|
|||||||
|
في ظل حالة انسداد الأفق التي يعيشها المشهد السياسي الفلسطيني, مع تعطل مسار المقاومة المحكوم بالتهدئة في قطاع غزة, ومع جمود مسار العملية السياسية المحكوم بالمفاوضات العبثية في رام الله, ومع تفاقم الأزمة التي يعيشها اللاجئون في مختلف أماكن اللجوء نتيجة لغياب المرجعية الواحدة لهم. في ظل كل ذلك يتساءل الفلسطينيون: ما دام المشهد الفلسطيني جزءاً من البيئة الإقليمية ويتأثّر بمتغيّراتها فلماذا تبقى الحالة الفلسطينية جامدة في مجالها السياسي إلا في حدود المتطلبات الخارجية؟ ولماذا تعيش المنظومة السياسية الفلسطينية حالة الجمود الدائمة؟ ولماذا كل هذه الممانعة المستديمة من طبقة سياسية متنفّذة أو من قبل جهات تحتكر العمل الوطني الفلسطيني سياسياً بحجّة الحفاظ على المكاسب الوطنية العليا؟. وما هو اليوم دور منظمة التحرير الفلسطينية في الظروف الراهنة؟. قد تبدو الأسئلة كبيرة, وربما يحذر البعض من خطورتها أو التشكيك بمضمونها وهي حجّة دائمة تُطلق حينما تطرح الأسئلة الوطنية الضخمة بِنيّة الإصلاح البنيوي في محاولة لإخراج الحالة الفلسطينية من أزمتها. بطبيعة الحال المعالجة ليست سهلة ولكنها ليست مستحيلة، فمن الطبيعي في تجربة بتداخلات وتعقيدات الوضع الفلسطيني وانتشاره وتنقل مركزه وثقله الرئيسي من جغرافيا سياسية إلى أخرى، أن يكون هناك خلاف في تشخيص هذه الأزمة. حيث تختلف الفصائل في تشخيصها وسبل الخروج منها، كما يختلف الباحثون في تشخص أسباب الأزمة وعمقها وآليات الخروج منها. الأزمة الفلسطينية بسبب تداخل الأبعاد الوطنية والعربية والإسلامية للقضية الفلسطينية, وبسبب حالة الشتات والتشتت التي يعيشها الفلسطينيون, وبسبب الطبيعة العدوانية للكيان الصهيوني وتحالفاته الدولية, بقيت أزمة الساحة الفلسطينية حالة ملازمة للمشروع الوطني منذ بداياته، وهي أزمة انعكست على الأهداف التي كانت تتغير من فترة إلى أخرى، وكذا الوسائل والبرامج. كذلك، فإن أزمة العمل الوطني لا تنفصل عن أزمة الحلفاء الذين راهن عليهم الفلسطينيون منذ الانطلاقة العلنية للثورة الفلسطينية المعاصرة في منتصف الستينيات من القرن الماضي، فانهيار النظام الإقليمي العربي بعد حرب الخليج الثانية – وإن كانت جذور الانهيار تعود لحرب يونيو 1967- وانهيار المعسكر الاشتراكي فاقما من أزمة النظام السياسي الفلسطيني أو كشفا هشاشته في مواجهة العدو الصهيوني. ولكننا نعتقد أنه كان وما زال من الممكن تجاوز كل الأزمات السابقة لو كانت النخب التي تقود العمل الوطني منسجمة وموحدة وحريصة على المصلحة الوطنية. إن تشخيص أزمة العمل الوطني وخصوصاً في السنوات الأخيرة لا بد وإن يُحمِّل المسؤولية للنخب الفلسطينية التي ثَبُت أنها لا ترتقي لعظمة الشعب ولعدالة القضية. وبالتالي فالمعالجة يجب أن تكون من خلال مراجعة إستراتيجية للأهداف والبرامج والوسائل ولشبكة التحالفات وللنخب السياسية والاجتماعية. إن الأزمة التي تعيشها الساحة الفلسطينية هي أزمة مركبة، أزمة نخب وقيادة وأزمة موضوعية تتعلق بغياب الاتفاق على الأهداف الوطنية. أزمة العمل الوطني أزمة نخب وفصائل بالدرجة الأولى، لأنه لا يمكن أن نحمِّل الشعب الفلسطيني المسؤولية، فالشعب قدّم