المنافسة الأمريكية الإيرانية:
                           حرب الوكالة في إسرائيل ولبنان والأراضي الفلسطينية وسوريا          (الحلقة الثانية)(*)

السنة الثانية عشر ـ العدد 137 ـ ( جمادى الثانية ـ رجب 1434  هـ ) أيار ـ 2013 م)

بقلم: ترجمة وإعداد: محمد عودة

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية

أنطوني كوردسمان

فيما تسيطر التوازنات التقليدية واللا متناظرة على المنافسة الأمنية الأمريكية والإيرانية في الشرق، كذلك المنافسة الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والمساعدات العسكرية مهمة أيضاً. وهذا البحث يُقدم نظرة عامة عن التفاعل الأمريكي والإيراني مع اقتصادات مُعينة. كما يُركز النقاش بشأن المساعدة أيضاً على الجهود الأمريكية بشكل أساسي باعتبار أن لا بيانات واضحة حول المساعدة الإيرانية بهدف المقارنة.

كما أنها تركز على الانقسامات الاجتماعية - الاقتصادية والسياسية والطائفية العميقة وتأثير الصراع العربي الإسرائيلي ودورة المظاهرات الشعبية التي تجتمع سوية لتجعل الشرق ومصر تحدياً متنامياً للولايات المتحدة في تشكيل الصراع الإقليمي مع إيران.

ويتطرق التقرير إلى جميع هذه السمات من المنافسة الأمريكية الإيرانية عبر النظر إلى ست مناطق أساسية هي: سوريا وإسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة ولبنان. وفي كل منطقة يجب على الولايات المتحدة وإيران أن يختارا السبل الأجدى لتحسين نفوذهما في كل منطقة، إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار التحديات الإقليمية المستمرة والمنبثقة والمزايا الشاملة التي يمكن أن تشكل وتؤثر على المصالح الأمريكية-الإيرانية والمنافسة بينهما في الشرق في الأعوام القادمة.

سوريا

فيما بقيت سوريا تحدياً لصناع السياسة الأمريكية لعقود، الجولة الأخيرة من عدم الاستقرار غير مسبوقة والوضع في سوريا لا يمكن التنبؤ به بشكل تصبح الولايات المتحدة قادرةً على تطوير إستراتيجية مُستدامة في المدى المنظور. فقد سعت الولايات المتحدة وحلفاء إقليميون أساسيون إلى زيادة الضغط على نظام الأسد وتقديم المستويات المختلفة  من الدعم إلى القوى السياسية المُعارضة للأسد وتلك المُتمردة من أجل تحقيق أهداف عدة ليس أقلها إضعاف الحليف الرسمي الوحيد لإيران وتقليص النفوذ الإيراني على العراق ولبنان والفلسطينيين. وهذا يجعل من سوريا غنيمةً محليةً أساسيةً للولايات المتحدة وحلفائها من جهة ولإيران من جهة أخرى.

وعلى الرغم من التسليح المستمر للمعارضة والنجاحات التكتيكية ضد قوات الأسد في حرب أهلية طائفية، ليس هناك رد أمريكي واضح على هذه المرحلة المتزايدة الخطورة من عدم الاستقرار في سوريا. ومن المحتمل أن يُبرر تقديم الدعم المادي المتزايد للمعارضة إتباع سحق أقسى وأن تستمر القوى الداعمة للنظام في التوحد. كما أن المساعدة الأمريكية أو الغربية السرية والعلنية يمكن أن تعمّق الردود السلبية من جانب روسيا والصين وأعضاء آخرين في مجلس الأمن ممن لا يرغبون في رؤية خطوات مماثلة لتلك التي اتُبعت في ليبيا.

إضافة إلى أن الولايات المتحدة لا يمكنها تجاهل آثار الانجرار الإقليمي إن ازداد عدم الاستقرار في سوريا وهي بحاجة إلى اعتماد إستراتيجية ترتكز على احتواء الاضطرابات السورية. وسوف يكون لكيفية مجرى الأحداث في سوريا الانعكاسات العميقة والمفاجئة على التوازن الطائفي المتداعي في لبنان وأمن إسرائيل عند خاصرتيها الشمالية والشرقية واستقرار الأردن الذي يواجه اضطراباً داخلياً متزايداً والضغط على الخاصرة الجنوبية لتركيا حيث تحاول أنقرة احتواء المجموعات السورية والكردية العراقية العدائية. كما أن انهيار الوضع في سوريا يمكن أن يعد بانهيار نقطة الوصل الإيرانية بالشرق لكنه يعد أيضاً بتعريض حلفاء أمريكا الناشئين والإستراتيجيين على حد سواء إلى موجات من الريبة والشك على مر أعوام قادمة.

