|
|||||
|
يا فرج الله الموعود قلت مهلاً أيها الحرف الناهضُ من واحات الشرق.. دعني أسكب فيك دمي قبل أن تمتطي نثير الشمس.. دعني أجدلُ ضفائرَها مع ما تحمل من معانٍ تشذي أرجاءَ الرسائلِ التي تترجم السعادة، والغبطةَ يوم أقرأ كتبَ المبدعين في وطنٍ دخل التاريخَ لكي لا يخرج منه. أجل: إن أمتنا تشكل ذاكرةً كاملةً متكاملةً للتاريخ الإنساني بأبعاده.. كيف لا وألقُ الماضي تقبُسُ منه النجومُ والشموسُ وترتديه الأقمارُ ثيابَ عز وفخار، أدخلُ دونَ استئذانٍ إلى معسكرات الحروف مدججاً لأفجر معانيها بشحناتِ الروحِ الناضجةِ على فوهاتِ براكينها التي تقذفُ في فضاء الجسد والروح والعقل سحبَ الحيرةِ والذهولِ لأنني أدركُ سلفاً عمقَ الصلة ما بين العقل، والجسد والروح أو ما يصل بينهم على الأقل. دخلت الساحة متهيباً خائفاً ومذعوراً خشية ألا أستطيع العوم في هذا الضجيج المزمن في داخلنا.. كان سلاحي اليتيم قلمي ولا سواه، وبعضُ الأوراق الصفراء القديمة، وشمعةٌ تلفظُ أنفاسها الأخيرة على خجل وحياء، فمن أين سيكون أولُ الكلام والبداية؟.. واللسانُ تتزاحم عليه الكلمةُ، وتتسابقُ لتندلقَ باتجاه العُرف والدلالة، بحثت طويلاً عن أولِ حرف يرتبط بغيره ليجرَّ سرباً من الكلمات اللواتي يمتلكن الروح والمعنى. وانطلقت العربةُ الأولى بلا حصان، وبلا طريق، وبلا أشجار تستظلُّ بها التعابيرُ الساخنةُ التي نعلقها على جدار النفس بلا مشاجب ضوئية شفافة. نرى معاني الكلمات من خلف اللوحة التي أعياني رسمُها فتكورتْ فوقها قطعةٌ من جليدٍ تبحث عن الذات الضائعة، والمبعثرةِ على أشلاء الزمن الهارب من وجه الحق. هذا زمنٌ فقَدَ ذاتَهُ وهويته، وها هو دميةٌ بيد الرعب، والإرهاب، والغطرسة والعولمة، والضياع. هذا الزمنُ المبرمجُ لمن استطاع أن يمتطيه برقاً وراحلة، سبوقاً.. إنني أسوق كلماتي ولا أدري كيف أرتبها، ولا أنظم سياقها أمام ما نرى، ونسمع، وندهش حتى يسأل الإنسان والفرد نفسه أين نحن من هذا كله؟ وبزخم مائج يأتي الجديدُ بلا مدى مقيد، أو فواصلَ مرسومةٍ، وفي القاطرةِ الأخيرةِ يزدحم العالمُ الآخرُ ومعهُ الفقرُ، والجوعُ كالشتيمة، والهزائمُ، والفراغُ الداخلي القاتلُ والمشوه، وسلاحُهُ خطابُ التنظير، والإيديولوجيا والبحث عن إبرة في كومة قش. تتسعُ المسافاتُ، ويصعُبُ اللحاقُ في هذه الزحمةِ المجنونة.. لقد اهتز وكاد أن يتلاشى ما بنته الأمةُ منذ مئات السنين.. ونحن السبب، لأننا نعلق أخطاءنا وهفواتنا على مشاجب الآخرين والمؤامرة. إنني أقف أمام هذه اللوحة التي لم أعد قادراً على تمييز ألوانها وأشكالها، وأطيافها، فتبدو هلاميةً رجراجة وضبابية يخترقها السرابُ، والعتمةُ، والمجهول، وعلينا أن نبحث عن مسارب النجاة. ربما نستطيع تقليصَ المسافةِ والزمنِ بيننا