تضحيات لم يقدِّمها شعب آخر، كما لا يجوز أن نحمِّل المسؤولية لإسرائيل وواشنطن، فهؤلاء أعداء ولا يمكن أن يتصرفوا إلا كأعداء، كما لا يمكن أن نحمل المسؤولية للعرب والمسلمين لأن هؤلاء لا يمكن أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، كل هؤلاء يتحملون نسبة من المسؤولية ولكن المسؤولية الأعظم تتحملها القوى والنخب السياسية الفلسطينية. المسؤولية تقع على النخب المتجسدة في الفصائل والأحزاب السياسية، فما وُجِدت هذه الفصائل إلا لتحقيق أهداف الشعب في التحرير الكامل والعودة إلى أرض الآباء والأجداد, وليس لإخفاء عجزها برمي المسؤولية على أطراف خارجية. عدم تقدم الفصائل في تحقيق الأهداف الوطنية - سواء كانت فصائل تتبنى خيار المقاومة والجهاد أو الفصائل التي تتبنى خيار السلام والتسوية – وفشلها في توحيد صفها في إطار هيئة قيادة واحدة وحركة تحرر واحدة، يؤدي لنتيجة أن على هذه الفصائل والأحزاب أن تعيد النظر في كل ما تعانيه القضية الفلسطينية اليوم من حالة الانسداد والاستعصاء في المشهد السياسي. إن المشروع الوطني بالنسبة لأي شعب تحت الاحتلال هو مشروع مقاومة, مشروع التحرر من الاحتلال، وهذا المشروع يحتاج إلى رؤية إستراتيجية متكاملة لمشروع المقاومة وإلى قيادة واحدة وأهداف وأدوات واحدة لتحقيقه. وحسب هذه الرؤية لمفهوم المشروع الوطني يمكن القول ما دام الاحتلال موجودا فيجب أن تعطى الأولوية دائماً للمشروع المقاوم. لقد شكل الانقسام الفلسطيني الحالي العنوان الأبرز لأزمة العمل الوطني في اللحظة الراهنة, إلا أن أزمة المشروع الوطني سابقة على هذا الانقسام الذي أدى لقيام سلطتين وحكومتين، إلا أن الأزمة الناتجة عن الانقسام أخطر من كل الأزمات السابقة، وبالتالي لا يمكن معالجة أزمة المشروع الوطني إلا من خلال بوابه إنهاء الانقسام وذلك من خلال دخول حركتي حماس والجهاد إلى منظمة التحرير الفلسطينية لكي يصبحا جزءا من المشروع الوطني التحرري. أزمة العمل الوطني قبل الانقسام كانت سياسية وداخل البيت الفلسطيني وداخل منظمة التحرير ولم تؤثر على الصفة التمثيلية للشعب الفلسطيني، ولكن الانقسام الراهن أمتد للمجتمع والثقافة والهوية والجغرافيا، كما أمتد للخارج حيث باتت الدول والشعوب العربية والإسلامية منقسمة ما بين مؤيد لحركة حماس ومؤيد لمنظمة التحرير. في ظل الانقسام يصعُب الحديث عن مشروع وطني جامع، وفي ظل الانقسام لن تنجح إستراتيجية المقاومة والجهاد لاستعادة الحقوق الشرعية العادلة للشعب الفلسطيني. المسألة الأخرى التي تشكل خروجاً عن منطق وأبجديات حركات التحرر هي تشكيل سلطة في ظل الاحتلال، وهنا لا بد من الإشارة إلى التناقض الجوهري بين مفهوم السلطة بشكل عام ومفهوم المقاومة, لذلك فإن وجود سلطتين وحكومتين في ظل الاحتلال يشكل أزمة وخطأ مركباً ومؤشراً على أن هدف الأحزاب والفصائل لم يعد تحرير فلسطين بل الوصول للسلطة حتى في ظل الاحتلال، بما تعنيه السلطة من مناصب ومغانم. على الرغم من ذلك كله فإنه من الممكن إعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني بصيغة جامعة لكل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني على أساس المقاومة الجهاد, ما دام هناك شعب فلسطيني