|
|||||
|
أقام تجمع العلماء المسلمين في لبنان احتفالاً بمناسبة ولادة الرسول الأكرم وأسبوع الوحدة الإسلامية في استراحة الساحة- طريق المطار. حضره: نائب رئيس المكتب السياسي لحركة أمل الشيخ حسن المصري ممثلاً رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري- النائبان: قاسم هاشم ومروان فارس- سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان الدكتور غضنفر ركن آبادي- العقيد الركن البحري ماجد علوان ممثلاً قائد الجيش العماد جان قهوجي- سفيري الصين وأندونيسيا- الأب قسطنطين نصار ممثلاً المطران الياس عودة- الشيخ علي جابر ممثلاً أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله- السيد علي الحسيني ممثل مكتب السيد السيستاني في لبنان- الشيخ سهيل فرحات ممثلاً الشيخ ناصر الدين الغريب لطائفة الموحدين الدروز- الأب ماسيس زوبويان ممثلاً البطريرك آرام الأول كيشيشيان- رئيس مجلس الأمناء في التجمع القاضي الشيخ أحمد الزين- رئيس مجلس الأمناء في حركة التوحيد الشيخ هاشم منقارة. النواب السابقين: عدنان طرابلسي، نزيه منصور، الشيخ الدكتور راتب نصر الله ممثلاً هيئة العمل التوحيدي، المستشار الأول للمحكمة الشرعية الإسلامية القاضي الشيخ يحيى الرافعي، وممثلي الأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية والفصائل الفلسطينية في لبنان، وشخصيات سياسية وعلمائية ودينية من كافة الطوائف والمذاهب وفعاليات اجتماعية وثقافية وتربوية وإعلامية. بعد آيات من القرآن الكريم ألقى رئيس الهيئة السنية لنصرة المقاومة كلمة ترحيبية، ثم ألقى كلمة التجمع رئيس الهيئة الإدارية الشيخ حسان عبد الله مما جاء فيها: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.(التوبة: 128) نجتمعُ اليومَ في أجواءِ الذكرى العَطِرَةِ لمولِدِ الرسولِ الأكرَمِ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وصَحَبْهِ وسلَّم الذي أرسَلَهُ الله سبحانَهُ وتعالى رحمةً للعالمينَ ليُخرِجَهم من ظلماتِ الجهلِ والكُفرِ، إلى نورِ العِلْمِ والإيمانِ.. فقد قال عنه الله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾. (الجمعة:2) فدينُ الإسلامِ نزل في بلدٍ يعيشُ الجاهليةَ بكلِّ أبعادِها ولا يمتلكُ من الحضارةِ أدنى مقوِّماتها وكيف يكون ذلك وهم يعبدون أصناماً ويُغيرون على بعضهم البعض سلباً وقتلاً وسَبْياً لا لشيءٍ إلا لمجرَّدِ السلطةِ والتحكُّمِ ويئودونَ البناتِ لا لذنبٍ اقتَرَفْنَهُ فكان هذا الدينُ سبباً لتزكية نفوسِهم ومنه تعلّموا الكتابَ والحكمةَ فسادوا الأممَ وتقدموا ولتكتمل المعجزة لم يختر الله أن يبلغ رسالته عبر ملك أو من كان له سبق عهد بالقراءة