|
|||||||
|
ترجمات مركز أبحاث الأمن القومي، أميلي لانداو إن خلفيات الاستنتاج بأن إيران تعمل على تحقيق القدرة النووية هي لغاية الآن قوية جداً. وفيما ليس هناك دليل على أنها تعمل لإنتاج جهاز نووي فعلي، يوجد شك بأن إيران تطور برنامجاً نووياً عسكرياً لسنوات وهي في طريقها إلى إنتاج الأسلحة في المدى القريب إن هي أخذت قراراً بذلك. والمسلك الذي تتبعه إيران في هذا الخصوص هو انتهاك للالتزام الذي قطعته عندما انضمت إلى معاهدة الحد من الانتشار النووي القاضي بأن لا تصبح دولة نووية. برنامج إيران النووي: سبب القلق وقبل الانتقال إلى الدليل، من المهم الإشارة إلى أن قدرة الأسلحة النووية لها ثلاثة مكونات: مخزون المواد الانشطارية (اليورانيوم عالي التخصيب أو البلوتونيوم) المطلوب لأي انفجار ذري؛ معرفة كيفية تركيب رأس نووي على صاروخ أرض-أرض ونظام الإيصال نفسه وهو اليوم مبني على الصواريخ بعيدة المدى القادرة على حمل رأس حربي نووي. وكانت إيران تعمل على المكونات الثلاثة كلها. فبرنامجها حول الصواريخ البالستية يتقدم على نحو علني حيث أن إيران لم تقطع التزاماً بعدم تطوير الصواريخ بعيدة المدى. وفيما الرزمة الرابعة من عقوبات مجلس الأمن على إيران استهدفت نشاطها الصاروخي، تستمر إيران في عدم إخفاء ما تفعله في هذا المجال. بل على العكس، يتباهى النظام الإسلامي بالتطورات التي يحرزها في المجال الصاروخي على مدى السنوات السابقة، ومن ضمنها زيادة المديات لصواريخه أرض- أرض بعيدة المدى والتي يتعدى مداها منطقة الشرق الأوسط. في المقابل، يمثل العمل على مكون الرأس الحربي تحدياً أكثر صعوبة بالنسبة لإيران، فهو أمر ممنوع وفقاً لمعاهدة الحد من الانتشار النووي ومن الصعب شرح أسبابه تحت غطاء مدني. وإذا ما اكتُشف هكذا مسعى، سيُشكل دليلاً قاطعاً بأن لديها نشاطاً لصنع القنبلة. ولهذا السبب كانت إيران حذرة في إخفاء هذا النشاط وعلى الأغلب كانت التقييمات التي تضمنها تقدير الاستخبارات القومية الأمريكية في أواخر العام 2007، حيث ذكر أن هناك احتمالاً كبيراً بأن تكون إيران قد علقت عملها في البرنامج النووي العسكري في العام 2003، تشير إلى هذا المكون في برنامج إيران. وجراء التخوف من احتمال أن تكون هي التالية في سلسلة الهجمات العسكرية للولايات المتحدة (بعد العراق)، ليس مُفاجئاً أن تكون إيران قد اتخذت قراراً بتعليق نشاطها الذي يكشف بشكل سافر أنها تتحايل في التزامها بمعاهدة الحد من الانتشار النووي. ومن المعقول أيضاً أن تكون إيران قد أكملت عملها على هذا المكون في العام 2003/2004. أضف إلى ذلك الشكوك الموجودة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم بأن إيران عملت في المنشأة العسكرية بارشين على نشاطات ذات علاقة بهذا المكون في برنامجها النووي. وقد صرح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا آمانو مؤخراً أن الوكالة لا يمكنها البتّ ما إذا كانت إيران قد استمرت في العمل على تقنية الأسلحة النووية لغاية هذا التاريخ. يبقى المكون النهائي في السلاح النووي (المادة الانشطارية) الأكثر استغراقاً للوقت بين المكونات الثلاثة. ولكن، من جهة أخرى يمثل تجميع المادة الانشطارية تحدياً لإيران هو أقل مستوى من تحدي تصميم رأس حربي، لأنه ينطوي على تقنية الاستخدام المزدوج ويمكن شرحه على أنه جزء من البرنامج النووي المدني. وتجدر