تعداده حوالي 12 مليون وتاريخه يعود لأكثر من أربعة آلاف سنة، شعب نصفه متمسك بأرضه ومتجذِّر فيها ونصفه الآخر في الشتات وما زال متمسكاً بوطنيته ومستعداً للتضحية من أجلها وينتظر العودة لأرضه، قوة الشعب الفلسطيني تتجسد في تمسكه بأرضه وحقه وعدم تنازله عن حقوقه المشروعة، والعدو الصهيوني وعلى الرغم مما يملك من قوة عسكرية وتحالفات دولية إلا أنه مأزوم أيضاً وأزمته تكمن في وجود الشعب الفلسطيني وفي استمرار القضية الفلسطينية حية. ما دامت المشكلة تكمن في النخب السياسية وليس في الشعب أو في عدالة القضية فإن إعادة صياغة المشروع أمر ممكن وضروري سواء من خلال إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير لتستوعب الكل الفلسطيني أو من خلال أية صيغة أخرى يتم التوصل إليها بالتراضي والتوافق. مراجعة الأداء الوطني كما ذكرنا فقد شكل الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي عنوان مرحلة النكوص في الأداء الوطني العام الذي أنهى عامه السادس وهذا صحيح بكل المقاييس كونه شكّل ذروة الأزمة السياسية الفلسطينية المتفاقمة منذ وقت طويل التي كانت محصّلة تراكمات نوعية أدّت إلى النتائج الكارثية غير المسبوقة على مستوى العلاقات الوطنية الداخلية، فهل يمكن الحديث عن تطبيق اتفاق المصالحة المولود قيصرياً بعد مخاضٍ عسير ولا زال في حاضنة الإنعاش تمليه ضرورات الوقت والمراوغة والفرصة الملائمة على الرغم من توقيع الأطر القيادية الفلسطينية على اتفاق المصالحة الوطنية برعاية مصرية ثم تلاه إعلان الدوحة التنفيذي ولم يزل أسير التأجيل مرة تلو الأخرى؟. يدرك العقلاء أن كل يومٍ يمضي دون استعادة الشعب الفلسطيني وحدته الوطنية يقابله تكريس لواقع الانفصال ليس فقط من الناحية النظرية، إنما هنالك حقائق تفرض على أرض الواقع تتغير فيها أنماط الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والتعليمية الغريبة عن عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني لها مرجعياتها الأيديولوجية المستقلة، تعززّها أيضاً عوامل إقليمية ودولية تصبّ خواتيمها النهائية في مستنقع المشروع التفتيتي للمنطقة العربية التي يبدو أنها ستبقى خارج دوائر الفعل الدولي المؤثر عقود طويلة. لم تتمكن القوى الفلسطينية في مسار عملها الطويل من مأسسة المرجعيات الوطنية ذات العلاقة بالقضايا الجوهرية المكمّلة للعملية الكفاحية ولم تستطع حتى يومنا هذا تصويب الخلل الذي أصبح مزمناً حيث تعددت مرجعيات المنظمات والهيئات المهنية والنقابية والشعبية في مقدمتها الحركة العمالية المنقسمة على نفسها بالرغم من كل المحاولات المتعددة لتوحيدها خاصة بعد إنشاء السلطة الوطنية ولا يعلم أحد أين يكمن سر القوة التي تقف حائلاً بين وحدة الحركة العمالية الفلسطينية وأخذ دورها الريادي في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة الأكثر معاناة واضطهاداً مركبّاً وفقراً من شرائح المجتمع الفلسطيني حيث ذهب العديد شهداء لقمة العيش والتمييز العنصري وطغيان الاحتلال وقطعان مستوطنيه خلال رحلة العذاب على حواجز الذّل والهوان، ويكفي أن نسترجع ذكرى احتفال الأول من أيار عيد العمال العالمي حتى يكتشف المرء مدى ضحالة