والكتابة بل اختار أميا تحول بمعجزة اقرأ إلى سيد العلماء وإمام العباقرة إنه محمد (ص). ونبيُّنا ليس خارجَ السياقِ الإلهيِّ لبِعثةِ الأنبياءِ بل من ضمنِها وخاتمَها الذي به وبما بَشَّرَ وأمَرَ كان كمالُ الدينِ وتمامُ النعمةِ فكان بشارةَ إبراهيم عليه السلام وهو يرفعُ مع أبنه إسماعيلَ القواعدَ من البيت عندما دعا ربه وقال: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (البقرة:129) فجاء نبيُنا(ص) حاملاً لخاتمةِ الرسالاتِ المصدِّقَةِ لما جاءَ به كلُّ الأنبياءِ من قَبْلُ ومؤكّداً أن هذا الدينَ واحدٌ ونحن نعبُدُ إلهاً واحداً أوصلَ لنا كلمتَهُ تدريجاً مقارِناً لتطوُّرِنا فكانت رسالةُ الإسلامِ الجامعةُ المانعةُ لكلِّ ما يريدُهُ الله منا وما لا يريدُهُ فقال عز من قائل: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. (الأعراف:157) هذا النبي سما في كلِّ تفاصيلِ حياتِهِ وصفاتِهِ فكان المثالَ الفريدَ للمؤمنِ العابِدِ لله المتحملِّ للأذى في جنبِهِ والمجاهدِ في سبيلِهِ المتواضعِ في قومِهِ فحاز من المدحِ من ربّ العالمين ما لم يحِزْهُ قبلُه لا نبيٌّ مرسلٌ ولا ملكٌ مقرّبٌ فنالَ من الله المرتُبةَ الرفيعةَ في الأخلاقِ وقال عنه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. (القلم:4) وسما في درجة العبادة حتى قال عنه الله مادحاً إياه ولمن اتبعه من المؤمنين: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾. (الفتح:29) لقد أحب رسولُ الله أصحابَهُ وأحبوهُ وكان فيهم كأحدِهم حتى كان إذا دخَلَ الغريبُ إلى مجلسِهِ لا يميّزُهُ فيقولُ أيُّكم محمد؟! وتواضَعَ لقومِهِ فلم يرضَ أن يعاملوهُ معاملةَ الملوكِ والأباطرةِ وكان معهم سهلاً ليناً وصفه الله بقوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران:159) وهذه الصفة لم تنحصر بمن آمنَ به بلِ عمّتْ من عاداهُ وآذاهُ وقاتلَهُ حتى إذا نصرَهُ الله عليهم ودخلَ مكةَ فاتحاً سألهم ما تظنونَ أني فاعلٌ بكم فقالوا لهُ أخٌ كريمٌ وأبنُ أخٍ كريم فقال لهم إذهبوا فأنتمُ الطلقاءُ. وهو الذي كان في لحظةَ إيذائِهِ وهو يتألمُ من الإيذاءِ الجسديِّ والمعنويِّ يقول: "اللهم أهدِ قومي إنهم لا يعلمون". إن نبيَّنا الكريمَ الذي يؤلِمُهُ ما نتعرّضُ له من أذىً.. والحريصُ علينا.. يتعرَّضُ اليومَ لحملةٍ ظالمةٍ لا تنطلقُ إلا من حِقْدٍ أعمى على الإسلامِ ومقدَّساتِهِ ورموزِهِ ما يفرِضُ علينا أن نكونَ كمسلمينَ يداً واحدةً في مواجهةِ هذه الهجمةِ التي تستهدِفُ تقويضَ كيانِ أمَّتِنا من خلالِ المسِّ بمقدَّساتِها، وهي إن خَرَجَتْ منتصرةً من وراءِ هذه الهجمةِ فإنها ستطالُ في مرحلةٍ لاحقةٍ مقدَّساتٍ أخرى.. ونحن لسنا بغافلينَ عن مخططاتِ الكيانِ الصهيونيِّ تُجاهَ المسجِدِ الأقصى وما يَتحدَّثُ عنه بعضُ المتطرفينَ المرتبطينَ بالصهيونيةِ العالميةِ من دعوةٍ لتدميرِ الكعبةِ الشريفة. غير أننا لن نستطيعَ مواجهةَ هذِهِ الحملةِ متفرِّقينَ بل لا بدَّ من الوَحدةِ سبيلاً وحيداً لتحقيق النصر على أعداء الأمة والدين. وعلينا أن نعلَمَ أنَّ كلَّ قوى الكُفرِ اليومَ تسعى لإيقاعِ الفُرقَةِ بينَ المسلمينَ كي يضرِبَ بعضُهم رقابَ بعضٍ فَيَسْلَمَ الكفرُ وتضيعُ أمَّةُ الإسلامِ ويذهَبُ ريحُها فتُصبِحُ أمةً ضعيفةً لا يُحسَبُ لها أيُّ حساب.. وهذا ما حذَّرَنا منه الله سبحانه وتعالى عندما أمَرَنا بطاعتِهِ وطاعةِ رسولِهِ ونهانا عن التنازع حيثُ قال عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾..(الأنفال:46) انطلاقاً من جميع ما تقدّم يهمنا في تجمع العلماء المسلمين أن نؤكد على النقاط التالية: أولاً: على صعيد الوحدة الإسلامية: إنَّ مَهَمَّتَنا الرساليةَ كما أرادَ الله سبحانه وتعالى هي العملُ على نَبْذِ كلِّ دواعي الفُرقةِ في مجتمعِنا وأمَّتِنا، وإنَّ تَرْكَ القيامِ بهَذِهِ المَهَمَّةِ أو العَمَلَ على خلافِها سيحمِّلُنا حتماً مسؤوليةً تاريخيةً لن ترحمَنَا الأجيالُ عليها.. وتكونُ مسؤوليتُنا أمامَ الله عظيمةً إذ سيسألُنا عما عَمِلنا لوَحدةِ الأمةِ وكيفَ سََعَيْنا للوقوفِ في وجهِ التفرُقَةِ؟.. بل إن المسؤوليةَ أكبرُ، والعِقابَ أشدُّ فيما لو كنا ممن سعى في فُرْقَةٍ أو خلافٍ أدى لفتنة. يجب أن نعترفَ أن عدوَّنا قد تقدَّمَ خطواتٍ واسعةً في نشْرِ الفتنة المذهبية وهو بذلك قد حمى نفسَهُ من خطَرٍ داهِمٍ يتمثّلُ بوحدةِ المسلمين التي هي شرطٌ أساسٌ للقضاءِ عليه واستعادةِ ما سلَبَهُ منا من مقدساتٍ وأراضٍ. إن هذا الواقعَ يفرضُ على الجميعِ وخصوصاً العلماء وأصحاب الفكرِ المقاوِمِ أن يعلنوا الاستنفارَ ويواجهوا هذا الخطرَ الداهمَ بالدعوةِ لوحدةِ الصفِّ وتحديدِ العدوِّ الحقيقيِّ لهذه الأمةِ وهو الشيطانُ الأكبرُ أمريكا والكيان الصهيوني الغاصب. وهنا فإننا نحذِّرُ من إعادةِ إنتاجِ الفتنةِ المذهبيةِ في العراق ذلك أن فشلَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في السيطرةِ الكاملةِ على هذا البلدِ بسبب وعيِ الشعبِ هناك واضطرَارِها للخروجِ مذمومةً مدحورةً جعلَها تستنفرُ كلَّ طاقاتِها وعملائها لإيقاعِ الفتنةِ بين أبناءِ الشعبِ الواحدِ مع ما في ذلك من إمكانيةِ نقلِ الفتنةِ إلى بلدانٍ أخرى ما يفرضُ على العلماءِ والمثقفينَ مواجهةَ كلِّ الإثاراتِ المذهبيةِ والدفاعَ عن وحدةِ شعبِ العراقِ ووحدةِ أراضيه. لقد دعانا الله سبحانه وتعالى