركزية التي أعلن ناطق باسمها أن عمليات تزويد المتمردين في سوريا بهذه الأسلحة ستتم، من خلالها، عن طريق قواعد سرية أمريكية في كل من تركيا والأردن، وكذلك إلى بعض قادة ما يسمى "الجيش الحر" الذين أكدوا أن هذه الأسلحة تشتمل على صواريخ "أوسا" المضادة للطائرات، وربما على نظيرتها من صواريخ "مانبادس" الأوروبية الصنع التي تمتلكها السعودية، وفق ما نقلت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية عن تقرير سري لجهاز الاستخبارات الأجنبية والحكومة الألمانية. وعلى الرغم من التصريحات المتناقضة حيال إسناد عملية تسليح ما يسمى "الجيش الحر" الذي تراجع دوره ونفوذه بحدّة لمصلحة الجماعات التكفيرية المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، ولاسيما "جبهة النصرة"، بفرض منطقة حظر جوي في المناطق السورية الجنوبية، والذي يتطلب، وفق مسؤولين أمريكيين، التزاماً قوياً، غير متوفر، من سلاح الجو الأمريكي والأوروبي في مواجهة الدفاعات الجوية السورية الكثيفة، وإجماعاً دولياً لا يمكن الحصول عليه في ظل الفيتو الروسي- الصيني المشهر، إلا أن ما يدب على الأرض في الجوار الأردني يترك أبواب الخيارات المستقبلية مفتوحة على مصراعيها. إذ، وبموازاة تموضع طائرات الـ"اف16"، وتنفيذ مناورة "الأسد المتأهب" التي تشارك فيها قوة دولية قوامها 8000 جندي من 17 دولة في صحراء الأردن على مدى 12 يوما، أكدت الصحافة الغربية أنه تم نشر 300 جندي من مشاة البحرية الأمريكية، ونظام صواريخ "باتريوت" المضادة للطائرات في شمال الأردن، وذلك لتمهيد الطريق أمام بعثات تسليح المتمردين السوريين، فيما رست ثلاث سفن حربية للبحرية الأمريكية في ميناء العقبة وأنزلت أنظمة صاروخية مضادة للصواريخ، ومنصات إطلاق الصواريخ، وذلك بموازاة إرسال بريطانيا، حسب صحيفة "ديلي ستار صنداي" أكثر من 300 جندياً من مشاة البحرية الملكية البريطانية إلى الحدود الأردنية- السورية، في إطار ما اعتبرته انجرارا إلى الصراع الدائر في هذا البلد منذ أكثر من عامين. ما بين الميدان والإستراتيجية في كل الأحوال، وبصرف النظر عن حقيقة ما قيل إنها "أدلة" على استخدام الجيش السوري أسلحة كيميائية، والتي وصفها مسؤول روسي رفيع بـ "الملفقة"، فيما اعتبرها رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب الروسي (الدوما) أليكسي بوشكوف "مفبركة" في نفس المكان الذي تمت فيه فبركة المعلومات عن أسلحة الدمار الشامل لدى النظام العراقي السابق، فإن ما ينبغي توضيحه هو أن التغيير في ميدان المعركة لمصلحة الدولة السورية بدا، وعن حق، وكأنه انتصار استراتيجي يصب ليس في مصلحة سوريا و"حزب الله" فقط، وإنما كذلك في مصلحة إيران وروسيا ومجمل حلفائهما في الساحة الدولية. وبالتالي، فإن أي محاولة لإلباس القرار الأمريكي، الذي يعتبر، وبكل المقاييس، قراراً استراتيجياً، ثوباً أخلاقياً " ليست أكثر من هراء أجوف لا محل له من الإعراب في أجندة المستعمرين وحلفائهم القدامى والجدد، لاسيما وأن الأمريكيين