الإشارة إلى أن السمة المشتركة بين ناشري الأسلحة النووية أنهم أعضاء في اتفاقية الحد من الانتشار النووي استغلوا نقطة الضعف التي تمنح الدول غير المسلحة نووياً بحق الحصول على برنامج نووي مدني، ومن ضمنه حق تخصيب اليورانيوم لإنتاج الوقود من أجل المفاعلات. وحقيقة أن تخصيب اليورانيوم يمكن استخدامه للبرنامج النووي المدني والعسكري على حد سواء تعني أن إيران باستطاعتها تجميع المخزون من اليورانيوم منخفض ومتوسط التخصيب بحجة البرنامج المدني وفي وقت تحدده تعمل على تحويله إلى الاستخدامات العسكرية. الدليل على نوايا إيران العسكرية في ضوء ما ذُكر أعلاه، من الصعب جداً للمجتمع الدولي أن يُقدم برهاناً دامغاً على أن تفسيرات إيران بخصوص نشاطاتها النووي لا يمكن اعتبارها سمة ظاهرية. في الواقع، لقد استطاعت إيران ولمدة طويلة أن تغرس الشك بخصوص المكون العسكري لبرنامجها ما شكل قيداً كبيراً أمام الأطراف الدولية الساعية إلى تقويض طموحاتها النووية. ولأنه لم يكن هناك علامات أو معايير واضحة في اتفاقية الحد من الانتشار النووي من أجل الدعوة إلى عدم الإذعان، عُلقت الاستنتاجات على كيفية تفسير الدليل وهذا الأمر كان في مصلحة إيران. وفي مواصلة التأكيد على علامات الاستفهام، أكدت إيران أن الشكوك مستمرة داخل النقاشات الدولية. وما يدعو للسخرية أن قدرة إيران على خداع المجتمع الدولي بخصوص نواياها تعززت من خلال تجربة دولة أخرى انتهكت الاتفاقية في الخليج وهي العراق. ففيما أصبح جلياً اليوم أن العراق كان لديه برنامجه الخاص للأسلحة النووية في الثمانينيات ومع الوقت هاجمت الولايات المتحدة العراق في العام 2003، لم يتم إيجاد أسلحة الدمار الشامل. لذا كان للإخفاق الإستخباري في العراق التأثير السلبي على الجهود المبذولة لتقديم دعوى مقنعة بحق إيران. فلطالما كانت الشكوك بخصوص نشاطات إيران ما تُواجَه غالباً بتشكيك على أساس المقارنات المبسطة والواهية التي لفت القضية العراقية. على الرغم من هذه القيود، بحلول العام 2013 وأيضاً في العام 2008، حضر دليل كاف يثبت أن إيران لديها نوايا نووية عسكرية واضحة. أولاً، تبين أن إيران تمارس عدم الإذعان والتضليل بخصوص نشاطاتها النووية. خصوصاً، بعد أن تم الكشف عن منشأتين غير مُبلّغ عنهما في صيف العام 2002 ما أطلق عملية عمرها عقد من الزمن من أجل تقويض طموحات إيران النووية. والحالة الثالثة من الخداع أصبحت واضحة في أواخر العام 2009 عندما كُشف النقاب عن وجود منشأة سرية لتخصيب اليورانيوم (فوردو). وإيران لديها تاريخ من عدم التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن المسائل الهامة التي تعتبرها الوكالة من النشاطات السابقة ذات الطبيعة العسكرية. فتدّعي إيران أنها أوضحت هذه القضايا، لكن تقارير الوكالة الدولية تثبت عكس ذلك. علاوة على ذلك، القضية الجلية الأخيرة هي نشاطات الاختبارات التفجيرية المشتبه بها في القاعدة العسكرية بارشين. فقد سمحت إيران لفريق المحققين من الوكالة الدولية بدخول المنشأة عام 2005 (دخول جزئي فقط) ورفضت من بعدها على نحو متكرر دخول الوكالة مدعيةً أنه لا داع للقيام بهذا الأمر في منشأة عسكرية. وخلال العام 2012 وأوائل العام 2013، دفعت إيران الوكالة الدولية للاعتقاد بأنها ستسمح بتفتيش المنشأة لتعود وتمنع المحققين من دخول المنشأة بعد وصولهم مباشرة إلى إيران. وصور