إلى أن نحصِّنَ مجتمعَنا من الاختلافِ المََقِيتِ الذي يسبِّبُ الفُرقةَ والفتنةَ وذلكَ من خلالِ الحرصِ على الإصلاحِ بين المسلمينَ إذا ما نَجَحَ الشيطانُ في إيقاعِ الفُرقةِ بينهم فقال لنا في كتابه الكريم: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.. (الحجرات:10). لقد دعانا الإسلامُ إلى الحوارِ والنقاشِ مع الآخرينَ ممن هم على غيرِ دينِنا مقدمةً للوصول إلى قاسَمٍ مشتركٍ يمْكِنُ أن يؤسِّسَ لأرضيةٍ تساهِمُ في استقرارِ المجتمعِ الذي يعيشُ فيه المسلمون مع غيرهم، فقد دعا الله سبحانه وتعالى للكلمةِ السواءِ مع أهلِ الكتاب فقال: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.. (آل عمران:64) فإذا كان الموقفُ مَعْ مَنْ هُم منْ غيرِ دينِنا هو السعيُ لحوارٍ عقلانيٍّ هادئٍ فكيفَ مع مَنْ هم مسلمون مثلُنا يؤمنون بالله الواحدِ والقرآنِ الكريمِ والنبي محمد صلى الله عليه وآله. إنِّ تعامُلَ المسلمِ مَعَ أخيهِ المسلِمِ يجبُ أن يكونَ على قاعدةِ الحوارِ والتفاهمِ لما فيه مصلحةُ الإسلامِ العليا لا مصلحةُ المذهبِ والفئةِ، وأكثرُ ما نهانا الله سبحانه وتعالى هو الخلافُ المؤدي للفتنةِ والاقتتالِ. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((لا ترجِعُوا بعدي كفاراً يضرِبُ بعضُكُم رقابَ بعض)). ثانياً: على صعيد ما سمي بالربيع العربي: إن الحِراكَ الذي قامتْ به أغلبُ شعوبِ العالمِ العربيِّ لا يمكنُ أن نقفَ عندَهُ مشككينَ بل إننا نعتبرُ أن هذِهِ التحركاتِ هي تحركاتٌ مخلصةٌ تنطلقُ من عذاباتٍ طويلةٍ ناتجةٍ عن الظلمِ والقهرِ الذي مارسَهُ حكّامُهُم إلا إننا وانطلاقاً من الحرصِ على هذا الحراكِ والأملِ في وصولِهِ إلى خواتيمِهِ السعيدةِ ندعو للتفكُّرِ قليلاً بما حصلَ لأن المطلوبَ من هذه الشعوب ليس استبدالَ حاكمٍ بآخرَ بقدرِ ما هو تغييرٌ حقيقيٌّ في النهجِ والسياسةِ وأن يعطى الشعبُ حقَّهُ في حُكمِ نفسِهِ بنفسهِ بعيداً عن إملاءاتِ الخارجِ وهذا ما لا نجِدُهُ حتى اليومَ.. فلم تستطع القوى البديلةُ في إحداثِ هذا التغييرِ الجذريِّ لا في السياسةِ الخارجيةِ ولا في الإصلاحِ الداخليِّ ولا في رفعِ الأزمةِ الاقتصاديةِ ولا في الخروجِ عن الإملاءات الأمريكيةِ ولا في التحلُّلِ من سيطرةِ صندوقِ النقدِ والبنكِ الدُّوَلِيَّيْنِ ولا في عقيدةِ الجيشِ القتاليةِ بل وجدْنا أن كلَّ ذلكَ بقي على حالِهِ بل تأكَّدَ بقاؤُهُ بضمانةِ السلطةِ الجديدةِ فالذي تغيَّرَ هو شخصُ الحاكِمِ لا النظام. إنّ نظرةً سريعةً للواقِعِ العربيِّ اليومَ تجعلُنا ندرِكُ أن مؤامرةً كبيرةً حيكتْ على الشعوبِ التي انتفضتْ فهل تشكُّونَ للحظةٍ أن شعبَ مصرَ وتونسَ والمغربَ وليبيا لا يعيرُ بالاًً للقضيةِ الفلسطينيةِ وأيِّ ربيعٍ بلا فلسطين؟!!. ففي مصر بقيتْ اتفاقيةُ كامب ديفيد وأُضيفَ إليها تدميرُ الأنفاقِ تحتَ حُجّةِ بناءِ منطقةِ تبادُلٍ تجاريٍّ حرّةٍ وتفتّحتِ العينُ على تهريب السلاح للمقاومين في غزة، وثورةٌ أخرى تنتفضُ والشعبُ ما زال يملأُ الساحاتِ والميادينَ في مصرَ ليقول أين المشاركةُ ولماذا الاستئثارُ بالحُكمِ وأينََ الوعودُ بعدَمِ التفرُّدِ.. وفي ليبيا لم تقمْ قائمةٌ للدولةِ بل هناكَ دعواتٌ للانفصالِ وقبائلٌ تتناحرُ.. وفي المغربِ لم تقمِ الحكومةُ الجديدةُ بإغلاقِ مكتبِ الصهاينةِ وقد لا نُفَاجَأ باستقبالِهِم غداً لمسؤولينَ صهاينة. وفي تونُس الشعبُ يسألُ اليومَ ما الذي تغيَّرَ؟.. كلُّ ذلكَ يفرِضُ علينا أن ننبِّهَ إلى مخططٍ يُعَدُّ لهُ وهو استغلالُ نهضةِ الشعوبِ والصحوةِ الإسلاميةِ والعربيةِ لبثِّ الفُرْقَةِ وتقسيمِ العالمِ الإسلاميِّ إلى دويلاتٍ طائفيةٍ ومذهبيةٍ تبرِّرُ يهوديةَ الدولةِ في فلسطين. ثالثا: الوضع في سوريا: هناك إشكاليةٌ كبيرةٌ تُطرَحُ علينا في تأييدِنا للدولةِ في سوريا وتحديداً للرئيس الدكتور بشار الأسد، وأنا هنا أريدُ أن أكون صريحاً إلى أبعدِ الحدودِ وأقولَ ما قلتُهُ لسيادةِ الرئيسِ مباشرَةً في اللقاءِ الأخير.. نحنُ لسنا مع شخصٍ في سوريا ولا مع نظامٍ بل نحنُ مع نهجٍ هو نهجُ المقاومةِ وإذا ما تركتموهُ فإننا نتركُكُم وهذه هي الخلفيةُ الحقيقيةُ لموقِفِنا ولكننا في الوقتِ نفسهِ لا نُقِرُّ الأخطاءَ التي ارتكبَها النظامُ في التعامُلِ مع الشعبِ في مواضيعَ كثيرةٍ وهو أقرَّ بها وعمِلَ على إصلاحِها وما زال يُبدي الاستعدادَ لإصلاحِها من خلالِ اجتماعِ كلِّ القوى المعارضةِ والمواليةِ في عمليةِ حوارٍ وطنيٍّ تضعُ الإصلاحاتِ الكافيةَ لإخراجِ البلدِ من المأزِقِ ولكنَّ الذي وجدْناه أن المطلوبَ ليس الإصلاحَ بل ضربُ هذه الدولةِ ورئيسِها تحديداً لدعمِهِ للمقاومةِ لأنَّ بذلك ينفرِطُ عقدُ المقاومةِ وتسهُلُ تصفيتُها. فنحن بدفاعِنا عن سوريا والرئيسِ الأسدِ شخصياً ندافعُ عن أنفسِنا وبالأمسِ جاءَ ما يؤكِّدُ لنا هذا الموقفَ.. فبعدَ فشلِ العصاباتِ المسلحةِ في النَّيْلِ من المركزِ العلميِّ الذي يطوِّرُ قدراتِ المقاومةِ والكائنِ في ريفِ دمشق قام العدوُّ الصهيونيُّ بضربِهِ مباشرةً.. ما يؤكِّدُ أن المستَهْدَفَ هو المقاومةُ وأنْ لا حلَّ في سوريا إلا بالحوارِ الذي يوصِلُ إلى بناءِ دولةٍ حديثةٍ وإذا كنتم تريدونَ الديمقراطيةَ فليترشّح مَنْ يريدُ في وجهِ الرئيسِ الأسدِ بعد انتهاءِ ولايتِهِ وليقُلْ الشعبُ كلمََتَهُ في انتخاباتٍ نزيهةٍ تُشرِفُ عليها جهاتٌ محايدةٌ. رابعاً: على صعيد