الربيع العربي ومسألة انتشار السلاح في المنطقة:
السلاح الكيميائي في ليبيا وسوريا

السنة الثانية عشر ـ العدد139 ـ (شعبان ـ رمضان 1434  هـ ) تموز ـ 2013 م)

 ترجمة وإعداد حسن سليمان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ترجمات

مجلة تقدير استراتيجي التي تصدر عن مركز أبحاث الأمن القومي في إسرائيل - نديتا بيرتي ودافيد فريدمان

 

مر على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منذ كانون الأول 2010، تغيير سياسي واجتماعي واسع الأبعاد. فقد أدى ما سمي بالربيع العربي في عدد من الدول إلى انهيار أنظمة حكم مستبدة قديمة كما كان في ليبيا ومصر ودول أخرى – وأفضى إلى مواجهة داخلية مستمرة وعدم استقرار كما حدث في سوريا وقد يفضي مسار التغيير الإقليمي في الأمد البعيد حقا إلى قدر أكبر من الديمقراطية ونمو في الشرق الأوسط، لكن كل دول المنطقة تقريباً تضطر في الأمد القصير إلى مجابهة محيط متقلب غير مستقر من جهة أمنية وسياسية.

هذه المقالة ستقوم بتشريح تأثير الثورات وعدم الاستقرار في أعقاب تبدل الأنظمة في العالم العربي، على انتشار السلاح غير التقليدي في المنطقة، مع التأكيد بصورة خاصة على السلاح الكيميائي. تركز هذه المقالة على الدولتين الأولى حيث أفضت الانتفاضة العربية إلى تغيير النظام (ليبيا) والثانية التي تجري فيها مواجهة داخلية طويلة(سوريا). تلك الدولتان عُرِفتا بأنهما تملكان أو كانتا تملكان في الماضي خطط سلاح دمار شامل. على ضوء ذلك تدرس هذه المقالة تاريخ هذه الخطط ووضعها وتُقدر تأثير الثورات في قدرة ليبيا وسوريا على حماية السلاح الكيميائي الذي تملكانه. وتبحث المقالة آخر الأمر في تأثير هذين الاتجاهين في أمن المنطقة بشكل عام وأمن إسرائيل بشكل خاص.

نظرة إلى برنامجي سوريا وليبيا

تحوّل السلاح غير التقليدي الذي كان يعتبر في وقت ما من نصيب القوى العظمى والدول المتطورة وحدها، تحول بالتدريج منذ ستينيات وسبعينيات القرن العشرين ليصبح جزءاً من مخزون السلاح في عدد من الدول النامية. وقد ساعدت عدة عوامل معمر القذافي على محاولة تطوير برنامج سلاح كيميائي وبيولوجي في ثمانينيات القرن الماضي كانت براعمها شعور القذافي بأن سلاحاً من هذا النوع هو الأداة التي  يوازي بها ضعف ليبيا العسكري قياساً بجاراتها في المنطقة ومنها مصر (التي طورت هي أيضاً مخزونا من السلاح الكيميائي) وإسرائيل المسلحة بسلاح تقليدي وبقدرة نووية أيضاً من الناحية النظرية. والثاني أن تسلح ليبيا تم في سياق سباق إقليمي حينما حاولت دول أخرى في تلك المدة ومنها سوريا والعراق الحصول على سلاح غير تقليدي. هذا إلى أن حساب القذافي كان أن امتلاك السلاح الكيميائي سيمنحه ويمنح نظام حكمه الحصانة في وجه كل محاولة لإسقاطه.

وفي خلال ثمانينيات القرن الماضي، بدأ نظام القذافي يبني ثلاث منشآت مركزية للسلاح الكيميائي. الأولى هي الرابطة قرب طرابلس وكانت منشأة صناعية سُميت "فارما 150"، وكانت ذات قدرة على إنتاج نحو من 4500 كغم كل يوم من السلاح الكيميائي كغاز الخردل والأعصاب. وبنت ليبيا في مقابل ذلك منشأتين أخريين حُصنت كلتاهما من القصف الجوي. وبدأت ليبيا تنفق أيضاً على منظومات إطلاق وبخاصة صواريخ بالستية. وفي خلال تسعينيات القرن العشرين زاد المجتمع الدولي في جهوده لوقف التسلح بسلاح كيميائي، وصُرف انتباه متزايد إلى ما كان يبدو مخزون ليبيا المتزايد من السلاح.

