هل تتحول تونس إلى ملاذ آمن للقاعدة؟

السنة الثانية عشر ـ العدد135 ـ ( ربيع ثاني ـ جمادى أولى 1434  هـ ) آذار ـ 2013 م)

بقلم: توفيق المديني

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

برز تيار السلفية الجهادية منذ انتصار الثورة التونسية في 14 كانون الثاني/ يناير 2011، وإطلاق مئات العناصر السلفية الجهادية المرتبطين بتنظيم "القاعدة" أو بفروعها من السجون التونسية، وفي ظل الفراغ السلطوي الذي كان قائماً في تونس طوال المرحلة الماضية، إضافة إلى هشاشة الحكومة المؤقتة.

وفرض تيار "السلفية الجهادية " نفسه عددياً وعملياً في الطيف الإسلامي السلفي بعد التجربة الأفغانية وبعد المواجهات المسلحة التي حصلت بين هذا التيار وعدد من الأنظمة العربية: المصرية، والسورية، والجزائرية، في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.

من هم الجهاديون الجدد في تونس؟

يمكن التأكيد أن السلفيين الجهاديين التونسيين، هم جزء لا يتجزأ من شبكة دولية مرتبطة بتنظيم "القاعدة" وأخواتها، فتسمية "أنصار الشريعة" هي نفسها التي يعمل تحت لوائها أيضا السلفيون القاعديون في اليمن. كما أن أسلوب السيطرة على مدن صغيرة وإبعاد السلطات المحلية منها لإعلان تطبيق الشريعة، هو نفسه المستخدم في اليمن وتونس على السواء. ولولا تدخل القوى الأمنية لمساندة الأهالي لأحكم السلفيون قبضتهم على مدينتي منزل بورقيبة في عام 2011 وسجنان مطلع عام 2012، من أجل تطبيق الحدود.

في خريف هذا العام، أصبح اسم "جماعة أنصار الشريعة" مألوفاً تقريباً، وباتت وسائل الإعلام المرئية تتحدث عن الهجمات القاتلة التي يقوم بها "أنصار الشريعة" في بعض الأحيان، ضد السفارات الأمريكية في تونس وليبيا ومصر واليمن، باعتبار الولايات المتحدة الأمريكية متهمة في قضية الفيلم المسيء إلى الإسلام "براءة المسلمين".ويمثّل بروز ما يسمّى بـ "أنصار الشريعة" في أكثر من دولة عربية، في حقبة الثورات الديمقراطية العربية، طوراً جديداً من أطوار السلفية الجهادية ورهاناتها الإستراتيجية، فبعدما بدت أيديولوجيا "القاعدة" (التي تقوم على فرضيات الدمج بين العدو القريب والبعيد، واختيار العمل المسلّح سبيلاً وحيداً للتغيير، والاعتماد على "عولمة الجهاد" لكسب الرأي العام) عاجزة عن الإجابة على أسئلة لحظة الثورات الديمقراطية وما أفرزته من نتائج لا تنسجم مع فرضياتها، قام منظرو وقياديو السلفية الجهادية في العالم العربي بإعادة هيكلة أولويات التيار ورهاناته وخياراته عبر ما يمكن أن نطلق عليه عملية "تكيف أيديولوجي"، للفلفة هذه الثغرات الكبيرة من جهة، ولإطلاق مرحلة جديدة تنسجم مع المعطيات الجديدة، من دون التخلّي عن "البنية الصلبة" لإيديولوجيا التيار، التي تقوم على مبدأ الحاكمية والإصرار على تطبيق الشريعة الإسلامية، ورفض اللعبة الديمقراطية، مع التراجع عن اعتبار العمل السلمي مرفوضاً أو عبثياً، إذ تمّت إعادة الاعتبار له، وإعادة الاهتمام كذلك في الشأن المحلي وموضوعة تحكيم الشريعة، ما يعني ضمنياً تراجعاً عن المرحلة الماضية (منذ النصف الثاني من تسعينات القرن).

في غضون بضعة أشهر في عام 2011، وفي بلدان ثورات "الربيع العربي" وتغيير الأنظمة السياسية، أي تونس ومصر واليمن وليبيا، برزت مجموعات "أنصار الشريعة" التي تعمل من أجل هدف واحد: إقامة دولة إسلامية في البلدان المتحررة من الدكتاتورية.

من هم "أنصار الشريعة الإسلامية"؟ هم يشكلون "اتجاهاً جديداً آخذاً في الظهور في عالم الجهادية"، كما كتب عنهم الباحث الأمريكي آرون زيلين في مجلة السياسة الخارجية الأمريكية "فورين بوليسي" أو "تحولاً في تنظيم القاعدة" على حد قول أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة تولوز ماثيو غودير.

نشأ الشك بعد اكتشاف وثائق جمعتها القوات الخاصة الأمريكية في أبوت آباد شمال باكستان (المكان الأخير الذي كان يسكن فيه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن) رسائل البريد الإلكتروني لزعيم "القاعدة"، يتساءل فيها عن إمكان تغيير اسم منظمته. وفي القائمة الطويلة التي حررها بن لادن اسما "أنصار الشريعة" و "أنصار الدين"، فهناك شواهد تؤكد الروابط بين "أنصار الشريعة" وتنظيم "القاعدة"، باستثناء "أنصار الشريعة" في اليمن، علماً أن العلاقة العضوية مع تنظيم القاعدة أُقِيمَتْ بوضوح في نيسان (أبريل) 2011.