وفيما تمتلك الولايات المتحدة الأسباب للاعتراف بالقوى المعارضة ودعمها على أنها ديمقراطية أو أكثر تمثيلاً للقوى الشعبية في سوريا، ذلك لن يُترجم إلى سوريا أكثر استقراراً وعلى سلام مع جيرانها في المدى المنظور والبعيد على حد سواء. فما من عالم حقيقي يستند على حجة واضحة أن سوريا ما بعد الأسد ستبرم سلاماً مع إسرائيل وتتنازل عن ادعاءاتها بحقها في مرتفعات الجولان أو توقف المساعدة للعناصر الفلسطينية العاملة خارج وداخل الأراضي الفلسطينية المُحتلة.

وعلى الرغم من الضغط المتزايد في العام 2013، هناك دعم محدود جداً في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي لتدخل مباشر في سوريا. فسوريا ليست ليبيا، لأن نسبة سكان سوريا هي ثلاثة أضعاف ليبيا وكثافة السكان تُقارب الثلاثين ضعفاً كما أنها تمتلك قدرة عسكرية أكبر وأقوى. كما تتمتع سوريا بدعم سياسي ومالي وعسكري من إيران وروسيا. هذه العوامل تعقد أي حسابات للتدخل العسكري في سوريا، سواء في ما يخص مستوى المواجهة العسكرية المحتملة أو خطورة وقوع نسبة عالية في الإصابات المدنية.

كما أن هناك أسباب أخرى تتعلق بالأسباب الكامنة وراء قيادة الولايات المتحدة بشكل مباشر (أو غير مباشر) لهكذا جهود. فانسحاب القوات الأمريكية من العراق ترك الكثير من الأسئلة بلا أجوبة بشأن الدور المستقبلي للولايات المتحدة ونفوذها، خصوصاً في سياق المنافسة الإستراتيجية مع إيران. ويمثل عدم الاستقرار في سوريا بالنسبة لواشنطن فرصةً من أجل تقويض المنزلة الإقليمية لإيران وإضعاف أو تغيير قيادة واحداً من حلفائها الإقليميين الأساسيين وتقليص دور الجمهورية الإسلامية في الصراع العربي-الإسرائيلي من خلال حزب الله.

وقد اقترح بعض المحللين محاولة الفصل بين المؤسسة الأمنية لسوريا والطائفة العلوية وبين نظام الأسد. فيما وجهة النظر واضحة وهي أن الولايات المتحدة بحاجة لأن تقتنع بأن فرص تنفيذ هذا الأمر ضئيلة. فمرور الوقت ومستوى سفك الدماء جعلا من الأمر أكثر صعوبة بُغية تصور مرحلة ما بعد الأسد في سوريا خالية من الإجراءات الانتقامية ضد الطائفة العلوية. وفيما يبدو أن كثيراً من العلويين لا يرغبون أو يدعمون الأسد، تبقى الخسارة المحتملة لحكمهم السياسي والاقتصادي حاجزاً أساسياً أمام الانشقاقات. وحتى في السيناريو المرسوم حول أن المعارضة المُهيمنة أثبتت قدرة على الانتصار، هناك إشارة ضئيلة بأن تراهن قاعدة الأسد والأقليات الأخرى التي تدعم النظام على هكذا نتيجة واعدة.

وفيما تُعد الأحداث في سوريا تحدياً لإيران، تنطوي الخيارات الإستراتيجية للجمهورية الإسلامية وحليفها الأساسي في المنطقة "حزب الله" على التعامل مع الأحداث في سوريا والانعكاسات المحتملة في التوازن الإقليمي للقوة. وفيما تبقى "الخطة أ" مبنية على محاولة إبقاء الأسد في الحكم وصد خصومه المحليين والإقليميين، يبدو أن "الخطة ب" في حال سقوط الأسد هي منع انبثاق سوريا مستقرة تحت حكم سني في دمشق. وهناك أدلة متزايدة تُشير إلى أن لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني وبمساعدة حزب الله يقوم بتدريب وتجهيز القوات غير النظامية العلوية والشيعية تحت اسم جيش الشعب من أجل تخفيف الضغط عن القوات السورية النظامية والقتال من أجل مصالح الطائفة العلوية والفئات الحليفة الأخرى في سوريا.