الأقمار الصناعية لعملية تنظيف كبيرة جرت في الموقع خلال العام 2012، شبيهة بتلك التي محت موقع لافيزان في العام 2004 عندما كان لدى الوكالة الدولية شكوك بشأن النشاطات الإيرانية التي تجري هناك، تعزز الاعتقاد بأن لدى إيران أمراً ما تخفيه. وحقيقة أن الشكوك القوية تنبعث من الوكالة الدولية هي كبيرة، حيث أن الوكالة هي الطرف الأكثر حيادية بين أولئك الذين يواجهون إيران. فهي منظمة تقنية تتمتع بتفويض استقصائي. وبالفعل، في المرة التي انتُقدت فيها الوكالة الدولية كانت حين تخطت حدود التفويض التقني البحت عندما دعم المدير العام محمود البرادعي علناً اعتماد مقاربة أكثر ليونة اتجاه النشاط المشبوه لإيران. علاوة على ذلك، توظف الوكالة الدولية محققين من جنسيات عدة والمعطيات التي تُجمع على الأرض لا يمكن اعتبارها بسهولة معلومات استخبارية قومية مغرضة. وعندما تتلقى الوكالة الدولية معلومات استخبارية من دول معينة تُقيّم هذه المعلومات ويجري التأكد من صحتها بشكل مستقل. والمجموعة الأخيرة من المعلومات التي تستحق الذكر هنا يمكن أن تُدعى دليلاً يستند على "مرجع تحليلي". وهي تشير إلى دليل هو ذاته مُدان ولكن لا تفسيراً معقولاً له في سياق البرنامج النووي المدني بل يُفسر في سياق البرنامج العسكري السري. والأجزاء الهامة للدليل في هذه المجموعة هي منشأة التخصيب المكتشفة في فوردو والقرار الذي اتخذته إيران في شباط 2010 للبدء بتخصيب اليورانيوم بمستوى 20%. والأحجية المرتبطة بمنشأة فوردو هي أنها بُنيت لتحتوي على غرفة تتسع تقريباً لحوالي 3000 جهاز طرد مركزي. وهذا العدد ضئيل جداً في سياق البرنامج النووي المدني (للمقارنة، منشأة نتانز لديها غرفة تتسع 54000 جهاز طرد مركزي). ولكن، تركيب 3000 جهاز طرد فهو يأتي في سياق البرنامج العسكري السري. فإذا ما نُقل اليورانيوم منخفض التخصيب إلى منشأة فوردو بشكل سري، يمكن لأجهزة الطرد الـ3000 أن تحوّلها إلى كمية من اليورانيوم عالي التخصيب الكافية لصنع سلاح نووي أو اثنين كل عام. وكانت نية إيران إبقاء منشأة فوردو سرية ولذا التفسير العسكري هو الأكثر منطقية. وبخصوص اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، عندما بدأت إيران التخصيب بهذا المستوى، ادعت أنها بحاجة إلى الوقود من أجل مفاعل الأبحاث الصغير لديها بالقرب من طهران. ولكن، قبل عدة أشهر قُدم لإيران صفقة بشأن الوقود من قبل مجموعة الـ5+1 بموجبها تستلم إيران كمية الوقود تلك مقابل شحن حوالي 75% من اليورانيوم منخفض التخصيب لديها. ولكن إيران رفضت الصفقة. إضافة إلى ذلك، لم تكن إيران تمتلك التقنية المطلوبة لتحويل اليورانيوم المخصب بنسبة20% إلى قضبان وقود من أجل مفاعل الأبحاث. وفي هذه الحالة، يجب أن يُقيّم التفسير المدني غير المُقنع في وجه التفسير العسكري المُقنع، خصوصاً أن التخصيب بنسبة 20% يتطلب من إيران حوالي 80 إلى 90% من جهدها المذكور أعلاه في تخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من 90% من أجل السلاح النووي. انتظار قرار إيران في الانتقال إلى الإنتاج على الرغم من الدليل على وجود برنامج نووي عسكري، اشتد النقاش مؤخراً حول ما إذا كانت إيران قد اتخذت قراراً في الانتقال إلى الإنتاج الفعلي للأسلحة النووية. والتأكيد على هذا القرار، كما هو حال قرار الولايات المتحدة في الانتقال إلى مستوى جديد من التصميم