ولكن على الرغم من أن "أنصار الشريعة" لديهم الهدف نفسه، ويحافظون على الاتصالات في ما بينهم – وهو ما ينفونه -، فإن مختلف هذه الجماعات التي تحمل الاسم عينه وتدافع عن الهدف عينه، تبدو مستقلة نسبياً، وهي ليست وحدة فيدرالية تحت سلطة زعيم واحد. وقد ظهرت وجوه عديدة من "أنصار الشريعة"، لكنها تظل محلية.

في تونس، أصبح زعيم السلفية الجهادية أبو عياض (43 عاماً)، واسمه الحقيقي هو سيف الله بن حسين، الأكثر شهرة من بين السلفيين الجهاديين، يتحدى الدولة التونسية وأجهزتها الأمنية بعد الأحداث التي حصلت الجمعة 14( أيلول /سبتمبر) 2012، حين هاجم سلفيون السفارة الأمريكية في تونس العاصمة، إذ حصلت مواجهات  بين قوات الأمن ومتظاهرين ينتمي معظمهم إلى التيار السلفي، ما أوقع أربعة قتلى و49 جريحاً، بحسب مصدر بوزارة الصحة التونسية، وجرت التظاهرات احتجاجاً على فيلم مسيء للإسلام أنتج في الولايات المتحدة. وحطم المتظاهرون نوافذ مبنى السفارة الأمريكية في تونس وألقوا قنابل بنزين وحجارة على الشرطة من داخل السفارة وأضرموا النار في السفارة ومجمعها في استمرار الاحتجاجات ضد الولايات المتحدة، وتسلقوا جدران مبنى السفارة واقتحموها، قبل أن يستبدلوا العلم الأمريكي بعلم اسود كتب عليه لا اله إلا الله محمد رسول الله.

وكان أبو عياض من المؤسسين السابقين للمجموعة التونسية التي شاركت في القتال في أفغانستان، ويشتبه في أنه شارك في إعداد الصحافيين التونسيين المسؤولين عن اغتيال القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود في 9 أيلول (سبتمبر) 2001. واعتقل في تركيا في عام 2003، وسُلّم إلى تونس، حيث حكم عليه في عهد نظام بن علي بالسجن 63 سنة، واستفاد مثل غيره من العفو العام الذي صدر في آذار (مارس2011).

خيوط القطيعة والتواصل

وعلى الرغم من أن زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" في تونس أبا عياض، بات مطلوباً من وزارة الداخلية على خلفية أحداث السفارة الأمريكية، فإن المحللين المهتمين بظاهرة السلفية الجهادية يبحثون عن خيوط القطيعة والتواصل بين تيار "أنصار الشريعة" وتنظيم "القاعدة"، لاسيما أن الثاني يبحث عن تحويل شمال مالي إلى قاعدة خلفية للتمدد في بلدان المغرب العربي. ومع أن تنظيم "أنصار الشريعة" يؤكد باستمرار أن تونس ليست أرض جهاد، فإن الأوساط السياسية التونسية تتهم السلفيين الجهاديين في تونس بارتباطهم بتنظيم "القاعدة".

العارفون بالشأن التونسي لا يعتقدون أن السلفية الجهادية المتجسدة في تنظيم "أنصار الشريعة" يمكن أن تقود البلاد إلى صدام مسلح كما حصل في الجزائر ومصر واليمن، لأن حركة النهضة الإسلامية التي تحكم الآن تونس، على رغم أنها تحاول انتهاج سياسة ترويض لهذا التيار السلفي الجهادي واستيعابه في الفضاء الإسلامي الواسع، تصطدم الآن بمقاومة من مكونات المجتمع المدني، وكذلك المعارضة الديمقراطية التي بدأت تتوحد أمام التهديد السلفي.

السلفية الجهادية في تونس وُجدت قبل الثورة لكن لم يكن لها دور فيها، على رغم اعتقال العديد من رموزها ومحاكمتهم، وبالتالي فإن ظهورها المفاجئ بهذا الشكل المتضخم يعود إلى أسباب عديدة ساهمت في بروزها كظاهرة وتناميها:

أولاً، أن السبب الجوهري لعودة قسم كبير من الشعب التونسي إلى الإسلام باعتباره الملجأ الروحي الحصين للقيم الأخلاقية، وتنامي النزعة المحافظة في داخله، ولاسيما في أوساط الطبقات والفئات الشعبية التي لا تتمتع بمستوى تعليمي متقدم، يعود في جزء أساسي منه إلى وصول النموذج البورقيبي إلى أزمته البنيوية الشاملة، ومن بعده بن علي، الذي كان يمثِّل جيل الذئاب الشابة داخل المدرسة البورقيبية عينها، والذي استعاد النظام البورقيبي في صورة نظام بوليسي تسلطي صرفٍ لكنه مغلف برداء حداثوي بورقيبي تقليدي عام.

ثانياً، السبب الجوهري الثاني الذي ساهم في تنامي الظاهرة السلفية الجهادية، هو الظلم الاجتماعي وتكريس التفاوتات الشديدة في الدخل والثروة بين الفئات الاجتماعية، وبين المناطق الساحلية والمحافظات الداخلية الممتدة من الشمال الغربي إلى الجنوب. فقد اقترن حكم بن علي البوليسي بحالةٍ حادّة من الإخفاق التنمويّ الذي كاد يقضي على الكرامة الإنسانية للغالبية العظمى من الشعب التونسي. ويتجلّى هذا الإخفاق في عددٍ من الظواهر السلبيّة، مثل تفشّي البطالة في أوساط الشباب الحاصلين على شهادات جامعية، أو الذين تخرجوا مبكراً من المعاهد الثانوية ولم يلتحقوا بالجامعات، واستشراء الفقر، وما يترتّب عليهما من تفاقم الظلم في توزيع الدخل والثروة.

ثالثاً، الهشاشة الأمنية وضعف وجود الدولة خاصة في الأحياء الشعبية التي جعلت بعض الأطياف السلفية، خاصة الجهادية تُعوّض الدولة وتُقيم "سلطتها" المحدودة على مناطق تعتبرها شبه محررة. وقد تحدث رئيس الحكومة والأمين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي في حواره الأخير على قناة "العربية" في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012عن مساعي بعض السلفيين الجهاديين لإقامة إمارة إسلامية في بعض الأحياء الشعبية على غرار دُوار هيشر وغيرها. وقبله بأشهر، اتّهم وزير الداخلية النهضاوي علي العريض، بعضَ السلفيين بالإعداد لإمارة إسلامية عقب أحداث بئر علي بن خليفة في شباط (فبراير) 2012.

تصاعد وتيرة العمليات العسكرية للجهاديين التونسيين

تكشفت الأنباء المتداولة في تونس على خلفية الاشتباكات المسلحة التي تدور في الفينة والأخرى بين قوات الجيش والحرس التونسيين ومجموعات مسلحة، أن لتنظيم "القاعدة" خططاً لمد نشاطه إلى الأراضي التونسية، وأن البلاد باتت عرضة أكثر من أي وقت مضى منذ "ثورة الياسمين" للتهديدات الإرهابية.و من هذه الاشتباكات:

1- محاولة تونس  إيقاف دخول الأسلحة إلي أراضيها عبر ليبيا في 21حزيران/ يونيو 2012، عبر قصف الجيش التونسي، ثلاث سيارات محملة بالسلاح في عمق صحراء محافظة تطاوين جنوب الحدود مع ليبيا والجزائر المجاورتين "دخولها التراب التونسي"، حسبما أعلنت وكالة الأنباء التونسية. وأوردت الوكالة أن هذه السيارات بادرت بإطلاق النار على طائرة عسكرية تابعة للجيش الوطني كانت تمشط الحدود، فردت الطائرة في الحين على الهدف ودمرته، مرجحة أن تكون السيارات "قادمة من ليبيا وفي طريقها إلى الجزائر"، وأوضحت أنه تم تدمير السيارات في منطقة "سطح الحصان" التي تبعد نحو 100 كلم شمال قرية "برج الخضراء"الواقعة في أقصى الجنوب التونسي.وكانت إذاعة تطاوين الرسمية  أعلنت أن مجموعة مسلحة نصبت عددا من الخيام في مكان يسمى العين السخونة ببرج الخضراء، استهدفت طائرة مروحية تابعة لقوات الجيش الوطني كانت تقوم بعملية استطلاعية، بقذيفة مضادة للطائرات، وأوضحت أن قوات الجيش قامت بتطويق المكان في انتظار القيام بعملية تمشيط.

وكان المسلحون الذين اشتبكوا مع الجيش والأمن في تونس في عدة مناسبات يتشابهون من حيث التخطيط والجهة القادمين منها، فبحسب التقارير الأمنية، كانت ليبيا هي الوجهة التي ينطلق منها عناصر "القاعدة" في اتجاه الجزائر عبر الصحراء التونسية. لكن المستجد هو مخيمات الجهاديين التي تم الكشف عنها على الحدود الجزائرية، وهو ما يؤكد رغبة في الاستقرار في تونس ولو لفترة محددة. وسبق لمسؤولين أمنيين أن حذّروا من هذا الأمر قبل شهور.

2- وعلى الرغم من أن الاشتباكات الأخيرة في محافظة القصرين (على الحدود الجزائرية) ليست هي الأولى من نوعها، إلا أن كثيرين من رجال الأمن والمحللين باتوا يستنتجون بعد كل حادث مشابه أن "الجهاديين" يعتبرون تونس الآن معبراً آمناً لنقل السلاح إلى الجزائر (أو بالعكس)، بالإضافة إلى أنها توفر زاداً بشرياً مهماً من المجندين لأيديولوجية وصفوف تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.

غير أن الأحداث الأخيرة أظهرت أيضاً أن المسلحين المرتبطين بـ "القاعدة" باتوا يسعون ليس فقط إلى استخدام تونس كبلد عبور إلى مناطق أخرى، بل إلى الاستقرار والتمركز فيها. فقد أكدت تقارير وزارة الداخلية التونسية أن مجموعات تم القبض عليها اعترفت بأنها تخطط للتمركز على خطوط التماس بين تونس والجزائر. كما جاء في التقارير الأمنية أنه تم العثور على مخيمات صغيرة في غابات محافظة جندوبة وجبال الشعانبي بمحافظة القصرين وفيها بعض المواد الغذائية وكتب جهادية وأوراق تثقيفية في كيفية صنع القنابل وتفكيك الأسلحة. كما أشارت مصادر أمنية إلى أن هذه المجموعات تملك أسلحة كلاشنيكوف غير معروفة العدد ومصدرها ليبيا والجزائر وبتمويل من عناصر تابعة لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.