المشاركة العمالية بعيدهم السنوي الذي اقتصر على قلةٍ قليلة من قادة الحركة النقابية الرسميين وبعض المشاركين بينما كان العمال يبحثون عما يسدّ رمق أطفالهم من جوع غير أبهين بهذه المناسبة الخطابية. أما الحديث عن نضالات أعضاء الحركة الأسيرة التي تستحقّ التقدير والإجلال هؤلاء الذين أثبتوا صدق انتمائهم للوطنية الفلسطينية دون حسابات شخصية ويقفون في مقدمة الركب يسطِّرون الملاحم البطولية في وجه الطغاة من خلال نضالهم الدؤوب من أجل حرية شعبهم وانتزاع حقوقهم كاملة ومعاملتهم كأسرى حرب كما نصّت عليه اتفاقيات جنيف ذات الصلة، لكن المؤسسات المتعدّدة للحركة الأسيرة تثير المرارة في النفوس وتعكس واقعاً لا يختلف في حقيقة الأمر عن الواقع المؤلم الذي وصلت إليه الأوضاع المأزومة على غير صعيد، يتجلى ذلك بوضوح بحالة العزوف الجماهيري عن المشاركة بفعاليات الأسرى المتعددة الاتجاهات حتى وصل التنافس غير المبرر بين هذه المسميات إلى مقاطعة بعضها ما يعني أن تعددّ الجهات ذات العلاقة بالحركة الأسيرة تستنزف الجهد والإمكانيات دون أن يكون لها تأثير فعلي ضاغط يستطيع تقديم قضية الأسرى أمام المؤسسات والهيئات الدولية والعربية بما يليق بمكانتها. إن كل شيء يمكن أن يكون خاضعاً لاعتبارات السياسة والمصالح في إطار العلاقات الوطنية لذلك شكلت لغة الحوار بين مختلف الأطياف الفلسطينية السبيل الوحيد للتغلب على الأزمات الناشئة على الرغم من الاستثناء الوحيد المؤلم الذي أدى إلى استخدام السلاح بدل الحوار في قطاع غزة وقد يتطلب المزيد من الجهد والوقت والصبر والحكمة، إنما يحدث ذلك وليس هناك من خيارات طالما أن التهديد الوجودي من قبل الاحتلال سيف مسلّط على رقاب الجميع فما بال أولي الأمر حين ينظرون إلى مدينة القدس أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين, بوابة السماء، وعروسة المدن العربية والإسلامية تنهشها أنياب الجرافات ويعزلها عن محيطها جدران الفصل العنصري وتصادر الأراضي وتتغير ملامح المدينة الديمغرافية والجغرافية وتهدم البيوت حيث تتلاشى إمكانية تجسيد الدولة الفلسطينية العتيدة دون عاصمتها الأبدية، في حين تطوى قرارات القمم العربية الخاصة بإنشاء صندوق القدس في ثنايا الأدراج وتقديم الدعم لصمود المواطنين المقدسيين على أرضهم في مواجهة عربدة مليشيا قطعان المستوطنين الذين يدنسّون المقدسات ويقتحمون حرمة المسجد الأقصى أمام مرأى العالم العربي والإسلامي الذي لم يحرك ساكناً سوى إصدار بعض البيانات المستنكرة الخجولة، بينما يتبرع بعض العرب بما لا يملكون من حق تبادل أراضي فلسطينية عربون استرضاء أمريكا وحليفتها الإستراتيجية. إن المخططات الإحتلالية تسعى من وراء إقامة الطقوس الدينية في باحات الأقصى جس النبض وبالون اختبار لقياس ردود الأفعال لأجل تقسيم المسجد الأقصى على غرار ما حصل للحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل. أمام كل ذلك تعاني القدس من إجراءات الإحتلال العنصرية الذي ينشر المخدرات ويفكك النسيج الاجتماعي بوسائل شتى ويفرض سياسات تعليمية وفق مناهج متعددة ويحرم الفلسطيني من إمكانية التوسع العمراني الضروري، ولم تستطع المرجعيات الوطنية المتعددة في القدس من رسم