وربما حتى الأخذ بعين الاعتبار العمل العسكري، يمكن أن يكون هزيمة بحد ذاته. فانتظار الدليل على هكذا قرار قد يعني الانتظار لغاية أن يصبح الوقت متأخراً لإيقاف إيران. أولاً، لحظة اتخاذ القرار يمكن أن تُفوّت بسهولة. والأكثر أهمية أنه يمكن لإيران أن تستمر أيضاً في بناء المكونات الثلاثة للسلاح النووي على نحو منفصل دون اتخاذ القرار في الانتقال إلى الإنتاج الفعلي للأسلحة. ويمكن أن تنشر هذه النشاطات إلى منشآت إضافية وتبني ببطء البنى التحتية التي تشكل في النهاية الأمر الواقع. ويمكن للمجتمع الدولي أن يجد نفسه في وضع حيث بعد سنوات من القول إن "الأوان لا يزال باكراً" أن يصبح فجأةً "متأخراً جداً" للقيام بأي شيء لإيقاف القرار الإيراني من متابعة الإنتاج. النقطة الأخيرة هي أن الاهتمام المفرط في القرار الفعلي يؤدي إلى نقطة فقدان الأشكال المختلفة للضغط الذي يمارسه المجتمع الدولي على إيران من عقوبات اقتصادية شديدة والتهديد بالانعكاسات العسكرية وهذا له دور في عملية المساومة مع إيران. والحديث عن الانعكاسات العسكرية لا يجب أن يُحسب بالضرورة على أنه مقدمة لعمل وشيك. بل إن عرض التصميم الموثوق مطلوب في المرحلة التي يمكن أن يتم فيها إقناع إيران بالعدول عن تحليل الكلفة والعودة إلى طاولة المفاوضات كشريك جدي يتطلع إلى إبرام صفقة. وفي هذا الخصوص أيضاً، انتظار القرار الإيراني يعني الانتظار لغاية أن يفوت الأوان من أجل إيقاف إيران. لذا الفرصة السانحة لممارسة ضغط قوي على إيران هي قبل أن تنتقل إلى مرحلة الإنتاج. إسرائيل: المتفرج المتوتر إسرائيل ليست ولم تكن أبداً طرفاً مباشراً في الجهود الدولية الرامية إلى تقديم الدليل لإيران عن برنامجها النووي العسكري ولم تشارك في الجهود التي دامت لعقد من أجل التفاوض للوصول إلى صفقة تعود من خلالها إيران إلى الالتزام باتفاقية الحد من الانتشار النووي. والدليل الذي يُشير إلى عمل إيران على برنامج نووي عسكري يتعلق بالالتزام الذي قطعته قبل عدة عقود والقاضي بأن تبقى غير نووية تماشياً مع عضويتها في اتفاقية الحد من الانتشار النووي. ولكن خلال العقد الماضي، تم تقويض الاتجاهات الدولية والإقليمية التي تتعاطى مع التحدي النووي الإيراني. على الرغم من ذلك، بقيت إسرائيل تتبع سياسة الدعم المفتوح والمتواصل للجهود الدولية من أجل إيقاف إيران عبر الدبلوماسية. وهذا لا يعني أن إسرائيل كانت سلبية بالكامل. بل إنه حتى في الفترات التي أصدرت خلالها إسرائيل تهديداتها لإيران ما رفع نسبة التخوف من احتمال قيامها بعمل عسكري ضد منشآت إيران، اشتُبه أيضاً أنها تنفذ إلى جانب الولايات المتحدة وربما آخرين أعمالاً تخريبيةً ضد برنامج إيران. وشملت النشاطات دفع إيران لشراء معدات معيبة من السوق الدولية وإرسال فيروس ستاكسنت إضافة إلى التفجيرات الغامضة التي طالت منشآت مختلفة مرتبطة ببرنامج إيران النووي واغتيال العلماء النووين. وحتى إن كانت إسرائيل متورطة في تلك النشاطات، فيمكن اعتبارها تصب لصالح الجهد الرئيسي الذي كان يُبذل على المستوى الدبلوماسي الدولي، جهد دعمته إسرائيل على الرغم من أنها لم يكن لها فيه الدور الفعال. إسرائيل تصبح في الطليعة تغيير ملحوظ في سلوك إسرائيل حصل خلال العام 2012، عندما أصبح موقف إسرائيل بشأن تطورات إيران النووية أكثر وضوحاً مع تلميحات إضافية بأن إسرائيل قد تكون على