وكافة أعضاء معسكرهم المعادي لسوريا، وخصوصاً إسرائيل، يدركون جيداً أن من شأن هذا التطور (تسليح المعارضة بأسلحة فتاكة، وبشكل علني) أن يحفز روسيا على تزويد سوريا بمزيد من السلاح المتطور. ولعل من المفيد التذكير، في هذا السياق، بأن مجموعة دبلوماسيين أمريكيين يعملون على الملف السوري رفعوا، قبل أسابيع، تقريرا للبيت الأبيض لخصوا فيه رؤيتهم لميزان القوى الميداني في سوريا، ومكامن الخلل الذي أصابه، والتي كانت معارك القصير أحد أبرز تجليته. كما اشتمل التقرير مجموعة من الاقتراحات والتقديرات، قام بتلخيصها دبلوماسيون مستعربون أمريكيون، بناء على اجتماعات مع معارضين سوريين، عسكريين ومدنيين، ووزراء خارجية المجموعة المصغرة لما سمي زوراً وبهتاناً "أصدقاء سوريا" في الأسابيع الأخيرة، من الأردن وتركيا والسعودية، فضلاً عن لقاءات دبلوماسية فرنسية، أمريكية وبريطانية، بعضها سري، وبعضها الآخر علني. وفي سياق شرح القرار الرئاسي الأمريكي بتسليح المتمردين الإرهابيين في سوريا، يقول التقرير إن الأمور لم تحسم عسكرياً بعد القصير، ويشير إلى مقابلات أجريت مع زعماء المعارضة السورية، واقتراحاتهم لمواجهة تقدم الجيش السوري، والتي يبدو أن أحدها، بحسب دبلوماسي غربي، يميل إلى الواقعية أكثر من غيره. إذ ينسب التقرير إلى سليم إدريس، رئيس أركان ما يسمى "الجيش الحر"، اقتراحه على الأمريكيين التركيز على جبهة درعا، وفتح جبهات صغيرة أخرى في وجه الجيش السوري المنتشر، وذلك بهدف إلهائه عن جبهة حلب. وحسب قطب سوري معارض، فإن التركيز على جبهة درعا ليس مجرد صدفة، وإن الإعلان عن إدخال أسلحة ثقيلة وصواريخ إلى هذه المنطقة بالذات يأتي في الوقت الذي تتقدم فيه مفاوضات مع كتائب مقاتلة، تضم أكثر من أربعة آلاف عنصر من المعارضة، خرجت عن سلطة ما يسمى "رئيس المجلس العسكري" في المنطقة العميد احمد النعمة، ومقره الحالي عمان. وفي ما يخص إسرائيل التي تبدو المرشح الأكبر لدفع تكاليف المغامرة الأمريكية - الغربية في سوريا، وتحت وطأة عملية "عض الأصابع" التي تدور مع دمشق، يبدو التوتر الحالي بين الجانبين مرشحاً للتحول إلى اشتعال حربي في أية لحظة، وخصوصاً في ظل هذه الكمية والنوعية من التهديدات. وبالنسبة لسوريا، فإن عملية التوجه للحرب مع إسرائيل تستبطن، هذه المرة، جدية من طراز جديد فرضتها التطورات الأخيرة المتسارعة، إذ لا تشكل الخسارة المحتملة لدمشق، في حال اندلاع الحرب مع إسرائيل، سوى تدمير إضافي يمكن احتماله، في حين ستكون الخسارة الإسرائيلية مؤثرة ومؤلمة، كما يمكن للحرب، مضافاً إليها فتح جبهة الجولان للمقاومة الشعبية، أن تزيد التعاطف العربي، ولاسيما الشعبي، مع سوريا، وتحرج أنظمة "الإسلام السياسي" الجديدة التي أعلنت انحيازها العلني إلى جبهة أعداء سوريا، فضلاً عن إمكانية مشاركة حلفاء دمشق، وبالأخص "حزب الله" الذي يدرك أنه مستهدف من الإسرائيليين، في المعارك التي يقدّر السوريون أنها ستكون محكومة بضوابط وخطوط حمراء دولية. كاتب فلسطيني(*) |
||||||