ووفق وزير الداخلية التونسي علي العريض، فإن الهدف الأساسي لإحدى المجموعات الإرهابية التي تم الاصطدام بها هو التمركز داخل التراب التونسي على الشريط الحدودي، وأنه يتم التركيز على القيام بأعمال تخريبية تحت عنوان "إحياء الجهاد وفرض الشريعة الإسلامية" ومهاجمة المقرات الأمنية، مضيفاً أن هذا التنظيم يستقطب الشبان الصغار السن المتبنين للفكر الجهادي المتشدد ويتم إرسالهم للتدريب في ليبيا.

أما المجموعة التي تم الاشتباك معها في محافظة القصرين فقد كانت على علاقة مباشرة بأبو مصعب عبد الودود زعيم "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، وهو ما يظهر أن الجهاديين في تونس يسعون إلى تكوين جبهة خلفية لعناصر القاعدة في الجزائر. ويبدو أن هذا الواقع هو ما دفع بوزير الداخلية التونسي للتوجه إلى الجزائر، على رغم العلاقات "الباردة" التي تجمع على ما يبدو حركة النهضة ببعض المسؤولين الجزائريين، من أجل مناقشة الوضع الأمني على الحدود المشتركة وسبل مكافحة وجود تنظيم القاعدة في المنطقة.

على الرغم من أن السلفيين في تونس ينفون أي صلة لهم بالعمليات المسلحة التي تقع على الأراضي التونسية ويشددون على أنهم يعتبرون تونس "أرض دعوة" وليست "أرض جهاد"، إلا أن أغلب المسلحين الذين تم القبض عليهم أو قتلهم في الاشتباكات كانوا ينتمون إلى تنظيم أنصار الشريعة، وفق تصريحات أبو عياض القائد الميداني للسلفيين والشيخ الضرير الخطيب الإدريسي الأب الروحي لجهاديي تونس. وكان أحد القتلى في اشتباكات القصرين من المشاركين في أحداث سليمان المسلحة سنة 2006.

3- شكلت حادثة حجز الأسلحة والذخيرة بمنطقة دوار هيشر وتبادل لإطلاق النار بين أطراف سلفية وأعوان أمن وإيقاف عدد من المشتبه فيهم نقطة استفهام حول كيفية دخول السلاح إلى هذه المنطقة ومن يقف وراء هذه العمليات وكيف أمكن لأعوان الأمن من الكشف عن وجود أسلحة ونجاحهم في إماطة اللثام عن هذه العمليات الإرهابية.

وتعتبر منطقة دوار هيشر منطقة شعبية لا شيء يميزها عن بقية المناطق الشعبية الأخرى سواء كونها أحد أهم معاقل العناصر السلفية والقيادات الإسلامية المتشددة إلى جانب وجود هذه العناصر بمناطق أخرى على غرار حي التضامن الكرم الغربي وبن عروس ، وهي الضواحي المحيطة بتونس العاصمة.

وكانت هذه العناصر السلفية تنشط في الخفاء خلال عهد النظام الديكتاتوري السابق ،وبعد نجاح الثورة التونسية في 14 كانون الثاني 2011، تحررت هذه العناصر وظهرت للعلن وأصبحت لها اجتماعات دورية بالمساجد وسيطرت على الكثير منها. وقد تورطت هذه العناصر المنتشرة أغلبها في منطقة دوار هيشر وحي خالد ابن الوليد في عدة قضايا منها أحداث اقتحام السفارة الأمريكية بتاريخ 14 سبتمبر 2012وأحداث قصر العبدلية الواقعة أحداثها بتاريخ 12 /حزيران/جوان 2012 إلى جانب أحداث فوضى وتخريب عرفتها البلاد وبعض قضايا الاعتداء على فنانين ومواطنين كانت أصابع الاتهام توجه إلى العناصر الدينية المتشددة..وقد عرفت  منطقة دوار هيشر أحداث دامية خلال أواخر شهر أكتوبر 2012، أسفرت عن مقتل شابين سلفيين من قبل أعوان الأمن كانت هذه الحادثة سببا لزيادة الاحتقان والتوتر وتأجيج الأوضاع.

وقد أكدت مصادر أمنية لصحيفة الشروق التونسية أنه من بين العناصر التي تم ايقافها كانوا من المطلوبين للعدالة وذلك لتورطهم في قضايا تهريب سيارات وبضائع من بلدان أوروبية نحو بلدان افريقية وآسيوية وقد كشفت التحريات الأولية عنهم أنهم تلقوا تدريبات في القتال واستعمال السلاح بالبوسنة. وفي سنة 2000 هرب البعض منهم من ألمانيا لتورطهم في قضايا تبادل إطلاق نار مع الشرطة الألمانية وتمكنوا من دخول القطر السوري وهناك تم تسليمهم إلى السلطات التونسية. واستغلت  هذه المجموعات السلفية المتشددة الانفلات الأمني الذي عرفته البلاد سنة 2011 والذي تواصل في بعض الفترات خلال سنة 2012 إلى جانب الانفلات الأمني بالقطر الليبي أثناء الإطاحة بنظام القذافي وقد تمكنت من ربط علاقات مع بعض التيارات الإرهابية الليبية والجزائرية وكذلك بعض تجار السلاح وتمكنوا من إدخال السلاح دون أن يتفطن لهم رجال الأمن وذلك باستعمال بعض الحيل والخطط. وأشارت بعض المصادر الأمنية أن من بين هذه العناصر هناك من اتهم في قضية اقتحام السفارة الأمريكية وقد أطلق سراحه مؤخراً.