فلسطين: ستبقى فلسطينُ القضيةَ المركزيةَ للأمةِ الإسلاميةِ وسنظلُّ نعمَلُ من أجلِ تحريرها حتى آخِرِ شِبْرٍ منها ولن نَسْمَحَ تحت أي عنوانٍ من العناوين بأن نُقِرَّ للصهاينةِ احتلالَهم لشبرٍ واحدٍ من أرضنا المباركةِ، وهذا الخيارُ ليسَ ضرباً من ضروبِ الخيالِ أو حُلماً عصياً على التطبيق، بل هو حقيقةٌ ووعدٌ إلهيٌّ سيتحققُ إن لم يكن اليومَ ففي الغد، وبالتالي فإننا نعمل كي تبقى هذه القضيةُ حيةً فينا نورِّثُها لأبنائنا. ونحن إن كنا لا نستطيعُ تحقيقَ هذا الوعدِ اليومَ فأبناؤنا سيحققونَهُ وأنْ نورِّثَهم قضيةً شريفةً خيرٌ ألفَ مرةٍ من توريثهم استسلاماً وهزيمة. وفي هذا المجال نتقدَّمُ باسمِ تجمع العلماءِ المسلمين بأسمى التهاني للمقاومةِ في فلسطينَ بكلِّ فصائلِها لنصرِها المؤزّرِ على العدوانِ الأخيِرِ على غزةَ وندعو إلى مزيدٍ من الاستعدادِ للحربِ المقبلةِ لأن هذا الكيانَ لن يتوقفَ عن التفكيرِ بضربِ المقاومةِ بكلِّ الوسائلِ المتاحةِ. ومن أوْجُهِ المؤامراتِ اليومَ عليها هو تحويلُ اهتماماتِها وتعديلُ أولوياتِها فمن المُعيبِ أن يُقتَلَ مجاهدٌ مقاومٌ فلسطينيٌّ على غيرِ ترابِ فلسطينَ في معركةٍ أقلُّ ما يُقالُ فيها أن العدوَّ اخترَعَها من أجلِ إبعادِ الكأسِ المُرّةِ عنه وإراحَتِهِ من المقاومةِ. فكلُّ مقاومٍ يُقْتلُ في غيرِ الساحةِ الحقيقيةِ للقتالِ هو مكسبٌ للصهاينةِ وخسارةٌ للمقاومة. وهنا نريد أن نقولَ للمقاومةِ إن الحربَ الحقيقيةَ والأولويةَ كما أرادَها الله عز وجل هي لقتالِ العدوِّ الصهيونيِّ ولذلك فإن الانغماسَ في السلطةِ والبعدَ عن المقاومةِ هو أولًُ الوَهَنِ وبدايةُ النهايةِ، لذا فإننا ندعو إلى حصرِ الجهدِ في دعمِ المقاومةِ، ودعمُها يكونُ بالتفرُّغِ لها وتحصينِها وعدمِ صرفِها عن مَهَمَّتِها. وهنا لا بد من شكرِ الجمهوريةِ الإسلاميةِ الإيرانيةِ على كلِّ الدعمِ الذي وفَّرَتْهُ للمقاومةِ في فلسطينَ ما مكَّنَها من تحقيقِ النصرِ الأخيرِ ولا ننسى ما قدَّمَتْهُ سوريا الأسد لها خصوصاً على صعيدِ تطويرِ القوةِ الصاروخيةِ التي كانت أساساً في إحرازِ النصر. خامساً: على الصعيد اللبناني: نؤكِّدُ على ضرورةِ الخروجِ وبسرعةٍ من الجَدَلِ القائمِ حولَ موضوعِ قانونِ الانتخابِ ونعتبرُ أن القانونَ الأمثلَ والذي يؤمِّنُ الانصهارَ الوطنيَّ هو في أن يكون لبنانُ دائرةً انتخابيةً واحدةً على أساسِ النسبيةِ وإذا ما تعذَّرَ ذلَك فلا أقلَّ منِ اعتمادِ النسبيةِ ضمنَ الدوائرِ الكبرى.. وإن كلَّ القوانينِ الأخرى هي إما إدخالٌ للبلدِ في فتنةٍ مذهبيةٍ مَقِيتةٍ أو تؤدي إلى غَلَبَةِ فئةٍ على أخرى فلا تؤمِّنُ تمثيلاً حقيقياً وعليه فإننا نعرِضُ خروجاً من المأزِقِ فيما لو فشلَ النوابُ في إنتاجِ القانونِ وذلك من خلال عرضِ الخياراتِ على استفتاءٍ شعبي كي يقولَ الشعبُ كلمَتَهُ في هذا الأمرِ المصيريِّ، وهنا نؤكِّدُ على الرفضِ المطلقِ لقانونِ الستين وبالتالي فإن عدمَ إقرارِ قانونٍ للانتخابِ في المدّةِ الدستوريةِ يجب أن يؤدّي إلى تأجيلِ الانتخاباتِ حتى الوصولِ إلى القانونِ الأمثل. نؤكد في تجمعِ العلماءِ المسلمينَ على ضرورةِ العودةِ للحوارَِ بين القوى الأساسيةِِ باعتبارِهِ الأسلوبَ الوحيدَ لوضعِ الحلولِ المناسبةِ للأزْمَاتِ التي يمُرُّ بها وطنُنُا شرطَ أن ينطلِقَ الجميعُ في أطروحاتِهم من تقديمِ مصلحةِ الوطنِ على أيةِ مصلحةٍ أخرى. نؤكد على أن المقاومةَ ليستْ خيارََ فئةٍٍ، وليستْ مكسباً سياسياً يريدُ المقاومونَ التمسُّكََ به، وليستْ هدفاً في حدِّ ذاتها، بل هي في الواقعِ خيارُ كلِّ الشرفاءِ في الوطنِ، ومسؤوليةٌ تَحمََّلَ عِبئَها بكلِّ رحابةِ صدرٍ مقاومونََ شرفاءََ أبطالٌ تركوا الدنيا وزخارِفَها لأَدَاءِ واجِبِهم تُجاهَ الله والوطن، وهي تعبيرٌ عن الدفاعِ عن كرامةِ الوطنِ وعزِّتهِ ولن تكونَ في يومٍ من الأيامِ ورقَةً سياسيةً بيدِ أحدٍ في الداخل أو الخارج. إن علاقةَ لبنان مع الشقيقةِ سوريا يجبُ أن تكونَ علاقةً مميزةً يحكُمُها المصيرُ المشتَرَكُ وعليه فإننا نؤكِّدُ على أهميةِ سياسةِ النأي بالنفسِ شرطَ أن تُنَفَذَّ بشكلٍ سليمٍ يبدأُ بمنعِ كلِّ عمليات تهريبِ المسلحينَ والسلاحِ عبرَ الحدودِ اللبنانيةِ ونؤكِّدُ على ضرورةِ احتضانِ اللاجئينَ السوريينَ وتأمينِ الملاذِ الآمنِ لهم بغضِّ النظرِ عن انتماءاتِهم السياسيةِ. يجب أن لا يغيبَ عن بالِ المسؤولين في زحمةِ المشاغلِ السياسيةِ الواقعُ الاجتماعيُّ الصعبُ الذي يعاني منه الناسُ، وندعو الحكومةَ إلى ابتكار الحلول للأزمةِ الاقتصاديةِ وتأمينِ الأمورِ الأساسيةِ للشعبِ من كهرباءٍ وماءٍ وتعليمٍ واستشفاء. سادساً: على الصعيد الإيراني: لن نكون إلا أوفياءَ لمن وقفَ معنا في أيامِ محنتِنا وقدََّمَ لنا كلََّ أنواعِ الدعمِ لإنجاحِ مقاومتنا، لذلكَ فإننا نشكرُ الجمهوريةَ الإسلاميةَ الإيرانيةَ على كلِّ الدعمِ الذي قدَّمَتْهُ لنا أيامَ محنتِنا وما زالت، ونؤكِّدُ على وقوفنا معها في وجهِ الهجمةِ الصهيونيةِ الأمريكيةِ الأوروبيةِ لمنعها من امتلاكِ التكنولوجيا النووية التي هي حقٌّ طبيعيٌّ لكلِّ شعوبِ العالم. أخيراً نشكُرُ لكم حضورََكُم وتشريفَكم لنا على مائدةِ رسول الله(ص)، مائدةِ الوحدةِ الإسلامية، وندعو الله أن يوفقكم وإيانا لما فيه مصلحةُ الإسلامِ والمسلمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وأنتم بألف خير.
|
||||