وأظهرت دول غربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة قلقاً من توجه ليبيا هذا ولاسيما في ضوء دعمها للإرهاب الدولي. ولهذا السبب منعت الولايات المتحدة شركات تعمل على أرض أمريكية من المساعدة على تسليح ليبيا. في 1993 أعلنت ليبيا، مثل مصر ودول عربية أخرى، أنها لن تشارك في ميثاق سلاح كيميائي (سي.دبليو.سي)، مع زعمها أن التجرد من هذا السلاح يمكن أن يتم فقط بأن يكون جزءاً من حظر شامل لسلاح الإبادة الجماعية في المنطقة، وأن هذا الشيء غير ممكن ما لم توافق إسرائيل على التخلي عن البرنامج الذري المنسوب إليها.

في 2003 بدأت ليبيا وبريطانيا تفاوضاً سرياً كان يرمي إلى تطبيع العلاقات بين ليبيا والمجتمع الدولي. وكانت نتيجة ذلك أن سمحت ليبيا في تشرين الأول 2003 لمراقبين أمريكيين وبريطانيين أن يزوروا منشآتها العسكرية ومختبراتها للفحص عن برامج السلاح الكيميائي وسائر برامج السلاح غير التقليدي. وأعلنت ليبيا بعد ذلك في كانون الأول 2003 بأنها تتخلى عن جميع برامج سلاح الإبادة الجماعية فيها وأنها تنوي ان تشارك في جميع المواثيق الدولية القائمة في هذه الموضوعات. ولم تكن ليبيا قد كشفت إلى ذلك الحين قط عن وجود برامج سلاحها غير التقليدي ولم تعترف بها، بل إنها تمسكت بزعم أن نشاطها في هذا المجال ذو طبيعة مدنية ومخصص لأهداف سلمية.

ليس من الواضح إلى اليوم تماماً ما الذي بعث القذافي على أن يخطو هذه الخطوة الحاسمة. ومن المنطق أن نفترض أن الضغط الدولي المتزايد على السلاح غير التقليدي وعلى تأييد ليبيا للإرهاب الدولي في الفترة التي تلت عملية برجي التوائم في نيويورك، أدى دوراً في حث القذافي على التخلي عن برنامج سلاحه الكيميائي. وكان يبدو إلى ذلك أن اجتياح الولايات المتحدة للعراق في 2003 والسقوط السريع لنظام صدام حسين أحدثا عند القذافي خشية من تدخل خارجي مشابه في ليبيا وأفضيا به إلى إبطال برنامج سلاح الإبادة الجماعية مقابل وعد الغرب إياه بألا يسقط نظامه. وأدرك القذافي كذلك، كما يبدو، أن برنامج سلاحه الكيميائي كان بعيداً في تلك المرحلة عن أن يمنحه المنعة من التدخل الخارجي أو الانقلابات الداخلية وفضل بسبب ذلك أن يقبل الصفقة التي عُرضت عليه.

كانت ليبيا قد قدمت حتى سنة 2004 إلى "منظمة حظر السلاح الكيميائي" التابعة للأمم المتحدة (أو.بي.سي.دبليو) تصريحاً جزئياً عن منشآت خزن السلاح الكيميائي التي لديها. وأعلنت في هذا الإطار وجود 3500 قذيفة جوية مخصصة لنثر السلاح الكيميائي، ووجود 24.7 طن من غاز الخردل ووجود 1390 طنا من مواد للسلاح الكيميائي. وبدأت "منظمة حظر السلاح الكيميائي" تراقب وتتحقق من وجود جميع المخزون المعلن عنه، ووجدت أن قدرات ليبيا الإنتاجية كانت أكثر تواضعا من الفرض المسبق وان مخزونها من السلاح كان في وضع شديد السوء من جهة الأمن ونوعية المواد والصيانة.

بدأت ليبيا بعد مشاركتها في ميثاق السلاح الكيميائي بجهود لتغيير صورتها وأصبحت شديدة النشاط في المنظمة. ودعت دولاً أخرى في المنطقة إلى السير على أثرها وإلى القضاء على السلاح الكيميائي والبيولوجي. وتقدمت خطة القضاء على السلاح الكيميائي الذي تملكه ليبيا في واقع الأمر تقدماً بطيئاً جداً، على الرغم من المساعدة من الولايات المتحدة وايطاليا. وفي حين دُمرت القذائف الجوية بعد مشاركة ليبيا في الميثاق فوراً، تأخر إجراء القضاء على غاز الخردل والمواد الكيميائية الأخرى. وطلبت ليبيا قُبيل الثورة مهلة لتستكمل القضاء على سلاحها الكيميائي.

