|
|||||||
|
في مؤتمرٍ بالخليل في فلسطين المحتلّة، وبحضور عشرات الآلاف ـ كما قيل ـ أُعلن عن توقيع وجهاء العشائر في فلسطين، على ميثاقٍ لنُصرةِ إقامة الخلافة. الإعلان في حدّ ذاته لا يحمل أيّ جديدٍ، ولاسيّما أنّ السعي لإقامة الخلافة الإسلاميّة شعارٌ طالما طرحته بعض الأحزاب الإسلامية التاريخية؛ بل هو جزءٌ من الحلم الذي يُراود أيّ مسلمٍ يعيش البُعد العالمي في التزامه بالإسلام. الجديد هو عودته إلى التداول في ظلّ التطوّرات التي أعقبت "الربيع العربي"، والذي نتج عنه صعود الإسلاميّين إلى مواقع الحكم الأولى، في تونس وليبيا ومصر، ما عزّز لدى الكثير من الحالمين الشعور بإمكانيّة تحقيق الحلم، بل وقرب وقوعه الذي هو مسألة وقتٍ فحسب. وربّما يكون الأهمّ في هذا المجال، هو أنّ الإسلاميّين الذين تبوّأوا مواقع الحكم في بلدان الحراك الشعبي، ينتمون إلى حركة إسلاميّة واحدة، وهي "الإخوان المسلمون"، الذين سيشكّلون الصلة الطبيعيّة بين الدول، التي تنتظر باقي دولها دورها في تبوّؤ "الإخوان"، عبوراً من سوريا نحو أكثر من بلدٍ عربيّ، يشهدُ إمّا تضييقاً أو استمالةً أو محاكمةً للإخوان المسلمين تحت أكثر من عنوان؛ من دون أن ننسى تركيا، التي تمثّل الأخ الأكبر، والذي يملك تجربة بدأ الحديث عن كونها النموذج الذي ينبغي أن يطبّق في كلّ البلدان التي تغيّرت رموز أنظمتها السياسية. لن نخوض هنا في قراءة تاريخية لمسار الخلافة الإسلاميّة، بقدر ما نريد التفكّر في الظروف الحاليّة، والتي تجعلنا نجيب ـ إلى حدّ ما ـ على السؤال الذي يشير إليه عنوان هذا المقال، ولاسيّما أنّ هذا النوع من الشعارات قد يقود إلى اجتزاءات في قراءة الوقائع والأحداث والمآلات، بما قد يعزّز من إمكانيّة الوقوع بأخطاء قاتلة في هذا المجال. في كلّ الأحوال، فإنّ ثمّة أموراً يتطلّبها تحقيق مشروع الخلافة الإسلاميّة، بما يعنيه من إقامة كيان سياسيّ موحّد وجامع لجغرافيّة تتجاوز الحدود التي تقسّم الدول العربية والإسلاميّة إلى كيانات سياسيّة منفصلة عن بعضها البعض. من أبسط الأمور، أن يكون مفهوم الأمّة حاضراً في ذهنيّة الإسلاميّين، انطلاقاً من الإحساس بضرورة تجميع كلّ عناصر القوّة في داخلها، والمراكمة على كلّ الإنجازات التي تحقّقت للأمّة في تاريخها القريب خصوصاً؛ وهذا بدوره يتطلّب رؤية فكريّة انفتاحيّة قادرة على أن تشكّل الحلقة التي تصل بين أطراف الدائرة الكبرى التي تمثّلها الأمّة؛ وبذلك يُمكن الحديث عن وجود بنية داخليّة لإطارٍ جامعٍ يُمكن أن يشكّل قاعدةً لوحدة كيانيّة سياسيّة. إضافةً إلى ذلك، ثمّة قضايا مركزيّة للأمّة، تمثّل أولويّات تتحرّك نحوها، وتحدّد لها تحالفاتها الخارجيّة وطبيعة انفتاحها على القوى الفاعلة على المسرح الدولي والإقليمي. ومركزيّة القضيّة تعني أنّها ذات بُعد أكبر من خصوصيّات الكيانات السياسيّة القائمة، وحتّى أعلى من خصوصيّات الانتماءات المذهبيّة والطائفيّة ضمن دائرة الانتماء للإسلام، وتكتسبُ هذه القضايا حرارةً مطلوبة لصهر كلّ التنوّعات في اتّجاه حركيّ واحد، عبر ضبط كلّ الخصوصيّات في أطرها الفكرية أو الثقافيّة الخاصّة، وكذلك بآليّاتها الخاصّة، من دون أن تؤثّر على القضايا أو القضيّة المركزيّة. وعادةً ما تلجأ الدول، إذا ما أرادت أن تؤسّس لوحدةٍ ما، إلى جامعٍ خارجيّ عندما تفتقد الجامع الذاتي، فيُقال إنّ الدولار يوحّد الولايات المتّحدة الأمريكية، واليورو يوحّد الاتّحاد الأوروبي، والأطلسي توحّد ضدّ الاتّحاد السوفيتي، حتّى إذا انهار أعلن عداءهُ للإسلام، هذا العداء الذي أخذ عنوان الإرهاب، وخلطت فيه حركات المقاومة للاحتلال بغيرها... والمسلمون لا يُعدمون الجامع الذاتي، وهو الإسلام نفسُه، بكلّ مرتكزاته وأصوله، بل وتفريعاته بشكل عامّ، وكذلك لا يفتقرون إلى عنصر الوحدة الخارجي، وهو العداء للكيان الصهيوني، ليس لمشروعه التوسّعي فحسب، وإنّما لأصل وجوده. وكلُّ حديثٍ غير ذلك، هو حديثٌ لاغٍ، تشهد ضدّه أنّ كلّ حاكمٍ يُريد أن يلمّع صورتَهُ لدى شعبه أو لدى الشعوب العربية والإسلاميّة، فإنّه يقترب في خطابه من قضيّة فلسطين والعداء لإسرائيل. أيّاً كان، فعندما ترتبط المسألة بالمجال الإسلامي، يمثّل عنصر الوحدة الخارجيّ قاعدةً لجبهة عريضة تضمّ في داخلها الأطياف المنتمية إلى الإسلام وغير المنتمية، كالمسيحيّين والقوميّين والعلمانيّين، الذين يملكون التفاعل الإيجابي مع قضيّة مركزيّة للأمّة، كفلسطين مثلاً. على هذا الأساس، وبكلّ بساطةٍ نقول: إذا كان المناخ الذي تعيشه المنطقة هو مناخ التكفير والإقصاء، والفتنة المذهبيّة القائمة على تغييب منظومة العقل والمنطق والحكمة والحوار لصالح العناوين المذهبيّة التي تسمح بتبوّؤ مواقع قيادة الجماهير القيادات الجاهلة أو الموتورة أو المشبوهة... وإذا كان الواقع يفتقد إلى الأرضيّة المفاهيمية والتربويّة للانفتاح على الآخر، الديني أو المذهبي، ويعيش ضعف الشعور الوجداني بالقضيّة المركزيّة، فإنّ الحديث عن مشروعٍ لوحدةٍ سياسيّة سيكون أشبه بالجمع بين الشيء ونقيضه في أقلّ تقدير. وفي هذا المجال نطرحُ جملة من النقاط، في محاولةٍ لرسم صورةٍ لما تشهده المنطقة في مرحلتنا الحاضرة: أوّلاً: إذا كان يُفترض بالإخوان المسلمين أن يشكّلوا قيادة مشروع الخلافة، فإنّ ما تشهده ساحتهم على أكثر من صعيد، هو الدخول في صراعات متعدّدة الأوجه: فهناك الصراع الإخواني السلفي، الذي إن توحّد ضدّ الشيعة، فإنّه يشي بتناقضات تُنذر بنسف عُرى المجتمع في كلّ بلدٍ يحكمه الإخوان المسلمون اليوم؛ من تونس إلى ليبيا إلى مصر تحديداً؛ تلك التي تمتلك تاريخاً عريقاً وامتداداً عربيّاً فكريّاً ووجدانيّاً، ومع ذلك نلمح صراعاً إخوانيّاً أزهريّاً سلفيّاً علمانيّاً... إلى آخر القائمة. وإذا كان هذا ـ فَرَضاً ـ جزءاً من الخطّة الغربيّة لإرباك الإخوان المسلمين لكي لا يستتبّ لهم الأمر، فكيف يُمكن إلغاء عامل تأثير القوى الغربية الكبرى على المشهد الداخلي لدول "الربيع العربي"، ويُتعامل معه على أنّه غير موجود أو عديم التأثير، في مشروعٍ كبيرٍ كمشروع الخلافة ؟! إنّ التعامل مع الواقع وكأنّنا في جزيرة