سياسة موحدة في مواجهة الخطر المحدق بالمدينة المقدسة وتوحيد كافة الجهود لوقف العدوان على المقدسيين. لذلك كله فإن المسؤولية الوطنية تقتضي المراجعة للأداء الوطني العام ثم المعالجة لتصويب المسار السياسي بعد أن فشلت العملية السياسية على مدى عشرين عاماً من المفاوضات العقيمة، كما تقتضي الضرورة خطوات جريئة لإنهاء الانقسام وليس البحث عن سبل لإدارة الأزمة أو المحاصصة تبقي الحال على ما هو عليه وفق السياقات السائدة، أما توحيد المرجعيات وتجديد المؤسسات الوطنية فهي على قدر كبير من الأهمية لانجاز المشروع الوطني التحرري المقاوم، إن مجلس وطني جديد يتم تشكيله وفق معايير متفق عليها لمدة عام أو عامين بات ملحاً لتجديد وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة هيكلتها ورسم السياسات المستقبلية الفلسطينية تماشياً مع متطلبات المرحلة. الوحدة الوطنية الفلسطينية بعد الجولات المتعددة والاجتماعات المتكررة في القاهرة لتطبيق اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة نتساءل لماذا كل هذا التأجيل، ولماذا هذا الانتظار، بكل تأكيد سؤالنا مشروع وخصوصاً أن الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني تتطلب إنهاء حالة الانقسام الكارثي، وإذا كان البعض ينتظر ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة فهو مخطئ، لأن فلسطين أكبر من مصالح الجميع حزبية كانت أم سياسية، وهذا يتطلب من كافة القوى المؤمنة فعلاً بتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية ليس كشعار بل كبرنامج ورؤية تستعيد دورها السياسي والتاريخي وتأثيرها الوطني وتعزيز وجودها التنظيمي وحضورها الجماهيري الذي سئم الانقسام ومل الخلافات وبات يتطلع نحو بديل إنقاذي. فالموقف يحتاج إلى جرأة الطرح في مواجهة آلام الطرح بحثاً عمن يملك جرأة المعالجة, ويملك القدرة على تشكيل آليات العمل ووضع خطط المعالجة، وأبرزها تشكيل حكومة مؤقتة بدلاً عن حكومتي السلطة في الضفة وحماس في غزة، وبالتزامن مع دعوة الشعب لانتخابات تشريعية ورئاسية للسلطة ومجلس وطني لمنظمة التحرير بالتمثيل النسبي الكامل. لا يمكن للمرء أن يقف عاجزاً عن المشاركة في حل مشكلة الانقسام ووضع الخطط وتشكيل الآليات واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق وحدة الشعب الفلسطيني، وربط مصالحه بمؤسساته من خلال مؤسسات قادرة على حماية حقوقه ومصالحه. أما أن تترك الأمور هكذا فهي جريمة لن يغفرها التاريخ فلا يجوز أن يبقى الانقسام سيد الموقف، فالشعب الفلسطيني شعب واحد تجمعه قضية واحدة ومصلحة واحدة وهدف واحد، ومن حق الشعب أن يسمي الأشياء بمسمياتها لان الوحدة الوطنية غايته وإنهاء الانقسام وسيلته ولتحقيق الوحدة يجب أن يكون هناك وحدة الثقافة ووحدة الانتماء التي تجمع كل أبناء الشعب الفلسطيني. وأمام هذه الظروف لا بد من القول إن الجميع في الساحة الفلسطينية كان ولا زال يطالب بالوحدة الوطنية باعتبارها شرطاً لاستمرار النضال بكافة أشكاله ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولأن الوحدة الوطنية هي صمام أمان وضمانة أكيدة للتقدم في مشروع التحرر الوطني المقاوم، وأنها القادرة على إرغام الاحتلال