بدأ اهتمام سوريا بالسلاح غير التقليدي في سبعينيات القرن العشرين كما يبدو. وتوجد شهادة على أن مصر زودت سوريا قبل حرب يوم الغفران بأول قدرة كيميائية لها. في بدء البرنامج، في مطلع سبعينيات القرن الماضي، اشترت سوريا مواد كيميائية وصواريخ بالستية من بلدان أخرى لكنها طورت بعد ذلك قدرات إنتاج خاصة بها اعتمدت على مساعدة خارجية. وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي بدأ حافظ الأسد يُظهر اهتماماً بتطوير ذاتي لسلاح غير تقليدي تحثه على ذلك اعتبارات أمن سوريا في مواجهة إسرائيل ورغبته في أن يُعادل تفوق إسرائيل الكبير بالسلاح التقليدي وأن يحرز قدراً ما من الردع الاستراتيجي في وجه السلاح الذري الذي تملكه في ظاهر الأمر. واختار نظام الأسد إلى ذلك أن يطور قدرات صواريخه البالستية على إطلاق سلاح كيميائي وبيولوجي عن وعي لتفوق إسرائيل الجوي أيضاً.

إن الفرض اليوم هو أن سوريا تملك واحداً من أكثر المخزونات العملياتية من السلاح الكيميائي إحكاماً في العالم ويعتمد في الأساس على غاز الأعصاب. وتُمثل هذه المجموعة من السلاح أكثر الصور تقدماً من المواد الكيميائية للاستعمال العسكري. والمادة المركزية فيها هي السارين (المعروف أيضاً باسم جي.بي) – وهو مادة متطايرة وسامة بصورة قوية. والظن هو أن السوريين يملكون أيضاً الـ "في.اكس" الذي هو أقوى سمية حتى من السارين. وتشتمل منظومات إطلاق السلاح الكيميائي التي عند سوريا على قنابل جوية وقذائف، لكن سلاحها الاستراتيجي الأكثر تقدما هو الصواريخ البالستية (صواريخ سكاد مع تطويراتها وصواريخ إس.إس 21) القادرة على أن تصل إلى كل مكان في إسرائيل. وتتوزع المركبات المختلفة للسلاح الكيميائي السوري في عدد كبير من المواقع في أنحاء الدولة كلها ويستعمل النظام السوري بحسب التقدير أربع منشآت إنتاج لهذا السلاح. ويُعلم قدر أقل من ذلك عن برامج السلاح البيولوجي في سوريا، ولا يوجد اتفاق في سؤال هل طورت قدرة عملياتية بسلاح بيولوجي هجومي.

لم يكن النظام السوري قد اعترف حتى الفترة الأخيرة قط بوجود برنامج ومخزون للسلاح الكيميائي والبيولوجي على الرغم من حقيقة أن حافظ الأسد قد أسمع في خلال سنوات حكمه أكثر من مرة تصريحات بأن سوريا تملك "سلاحاً سرياً" أو قدرة "رد مناسب" في وجه تفوق إسرائيل العسكري. وفي أثناء المحادثات حول ميثاق السلاح الكيميائي وفي حلقات دولية أخرى، كان موقف سوريا أنه ما بقيت إسرائيل ترفض القضاء على سلاحها الذري فستحتفظ سوريا لنفسها بالحق في أن تسلح نفسها بسلاح كيميائي ولن تُدمر هذا السلاح حتى لو امتلكته. وفي مقابلة صحفية أجراها رئيس سوريا بشار الأسد في كانون الثاني 2004، كرر مرة أخرى الموقف الذي يقول إن لسوريا الحق في الدفاع عن نفسها وأضاف قائلاً "ليس من الصعب بصورة خاصة إحراز أكثر السلاح من هذا النوع (البيولوجي – الكيميائي) في كل مكان في العالم، ويمكن الحصول عليه في كل وقت". وبقي موقف سوريا المتشدد هذا على حاله إلى اليوم، فسوريا تعارض المشاركة في ميثاق السلاح الكيميائي وتنسق موقفها السياسي في هذا الشأن مع موقف مصر.