مع استمرار تآكل واستنزاف الدولة السورية وتركيباتها الأمنية القومية، ستضمن عسكرة الصراع حول سوريا بأن تكون الاقتصادات المليشياوية وأمراء الحرب هم الصفة المهيمنة في سوريا لأعوام قادمة. والجيش السوري يمر في عملية حيث انخفض عديدُه إلى مستوى أصبح ينطوي تحت لوائه فقط الأفراد الأكثر ولاءً له.

إن الدور المهم للأطراف الخارجية سينمو ليصبح أكثر أهمية مع استمرار اندلاع الحرب الأهلية. وكانت بلدان كالسعودية وقطر وتركيا من الداعمين النشيطين للتمرد المُسلّح ضد الأسد فيما كانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية مصادر مهمة للضغط الخارجي وبناء التحالف ضد النظام في دمشق. وفي الوقت نفسه، تستمر روسيا وإيران والصين في لعب دور نافذ مع الأسد. لذا هناك فسحة هامة من التنافس بين الدول الداعمة لطرفي الصراع في سوريا. ولكن، كما هو الحال مع صراعات مشابهة أخرى كالحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً في لبنان فإن الدعم الخارجي للأطراف الخارجية المتنافسة سيكون له الدور الحاسم في أي جهد لتشريع أي نظام سياسي جديد في سوريا.

وبأفضل حال، سيُستبدل نظام الأسد بقيادة ديمقراطية منفتحة أكثر على السياسات الخارجية للولايات المتحدة والدول الخليجية بقيادة السعودية. وهذا قد يتضمن انخفاض العلاقات مع إيران مع ما للأمر من آثار على تدفق الأسلحة الإيرانية ودعم حزب الله.

وفي أسوأ حال، يمكن أن تبقى سوريا غير مستقرة وتغرق أكثر في حرب أهلية طائفية، حرب قد تتوسع لتجرّ جيرانها، خصوصاً السعودية وإيران، إلى دورة من حرب الوكالة الإقليمية. ولكن، ما هو أكيد أنه في أي سيناريو سيلحق الضعف الشديد بدور سوريا الإقليمي.

ليست الديناميكيات التي تشكل مستقبل سوريا الآن بسيطة أو حتمية أو يمكن التنبؤ بها. وجميعها يُظهر كيف أن المعركة الداخلية في سوريا من أجل السلطة مرتبطة بصراع إقليمي أوسع لا يمكن لإيران أو الدول الخليجية والولايات المتحدة أن يتجاهلوه بسهولة. وكلما طالت الحرب الأهلية في سوريا وبقي الاضطراب السياسي، كلما بقي البلد ساحة تنافس للمنافسة بالوكالة.

إسرائيل

ستبقى إسرائيل عاملاً أساسياً في المنافسة الأمريكية-الإيرانية وستبقى الدورة الأخيرة من عدم الاستقرار هامة لكيفية قيام البلدين كليهما بتطوير علاقتهما وارتباطاتهما الأمنية الثنائية.

إن حلقة من عدم الاستقرار تلف إسرائيل. فيجب على الولايات المتحدة الاستمرار في تقديم الضمانات الأمنية السياسية والعسكرية لإسرائيل من أجل تعزيز علاقتهما الإستراتيجية. ويجب على الولايات المتحدة وإسرائيل أن يستمرا في تنسيق جهودهما لتقليص وتخفيف النفوذ الإيراني في الشرق الأوسع.

في الوقت نفسه، لقد سرّعت الدورة المتنامية للاضطراب الإقليمي من الحاجة لوضع المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية حول حل الدولتين على سكة النجاح. وصحيح أن هناك فجوة واسعة لعدم الثقة بين إسرائيل والفلسطينيين وعدم تأكد من نجاح جهود المفاوضات، لكن في الوقت نفسه إن فشل استغلال مبادرة السلام العربية سيُجبر مصر والأردن على التخلي عن اتفاقات السلام ويُقوي جهود إيران الرامية إلى استغلال جهود السلام وتقويض الدور الأمريكي في تغيير العالم العربي.

الفلسطينيون

لا يمكن للولايات المتحدة أن تخاطر بأمن إسرائيل بل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن الفلسطينيين يقومون بدور هام في المنافسة الأمريكية مع إيران وفي التعامل مع العالمين العربي والإسلامي.