على التسليم بمطالب الشعب الفلسطيني، وخصوصاً بعد الاعتراف الأممي بدولة فلسطين، ما يتطلب مواصلة "تدويل" الحقوق الوطنية بعضوية محكمة الجنايات الدولية، محكمة العدل الدولية، اتفاقات جنيف، مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، وجميع المؤسسات الدولية الأخرى، ووضع الاحتلال والاستيطان تحت سيف المحاكم الدولية واتفاقات جنيف الدولية، ورفض الضغوط الأمريكية والصهيونية لوقف خطوات التدويل المصيرية. إن ما نراه اليوم هو خطير أمام الشعارات المرفوعة حيث دفع الشعب الفلسطيني ثمن هذه الخطابات الملتوية شهداء وجرحى وأسرى وعذابات. من هنا نحن نضع الأصبع على الجرح للمعالجة، فمسألة الوحدة الوطنية لا ينبغي بحال من الأحوال النظر إليها على أنها مسألة شعار، بل يجب التعاطي معها وفق صيغٍ ائتلافية وجبهوية ونظرية "القواسم المشتركة"، مع تركيز العمل باتجاه الهدف للوصول للصيغة المثالية. إن حوارات القاهرة والحوارات واللقاءات التي تجري لم ترتق إلى مستوى طموحات وآمال الشعب الفلسطيني، وحتى اللحظة الراهنة، وعلى الرغم من كل المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية، لم نلمس أي جديد وأن هناك تغليباً للمصالح الوطنية العليا على المصالح الفئوية والحزبية، وما يجري لا يخرج عن إطار العلاقات العامة، وإيهام الشعب الفلسطيني، بأن هناك تحركاً جدياً نحو المصالحة وإنهاء الانقسام، وإشاعة المناخات والأجواء والتصريحات الإيجابية فقط أمام الكاميرات ووسائل الإعلام. لقد مثلت منظمة التحرير الفلسطينية الصيغة الجبهوية الائتلافية الجامعة لمكونات الشعب الفلسطيني، تحت هدف تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتمكنت المنظمة من تحقيق انجازات عديدة للشعب الفلسطيني مستندة إلى الثوابت الفلسطينية وقرارات الإجماع الوطني، وهذا يتطلب العمل السريع من أجل عقد المجلس الوطني الفلسطيني لرسم الإستراتيجية المستقبلية للشعب الفلسطيني، وحماية المشروع الوطني، حتى تبقى منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً حقيقياً للكفاح والنضال من أجل الحرية والاستقلال والعودة، وتتولى مهمة توحيد الشعب الفلسطيني نحو أهدافه الوطنية, على قاعدة خيار المقاومة المشروعة للاحتلال الصهيوني. إن المراهنة على ما سُميَّ بالمفاوضات، قد وصل إلى طريق مسدود، والشعب الفلسطيني يتطلع إلى رسم إستراتيجية وطنية تستند لكافة أشكال النضال والمقاومة. فترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وحشد طاقات الشعب الفلسطيني يتطلب وحدة وطنية وتتطلب الاستمرار في نهج المقاومة بمختلف أشكالها، ولا يمكن أن يكون هناك دولة فلسطينية من خلال المفاوضات التي ثبت فشلها، ومن خلال الموقف الأمريكي والمرجعية الأمريكية التي ثبت انحيازها الكامل والمطلق إلى الكيان الصهيوني، وآن الأوان لتوجيه البوصلة الفلسطينية تجاه الاحتلال الإسرائيلي فقط، والاهتمام بقضايا الشعب الفلسطيني الجوهرية وعلى رأسها تفعيل المقاومة وقضايا الأسرى وحق العودة والقدس. لا بد من القول إن الوحدة الوطنية تشكل ضرورة ملحة لمواجهة المخاطر التي تحيق بالقضية الفلسطينية، ومن أجل الحرص على الأرض والشعب والمقدسات والقضية، ومن