|
|||||||
|
مجلة التقدير الاستراتيجي التي تصدر عن مركز ابحاث الامن القومي في اسرائيل - يوئيل جوجنسكي
أعلنت الإدارة الأمريكية في السنين الأخيرة نيتها تبني سياسة "إعادة توازن" اتجاه آسيا وقد ظهرت هذه السياسة في السنين الأخيرة عبر سلسلة من المبادرات العسكرية والاقتصادية والتجارية والدبلوماسية. وقد أكد الرئيس باراك أوباما، ومثله موظفون كبار من الإدارة، منذ ذلك الحين أن الولايات المتحدة تريد أن تؤدي دوراً قيادياً في آسيا في السنوات القريبة. التصريحات عن نقل مركز ثقل الإستراتيجية الأمريكية إلى شرق آسيا ليست بلا أساس والحكمة من ورائها مفصلة حتى في الإستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة منذ كانون الثاني 2012. إن جميع المبادرات والتصريحات من الإدارة الأمريكية عن توجيه الموارد شرقا على حساب مناطق أخرى ليست بجديدة، وعلى الرغم من ذلك فإنها تبرر فحص تأثير الشرق الأوسط، أي المنطقة التي تُمتحن فيها مكانة الولايات المتحدة. مواصلة التقدم الإيراني نحو السلاح النووي، وتآكل التأثير الأمريكي في العراق، وصعوبة التأثير في الأحداث داخل سوريا، والشك في الثقة بالولايات المتحدة من أنظمة الحكم الملكية في العالم العربي، وعلامة الاستفهام عن مستقبل علاقاتها بمصر وأيضاً برودة العلاقات بإسرائيل يؤشر في نظر مراقبين مختصين إلى صعوبات أخذت تتزايد على الولايات المتحدة في دفع أهداف سياستها في المنطقة، بل وبحسب مراقبين آخرين فإن الأمر يشكل علامة على تراجع في قوة القوى العظمى. الادعاء الرئيسي في هذه المقالة هو أن الحاجة إلى تخصيص موارد واهتمام بساحات أخرى بسبب ضرورات اقتصادية في الداخل والصعاب التي تلاقيها الولايات المتحدة في تحقيق سياستها في المنطقة لا تشهد بالضرورة عن "تخلٍ" عن الشرق الأوسط. بالعكس، على ضوء سلسلة الشروط الأساسية والمصالح الأمريكية المركزية التي لكل واحدة منها تأثير في تقديرات الولايات المتحدة وكل واحدة منها تتطلب متابعة دائمة واستعداداً أمريكياً للتدخل عند الحاجة، فإنه يتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في أداء دور مركزي في أمن المنطقة. توجيه الأنظار شرقاً استعداداً لزيارة رئيس الولايات المتحدة إلى استراليا في تشرين الثاني 2011، أعلن المتحدثون باسم الإدارة الأمريكية عن توجيه "المحور المركزي" للإستراتيجية الأمريكية من مراكزه السابقة نحو "تحديات القرن الواحد والعشرين" التي بحسب كلامهم في آسيا والمحيط الهادئ. وقد بالغ وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا الذي قال إن حصة الأسد من القوات البحرية الأمريكية ستتمركز في المحيط الهادئ حتى نهاية العقد الحالي بهدف إجراء توازن قوة الصين الآخذة في الازدياد. وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تطرقت أيضاً إلى حاجة الولايات المتحدة لتخصيص موارد اقتصادية ودبلوماسية وإستراتيجية وغيرها في جنوب شرق آسيا فقالت إن العقد القادم سيكون "عقداً آسيوياً". بدأت الولايات المتحدة تحويل قوات وبناء قدرات وتنمية شركات قديمة وبناء شركات جديدة بهدف تهدئة حليفاتها وصديقاتها