إن وقف المساعدة للفلسطينيين لن يكون له المفعول الجدي في تقوية الموقف الأمريكي في الشرق بشكل عام وفي الصراع العربي-الإسرائيلي بشكل خاص. فكما هو الحال مع إسرائيل، يجب على الولايات المتحدة أن تبذل كل جهد لإعادة السلطة الفلسطينية إلى المفاوضات بشأن حل الدولتين. وقرار الأمم المتحدة بالاعتراف بالسلطة الفلسطينية قد فعل الكثير لناحية تقوية الرئيس محمود عباس ولكن هذا الأثر سيتآكل مع الوقت ما لم يقم طرفا المفاوضات باستغلاله. يجب أن تدفع الرباعية بقيادة الولايات المتحدة إلى جهود السلام. لأن البديل هو فرط الموقف الفلسطيني إلى نقطة تقوي الخصوم الفلسطينيين للغرب وتنعش دور إيران في الصراع العربي-الإسرائيلي.

كما يجب على الولايات المتحدة أن توسع الهوّة بين سوريا وحماس. فعلى الرغم من وجود التحفظات، بقي التقارب الأمريكي مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية مستمراً. وفي المقابل، سيكون من الصعب جداً على الولايات المتحدة أن تبني الجسور مع مجموعة إسلامية تعتبرها الحكومة الأمريكية منظمة إرهابية. في الوقت نفسه، وبناءً على الدعم الثابت لإيران لنظام الأسد في سوريا، من غير الواضح كيف يمكن لإيران وإلى متى سيكون باستطاعتها الحفاظ على سياستها في دعم تلك المجموعات. لكن ما هو أكيد أنه خلافاً للولايات المتحدة، أظهرت الجمهورية الإسلامية مرونة بالقدر الكافي لتخفيف الخلافات على الساحة الفلسطينية السياسية.

وفيما تلعب المنافسة الأمريكية والإيرانية دوراً في تشكيل السياسة الفلسطينية، سيكون للديناميكيات الفلسطينية الداخلية والإقليمية الأوسع دور أكثر أهمية. إضافة إلى أن الاضطراب السوري أجبر حماس على الاختيار بين اعتماداتها الإقليمية كحركة إسلامية سنية وشريكيها الإقليمين إيران وسوريا. ولذا قامت حماس بتحديد العلاقات مع إيران وعوضت المواجهة العسكرية الأخيرة مع إسرائيل آثار الاضطراب الإقليمي وخسارة علاقاتها بدمشق. ولكن، لا شيء من هذه الأمور يُغير حقيقة أن حماس وجميع الفئات الفلسطينية تواجه حقائق اجتماعية - اقتصادية سيئة في منطقة ستبقى غير مستقرة لسنوات مع استمرار الردود الإسرائيلية على جهود حماس وحزب الله لتعزيز قدراتهما العسكرية اللا متناظرة.

في الوقت نفسه، لدى إسرائيل خيارات متوفرة قليلة في منطقة تمر بحالة من التغيير وعدم الاستقرار. والوقوف إلى جانب القوى المعارضة في سوريا قد يُساعد إيران وحلفاءها على ربط التطورات الإقليمية بالاتهامات التي تُسمى المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية لإعادة تشكيل السياسة الإقليمية. إضافة إلى ذلك، إن التطورات الأخيرة في الدفاع الصاروخي تعقد القدرات الصاروخية اللا متناظرة للفلسطينيين وحزب الله لكن من غير الواضح أن هذه الحلول يمكن أن تكون فعالة في المدى المنظور.

لبنان

فيما بقي لبنان يحافظ نسبياً على استقراره في الفترة الأخيرة من الاضطرابات، هناك خطورة شديدة من الانزلاق إلى عدم الاستقرار، إضافة إلى فرص إدارة السياسات الأمنية في الشرق التي لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهلها.

يجب على الولايات المتحدة أن لا تتخذ مواقف مؤيدة أو عقائدية في لبنان، بل يجب على السياسة الأمريكية أن تبقى مركزة على حقيقة أن لبنان سيبقى المعضلة في السياسة الخارجية الأمريكية. وهذا يستهل سياسة براغماتية تسعى إلى تقليص المشهد الجيوسياسي للبنان واحتواء المخاطر التي يشكلها حزب الله وقوى أخرى معادية للمصالح الأمريكية في الشرق. كما يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في استغلال حقيقة أن علاقة إيران محصورة بحزب الله فيما علاقاتها ترتبط بمروحة أوسع مع المؤسسات اللبنانية والقوى السياسية.