وبينهم.. وربما نخترعُ دروعاً تقينا من أنياب المستقبل ونواجذ الشرِّ الدائم، والقادمِ إلينا لابتلاعنا تماماً، ولجعلِ شخصيتنا كسلعة تعرض على أرصفة المارة للعرض عند الطلب. وربما على الشواطئ المهجورة تنهشنا نوارسُ العصر المتوحش، أو سنكون حقلَ تجاربٍ لكلِّ ما يخطر على ذهن أصحابِ الفتاوى التكفيرية التي طالت كل شيء.. فكلُّ ما عدا السائرين في ركبِ المؤامرة على الممانعة كافر... وكلُّ من يدافعُ عن المقاومة دمهُ وعرضُهُ ومالُه مباح.. وكلُّ حياديٍّ كافر.. لستُ أدري.. لعل الأحداثَ الجسامَ التي تتالت علينا، وتوالت تباعاً قد أحدثت شروخاً أفقيةً وعموديةً في أذهاننا، وأغرقتنا بالتفكير المرتبك دون ضوابط، أو نظامٍ، فننفعل في الحدثِ انفعالاً غوغائياً، ويبتعدُ الحلُّ، ونضيعُ من جديد في المتاهة نبحث هنا وهناك دون فائدة تذكر، وهنا نسأل: أين دور علمائنا ومثقفينا وأدبائنا؟ وكل من له صلة بحركة التاريخ، والتطور. قد نكون على تخوم الزمن إن لم نكن خارجَهُ تماماً لأنه يتجاوز الذين ينامون في محطاتِ انطلاقه، فتكونُ العربةُ الأخيرةُ للمتباكين على الأطلال، أو للباحثين عن أوهام لم تكن موجودة أصلاً.. فيعبثُ بها هاجسُ الأوهام، والظنون، والريبة، والشك بالنفس والذات والآخر وبكلِّ شيء.. ويُصبحُ القتلُ بالمجان.. حتى أن جيش الوطن الذي يمثلُ عنوانَ الشرف والتضحية حرامٌ أن تقف معه.. وإن وقفت معه فأنت متآمر وعميل.. أما آن لنا أن نستيقظ من هذا السبات المزمن الذي يعشعش في داخلنا ويتسلق على هاماتنا كنباتات متطفلةٍ أو يسيطر على تفكيرنا؟ أما آن لنا أن ننطلق إلى الفضاءات الأوسع والأرحب لنعيدَ بناءنا من جديد ونواصلَ البناءَ وتبادلَ الرأي والتنسيقَ بين أجزاء الأمة المتناصرة وما يتناسبُ مع مرحلية الزمن، ومتطلباته، ومقتضياتِ المصالح التي تهم كل بلد، أو قطر من خلال تبادلِ واحترامِ الرأي والرأي الآخر، والحوارِ الأخوي الهادفِ إلى تحقيقِ الحدِّ الأدنى لوجودنا. إني أكتبُ من وجعٍ دفين. يوقظني الحرفُ الناهضُ من ركامِ السكون في زمنِ الصمتِ المرعب والساكنِ على ضفةِ الدموع. في شعبان الولادة للفرجِ الموعود.. نحنُ بحاجةٍ إلى سيفه مسلولاً على أولئكَ المتجلببين بجلباب الدين ويحملون الحقد في داخلهم لكل أتباع الدين.. نحتاجُكَ يا فرج الله الموعود.. لننهض من تحت هذا الركام وتنتصب قاماتُنا انتصابَ سيوفِ الحق التي لا تنبو ولا خيلٌ تكبو.. ويجب أن نخرج من هذا الصخب، لنعود إلى ما كنا عليه في خندق واحدٍ وفي صف واحدٍ نرفد البشرية بما نحمله من دين.. أما أولئك الذين ظنوا أنهم سيتسيدون.. نقول لهم: ستزولُ كلُّ شعاراتكم وتُداسون بأقدام جندِ المهدي ساعتئذٍ لن ينفعكم كلُّ ضجيج العالمِ ولن تكون أمريكا حاضرةً وسيكون القول الفصلُ لمستضعفينْ.
|
||||