بأنها لن تتخلى عنها في مواجهة قوة الصين الصاعدة. وكل ذلك مع عملها على منع انجرارهن إلى مواجهة عسكرية غير مطلوبة من جهتها مع بكين – وهي شريكتها الاقتصادية المركزية. ويكمن التقدير أن هناك عدداً من الظروف التي قد تزيد التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وفي مقدمتها سياسة هذه الأخيرة في محيطها القريب (كما ظهر مثلاً في الصراعات على المناطق في بحر الصين الجنوبي)، ووراءه أيضاً. إن الخشية من تحول الشرق الأوسط إلى أقل أهمية للأمن القومي الأمريكي مصدرها زيادة إنتاج الطاقة المحلية في الولايات المتحدة وكندا والاحتمال الكبير لأن تستطيع واشنطن أن "تنفطم" عن تعلقها بنفط الشرق الأوسط، ومع انخفاض تهديد القاعدة في ظاهر الأمر، ادُّعي أنه من الأفضل توجيه الانتباه والموارد الأمريكية إلى مواجهة تحدٍ أكبر في آسيا. الشرق الأقصى وحوض المحيط الهادئ كان للولايات المتحدة مصالح خاصة فيها منذ أمد بعيد. والخطوات الأمريكية الحالية، التصريحية والعملية التي تشمل "التحول شرقاً"، هي رد على زيادة قوة الصين وتهديد جاراتها الناتج من تنامي هذه القوة ومن السياسة المشددة، ولن نقول العنيفة، التي أظهرتها في السنوات الأخيرة. وتريد الولايات المتحدة من جهتها أن تُثبت أنها لن تتخلى عن مكانتها كقوة عظمى وعن المصالح الاقتصادية في المنطقة التي تتعاطى معها بشكل تقليدي على أنها "الساحة الأمامية"، وأنها لن تسمح للصين من تحويلها إلى منطقة تأثير لها وحدها. ويمكن أن نزعم أن الصعاب التي تصطدم بها الولايات المتحدة في تحقيق سياستها في الشرق الأوسط أيضاً تساهم في رغبتها ببذل موارد في ساحات أخرى. الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي أوباما (ومعه كل القيادة العليا من الإدارة الأمريكية) بعد انتخابه لولاية ثانية كانت لجنوب شرق آسيا. وذلك لتجسيد مضمون "التحول شرقاً" الذي أعلنه وللإشارة إلى أن العلاقات الاقتصادية والأمنية بهذه المنطقة مصيرية لمستقبل الولايات المتحدة. وقد تكون هذه الزيارة هدفت أيضاً إلى الإشارة بأن اهتمام الإدارة واغلب انشغالها سيخصصان في السنوات الأربع القريبة لهذه المنطقة. وقد يكون الرئيس يرى فرصة لترك توقيع في منطقة آسيا، والمحيط الهادئ خاصة، وأن يُثبت بذلك إرثه خصوصاً على ضوء صعوبة القيام بذلك في ساحات أخرى. لكن كما شهدت هذه الزيارة أيضاً، تؤجل الاعتبارات إلى وقت بعيد أحياناً بسبب نشوب أزمات قصيرة الأمد في مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط، وهو ما يعزز الادعاء أن التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط لن يقل، في الأمد القصير لن يقل. بين إيران و"الربيع العربي" سيكون حرف الأنظار بعيداً عن الشرق الأوسط انحرافاً ذا شأن كبير في السياسة الأمريكية القائمة طوال سنين. يمكن الادعاء أن هذا التغيير قد بدأ في واقع الأمر في الولاية الأولى لإدارة أوباما وظهرت بالتخفيف من جهود دفع عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية قدما، وصعوبة إيقاف إيران في طريقها نحو القدرة النووية العسكرية، وفي العراق الذي يُثبت نفسه خارج مجال التأثير الأمريكي، وأيضاً في البحث عن طريقة خروج سريع من أفغانستان، على الرغم من أن قوات الأمن المحلية لم تقف بعد على أقدامها. واكتفت إدارة أوباما أيضاً بـ"القيادة من الخلف" في ليبيا، وتتردد حتى الآن عن الدفع بشكل فاعل إلى تنحية بشار الأسد في سوريا، وقد يكون هذا هو الذي أفضى إلى إطالة الحرب الأهلية هناك. ونتيجة هذه الإجراءات والتطورات هي أن حلفاء الولايات المتحدة وأعداءها يخططون، بل بعضهم يتصرف، وكأن الحديث عن الشرق الأوسط وراء أمريكا. وضع الرئيس أوباما لنفسه هدفين أساسيين مع توليه منصبه، وهما جعل الولايات المتحدة ذات شعبية أكبر في الشرق الأوسط، وسحب قوات جيشها من هذه المنطقة، من العراق أولاً ومن أفغانستان بعد ذلك. ووعد أوباما العالم الإسلامي في بداية ولايته الأولى بـ"بداية جديدة"، لكن المنطقة العربية في بداية ولايته الثانية (والعالم الاسلامي عامة أيضاً) بقيت مشحونة بمشاعر معادية لأمريكا. مع بداية سياسة "البداية" لإدارة أوباما نحو العالم الإسلامي قوبِلت بالشكوك لأنها لم تتضمن أهدافاً سياسة محددة واضحة، وبسبب التوقعات العالية التي نشأت وصعوبة الاستجابة لها كاملة. لم يتغير الكثير في سياسة الولايات المتحدة تحت حكم أوباما اتجاه الشرق الأوسط سوى ما كان يبدو في البدء تشدداً في سياستها نحو حكومة إسرائيل ولاسيما في قضية المستوطنات، ومحاولة خطابية في أساسها لمصالحة العالم الإسلامي. والجديد، إن وجد أصلاً، انحصر في محاولة الاتصال بلاعبين "متعنتين" أيضاً كإيران وسوريا، ودفع العمل قدما بوسائل متعددة الأطراف. المنطقة السنية رفضت الاستجابة لطلب أوباما القيام ببادرة حسن نية اتجاه إسرائيل لتحريك العملية السياسية، والقادة العرب ليس فقط أنهم لم يبدوا تأثراً بمبادرات الرئيس الخطابية، بل رأوها تعبيراً عن ضعف ما. إن النشاط السياسي والاقتصادي والأمني المحدود لدول المعسكر الإسلامي المعتدل، بشكل خاص في مواجهة التحدي الإيراني، كانت تتعلق بإمكانية أن تكون مصالح هذه الدول الجوهرية معرضة للخطر أكثر من الاستجابة إلى التوجه الأمريكي. ما زالت الولايات المتحدة تدفع ضريبة كلامية لفكرة الدفع قدماً بالديمقراطية في المنطقة التي ربما تكون الأقل ديمقراطية في العالم، لكنها ركزت في سنوات ولاية الرئيس أوباما الأولى قبل كل شيء على محاولة إخراج قواتها من العراق إخراجاً سهلاً مع التخلي بقدر كبير عن التجربة الديمقراطية في هذه الدولة. وتدرس الولايات المتحدة أيضاً تسريع الجدول الزمني للانسحاب من أفغانستان مع محاولة التقليل من الأضرار على مصالحها عبر الابتعاد عن محاولات تثبيت الحكم وتعزيز مؤسسات الدولة الأفغانية في مواجهة تحدي طالبان. صحيح أن الأحداث في المنطقة العربية جعلت الولايات المتحدة تعيد الالتزام بها (الذي أُهمل في أواخر ولاية الرئيس بوش الثانية) بالسعي إلى الحرية السياسة وقدر أكبر من حقوق الإنسان، غير أن هذا الأمر يبدو أنه يُبعدها أكثر عن حلفائها الباقين ولاسيما الحكام الملكيين – وفي المقدمة العربية السعودية – الذين يخشون تغييرات عميقة في نظمهم الاجتماعية. أعلن