آثار "الهبة العربية" على السلاح البيولوجي والكيميائي في ليبيا وسوريا

قُبيل انتهاء الثورة في ليبيا قدرت منظمة حظر السلاح الكيميائي أن ليبيا ما زالت تملك نحوا من 45% من غاز الخردل الذي في حوزتها و60% من عناصره الخام (المواد الأولية)، التي أُعلن بوجودها لكن لم يتم القضاء عليها بعد. ولم يؤدِ احتياطي السلاح الكيميائي دورا في أثناء الثورات في العالم العربي، وعلى الرغم من الإشاعات المتناقضة لم يتجه القذافي في يأسه إلى استعمال هذا السلاح – وكان ذلك اختياراً يبدو أنه تأثر بتقديرات سياسية علماً بأن السلاح الكيميائي غير ملائم لاستعمال عملياتي.

ومع انقضاء عهد النظام القديم ونشوء "المجلس الانتقالي الوطني" الليبي أعلنت السلطات الجديدة أنها حددت مواقع مخازن سلاح كيميائي أخرى امتنع نظام القذافي عن التصريح عنها. وحينما فحصت "منظمة حظر السلاح الكيميائي" ليبيا في المرة الثانية منذ كانت الثورة في كانون الثاني 2012، صادقت على أن القذافي كان يملك مخزوناً احتياطياً غير معلن من قنابل كيميائية.

إن حقيقة أن النظام الليبي لم يكشف عن وجود الموقعين أثارت الخوف من وجود سلاح كيميائي غير معلن آخر في ليبيا. وكذلك ثار قلق من أن تقع مركبات من المخزن الكيميائي الليبي في أيدي غير مرغوب فيها ولاسيما مجموعات إرهابية في ليبيا ومن خارجها. ومع ذلك لم يوجد إلى اليوم برهان على صدق هذه المخاوف. وصادقت رقابة الأمم المتحدة التي تمت في المواقع المعلنة في الفترة بعد سقوط القذافي على أنه لم تكن تُفقد بعد الثورة مركبات سلاح كيميائي ليبي. ولم يمكن قول ذلك عن سائر مخزونات سلاح القذافي.

فعلى سبيل المثال تُقدر الولايات المتحدة أن 5 آلاف من نحو من 20 ألف منظومة إطلاق صواريخ كتف مضادة للطائرات كانت عند القذافي قد وُجدت وتم تدميرها تحت حراسة. وأن تهريباً محتملاً لمخزون القذافي من السلاح يشكل من جهة إقليمية وعالمية معا تحديا جديا في مجال نشر السلاح غير التقليدي.

أكد المجلس الانتقالي الوطني منذ تولى الحكم في ليبيا مراراً وتكراراً التزامه بالعمل بتعاون مع الأمم المتحدة على حل ما بقي من المخزون غير التقليدي الليبي. وعبرت الحكومة الليبية المنتخبة التي نشأت بعده عن موقف مشابه. وقد كان المجتمع الدولي مشاركا جدا في جهود تحديد مخزون سلاح القذافي وتأمينه، من جهة مالية وبمعاونة ومساعدة من الجهة التقنية. وأظهرت السلطات الجديدة في ليبيا رغبة كبيرة في التنسيق والتعاون مع "منظمة حظر السلاح الكيميائي" ومع وفد المساعدة من الأمم المتحدة في ليبيا، ومع دول مختلفة طرحت مساعدة ومنها الولايات المتحدة والعراق. لكن الوضع في سوريا بخلاف الوضع في ليبيا أقل أمناً بكثير. لقيت الاحتجاجات الأولى في الدولة قسوة شاملة لا تفريق فيها من قبل الحكومة السورية وتطورت لتصبح حمام دم داخليا بين إدارة الأسد وقوى المعارضة. وكلما تبين أن الحكومة غير قادرة على اختراق الطريق المسدود المتواصل وقمع المعارضة، وكلما احتلت المعارضة أرضاً أكثر وأضعفت قاعدة تأييد النظام وقدراته، قوي قلق المجتمع الدولي على مصير مخزون السلاح الكيميائي والبيولوجي في سوريا.