معزولةٍ، لنتحدّث عن أنّ المرحلة هي مرحلة التمكّن من الأرض، وصولاً إلى مرحلة تشكيل الجبهة الصلبة ضدّ مشاريع التفتيت والهيمنة وتكريس وجود الكيان الصهيوني، هو أشبهُ بتبسيطٍ آخر للمسألة، وهو ما تثبته الأحداث تباعاً على كلّ حال. ثانياً: تشهد تونس جدلاً داخليّاً حول استجلاب الدعاة السلفيّين وجعلهم مسؤولين عن تثقيف الجماهير في المساجد خصوصاً، وهو أمرٌ قد يُفهم على أنّه جزءٌ من سياسةٍ تريد أن تواجه الاتّجاهات غير الدينية، في الوقت نفسه نجد أنّ مصر أصبحت ميداناً خصباً للخطاب التكفيري الحادّ الذي تقوده شخصيّات ذات رمزيّة إعلاميّة، فيما ليبيا غائبة عن مسرح الإعلام، لأسباب يعرفها الكثيرون، فهل يُمكن لهذه الأرضيّة أن تشكّل أرضيّة جامعة للمُسلمين فكريّاً ووجدانيّاً، حتّى نتحدّث عن جامع سياسي؟!. ثالثاً: إنّ منطق الأمور يفترض أن تشكّل مرحلة ما بعد سقوط رموز الأنظمة السابقة، انفتاحاً على المسلمين الشيعة بالخصوص؛ لأنّ العنوان الأبرز للمرحلة الماضية هي الارتهان لإرادة الاستكبار الدولي، والعمل للمصلحة الصهيونيّة، ضدّ مصلحة الشعوب؛ وبهذا يلتقي المُسلمون جميعاً على عدوّ مشترك وهو "إسرائيل"، وعلى قضيّة مشتركة وهي تحرير فلسطين، وتحقيق الاستقلاليّة والتعاون المشترك في المجالات التي تهمّ كلّ بلدٍ فضلاً عن الأمّة؛ في الوقت الذي رأينا فيه العكس تماماً؛ حتّى ما قبل أحداث سوريا، حتّى لا يقال بأنّ المسألة تحوّلت مع تطوّر الأحداث فيها. لا نريد هنا أن ندخل في نقاشٍ للفكرة السخيفة التي يروّج لها "الفكر" التكفيري، بأنّ الشيعة ليسوا مسلمين، أو ما يحاول الإعلام أن يرسمه عن خُمس المسلمين اليوم، من أنّ خطرهم على الإسلام أكبر من خطر إسرائيل.. ولكنّنا نقول: يكفي أن نأخذ بفقه الأولويّات، لكي لا تسقط قيادات المشروع هذه الورقة المهمّة في وجه كيان العدوّ، ومشاريع التفتيت الاستكباريّة ـ التي تقف على طرف نقيض مع مشروع الوحدة الكيانية السياسية للمنطقة ـ بدلاً من إسقاطها مترافقةً مع حالات ضعف متنوّعة الأوجه؛ بل حالات تشوّه في الذهنيّة العامّة للأمّة نتيجة ظروف القهر السابقة. رابعاً: تمثّل إيران اليوم، الدولة الإسلاميّة الأكثر استقلالاً بين الدول عن الإرادة الغربيّة، التي يعرف الصغير قبل الكبير، أنّها تصبُّ حصراً في مصلحة الكيان الصهيوني، وهي التي عملت تاريخياً على حمايته من كلّ الأخطار المحدقة؛ وإيران هي الدولة التي تعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتعلن أنّها تضع خبراتها لمساعدة دول الجوار؛ في الوقت الذي تُنهب فيه ثروات ليبيا باسم "الربيع العربي"، ومصر تعيش على المساعدات التي تتصدّق بها دولٌ إقليمية أو دوليّة، ويُدسُّ فيها ما يفرض مساراتٍ أو مواقفَ قد لا تصبُّ في مصلحة مصر وموقعها ومستقبلها... لا نريد أن ندخل في الجدل الذي يحاول أن "يشيطن" هذه التجربة الإسلاميّة، ويصوّرها الخطر الأكبر على الأمن العالمي، فضلاً عن الأمن الإقليمي، ولكنّنا نتساءل: كيف يُمكن أن تقوم خلافة إسلاميّة لا تحقّق الانفتاح الإسلامي