وكانت وزارة الدفاع التونسية  أعلنت خلال نهاية العالم 2012 انتحار عسكري برتبة رقيب أول بعد اكتشاف علاقته بمجموعة إرهابية. وقال الناطق باسم وزارة الدفاع التونسية العميد مختار بن نصر، إن "وفاة الرقيب الأول بدري التليلي العامل بثكنة محافظة الكاف (الواقعة في الشمال الغربي لتونس العاصمة(أثناء فترة التحقيق معه نتجت عن محاولة انتحار نقل على أثرها للمستشفى العسكري حيث لفظ أنفاسه الأخيرة.وأكد الناطق ارتباط الرقيب أول في الجيش التونسي بالمجموعة الإرهابية التي اشتبكت معها قوات الأمن في محافظة جندوبة الواقعة في الشمال الغربي للبلاد قبل أسبوعين. وأضاف العميد بن نصر: "أفضى التحقيق مع الرقيب الأول بدري إلى اعترافه بعلاقته مع أحد عناصر المجموعة التي تعاملت معها قوات الأمن في جندوبة وتم إيقافه لمزيد التحري معه قبل إحالته على القضاء لكن يوم السبت 29 ديسمبر (كانون الأول) حاول الانتحار بخنق نفسه باستعمال قميص صوفي عسكري مما استوجب نقله في المستشفى حيث توفي". ونفى مسؤول وزارة الدفاع التونسية أن يكون العسكري توفي بسبب تعرضه للتعذيب أثناء التحقيق معه.

ليبيا قبلة توجه الجهاديين التونسين

كان لسقوط نظام القذافي تداعيات كبيرة ليس  في ليبيا فحسب، بل في إقليم  شمال لإفريقيا ودول الساحل. فهناك إجماع داخل الدول الغربية والمغاربية، ودول الساحل الإفريقي، من مخاطر انتشار الأسلحة بصورة كبيرة في ليبيا، وانتقالها أيضاً عبر الحدود إلى الدول المجاورة (تونس، الجزائر، مالي، النيجر، وموريتانيا) وهي مناطق الصحراء الكبرى، التي ينشط فيها تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، إضافة إلى المتمردين الطوارق.

ومنذ الإطاحة بنظام القذافي، تكافح تونس ومصر لضبط حدودها مع ليبيا من أجل وقف تدفق الأسلحة. وكانت تونس أعلنت في شهر شباط2012 تفكيك تنظيم إرهابي تدرب في ليبيا، ويسعى إلى إقامة إمارة إسلامية في تونس. لكن الموضوع الذي بدأ يثير مخاوف الجزائر وموريتانيا، ومالي، والنيجر، هي عودة الطوارق المقاتلين في صفوف كتائب العقيد القذافي، والذين يقدر عددهم بنحو 800 مقاتلاً إلى بلدانهم، بعد أن جندت القوات الليبية في عهد القذافي وبشكل جماعي طوارق من مالي والنيجر من المتمردين السابقين، واستخدمتهم كجنود مرتزقة  لمقاتلة الثوار الليبيين. وتثير عودة هؤلاء المقاتلين بأسلحتهم خوفاً في منطقة الساحل الإفريقي، لأنهم يهددون استقراها، من خلال عودة تفجر تمرد الطوارق.

يقول وزير الداخلية التونسي السيد علي العريض إن معسكر المجموعة الذي تم اكتشافه بمحافظة القصرين كان يمارس التدريبات النظرية أو التطبيقية التي لا تثير ضجيجاً، مثل تفكيك السلاح وصنع متفجرات أو شيفرات، والتأهيل في الجانب العقائدي، أو التدريب على كيفية الاختفاء، بينما يتم تأمين التدريب العسكري الحقيقي في ليبيا والجزائر. وقد أشارت تصريحات وزير الداخلية التونسي، علي العريض، إلى ليبيا بصفتها حاضنة عناصر القاعدة الليبيين والتونسيين والجزائريين. ويتواجد في ليبيا أيضاً تنظيم "أنصار الشريعة" الذي يشبه تنظيم "أنصار الشريعة" التونسي لكن الفرق بينهما هو أن النسخة الليبية "مسلحة" بينما لم تصل إلى ذلك النسخة التونسية.

وتفيد المصادر الأمنية التونسية أن العديد من الجهاديين التونسيين يتوجهون إلى ليبيا لتلقي تدريبات في معسكرات يتبع بعضها لـ "أنصار الشريعة" ولكن تحت إشراف تنظيم أنصار الشريعة الليبي الذي ينسّق مع "أنصار الشريعة" بتونس. وتنتشر معسكرات التدريب في ثلاثة مراكز كبرى في ليبيا أهمها معسكر في منطقة أبو سليم بالعاصمة طرابلس بإشراف قيادي سابق في "الجماعة المقاتلة" والثاني في الزنتان (الجبل الغربي) بإشراف تنظيم أنصار الشريعة، والثالث في الجبل الأخضر في الشرق الليبي.

عوامل حوّلت تونس إلى خزان بشري للتنظيمات الجهادية

تشير التقارير السياسية الصادرة في تونس خلال الفترة الأخيرة إلى أن المئات من الشبان التونسيين الناشطين حالياً في صفوف الجماعات الجهادية المسلحة سبق لهم أن تدربوا على السلاح وتكتيكات القتال داخل معسكرات على الأراضي التونسية.. وحذرت مصادر أمنية في أكثر من مناسبة من وجود معسكرات لإرهابيين داخل الأراضي التونسية، غير أن وزارة الداخلية التي يتولاها علي لعريض القيادي في حركة النهضة الإسلامية قللت من أهمية تلك التحذيرات، ووصفتها بأنها مبالغة ولا تستند إلى وقائع جدية، فيما رأى الإعلامي التونسي نور الدين مباركي أن هذه الجماعات استفادت من المناخ في تونس، وأيضاً من هشاشة الوضع الأمني، لتجند الشباب وترسله إلى دول عربية دون ضغوطات كبيرة. ويُقدر عدد الجهاديين الناشطين حالياً في شمال مالي بنحو 300 مسلح، كانوا تلقوا تدريبات عسكرية في معسكرات أفادت التقارير أنها منتشرة في ليبيا، فيما يوجد في صفوف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الناشط في الجزائر العديد من التونسيين.

