|
|||||
|
العالم الذي صنعته أمريكا
في كتابه الجديد الذي يقع في 149صفحة من القطع الكبير ينطلق كاغان في حديثه عن شكل النظام الدولي تحت القيادة الأمريكية من مقولة مركزية مفادها "أن النظام الدولي يعكس قيم ومبادئ ومصالح القوى العظمى المهيمنة والمسيطرة عليه"، لتشكّل تلك المقولة أساس أفكار الكتاب الذي يرى فيه أن النظام الدولي تحت القيادة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا جاء ليعكس قيم ومبادئ الولايات المتحدة، وليشهد انتشارًا للديمقراطيات وازدهارًا اقتصاديًا عالميًا رغم الأزمة الحالية، إضافة إلى تراجع عدد الحروب بين القوى الكبرى بعد حربين مدمرتين في النصف الأول من القرن العشرين. يتحدث كاغان عن أن التدخلات العسكرية في مناطق عدة لم تكن لرغبة الولايات المتحدة في الحروب لكنها كانت مفروضة عليها لحماية المجتمع الدولي من تهديدات تستهدف أمن واستقرار النظام الدولي الذي شكّلته، والحفاظ على المصالح الاقتصادية وحماية المواطنين من الأخطار ومحاربة "التطرف" والديكتاتوريات ونشر الديمقراطية. ويرى أن الحروب والتدخلات العسكرية التي خاضتها الولايات المتحدة شرعية وأنها أحد أدوات سياستها الخارجية. ويضيف: إن الهيمنة الأمريكية واستخدام القوة العسكرية أضحت "مشرعنة"، ويقول: إنه لولا التدخل والدور الأمريكي في تشكيل النظام الدولي لكنّا بصدد نظام دولي مختلف عما نشهده حالياً. إن حديث كاغان عن التدخل العسكري يتجاهل حقيقة أن كثيراً من الحروب والتدخلات العسكرية الأمريكية الخارجية لم تكن شرعية ولم يوافق عليها المجتمع الدولي كالحرب الأمريكية على العراق في 2003، وأن كثيراً من الحروب الأمريكية لم تحقق الاستقرار العالمي خصوصاً في الأقاليم التي تتدخل فيها. فبعد سنوات من الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق ما زالت الدولتان تتسمان بعدم الاستقرار الداخلي وكذا محيطهما الإقليمي. وكثير من التدخلات العسكرية الأمريكية خارجياً لم يكن هدفها حفظ الاستقرار والأمن الدوليين بل تحقيق مصلحة أمريكية محضة في ظل سيطرة المركب الصناعي العسكري - المتحالف مع كبرى شركات الطاقة الأمريكية- على مؤسسات صنع القرار الأمريكي، وهو ما كان جليًا خلال إدارتي الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج دبليو بوش" (2000- 2008). يعارض كاغان الرؤى التي تذهب إلى أن القوى التي ستحل محل الولايات المتحدة في قيادة النظام الدولي ستستمر في دعم انتشار الديمقراطية؛ لأن من سيحكم النظام الدولي من القوى الصاعدة (روسيا والصين) ذات أنظمة ديكتاتورية متوجسة من انتشار الديمقراطية لتأثيرها على أنظمتها الديكتاتورية؛ فتكون أكثر دعماً للأنظمة الديكتاتورية، وستعوق من استمرار انتشار الديمقراطية واتساع رقعتها. ويشير إلى رفض الدولتين لمشاريع أمريكية في الأمم المتحدة لفرض عقوبات على دول ديكتاتورية، مثل: السودان، زيمبابوي، سوريا، إيران، كوريا الشمالية. ويتحدث عن الدعم المالي والسياسي الصيني لديكتاتوريات بالقارة الإفريقية من أجل الحصول على مواردها، وكان هذا الرأي محور كتابه "عودة التاريخ ونهاية الأحلام". يطرح كاغان تساؤلين رئيسيين مفادهما: هل القوة الأمريكية في تراجع؟ وهل هذا التراجع حتمي؟ ويجيب على هذين التساؤلين بأن القوة الأمريكية ما زالت المهيمنة عالمياً داعماً رأيه بالحديث عن "قوة الدولة" التي تستند إلى ثلاثة مؤشرات رئيسية تتمثل في: أولاً: حجم وتأثير اقتصادها مقارنة بالقوى الصاعدة. ثانياً: حجم وقدرة القوة العسكرية مقارنة بمنافسيها. وثالثاً: التأثير السياسي عالمياً ودورها في حل المشكلات العالمية. واستناداً إلى تلك المؤشرات يرى أن الولايات المتحدة ما زالت القوة المهيمنة والمسيطرة عالمياً. حديث كاغان عن شكل النظام الدولي ومستقبل القوة الأمريكية يغفل أن هناك تحولاً في النظام الدولي يلازمه انتشار للقوة - الاقتصادية، والعسكرية، والناعمة - دولياً بحيث لم تعد متمركزة في الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما أصبحنا أمام تدرج هرمي للقوة. ويغفل كاغان أيضاً أن هناك تراجعاً في قوة التأثير الأمريكية وكذا النموذج الأخلاقي الأمريكي الذي يُعد أحد مصادر قوة الولايات المتحدة الناعمة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، وحربها على الإرهاب، وانتهاكات حقوق الإنسان في معتقل غونتانامو. وتراجعت الصورة والمكانة الأمريكية مع دخول الولايات المتحدة في حربين - أفغانستان والعراق- أكبر من قدراتها العسكرية ما قوض من نفوذ وتأثير قوتها العسكرية عالمياً، وهو ما دحض مقولة: إن الولايات المتحدة قادرة على أن تخوض حربين متزامنتين في منطقتين مختلفتين بنجاح. وعلى الرغم من تأثر أوباما بكتاب كاغان ومناقشة أفكاره إلا أن سياساته تختلف مع كثير من الأفكار التي تحدث عنها كاغان؛ فقد تولى أوباما حكم الولايات المتحدة الأمريكية وهو على يقين بتراجع القوة الأمريكية وأن هناك تحولاً في شكل النظام الدولي، وأن أمريكا ليست الدولة الوحيدة المؤثرة. وانطلاقًا من رؤيته لتراجع القوة الأمريكية عالمياً وأنها لم تعد الدولة الوحيدة المؤثرة لكنها في الوقت ذاته الأكثر فاعلية والأكثر تأثيراً، يعد أوباما بإصلاح أوجه القصور في مصادر القوة الأمريكية التي تغافل عنها كاغان في كتابه.
|
||||