إن انهيار حكومة 14 آذار بقيادة سعد الحريري في كانون الثاني 2011 زاد من منسوب القلق في واشنطن اتجاه انقلاب دستوري على رأسه حزب الله واتجاه القوة المتنامية للقوى المُعادية للولايات المتحدة والقريبة من إيران وسوريا. إضافة إلى أن دورة عدم الاستقرار الإقليمي والاضطراب الطويل في سوريا زادت من مستوى تخفيف آثار هذه التغييرات في بيروت. ويجب على الولايات المتحدة أن تغفل عن الفرصة الحالية من أجل بناء الجسور مع القوى التي يُنظر إليها على أنها غير متوافقة مع حزب الله على الرغم من علاقاتها بسوريا ونظام الأسد. ليست الولايات المتحدة مضطرة لأن تشهد حالة من عدم الاستقرار في لبنان ويجب أن تعمل مع حلفائها الدائمين وأولئك المحتملين الجدد لاحتواء الاضطراب اللبناني وإدارته.

كما يجب على الولايات المتحدة أن تدعم اليونيفيل والجيش اللبناني. وهذا يعني القبول أولاً بأن دور قوة اليونيفيل هام بالنسبة للإسرائيليين واللبنانيين من أجل الحفاظ على الاستقرار على طول الحدود الشمالية لإسرائيل. وهو يعني أيضاً القبول بأن الجيش اللبناني وإن كان قوة عسكرية طائفية بعكس ما يأمل كثيرون في واشنطن يبقى عاملاً مهماً في إرساء الاستقرار في لبنان.

وخلافاً لعلاقة الولايات المتحدة مع الجيش اللبناني، أمضت إيران 25 عاماً في بناء حزب الله. وبناءً على ضعف الحلفاء السياسيين اللبنانيين وحدود السياسة الأمريكية في لبنان، تبقى الدبلوماسية العسكرية بعيدة الأمد مهمة للحفاظ على النفوذ الأمريكي في لبنان واستدامة المكانة الأمريكية في السياسة الأمنية في الشرق. كما لا بد للولايات المتحدة من دعم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بطرق لا يكون مردودها سلباً على الولايات المتحدة.

وبناءً على مدى الانقسامات في لبنان، لن تسجل الولايات المتحدة نقاط في منافستها مع إيران إذا ما لُمس أن المحكمة أداة سياسية غربية المقصود منها فقط تقويض سوريا وإيران في الشرق.

إن الحرب في سوريا لها الأثر على كيفية التنافس الأمريكي والإيراني في لبنان. فالخسارة المحتملة أو زعزعة استقرار نظام الأسد سيُضعف قدرة إيران على تقديم الدعم والنفوذ لحزب الله على حساب الفئات المصطفة إلى جانب الغرب والحلفاء الإقليميين، من ضمنهم السعودية. أما بالنسبة لحزب الله فمن المحتمل أن يستمر في دعمه لنظام الأسد والمصالح الإيرانية في سوريا.

ولكن، هذه الجهود على الأغلب ستستمر في التركيز على خمس مواضيع أساسية وهي: حماية ضريح السيدة زينب في ضواحي دمشق ومراقبة طريق بيروت - دمشق لحمايته من هجمات العبوات الناسفة وحماية الخاصرة الغربية لنظام الأسد من خلال عمليات عسكرية في الزبداني بين دمشق والحدود اللبنانية وحماية القرى الشيعية شرقي سهل البقاع وتدريب الأفراد العلويين والشيعة المخلصين للرئيس الأسد.

وعلى الأغلب ستستمر القوى السياسية السنية والشيعية في لبنان في العمل بشكل نشط للوصول إلى النتيجة النهائية للصراع في سوريا. ولكن، الرغبة المتنامية من قبل العناصر في تحالفي 14 و8 آذار للتنافس في سوريا يجب أن تُترجم إلى دور لبناني لا رجوع عنه في الأزمة السورية. علاوة على ذلك، لم تقم أي مجموعة بالخطوة التالية في محاولة لإعادة رسم التوازن الداخلي للسلطة في لبنان.

وحتى المستويات المنخفضة للمنافسة اللبنانية في سوريا ستنطوي على مخاطر شديدة. فالافتراض بأن حكم الأسد يُشرف على نهايته وأن دور حزب الله الداعم له قد أدى إلى مطالب متزايدة لنزع سلاحه هو في الحقيقة دعوة إلى تغيير التوازن السياسي والأمني في لبنان. وحتى إن سقط نظام الأسد، سيبقى حزب الله على الأغلب القوة السياسية الأكثر تنظيماً وانضباطاً. وهناك أسباب وجيهة تدعو إلى الافتراض بأن تتكرر أحداث على نوع تلك التي حدثت في أيار 2008 إن لمس حزب الله تهديداً وشيكاً من خصومه المحليين في لبنان.

(الحلقة الأولى نُشرت في العدد 136 ولم ننشر الحلقة الثانية في العدد الأخير لأسباب تقنية.. لذا تمّ نشرها في هذا العدد)(*)

اعلى الصفحة