ويبدو أن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي صعّد من وتيرة تحركاته مستفيداً من مساحة الحرية المستجدة في تونس وليبيا حتى يرفع الضغط على جبهة الجزائر ويستعد لمعركة محتملة في شمال مالي الذي تسيطر عليه جماعات إسلامية مسلحة. ويستفيد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من عوامل عديدة حصلت في مرحلة انطلاقة ربيع الثورات العربية، منذ سنتين، ومنها:

أولاً، وجود مناخ من الحرية في تونس بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق، ووقوف حكومة الباجي قايد السبسي التي تشكلت في شهر شباط 2011، على الحياد إبان اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا، الأمر الذي سمح للجماعات الإسلامية المسلحة والمتشدّدين الإسلاميين من نقل الأسلحة والذخيرة بمختلف أنواعها إلى تونس، وتخزين جزء من تلك الأسلحة والذخيرة في مناطق عديدة تقع داخل التراب التونسي.

ثانياً، وعلى الرغم من المجهودات الكبيرة التي بذلتها في تلك الفترة وحدات الجيش والحرس الوطني الحدودي في ملاحقة تلك الجماعات الدينية، فإن جميع الملاحظين يعتبرون أن كميات أخرى من السلاح والذخيرة تم إدخالها إلى تونس بعد سقوط نظام العقيد القذافي في ليبيا، ما قاد إلى خلق حالة من الانفلات الأمني والعسكري في  المنطقة الشرقية لشمال أفريقيا، أصبح معها من الصعب التحكم في الحدود التقليدية لبلدان مثل ليبيا وتونس وحتى الجزائر باعتبار اشتراكها في الحدود مع هذين البلدين.

ولما كانت حركة النهضة الإسلامية التي استلمت السلطة في تونس عقب انتخابات 23 أكتوبر 2011، من خلال قيادة الائتلاف الحاكم مع حزبين علمانيين، وهما حزبا المؤتمر والتكتل، متحالفة ضمنياً مع الجماعات السلفية المتشددة، ولم تكن جادة في مواجهة العنف الذي تمارسه تلك الجماعات السلفية المتشددة على المجتمع التونسي، وترفض تحديد علاقة التمايز والاختلاف بينها كحركة إسلامية معتدلة وبين التنظيمات السلفية الجهادية، فقد أعطى هذا الأمر انطباعاً لدى العديد من القوى الديمقراطية المحلية، والقوى الإقليمية والدولية أن حركة النهضة وحكومتها المنبثقة عن انتخابات أكتوبر 2011 ليست جادة في تحديد علاقتها بالإسلام المتشدد خصوصاً في علاقتها بالجماعات المسلحة التي تمثله. وتوج هذا الانطباع  بأحداث السفارة الأمريكية التي أفاضت كأس الأمريكيين ودفعت بهم إلى توجيه تحذيرات صريحة إلى حركة النهضة في تونس تصب كلها في خانة واحدة وهي إما الحكم وإما المتشددون وبمعنى أوضح أنه على حركة النهضة تحديد علاقتها بالمتشددين وإظهار حسن النيّة في وضع حد لهم.

وهناك تقدير النظام الجزائري الذي يرى أن تونس غير قادرة على حماية حدودها أو على الأقل ليست مستعدّة لتحمّل مسؤولياتها في علاقة بالقضاء على جيوب الجماعات السلفية الجهادية التي حوّلت جزءاً من نشاطها إلى دول المغرب العربي مع  بدء التدخل العسكري في شمال مالي وهروب العديد من المسلحين إلى داخل الجزائر وليبيا وتونس وموريتانيا والمغرب الأقصى وهو ما فهمته وزارة الخارجية الأمريكية وتحذيرها من مغبّة الاعتداء على رعاياها في تونس وفي المنطقة بأكملها. ودفعت طبيعة الإستراتيجية المعتمدة من السلطات التونسية بالإضافة إلى الارتباك الواضح الذي رافق تصريحات عديد الوزراء في تعليقاتهم على ما حصل في القصرين في بداية شهر ديسمبر والتعتيم الإعلامي المتعمد في علاقة بما حدث ولازال يحدث في الغرب التونسي، بالسلطات الجزائرية إلى التحرّك بهدف وضع الحكومة التونسية أمام مسؤولياتها خاصة بعد اكتشاف ثلاثة مراكز للتدريب على بعد 60 كلم من ولاية سوق أهراس باتجاه ولاية جندوبة ما فُهم منه أن تونس غير قادرة في المرحلة الحالية على حماية حدودها وهو استنتاج توصّلت إليه لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الجزائري التي أكدت فيه أن الجزائر لن تنتظر حتى تحصل الكارثة بل ستسخّر كلّ طاقاتها لحماية حدودها وهو ما أبلغه وزير الداخلية الجزائري ولد دحّو الذي زار تونس يوم الأربعاء الماضي إلى نظيره التونسي. بل إن الجزائر شرعت فعلاً في نشر قواتها على الحدود مع تونس وإقامة أقطاب أمنية متقدّمة في ولايات عنابة وسوق أهراس وتبسّة كان دشنها القائد الجديد للناحية الأمنية الخامسة بقسنطينة الذي تولّى تعيينه القائد العام للدرك الوطني الجزائري الجنرال بوسطيلة. وحسب ما تسرّب من أخبار فإن الخطة الأمنية الجزائرية لا تتعلق بالتراب الجزائري فقط بل إن ولايات الكاف وجندوبة والقصرين وقفصة وتوزر معنية كذلك بالتحرّك الأمني الجزائري.