حافة تنفيذ عمل عسكري ضد منشآت إيران النووية. وسبب هذا التغيير مرده لمجموعة من العوامل ترتكز على الأسلوب الخاص لنتنياهو كرئيس للوزراء حيث دخل إلى المشهد بعد سنوات من فشل الجهود الدولية للتعامل مع إيران بنجاح من خلال المفاوضات. لكن السبب المباشر لارتفاع نبرة إسرائيل في العام 2012 كان بلا أدنى شك إصدار تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إيران في أوائل تشرين الثاني 2011. وقد تضمن التقرير لأول مرة الملحق الكامل للمعلومات بشأن السمة العسكرية للنشاطات النووية الإيرانية وكان علامة بارزة في توضيح الطموحات النووية لإيران. ما يُثير الدهشة أن احتمال قيام إسرائيل بعمل عسكري أُحادي الجانب ضد منشآت إيران النووية لم يلق شعبية في إسرائيل. وبدا أن الإسرائيليين لم يأخذوا خطاب نتنياهو على محمل الجد بأن إسرائيل عادت إلى زمن ألمانيا النازية، ليس لأنهم رفضوا فكرة أن إيران تتجه للحصول على القنبلة أو أن إيران لديها خطط عدائية بل لسبب بسيط هو الثقة الموجودة لدى إسرائيل بأنها قادرة على مواجهة أي تهديد وجودي بقوة ردعها النووية. لذا، المقارنات بالمحرقة لم تكن ضرورية وغير مقبولة بالعموم. وفي تقييم موقف الرأي العام الإسرائيلي، من المهم عدم نسيان عدد من الأمور ذات العلاقة. أولاً، تتجه العامة لاتخاذ موقف فقط عندما تُتناول القضية من قبل صانعي القرار ووسائل الإعلام. لذا، استطلاعات الرأي التي أُجريت في أواخر العام 2011 وبداية العام 2012- خلال التغطية الإعلامية الأعلى لقضية إيران- لا يمكن اعتبارها المؤشر الأفضل حول مواقف الإسرائيليين بخصوص القضية الإيرانية. وعندما سئلوا في ذاك الوقت حول ما إذا كان يجب على إسرائيل أن تهاجم المنشآت النووية، دون إعطاء أي تفاصيل بخصوص هذا السيناريو، أوردت التقارير الإعلامية أن الإسرائيليين منقسمون بالتساوي. لكن في الحملة الانتخابية التي أُجريت بعد 12 شهراً، وبعد أن ابتعد نتنياهو نفسه عن هذه القضية في خطابه العام، بالكاد ذُكر التهديد الإيراني من قبل أي من الأطراف المتنافسة. النقطة الثانية هي أن الإسرائيليين يبنون مواقفهم حول القضايا الأمنية من خلال مسؤولي المؤسسة الأمنية الحاليين والسابقين وهذه القضية لا تخرج عن ذاك السياق. وفي الواقع، لأن القضية لها توجهات إستراتيجية، فرغبة الاعتماد على خبرة المسؤولين تكون أقوى. ولكن، كان هناك خبراء أمنيون منهم من يدعم الهجوم وآخرون يُعارضون هذا السياق ما سبب نوعاً من الإرباك في الجو العام. ولكن بدا أن الرأي العام الإسرائيلي كان له وجهة نظر أكثر وضوحاً ومرد ذلك إلى النتوء بالعلاقات الأمريكية-الإسرائيلية. وبدا أن الإسرائيليين قلقون بشكل خاص من تموضع البلاد في واجهة الجهود الدولية ضد إيران، خصوصاً في مسار يتعارض مع رغبات الولايات المتحدة. وأظهر استطلاع للرأي العام أُجري في آذار 2012 أن أغلبية كبيرة من الإسرائيليين (58%) تعارض مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية دون دعم أمريكي، موقف انعكس في استطلاع رأي إضافي أُجري في أواخر الصيف. هل إيران النووية تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل؟ القضية الأخيرة التي يجب أخذها بعين الاعتبار بخصوص موقف إسرائيل اتجاه برنامج إيران النووي هي ما إذا كانت إيران المسلحة نووياً، في حال أخفقت الجهود لوقف إيران، ستشكل تهديداً لوجود إسرائيل في الشرق الأوسط. البعض في إسرائيل لا يتردد في الإعلان أن نتيجة كهذه هي تهديد وجود مباشر وعلى الأغلب فوري لإسرائيل. والبعض الآخر يُخفف من الرسالة بطريقة ما ولكن متردد في الحكم على احتمال أن تقدم إيران على استخدام الأسلحة النووية ضد إسرائيل في الضربة الأولى. ومخاوف إسرائيل في هذا الخصوص تُعزز بعوامل ذات علاقة بثقافتها الأمنية المغذاة من تاريخ التهديدات القاسية التي طالت اليهود لأجيال وتعمقت في النظرة الأمنية للإسرائيليين. وهناك فئة ثالثة تعتبر أن إيران لا تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل. ولكن من المهم أن ندرك بأن هذا الموقف مبني على تقييم يقول إن إيران ليست كريهة أو عدائية أو تميل إلى تدمير إسرائيل. بل الموقف يرسم تقديرات بخصوص قدرة إسرائيل على ردع أي تهديد وجودي. ولكن تهديد إيران المسلحة نووياً لا يمكن أن ينتهي بنقاش يدور حول ما إذا كانت تشكل تهديداً وجودياً أو ما إذا كانت إيران ستستخدم فعلاً الأسلحة النووية ضد إسرائيل. بل السيناريو الأكثر احتمالاً هو استغلال إيران لكونها دولة نووية من أجل تغطية خطوات خطيرة ومهيمنة في الشرق الأوسط. بمعنى آخر، لمعرفتها بأن لا دولة تريد الوقوف بقوة في وجهها مجرد أن تصبح دولة نووية، سوف تكسب إيران مستوى قوياً من الحصانة من أجل مواجهة أي رد على سلوكها الإقليمي العدائي والعنيف. وبالفعل، بعد فترة وجيزة من الحصول على الأسلحة النووية، من المحتمل أن تصبح إيران أكثر مناعة في وجه الردود العسكرية وسوف تكون قادرة على افتعال كمية من المشاكل في المنطقة بعد تخطي العتبة النووية. ودرس ليبيا- هوجمت من قبل حلف شمالي الأطلسي بعد تخليها عن أسلحة الدمار الشامل لديها- لم يُنس بالتأكيد في إيران. ولكن على الأغلب أن إيران أكثر وعياً لهذه المسألة حتى قبل سقوط القذافي. الخاتمة إحدى النتائج السيئة للمرحلة الأخيرة من الجهود الرامية إلى تقويض طموحات إيران النووية هي أن هذا التحدي العالمي لعدم انتشار الأسلحة قد أصبح بنظر كثيرين "معضلة إسرائيل". ويشتكون من أن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة من أجل "القيام بعمل إسرائيل" وآخرون يعتقدون أنه فقط في حال قيام إسرائيل بأي تنازل على الجبهة الفلسطينية، سوف يكون للولايات المتحدة رغبة أكبر للقيام بما هو مطلوب اتجاه إيران. هذا الجدل الجديد في النقاش يعكس وجهة نظر مشوهة للقضية حيث كسبت انجذاباً في الجو العام. لكن التحدي النووي الإيراني هو أولاً وقبل كل شيء تهديد للمجتمع الدولي الملتزم بعدم انتشار الأسلحة النووية وفقاً لاتفاقية الحد من الانتشار النووي. فإذا ما حصلت إيران على الأسلحة النووية هذا من شأنه أن يقوض جدياً نظام عدم الانتشار بأكمله. وكما صرح أوباما بشكل واضح في العام 2012، فإن التعامل مع طموحات إيران النووية العسكرية هو مصلحة أمنية قومية أمريكية. في النهاية، الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون لا يُقدمون الجميل بشكل أساسي لإسرائيل حين يواجهون إيران بكل تصميم. بل مسؤوليتهم تحتم عليهم منع إيران من تقويض نظام عدم الانتشار وتهديد حلفاءهم في الشرق الأوسط. ومن الواضح أن لإسرائيل موقف قوي جداً في نجاحهم، لكن الأطراف الأساسية في هذه الجهود يتبعون مصالحهم ويقومون بمسؤوليتهم كأعضاء دائمين في مجلس الأمن من أجل دعم هذه المعاهدة الدولية. |
||||||