بما يضمن قاعدةً للتعاون المشترك في سبيل تحقيق استقلاليّة كيان الخلافة السياسي والاقتصادي، ولاسيّما في ظلّ العوامل الداخليّة التي سبقت منّا الإشارة إليها أعلاه؟!. أمّ أنّ مشروع الخلافة الذي يُراد استعادته، هو مشروعٌ يراد له أن يقوم على ضدّية مذهبيّة أو عرقيّة، تفتح الأفق الآتي على أكثر من حالة تدميرٍ ذاتيّ للإسلام وللواقع الإسلاميّ كلّه؟! ولا يُظنُّ بأنّ عاقلاً يُمكن أن يفكّر بهذه الطريقة. خامساً: إذا كان النموذج التركي هو الذي جرى تداوله أنّه يمثّل رافعة مشروع الخلافة (بغضّ النظر عن الحديث عن أحلام تركيّة باستعادة العثمانيّة القديمة، ولا علاقة له بمشروع إسلاميّ بالمعنى الإسلاميّ للكلمة)، فإنّ استدارة تركيا نحو العالم العربي مستجدّة، وكانت تتحرّك عبر فلسطين كعنصر من محاكاة الوجدان العربي النابض على وتر "العاطفة الفلسطينيّة" كما لا يخفى، مع أنّ طريقة التعامل مع قضيّة سفينة "مرمرة" على ضوء الضغوط أو التمنّيات الأمريكية كافٍ للكشف عن الطريقة التي يمكن أن تضطلع بها مع ملفّات أكثر خطورة، فهل الخلافة الإسلاميّة المراد إقامتها هي الخلافة التي تأخذ بإسلامٍ معتدلٍ متحالفٍ مع الأطلسي ومتصالحٍ مع "إسرائيل"، ويعملُ على استعادة ساذجة وسطحيّة للصراع بين "العثمانيّة" و"الصفويّة"، من دون إعادة قراءة متغيّرات المرحلة، أو حتّى تطوّرات البنية التي لحقت بما يُرى أنّه امتدادٌ لهذه أو لتلك، فضلاً عن أن تكونا تجربتين إسلاميّتين بما تعنيه كلمة الإسلاميّة من معنى؟!. سادساً: أيّ خلافةٍ إسلاميّة يُمكن إقامتُها ـ مع ملاحظة كلّ ما تقدّم ـ و"إسرائيل" في قلبها؟! تلك التي لم يُراكم على انتصارات الأمّة التي تحقّقت عليها؛ ونقول "انتصارات الأمّة" بكلّ ما للكلمة من معنى؛ لأنّ هذا النوع من الانتصارات، سواء التي تحقّقت في لبنان أو في فلسطين، لا تقبلُ طبيعتُها المذهبة أو التأطير؛ لأنّ آثارها تمتدّ في مدى ساحة القضيّة والصراع مع هذا العدوّ، ويُمكن لمن هو في أقصى الشرق، وحتّى الغرب، أن يُراكم عليها موقفاً جديداً، أو إعادة النظر في سياسة كانت مفروضة تحت عوامل لم تتضمّن انتصارات كالتي تحقّقت. لقد فقد الوجدان العامّ للمسلمين، أو كاد، معنى الاتّحاد ضدّ هذا العدوّ، بمعنى الإحساس الوجداني، والبُعد المبدئي لمفهوم العداوة، اللذين ـ من دون أدنى شكّ ـ كان بإمكانهما التخفيف من حدّة التوتّر القائم بين المسلمين؛ فكيف إذا كان هذا التوتّر الحاصل مخطّطاً له في اتّجاه إضعاف روح العداوة مع هذا العدوّ، وسلخهم عن القضيّة الكبرى المتمثّلة بتحرير فلسطين، عبر إشاعة روح العصبيّة البغيضة، التي تجعل المسلم القريب أعدى من العدوّ الصهيوني، وهذا ما أصبح على كلّ لسنٍ ومذهبٍ؟!. يكفي وجود هذا الكيان الصهيوني العدواني التوسّعي في عمق الأمّة، مع كلّ الحماية المقدّمة له من الحليف الغربي لقيادة مشروع الخلافة، أعني تركيا، ليجعل فكرة مشروع الخلافة أمراً في غاية التبسيط والسذاجة السياسية في النظر إلى الأمور، والتخطيط الواقعي للمشاريع، وأقرب إلى الحُلُم