عملية منشأة الغاز الجزائرية وتورط الإرهابيين التونسيين

وفي ظل ما تشهده الأزمة المالية من تطورات عقب التدخل العسكري الفرنسي الذي ساند الجيش المالي لصد هجوم  للجماعات الإسلامية المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، عقدت بمدينة غدامس الليبية، يوم السبت12 كانون الثاني 2013، أعمال الاجتماع الثلاثي لرؤساء حكومات ليبيا وتونس والجزائر. وقال رئيس الوزراء الليبي على زيدان، في كلمة افتتاحية أن هذا الاجتماع مخصص لبحث الجوانب الأمنية بين الدول الثلاث، منها أمن الحدود والتنقل، وتجارة السلاح وقضايا التهريب، ومكافحة الهجرة غير الشرعية. وأضاف أن الوضع في مالي وتداعياته الخطيرة يحتم علينا التشاور والتحاور، خصوصاً ما حدث مؤخراً فيها وأدى إلى استعمال القوة، وهو ما يدعو إلى اتخاذ مواقف مشتركة بين هذه الدول تخدم أمن المنطقة ودول الجوار والعالم.

واتخذ كل من رئيس الوزراء الليبي علي زيدان ونظيريه الجزائري عبد المالك سلال والتونسي حمادي الجبالي، في ختام الاجتماع، قراراً بإقامة نقاط مراقبة مشتركة وتنسيق دورياتها على الحدود لضمان الأمن ومكافحة تهريب الأسلحة والجريمة المنظمة. وأكد زيدان في مؤتمر صحفي مشترك في ختام الاجتماع أنه "تم الاتفاق على التنسيق بين كافة الجهات المعنية لضبط الحدود ورصد التحركات المشبوهة وتبادل المعلومات والتعاون في عمليات القبض والمتابعة". وقال الجبالي "لقد اتفقنا مع الإخوة على تحقيق الأمن وتأمين المنطقة الحدودية"، مشدداً على "ضرورة توحيد الجهود لمعالجة المسائل الأمنية كافة". ولفت سلال إلى "وضع حل للإشكالية في المنطقة الحدودية بين الدول الثلاث بتنسيق الأعمال بين كل المصالح المعنية، مع الاتفاق على عقد لقاءات كل أربعة أشهر بين رؤساء الحكومات الثلاث إلى جانب عقد لقاءات دورية خاصة بالمسؤولين بالأمن من أجل التنسيق".

وجاءت عملية خطف الرهائن في منشأة الغاز عين أمناس الواقعة جنوب شرق الجزائر، أي قرب الحدود الليبية –الجزائرية، لتطرح من جديد موضوع الجهاديين التونسيين الذين يبدو أنهم توزعوا على التنظيمات الجهادية المسلحة في منطقة المغرب العربي، ودول المشرق العربي، لاسيما في سوريا. فقد أعلن رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال في وقت سابق أن 11 تونسياً كانوا ضمن المجموعة الإرهابية التي نفذت العملية، والتي قُدر عدد أفرادها بنحو 32 مسلحاً.. وقبل ذلك، أكدت تقارير إعلامية واستخباراتية تواجد العديد من التونسيين الناشطين في صفوف التنظيمات الجهادية المسلحة التي سيطرت على شمال مالي، وذلك في تطور لافت دفع العديد من المحللين إلى التحذير من تحول تونس إلى خزان بشري لهذه التنظيمات المصنفة في خانة المنظمات الإرهابية.

يقول الباحث التونسي المختص في شؤون الجماعات الإسلامية صلاح الدين الجورشي: إن المتابع لتطور الحركة الجهادية في تونس لا يتفاجأ بمثل هذه المعلومات التي تتحدث عن تزايد عدد التونسيين في صفوف الحركات الجهادية المنتشرة على امتداد المنطقة العربية، مضيفاً: إن عدداً من التونسيين انخرطوا في هذه الشبكات الجهادية منذ فترة طويلة وتجاوزوا مستوى الانخراط حتى إن البعض منهم أصبح يحتل مواقع قيادية بهذه التنظيمات.

ويؤكد هذا التواجد التونسي في صفوف الشبكات الجهادية أن تونس تحولت فعلياً إلى ملاذ آمن لتنظيم القاعدة والحركات  المرتبطة به، حيث تستطيع هذه التنظيمات الجهادية التي تمارس العنف، أن تستقطب الشباب التونسي العاطل عن العمل، والذي لا يتمتع بمستوى تعليمي متقدم لكي ينخرط في عمليات إرهابية ، تضر كثيراً بسمعة تونس.

تطبيق الشريعة هو الهدف الرسمي المعلن

إن السلفيين الجهاديين في تونس الذين يمارسون العنف في تونس وفي مناطق أخرى من العالم العربي والإسلامي، لا يؤمنون بالإسلام المعتدل السائد في تونس منذ أربعة عشر قرناً، ويحظون بحماية من جانب حركة النهضة الإسلامية التي يتهمها المعارضون بأنها ترعى السلفيين وتحميهم أمام القانون ليبقوا ورقة انتخابية بيدها.

ويعتقد التونسيون على اختلاف انتماءاتهم الفكرية و السياسية أن ممارسات السلفيين الجهاديين التونسيين المرتبطين والمنخرطين في التنظيمات الجهادية التي لها علاقة بتنظيم "القاعدة" تجاوزت حدود معينة لتمتد "إلى عادات إسلامية أصيلة بالبلاد"، إذ أصدر الشيخ السلفي بشير بن حسن فتوى تحرم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، الذي ينتظره المسلمون في العالم للاحتفاء به في 24 من الشهر الجاري. وفي الفترة الأخيرة قام السلفيون بحرق أضرحة الأولياء صالحين في تونس. فقد أعلنت منظمة صوفية أن "أحد أضرحتها احرق ليل الثلاثاء الأربعاء23 كانون الثاني/جانفي 2013 متهمة "وهابيين أجانب" بالتخطيط لتدمير الأضرحة التي تم تخريب 35 منها خلال ثمانية أشهر. وأحرق مجهولون مقام الولي الصالح سيدي أحمد الورفلي بمدينة أكودا بولاية سوسة، بإلقاء زجاجات حارقة. وقال مازن الشريف، نائب رئيس اتحاد الطرق الصوفية في تونس في مؤتمر صحافي إن "الذين يقفون وراء هذه الهجمات على الزوايا وهابيون ". وأضاف  مشدداً "إنها البداية، لأنهم سيهدمون بعد ذلك المواقع الأثرية (الرومانية) في قرطاج  والجم ودوقة وسيلزمون الرجال على الالتحاء والنساء على لبس النقاب"، معتبراً أن "لديهم إستراتيجية لتغيير البلاد". وأكد اتحاد الطرق الصوفية في تونس أن الوهابيين يمولون من الخارج هجمات أنصارهم التونسيين في الداخل وكذلك الموالين لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

تستهدف رؤية السلفيين الجهاديين في تونس، تطبيق الشريعة الإسلامية، بل العمل على فرضها بالتخويف والعنف على المدى القصير، على الرغم من علمهم المسبق أن رؤيتهم هذا للمجتمع التونسي، آفاقها فقيرة جداً، لأنها غير شعبية، جذرياً،في ظل غالية معارضة لها. حتى اليوم، تمكنت الجماعات السلفية الجهادية من فرض نفسها بالترهيب والعنف، وهي تستهدف تغيير الوجه الديني  لتونس، مستغلة غياب دولة القانون، وتواطؤ حركة النهضة مع تلك الجماعات السلفية.

إن الجماعات "السلفية الجهادية" في تونس، وغيرها من البلدان العربية، لا تريد أن تظهر وكأنها متناقضة مع الثورات الديمقراطية العربية في كل من تونس، ومصر، وليبيا، بل تحرص على تأكيد خطاب"التكيف الأيديولوجي" لتنظيم القاعدة، الذي يقرب "وحدة المعركة" التي يخوضها عالمياً مع الولايات المتحدة الأمريكية ومسار الثورات الشعبية التي تحرر إرادة الشعوب من الأنظمة.

ومع كل ذلك، فإن الهدف المعلن الذي تبديه "السلفية الجهادية" في تونس، يكمن في"تطبيق حكم الله"(الشريعة الإسلامية)، وبالذهاب بالثورة الديمقراطية التونسية نحو إجهاض أهدافها الإستراتيجية، لاسيما بناء الدولة الديمقراطية التعددية، دولة القانون، وانتهاج خيار اقتصادي واجتماعي جديد يقوم على التنمية المستدامة والقطع مع نهج الليبرالية الاقتصادية المتوحشة، والتي يدعمها الإسلاميون، والتي تقود إلى إعادة إنتاج التبعية للغرب، ولكن هذه المرة في ثوب إسلامي، وتحريف مسار الثورة التونسية نحو البحث عن الهوية، والصفة الإسلامية، لتتقاطع مع أهداف "القاعدة"، التي تتمثل في وجود أنظمة ليست حليفة للغرب، ولا معادية للحركات الإسلامية المتطرفة، وتكون أكثر تقارباً مع أفكار"القاعدة".

إن مواجهة الإرهاب الذي تنخرط فيه الجماعات السلفية الجهادية في تونس،  وأيضاً التطرف الديني، الذي يحاول أن يحرف مسار الثورة الديمقراطية التونسية، التي تختلف جوهرياَ في بنيتها وطبيعتها وأهدافها الإستراتيجية، عن البنية الصلبة للخطاب الأيديولوجي لتنظيم "القاعدة" والجماعات"السلفية الجهادية" المرتبطة به، لجهة تحكيم الشريعة الإسلامية فريضة واجبة، ورفض وتكفير أي نظام غير النظام الإسلامي  الصلب، وتأكيد أهمية الجهاد في مواجهة القوى الدولية، يحتاج إلى معالجات مجتمعية فعالة ومشتركة بين الحكومة  والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني، وإيجاد حلول تتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الولايات المهمشة، وبناء دولة القانون، وتطوير الثقافة الديمقراطية التعددية على صعيد المجتمع التونسي، كي تتمتع تونس بمناعة تجاه هذه التنظيمات الإرهابية وتجاه امتداداتها. 

اعلى الصفحة