الرئيس أوباما في خطبته الثانية للعالم العربي (خطبة القاهرة الثانية، أيار 2011) أن دفع الإصلاحات في العالم العربي هو الهدف الأول لإدارته. وقد يكون الانتقاد الذي وجه إليه بسبب المعايير المزدوجة – استعمال القوة العسكرية (تحت علم حلف شمال الأطلسي) على نظام القذافي في مقابل دعوته الضعيفة للبحرين من اجل الحفاظ على حرية التعبير – قد جعله يغير، بصورة معلنة على الأقل، ترتيب الأولويات. ولم يذكر أوباما في خطبته دولاً رئيسة كالعربية السعودية التي بقيت الحجر الأساسي مما بقي من المعسكر العربي الموالي لأمريكا. الولايات المتحدة لا تستطيع السماح لنفسها أن تفقد العربية السعودية أيضاً، وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل دخول قوات المملكة إلى البحرين في آذار 2011 لا يحظى بتنديد كبير من قبل الإدارة الأمريكية. إن سياسة الولايات المتحدة في مسألة "الربيع العربي" جعلت زعماء البلدان العربية شاكين أكثر مما كانوا عليه في الماضي بخصوص الدعم السياسي الأمريكي الذي سيُمنح لهم إذا نشأ تهديد داخلي لحكمهم. وهذا الشك سيجعل من الصعب عليهم التعايش في المستقبل مع سياسة الولايات المتحدة في المنطقة وسيضطرهم إلى التفكير مرتين قبل أن يكونوا مستعدين للمخاطرة من أجلها، في مواجهة إيران أولاً. لذلك إن فوز باراك أوباما بفترة ولاية ثانية أثار ردوداً باردة في العالم العربي، إلى جانب أمل حدوث تغيير مهم في سياسته الخارجية في أثناء هذه الفترة ولاسيما توقع أن تتخلى الولايات المتحدة عن موقفها السلبي وتأخذ بموقف فعال وصارم لمواجهة نظام الأسد في سوريا ولمواجهة إيران. إن موجة الثورات في العالم العربي سرّعت من عملية احتجاب التأثير الأمريكي في المنطقة لأنها أدت إلى سقوط حكام كانوا حلفاء للولايات المتحدة، لكنها سببت أيضاً زعزعة لعلاقاتها بالنظم التي بقيت قائمة على حالها. ولا يضمن صعود الأنظمة الجديدة أيضاً "شهر عسل" في علاقاتها مع الولايات المتحدة، فعلى الرغم من وقوف الرئيس أوباما مثلاً من وراء الجموع التي خرجت للتظاهر في مصر على الرئيس مبارك (وهو لم يفعل ذلك قبل ذلك بسنتين في إيران) فإن علاقات الولايات المتحدة بالرئيس الجديد مرسي ليست جيدة بصورة خاصة. إن الولايات المتحدة قد باركت في الحقيقة الانتخابات الديمقراطية في مصر لكنها جلبت إلى الحكم حركة ورئيساً ليس من الواضح مدى التزامهما بقيم الديمقراطية. إن الولايات المتحدة والتي وسيلتها الرئيسة للتأثير في مصر لا زالت المساعدة المالية (1.7 مليار دولار كل سنة من المساعدة العسكرية والمدنية) لا تراها عدواً لكنها لا تراها حليفة أيضاً – كما قال الرئيس أوباما. لا شك في أن أعداء الولايات المتحدة وأصدقاءها في الشرق الأوسط سيفسرون تغيير مركزها الاستراتيجي باتجاه الشرق بأنه تراجع آخر عن مراكز تأثيرها في الشرق الأوسط، وبصورة محددة بأنه ضعف خيارها العسكري في مواجهة إيران وتعبير عن عدم تأييدها للنظم الموالية للغرب التي بقيت على حالها. والولايات المتحدة ملتفتة لهذه المشاعر ولهذا تبادر إلى خطوات كلامية وعملية معاً كي تُخفف من قلق حليفاتها. وهي تعزز