إن أول خوف رئيس هو من أن يتجه نظام الأسد إذا شعر باليأس ومن أجل النضال دفاعاً عن بقائه إلى استعمال السلاح الكيميائي على أبناء شعبه، وعلى الرغم من أن الحديث عن سيناريو هو في الأساس سوري داخلي فإن استعمال السلاح الكيميائي بصورة معلنة هو ذو آثار أوسع على الإخلال بالاستقرار الإقليمي. وقد كان الأسد يدرك إلى الآن ان استعمال هذا السلاح سيكون مقرونا باجتياز الخط الأحمر الوحيد الذي رسمه له المجتمع الدولي ولهذا استمر في اللعب بحسب قواعد اللعب. ومع ذلك كلما ازداد الصراع الداخلي عنفا وتضعضعت مكانة الأسد لم يمكن أن نتجاهل هذا السيناريو.

لوح الأسد وحاشيته بالتهديد بالسلاح الكيميائي تحذيراً من التدخل الخارجي. فقد أعلن موظف رفيع المستوى في النظام السوري أنه إذا استعملت سوريا السلاح الكيميائي فستستعمله على جهات أجنبية فقط. وكان هذا التصريح في حد ذاته ذا معنى كبير لأنه كان أول اعتراف من سوريا بأنها تملك سلاحا كيميائيا (وإن كان هذا التصريح قد أُنكر بعد ذلك بزعم "أنه أُخرج عن سياقه"). وعلى كل حال فإن "سيناريو الانتقام" هذا الذي يوجه فيه الأسد سلاحه الكيميائي على دول كإسرائيل أو تركيا لصرف الانتباه عن المواجهة العسكرية الداخلية ولـ "عقاب" المجتمع الدولي، يبدو غير معقول بإزاء التوجه العقلاني البارد الذي يستعمله النظام السوري إلى الآن.

أما الخشية الرئيسة الثانية التي عبرت عنها إسرائيل خاصة فهي من أن ينقل نظام الأسد بسبب يأسه جزءاً من السلاح غير التقليدي إلى حزب الله. ويبدو هذا الإمكان أيضاً غير واقعي ما بقي النظام السوري على الأقل مشاركاً في حرب شاملة مع المعارضة وله عناية بالحفاظ على سيطرة قوية على كل مخزونه العسكري. ومع ذلك إذا شعر النظام يقيناً بأنه يوشك أن يخسر الحكم فقد يحاول نقل سلاح غير تقليدي إلى المنظمة. ويجب على المجتمع الدولي أن ينظر إلى هذا السيناريو بجدية كبيرة لأنه قد يزيد كثيراً في قدرات حزب الله الذي أصبح عظيم القوة إذا ما قيس بمنظمة مسلحة ليست دولة.

وكان المصدر الثالث للخوف الدولي هو الفوضى المستمرة التي تسيطر على سوريا. وعلى ذلك يوجد خوف من أن تفقد الإدارة السورية السيطرة على مخزونها من السلاح البيولوجي – الكيميائي وأن يقع في أيدي المتمردين. والمجتمع الدولي قلق بصورة خاصة من مجموعات جهادية محلية تحاول الوصول إلى مخزون سوريا الكيميائي. وقد وعدت القوى المعارضة للأسد في الماضي بأنها ستؤمن المخزون الكيميائي كما فعل المتمردون في ليبيا، لكنه مع ازدياد الصراع العسكري في سوريا حدة وتحوله إلى أعنف مما كان من قبل، أصبح هذا السيناريو أيضاً يثير القلق.

من أجل مواجهة الأخطار المقرونة بالسلاح الكيميائي في سوريا، أصبح المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة يجري متابعة ملاصقة للأحداث هناك واستعمل عدة وسائل دبلوماسية وعملية. وترى الولايات المتحدة وإسرائيل معاً أن إمكان وقوع السلاح الكيميائي في أيدي جهات غير صحيحة خطر شديد واستعدتا لمنع إمكان أن تضع جهات خطيرة أيديها على مركبات أو على أجزاء من السلاح البيولوجي والكيميائي.