أجل تحقيق وبلورة الأهداف الكبرى لشعبنا في تقرير المصير وحق العودة والتحرير الكامل. المقاومة هي الحل في رصد لردود فعل النشطاء الفلسطينيين على صفحات التواصل الاجتماعي والذين باتوا يمثلون شريحة كبيرة من الشارع الفلسطيني، طرح موقع أجناد الإخباري بتاريخ 6-6-2013 عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" سؤالاً تفاعلياً لمعرفة المزاج الشعبي العام لدى أبناء الضفة الفلسطينية المحتلة. فكانت الأغلبية الساحقة من ردود الفعل وتعليقات المتابعين منسجمة مع معطيات الواقع والذي أعلن تمسكه ببرنامج المقاومة، حيث أجاب الناشط وليد أبو سنينة قائلاً: "لا أحد يستطيع إسقاط فكرة المقاومة من رأس الفلسطينيين", بينما قال الناشط صلاح الدين عواودة "لا يمكن لأحد إسقاط فكرة المقاومة, لكن الفكرة تبقى في ظل إثبات نفسها, كما حصل في وصول صواريخ المقاومة للقدس وتل الربيع... والتي اضطر أعداء المقاومة للانحناء أمامها". فيما عكست إجابة الناشط مصعب الباشا وعي الشارع الفلسطيني لفكرة المقاومة حيث قال "لم ولن تسقط فكرة المقاومة, فالمقاومة هي الحل, لأن المقاومة الفلسطينية للاحتلال ليست شيئاً عابراً ولا مؤقتاً والمقاومة شيء في الدم الفلسطيني وكل الأجيال تتعلم المقاومة وتعلمها وتفتخر بها حتى من لا يستطيعون المقاومة بالسلاح (أو لا يريدون) يقاومون بالكلمة وبالتشجيع". وجاءت مراكز الإحصاءات والدراسات الصهيونية وتصريحات قادة الجيش الصهيوني لتؤكد أن الضفة وجميع الأراضي الفلسطينية المحتلة مازالت متمسكة بنهج المقاومة على الرغم من العدوان المركب عليها، حيث أشارت تلك الدراسات إلى أن المقاومة الفلسطينية تسجل كل عام تصاعداً متزايدة عن العام السابق، معترفة بأن عام 2013 الحالي سجل أعلى النسب لدرجة أن شهر مايو- أيار الماضي سجل وقوع 83 فعلاً مقاوماً في الضفة لوحدها!!. لقد ثبت بالتجربة أن لا حل أمام الفلسطينيين إلا بالانتفاضة والمقاومة، لأنها تسقط الاحتلال الإسرائيلي وإن إسرائيل لا تسقط إلا عندما يتعرّض أمنها للخطر، وأمام هذا الواقع نرى أن المقاومة هي الحل لأنها التعبير عن القدرة الوحيدة التي يملكها الفلسطينيون، فهم لا يملكون أسلحة متطورة للمواجهة ولا يملكون موقفاً سياسياً عربياً داعماً ليساعدهم في الضغط على المستوى الدولي، وليس لهم قدرة في مجلس الأمن. فلا حل في مواجهة الانحراف الدولي إلا المقاومة، ولا يعيد الأرض إلا التضحيات والعطاءات. أما العودة إلى القرارات السياسية الدولية فهي عودة تخديرية تستهدف إبطال قوتنا بوعود لا قابلية لها للتحقيق حتى لا نتمكن من الاستفادة من الفرصة الزمنية، لتتمكن إسرائيل من تقوية وضع وجودها وتتمكن من الإمساك بكل المقدرات، ولا نستطيع حينها أن نفعل شيئاً أمام التطورات التي أنتجتها تلك القرارات الدولية وهذا التواطؤ مع إسرائيل. إن أقوال نتنياهو في مؤتمر حزب الليكود الأخير تعني إلغاء الدولة الفلسطينية، وهذا مؤداه أن لا إمكانية إلا لدولة واحدة في فلسطين. واليوم يمثل الليكود القسم الأكبر من الإسرائيليين وهذا يصرّح بشكل مباشر أنه يريد كل فلسطين لمصلحة الكيان الصهيوني، فإذا كان هناك فلسطينيون فهم العمال في الكيان الصهيوني وهم مشروع استفادة