من أجل ذلك وجودها العسكري في الخليج وتوقع على صفقات ضخمة مع دول الخليج العربية وترسل موظفين رفيعي المستوى إلى المنطقة مع إبرازها هذه الخطوات. مركزية الشرق الأوسط تعبر رغبة الولايات المتحدة في التخلي عن جزء من التزاماتها الدولية عن ميل انعزالي جذوره في التاريخ الأمريكي. وقد ارتفعت في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة أصوات تدعو إلى أنه يجب عليها أن تركز جهودها في علاج أمراضها الداخلية حتى على حساب مصالحها الدولية، وان تتقاسم العبء الأمني مع حليفاتها وألا تشارك إلا في حروب "اللا مفر". وعلى الرغم من ذلك، وحتى لو كان هناك انخفاض في مركز الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فإنها لا تتركه. بين التشديد أكثر على منطقة المحيط الهادئ وبين الانفصال عن الشرق الأوسط لا تزال المسافة بعيدة. فليس الحديث عن "لعبة حاصلها صفر" – لأن الولايات المتحدة تستطيع أن تُظهر مشاركة في هذين الميدانين المركزيين بشكل متوازٍ. وإلى ذلك بقي للولايات المتحدة عدة مصالح مركزية في أنحاء الشرق الأوسط لكل واحدة منها تأثير الاعتبارات الأمريكية وكل واحدة منها تتطلب متابعة دائمة واستعداداً أمريكياً للتدخل وقت الحاجة، واليكم تفصيلها. سوق الطاقة تتغير خريطة الطاقة العالمية وذلك في الأساس بسبب زيادة استخراج النفط والغاز في الولايات المتحدة باستعمال تقنيات متقدمة. وقد يفضي هذا التغيير إلى التقليل من تعلقها بنفط الشرق الأوسط، ولتصبح بذلك أقل تعلقا مما كانت في الماضي بالدول المنتجة للنفط، هذا إلى أن الولايات المتحدة لم تعد متعلقة باستيراد الغاز الطبيعي والفحم. وقد زاد إنتاج النفط الأمريكي في السنوات الأربع الأخيرة بـ 25%. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة (آي.إي.إيه) إلى ذلك أن تسبق الولايات المتحدة روسيا والعربية السعودية وتصبح أكبر منتجة للنفط في العالم. لكن فكرة أن تكون الولايات المتحدة في يوم ما مستقلة تماماً عن التعلق بنفط الشرق الأوسط ما زالت بعيدة عن التحقق. إن الولايات المتحدة تنتج الآن 60% من استهلاكها للنفط بنفسها ويتوقع أن تزود في نهاية العقد القادم كل ما تحتاج إليه من جهة الطاقة لكنها ستبقى حينها أيضاً متعلقة بالاقتصاد العالمي. وقد يلحق ذلك الضرر بها أيضاً إذا لم تستمر مصادر النفط في الشرق الأوسط في تزويد دول مثل كوريا الجنوبية واليابان والهند والصين بمطلوبها. ولتجسيد ذلك نقول إنه يوجد في الخليج الفارسي وحده 54.4% من إجمالي احتياطي النفط العالمي الثابت و40.5 % من إجمالي كل احتياط الغاز العالمي الثابت. وعلى ذلك حتى لو لم تكن الولايات المتحدة متعلقة بالطاقة من الخليج لاستهلاكها الخاص فإنها ستبقى متعلقة باستقرار سوق الطاقة العالمية وستضطر إلى الاستمرار في الحفاظ على وصول حر للنفط من الخليج الفارسي. وإن أهمية موقف الولايات المتحدة وقوتها في هذه القضية قد ثبت حينما قررت في مطلع 2012، خلافا لموقفها من الشأن النووي الإيراني، أن التشويش على حرية الإبحار في مضيق هرمز "خط أحمر" من وجهة نظرها. يوجد أيضاً للولايات المتحدة علاقات