وانحصرت هذه الاستعدادات أولاً، في زيادة الرقابة على مناطق حساسة. فقد أفادت الأنباء أن الولايات المتحدة تعمل مع إسرائيل والأردن وتركيا وحلف شمال الأطلسي كي تراقب من قريب الأنشطة في جميع مواقع السلاح الكيميائي المعروفة في سوريا. وثانياً، في المستوى الدبلوماسي، حذرت عدة دول ومنها الولايات المتحدة وتركيا أيضاً مؤخراً، حذرت الأسد من آثار خطيرة إذا تجرأ على استعمال السلاح الكيميائي الذي في حوزته على جهات داخلية أو على جهات خارجية. ورسمت حكومة إسرائيل أيضاً خطوطا حمراء خاصة بها ونشرت تحذيرات صارمة تقول إن كل تغيير إلى أسوأ بالنسبة لإسرائيل في وضع السلاح الكيميائي في سوريا سيضطرها إلى استعمال خطوات متطرفة تشمل هجوماً عسكرياً. وإلى ذلك حث المجتمع الدولي الأسد على زيادة تأمين مخزوناته من السلاح مع ردها رداً إيجابياً على التقرير الذي أفاد أنه أخرج جزءاً من السلاح غير التقليدي من داخل مناطق المعارك الحساسة. وثالثاً، بذلت الولايات المتحدة جهوداً في صوغ خطط عملياتية لتدخل مباشر يفضي إلى السيطرة على مواقع السلاح غير التقليدي في سوريا وتأمينها أو تدميرها بهجمات عسكرية. وأفادت التقارير أن الولايات المتحدة نقلت إلى جارات سوريا ـ العراق والأردن ولبنان والعربية السعودية – منذ بدء 2012 رسالة تُبين استعدادها للمساعدة في تنسيق عمليات قد تمنع نشر سلاح غير تقليدي من سوريا. وتنحصر الخطط القائمة من جهة محددة في سؤال كيف يؤمن المخزون الكيميائي في الفترة التي تلي ما يبدو أنه انهيار نظام الأسد الحتمي. وإن الفترة الانتقالية غير المستقرة التي يتوقع أن تأتي بعقب سقوط النظام يراها عدد من الأطراف المشاركة – من الولايات المتحدة إلى إسرائيل وتركيا والأردن – أخطر سيناريو. وإلى ذلك فإن الخطة التي تم استعمالها لتأمين السلاح الكيميائي في ليبيا قد يتبين أنها غير كافية في سوريا، فالمخزون في سوريا أكبر كثيراً وهو مصان بصورة أفضل وأكثر إحكاماً من المخزون الاحتياطي الكيميائي في ليبيا؛ وأصبحت المواد الكيميائية فيه تعتبر عملياتية؛ ويقول الفرض إنه موزع بطريقة ناجعة جدا وإنه قد يشمل خطة بيولوجية هجومية.

إن جميع هذه العناصر تجعل تحدي تحديد مواقع السلاح الكيميائي وتأمينه في سوريا أكبر كثيراً مما كان في ليبيا. ستكون عملية عسكرية جوية لتدمير المواقع كثيفة وباهظة الثمن ومقرونة بالمخاطرة بعدد كبير من المصابين وبالإضرار البيئي. وفيها مع ذلك أيضاً خطر ألا تنجح في العثور على كل المخزون الكيميائي السوري والقضاء عليه. إن تأمين المواقع من الجو قد يكون معقداً ويحتاج إلى معلومات استخبارية ممتازة ويتطلب كذلك وجود عدد كبير من الجنود على الأرض. وأفادت التقارير في هذا السياق مؤخراً أن الولايات المتحدة ستحتاج إلى نحو من 75 ألف جندي من قوات المشاة كي تؤمن كل السلاح في سوريا.

هناك خوف آخر يتعلق بوقت العملية العسكرية في سوريا وهو أن المجتمع الدولي يعوزه العلم الدقيق بحال السلاح الكيميائي هناك ولا يملك سوى تقارير مؤقتة عن نقل هذا السلاح في ظاهر الأمر بين المواقع المختلفة. ومن الصعب جداً كذلك أن يُحكم بيقين بأن الأسد استعمل خطوات لتأمين مخزونه الكيميائي أو أنه يعمل في زيادة استعداده العملياتي كما زعم في الآونة الأخيرة وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا. وفي ضوء ذلك يواجه المجتمع الدولي معضلة جدية وهي هل يتدخل ومتى في مسألة السلاح الكيميائي في سوريا. ويصبح هذا الوضع الإشكالي أسوأ كلما ساءت المواجهة العسكرية الداخلية في الدولة. وتصادق تقارير محدثة تقول إن النظام استعمل صواريخ سكاد على المعارضة، على خطر الوضع.