الورديّ الذي تهربُ إليه الذاتُ من ضعفها، فتمارس عمليّة تضخيم للذات عبر شعاراتٍ رنّانة، وأحلامٍ كبيرةٍ. أخيراً، نعود لنقول: إذا كان مشروعُ الخلافة التي يجري توهّم اندفاع الواقع نحو تحقيقها اليوم معنوناً بعنوانٍ مذهبيّ، أي خلافة إسلاميّة سنّية، ضدّ مذهبٍ آخر، هو التشيّع، الذي يُمكن لقواه أن تلعب دور المتكامل مع سائر القوى التي أثبتت فاعليّتها في أيّ مشروعٍ من هذا النوع، وتحديداً في خطوط المواجهة الأماميّة ضدّ العدوّ المشترك، وضدّ مشاريع الاحتلال في المنطقة. ونحن هنا نشدّد على أنّنا لسنا بصدد التخوين؛ بل قد لا نشكّ بأنّ ملامح الصدق بادية على كثيرين ممّن يطرحون هذا الشعار؛ إلا أنّ صدق النوايا وحده لا يكفي لتحقيق المشروع، وإنّما يحتاج إلى الوعي الدقيق للمرحلة، وفهمٍ عميقٍ لعناصرها ولخلفيّات ما يجري فيها، كما بروحٍ عاليةٍ لا تتصرّف من موقع الحالة النفسيّة التي أنتجت تحت القهر والضغط والشعور بالتهديد على الوجود... فإنّ الوعي والفهم إذا فقدا، فقد يجد الإنسان نفسه أنّه يخدم مشاريع أخرى تقدّم بعناوين جاذبة، وخطوط برّاقة، فضلاً عمّا إذا كان ذلك الإنسان ينطلق بذهنيّة الإنسان المقهور!. إنّ مشروع الخلافة إنّما يقوم على تلاقي الإسلاميّين على امتداد العالم العربي، ضمن خطّ الوحدة الإسلاميّة، التي تغلّب عناصر اللقاء على عناصر الخلاف، وتضع الخلافات ضمن إطارها الفكري والثقافي والاختلاف في وجهات النظر، وتحدّد لها آليّات إدارتها بما لا يؤثّر على القضايا الكبرى. كما أنّ المشروع يقوم على لقاء المقاومات الإسلاميّة للعدوّ الصهيوني، في لبنان وفلسطين، مع مقاومات الاحتلال في العراق وأفغانستان والصومال وغيرها، مع الحركات الإسلاميّة التي يُطلب منها الخروج من فكر "القبو" إلى فضاء الإسلام الرحب والاجتهاد المتحرّك؛ بل حتّى أنّ المطلوب اللقاء مع الاتجاهات السلفيّة التي يُفترض بعلماء الدين أن يُفتوا لها بالجهاد ضدّ العدوّ الإسرائيلي مقدّمة لإعلان الخلافة على أسس ثابتة ومتينة، وتجميد كلّ الجبهات، بدلاً من أن يُفتوا لها بفتاوى تدميريّة للإسلام والمسلمين. فإذا لم نستطع أن نختبر هذا المسار، فإنّ أيّ مشروعٍ للخلافة، لو طُبّق، سيكون عنصر تفجير إضافيّ يُضاف إلى عناصر التفجير الموجودة في داخل الأمّة؛ بل ربّما قد يكون هذا المشروع هو نفسه جسر العبور الذي يعبر من خلاله المستكبرون إلى تدمير مدوٍّ أكبر لواقع المسلمين؛ وهذه نطقة جديدة توجب المزيد من الحذر، والارتفاع عن البساطة في مقاربة الأمور. لا أريد أن أوحي ممّا سبق أنّي أكتُبُ ضدّ مشروع الخلافة، ولستُ من هواة الحديث عن المذهبيّة؛ فإنّها لغةٌ يمقتها الله ورسولُه والمؤمنون حقّاً، ولكنّها الواقعيّة التي حاولت من خلالها أن أفكّر بصوتٍ مقروءٍ، عسى أن ننتقل من حالة التبسيط التي أدمنّاها في قراءتنا للأحداث والبناء عليها ـ وبالتالي الوقوع في شرك خدمة أهداف الآخرين من حيث لا نريد ـ إلى حالة الواقعيّة التي تفترض أعلى درجات الوعي وأعمق حالات الفهم؛ والله من وراء القصد. |
||||||