متميزة بدول الخليج وتاريخ نشاطها في هذه المنطقة، يتأثر بعوامل أخرى عدا الحاجة إلى الطاقة والحاجة إلى الوصول إلى اقتصاد الخليج، ما يقتضي إلى التواجد الأمريكي في المنطقة. الانتشار النووي حينما بدأ الرئيس أوباما ولايته كان أحد الأهداف المركزية التي وضعها لنفسه أن يدفع فكرة نزع السلاح الدولي قدماً. لكن عملياً يبدو أنه يبتعد عن هذا الهدف فإيران تريد أن تصبح من القوى النووية، وباكستان قوة نووية غير مستقرة قد تنقل تقنية نووية إلى دول أخرى في المنطقة بل قد تفقد السيطرة على مخزونها النووي. بالإضافة إلى ذلك فإن السلاح النووي في إيران قد يؤدي إلى اتساع الانتشار النووي في المنطقة بحيث قد يبدأ دول أخرى العمل في مسار نووي عسكري. كانت الولايات المتحدة وما زالت أكبر قوة خارجية في المنطقة وهي الوحيدة القادرة على تأمين السلاح النووي الباكستاني وضبط قوة إيران ومحاولة منع توسيع الانتشار النووي. العملية السلمية عيّن الرئيس أوباما في ولايته الأولى مبعوثه إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل بعد أدائه اليمين الدستورية الرئاسية بـ 48 ساعة فقط وذلك كي يؤكد التزام الإدارة الجديدة بالعملية السلمية الإسرائيلية الفلسطينية. أوباما وصف هذا الموضوع بأنه "أولوية أمنية قومية" بالنسبة للولايات المتحدة. ومع ذلك فإن مساعي الولايات المتحدة للدفع قدماً بعملية السلام في السنوات الأربع الأخيرة لم تأتي بنتيجة. بعض أسباب ذلك تتعلق بسلوكها هي في هذا الشأن. ومن المعقول الافتراض أن يتجدد الاهتمام الأمريكي بقضية العملية الإسرائيلية الفلسطينية في فترة ولاية أوباما الرئاسية الثانية حينما يصبح حرا من الاعتبارات الانتخابية وتصبح عوامل الضغط الأمريكية على إسرائيل أكبر أهمية. الادعاء أن التقدم نحو تسوية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين ستُسهل من تنفيذ السياسات الأمريكية في العالم العربي بشكل عام، وفي مواجهة إيران بشكل خاص، ما زال ساري المفعول في الولايات المتحدة. دولة إسرائيل تُعرّف علاقات الولايات المتحدة بإسرائيل على نحو تقليدي بمصطلحات الواجب الأخلاقي، والقيم الحضارية والسياسية المشتركة والمصالح الإستراتيجية المشتركة. وبرغم ذلك هناك توجه ذو تأثير سلبي على العلاقات، يتعلق بالمس بصورة القوة الإسرائيلية. ليس فقط أن إسرائيل لم تعد تعتبر كنزا لدى الكثيرين في الولايات المتحدة بل إن مراقبين مختلفين يعرضونها في السنوات الأخيرة على أنها عبء عليها. وعلى الرغم من ذلك بقيت إسرائيل شريكة مهمة للولايات المتحدة في مواجهة التهديدات الإرهابية والتهديدات العسكرية المتصاعدة، ويتشارك جيشا الدولتين في المعلومات الاستخبارية والنظريات القتالية، وبقيت إسرائيل حليفة مخلصة مستقرة تُسهم في الصناعة والأمن الأمريكيين بواسطة جهود تطوير مشتركة أيضاً. تهديد الإرهاب يعتبر تهديد الإرهاب على الولايات المتحدة فيها أقل مما كان قبل 11 سنة، ولكن الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط لن ينهي الإرهاب الجهادي المعادي لأمريكا، بالعكس يبدو أن قوى إسلامية متطرفة أخذت تريد أن