اقتصادية فقط، وليسوا مواطنين لهم حق الحياة في دولة فلسطينية مستقلة. وفي هذا المحال يهمنا الإشارة إلى أن حكومة نتنياهو، بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة أسقطت البند، المتعلق بالمفاوضات، مع الفلسطينيين، من برنامجها، وهي تواصل المراكمة، على الاستيطان الذي تجاوز في عام 2013، بناء ما يزيد، عن عشرة آلاف وحدة استيطانية، ترفض حتى الآن، التفاوض على قضية الحدود، وفق مرجعية الشرعية الدولية، للعودة إلى حدود 1967 وتشترط لاستئناف المفاوضات، موافقة الجانب الفلسطيني على يهودية "دولة إسرائيل"، ذلك الشرط الذي لقي قبولاً، وتشجيعاً من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة. كما أن حكومة العدو الصهيوني، في مواجهة المطالب الأمريكية والغربية، للقبول بما يسمى "المبادرة العربية للسلام"، التي تنطوي على تنازلات خطيرة، تشترط على الدول العربية والإسلامية، للقبول بها أن تقوم بتطبيع علاقاتها مع (إسرائيل) أولاً، وأن تتبادل السفراء معها، وأن تلغي البند المتصل بحق العودة. لذلك لا بد من التأكيد مجدداً على: ضرورة مغادرة خيار المفاوضات، وإعادة الاعتبار لخيار المقاومة بشكل حقيقي، وملموس على الأرض، لأن العدو الصهيوني استثمر المفاوضات كغطاء لعمليات التهويد، والاستيطان، ومصادرة الأراضي. ولأنه بغطاء من هذه المفاوضات، أصبحنا أمام 482 مستوطنة وموقع استيطاني في الضفة الغربية، بما فيها القدس، يسكنها حولي 562 ألف مستوطن أكثر من نصفهم، في القدس الشرقية ومحيطها. كما أن المفاوضات خطيئة كبرى، خاصةً وأن التجربة الملموسة، كشفت أن هذه المفاوضات، تحولت إلى قيد على الشعب الفلسطيني، وأن اتفاقات التسوية السابقة، تحولت في الجوهر إلى اتفاقات أمنية، شكلت قيداً على الفلسطينيين، في مواجهة الاحتلال ناهيك أنها أضعفت الحالة الفلسطينية، وتسببت في انقسام سياسي عميق فيها، والعودة إليها، ستؤدي إلى تعميق هذا الانقسام. كذلك فإن عقلية المراهنة، على خيار المفاوضات وما ينطوي عليه، من مساومات، واتصالات، وضغوط، وأخطار تفسر إلى حد كبير، الموقف الضار، والمستهجن جداً، للسلطة الفلسطينية بشأن سحب قرارات إدانة الاحتلال، وإجراءاته في اليونسكو، ما يغري العدو الصهيوني، بالاستمرار، في إجراءاته التهويدية للأرض والتنكيلية، بحق الشعب الفلسطيني. من هنا تأتي أهمية إنهاء الانقسام، وحل جميع الملفات "الحريات، المصالحة المجتمعية، الانتخابات التشريعية، انتخابات المجلس الوطني منظمة التحرير... ألخ" بشكل متواز، وعدم تقديم ملف على آخر. وأخيراً على الجانب الفلسطيني, بكل ألوان طيفه السياسي, أن يعمل على إعادة ترتيب البيت الوطني الفلسطيني، بما يخدم استمرار النضال، والمقاومة ضد الاحتلال، لأن قضية التحرر الوطني، لم تنجز بعد. وأن يعمل الجانب الفلسطيني، بكل تلاوينه السياسية، على وضع حد لوصاية لجنة المتابعة العربية، على القرار الفلسطيني، خصوصاًً بعد أن وصلت الأمور إلى حد إعلان هذه اللجنة، أثناء لقائها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في واشنطن، عن استعدادها لتنفيذ مبادلة أراضي فلسطينية مع الكيان الصهيوني، الذي يغتصب حالياً، 85 في المائة من فلسطين التاريخية. |
||||||