إن الخط الأحمر (الوحيد) الذي أبرزه المجتمع الدولي إلى الآن للنظام السوري في الاعتراض على استعمال السلاح غير التقليدي قد ردعه حقاً عن أن يفعل ذلك. وعلى الرغم من ذلك زاد خوف المجتمع الدولي في الأشهر الأخيرة من أن الضغط الدبلوماسي على الأسد قد يبدو انه غير كاف. ويبدو أن تصريحات الأمم المتحدة الأخيرة بأنها ستزود جنود "الأوندوف" (قوة المراقبين في هضبة الجولان) بأقنعة واقية تصادق على هذا الشعور.

سلاح كيميائي في ليبيا وسوريا: تقدير التهديدات

كان أحد المنتوجات المصاحبة غير المخطط لها لمسار الغليان الجماعي الموجه على أنظمة تولت مقاليد الحكم في المنطقة ارتفاع مستوى الاهتزاز وعدم الاستقرار في أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وليست آثار هذا الاتجاه على أمن المنطقة شيئا يمكن تجاهله ولاسيما ما يتعلق بتقدير تأثير انتشار السلاح غير التقليدي في المنطقة.

ليست كل الحالات متشابهة. ففي الحالة الليبية كان برنامج السلاح الكيميائي – الذي كان في أكثره قديماً وفي حال تدهور متقدم حتى قبل الثورة على القذافي – يخضع للرقابة والمتابعة وتم تدميره تحت مراقبة "منظمة حظر السلاح الكيميائي". وإلى ذلك ومنذ انهيار النظام القديم في ليبيا، أخذت السلطات الجديدة هناك تعمل بتنسيق وتعاون مع المجتمع الدولي للتعرف على مواقع بقايا المخزون الكيميائي وتأمينه. ويبدو في ضوء ذلك أن تهديد نشر السلاح الكيميائي الليبي قد عولج معالجة كافية على الرغم من أن انتشار مركبات أخرى من مخزون سلاح القذافي ومنها صواريخ مضادة للطائرات ما زال مشكلة شديدة وتحديا كبيراً لأمن المنطقة.

إن حالة سوريا في مقابل ذلك تحدٍ أكبر كثيراً بسبب الطبيعة الشاملة لمخزون سلاحها المحكم والمنتشر. إن الموقف الحازم للمجتمع الدولي الذي يعارض استعمال السلاح الكيميائي قد ردع بشار الأسد عن تحقيق هذا الإمكان. وفي ضوء ذلك من المهم أن يستمر المجتمع الدولي على أن يُبين له بصورة لا تحتمل التأويل أن كل استعمال للسلاح الكيميائي سيفضي فوراً إلى تدخل خارجي مباشر وإلى إسقاط نظامه.

ومع ذلك وكلما استمر سوء الوضع على الأرض، قد لا تكفي الدبلوماسية وحدها لمواجهة التهديد الكيميائي من قبل سوريا. وإلى ذلك فإن الحصول على ضمان لتأمين مخزونها غير التقليدي سيصبح أصعب كلما خرجت المواجهة العسكرية الداخلية في سوريا عن السيطرة.

وعلى ذلك يجب على المجتمع الدولي أن يستمر في المتابعة من قريب جداً لتطورات الأحداث في سوريا وعلى تخطيط خطط مُعدة لـ"اليوم التالي"، لتحديد مواقع سلاحها غير التقليدي وتأمينه أو تدميره. إن تحديد مواقع السلاح الكيميائي عند الأسد وتأمينه من المصالح المشتركة الحقيقية بين جميع جارات سوريا – من الأردن إلى العراق ولبنان ومن تركيا إلى إسرائيل – والمجتمع الدولي كله. وعلى ذلك يُحتاج إلى تنسيق دولي وإقليمي في هذا الشأن، ويجب على المجتمع الدولي أيضاً أن يمد يده إلى قوات المعارضة في سوريا لأنها ستكون في الفترة التي تلي نظام الأسد شريكة مهمة في تأمين السلاح الكيميائي ومنع انتشاره. إن الدور الفعال الذي أدته السلطات المؤقتة في ليبيا في علاج السلاح الكيميائي يفترض أن يكون مثالاً إيجابياً لصورة العلاج الممكنة لقضية السلاح غير التقليدي في سوريا أيضاً.

اعلى الصفحة