تدخل إلى "الفراغ" الذي نشأ بعد سقوط أنظمة الحكم العربية القديمة. وأصبحت ذراع القاعدة في اليمن تُعرف عند الولايات المتحدة بأنها أخطر ذراع بين أذرع المنظمة. وإلى ذلك يُثبت الهجوم على السفارة الأمريكية في بنغازي في ليبيا، الذي قُتل فيه سفير الولايات المتحدة في هذه الدولة، إلى اي مدى الفترة الانتقالية بعد الثورة زادت من التهديدات التي شكلها القاعدة، ومنه تهديدها في المغرب، إضافة على زيادة قوة فروعها في العراق وفي سوريا. مبيعات السلاح ما زالت الولايات المتحدة تحاول أن تقوي حليفاتها في المنطقة. وأبرز تعبير عن هذه السياسة تقريب هذه الدول من الوصول إلى أنظمة سلاح أمريكية متطورة ترمي إلى مساعدتها على مواجهة تهديد إيران. إن بيع منظومات سلاح ووسائل قتالية من إنتاج الولايات المتحدة طريقة لزيادة تأثيرها وهو تقدير جوهري عندها ولاسيما على ضوء الوضع الإشكالي للاقتصاد الأمريكي. إن مقدار مبيعات السلاح الأمريكي في السنوات الأخيرة لم يسبق له مثيل وهي مخصصة في أساسها لدول الخليج. فقد بلغت صفقات الولايات المتحدة في السنوات 2008 – 2011 مع العربية السعودية واتحاد الإمارات 70 مليار دولار. بل أن الولايات المتحدة تخطط لتزويد بعض دول الخليج بطائرات حربية متقدمة كثيرة، مثل أف 15 – إس.إي، ومنظومات دفاع جوي محكمة مثل تي.اتش.إي.إي.دي بل بسلاح موجه دقيق. لكن استعداد دول الخليج لأن تواجه إيران بصورة فعالة يتعلق بثقتها بالتزام الإدارة الأمريكية أن تخرج للدفاع عنها وهو التزام سيؤثر في التقدير الأمريكي قبل الهجوم على إيران. إن الشرق الأوسط بعامة هو المنطقة الأقل استقراراً في العالم وسيظل كذلك لسنين طويلة بعد. إن نقل مركز الثقل الدبلوماسي والعسكري الأمريكي من المنطقة إلى شرق آسيا أو من أجل "الانطواء" في الداخل لن يزيده استقراراً. وإلى ذلك في حين أن التحديات الاقتصادية والأمنية لمنطقة المحيط الهادئ هي في أكثرها تحديات لأمد بعيد فان تحديات الشرق الأوسط تبدو أكثر مباشرة بطبيعتها. الخلاصة يشكل الشرق الأوسط جبهة مركزية في مواجهة الأخطار المتوقعة للولايات المتحدة، والاتجاهات التي تظهر تباشيرها فيه قد تزيد أهميته كمنطقة أحداث حاسمة بالنسبة للأمن القومي الأمريكي. والشيء غير الواضح هو إلى أي مدى ستكون الإستراتيجية التي اتخذتها الولايات المتحدة في السنوات الأربع الأخيرة والتي تتشكل اليوم، ناجعة لمواجهة هذه التحديات. وسواء أكان بعض التوجهات التي وصفت آنفا تنبع من مذهب الرئيس أوباما السياسي أو تتصل بالوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة أم أن الأمر يتعلق عن رد على خيبة أمل الولايات المتحدة من الدفع قدما بسياستها في الشرق الأوسط، فإن الإدارة الأمريكية توحي إلى المنطقة أنها ليست في مقدمة اهتماماتها كما كانت في الماضي. الحقيقة أن التغيير المرتقب لترتيب الأولويات الأمريكي سيمتد عشر سنوات تخفف شيئا ما من وخزته، لكن على الرغم من ذلك ينبغي ألا نتجاهل أن الحديث عن تغيير حاد قد تكون له آثار على الأمد البعيد على إسرائيل أيضاً التي تُعد الولايات المتحدة السند الرئيسي لها. |
||||||